الاثنين، 2 مارس 2015

من كتب الشيعة حديث الكساء موضوع

حديث الكساء بين التواتر والوضع (5)
حديث الكساء الموضوع -4
هل الحديث موجود في كتاب العلوي؟
نقل بعض الأعاظم أن هذا الحديث قد رواه السيد أبو محمد الحسين بن محمد بن أحمد العلوي الدمشقي نقله بسنده المتصل إلى صفية بنت شيبة وهي عن عائشة.
هذا الكتاب لم يكن موجوداً عندنا ولكن نحتمل أن المراد به هو الحديث المتواتر المتقدم ذكره وإحدى طرقه رواية صفية بنت شيبة عن أم المؤمنين عائشة زوج رسول الله صلى الله عليه وآله وقد تقدم نقله في الحلقة الأولى عن عدد من أصحاب الحديث ومنهم مسلم في صحيحه [1]، وليس المراد به هذا الحديث الموضوع.
الشيخ علي نقي الأحسائي وحديث الكساء:
الشيخ علي نقي بن الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي المتوفى 1246هـ له كتاب (نهج المحجة في فضائل الأئمة) فرغ منه سنة 1235هـ طبع الكتاب في مجلدين في تبريز سنة 1373هـ قال صاحب الذريعة: (ورأيت النقل عنه لحديث الكساء لكنه أخصر مما في منتخب الطريحي) [2].
هل حديث الكساء موجود في مفاتيح الجنان؟
مذكور في آخر مفاتيح الجنان الطبعة الفارسية والمعرَّبَة حديث الكساء المتداول تحت عنوان: روى صاحب العوالم بسند صحيح عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن فاطمة الزهراء عليها السلام .....
مَن الذي وضع هذا الحديث في مفاتيح الجنان؟!.
قبل الإجابة عن هذا السؤال علينا أن نتبين موقف مؤلف كتاب مفاتيح الجنان من الحديث.
موقف الشيخ عباس القمي من هذا الحديث:
لقد كان موقف الشيخ عباس القمي المتوفى 22/12/1359هـ من هذا الحديث موقفاً سلبياً ولعله هو أول من طعن في هذا الحديث وذلك:
1- عندما تعرض له في كتابه (منتهى الآمال ج1 ص788) في الباب الخامس حول حياة الإمام الحسين عليه السلام. في الفصل التاسع: في إرسال يزيد بن معاوية أهل البيت عليهم السلام إلى المدينة الطيبة. تحت عنوان: تذييل.
فبعد أن نقل زيارة الأربعين للإمام الحسين عليه السلام و (توصيف جابر الحسينَ بخامس أصحاب الكساء أن هذا اللقب من ألقابه الشائعة المعروفة، وحديث اجتماع الخمسة الطيبة من الأحاديث المعروفة المتواترة الذي رواها الخاصة والعامة، وقد نزلت آية التطهير فيهم بعد اجتماعهم ....)
إلى أن قال: (أما حديث الكساء المعروف عندنا الآن فإنه لم يورد في الكتب المعروفة المعتبرة وفي أصول الحديث والمجامع المتقنة للمحدثين، بهذه الكيفية ويمكن القول بأن هذا من خصائص كتاب المنتخب)
انظر: (منتهى الآمال في تواريخ النبي والآل) للشيخ عباس القمي ج1 ص788. المعَرَّب طبع مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين - بقم المشرفة، الطبعة الخامسة سنة 1422هـ. وكذلك الأصل الفارسي للكتاب.
ولكن بعضاً عَرَّبَ الكتاب وحذف هذا المقطع الأخير الطاعن في حديث الكساء الموضوع. أو أن الناشرين والطابعين للكتاب قد حذفوه.
انظر مثلاً: منتهى الآمال ج1 ص623: ترجمة نادر التقي، طبع الدار الإسلامية بيروت سنة 2003م – 1423هـ
وكذلك: منتهى الآمال ج1 ص623 طبع سرور، الطبعة الثالثة سنة 2006م 1427هـ قم، نشر: محبين، ومكتبة فدك.
فهل بدأ العبث بالتراث الذي لا يتلاءم مع الأهواء؟؟؟ !!!.
2- وفي كتابه الكنى والألقاب: قال الشيخ عباس القمي في ترجمة الديلمي: وله كتاب (غرر الأخبار ودرر الآثار) و (أعلام الدين في صفات المؤمنين)، والظاهر أنه كان في عصر الشهيد الأول وينقل عنه الشيخ ابن فهد في عدة الداعي بعنوان الحسن بن أبي الحسن الديلمي قيل: إن حديث الكساء المشهور الذي يعد من متفردات منتخب الطريحي موجود في غرر هذا الشيخ (ره). [3]
وقد تقدم الحديث عن كتاب (غرر الأخبار) للديلمي بشكل مفصل.
فهو يعد هذا الحديث من متفردات الطريحي في منتخبه ولم ينقله غيره.
التزوير في كتاب مفاتيح الجنان:
ألّف الشيخ عباس القمي كتابه مفاتيح الجنان في سنة 1344هـ وطبعه الطبعة الأولى في حياته ولما أراد أن يزيد عليه في الطبعة الثانية جعل له ملحقاً: وقال في مقدمة الملحق أنه بعد الطبعة الأولى احتاج أن يضيف بعض الزيارات والأدعية وحتى لا يفتح باب التحريف والزيادة في كتابه من أهل الفضول والمحرفين لذلك جعل هذا الملحق ثم لم يجز لأحد أن يزيد في كتابه وينسبه إليه ومن شدة حرصه على ذلك عين عدد المطالب التي أضافها على الطبعة الأولى وهي 8 مطالب ثم دعا على من يتصرف في كتابه بكلمة واحدة أو حرف وأن عليه لعنة الله ورسوله والأئمة عليهم السلام على المتصرفين. وإليك نص كلامه كما في الطبعة المعربة:
(لقد خطر بالبال بعد ما فرغت من تأليف كتاب مفاتيح الجنان وانتشرت نسخه في الأقطار أن أضيف إليه للطبعة الثانية إضافات تشتد الحاجة إليها..... – إلى أن قال – ولكن الإضافة إلى الكتاب فيما رأيت كانت فتح الباب للتصرف في كتاب مفاتيح الجنان وهو باب قد يغنم فتحه بعض الفضوليين متصرفين في الكتاب إضافة أو حذفاً فينشرون ما عبث به الأهواء باسم مفاتيح الجنان كما هو مشاهد في كتاب (مفتاح الجنان) [4] ولأجل ذلك لم أغيّر من أصل الكتاب شيئاً وإنما ذيلته بملحق يحتوي على هذه المطالب الثمانية وإني أدع إلى لعنة الله القهّار ولعنة رسول الله صلى الله عليه وآله والأئمة الأطهار عليهم السلام من عبث في كتاب مفاتيح الجنان بشيء وها أنا أورد تلك المطالب الثمانية ....) [5]
ولم يذكر القمي في هذه المطالب الثمانية حديث الكساء الموجود الآن فيه.
ثم إن الخطاط للكتاب للنسخة الخامسة وباللغة الفارسية في سنة 1359هـ قد جعل له ملحقاً ثانياً قال إن الشيخ عباس القمي قد أشار إلى بعض الأدعية وتركها لطولها ثم ذكرها هو كملحق ثانٍ.
1- دعاء بعد صلاة الإمام الحسين عليه السلام .
2- ما يدعى به بعد صلاة زيارة الجواد عليه السلام .
3- زيارة أبناء الأئمة عليهم السلام .
4- ما يدعى به في يوم عرفة .
5- دعاء مكارم الأخلاق .
وحتى في هذا الملحق لم يذكر فيه هذا حديث الكساء.
تطور التحريف:
لقد زُوّر في مفاتيح الجنان أشياء كثيرة وأضيف إليه ما لم يكتبه مؤلفه فيه ومنها هذا الحديث حيث أُلحق بآخر الكتاب وقال واضعه:
(استجابة لطلبات كثيرة من المؤمنين وإتماماً للكتاب ارتأينا بذكر حديث الكساء الشريف نقلا عن كتاب عوالم العلوم للشيخ عبد الله بن نور الله البحراني بسند صحيح عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن فاطمة الزهراء عليها السلام ....) [6]
وفي بعض الطبعات الحروفية اعترف ناشروها أن هذا الحديث لم يكن من الكتاب وإنما الناشرون هم الذين تصرفوا فيه ووضعوه، قال بعض الطابعين في الهامش (أوردنا هذا الحديث (حديث الكساء) في نهاية طبعتنا هذه نظراً لوروده في نهاية الطبعة الحجرية المعربة حيث أضافها الناشر توخياً للفائدة) . انظر: طبعة النجف ص681 .
مِنْ آخِر الكتاب إلى داخله:
ثم أخيراً وفي الطبعات اللاحقة الفارسية والعربية وُضِعَ هذا الحديث وأضيف إلى كتاب مفاتيح الجنان على رغم أنف مؤلفه، وقال واضعه أنه بسند صحيح!!.
وأكثر من ذلك أن حديث الكساء نزل إلى داخل الكتاب ففي طبعة الأعلمي الحروفية المؤرخة مقدمتها في بيروت في 17/4/1412ه = 25/9/1991م نُقل هذا الحديث من آخر الكتاب إلى وسطه ووضع في ص 288 ووضعه تحت عنوان: (حديث الكساء نقلا عن كتاب عوالم العلوم للشيخ عبد الله بن نور الله البحراني بسند صحيح عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن فاطمة الزهراء عليها السلام ....)
وقال في الهامش: هذا الحديث الشريف ليس من أصل الكتاب بل ألحقه بعض الناشرين به، ونحن ارتأينا أن نذكره هنا تماماً للفائدة ولكثرة تلاوة المؤمنين له في وقت الشدة (الناشر).
فهو يعترف أنه ليس من أصل الكتاب ولكن مع ذلك وضعه في أصل الكتاب.
كما أنه في ص 113 نقل دعاء مكارم الأخلاق من الملحق الثاني بالأخير إلى أن قدمه ووضعه في داخله.
مفاتيح كبير الخط:
انتخبه وصححه السيد المرعشي النجفي وطبع في سنة 1382هـ في طهران والذي أشرف عليه السيد أبو القاسم المرعشي.
ذكر في ص 354 (حديث شريف كساء، بسند صحيح عن جابر بن عبد الله الأنصاري)
ولم يذكر المستند ولم ينقل السند.
هل يوجد طريق آخر للحديث ؟!! :
ذكر بعض السادة الأجلة المعاصرين أن لديه سنداً لهذا الحديث (حديث الكساء الموضوع) يرويه عن والده فقال: (ومن جملة طرقي المذكورة ما أروي بها حديث الكساء الشريف، فإني أرويه عن والدي، عن الشيخ عباس القمي عن الميرزا حسين النوري، عن الشيخ مرتضى الأنصاري، عن المولى أحمد النراقي، عن السيد بحر العلوم، عن الوحيد البهبهان، عن أبيه الشيخ محمد أكمل، عن المولى محمد باقر المجلسي، عن أبيه محمد تقي المجلسي، عن الشيخ البهائي، عن أبيه الشيخ حسين بن عبد الصمد، عن الشهيد الثاني، عن أحمد بن محمد بن خاتون، عن الشيخ عبد العالي الكركي، عن علي بن هلال الجزائري، عن الشيخ علي بن خازن الحائري، عن أحمد بن فهد الحلي، عن ضياء الدين علي بن الشهيد الأول، عن أبيه محمد بن مكي العاملي، عن فخر المحققين، عن أبيه العلامة الحلي، عن خاله المحقق الحلي، عن ابن نما، عن محمد بن إدريس الحلي، عن ابن حمزة الطوسي، عن محمد بن شهر آشوب، عن الطبرسي صاحب الاحتجاج، عن الحسن بن محمد بن الحسن الطوسي، عن أبيه شيخ الطائفة، عن الشيخ المفيد، عن الشيخ الصدوق، عن أبيه، عن علي بن إبراهيم.
حيلولة: وعن ابن قولويه، عن الشيخ الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، عن القاسم بن يحيى الحذاء الكوفي، عن أبي بصير، عن أبان بن تغلب، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضوان الله تعالى عليهم جميعاً؛ عن سيدتنا ومولاتنا، الصِّدِّيقة الكبرى فاطمة الزهراء عليها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنها قالت:
دخل عليَّ أبي رسول الله صلى الله عليه وآله في بعض الأيام ......
من إجازة مؤرخة: 29/ذق/ 1426ه[7].
الملاحظة على ما ذكر:
1- أن الشيخ عباس القمي لعله هو أول من أشار إلى عدم صحة هذا الحديث وقال: (أما حديث الكساء المعروف عندنا الآن فإنه لم يورد في الكتب المعروفة المعتبرة وفي أصول الحديث والمجامع المتقنة للمحدثين، بهذه الكيفية ويمكن القول بأن هذا من خصائص كتاب المنتخب) [8]
2- إذا كان الشيخ عباس القمي لديه هذا السند لماذا ينكره ويقول أنه لم يوجد في الكتب المعتبرة؟.
3- وإذا كان الشيخ عباس القمي يرويه لماذا لم يودعه في كتبه مفاتيح الجنان ومنتهى الآمال وغيرهما؟.
4- سلسلة السند قرابة 40 راوياً وأكثرهم لهم مؤلفات تعرضوا فيها لآية التطهير وحديث الكساء ولم ينقل أحدهم هذه الرواية (بهذه الكيفية الموضوعة) فلم يذكرها النوري في مستدركه ولا المجلسي الثاني في بحاره ولا المجلسي الأول في شرحه على الفقيه ولا ... ولا ... ولا الصدوق في كتبه، ولا الكليني في الكافي ولا علي بن إبراهيم في تفسيره ولا غيرهم.
كتاب التحقيق في سند حديث الكساء:
هكذا كتب بعضهم وقام بترجمة سلسلة السند المكتوب على هامش العوالم.
وقد تقدم الحديث عن هذه السلسلة فراجع.
والخلاصة:
نزول آية التطهير في علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام مما استفاضت به الأخبار عن الحبيب المصطفى عند فرق المسلمين.
أما حديث الكساء وأن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله جللهم بالكساء اليماني ودعا لهم في منزل أم سلمة فمما تواترت به الأخبار حتى سموا هؤلاء بأصحاب الكساء، وعرف اليوم الذي حصلت فيه الحادثة بيوم الكساء، وعرف الإمام الحسين عليه السلام بخامس أصحاب الكساء.
ولأجل التغطية على هذه الحادثة العظيمة الجليلة والفضيلة السامية وما اختص بها هؤلاء حاول بعضٌ أن يضع قصة خرافية نسبها إلى سيدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام باسم (حديث الكساء) وقد ادُّعي أنها موجودة في أكثر من كتاب ولم يثبت ذلك.
فقد ادُّعِي أن هذا الحديث موجود في كتاب (عوالم العلوم) للشيخ عبد الله البحراني ولم يثبت ذلك للأسباب التالية:
1- أنه قد أضيف هذا الحديث في كتاب (عوالم العلوم) في الحاشية وفي بعض النسخ دون النسخ الأخرى. ولم يُعلم من هو كاتب هذه القصة على حاشية عوالم العلوم!. فالشيخ عبد الله البحراني بريء مما كتب.
2- على فرض أن كاتب هذه الحاشية هو الشيخ عبد الله البحراني وأن هذه الدعوى منه؛ مَن الذي يضمن أن ما رآه الشيخ البحراني هو خط السيد هاشم البحراني.
3- وعلى فرض أنه بخط السيد هاشم ووجده الشيخ البحراني فهذا لا يجدي نفعاً لأنه اطلع عليه بالوجادة لا بالرواية.
4- لماذا لم يطلع على هذا الخط أحد من تلامذة السيد هاشم البحراني الملازمين له طيلة حياته؟.
5- لماذا لم ينقله السيد البحراني الحريص على جمع الأخبار في كتبه التي تعرض فيها لحديث الكساء مثل غاية المرام وتفسير البرهان وغيرهما؟.
6- سلسلة السند المزعومة في العوالم بلغت أكثر من 30 راوياً. لماذا لم يتعرض واحد منهم لهذا الحديث في كتبه ويرويه ولو مختصراً والكثير منهم له مؤلفات عديدة وتعرض لحديث الكساء فيها ولم يذكر هذا الحديث، مما ينبئ عن وضعه واختلاقه.
7- أن واضع سلسلة السند لم تكن لديه خبرة كافية في الأسانيد.
8- لم تثبت رواية السيد هاشم البحراني عن السيد ماجد البحراني.
9- لم تثبت رواية المقدس الأردبيلي عن الشيخ علي الكركي.
10- لم يثبت أن الطريحي وضع هذا الحديث في كتابه (المنتخب) وإنما وجد في بعض النسخ [9] فلعله قد أضيف إليه.
11- وعلى فرض وجوده في المنتخب فهو مرسل فقد عبر عنه بعنوان رُوي عن فاطمة الزهراء عليها السلام [10].
12- لم يثبت هذا الحديث مسنداً في كتاب (غرر الأخبار) للديلمي.
ونختم حديثنا عن هذا الحديث بعدة ملاحظات وهي:
1- إنما عبرنا عن هذا الحديث بالوضع لأنه لم يثبت أنه روي في كتاب معتبر معتمد، ولم يثبت أنه روي حتى بسند ضعيف فهو لا أصل له.
2- قد أصبح كتاب (مفاتيح الجنان) للشيخ عباس القمي من الكتب المحرفة والتي قد لعبت يد المطابع فيه كثيراً فقد أضيف إليه هذا الحديث وأمثاله وقدم وأخر في مطالبه .
3- لا بد من المصادر المعتمدة في نقل العقيدة والأحاديث والفضائل التي تنسب إلى أهل بيت العصمة والطهارة من رسول الله صلى الله عليه وآله والأئمة وفاطمة الزهراء عليهم السلام.
4- لا يصح أن يكون أهل البيت عليهم السلام أقل شأناً من سائر الناس في نسبة الأخبار إليهم أو التحدث عن سيرتهم وجعلها مرتكزات أساسية مما هَبَّ ودَبَّ ومن أي قائل أو ناقل ومن أي كتاب أخذ عنه فإن هذه جناية على قدسية أهل البيت عليهم السلام وحطٌ من قدرهم وشأنهم عليهم السلام.
5- إن الإمام الرضا عليه السلام وضع لنا جملة من القواعد في التعرف والتمييز في فضائل أهل البيت عليهم السلام في صحيحة ابن أبي محمود التي نقلها عنه.
فقد روى الشيخ الصدوق في [عيون أخبار الرضا عليه السلام‏] بسند صحيح عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي مَحْمُودٍ قَالَ:
قُلْتُ لِلرِّضَا عليه السلام: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ إِنَّ عِنْدَنَا أَخْبَاراً فِي فَضَائِلِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام  وَفَضْلِكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ وَهِيَ مِنْ رِوَايَةِ مُخَالِفِيكُمْ وَلَا نَعْرِفُ مِثْلَهَا عِنْدَكُمْ [11] أَفَنَدِينُ بِهَا؟
فَقَالَ: يَا ابْنَ أَبِي مَحْمُودٍ، لَقَدْ أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عليه السلام أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله قَالَ: ((مَنْ أَصْغَى إِلَى نَاطِقٍ فَقَدْ عَبَدَهُ، فَإِنْ كَانَ النَّاطِقُ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَدْ عَبَدَ اللَّهَ، وَإِنْ كَانَ النَّاطِقُ عَنْ إِبْلِيسَ فَقَدْ عَبَدَ إِبْلِيسَ)).
ثُمَّ قَالَ الرِّضَا [عليه السلام]:
يَا ابْنَ أَبِي مَحْمُودٍ إِنَّ مُخَالِفِينَا وَضَعُوا أَخْبَاراً فِي فَضَائِلِنَا وَجَعَلُوهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ[12]:
أَحَدُهَا: الْغُلُوُّ.
وَثَانِيهَا: التَّقْصِيرُ فِي أَمْرِنَا.
وَثَالِثُهَا: التَّصْرِيحُ بِمَثَالِبِ [13] أَعْدَائِنَا.
فَإِذَا سَمِعَ النَّاسُ الْغُلُوَّ فِينَا: كَفَّرُوا شِيعَتَنَا وَنَسَبُوهُمْ إِلَى الْقَوْلِ بِرُبُوبِيَّتِنَا.
وَإِذَا سَمِعُوا التَّقْصِيرَ: اعْتَقَدُوهُ فِينَا.
وَإِذَا سَمِعُوا مَثَالِبَ أَعْدَائِنَا بِأَسْمَائِهِمْ: ثَلَبُونَا بِأَسْمَائِنَا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ﴿وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ [14]
يَا ابْنَ أَبِي مَحْمُودٍ: إِذَا أَخَذَ النَّاسُ يَمِيناً وَشِمَالًا فَالْزَمْ طَرِيقَتَنَا فَإِنَّهُ مَنْ لَزِمَنَا لَزِمْنَاهُ وَمَنْ فَارَقَنَا فَارَقْنَاهُ، إِنَّ أَدْنَى مَا يُخْرِجُ الرَّجُلَ مِنَ الْإِيمَانِ أَنْ يَقُولَ لِلْحَصَاةِ هَذِهِ نَوَاةٌ ثُمَّ يَدِينُ بِذَلِكَ وَيَبْرَأُ مِمَّنْ خَالَفَهُ.
يَا ابْنَ أَبِي مَحْمُودٍ احْفَظْ مَا حَدَّثْتُكَ بِهِ فَقَدْ جَمَعْتُ لَكَ فِيهِ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ [15]
فالإمام يدعو إلى توثيق الأحاديث التي تنقل عنهم سواء كانت في الفضائل أو الأحكام أو العقيدة وأن لا يتساهلوا في نقلها بدعوى أنها في فضائل أهل البيت ومن طريق مخالفيهم فهي أثبت من باب والفضل ما شهدت به الأعداء فإن هذا التصور غير صحيح عند الإمام الرضا عليه السلام لأن أساليب الدس والوضع مختلفة ومتعددة واستشهد الإمام على ما يريده بالحديث المروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله: ((مَنْ أَصْغَى إِلَى نَاطِقٍ فَقَدْ عَبَدَهُ، فَإِنْ كَانَ النَّاطِقُ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَدْ عَبَدَ اللَّهَ، وَإِنْ كَانَ النَّاطِقُ عَنْ إِبْلِيسَ فَقَدْ عَبَدَ إِبْلِيسَ)).
فالحديث يترجم الجهة التي يصدر عنها فإن كانت تتحدث عن الله فالمصغي لها يكون عابداً لله ولا بد من توثيق الطريق إلى تلك الجهة حتى يطمئن السامع أنه من تلك الجهة ويدين الله بما سمع ويكون عابداً لله تعالى.
وإن كان الناقل عن جهة تمثل خط إبليس وقد أصغى السامع لذلك الناطق ودان به فيكون عابداً لإبليس. هذا والسائل يتحدث عن فضائل أهل البيت عليهم السلام فكيف حينئذ لو كان المنقول والمروي في الأحكام الشرعية وأشد منها لو كانت تتحدث عن جانب اعتقادي الذي يجب على السامع أن يعتقد بمضمونها.
فلا يجوز التساهل في النقل عندما يسند إلى رسول الله صلى الله عليه وآله أو يسند إلى أهل بيته الأطهار عليهم السلام سواء كان في الأحكام أو في الفضائل أو في العقيدة فإن السامع يتدين بما سمع.
فقد قامت سيرة المتشرعة على وجوب التحرز في حالة النقل مهما كانت تلك الجهة المنقول عنها فكيف حينئذ عن أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً وهم يمثلون السنة النبوية عدل القرآن الكريم؟.
[1] انظر: صحيح مسلم كتاب المناقب باب 9 ح 2424، المصنف لابن أبي شيبة ج 6 ص 370 ح 32102، وشواهد التنزيل لقواعد التفضيل في الآيات النازلة في أهل البيت للحاكم الحسكاني ح 676 و677و678 679و680 و681 و682و683و684 وفي الأحاديث الثلاثة الأخيرة اعترفت من أن النبي امتنع من أن يدخلها في الكساء. المستدرك على الصحيحين ج 3 ص 159 ح 4707 وصححه، والذهبي في تلخيص المستدرك صححه، وفي طبع آخر ج 3 ص 147.

[2] الذريعة ج 24 ص 424 .

[3] الكنى والألقاب - الشيخ عباس القمي - ج 2 - ص 238

[4] مفتاح الجنان من كتب الأدعية المجهولة المؤلفة وقد لُعب فيه كثيراً وفيه أدعية وزيارات مكذوبة على أهل البيت عليهم السلام ومع أن النوري كان من المتساهلين في نقل الحديث ولكنه تعرض لهذا الكتاب وانتقد بشدة الزيادة التي أضيفت في زيارة وارث للإمام الحسين عليه السلام وغيرها. انظر اللؤلؤ والمرجان للنوري ص 134 طبع دار البلاغة – بيروت.

[5] النسخة المعربة.

[6] انظر النسخة الحجرية المعربة والتي بهامشها الباقيات الصالحات وكثيراً من الطبعات التي تلتها .

[7] انظر: وما أدراك من فاطمة، ص 87-88.

[8] انظر: (منتهى الآمال في تواريخ النبي والآل) للشيخ عباس القمي ج1 ص 788 طبع جماعة المدرسين في قم المقدسة. وانظر كتابه الكنى والألقاب ج 2 ص 238 .

[9] انظر: الذريعة ج 22 ص 420 .

[10] انظر: المنتخب للطريحي ص 253 منشورات الشريف الرضي – قم المقدسة .

[11] في البحار: عَنْكُمْ.

[12] في البحار: على أقسام ثلاثة.

[13] الثَّلْبُ: شدة اللوم، والأخذ باللسان. وثلبه ثلباً: إذا صرح بالعيب وتنقصه. والمثالب: العيوب، الواحدة مثلبة.

[14] سورة الأنعام : 108 .

[15] الرواية هذه رواها الشيخ الصدوق في (عيون ‏أخبار الرضا ) ج1 ص272 باب 28 فيما جاء عن الإمام علي بن موسى المقطع الأخير من حديث رقم 63 طبع الأعلمي . ورواها المجلسي في عدة مواضع من بحار الأنوار منها في ج: 26 ص: 239.
اضف هذا الموضوع الى:
        

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق