الجمعة، 5 أغسطس 2016

دفعنا الثمن مرتين / سوسن الشاعر


جعلونا نمول حربًا لم نبدأها، وحملونا ذنب جريمة لم نقترفها، وقيدوا قرارنا فتمددت إيران في أرضنا، والأكراد ينفصلون عنا، إن الأهداف تعددت والابتزاز واحد.
أبقوا وأصروا مع سبق الإصرار والترصد على «سرية» أوراق في تقريرهم كانت تبرئ ولا تدين المملكة العربية السعودية، إنما في إبقائها سرية بقي سيف الابتزاز على رقابنا 13 عامًا، ثم بحجة (تهذيبنا) أعلنوا عن مشروعات دعم الديمقراطية في مجتمعاتنا، ثم تمكين الأقلية، ثم انتهوا بمشروع مكافحة الإرهاب، كلها مشروعات تبنتها أميركا ومولتها دولنا الخليجية، والنتيجة بدأت تقطف ثمارها منذ عام 2003 دول عربية تساقطت الواحدة تلو الأخرى، ودول يؤمل أن تسقط بالابتزاز والاستنزاف!!
آن لنا أن نعيد النظر في هذه الشراكة بالمشروعات التي تتبناها الأمم المتحدة أو الولايات المتحدة الأميركية، وبخاصة تلك التي تنضوي تحت مظلة «محاربة» الإرهاب، فلم نعد مضطرين لأن نقدم لكائن من كان شهادة إبراء ذمة كلما وقع حادث إرهابي في مكان ما. ما قدمناه، عربًا وخليجيين تحديدًا، ثمنًا لإبراء ذمتنا من تهمة الإرهاب، يفوق ما قدمه العالم أجمع، بدءًا من عدد ضحايانا من المسلمين والعرب، ومرورًا بالثمن المادي الذي ندفعه في أكثر من تحالف ومركز مخصص للحرب على الإرهاب.
مركز مكافحة الإرهاب في الأمم المتحدة وحده، تسلم منحة 100 مليون دولار من المملكة العربية السعودية قبل عامين، وتكلفة الطلعات الجوية في الحرب ضد «داعش» من أيام تشاك هيغل وزير الدفاع الأميركي تبلغ ملياري دولار شهريًا، ندفعها بتمويل مصانع أسلحتهم. شركات السلاح تعيش عصرها الذهبي بهذه الحرب، حيث حققت من الأرباح في العقد الأخير ما لم تحققه منذ نشأتها. ففي عام 2013 على سبيل المثال حققت أهم 10 شركات لصناعة السلاح أرباحًا صافية فاقت 26 مليار دولار، بحسب موقع «هافينغتون بوست». منذ 2001 ونحن ندفع لكل مشروع ينضوي تحت مظلة «مكافحة الإرهاب»، وأغلبها مشروعات فاشلة، فـ«القاعدة» لم تنتهِ، و«داعش» تنتشر، ونحن الملومون، ونحن ندفع الفواتير.
بعد كل تلك المساهمات، وبعد كل ما أبديناه من تعاون، تحول إعلامنا إلى بوق لإعلامهم في كل ما يتعلق بالإرهاب؛ رددنا كل ما صدروه لنا، واستخدمنا المفردات والمصطلحات ذاتها التي استخدموها، إلى أن أصبح الأمر مكشوفًا للحد الذي أثار السخرية، فكل إطلاق نار هو «داعش»، وكل «داعش» هو مسلم سني. استخدم الناس أسلوب السخرية للتعبير عن كشفهم اللعبة، فالحادث يوصف بالإرهابي إن كان مرتكبه مسلمًا سنيًا، أما إذا كان غير سني أو كان غير عربي فإن الفاعل إما مجرم أو مختل عقليًا. بدأ الأمر فعلاً يتحول لمزحة حين تخطى حاجز المنطق والعقل والقياس. وعينا انتشر بين العامة على مستوى أفقي بين الناس، لا عند النخب المثقفة فحسب، فمتى ينتشر رأسيًا ويصل للقمة؟ أدركنا اللعبة وأبعادها متأخرين، وبدأت مساحة الرفض لمزيد من جلد الذات تتمدد.
فينا - بوصفنا شعوبًا - عيوب الدنيا، فينا التخلف، وفينا الجهل، وفينا التشدد الفكري، ولسنا شعب الله المختار، ولا نزكي أنفسنا، لكن الإرهاب لا يقتصر علينا كما يراد لنا أن نصدق، ويراد لنا وحدنا أن ندفع فاتورته.
بعد 13 عامًا ثبت بالأدلة والبراهين وبتحقيقات أميركية وبقضاء أميركي، أن «خلق وإدارة (القاعدة)» لم يكن سعوديًا، وكذلك «خلق وإدارة (داعش)»، فتعدد جنسيات المحاربين في التنظيمات الإرهابية من الشيشان والجورجيين والأوروبيين، جعل من تنظيم داعش تنظيمًا دوليًا، لا إسلاميًا كما يروجون، خذوها بالجنسيات لا بالديانات، فلمَ نُتهم وحدنا بالإرهاب ولمَ نكون وحدنا مسؤولين عن درء التهمة عنا؟
ما يحدث في سوريا والعراق خارج نطاق السيطرة، وفوضاه خلقتها أميركا بتعمد، حتى «جبهة النصرة» التي اتفقت مع الروس على قصفها الآن، أميركا هي من دعمها في بداية تشكلها، ولم تصنفها على أنها إرهابية إلا حين وصلت لأبواب دمشق، ذلك سلوك يفتح ألف علامة استفهام. تعاملات «داعش» المصرفية مع البنوك مفتوحة الخط من دون عراقيل، ولا وقف للتدفقات المالية والتحويلات المالية من وإلى «داعش»، ولا عقوبات على أي بنك يتعامل معه، وهذا يفتح ألفًا أخرى من علامات الاستفهام.
لعبة كبرى حولت غضب العالم كله على المسلمين السنة تحديدًا، وربطتهم وحدهم بالإرهاب، وساعدناهم بهذه المهمة، وكان لنا دور في خداع أنفسنا، والأدهى أننا مولنا حربًا لم نكن مسؤولين عنها، وتم تحوير الاتهام لابتزازنا.
الأدهى من كل ذلك أنه في جميع تلك الدول التي نشط فيها «الإرهاب السني» على حد تعبيرهم، تمددت فيها إيران وبرعاية أميركية، كما أن رعايتها للأكراد وصلت إلى دفع رواتب البشمركة منهم وحفزتهم على طلب الانفصال، دليل آخر على هدف ينكرونه، وهو تمكين الأقليات في المنطقة. ضربوا عصفورين بحجر، فتحوا الباب لإيران وللأكراد في الدول التي انتشر فيها الإرهاب ذو الصناعة الأميركية، وجعلونا الممولين لمشروعات إسقاطنا.. إنها لعبة علينا، دفعنا ثمنها مقدمًا ومؤخرًا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق