الخميس، 2 يوليو 2015

في ذكرى أكبر محاكمة سياسية في الإمارات


2015-07-02
محمد بن صقر الزعابي
بقلم: محمد بن صقر

في عام ٢٠١٣ بدأت أكبر محاكمة سياسية تشهدها دولة الإمارات، بعد اعتقالات وانتهاكات وخروقات لحقوق الإنسان تجاوزت كل القوانين والأعراف، في قضية تم توجيه الاتهام فيه لمجموعة من خيرة أبناء الإمارات من حملة الشهادات العليا والتخصصات وأصحاب الإنجاز والناجحين في أعمالهم، وهم أيضاً من أصحاب الرأي ومن دعاة الإصلاح.
الحملة التي شملت ٩٤ إماراتياً، من بينهم ١٣ امرأة إماراتية، كانت غاية في السوء من حيث استخدام كل أدوات الدولة السياسية والإعلامية والأمنية لتشوية صورة أناس أبرياء مارسوا حقهم في التجمع والتعبير، ولم يرتكبوا أي جريمة، ولم تستطع جهة الادعاء رغم أنهم انتهكت كل حقوقهم الإنسانية والدستورية، أن تثبت أي جريمة تستحق ما تعرضوا له من عقوبة وانتهاكات، سوى شهادات منسقة لمجموعة من ضباط الأمن، الذين شهدوا بما لم يعلموا أو بالغوا ولفقوا ليظهروا أنهم صادقون، ورغم ذلك لم يصدقهم العالم، لأن كذبهم كان مفضوحًا ومكشوفاً لكل صاحب نظر سليم.
القصة بدأت بكذبة كبيرة أعلنها النائب العام الاتحادي حتى يهيئ الرأي العام بأن هناك تنظيمًا إرهابيًا، والذي سيتبين فيما بعد أن هذا التنظيم لا يوجد من بين أفراده أي عسكري، بل أستاذة قانون ومعلمون وقضاة وخبراء إدارة ورجال أعمال ونساء مسالمات معظمهن يحملن شهادات عليا.
ثم بدأ عداد الانتهاكات فكان كل إنسان معرض للاعتقال، بدون أمر قبض وتفتيش قانوني، والإخفاء القسري، فوصل عدد المعتقلين والمخفيين قسراً  في أماكن غير معلومة لدى جهاز الأمن الإماراتي إلى أكثر من ٧٠ معتقلًا في هذه القضية، والذين جلس بعضهم في الإخفاء القسري وتعرض للتعذيب لمدة تقارب العام، حتى طلب أحدهم في أول جلسة تعقد أمام المحكمة حمايته وحماية أسرته، لأنه يخشى على حياته وحياة أسرته، ورويت حينها قصص التعذيب التي لم تلتفت لها محكمة أمن الدولة، ولم تحقق فيما ورد بها.
هذه القضية التي شغلت الرأي العام داخل الإمارات وخارجها، وتابعتها المنظمات الحقوقية حتى تعرف حقيقة هذه القضية، وقفت مندهشة ومستغربة من سعي الأجهزة الأمنية في دولة الإمارات لحجب أي صوت مخالف لصوتها، واعتقال من يكتب مؤيداً أو مدافعاً عن أطرافها، بل ومنعت ممثلين عن منظمات حقوقية من دخول الدولة، ومن دخل الدولة منعته من حضور جلسات المحاكمة، أو التواصل مع من تعرضوا للانتهاكات للتعرف على حقيقة ما تعرضوا له .
المفاجأة أن لا تعرف بأنك من ضمن قائمة المتهمين إلا قبل أيام من جلسة المحاكمة، وأن تدان دون أن يكون لك أي أقوال، بل وبدون أدلة أو أسباب توردها المحكمة كدليل على هذه الإدانة.
للأسف أن الوضع الحقوقي في دولة الإمارات في انحدار شديد، خاصة في السنوات الأخيرة، لكن دون اهتمام بحقيقة الوضع من معظم وسائل الإعلام، وحتى دول تنظر لبريق الأموال والبنايات التي تنسيهم حقوق البشر، ونحن نتحدث هنا عمن يغض طرفه عن الانتهاكات مقابل أن يحصل على صفقات أو مزايا، وبالمقابل يتشدق بأن الإنسان هو الأساس، وأنه لا بد أن يكون صاحب حق ولا بد أن تحميه الدولة، لكن عندما يقترب من الانتهاكات التي حدثت وما زالت تحدث في الإمارات يصاب بالبكم، يصمت عن انتهاكات تعرض لها المعتقلون في سجون الأمن ثم استمرت معهم الآن في سجن الرزين السياسي، والذي وضع في منطقة صحراوية نائية تعاني بسببه العوائل أسبوعياً للوصول إليه، عدا عن سوء المعاملة التي يلقونها داخله في تعامل يخرج عن إطار القانون، ولا يحترم فيه السجين، ويعامل كأنه رهينه يتحكم فيها الخاطف، ولا ننسى العقوبات التي تتعرض لها أسر المعتقلين من حرمان من دراسة أو وظيفة، بل ومنع من السفر أو تجديد الجوازات والأوراق الثبوتية، وفي بعض الأحيان حرمان المواليد الجدد من التسجيل للحصول على أوراق ثبوتية، وغير ذلك من الممارسات التي يعاقب عليها أفراد الأسرة فقط، لارتباطهم بشخص له مطالب حقوقية نص عليها القانون وحفظها الدستور.
الإنسان أي إنسان يريد أن يحيا بكرامة الإنسان التي هي حق وليست منحة من أحد، يريد أن يكون له رأي وأن يسمع له، وأن يشارك في كل ما يهمه في بلده، ويريد جهة تنصفه إذا تعرض للظلم أو انتهكت حقوقه، ويريد من يقف معه ويتحدث بلسانه إذا وجد أي تقصير في أي زاوية من بلده، دون الخوف من أن يتعرض للأذى والبطش، فقط لأنه عبر عن رأيه وطالب بحقه.
وأبناء الإمارات ليسوا مختلفين عن بقية البشر، فهم أصحاب تطلع وطموح، ولهم من الوعي ما لغيرهم، لذلك كانت مطالباتهم سلمية وفي إطار القانون، يبتغون بها الخير والرفعة لبلدهم، ويشهد على ذلك كل من عرفهم، وحتى الدولة التي حاكمتهم لم تجد ما تدينهم به سوى ممارسة الحقوق، فكان الدليل على براءتهم أمام العالم بدلًا أن يكون دليلًا على إدانتهم.
دولة الإمارات اليوم بما حباها الله من خيرات لا تحتاج لصناعة أعداء، أو تفريق صف أبنائها، بقدر ما تحتاج من سماع الصوت الآخر الناصح لها، وهو جزء من مكونها الاجتماعي، وهو لبنة في سبيل تقدمها، وهو رافع لها، لأن حبس أو تقييد أصوات خيرة أبناء الدولة هو خسارة في المدى الطويل والقصير للدولة، بل وهو تضييع لثروة هائلة في بلد يعاني من شُح في عدد أبنائه، فلا يحتاج فوق ذلك لفرقة بقدر ما يحتاج لحكمة الآباء، الذين أسسوا الدولة وتوافقوا مع كل شرائحه على السير معهم وبهم نحو ما تصبو له الدولة من تقدم ورفعه لا تتحقق سوى بسواعد أبنائه المخلصين، الذين يقدمون مصلحته على مصالحهم الشخصية.
لذلك نحن هنا نذكر بأن الانتهاكات لحقوق الإنسان علامة سوداء في وجه صفحة بيضاء لا بد من مسحها سريعاً، قبل أن تتوسع دائرة السواد، وقبل أن يكبر الخلل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق