السبت، 10 أكتوبر 2015

الشيخ عبدالله بن بيه في الأمم المتحدة .. هل كان فينا من الزاهدين؟



محمد حسني عودة# الأحد، 04 أكتوبر 2015 

تربينا منذ نعومة أظافرنا على أن نحترم العلم والعلماء وأهل العلم في مختلف درجاتهم ومساهماتهم العلمية. كيف لا ونحن أمة اللذين لا يستوي عندهم اللذين يعلمون واللذين لا يعلمون؟ تطور عندي مفهوم العالم كثيرا عما عايشته طفلا فشابا طالبا جامعيا في مختلف مراحلي الدراسية الجامعية، ومع تغير موقع تعليمي من طالب لأستاذ جامعي، فقد اشتد عندي التأصيل والتدقيق في مفهوم العالم كثيرا، وخصوصا مع كثرة استخدام هذا اللقب في عالمنا العربي والإسلامي مقارنة  بكيفية استخدامه في العالم الغربي.
ولا أبالغ أن ذلك الأمر وفي أوقات كثيرة قد شغلني كثيرا كأستاذ جامعي وهو يتشرف بأفواج أشرف عليها لنيل مختلف الدرجات العلميه من الدرجة الجامعية الأولى إلى الثالثة المقترنة بما يطلق علية "درجة الدكتوراه".
كنت أطرح على نفسي تساؤلات كثيرة  وأنا أرى أعدادا غفيرة قد تحصلت على شهادة الدكتوراه، وعلى الأخص في عالمنا العربي وفي الازدياد غير الطبيعي في أعداد من يحملون لقب أستاذ أو ما نسميه في الغرب "بروفيسور". وللأسف فقد نتج عن ذلك ممن أعطوا هذه الألقاب تأسيا بتعليمات قديمة جدا قد عفا عليها الزمان، فأصبحت ترى من لقبوا بالأستاذية من هب ودب في رواق صروحنا الجامعية، وكأن الأمر نظام ترقيات في سلم وظيفي مهني وليس جامعي بحثي علمي.
 لا شك أننا لسنا في استغراب، ولا في حاجة لمن يفسر لنا حالنا المتردي من حيث تقهقر رقينا بين الأمم في الإنتاج العلمي البحثي، ومدى تأثيرنا عالميا أسوة ببعض من كانوا يوما في بداية تطورهم، مثل كوريا الجنوبية التي في حينها كانت لا تقل عن الشقيقة والحبيبة على قلوبنا.. مصر الأبية على الظلمة والظلم والطغاة.
 وقد ازدادت عندي حدة هذه التساؤلات في أوقات عصيبة مررنا ونمر بها في وقتنا الحالي عندما أصبح من جيل شبابنا بالأمس القريب وفي يومنا هذا من يطلق على من يحب لقب عالم، وهو لا يتعدى كونه داعية في جزئية معينة من الدين، وبهذا فقد اختلط الفرق عند شبابنا بين الداعية الديني والعالم الديني، وقس على ذلك استخدام مصطلحات مثل العلامة وغيرها.
 بالطبع فلا يطلق لقب العلامة أو العالم إلا بحقه وموازينه، فليس كل من حمل شهادة دكتوراه أو ترقى في السلم الأكاديمي بنظام أعداد البحوث وتوزيعها على الدوريات العلمية قد استوجب نظام الترقية التي يستحقها أبدا.
 لا شك أن لقب العالم والعلامة أقل ما يستوجبه أن يكون صاحبه قد أثرى الإنسانية بعلمه مما يجعله يحدث إضافة أو تغييرا كبيرا في مجال علمه، وقد يكون ذلك التغيير إما في تصحيح مفاهيم أو نظريات سابقة بالدليل والبرهان العلميين؛ وقد يكون استحدث نظريات ومفاهيم وطرق جديدة لها تأثير بالغ في مجال عام، وبهذا على الإنسانية بشكل عام.
 ومن هنا ننطلق لنقول أن ذلك اللقب له ما له وعليه ما له .. فهل وعينا ما عليه من متطلبات حتى يستحق من يطلق عليه اللقب تلك التسمية؟
وهل وعينا ما له من احترام وتقدير وواجبات له في توفير أسمى المتطلبات ليبدع اطرادا في إنتاجه العلمي؟ وهل وعينا أنه عندما يتم الخلل فيما عليه فعندها نحتاج لمراجعة الألقاب التي نطلقها ونعنونها في لقاءتنا الفضائية والإعلام بشكل عام؟
 ولكن ما علاقة ما ذكرته أنفا بموضوعنا والشيخ العالم الكبير عبدالله بن بيه الذي أثرى بعلمه وتأثيره أجيالا تنتفع به؟
 الشيخ والعالم الكبير عبدالله بن بيه  نشأ وتربى في بيت علم وورع ، وقد نظر إليه الكثير من المسلمين كرمز للاعتدال والوسطية، وكم كانت له من الفتيا في عضويته للمجمع الأوروبي للإفتاء ما يميط اللثام عن غزارة علمه وفهمه الطيب  لفقه الواقع للأقليات في الغرب، وكذلك ما عرف عنه كنائب سابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. وقد تنقل الشيخ في عدة مهام ومناصب وزارية، منها وزيرا للشئون الإسلامية في موريتانيا الحبيبة على قلوبنا،  كأول وزير لهذه الوزارة التي استحدثت بفكرة منه، وتقلد بعدها عدة مناصب وزارية حتى  صار وزيرا للتوجيه الوطني والمنظمات الحزبية وتحت توجيهه وزارات الإعلام والثقافة والشباب والرياضة والبريد والبرق والشؤون الإسلامية.
 اليوم نقف لنقول كلمة في صدورنا ونحن نستصغر أنفسنا أن نتكلم في حق الشيخ والعالم الكبير إلا فيما نحبه فيه وفي أمتنا؟
 اليوم نتوقف أمام ما تفضلتم به يا شيخنا وعالمنا الكبير في خطابكم في الأمم المتحده عن "السلم قبل العدل" لنقول لكم: هل كنتم فينا من الزاهدين؟
 اليوم نتوقف عند خطابكم في قمة الأمم المتحدة لمكافحة التطرف لنقول لكم: هل زهدتم بنا إلى هذه الدرجة في أروقة الأمم المتحدة؟
 بالأمس قلتم "سنترك الطغاة جانبا، ونتحدث عن الغلاة"، فهل زهدتم بأكابرة الطغاة اللذين يدعمهم ويرعاهم سدنة مؤتمركم هذا؟
 هل زهدتم بما يحدث في أرض الرباط وما يهدر فيها من كرامة الإنسان واغتصاب أرضه وشجره ودوابه؟
 هل زهدتم بما يحدث في المسجد الأقصى، في نفس تلك اللحظات التي أنتم تلقون فيها خطابكم في رواق الأمم المتحدة؟
 إننا نسألك أيها الشيخ والعالم الكبير: أليس الطغاة هم من جاءوا بالغلو؟ هل كان يمكن للغلو أن يبرز ويترعرع دون طفح الكيل من الطغاة؟
 لقد علمتمونا في مدرسة فقهكم، وفقه علمائنا الأفاضل كيف أن نستنبط العلة في تشخيصنا لحالة تصيبنا أو مسألة علمية نريد فهمها، ومن ثم تشخيصها في كل علومنا ومن علم الشريعة استقينا ونستقي العلم وأصوله.
 أليست العلة في الغلو هم الطغاة والظلم وفقدان كرامة الإنسان؟
 أليست الإنسانية اليوم تئن بجراحها من فقدان كرامتها بسبب الطغيان وظهور فساد الطغاة في البر والبحر؟
 تقولون في خطابكم "السلم قبل العدل".. لا نخفي عليكم فقد نزلت تلك الجملة علينا كصاعقة رعدية كادت أن تجهز علينا لولا رحمة الله عز وجل.
 نسألكم أيها الشيخ والعالم الكبير وبكل تواضع المحب لشيخه وعالمه وسؤال المستصغر لنفسه أمام علمكم الشرعي وغير الشرعي: أين علتكم ودليلكم في أن السلم قبل العدل في ضوء مدرستكم الفقهية الكريمة؟
 ونقول لكم في صوت حان يقدر علمكم وأثركم: كيف للسلم أن يأتي وقد ضاع العدل؟ أليس بالعدل يستتب الأمن والأمان وتستقر الحريات؟ أليس ما تعلمناه أن الله سبحانه وتعالى ينصر الكافر العادل على المسلم ذي السلطان الجائر الذي يهلك الحرث والنسل والشجر والدواب؟ أليس من هؤلاء من هم بيننا وقد عطل مقاصد الشريعة الإسلامية الخمسة كلها أو بعضها؟
 نسألك أيها الشيخ والعالم الكبير: ماذا تريدني أن أقول لأولادي بعد هذا اليوم بعد خطابكم هذا؟
 ماذا نقول للأجيال القادمة؟ أفهمونا بأي لغة نستطيع أن نتحدث بها لطلابنا وأبنائنا وبناتنا؟
 نسألكم سؤال الحزين المصاب في كينونته التي هي أمته: أليس ما فعلتموه في خطابكم ما يزيد شتات الأمة وشبابها، عندما يرون تفرق علمائها وشيوخها في أخطر الأوقات وأعصبها على مستقبل الأمة الإسلامية جمعاء؟
 نسألكم سؤال الذي لم ييأس من علماء وشيوخ أمته أبدا: علماؤنا هم ورثة الأنبياء، والأنبياء لا يورثون دينارا ولا درهما، فبالله عليكم مالذي ستورثونه لنا ولطلاب علومنا من خطابكم هذا، ونحن جميعا ملاقون ربنا في يوم لا ظل إلا ظله، وفي يوم تنفع فيه كلمة حق عند سلطان جائر؟
 نسألكم ونحن نكره الغلو وأهله، وننكر كل الغلو بأصنافه وألوانه..
 نسألكم ونحن لمدرسة الوسطية تابعون ولغيرها رافضون..
 نسألكم ونحن أتباع محمد صلى الله عليه وسلم الذي أُرسل رحمة للعالمين..
 نسألكم وقد رأينا الإنسانية والدم قد نزفا وينزفا في أرض الكنانة، شرف أمتنا ورائدة علمه في أزهرها وجامعتها، وإنسانية أهلها وطيبتهم..
 نسألكم وقد رأينا القتل والدمار للطفولة بل الإنسانية جمعاء في سورية الحبيبة وعلى الشواطئ رأينا الطفولة البريئة آية لمن يعتبر..
 نسألكم وقد رأينا هديل الهشلمون، إبنة خليل فلسطين الطاهرة، صوت الحمام الذي قتل وهو في أزهى وأرقى حجاب طاه، وهي تذود بحقيبة علمها عن الأقصى..
 نسألكم وقد رأينا ريهام دوابشة كيف قتلت في فلسطين، هي وطفلها الرضيع وزوجها من قبل المتطرفين والإرهابيين والغلاة الذين يرعاهم سدنة مؤتمركم..
 نسألكم وقد رأينا أمنا وأختنا على باب المسجد الأقصى وهي تذود عنه، فيركلها ذلك الصهيوني المارق عن كل الإنسانية فتقع أرضا ولا تتوقف دفعا عن أقصانا..
 نسألكم وقد رأينا النفس تزهق، والأعراض تمتهن، والأموال تنهب، والأوطان تغتصب، والعقل يعطل، والحرث والنسل يهلك في عشر ذي الحجة، وفي شهر ذي الحجة المحرم وسائر الشهور والأيام..
 نسألكم وقد رأينا الحق يزهق ويعلى بالباطل ليتمدد ويتسع..
 نسألكم ونحن نرى الأوطان تقسم وتتداعى الأكلة على قصعتها..
 نسألكم وأنتم تستشهدون بأصدقائكم من منظريهم ومفكريهم..
 نسألكم وسيد البيت الأبيض يستشهد بكلامكم "يجب أن نعلن الحرب على الحرب، لتكون النتيجة سلم على سلم"..
 وسؤالنا لكم أيها الشيخ والعالم الكبير: لماذا زهدتم بنا؟
 لماذا زهدتم بنا فلم تقولوا إن العدل والإنسانية قبل كل شيء؟
 لماذا زهدتم بنا فلم تقولوا "يجب أن نعلن الحرب عل الظلم، ليكون العدل والإنسانية ، فتكون النتيجة سلم على سلم"؟
 لماذا زهدتم بنا ونحن نسمع الآية الكريمة في خطب جمعنا: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى? وَيَنْهَى? عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ? يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ( النحل 90))؟
 لماذا زهدتم بنا فلم تصدعوا بكلمة الحق، كلمة العدل، عند سدنة الطغاة اللذين أهلكوا النفس والمال والحرث والنسل والشجر والدواب؟
 حقكم علينا أنكم علماؤنا وواجب علينا إجلال علمائنا ومعرفة قدرهم ونحن نقر لكم بذلك، ومن حقنا أن نسألكم وبكل حق الكلمة عليكم: لماذا زهدتم بنا؟
 حفظ الله لنا كلمة الحق يذود عنا بها علماؤنا، وحفظ لنا أهل الحق وخاصته ومن في فلكهم يسبحون .. اللهم أمين.

محمد حسني عودة، رئيس قسم هندسة البرمجيات- جامعة غرب إنجلترا- بريستول- المملكة المتحدة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق