الأحد، 5 يوليو 2015

دراسة نقدية للإمامة عند الشيعة الإثني عشرية


أحاول في هذه الدراسة إيجاز نشأة وتطور فكرة الإمامة عند مذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية ووضعها في إطارها التأريخي بعيدا عن دوغما العقيدة الإثني عشرية.

تؤمن الشيعة بالإمامة، وهي "القيادة السياسية الدينية"(1)، ويرى جمهور الإمامية الإثني عشرية أن منكر الإمامة خارج عن الدين وهو كافر حقيقة ، ومحروم من النجاة والسعادة يوم القيامة، وإلى ذلك ذهب الشيخ الصدوق والشيخ المفيد والشيخ الطوسي ونور الله التستري والبحراني صاحب الحدائق ومحمد حسن المظفر وباقر النجفي والمرعشي النجفي وغيرهم كثير، وخالف في ذلك البعض فرأى أنها من اصول المذهب لا من اصول الدين منهم كاشف الغطاء والإمام الخميني والشهيد مطهري والسيد الطباطبائي(2).
فكيف تطورت فكرة الإمامة تأريخيا حتى وصلت إلى العقيدة التي تتطلب الايمان بإثني عشر إماما؟، وما هي أهم الإشكاليات في معتقد الإمامة عند الشيعة الإثني عشرية؟، هذا ما تحاول هذه الدراسة إيجازه.
بداية كان للأئمة نواب في الأماكن التي يوجد فيها الشيعة يهتمون بأمرهم ويجبون الأموال منهم وهو ما تحصل النزاعات بينهم بسببه عادة حتى أن بعضهم كان يزعم الغيبة للإمام بعد موته تهربا من دفع الأموال التي جمعها لمن تصدى للإمامة بعده. وكان الشيعة يعملون بسرية تامة خوفا من مراقبة الحكومات، ويتفق المؤرخ د. جواد علي مع شتروتمان أنه لم يكن هنالك أئمة حقيقيين بل كانت السلطة المطلقة بيد الوكلاء، ويرى جواد علي أن اختلاف وتضارب روايات أتباع الوكلاء وأصدقاء الإمام يرجع إلى تلك النزاعات مما أورث التعارض في جميع تراجم الشخصيات الشيعية المهمة، كما يذكر أن الأئمة لم يقوموا بعد الحسين بالعمل السياسي وقد بايعوا الخليفة وأن جميع الأئمة بعد جعفر الصادق قد ابتعدوا عن السياسة وعن الناس باستثناء علي الرضا الذي لم يطلب ذلك بل اختاره المأمون خليفة له.(1)

ومهما يكن هنالك من إشكالات في فرضية وجود الإمام ومعرفته وعملية التواصل معه فإن الشيعة يؤمنون بوجوب معرفة الإمام وطاعته وأنه يكون من نسل علي بن أبي طالب وفاطمة ابنة نبي الإسلام اعتمادا على نصوص مروية عن نبي الإسلام منها "تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا كتاب الله وعترتي" وحديث "أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي من بعدي" وحديث "من كنت مولاه فهذا علي مولاه...." ولهذا الحديث زيادة عند الشيعة غير معتمدة عند أهل السنة، وتبحث الإمامية دوما عن الإمام المعصوم في نسل الحسين والذي يعرف عند الإمامية بالنص عليه، وتعتمد الشيعة الإمامية في إثبات العصمة بصورة أساسية على ما يعتبره متكلموهم "أدلة عقلية" لا حاجة للاطالة في الحديث عنها فالواقع يبطلها كما سيأتي، وهم بتلك "الأدلة" علاوة على النصوص الموجبة للتمسك بعترة نبي الاسلام يردون دعوى أهل السنة وغيرهم ممن قال بالخلافة وأنهم يقوّمون الخليفة إن لم يطع الله والرسول معتمدين في فهمهم للدين على تفاسيرهم المختلفة لنصوص القرآن والسنة 
كتب الحديث
لم تكن موجودة عند الشيعة الإمامية في فترتهم المبكرة فقد استغنوا عنها حسب اعتقادهم بالإمام المعصوم الذي يغنيهم عن تلك الوسائل، لكنهم سيضطرون إلى اللجوء إليها لاحقا بعد فترة من موت الحسن العسكري دون ولد أو غياب ابنه حسب اعتقادهم وكما سيأتي.
يظهر من تتبع معتقدات فرق الشيعة في الفترة المبكرة أن النص على اثني عشر إماما لم يكن له ذكرا عندهم مما يوحي أنه لم يُروَ أو لم يَثبـُت عن أئمتهم في تلك الفترة رغم أننا نجد نصا مقاربا في حديث أهل السنة لا سيما لفظ البخاري للنص المروي عن نبي الإسلام وهو "سيأتي بعدي إثنا عشر أميرا ..... كلهم من قريش" (في لفظ رواية مسلم "اثنا عشر خليفة") (3)، ويظهر أن الفكرة تقليد للنقباء الإثني عشر لبني إسرائيل الذين أشار إليهم القرآن على سبيل المثال في قوله "ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا" (المائدة / 12)، أو لحواريي المسيح الاثني عشر،مع كل الإحتفاء به من قِبَل الشيعة الإثني عشرية لجأوا إليه  لقدرته على حل إشكال موت إمامهم الحادي عشر دون ولد، مع حل مشكلة تطابق العدد باختراع شخصية الإمام الثاني عشر وغيبته.
ويظهر اختلاف الشيعة الإمامية بعد موت الإمام عادة في كتب الفرق ومنها كتاب "فرق الشيعة" للشيعي الإمامي الحسن بن موسى النوبختي (الذي توفي بين 300-310 هـ حسب جواد علي)، وبمطالعته نجده يؤيد ما يذهب إليه الباحث أحمد الكاتب من أن الشيعة الإمامية كانوا يتحدثون في القرن الثاني والثالث الهجري عن استمرار الامامة الى يوم القيامة وعدم تحديد عدد الائمة برقم معين (3)، مما يبين أن تحديد عدد الأئمة باثني عشر قد تم اختراعه مؤخرا عند الإمامية ووُضِعت الأخبار في ذلك عندهم، وهذا لا يعني أن فكرة القائم المهدي لم تكن قد دخلت إلى الاسلام قبل ذلك لكن العدد "اثني عشر" لم يكن له ذكر بل كان المعتبر أن الإمام ينص على الذي بعده حتى إن الشيخ الصدوق يبني اعتقاده بصحة روايات الإمامية التي نصت على اثني عشر إماما على تأييد روايات أهل السنة لها(3).
أما عن الكتب التي ذكرت روايات توصية الإمام لشخوص السفراء لتولي تلك المهمة فيعترف رجل الدين الشيعي كاشف الغطاء أنها من أخبار الآحاد لكنه يزعم أنها "أمينة بحيث يمكن إقامة رأي علمي عليها دون حرج" لكن جواد علي يشير إلى أن هنالك روايات متناقضة في تلك الكتب حول هذا الأمر منها ما يذكر أن أم الإمام الحادي عشر هي النائب عن الإمام الثاني عشر. (1)
وقد تعرض المعتقد الشيعي الإمامي لمصاعب كثيرة عبر التأريخ فمثلا يذكر النوبختي أن أبا عبد الله جعفر بن محمد قد أوصى لابنه اسماعيل بالإمامة فمات إسماعيل في حياته فارتدت جماعة من أصحابه وقالوا عن جعفر "كذبنا ولم يكن إماما لأن الامام لا يكذب ولا يقول ما لا يكون"، ورووا أنه قال مبررا موت إسماعيل رغم تسميته له إماما "إن الله بدا له في أمر إسماعيل" فرفض بعض أصحاب أبي جعفر محمد بن علي القول بالبداء ومالوا إلى مقالة سليمان بن جرير الذي أشار لأصحابه إلى أن أئمة الرافضة يلجأون إلى القول بالبداء لتبرير ما يقع من خطأ في تنبؤهم لما يكون في المستقبل وإلى إجازة التقية لتبرير نسيان فتاواهم السابقة والقول بخلافها، وقد انقسمت شيعته بعده إلى ست فرق منها فرقة لم تعتقد بموته تدعى الناووسية قالت إنه سيظهر ويلي أمر الناس وهو القائم المهدي، ومنها فرقة قالت بإمامة عبد الله بن جعفر الأفطح الذي مات دون ولد فانضموا لمن قال قبلهم بإمامة موسى بن جعفر. وادعت القرامطة أن محمد بن إسماعيل بن جعفر هو الإمام القائم المهدي.(4)
وبعد موت موسى بن جعفر في سجن الرشيد افترقت شيعته إلى خمس فرق نذكر منها فرقتين، فرقة قالت أنه لم يمت ولا يموت حتى يملك شرق الأرض وغربها ويملأها عدلا كما ملئت جورا وأنه القائم المهدي ورووا عن أبيه جعفر روايات تؤيد ذلك، وفرقة قالت بإمامة علي بن موسى الرضا، ومات الرضا وتفرق أتباعه من بعده فقد كان أكبر عمر أبنائه وإسمه محمد سبع سنين وكان قد تركه إلى خراسان وعمره أربع سنين وأشهر، لذا رجعت فرقة إلى القول بالوقف وذهبت الاٌخرى إلى إمامة أحمد بن موسى.(4) لكن فرقا اُخرى من الشيعة رأت أن الإمامة لا ترتبط بسن معينة (1) وهو ما قد يستغربه المتدينون المخالفون للشيعة كأهل السنة ويتساءلون عن كيفية إنهاء طفل عمره أربع سنوات للتعلم من الإمام الذي قبله أو بإلهام من الله مباشرة (5)، .
ونعود إلى سلسلة الأئمة، فبعد محمد بن علي بن موسى، صارت الإمامة إلى ابنه ووصيه علي بن محمد بن علي بن موسى (أبو "الحسن العسكري") فلما توفي اختلفوا إلى فرق منها فرقة تضم كثيرا من أصحابه ذهبت إلى إمامة ابنه الحسن العسكري الذي هو الإمام الحادي عشر عند الإثني عشرية وكانت الصدمة حين مات الحسن العسكري (عام 260 هـ) دون ولد فاختلفوا إلى فرق يعد منها النوبختي ثلاثة عشر فرقة فمنهم من قال إنه لم يمت لكنه غاب وإنه القائم، معتبرين أنه لا يجوز للإمام أن يموت ولا ولد له ولا خلف معروف ظاهر قالوا فنحن مضطرون للوقوف عليه لأن الأرض لا تخلو من إمام فلا بد أنه غائب!، وفرقة ثانية قالت بنحو ذلك غير أنها صدقت بموته وبأنه حي بعد الموت، وفرقة ثالثة قالت بموته وزعموا أن الحسن قد أوصى بإمامة أخيه جعفر من بعده رغم كل العداوات بينهما في حياتهما ورجعوا عن قولهم في منع وصية الأخ لأخيه وأن الإمامة يجب أن تكون في عقب الإمام بعد الحسين، وفرقة رابعة رجعت عن الاعتقاد بإمامة الحسن وادعت بطلانه لأنه لا خلف له وقالت بإمامة جعفر من طريق أبيه حيث أنكروا أنه يجوز حسب قول جعفر بن محمد وغيره من أئمتهم أن تكون الإمامة بين أخوين بعد الحسن والحسين، أما الخامسة فلم تجد مهربا من الصفات الذميمة لجعفر الذي هو ظاهر الفسق ولا من عدم وجود خلف للحسن إلا بإنكار النص على أي منهما والقول بأن الإمامة لمحمد بن علي الذي مات في عهد أبيه لأن له عقب معروف قالوا ولا مناص عن ذلك سوى بطلان الإمامة أصلا وهو ما لا يجوز، والفرقة السادسة تفرض له ولدا "اسمه محمد" للخروج من المأزق متمسكين بأن إمامة الحسن ووصيته ثابتة ولا يمكن التراجع عنها وبالتالي لا بد له من خلف ومن إمامة هذا الولد وبرروا اختفاءه بالتقية خوفا من عمه جعفر وغيره من أعدائه! وأنه في إحدى غيباته وأنه هو الإمام القائم وزعموا أنه عرف في حياة أبيه وأنه قد نص عليه، بينما كذبتهم الفرقة السابعة في دعوى وجوده أثناء حياة الحسن فقالوا أن ذلك لا يخفى وأن الولد لا بد أنه وُلِد بعد موت الحسن بثمانية أشهر وأنكرت ذلك الفرقة الثامنة وقالت لا ولد للحسن أصلا، قالوا "لأنا قد امتحنا ذلك وطلبناه بكل وجه فلم نجده، ولو جاز لنا أن نقول في مثل الحسن وقد توفي ولا ولد له أن له ولدا لجازت مثل هذه الدعوى في كل ميت عن غير خلف ولجاز ذلك في النبي ........ لأن مجيء الخبر بوفاة الحسن بلا عقب كمجيء الخبر بأن النبي لم يخلف ذكرا من صلبه فالولد قد بطل لا محالة ومع ذلك فهناك حبل قائم فإنه لا يجوز أن يمضي الإمام ولا خلف له فتبطل الإمامة وتخلو الأرض من الحجة"، ورُد عليهم بأن الحبل لا يكون أكثر من تسعة أشهر وأن الحبل الذي ادعوه قد مضى عليه سنون ولا بينة على قولهم، وقالت التاسعة إن وفاة الحسن قد صحت لكثرة المشاهدين لموته وتواتر ذلك عن أوليائه وأعدائه كما صح بمثل ذلك أن لا خلف له، وأن الإمامة قد انقطعت بعد الإمام الحادي عشر الحسن العسكري" كما انقطعت النبوة من قبله وزعموا أنه ليس في قولهم هذا بطلان الإمامة، وكذلك لم تزعم ثلاثة فرق اُخرى أن للحسن العسكري ولدا، فقالت إحدى تلك الثلاثة إن الأمر قد اشتبه علينا وقد كثر الإختلاف وإن الأرض لا تخلو من حجة ونحن "نتوقف ولا نقدم على القول بإمام بعده إذ لم يصح عندنا أن له خلفا وخفي علينا أمره حتى يصح لنا الأمر ويتبين".(4)
وأخيرا يذكر الكاتب رأي فرقة يصفها بأنها "الشيعة الإمامية الصحيحة التشيع" وأنها تمثل المأثور عن الأئمة، وهو أن الإمامة بعد الحسن والحسين لا يجوز أن تكون في الأخوَين وأنها في عقب الحسن بن علي (العسكري) "إلى فناء الخلق وانقطاع أمر الله ونهيه ورفعه التكليف عن عباده متصلا ذلك ما اتصلت امور الله" وأن الأرض لو خلت من حجة لساخت هي ومن عليها، وهم مؤمنون بأن للحسن (العسكري) خلفا من صلبه سيظهر ويعلن أمره كما فعل نبي الإسلام في بداية أمره في مرحلة الدعوة السرية في مكة حيث "ترك إظهار النبوة التي هي أجل وأعظم من الإمامة".(4) .. انتهى الإقتباس من كتاب "فرق الشيعة".

والآن نلخص أهم ما نفهمه من هذا الكلام:
1- أنه لا وجود لأي نص على إثني عشر إماما مما يدل على أن الأخبار التي يرويها الإثنا عشرية اليوم موضوعة، وُضِعت ثم اشتهرت بعد الغيبة الصغرى عندما رأى الناس عدم ظهور ذلك الإمام.
2- أن الشيعة الإمامية كانت ترى استمرار الإمامة إلى يوم القيامة مما يؤكد رفض أي عدد محدد للأئمة.
3- أن الإعتقاد بوجود ولد للإمام الحسن العسكري كان مسألة إيمانية عقائدية لا دليل تأريخي عليها.
4- أن الاعتقاد كان سائدا بين من اعتقد بالغيبة أن الغيبة لن تطول حتى أنهم يستدلون على جواز غيبة الإمام بزمن الدعوة السرية لنبي الاسلام في مكة!
وأقصى ما قيل في الفترة بين كل هذه الفرق هو قول الفرقة التاسعة أنها كالفترة المعتبرة بين عيسى ومحمد وهي حوالي ستة قرون وقد تجاوزت الغيبة اليوم هذه الفترة بأكثر من خمسة قرون، مع ضرورة الإشارة إلى أن هذه الفرقة جوزت إنقطاع الإمامة خلافا لغيرها من الفرق وتروي عن أبي عبد الله جعفر بن محمد أن "الأرض لا تخلو من حجة إلا أن يغضب الله على أهل الأرض بمعاصيهم فيرفع عنهم الحجة إلى وقت" وسيأتي الرد على من يلقي باللائمة على الناس في غياب الإمام.
وليس من الغريب أن تظهر شائعات بين بعض الشيعة بعد موت إمامهم دون ولد حول وجود ابن "مخفي" لذلك الإمام أسموه "محمد بن الحسن العسكري" لينقذوا مذهبهم.
يخبرنا جواد علي أن الحل في ذلك "الوضع المتأزم" بعد موت الإمام الحادي عشر دون ولد عند كثير من الشيعة قد تمثل بأنه قد كان للإمام ولد، وكان هناك شهود كثيرون على ذلك رأوا الولد، وكان هذا الولد خليفة أبيه، وقد أخفاه الله خوفا عليه من الخليفة فهو لا يتصل بالناس إلا عن طريق وكيله، ويحدثنا المؤرخ عن الاختلافات بين من أثبت ولدا للحسن العسكري فعن ولادته كان مقترح أقدم كتب الشيعة الاثني عشرية ذات العلاقة هو عام 255 أو 256 هـ وموضع واحد يذكر عام 254 هـ، وقد ذكرنا أن الفرقة السابعة في كتاب فرق الشيعة تقول أنه ولد بعد ثمانية أشهر من موت الحسن، وذهب أبو الحسن الخصيبي (باب النصيرية) أنها عام 257 هــ بينما ذهب آخرون إلى عدم إمكان تحديد سنة ميلاده والتي لا يذكر الأشعري (324 هـ) مؤلف "مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين" شيئا عنها، كما أن الكتب في زمن الغيبة الصغرى لا تحدد زمن إختفاء الإمام ولا مكانه، وقصة الإختفاء في السرداب لم ترد إلا في الكتب المتأخرة. وحين وشى جعفر أخو الحسن العسكري للخليفة بأن الشيعة يؤمنون بولد للإمام أخفته أمه صيقال، أنكرت أن تكون قد ولدت لكنها قالت بأنها حامل فوضعت تحت المراقبة لثلاث سنوات دون أن تلد. (1)
لم يجد الإثنا عشرية الأوائل مشكلة أن الإله الإسلامي يأمر الناس باتباع الإمام ويعجز عن حفظه من الناس، لكنهم في نفس الوقت لم يظنوا أن ذلك الإمام الذي آمنوا بوجوده لن يظهر لأحد عشر قرنا، وبالتالي لم تكن المشكلة نظريا بالحجم التي هي عليها اليوم عند من يوجب معرفة الإمام وطاعته وهو يجوّز غيابه لكل هذه الفترة.

والحاصل أنه قد آمن بعض الشيعة فيما بعد هذه الفترة بوجود هذا "الإمام المختفي" الذي لا دليل على وجوده وأن له "سفراء أربعة" موثوقون، لكن ذلك المنصب كان يدعيه كثير من النواب الآخرين (1) حيث ينقل الباحث أحمد الكاتب في كتابه أسماء أربعة وعشرين شخصا ادعوا نيابتهم عن الإمام الذي أسموه "محمد بن الحسن العسكري" (3) منهم الشريعي والنميري والعبرتائي والحلاج، مما يؤكد أن دعوى النيابة كانت مربحة فالسفراء كانوا يجمعون مبالغ مالية من الناس (1) مباشرة أو بواسطة الوكلاء أو النواب (3) بدعوى إيصالها للأئمة وبما أنه لا نيابة بدون منوب عنه فإن دعوى السفراء مشاهدة الإمام قد يكون اختلاقا له كوسيلة لتحقيق المنفعة الشخصية لا دليلا على وجوده كما يقول رجال الدين الإثنا عشرية الذين هم بدورهم اليوم يبررون بما يدعونه "النيابة العامة" أخذ الخمس من أموال الناس بخلاف المتقدمين منهم كالمفيد والمرتضى والطوسي (3)، والشيعة المتدينون اليوم يدفعون هذا الخمس دون أن يعود عليهم ضمان اجتماعي منه كما هو الحال في الدول التي تحكمها أنظمة ليبرالية اجتماعية أو ديمقراطية اشتراكية.

ومن الشخصيات التي ادعت منصب السفير الثاني حسب ما ينقله جواد علي عن الطوسي هو محمد بن نُصَير النـُّمَيري الفـَهري الذي يتبعه النصيرية أوالنميرية الذين يقدسون أيضا الأئمة الإثني عشر، ولديهم معتقدات اُخرى كالتناسخ والقول بأن الحسين لم يقتل في كربلاء بل رجل يشبهه كما حصل للمسيح.(1)

ولم يكن أمرا طبيعيا السؤال عن شخص الإمام حيث ينبه جواد علي إلى أن الكتب الشيعية تحرم مجرد ذكر إسم الإمام وأن السفراء كانوا يبررون المنع من ذلك بتعريض الإمام للملاحقة من أعوان الخليفة (1).
يقول الحسن النوبختي الذي عاش بداية الغيبة الصغرى عند كلامه عن عقيدة فرقة الإمامية مشيرا إلى الإمام: (4)
"ليس للعباد أن يبحثوا عن أمور الله ... ويطلبوا إظهاره ... ولا يجوز ذكر اسمه ولا السؤال عن مكانه حتى يؤمر بذلك، إذ هو عليه السلام مغمود خائف مستور بستر الله تعالى وليس علينا البحث عن أمره بل البحث عن ذلك وطلبه أمر محرم ولا يحل لأن في طلب ذلك وإظهار ما ستره الله عنا وكشفه وإعلان أمره والتنويه بإسمه معصية لله والعون على سفك دمه عليه السلام ودماء شيعته وانتهاك حرمته...... وفي ستر ذلك والسكون عنه حقنها وصيانتها وسلامة ديننا..."

ويظهر من ذلك أن تهرب السفراء من إثبات وجود الإمام المزعوم كان أمرا هينا في ظل هذه العقيدة التي تحرّم السؤال عنه بدعوى تعريضه للخطر.

وانتهت فترة الغيبة الصغرى عند الشيعة الإثني عشرية بموت "السفير الرابع" السمري عام 329 هـ والذي لم يعين سفيرا من بعده (1)، وكما فعل كثير من الشيعة في تأريخهم عند الوصول إلى طرق مسدودة بعد موت إمامهم اكتفى البعض باثني عشر إماما وادعوا غيبة الأخير ووجدوا ضالتهم في تراث الأديان السابقة وتوظيف "النص السني" عند البخاري ومسلم الذي يتحدث عن اثني عشر إماما واختلاق نصوص مماثلة.
وهكذا نشأ مذهب الإثني عشرية وأسمَوا الفترة بين موت الحسن العسكري وموت آخر "السفراء" بـ"الغيبة الصغرى" وما بعد موت السمري الغيبة الكبرى(3)، ووضع رجال الدين الشيعة الأخبار التي تقول بمشاهدة ذلك الإمام وأن المعجزة والكرامة كانت تجري على أيدي السفراء، علما أن النوبختي الشيعي الإمامي (ت 300-310) لا يذكر في كتاب "فرق الشيعة" شيئا عن السفراء، وأنه لا دليل على أن الكتب التي تحدثت عن المهدي قبل الغيبة الصغرى تعني الإمام الثاني عشر تحديدا إذ إن فكرة المهدي موجودة قبل ذلك وقد تحدثت الفرق الشيعية المختلفة عن شخصيات اُخرى اعتبرتها المهدي (1) والأحاديث التي تذكره عامة غير محددة بشخص معين(3)، ولا زال الشيعة الاثني عشرية يعتقدون أن إمامهم موجود لكنه غائب، وما زال بعضهم يردد حتى يومنا هذا أن من أسباب غيابه هو الخوف عليه من العباسيين!.

أما الأعجب من ذلك عند رجال الدين الشيعة الإثني عشرية هو أنهم ينسون أو بالأحرى يتناسون في معرض تبريرهم لغياب الإمام ما يعتبرونه أدلة على وجوب وجود إمام معصوم فالله حسب زعمهم لا يترك الناس هملا دون إمام معصوم يبين لهم أحكام الشريعة ووجود الإمام المعصوم عندهم لطف من الله واللطف واجب على الله (يعنون "الوجوب من حيث الحكمة" كما عند المعتزلة).
وفي جواب على استفسار بهذا الخصوص مرسل إلى "مركز الأبحاث العقائدية" يضع المجيب المسؤولية في الغيبة على عاتق الناس المساكين الذين ما زالوا ينتظرون قدوم الإمام المزعوم كل هذه الفترة فيقول: (6) 
"انّه لمّا لم تكن العلّة في الغيبة على عاتقه عليه السلام فالمسؤوليّة في هذا المجال تبقى مع الناس ...... لو كانت المصالح تقتضي ـ ومنها تلقّي الوسط العام من المجتمع قبول الإمام "عليه السلام" لما استمرّت الغيبة طوال هذه الفترة المديدة ، وهذا معنى كلام بعض العلماء "رحمهم الله" "وجوده لطف وتصرّفه لطف آخر وعدمه منّا""

أقول: حتى لو سلمنا جدلا بعدم وجود قبول عام من المجتمع فإن ذلك لا يرد دعوى عدم وجود إمام معصوم بل يعطي سببا آخر يقوّي تلك الدعوى فالمسلمون ليسوا فقط مستغنين عن إمام معصوم بل هم لا يستحقونه أو لا يريدونه أصلا! فهو قد أثبت الإعتراض على مذهبه من حيث أراد نفيه!
ثم يتذرع لغياب الإمام بأن هذه الأدلة التي يطرحونها عند محاولة الاستدلال على ضرورة وجود إمام معصوم "تأخذ على عاتقها اثبات وجود الامام في الكون"(6) وكأن الناس الذين يريد متكلموا الإمامية الإستدلال على وجوب تدليلهم على مصالحهم وتعريفهم بالأحكام الشرعية يسكنون في مجموعة شمسية اُخرى في مجرتنا أو ربما في إحدى المجرات السحيقة!
ثم يهرب المجيب من "الهداية التشريعية" التي "تتعلق بالأمور التشريعية من الاعتقادات الحقة والأعمال الصالحة" وهي طبعا الوحيدة التي يمكن التحقق منها والذي يظهر جليا عدمه بعدم وجود إمام، وينتقل منها إلى الوظيفة الثانية للإمام عنده وهي "الهداية التكوينية" والتي هي "إراءة الطريق وسوق الكائنات إلى ما ينبغي لها من الكمال كل بحسبه"، فالعالـَم من دون الإمام برأي بعضهم "يضطرب ويختل توازنه" مستدلا بما ورد في حديث أن "الأرض من دون الإمام تسيخ بأهلها"(7)
وطبعا نحن كلادينيين واثقون بأنه لا الله هو المسؤول عن توازن الكون ولا بعض الأئمة بل نعلم أن الجاذبية تعمل حسب الاصول وفق قانون الجذب العام الذي اكتشفه نيوتن دون الحاجة إلى أي من المذكورين أعلاه، كما إنه من الواضح أن فرضية الهداية التكوينية مبنية على النقل والإيمان الصرف فكيف يستدل على وجوب وجود إمام غائب بفرضية واضحة البطلان.
وإذا كان من الممكن للإمامية الذين عاشوا بعد الغيبة بفترة قصيرة أن ينتظروا بدون إمام دون أن تنتهي صلاحية أدلتهم على وجوب وجوده فإن طول هذه الفترة لقرون طويلة تتجاوز المدة بين نبي الاسلام وعيسى (أو يسوع) لهو أكبر دليل على بطلان دعواهم.
ومن الغريب أن يجوّز بعض الشيعة اختفاء إمامهم بناءً على اختفاء عيسى عند المسيحيين فالمسيحية لا تؤمن بوجوب وجود من يدل الناس على مصالحهم ومنافعهم ويبين لهم الأحكام الشرعية كما تقول الإمامية.

أما بالنسبة لاختراع "النيابة العامة" و"ولاية الفقيه" فهو ليس إلا التفافا على فكرة ضرورة وجود إمام معصوم(3)، فإن جاز حسب زعم بعض الشيعة المتأخرين نيابة الفقهاء لقرون طويلة عن الإمام وهم غير معصومين دل ذلك على بطلان ضرورة وجود إمام معصوم في كل زمان وأن تركهم دونه جائز الوقوع وبالتالي جائز على الإله الذي يؤمنون به.
وعمليا مرة اُخرى نرى الشيعة الإثني عشرية قد واجهت نفس المشكلة التي واجهها من لا يؤمن بالإمامة فسلكوا بعد عصر الغيبة سلوكا مشابها لسلوك أهل السنة قبلهم في القرن الثاني من حيث الحاجة إلى الإجتهاد بسبب عجز النصوص الدينية عن الإيفاء بالمستجدات، فظهر "الاصوليون" من الشيعة الإمامية الذين تأثروا بعقائد المعتزلة بعد أن طال الزمان واختلفت الروايات الموجودة في كتب الحديث عند الشيعة عن أئمتهم بين الجبر والإختيار مثلا، فكان أصحاب جعفر بن محمد يلعن بعضهم بعضا فمنهم من يرى الجبر ومنهم من يرى الإختيار، ولم تكن هذه هي المسألة الفقهية أو الكلامية الوحيدة التي اختلفوا حولها بل كان "الإنقسام سمة علم التوحيد الشيعي" قبل الغيبة حسب تعبير جواد علي الذي يرى أنه لم تكن هنالك سوى الإيمان بالإمامة عقيدة موحدة عند الإمامية قبل الغيبة الصغرى كما لم تكن هنالك عقيدة موحدة في علم التوحيد بعد موت النبي(1)، ويُلحَظ الشبه مع عقائد المعتزلة في اصول الدين كما صاغها الشيخ المفيد (413هـ) بنقاطها الخمسة في اشتراكها مع المعتزلة في الأصلين الأولين (التوحيد والعدل). (8)
ومن الأمثلة عن ما يروى من اختلاف رأي أصحاب جعفر بن محمد (الملقب بالصادق) في العقائد عن الذي ساد عند الإمامية فيما بعد هو أن زرارة بن أعين قد اتهم بالتشبيه وبأنه كان يرى أن الله جسم صلب، وكذلك كان هشام بن سالم الجواليقي يقول بالتشبيه. وقد روي أن هشام بن الحكم كان مشبِّها أيضا وممن روى ذلك من الشيعة المتقدمين الحسن بن موسى النوبختي (1).

بدأت فرقة الاصوليين بعد الغيبة الصغرى بمعالجة مشكلة عجز النصوص الدينية عن تلبية المستجدات باختراعات مشابهة إلى حد ما لما وجد قبل ذلك عند الاصوليين من أهل السنة كوسيلة لحل المشكلة ذاتها حيث استخدم الحسين بن عقيل العاملي وابن الجنيد مناهج المتكلمين ومصطلحات علم الكلام، ورغم الرفض الذي لاقاه عمل ابن الجنيد بالقياس فقد لقي مذهب الاصوليين الذي أسس للإجتهاد عند الإمامية دعما من المفيد والمرتضى (1) وبدأ هذا المذهب يسود، ثم ظهر الإجماع عند الإثني عشرية على يدي تلميذي المفيد (المرتضى (436هـ) والطوسي (460هـ)) وهو ما يكون دليلا على الحكم الشرعي، بمعنى أنه كاشف عن قول المعصوم(5) إلا أن الإماميين قد يختلفون أحيانا في ما يمكن أن يكون كاشفا عن قول المعصوم فمثلا يمنع الاصوليون من الإمامية تقليد المرجع الميت ابتداءً معتمدين على إجماعٍ يعتبره السيد ياسر إبراهيم غير صالح لأن يكون كاشفا عن قول المعصوم(9)، وتطور مفهوم "العقل" في اصول الفقه بعد المفيد حتى نص عليه محمد بن أحمد بن إدريس (598هـ) كدليل شرعي والتي أصبحت بذلك أربعة هي الكتاب والسنة والإجماع والعقل (10) وعرّف دليل العقل بعد ذلك المحقق الحلي (676 هـ) بأنه لحن الخطاب وفحوى الخطاب ودليل الخطاب، وما ينفرد العقل بالدلالة عليه ويحصره –حسب المظفر- في وجوه الحسن والقبح (5). لكن الشيخ المظفر احتار في ما أراده المتقدمون من الإمامية الاصولية بدليل العقل فابن إدريس لم يشرحه وبعض الذين أتوا بعده يضيفون إليه أمورا كالبراءة الأصلية والاستصحاب أو يطرحون منه، أما المظفر نفسه فيقسم دليل العقل إلى حكم العقل بالحسن والقبح وحكم العقل بالملازمة بين حكم الشرع وحكم آخر، ويعرّفه بأنه "كل حكم عقلي يتوصل به إلى الحكم الشرعي" (5)، وحسب الكاتب يحيى محمد السوداني فإن الإخباريين قد نجحوا في النهاية في جعل الإمامية تتخلى عن فكرة أن العقل كاشف عن الحكم الشرعي(11).
ويرى جواد علي أن القياس هو جزء من دليل العقل أو هو نفسه تحت مسمى آخر ورغم ذلك يرفض الإثني عشرية اللفظ الأول ويقبلون اللفظ الثاني (1) فهل هذا صحيح؟
في رد على مثل هذا السؤال حول الفرق بين القياس ودليل العقل يرد أحد رجال الدين الإثني عشرية بالقول أن "القياس قسمان، منطقي صحيح وشرعي ظني لا يجوز كما عند أهل السنة باستثناء منصوص العلة".
http://www.aqaed.com/faq/2007
وأقول إن القياس المنطقي إما أن تدخل في مقدمته علة منصوصٍ عليها شرعا وهذا قليل جدا لا يكفي للوقائع المستجدة، أو تكون غير منصوص عليها فيكون حكما بالعقل ابتداءً أي استقلال العقل بالحكم وجعله حجة على الحكم الشرعي وهي تهمة الإخباريين (الذين يرفضون دليل العقل) والتي ينأى الاصوليون المتأخرون بأنفسهم عنها كما نقلنا عن السوداني(11) وكما هو عند الشيخ المظفر الذي يرى أنه لا يمكن أن يستقل العقل بإدراك الأحكام الشرعية ابتداء بل هو حجة يتوصل به إلى الحكم الشرعي(5)، وموقفهم هذا ليس غريبا لأن الحكم بالعقل ابتداءً هو حكم لاديني يوضح عدم الحاجة إلى الشرع والدين أصلا، أو بتعبير بعض الإخباريين من الإمامية "بطلان إرسال الرسل وإنزال الكتب"(11) ونحن كلادينيين نقول أن ذلك باطل بالفعل، أما الاصولية من الإمامية اليوم فكيف يزعم بعضهم الحكم فيما يستجد من الامور باستعمال دليل العقل دون الحكم بالعقل ابتداءً مع زعمهم التوصل إلى الحكم الشرعي دون استعمال القياس، وليس هنالك سواهما؟!
يقول المظفر " إننا نقصد من الدليل العقلي حكم العقل النظري بالملازمة بين الحكم الثابت شرعا أو عقلا وبين حكم شرعي آخر"(5)، وأقول هذا لا يكون إلا بإثبات حكم الأصل للفرع لاشتراكهما في العلة والذي هو القياس عند أهل السنة، وبالفعل لم يستطع الشيخ المظفر أن ينتهي من شرحه لدليل العقل إلا باستخدام كلمة القياس بقوله "فإن هذه الملازمات وأمثالها أمور حقيقية واقعية يدركها العقل النظري بالبداهة أو بالكسب، لكونها من الأوليات والفطريات التي قياساتها معها....".
يتضح من ذلك أن قول د. جواد علي أن القياس عند أهل السنة هو جزء من دليل العقل عند الإثني عشرية صحيح وأنه مجرد تلاعب بالألفاظ هروبا من الاعتراف بالعمل بالقياس والرأي المذمومين في كتب الحديث عند الشيعة.

وتقول الفرقة الاصولية من الإمامية بإباحة ما لم يرد فيه نص بناء على البراءة الأصلية والاستصحاب، وترفض ذلك الإخبارية وتطالب بالاحتياط والتوقف في الأحكام الشرعية وبالإحتياط أيضا أو البراءة في غير الأحكام الشرعية (11)، وكلا الرأيين يبينان عجز النص الديني عن تقديم قوانين صالحة لدولة معاصرة باحتياجاتها المستجدة الكثيرة والحاجة إلى قانون مدني علماني.

أما عن الحديث فمن أهم كتبه عند الشيعة الامامية الإثني عشرية الكتب الأربعة وهي الكافي لمحمد بن يعقوب الكليني و"من لا يحضره الفقيه" لأبي جعفر محمد بن بابويه القمي و"تهذيب الأحكام" و"الإستبصار فيما اختلف من الأخبار" لشيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي(10) وتنقل أغلبها عن أئمتهم لا سيما جعفر الصادق ومحمد الباقر وبعضها عن نبي الاسلام (1)، حيث تعتقد الإمامية أن أئمتهم مُلهَمون من الله ومنصوبون من عنده على لسان النبي لتبليغ الأحكام وقولهم سنة لا حكاية عنها(5) لذا يجب اتباع أقوالهم كما يجب اتباع أقوال النبي، وكتب الحديث الأربعة هذه لا تعتبر صحيحة بالكامل إلا عند فرقة "الإخباريين" (10) أو المتأخرين منهم باصطلاح المظفر(5).
كذلك تم لاحقا تأليف (الجوامع المتأخرة) والتي تضمنت تعليقات مؤلفيها على الكتب الأربعة، وهي: كتاب (الوافي) للفيض الكاشاني، وكتاب (وسائل الشيعة) للحر العاملي، وكتاب (بحار الأنوار) للمجلسي، وكتاب (مستدرك الوسائل ومستنبط الدلائل) لميرزا النوري.(10)
وكانت الكتب الأربعة وعلى رأسها الكافي بنظر المتقدمين من الفقهاء والمحدثين الامامية من أوثق المصادر في الحديث عند الإمامية إلى أواخر القرن السابع الهجري زمن العلامة الحلي (ت 726 هـ) واستاذه أحمد بن موسى بن جعفر (ابن طاوس) وتقسيمهم للمرويات عن نبي الاسلام والأئمة إلى الأصناف الأربعة (الصحيح ، والحسن ، والموثق ، والضعيف) وانتقدتهم بسبب ذلك فرقة الإخباريين حيث يرفض الإخباريون هذا التقسيم ويقطعون بصحة جميع ما رواه رواه المحمدون الثلاثة مؤلفوا الكتب الأربعة السابق ذكرها في المقال(1)(12)، كما يرفضون كافة الإختراعات التي أتى بها الاصوليون كالعقل والإجماع، وهم يمثلون اليوم الأقلية بين الإمامية فطريقة الاصوليين هي التي سادت تأريخ مذهب الإمامية حتى يومنا هذا، ولم تظهر فرقة "الإخباريين" بقوة سوى حوالي قرنين من الزمان ابتداءا من أوائل القرن الحادي عشر الهجري على يد محمد أمين الاسترابادي (ت 1033 هـ) الذي ثار ضد عمل الاصوليين بالاجتهاد من خلال تطبيق أصول الفقه المستمدة من العقل (13).
وبعد تقسيم الحديث أصبح الصحيح حجة عند القائلين بحجية خبر الواحد كما اشتهر أن الموثق والحسن حجة أيضا (14)، وقام بعض الاصوليين من الامامية بدراسة الحديث والحكم بضعف أغلب ما في الكافي مثل الطريحي (ت 1085هـ) الذي حكم بالضعف على 9485 حديثا من مجموعها البالغ 16199 حديثا (12)(15)، لكن وصف الحديث بالضعف عند الإمامية لا يقتضي عدم اعتبارها مطلقا وعدم جواز الاعتماد عليها، بل يمكن ذلك في حالة وجود قرائن تؤيد صحتها عندهم كوجودها في احد الأصول الأربعمائة، أو في بعض الكتب المعتبرة عندهم، أو موافقتها للكتاب والسنة ، أو لعمل فقهاء الإمامية بها حيث إنه قد اشتهر عند المتأخرين أن ما اشتهر العمل به والإعتماد عليه من الروايات الضعيفة، تصبح كغيرها من الروايات الصحيحة (12)(14)، لكن المتقدمين من الإمامية كان لهم رأيا آخر حيث رأى كثير منهم عدم حجية خبر الآحاد مطلقا كالمرتضى وابن إدريس (1) وابن البراج ، والطبرسي ، وابن زهرة (16) وادعوا في ذلك الإجماع، لكن لم يُعرَف حسب الشيخ محمد رضا المظفر من رأى ذلك بعد ابن إدريس، بل قد صرحت جماعة ثانية بالإجماع على قبول خبر الواحد إذا كان ثقة مأمونا في نقله منهم الطوسي وابن طاوس والعلامة الحلي والمجلسي، ويعترف الشيخ المظفر بالحيرة العظيمة التي واجهت الباحثين بسبب هذا التناقض في نقل الإجماع بين المرتضى وتلميذه الطوسي، لكنه ينتهي إلى الإعتراف بإجماع الطوسي (5)، ويبين لنا سببَ ادعاء المتأخرين من فقهاء الإمامية الإجماعَ على حجية خبر الواحد الشيخُ الغريفي حيث يقول أنه لولا ذلك الإجماع لانسد باب العلم "لندرة الخبر المتواتر لدينا ، وعدم حصول القطع بصدور جميع اخبارنا عن المعصوم (ع) وعدم وفاء مصادر التشريع الاخرى ببيان جميع الاحكام"(14)، بل قد اعترف الطوسي أن أكثر الأخبار تفتقد إلى قرينة تدل على صحتها مما جعل الشيخ عباس الموسى لا يستغرب أن جذور "دليل الانسداد" عند الإمامية ترجع إلى زمان الطوسي(17)، وبالتالي تعمل الشيعة اليوم كما هو حال أكثر الطوائف الاسلامية بأخبار الآحاد والظن مع محاولة الترجيح بين الأحاديث المتناقضة حتى أن المجلسي يعتمد أساسا على "الأدلة العقلية والآيات والأخبار السالفة" في دعوته لتأويل أو رد الأحاديث التي "توهِم" بالغلو في النبي والأئمة(18).
وقد ذهب بعض رجال الدين الإثني عشرية إلى التفريق بين الفروع والاصول بتخصيص النصوص القرآنية التي تنهى عن العمل بالظن بالعقائد، والسماح بذلك في الأحكام الفرعية، ومن الذين قالوا بذلك التفريق السيد الطبطبائي والقمي والميرزا النائيني والآشتياني والبروجردي والمحقق العراقي والشيخ حسن صاحب المعالم (17) وهو ما نراه عند المعتزلة ثم الأشاعرة، حيث يعمل جمهور فقهاء المسلمين من كل المذاهب بالظن في مسائل الأحكام الشرعية التي تتعلق بحياة الناس مما يبين استهانة المذاهب الاسلامية التقليدية بالنفس البشرية التي يمكن أن تـُزهَق حسب الشريعة الإسلامية بحكم فقهي مبني على خبر لم يثبت قطعا بالتواتر.

وهكذا يظهر أن الحاصل عند الشيعة الإثني عشرية هو أن علم الكلام في العقائد والاجتهاد في الفروع المبني على اصول الفقه المخترعة بأحكامها الظنية وتقسيم الحديث والحكم عليه تصحيحا وتضعيفا والأخذ بخبر الواحد قد حل عمليا عندهم محل الإمام الغائب مما يخالف ما يزعمونه من أدلة على ضرورة وجود إمام.

المصادر

(1) جواد علي، المهدي المنتظر عند الشيعة الإثني عشرية، ترجمة د. أبو العيد دودو، منشورات الجمل 2007

(2) عباس الموسى، الإمامة أصل من الدين أم المذهب؟، شبكة والفجر الثقافية
http://www.walfajr.net/?act=artc&id=8698

(3) موقع أحمد الكاتب
http://www.alkatib.co.uk

(4) الحسن بن موسى النوبختي وسعد بن عبد الله القمي، فرق الشيعة، تحقيق وتقديم وتعليق د. عبد المنعم الحفني، دار الرشاد 1992

(5) محمد رضا المظفر، أصول الفقه (ج2)، موقع الحوزة العلمية الزينبية
http://alhawzaonline.com/almaktaba-almakroaa/book/207-osul-feqh/207-%20osul%20al-sheaa/0005-osul-muzaffar/02/index.htm

(6) غيبة الإمام المهدي (عج) لا تنفي مصلحة وجوب وجوده، شبكة أنصار الصحابة المنتجبين
http://www.ansarweb.net/artman2/publish/166/article_1362.php

(7) الهداية التكوينية والتشريعية للإمام، مركز الأبحاث العقائدية
http://www.aqaed.com/faq/4359

(8) د. منى أحمد أبو زيد، الفقه الشيعي.. "المفيد" نموذجا، إسلام أونلاين
http://www.islamonline.net/arabic/history/1422/11/article32.shtml

(9) ياسر إبراهيم، تقليد الميت ابتداءً جائز، البلد
http://www.albaladonline.com/html/story.php?sid=113713

(10) كريم المحروس، مراحل نشوء وتطور التعليم الديني: تطور المنهج التعليمي، شبكة النبأ المعلوماتية
http://www.annabaa.org/nbanews/63/53.htm

(11) يحيى محمد، موقف الإخبارية من العقل الاصولي، فهم الدين
http://fahmaldin.com/index.php?id=682

(12) هاشم معروف الحسيني ، دراسات في الحديث والمحدثين، ص 40-48، 130-139، شبكة الشيعة العالمية 
http://www.shiaweb.org/books/hadith/pa5.html

(13) عبد الهادي الفضلي، دروس في أصول الفقه الإمامية، ص 74، موقع الحوزة العلمية الزينبية

(14) محي الدين الموسوي الغريفي ، قواعد الحديث، شبكة رافد للتنمية الثقافية
http://www.rafed.net/books/olom-hadith/qawaed-alhadith/index.html

(15) http://www.14masom.com/hkaek-mn-tareek/16.htm

(16) نظريّة السنّة أو خبر الواحد في مدرسة الاُصول الشيعيّة القديمة، الشيخ حيدر حبّ الله
http://www.hawzah.net/Per/Magazine/FA/034/FA03412.asp

(17) عباس الموسى، الخبر المحفوف بالقرينة في العقائد، شبكة والفجر الثقافية
http://www.walfajr.net/?act=artc&id=8301

(18) أحمد القبانجي، تهذيب أحاديث الشيعة، منشورات الجمل، 2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق