الخميس، 28 ديسمبر 2017

ملف مقالات الفرق بين الفتح و الاستعمار

الفتوحات الاسلاميه ....تعريف ....احكام ....شبهات || اللجنة الشرعية ||

  .. بعث الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين..
ليخرج العباد من عبادة العباد الى عبادة رب العباد ومن جور الانسان الى عدل الاسلام ، وقد شرف الله العرب ان اختار محمدا منهم غير ان الاسلام جاء للعالمين لكل البشر للانس والجن !! 

ومن هنا وجب على حملة الرساله تبليغها الى كل من على هذه الارض!! 
ولاننا ابناء الدعوة وحملة الرساله يتطلب منا معرفه سبل ووسائل الفتوحات الإسلامية لمواجة القائلين انه لا فرق بين الفتوحات الاسلامية والحروب العالمية التي تحدث في الزمن المعاصر..

ومن هنا .. لقد اختار لكم اخوانكم في اللجنة الشرعيه المباركة هذا الموضوع الذي هو بعنوان ( الفتوحات الإسلامية .. تعريف .. احكام .. شبهات)
والذي سوف يتضمن النقاط التاليه :
* تعريف بالفتوحات الاسلامية
* قانون الفتوحات الاسلامية 
* اهداف الفتوحات الاسلامية 
* وصايا الرسول عليه الصلاة والسلام للجيوش الاسلامية
* مبدأ الجزية والغرض منه
* توضيح هل كانت الفتوحات الاسلامية حملات دعوية ام حملات استعمارية
* شبهات مدحوضة حول الفتوحات الإسلامية واراء بعض المستشرقين التي تفند الشبهات

=================

* تعريف بالفتوحات الاسلامية

في البداية دعونا نتعرف الى بعض المصطلحات التي تشتبه على البعض
الاستعمار , الاحتلال , الغزو والاجتياح , الفتوحات ,
الاستعمار

"ظاهرة سياسية اقتصادية وعسكرية تتجسد في قدوم موجات متتالية من سكان البلدان الإمبريالية إلى المستعمرات... بقصد استيطانها والإقامة فيها بشكل دائم أو الهيمنة على الحياة الاقتصادية والثقافية واستغلال ثروات البلاد. وترافق هذه الظاهرة حملات عسكرية عنيفة من أجل حماية هؤلاء المستوطنين، وإرغام سكان البلاد الأصليين على القبول بهم. أما دور هؤلاء المستعمرين الأجانب فيكمن في تأمين استمرارية النهب الاستعماري لهذه البلاد. ويؤدي هذا النوع من الاستعمار إما إلى طرد السكان الأصليين... وإما إلى الاستئثار بالحكم والامتيازات. وهناك الاستعمار التقليدي الذي يكتفي باستغلال البلاد وحكمها بواسطة جيوشه وعملائه".
وفي المحصلة ينهب المستعمر بشكل منظم خيرات وثروات البلاد المستعمرة، ويستغل الشعب الأصلي؛ ليسخره كعمال محطماً كرامته وشوكته، ويسعى لتدمير ثقافته وحضارته ولغته وهويته وحتى دينه إن استطاع؛ ذلك لأن المستعمر يسعى للتسلط على كل ما في البلاد وتطويعها لمصلحته، محاولاً إطالة مدة الاستعمار لأطول ما يمكن.

الاحتلال

هو قيام دولة بإسقاط حكومة دولة أخرى لتحكم بدلاً منها، وقد يبقي الاحتلال على الحكومة المحلية كواجهة أو أداة لتنفيذ أوامر المحتمل وتوجيهاته، وهذا لا يخرجها عن وصف الاحتلال وإنما هذه صورة من صور الاحتلال، ولكي يحدث الاحتلال فلا بد أن يسبقه غزو، لأنه وسيلة له، وهذا الغزو تبلغ ذروته في صورته العسكرية المباشرة، وذلك لان للغزو عدة صور كالغز والثقافي والاقتصادي والإعلامي". 

الغزو والاجتياح

تشير كلمة الغزو كما في المعجم الوسيط "السير إلى قتال العدو ومحاربته في عقر داره"، وهو يعني في علم السياسة "عملية دخول منظم إلى أرض تخص جماعة أخرى دون إرادة أهلها، بهدف الاستيلاء عليها واحتلالها ظلما وعدوانا. وهناك أمثلة عديدة في التاريخ الحديث على الغزو العسكري في الحروب. أما أشهر أمثلة الغزو الاستيطاني فهو الغزو الصهيوني لفلسطين بواسطة الهجرة المنظمة والحماية الإمبريالية والعنف والتهجير والاحتلال المسلح". 

الفتوحات

شير كلمة فتح البلد في المعجم الوسيط إلى "التغلب عليه وتملكه"، أما المفهوم السياسي للفتوحات فهي "ضم البلاد المفتوحة إلى الدولة الفاتحة، واعتبارها ولاية من ولاياتها، وتطبيق النظام الحاكم في البلد الأم على الولاية الجديدة"، "ولقد عرفت الفتوحات العربية مع ظهور الإسلام وبعده مبادئ أكثر وضوحا وعدالة، مستمدة جذورها من القرآن والسنة وتعليمات الخلفاء. ويعود حسن معاملة العرب لأهالي البلاد المفتوحة، إلى أن الفتوحات العربية لم تكن تستهدف استعمار الأراضي والسكان، وإنما كانت تستهدف نشر الدعوة والجهاد في سبيل الله"

الفرق بين هذه المفاهيم

الغزو –كما قلنا- يأتي في لغة العرب بمعنى القصد والطلب والسير إلى قتال الأعداء، لذلك فاللفظة محايدة، ولا تحمل معنى الخير أو الشر، ولا تقوّم بالصواب أو بالخطأ، ومن المعلوم في كتب السير والتاريخ بأن حروب الرسول كانت تسمى غزوات، وقد كان النبي r يقول لقادة الصحابة المجاهدين: "اغز باسم الله وفي سبيل الله..."، "والفتح والاحتلال والاستعمار هو ما يعقب الغزو، فإذا غزا قوم بلداً من البلاد فقد يتوج غزوهم بالنجاح فتكون النتيجة فتحه أو احتلاله واستعماره، وقد لا يتوج بالنجاح فيرجعوا خائبين".
أما كلمات "فتح" من جهة و "احتلال" و "استعمار" من جهة أخرى، جميعهم كلمات متحيزة، تحمل رأي مستخدمها، فحينما ينظر القائل أو الباحث للغزو على أنه حدث خير يسميه فتحاً، وحينما يراه حدثا سيئاً يسميه احتلالاً. وعليه فإن الخلاف يكون بين كلمتي الفتح من جهة والاحتلال والاستعمار من جهة أخرى وليس الغزو بالمفهوم السابق.
=================

* قانون الفتوحات الاسلامية


نشر الاسلام 
او لهم الذمية مع دفع الجزية
او الحرب في حال الامتناع

قد يسأل سائل لماذا الجزية وما حق الاسلام بالجزية ولماذا تفرض اجبارا
نقول 
اولاً : الجزية في اللغة
الجزية في اللغة مشتقة من مادة (ج ز ي)، تقول العرب: "جزى ، يجزي، إذا كافأ عما أسدي إليه"، والجزية مشتق على وزن فِعلة من المجازاة، بمعنى "أعطوها جزاء ما منحوا من الأمن"، وقال ابن المطرز: بل هي من الإجزاء "لأنها تجزئ عن الذمي". 
ثانيا
ان الجزية موجودة من قبل الاسلام وفيها من الظلم والاكراه ما فيها فلم يكن الإسلام بدعاً بين الأديان، كما لم يكن المسلمون كذلك بين الأمم حين أخذوا الجزية من الأمم التي دخلت تحت ولايتهم، فإن أخذ الأمم الغالبة للجزية من الأمم المغلوبة أشهر من علم ، فالتاريخ البشري أكبر شاهد على ذلك.

ثالثاً : الجزية في الإسلام
لكن الإسلام كعادته لا يتوقف عند ممارسات البشر السابقة عليه، بل يترفع عن زلـلهم، ويضفي خصائصه الحضارية، فقد ارتفع الإسلام بالجزية ليجعلها، لا أتاوة يدفعها المغلوبون لغالبهم، بل لتكون عقداً مبرماً بين الأمة المسلمة والشعوب التي دخلت في رعويتها. عقد بين طرفين، ترعاه أوامر الله بالوفاء بالعهود واحترام العقود، ويوثقه وعيد النبي صلى الله عليه وسلم لمن أخل به ، وتجلى ذلك بظهور مصطلح أهل الذمة، الذمة التي يحرم نقضها ويجب الوفاء بها ورعايتها بأمر النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد أمر الله بأخذ الجزية من المقاتلين دون غيرهم كما نصت الآية على ذلك { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } قال القرطبي: "قال علماؤنا: الذي دل عليه القرآن أن الجزية تؤخذ من المقاتلين... وهذا إجماع من العلماء على أن الجزية إنما توضع على جماجم الرجال الأحرار البالغين، وهم الذين يقاتلون دون النساء والذرية والعبيد والمجانين المغلوبين على عقولهم والشيخ الفاني".
وقد كتب عمر إلى أمراء الأجناد: (لا تضربوا الجزية على النساء والصبيان، ولا تضربوها إلا على من جرت عليه المواسي) أي ناهز الاحتلام. 
ولم يكن المبلغ المدفوع للجزية كبيراً تعجز عن دفعه الرجال، بل كان ميسوراً ، لم يتجاوز على عهد النبي صلى الله عليه وسلم الدينار الواحد في كل سنة، فيما لم يتجاوز الأربعة دنانير سنوياً زمن الدولة الأموية.
فحين أرسل النبي معاذاً إلى اليمن أخذ من كل حالم منهم دينارا، يقول معاذ: (بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فأمرني أن آخذ من كل ثلاثين بقرة تبيعا، أو تبيعة، ومن كل أربعين مسنة (هذه زكاة على المسلمين منهم)، ومن كل حالم ديناراً، أو عدله مَعافر(للجزية)، والمعافري: الثياب.
وفي عهد عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- ضرب الجزية على أهل الذهب: أربعة دنانير، وعلى أهل الورِق: أربعين درهما؛ مع ذلك أرزاق المسلمين، وضيافة ثلاثة أيام.

===================

* اهداف الفتوحات الاسلامية

لقد بعث الله سبحانه وتعالى رسوله محمد-صلى الله عليه وسلم – الى الناس كافة بدين الاسلام كما قال الله تعالى: (وما ارسلناك الا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن اكثر الناس لا يعلمون)(سبأ آية:28) وكانت القاعدة التي سار عليها الرسول –صلوات الله عليه- في نشر الدعوة هي التي رسمها القرآن الكريم في الاية الخامسة والعشرين بعد المائة من سورة النحل قال الله تعالى: (ادع الى سبيل ركبك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن ان ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله وهو اعلم بالمهتدين).
الاسلام نعمة من الله على عباده والنعم لا تفرق على الناس هكذا وانما ينالها من يستحقها منهم ومن هنا فان الدعوة الى الاسلام لا تكون الا بالحكمة أي بافضل الطرق واحكمها لايصالها الى القلوب ثم الموعظة الحسنة والجدل الرقيق فاذا اقتنع الاسنان بهذا الطريق كان بها وشملته نعمة الاسلام لان الله سبحانه وتعالى اعلم بمن كتبت عليه الضلالة فهو لا يهتدي الا اذا شاء الله ويعلم المهتدين الذين تفتحت قلوبهم فهم يدخلون فيه طواعية.
لقد وعد الله بنصر هذا الدين واظهاره في قوله تعالى: (هو الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون)( التوبة آية: 33) ومن هذا المنطلق فان الرسول –صلى الله عليه وسلم قد بذل جهده وسعى لتبليغ هذا الدين الى كافة الناس مصداقا لقوله تعالى: (ما على الرسول الا البلاغ)(المائدة آية:99)هذه الدعوة للدين الاسلامي العظيم دون اجبار لهم على الدخول فيه كما قال الله تعالى:(لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي)(البقرة آية: 256) وذلك منتهى التكريم للانسان الا يكره على الاعتقاد ولو كان هو الاعتقاد الصحيح حتى يصدر عن ضميره بعد التدبر والاقتناع. ان حركة الفتح الاسلامي كانت حركة 

فريدة في التاريخ لا تقارن باي حركة توسعية في تاريخ الامم الاخرى لاختلافها عنها في الجوهر وفي الهدف وفي الاثار المترتبة عليها فالحركات الغازية في القديم والحديث كان هدفها التوسع في الارض وفي السلطان وكان من ثمرتها استعباد الاقوياء للضعفاء ونهب خيرات البلاد المفتوحة لحساب الدولة الغازية واذلال البشر المغلوبين على امرهم واهانة كرامتهم مع بقاء الغالب والمغلوب كليهما في ظلمات الجاهلية اما حركة الفتح الاسلامية فهي امر مشروع لهذه الامة وليست هوى ذاتيا ولا شهوة بشرية. 
ان حركة الفتح الاسلامي ليست مجرد توسع في الارض ولا يجوز النظر اليها بهذا الاعتبار انما هي اكبر حركة هداية للناس في التاريخ واكبر حركة اخراج للناس من الظلمات الى النور . وبالفعل كانت الفتوحات الاسلامية سريعة وكانت نتائجها عظيمة باقية ، ستبقى الحيرة وسيبقى الاضطراب في تفسير هذه الحركة عند من لم يقتبس نورا من قبس الاسلام فلا يدرك عظمة هذا الدين الذي ارتضاه الله سبحانه وتعلى للبشرية جمعاء الا من ارتضاه دينا ونال النعمة باعتناق عقيدته قال الله تعالى: ( ان الدين عند الله الاسلام ) آل عمران آية:190.
===================

* وصايا الرسول عليه الصلاة والإسلام للجيوش الاسلامية

قال صلى الله عليه وسلم
{ لا تقتلوا شيخا فانيا , ولا طفلا , ولا امرأة } .رواه أبو داود , في سننه .

قال سيدنا ابو بكر موصيا جنوده
" لا تقتلوا شيخاً. لا تقتلوا طفلا. لا تقتلوا امرأة. ستجدون رهبانا تفرغوا للعبادة في الصوامع، فلا تقربوهم. 
لا تحرقوا زرعاً. لا تقطعوا نخلاً. لا تهدموا بيتاً. لا تهدموا معبداً. لا تغيروا عليهم ليلاً،
كي لا تروعوا النساء والأطفال ".
==================

* الفرق بين الجزية في الاسلام وبين ويلات الاستعمار

نبدأ بما نقله المؤرخون عن معاهدات النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الجزية، ونستفتح بما أورده ابن سعد في طبقاته من كتاب النبي لربيعة الحضرمي، إذ يقول: " وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم لربيعة بن ذي مرحب الحضرمي وإخوته وأعمامه، أن لهم أموالهم ونخلهم ورقيقهم وآبارهم وشجرهم ومياههم وسواقيهم ونبتهم وشِراجهم (السواقي) بحضرموت ، وكل مال لآل ذي مرحب ، وإن كل رهن بأرضهم يُحسب ثمره وسدره وقبضه من رهنه الذي هو فيه ، وأن كل ما كان في ثمارهم من خير فإنه لا يسأل أحد عنه ، وأن الله ورسوله براء منه ، وأن نَصْرَ آل ذي مرحب على جماعة المسلمين ، وأن أرضهم بريئة من الجور ، وأن أموالهم وأنفسهم وزافر حائط الملك الذي كان يسيل إلى آل قيس ، وأن الله جار على ذلك ، 

وقوله: (( وأن نصر آل ذي مرحب على جماعة المسلمين )) فيه لفتة هامة، وهي أن المسلمين يقدمون حياتهم وأرواحهم ودماءهم فدىً لمن دخل في حماهم ، وأصبح في ذمتهم ، إنها ذمة الله تعالى وذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم . يقول القرافي: "فعقد يؤدي إلى إتلاف النفوس والأموال صوناً لمقتضاه عن الضياع إنه لعظيم".

كما كتب النبي صلى الله عليه وسلم كتاب ذمة وعهد إلى أهل نجران النصارى، ينقله إلينا ابن سعد في طبقاته، فيقول: " وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسقف بني الحارث بن كعب وأساقفة نجران وكهنتهم ومن تبعهم ورهبانهم أن لهم ما تحت أيديهم من قليل وكثير، من بيعهم وصلواتهم ورهبانهم وجوار الله ورسوله، لا يغير أسقف عن أسقفيته ، ولا راهب عن رهبانيته ، ولا كاهن عن كهانته ، ولا يغير حق من حقوقهم ، ولا سلطانهم ولا شيء مما كانوا عليه، ما نصحوا وأصلحوا فيما عليهم غير مثقلين بظلم ولا ظالمين ، 

وانساح أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يطبقون ما تعلموه من نبيهم العظيم، ويلتزمون لأهل الجزية بمثل الإسلام وخصائصه الحضارية، وقد أورد المؤرخون عدداً مما ضمنوه لأهل الذمة، ومن ذلك العهدة العمرية التي كتبها عمر لأهل القدس، وفيها: "بسم الله الرحمن الرحيم ؛ هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان ، أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم ، ولكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها، أن لا تُسكن كنائسهم ولا تُهدم ولا يُنتقص منها ولا من حيزها ، ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم .
ولا يكرهون على دينهم، ولا يُضار أحد منهم ، ولا يُسَكَّن بإيلياء معهم أحد من اليهود ، وعلى أهل إيلياء أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن، وعليهم أن يُخرجوا منها الروم واللصوص ، فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغ مأمنه ، ومن أقام منهم فهو آمن، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية ...ومن شاء سار مع الروم ، ومن شاء رجع إلى أهله فإنه لا يؤخذ منهم شيء حتى يحصد حصادهم.
وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية ، شهد على ذلك خالد بن الوليد ، وعمرو بن العاص ، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاوية بن أبي سفيان ، وكتب وحضر سنة خمس عشرة". 

ويسجل عبادة بن الصامت هذه السمات الحضارية للجزية في الإسلام، وهو يعرض الموقف الإسلامي الواضح على المقوقس عظيم القبط ، فيقول: "إما أجبتم إلى الإسلام .. فإن قبلت ذلك أنت وأصحابك فقد سعدت في الدنيا والآخرة ، ورجعنا عن قتالكم، ولم نستحل أذاكم ولا التعرض لكم ، فإن أبيتم إلا الجزية، فأدوا إلينا الجزية عن يد وأنتم صاغرون، نعاملكم على شيء نرضى به نحن وأنتم في كل عام أبداً ما بقينا وبقيتم ، نقاتل عنكم من ناوأكم وعرض لكم في شيء من أرضكم ودمائكم وأموالكم، ونقوم بذلك عنكم إن كنتم في ذمتنا ، وكان لكم به عهد علينا . 

ونلحظ ثانية كيف يتقدم المسلم بنفسه لحماية أهل الجزية وأموالهم، ونرى فداءه لهم بماله ودمه "نقاتل عنكم من ناوأكم وعرض لكم في شيء من أرضكم ودمائكم وأموالكم، ونقوم بذلك عنكم" .

بينما الاستعمار هو استحلال لكل ثروات البلاد دون تفريق 
=====================

* شبهات مدحوضة حول الفتوحات الإسلامية واراء بعض المستشرقين التي تفند الشبهات

الفتح الاسلامي يختلف عن القتال والحروب التي شهدها التاريخ الانساني والتي استهدفت تحقيق اهداف سياسية او اقتصادية لافراد وجماعات يريدون العلو في الارض فالهدف وضوابط الحق والعدل والرحمة التي تميز بها الفتح الاسلامية ميزته عن الحروب الاخرى، قال الله تعالى: (الذين امنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت)(النساء آية: 86) . لقد تناول اعداء الاسلام هذا الموضوع فشوهوا حقيقته وفسروه تفسيرا منكرا وصوروه للناس على انه اسلوب وحشي للفتك وسفك الدماء وان من دخل في الاسلام من البشر انما كان خوفا من الفتك والقتل واستعملوا في هذا التزييف لصورة الجهاد او المجاهدين كل الوسائل والسبل واقوال المنصرين والمستشرقين في هذا المعنى واشباهه كثيرة جدا. وكان لهم في سبيل تحقيق هذا الهدف اساليب كثيرة يجمعها اتجاهان اثنان: الاول يستهدف قتل روح العزة لدى ابناء المسلمين. الثاني يستهدف ايجاد القطيعة بين المسلمين ودينهم بما يحمله من مبادئ وذلك بالترويج لافكار ومعتقدات ونظريات 
متناقضة لمبادئ الاسلام ومدعمة لدورهم المشبوه القاتل لروح العزة عند الشباب واخراج كثير من الشبهات والافتراءات حول الاسلام واعلامه بصورة فيها كثير من التنميق بشكليات يقصد بها الايهام والتشويه في عرض تلك المفتريات. ان حركة الفتح الاسلامي دوافعها وخصائصها واثارها الواقعية هي امر اساس في التاريخ الاسلامي لا بد ان يعالج باستفاضة لدحض مزاعم المستشرقين وم يتتلمذ عليهم من المؤرخين العرب والنظرة الغالبة لدى المستشرقين تتسم بالكثير من التشويه المتعمد المتحامل . وتكاد تتفق افتراءات واقوال اعداء الاسلام في غايات ذلك الفتح الكبير على فريتين هما: الاولى: ان دين الاسلام يقوم على القهر والغلبة فهو لم ينتشر الا بحد السيف وان انتشاره في الارض انما كان بالاكراه والاجبار لا بالحجة والاقناع. والثانية:ان السر في انتصارات المسلمين لم يكن ثمرة من ثمار الدين الحنيف ولا نتيجة تربيته وانما كان اثرا لتلك الروح الثائرة عند العرب وشغفهم بالحرب وحبهم للغزو والنهب والغنيمة والظروف الاقتصادية ونحو ذلك وهاتان شبهتان باطلتان كما سنرى.

* الاهداف المقصودة من اثارة تلك الشبهات:

1- قتل روح العزة عند المسلمين لان هذه الروح تقف امام مطامعهم في غزو الشعوب من اجل استعبادها وامتصاص خيراتها وذلك بتحقير مبادئ الاسلام والتنفير منه وتصويره بانه مظهر من مظاهر التخلف والهمجية الذي لا يليق بخلق الشعوب المتمدنة.

2- تشويه غايات الفتوحات بانها رد فعل لما كانوا يعيشون فيه من شظف العيش وضيق الحال وجدب الارض وقلة الموارد. وكذلك ابراز ان السبب الرئيس في بعض الفتوحات هو المرأة كما زعموا بل اخفاء السر الكامن وراءا انتصارات المسلمين الا وهو العقيدة . 

3- التأكيد على ان هدف الفتوحات اقتصادي وليس للدين دخل فيها ويبتغون من وراء ذلك امتصاص ما تثيره العقيدة الاسلامية في اهلها من عزم وتصميم وتضحية وعزة.

4- قطع الصلة بين حاضر الامة وماضيها بتشويه صورة سلفنا الصالح وغاياتهم واساليبهم النبيلة في الفتح الاسلامي. ولكن مهما صدر من اعداء الاسلام لتشويه الفتوحات الاسلامية بصفة خاصة والتاريخ الاسلامي بصفة عامة او اثارة الشكوك حولهما فان مؤامراتهم لا تلبث ان تنكشف وتنفضح لان هذه الافتراءات لا تحجب شمس الحقيقة وصدق الله القائل: (يريدون ليطفئوا نور الله بافواههم والله مم نوره ولو كره الكافرون) (الصف آية: 8) 
================

نكتفى بهذا ولكن نستشهد ببعض من هم على غير الاسلام

المؤرخ الألماني الكبير آدم مِتز:أمرت الشريعة الإسلامية بعدم القسوة في تحصيل الجزية، ونهى الإسلام عن اتباع الأساليب القديمة القاسية من تعذيب، أو تكليف أصحابها ما لا يطيقون، وكانت الجزية تؤخذ مقسطة، وكان يُعفَى من الجزية بمصر جميع الأوربيين والرهبان المتبتلين، من المسيحيين والبطريرك".

"ومن الأمور التي تعجب لها كثرة عدد العمال، والمتصرفين غير المسلمين في الدولة الإسلامية

المستشرقة الألمانية الشهيرة سيجريد هونكه قالت :"لا إكراه في الدين: تلك هي كلمة القرآن الملزمة، فلم يكن الهدف أو المغزى للفتوحات العربية نشر الدين الإسلامي، وإنما بسط سلطان الله في أرضه، فكان للنصراني أن يظل نصرانيًا، ولليهودي أن يظل يهوديًا كما كانوا من قبل، ولم يمنعهم أحدٌ أن يؤدوا شعائر دينهم، ولم يكن أحد لِيُنزِل أذى أو ضررًا بأحبارهم أو قساوستهم ومراجعهم، وبِيَعِهم وصوامعهم وكنائسهم

ويقول المستشرق روبنسون:
إن أتباع محمد وحدهم هم الذين جمعوا بين معاملة الأجانب بالحسنى، وبين محبتهم لنشر دينهم، وكان من أثر هذه المعاملة الحسنة أن انتشر الإسلام بسرعة، وعلا قدر رجاله الفاتحين بين الأمم المغلوبة، وأدت هذه المعاملة إلى انحسار ظل النصرانية عن شمالي إفريقيا

ويعترف المستشرق هو توماس آرنولد - في كتابه (الدعوة إلى الإسلام) – حسب ما أوردته الموسوعة العربية - بأن القبائل النصرانية اعتنقت الإسلام عن اختيار وإرادة حرة، ويذكر أن النصارى كتبوا إلى المسلمين العرب يقولون لهم: "يا معشر المسلمين أنتم أحب إلينا من الروم، وإن كانوا على ديننا، أنتم أرأف بنا وآنف عن ظلمنا وأحسن ولاية علينا".

ويقول دوابر: "إن العرب عاملوا اليهود في الأندلس أحسن معاملة. وعندما طرد النصارى العرب من الأندلس لم يطيقوا إبقاء اليهود، فدبروا لهم تهماً، وأحرقوا عشرة آلاف يهودي في مدى عشر سنوات. واعترف البطريرك النسطوري إبشوياف الثالث إلى سيمون أسقف آردشير، بأن العرب لم يهاجموا العقيدة النصرانية، وأنهم يعطفون على دينهم، ويكرمون قِدِّيسيهم، ويساعدون الكنائس والأديرة".

================
* توضيح هل كانت الفتوحات الاسلامية حملات دعوية ام حملات استعمارية

أردت أن اقتبس لموضوعي جملة من كلام الصحابي رضى الله عنة ربعي بن عامر عندما ذهب لقائد الفرس فسأله ما أتى بكم إلى أرضنا فقال: الله ابتعثنا والله جاء بنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام؛ فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه؛ فمن قبل منّا ذلك قبلنا ذلك منه ورجعنا عنه وتركناه وأرضه يليها دوننا، ومن أبى قاتلناه أبدا حتى نقضي إلى موعود الله. قال له رستم: وما موعود الله؟ قال: الجنة لمن مات على قتال من أبى، والظفر لمن بقي، فقال رستم: قد سمعت مقالتكم، فهل لكم أن تؤخّروا هذا الأمر حتى ننظر فيه وتنظروا؟ قال: نعم، كم أحبّ إليكم؛ أيوماً أو يومين؟ قال: لا بل حتى نكاتب أهل رأينا ورؤساء قومنا.

يا لروعه هذه الكلمات ويا لدلالاتها التي تبين حقيقه هذه الفتوحات الدعوية ...

نشير هنا الفرق بين الفتوحات وحروب الاستعمار والاحتلال:

هناك فرق كبير بين الفتح من جهة، وبين الاحتلال والاستعمار من جهة أخرى، 
وهذا الفرق يمكن في ثلاث محاور: الدوافع، الأهداف ، والنتائج.
فالعنف في الإسلام لا يشكل الأولوية وإنما يقع في مرتبة أدنى؛ لأن الأولوية في الفتوحات الإسلامية هي للعقيدة ونشرها، وتوحيد الشعوب والقبائل بالإسلام تحت حكم الإسلام، وهذا يشكل اختلافاً جوهرياً في الحالات الأخرى (الاستعمار والاحتلال) التي يشكل العنف والاستبداد الأولوية والمرتبة المهمة والمكانة العلية. 
إن العقيدة الإسلامية وهي سلاح الفاتحين الأمضى "تمنع إكراه الناس على اعتناقها{لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}فسيف الإسلام لم يشهر في وجه المستضعفين، وإنما في وجه القياصرة والأكاسرة الذين يملكون الجيوش ويتسلطون على العباد. إن العنف في حالات التوسع والعدوان يشكل شرط الوجود إلى الغاية التي ترمي إليها، وسرعان ما يصبح تطوير العنف وتعزيزه غاية في حد ذاتها".
ومن خلال استقراء التاريخ الإسلامي يتجلى الهدف المرجو من الفتوحات إذ يختلف اختلافاً جوهرياً عن أهداف الاحتلال والاستعمار، فالفاتح الأول الرسول صلى الله عليه وسلم والفاتحون من بعده لم يهدفوا إلى بناء امبراطوريات تخضع الأقوام الخارجية (الشعوب الأخرى)، وتحقق عليها السيادة الطاغوتية(استعباد، نهب، قهر، استغلال طاقات، النفوذ..) "ولكنها انطلقت وهي تحمل عقيدتها ولا تحمل مشروع عداء تجاه الخارج؛ لتقنعه على حملها، فتتوحد معها ويصبح الجميع (الداخل والخارج) في ظل الإسلام أمة واحدة. فقد هدفت الفتوحات إلى "تحقيق الوحدة مع الخارج ومساواته بنفسه من خلال العقيدة الإسلامية التي تقضي بذلك والتي تغرس في عقل ذلك العربي وقلبه الآيات الكريمة{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (سورة الحجرات 10)، {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (سورة الحجرات 13)، وكان الرسول r قد غرس في نفوس القادة والمجاهدين أن لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى" .

الى هنا نصل الى ختام الموضوع 
في انتظار مشاركاتكم وارائكم 

مع تحيات اخوانكم في اللجنة الشرعية المباركة .

=========

الأندلس: فتحٌ أم احتلال؟

هل كان دخول المسلمين الأندلس فتحاً أم احتلالاً؟
يعتبر هذا السؤال من بين الأسئلة التي تنهمل على المهتم بشأن الأندلس و تاريخها، سواء كان مدوناً أو باحثاً أو مؤرخاً أو مجرد ناقل لأخبار الأندلس وأحداثها، وهو يأخذ صيغاً كثيرة تكون حسب شخص السائل وهدفه من السؤال، فإن كان بريئاً ومستفسراً بصدق سأل: لماذا نسمي دخول المسلمين عسكرياً إلى أرض لا تتبعهم فتحاً؟ و إن كان السائل ناقماً ومستهدفا صاغ سؤاله على نحو: ما الفرق بين الاستعمار الحديث والاحتلال العربي للأندلس كلاهما أخذ بالقوة و ظلما أرضاً و ملكاً لا يستحقانه.
الرد على هذا السؤال في الحقيقة ليس بالأمر البسيط لأنّه يحمل في طياته إشكالات وتعقيدات كثيرة تختزل قروناً من الشخصيات و الأحداث، ولهذا حاولت أن أحلل جيداً الموضوع قبل الشروع في تركيب أي جواب قد لا يكون بقوة طرح السؤال.
لم أجد أي عناء في فرز من يتداولون هذا السؤال ووضعهم في مرتبتين: مستيقن ومستيقن!
أما المستيقن الأول فهو الذي رسخ فيه أنّ دخول المسلمين الأندلس في بداية القرن الثامن للميلاد ليس إلا تواصلا لسلسلة الفتوحات الهادفة إلى نشر الإسلام والتي بدأها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- و تبعه فيها الخلفاء الراشدون ومن تلاهم، غير أنّه تاه في بحر المفردات وأصبح عاجزاً عن تجاوز عقبة التشابه المطبق ضمنيا للاحتلال والفتح.
و أما المستيقن الثاني، فهو متأكد تماماً أنّ ما سمّاه المسلمون “فتحاً” للأندلس ليس إلا احتلالاً لا يختلف البتة عن أي عمل صنّفه الإنسان على أنّه “احتلال”، ويعتبر سؤاله محاولة لبث الشك وغرس الريبة في صف الصنف الأول ثم خلق شرخ في قناعة المؤمن بشرعية الفتح الإسلامي يدخل من خلاله لبث أفكار أكثر هدماً وتدميراً.
و بما أنّه يُفترض من الباحث أن يكون منصفاً بعيداً عن الأحكام و الاتّهامات فإنّ جوابنا سيكون موجّها مباشرة للصّنف الأول من الذين واجههم هذا السؤال فعاودوا طرحه على من توسموا فيهم المقدرة على الردّ المقنع، وهدفنا هو القفز على الغموض الذي يتركه وضع الخيار على تصنيف العمل العسكري والسياسي الإسلامي في الأندلس بين الفتح أو الاحتلال، أما الصنف الثاني الذي اقتنع بفكرة أن الفتح الإسلامي هو وجه مطابق للاحتلال فلا أرى بدّاً من مخاطبته مباشرة لأنّ من شروط النقاش العلمي التخلي عن القناعات المسبقة أو على الأقلّ ترك مجال لإمكانية التنازل عنها، و لكن يستطيع كلّ من اقتنع بأن المسلمين قد احتلّوا الأندلس أن يشاركنا في فلسفتنا للرد على الموضوع عساه يغير موقفه أو يثبته.

الفتح و الاحتلال
اكتشفت بعد تحليل سؤال موضوع البحث أنّ المقارنة تقع بين مصطلحين رئيسين هما “الفتح” و”الاحتلال”، ولهذا كان علينا قبل الإجابة عن السؤال تقديم شرح مفصّل مستنبط من المصادر المتداولة لمعنى كلّ كلمة على حدى.
و قد قمت بعملية مقارنة بين المعنى اللغوي لكل كلمة في ثلاثة لغات مهمة و هي: الانجليزية و الفرنسية و الإسبانية (1) و قد وجدت هذه المعاني المشتركة لتعريف كل كلمة:
-الاحتلال: السيطرة بالقوة على أرض غير تابعة للمعتدي.
-الفتح: السيطرة على أرض أو بلد باستعمال القوة و التدخل في الشأن الخاص.
أما في قواميس اللغة العربية الحديثة فوجدت اتفاقا على هذين المعنيين:
-الاحتلال: الاستيلاء على أرض دولة أخرى بالقوة. (2)

-الفتح: الاحتلال، الغلبة و التملّك. (3)

في الحقيقة لم أكن أعتقد أن الجواب عن سؤال فتح الأندلس أو احتلالها سيكون ببساطة شرح معاني مفردات السؤال و لكن تراءى لي الجواب بمجرد قراءة تعريفات القواميس و المعاجم، أمّا عن سبب اختياري للغات الأجنبية الثلاثة بالذات فذلك سببه أنّها لغات أكبر القوى الاستعمارية في التاريخ الحديث باستثناء البرتغال. أما الفرنسية فهي لغة فرنسا أكبر مستعمر في إفريقيا(4)، و أما الانجليزية فهي لغة بريطانيا العظمى غازية ربع العالم (5) سابقاً، ولغة الولايات المتحدة الأمريكية المحتل الحديث، وأما الإسبانية فهي لغة المملكة الإسبانية التي احتلت جنوب أمريكا وبضعاً من أراضي جنوب شرق آسيا(6). و ما شد انتباهي عند طرح تعريف مصطلح الاحتلال و صطلح الفتح هو توافق معناهما اللغوي. حيث لا يوجد أي فرق يذكر في اللغات السابقة حول تعريف كل من الفتح والاحتلال.
المعنى الضمني و التموقع

إذن كان للفتح والاحتلال نفس المعنى فلماذا نناقش السؤال من أساسه؟
في الواقع إنّ الفرق الكامن بين الفتح والاحتلال ليس فرقاً لغوياً بقدر ما هو فرقٌ اصطلاحي، لأنّ العادة جرت على وجود مفهوم ضمني للاحتلال يجعله عملاً عسكرياً غير عادل تقوم من خلاله مجموعة أو دولة ما بالسيطرة على دولة أو أرض أخرى باستعمال القوة ودون احترام للحريات والممتلكات والأشخاص وينتهي هذا العمل بتحول السلطة إلى الطرف الجديد وسقوط حقوق صاحب الأرض أو البلد، أما الفتح فله مفهوم إيجابي يجعل منه عملية عسكرية يقوم بها طرف”عادل”و “متحضر” في دولة أو بلد أو أرض طرف”متخلف” “ظالم” و تنتهي هذه العملية بتصدير الحضارة والتطور والتقدم للطرف الذي لم يحسن التصرف في بلده أو أرضه (7).
و للتأكد من وجود هذا الفرق الاصطلاحي يكفي قراءة تاريخ أي صراع ما من خلال كتابات طرفي الصراع، فبينما يصف الألمان النازيون سقوط باريس في الحرب العالمية الثانية بالفتح المبين تجد المؤرخين الفرنسيين يطلقون عليه اسم الاحتلال النازي، و بينما يصف الجزائريون التواجد الفرنسي في الجزائر على مدى قرن ونصف بالاحتلال الغاشم تجد فرنسا تصفه في كل كتاباتها الرسمية و التاريخية ب”الفتح” وكذلك ينطبق الأمر على موقف الهنود الحمر من التدخل العسكري الإسباني ثم الانجليزي في أرضهم ووصفه بالاحتلال الظالم وتأكيد الإسبان والإنجليز على تسميته بالفتح المنصور.
هذا الاستعمال الاصطلاحي كما رأينا هو الذي يضع الحدود بين مفهوم الاحتلال ومفهوم الفتح، وإذا وقفنا موقفاً محايداً فسوف نستنتج بسهولة كيف أن استعمال المفاهيم يكون على حسب مقاس المستعمِل، ففرنسا مثلاً لم يختلف تدخلها في إفريقيا عن تدخل الألمان في فرنسا وأوروبا ولكنها تصف تدخلها بالفتح وتدخل ألمانيا بالاحتلال، و العجيب أنّها ما زالت ترافع على مستوى سياسي عالٍ جداً للدفاع عن عمليات الاحتلال التي قامت بها في إفريقيا حيث أصدر برلمانها سنة 2005 قانوناً يمجّد تاريخ فرنسا الاستعماري رغم أنه كلف إفريقيا الويلات والخسائر المادية والبشرية الباهضة، كذلك نرى أن دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية لا زالت تبرر أعمالاً استعمارية تفتقد لكل معنى إيجابي مثل قصف جزر اليابان بالنووي أو حربها على العراق وأفغانستان وقبلهما الفيتنام وتسميتها بالفتوحات، بينما تضع مفهوماً سلبياً لكل عمل مماثل مضاد لها وتسميه بأوصاف أدناها الاحتلال وأقصاها الإرهاب.
إذن فالفرق بين الاحتلال و الفتح ليس فرقا اصطلاحيا فقط، بل هو فرق في التموقع في النزاع، فإذا افترضنا أن النزاع عصا طرفاها دولتان أو مجموعتان فسوف نجد على أحد الأطراف محتلّاً وفاتحاً وعلى الطرف الآخر مظلومًا ومستحقًّا للاحتلال.
فإذا وقفت على طرف العصا من جانب القوي رأيته تسمى “فاتحاً” و برّر استحقاق الطرف الآخر للفتح أو الاحتلال، وإذا وقفت على طرفها من جانب المغلوب على أمره رأيته سمى الآخر “محتلا” و نفسه “مظلوما”.

حدّد موقعك

لهذا إذا أردنا أن نعرف إذا كان دخول المسلمين الأندلس فتحا أم احتلالا، وجب علينا التسلسل في مطابقة التعريفات السابقة على التواجد الإسلامي:
حسب التعريف اللغوي لا يكون دخول المسلمين احتلالاً أو فتحاً إلا إذا كان عسكرياً وبالقوة، و هذا ينطبق على دخول المسلمين أوّل الأمر ولكنّه ليس بالبساطة التي يريد تصويرها من يعادي فكرة فتح الأندلس. فالمسلمون كان تدخلهم العسكري في أول الأمر موجهاً نحو الحكّام القوطيين الذين لم يكونوا أبناء البلد الأصليين ثم تحول الصراع العسكري عبر قرون طوال من صراع بين الجنس العربي الأمازيغي الدخيل و الجنس الإيبيري الأصيل إلى صراع بين أبناء الأندلس المسيحين وأبنائها المسلمين بل وبين أبناء الفئتين. ورغم محاولات بعض الكتّاب والمؤرخين لإزالة الصفة العسكرية عن التدخل الإسلامي في الأندلس(8)، إلا أننا نميل إلى تأكيد تطابق التواجد الإسلامي بدءاً في الأندلس مع المفهوم اللغوي للاحتلال والفتح.
لكن هل كان هذا التدخل العسكري الإسلامي يحمل وجها إيجابيا يجعل منه فتحاً أم أنّه كان ذا خصائص سلبية تجعل منه احتلالاً خالصاً؟ طبعاً الجواب على هذا السؤال يدفعنا للانتقال مباشرة إلى النقطة الثالثة في التسلسل التحليلي وهي نقطة التسمية حسب التموقع في الصراع.
رغم أنّ هناك إجماع إسلامي بل وغربي على الوقع الإيجابي للتواجد الإسلامي في الأندلس وجعل هذه المنطقة من أوروبا مثالاً في التقدم التقني والتطور الحضاري و لتفوق المعماري وحرية المعتقد(9)، إلاّ أنّ هذا لا يغّطي على النقائص التي شهدها التواجد الإسلامي منذ أول تدخل في الجزيرة إلى غاية سقوط الأندلس نهائياً. وهنا نعود لمسألة التموقع، حيث نجد تركيزاً على الجانب الإيجابي من طرف المنتصرين لفتح الأندلس بينما نجد تغطية حصرية للنقاط السلبية من جانب المعادين لفكرة الأندلس الإسلامية، وبالتالي فإنّ من أراد أن يعرف إذا كان دخول المسلمين للأندلس وبقائهم بها ثمانية قرون وبنائهم لحضارة تاريخية خالدة يعتبر فتحا ًأو احتلالاً فيكفيه أن يضع نفسه في أحد أطراف العصا.
ومنه فعلى كل شخص مهتم بتاريخ الأندلس أن يجد لذاته مكاناً في ذلك التاريخ يجعله يفهم التاريخ من خلال شخصه وهويته وقيمه ودينه ومبادئه , فإذا وجد في هذا التاريخ ما لا يناسب قيمه وذاته فعليه أن يطرح ذاك الشق من التاريخ لا أن يغير من قيمه وأن يدوس على هويته. إنّ نشر الإسلام و مبادئه أمر ثابت في عقيدة المسلم تجعله يقرن أي عمل دعوي إسلامي بقول الله تعالى: “إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً” (10)، وقوله عز وجلّ: “إذا جاء نصر الله والفتح” (11)، كما أنّ المسلم مطالبٌ بالعدل في الحكم على المسائل التاريخية من ثناء على المواقف الإيجابية ونقد للتصرفات السلبية التي شابت التاريخ الإسلامي ولكنّه غير مطالب بتاتاً بالوقوف في صفّ الطرف الآخر في جنبي التاريخ والدفاع عن آراءه وتبني أفكاره ومعتقداته.


(1) Larousse – Cambridge dictionary- Dicionario de la RAE
(2)معجم اللغة العربية المعاصرة،المعجم الوسيط.
(3)معجم اللغة العربية المعاصرة.
(4)فاقت مستعمرات فرنسا بين القرن الثامن عشر و القرن العشرين الستين مستعمرة بين دولة و جزيرة.
(5)بلغت مساحة مستعمرات المملكة البريطانية ما يقارب الثلاثين مليون كيلومتر مربع أو ما يعادل ربع مساحة اليابسة.
(6)تُعتبر المملكة الإسبانية أول محتل لجنوب القارة الأمريكية حيث كانت تسيطر على 70% من مساحة القارة.
(7)كتاب La désinformation autour de la colonisation لصاحبه Arnaud Raffard de Brienneيتطرق إلى كيفية تزيين الاحتلالوتحويله إلى فتح بصبغة حضارية.
(8)من بين الأسماء التي تدافع عن هذه الفكرة نذكر الباحثين : Carmina Fort Dolors Bramon, Ignacio Olagüe, Emilio González Ferrín
(9)لم ينكر الأثر الإيجابي للحضارة الأندلسية على جزيرة الأندلس أووروبا حتى أشد المستشرقين عداء لتاريخ الأندلس مثل دوزي.
(10)سورة الفتح، الآية 1
(11)سورة النّصر، الآية 1
========
الفرق بين الفتح والغزو والإستعمار والإحتلال ...

مقاربات مفاهيمية:

من المهم عند دراسة أي مجال من مجالات العلوم الإنسانية والاجتماعية تحديد المصطلح والمفهوم، والوقوف على دلالاته، خاصة وان المصطلحات والمفاهيم يمكن أن تحمل وجوهاً متعددة في المباني والمعاني. وعليه ينبغي أن نجلب من الخزانة المعرفية مقولة فولتير: «إن أردت أن تتحدث معي فحدد مصطلحاتك».
إن الجدل يحتدم بين أرباب الفكر حول صدق وحقيقة مصطلح الفتوحات من عدمه، حيث يساوي البعض بينه وبين الاحتلال، او الاستعمار، أو الغزو والاجتياح، ذلك أن كثيراً من المستشرقين ومن تبعهم من المفكرين العلمانيين العرب قد خالفوا المنهج الذي خطه أصحاب الاتجاه الإسلامي، أو المعتدلين من المستشرقين، أو الكثير من العسكريين العرب، أمثال جمال الدين محفوظ، ومحمد شيث خطاب... وغيرهما.

أولاً: مفهوم الاستعمار:

كان مفهوم الاستعمار هو طلب الاعمار، وإن الغربي هو الرجل الأشقر الذي له المركزية في توجيه العالم.. وإن البشر خلقوا إما سادة أو عبيداً.. وانهم الأوصياء على البشرية باعتبار البشرية الصفراء.. والسمراء والسوداء لا تستطيع أن تقود نفسها.
إلا أن الحقيقة المرة لمفهوم الاستعمار هي غير ذلك، إذ تشير بأنه "ظاهرة سياسية اقتصادية وعسكرية تتجسد في قدوم موجات متتالية من سكان البلدان الإمبريالية إلى المستعمرات... بقصد استيطانها والإقامة فيها بشكل دائم أو الهيمنة على الحياة الاقتصادية والثقافية واستغلال ثروات البلاد. وترافق هذه الظاهرة حملات عسكرية عنيفة من أجل حماية هؤلاء المستوطنين، وإرغام سكان البلاد الأصليين على القبول بهم. أما دور هؤلاء المستعمرين الأجانب فيكمن في تأمين استمرارية النهب الاستعماري لهذه البلاد. ويؤدي هذا النوع من الاستعمار إما إلى طرد السكان الأصليين... وإما إلى الاستئثار بالحكم والامتيازات. وهناك الاستعمار التقليدي الذي يكتفي باستغلال البلاد وحكمها بواسطة جيوشه وعملائه".
وفي المحصلة ينهب المستعمر بشكل منظم خيرات وثروات البلاد المستعمرة، ويستغل الشعب الأصلي؛ ليسخره كعمال محطماً كرامته وشوكته، ويسعى لتدمير ثقافته وحضارته ولغته وهويته وحتى دينه إن استطاع؛ ذلك لأن المستعمر يسعى للتسلط على كل ما في البلاد وتطويعها لمصلحته، محاولاً إطالة مدة الاستعمار لأطول ما يمكن.

ثانياً: مفهوم الاحتلال:
"هو قيام دولة بإسقاط حكومة دولة أخرى لتحكم بدلاً منها، وقد يبقي الاحتلال على الحكومة المحلية كواجهة أو أداة لتنفيذ أوامر المحتمل وتوجيهاته، وهذا لا يخرجها عن وصف الاحتلال وإنما هذه صورة من صور الاحتلال، ولكي يحدث الاحتلال فلا بد أن يسبقه غزو، لأنه وسيلة له، وهذا الغزو تبلغ ذروته في صورته العسكرية المباشرة، وذلك لان للغزو عدة صور كالغزو الثقافي والاقتصادي والإعلامي".
إن سيطرة جيش دولة ما لأراضي دولة أخرى بالقوة والعنف والعداء ينجم عنه الاحتلال، "مع ما يستتبع ذلك من قيام ظروف خاصة تزول فيها سلطة الحكومة الشرعية للبلاد أو للمنطقة المحتلة. فتصبح القوة الغازية المهيمنة على إدارة المنطقة المحتلة. وبالتالي تقوم بدور السلطتين التشريعية والتنفيذية، لضمان مصالحها الخاصة. وخلق أوضاع تمكنها من استغلال ثروات الأرض المحتلة، وفرض السياسات التي تناسبها وتضطر بعض الأحيان إلى احترام حد أدنى من الحقوق الوطنية (حقوق الأفراد، وحقوق الملكية)".

ثالثاً: مفهوم الغزو- الاجتياح:

تشير كلمة الغزو كما في المعجم الوسيط "السير إلى قتال العدو ومحاربته في عقر داره"، وهو يعني في علم السياسة "عملية دخول منظم إلى أرض تخص جماعة أخرى دون إرادة أهلها، بهدف الاستيلاء عليها واحتلالها ظلما وعدوانا. وهناك أمثلة عديدة في التاريخ الحديث على الغزو العسكري في الحروب. أما أشهر أمثلة الغزو الاستيطاني فهو الغزو الصهيوني لفلسطين بواسطة الهجرة المنظمة والحماية الإمبريالية والعنف والتهجير والاحتلال المسلح".

رابعاً: مفهوم الفتح:

تشير كلمة فتح البلد في المعجم الوسيط إلى "التغلب عليه وتملكه"، أما المفهوم السياسي للفتوحات فهي "ضم البلاد المفتوحة إلى الدولة الفاتحة، واعتبارها ولاية من ولاياتها، وتطبيق النظام الحاكم في البلد الأم على الولاية الجديدة"، "ولقد عرفت الفتوحات العربية مع ظهور الإسلام وبعده مبادئ أكثر وضوحا وعدالة، مستمدة جذورها من القرآن والسنة وتعليمات الخلفاء. ويعود حسن معاملة العرب لأهالي البلاد المفتوحة، إلى أن الفتوحات العربية لم تكن تستهدف استعمار الأراضي والسكان، وإنما كانت تستهدف نشر الدعوة والجهاد في سبيل الله"، وهو ما سيتضح بجلاء عند الحديث عن الفتوحات الإسلامية والتي امتدت من حدود الصين شرقاً إلى شاطئ الأطلسي غرباً في أقل من مائة عام .

خامساً: الفرق بين المفهومات:
الغزو –كما قلنا- يأتي في لغة العرب بمعنى القصد والطلب والسير إلى قتال الأعداء، لذلك فاللفظة محايدة، ولا تحمل معنى الخير أو الشر، ولا تقوّم بالصواب أو بالخطأ، ومن المعلوم في كتب السير والتاريخ بأن حروب الرسول كانت تسمى غزوات، وقد كان النبي r يقول لقادة الصحابة المجاهدين: "اغز باسم الله وفي سبيل الله..."، "والفتح والاحتلال والاستعمار هو ما يعقب الغزو، فإذا غزا قوم بلداً من البلاد فقد يتوج غزوهم بالنجاح فتكون النتيجة فتحه أو احتلاله واستعماره، وقد لا يتوج بالنجاح فيرجعوا خائبين".
أما كلمات "فتح" من جهة و "احتلال" و "استعمار" من جهة أخرى، جميعهم كلمات متحيزة، تحمل رأي مستخدمها، فحينما ينظر القائل أو الباحث للغزو على أنه حدث خير يسميه فتحاً، وحينما يراه حدثا سيئاً يسميه احتلالاً. وعليه فإن الخلاف يكون بين كلمتي الفتح من جهة والاحتلال والاستعمار من جهة أخرى وليس الغزو بالمفهوم السابق.
الفرق بين الفتوحات وحروب الاستعمار والاحتلال:
هناك فرق كبير بين الفتح من جهة، وبين الاحتلال والاستعمار من جهة أخرى،
وهذا الفرق يمكن في ثلاث محاور: الدوافع، الأهداف ، والنتائج.
فالعنف في الإسلام لا يشكل الأولوية وإنما يقع في مرتبة أدنى؛ لأن الأولوية في الفتوحات الإسلامية هي للعقيدة ونشرها، وتوحيد الشعوب والقبائل بالإسلام تحت حكم الإسلام، وهذا يشكل اختلافاً جوهرياً في الحالات الأخرى (الاستعمار والاحتلال) التي يشكل العنف والاستبداد الأولوية والمرتبة المهمة والمكانة العلية.
إن العقيدة الإسلامية وهي سلاح الفاتحين الأمضى "تمنع إكراه الناس على اعتناقها {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} فسيف الإسلام لم يشهر في وجه المستضعفين، وإنما في وجه القياصرة والأكاسرة الذين يملكون الجيوش ويتسلطون على العباد. إن العنف في حالات التوسع والعدوان يشكل شرط الوجود إلى الغاية التي ترمي إليها، وسرعان ما يصبح تطوير العنف وتعزيزه غاية في حد ذاتها".
ومن خلال استقراء التاريخ الإسلامي يتجلى الهدف المرجو من الفتوحات إذ يختلف اختلافاً جوهرياً عن أهداف الاحتلال والاستعمار، فالفاتح الأول الرسول r والفاتحون من بعده لم يهدفوا إلى بناء امبراطوريات تخضع الأقوام الخارجية (الشعوب الأخرى)، وتحقق عليها السيادة الطاغوتية (استعباد، نهب، قهر، استغلال طاقات، النفوذ..) "ولكنها انطلقت وهي تحمل عقيدتها ولا تحمل مشروع عداء تجاه الخارج؛ لتقنعه على حملها، فتتوحد معها ويصبح الجميع (الداخل والخارج) في ظل الإسلام أمة واحدة. فقد هدفت الفتوحات إلى "تحقيق الوحدة مع الخارج ومساواته بنفسه من خلال العقيدة الإسلامية التي تقضي بذلك والتي تغرس في عقل ذلك العربي وقلبه الآيات الكريمة{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (سورة الحجرات 10)، {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (سورة الحجرات 13)، وكان الرسول r قد غرس في نفوس القادة والمجاهدين أن لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى" .
إن من نتائج الاحتلال:
السيطرة العنصرية والتمييز العنصري: وقد حدد الإسلام موقفه منهما بقول رسوله r: (لا فرق بين عربي و أعجمي ولا بين أبيض وأسود إلا بالتقوى).
ابتزاز خيرات الشعوب، ونهب خيرات الأمم، والتجزئة واغتصاب الأراضي: وقد خلّص الإسلام سكان البلاد المفتوحة من الضرائب الباهظة التي كانت مفروضة من قبل الفرس والروم، والجزية التي يتذرع بها المستشرقون المغرضون أو المفكرون العرب المتأثرون بالمدارس الغربية مبلغ لا يذكر مقابل الخدمات الجليلة التي يستفيد منها الذمي، ويدفع المسلم أضعاف ما يدفع الذمي.
إبادة السكان الأصليين، وانتشار الرقيق: وقد جاء الإسلام فحرر الرقيق، وهو لم يعرف إبادة الشعوب.
انخفاض مستوى المعيشة، والجهل، وتأخر الصحة والخدمات الصحية...الخ:
أما الفتوحات فقد عمت الرفاه في البلاد التي فتحت، وعمت نهضة علمية وطبية فكان العلم للجميع... وبالتالي الاحتلال يؤدي إلى التخلف. أما الفتح الإسلامي فأدى إلى الازدهار والتطور.
ويمكن أن نلحظ بصورة دامغة عند التمحيص في التاريخ الإسلامي العسكري أن هناك فتوحات لا حربية تكررت، وسمحت للناس باختيار الدين الجديد نظراً لما يتمتع به هذا الدين من تحقيق للعدالة والمساواة التي لم تكن متوافرة في ديارهم، وفي كثير من المواقف تم إعطاء البلاد المفتوحة فرصة لفتح الأبواب دون حرب، وهذا ما حصل في العديد من المدن التي دخلها المسلمون دون حرب، وأقاموا فيها أوامر الله فأنصفوا الضعفاء وعدلوا بين الناس.
لذلك كله، فإنه "من الظلم الفادح، والخطأ الواضح، أن توضع الفتوحات العربية الإسلامية في مصاف حروب التوسع والعدوان، أو أن يوضع تشكيل الأمة الإسلامية العالمية في السلة نفسها مع تشكيل الإمبراطوريات العالمية. ذلك أن تلك الفتوحات الإسلامية لم تكن عملية توسعية عدوانية بقصد إخضاع العالم تحت سيف العرب، ومن أجل مصلحة العرب، وفي ظل امتياز العرب (كقوم) على الآخرين واستبدادهم بهم، بل هي عملية، تهدف إلى مساواة الشعوب جميعا في ظل العقيدة الإسلامية. ومن ثم تكوين أمة واحدة هي الأمة الإسلامية".
إن التاريخ الإسلامي شهد حقاً ما يسمى بالفتح الإسلامي السامي والنبيل، لكن ذلك لم يخل من استثناءات بدأت تظهر في بعض الحروب والفتوحات حيث حصلت بعض التجاوزات، التي لا يقاس عليها، ولكن القدر الأكبر من الفتوحات حدث بشكل سلمي وحسب المعايير الإسلامية مما دفع الناس للدخول في دين الله أفواجا.

- الصورة لحدود الدوله الاسلامية وليس لها علاقة بالموضوع.


======


هنالك سؤال يطرحه الغرب لماذا تطلقون أيها المسلمون كلمت فتح على البلدان التي تدخلونها بجيوشكم ؟

ما الفرق بين الفتوحات الإسلامية والاستعمار؟



ان الفتح الإسلامي, أبعد ما يكون عن الاستعمار الغربي, وذلك لاختلاف المقاصد و الغايات



وأساليب التعامل



فبينما يقصد الاستعمار إلى احتلال الشعوب الأخرى ومص دمائها وخيراتها, نجد أن الفتح



الإسلامي لا يقصد سوى إنهاض تلك الأمم وإنقاذها من حضيض الفساد.

فالجيش الإسلامي حين يفتح بلد ما , فأنه لا يفعل ذلك إلا بعد استنفاذ كافة الجهود التي تمكن المسلمين من إيصال الإسلام إلى الشعوب الأخرى دون عنف أو دماء, ذلك أن

الإسلام حدد العلاقة بالشعوب الأخرى بإحدى ثلاث:

1) الإسلام , ويصبح الشعب جزءا من الأمة الإسلامية له ما لها وعليه ما عليها

2) الجزية وإفساح المجال أمام الشعب وسماع الإسلام

3) الحرب لإزالة الحواجز المادية التي تحول بين الشعب وسماع كلمة الإسلام
كان الرسول عليه الصلاة والسلام إذا أمر أمير على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله عز وجل ومن معه من المسلمين خيراً ثم يقول له: أغزوا باسم الله في سبيل الله , قاتلوا من كفر بالله , أغزوا ولا تغلوا , ولا تغدروا,ولا تمثلوا, ولا تقتلوا وليدة. وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال, فأيهن ما أجابوك فأقبل منهم وكف عنهم, الدخول في الإسلام

فإن هم أبوا فسلهم الجزية , فإن هم أجابوك فأقبل منهم وكف عنهم

فان هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم (أو كما قال صلى الله عليه وسلم

فأين هذا الأمر وهذه التعليمات من الاستعمار؟؟؟؟؟؟؟؟
=======
ما الفارق بين الفتح الإسلامي والاحتلال الغربي؟

محمد إلهامي

ما الذي يفرق الفتوحات الإسلامية عن أن تكون احتلالاً كسائر الغزوات التوسعية لغيرها من الأمم؟!

الجواب يطول ويتشعب، لكن خلاصته ومختصره هو النظر إلى طبيعة "الحروب" في كل من التصور الإسلامي والتصور الغربي.

في التصور الإسلامي تقوم الحياة على التدافع بين أهل الحق وأهل الباطل، وهذا التدافع بدأ منذ اللحظة الأولى لخلق البشرية، حين أبى إبليس السجود لآدم فاستعلنت العداوة بين الطرفين إذ تعهد إبليس أن يبذل ما استطاع لإضلال بني آدم ليستكثر منهم في أهل النار، ثم كانت أولى الوقائع الكبرى في التاريخ الإنساني هي إخراج آدم وزوجه من الجنة، وهو الذي كان بداية الامتحان الكبير للبشرية، والذي سُجِّلت خلاصته في الآية الكريمة {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 123، 124]. والقرآن من أوله إلى آخره هو تسجيل لمراحل هذا الصراع بين الأنبياء وخصومهم، وهذه الأمة التي هي آخر الأمم تحمل رسالة الهداية للعالمين والتي عرَّفها ربعي بن عامر بقوله الموجز البليغ: "ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام".

فالخلاصة أن المسلمين ينظرون إلى هذه الحياة من منظار التدافع بين الحق والباطل، مهتهم فيها إخراج الناس من الظلمات إلى النور، بمعنى إدخالهم في الدين ورفع المظالم عن المستضعفين..ومن ثَمَّ فهي رؤية رسالية تماماً، تتعلق بالأفكار والعقائد والقناعات والتصورات.

بينما الرؤية الغربية كما تعرض نفسها تحوم حول "الرخاء والرفاهية"، أي أنها رؤية مادية في طبيعتها، وتختلف حول هذا الهدف النظريات والفلسفات، فيختلفون حول تحقق هذا الهدف من خلال السيطرة على الأسواق بنظام مركزي، أم من خلال ترك الحرية للأسواق لتنظيم نفسها، أم ببعض الخلط بين الطريقتين. وبغير دخول في تفاصيل تاريخية وفلسفية فإن المسار العام للحضارة الغربية تاريخياً انتهى إلى العلمانية المادية والتفسير الوضعي للعلوم الإنسانية، وسيادة "القوة" كمعيار وحيد يُقاس عليه وإليه. ولهذا أخرجت هذه الفلسفة تفسيراً صراعياً للحياة، يجعل الصراع من قوانين الحياة وطبائعها ليهلك فيه الضعيف لصالح الأقوى، وليس في هذا أي ضرر أخلاقي، لأن الأخلاق نفسها صارت من العلوم الوضعية لا المعيارية، بمعنى: أن علم الأخلاق هو "دراسة الأخلاق كما تظهر في الواقع كطبائع وقوانين" لا "دراستها كمطلق ينبغي أن يُتطلع إليه".

ولهذا فيمكن بسهولة أن تنشأ في سياق الحضارة الغربية فلسفات ترى أن التخلص من الضعفاء والفقراء عمل جليل وواجب، بينما يمتنع تماماً أن تظهر مثل هذه الآراء في سياق الحضارة الإسلامية لتناقضها الكامل مع أصول التصور الإسلامي ونصوصه الصريحة.

في ظلال الفلسفة الغربية يتأسس علم الاقتصاد –كمثال- على قاعدة أن الموارد محدودة بينما احتياجات البشر غير محدودة، فيكون التعريف البسيط للاقتصاد هو: إدارة الموارد المحدودة لتلبية الاحتياجات غير المحدودة، بينما يمتنع هذا التصور كله في التصور الإسلامي الذي يؤمن أن الله خلق الكون بحكمة وتدبير وميزان، وأن احتياجات البشر تكفيها الموارد المخلوقة لهم في الأرض، إذ الأرض كلها مسخرة لهم، وكل ما فيها قد خُلِق بتقدير {وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (19) وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ (20) وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} [الحجر: 19 - 21].

وإذن، فالإشكال في الحضارة الغربية إشكال في طبيعة الكون نفسه، ذلك الذي يحتوي على موارد محدودة لا تكفي البشر، ومن ثم يكون منطقياً أن تظهر حلول تقوم على التخلص من البشر في كل مراحل تاريخ الغرب وفي كل مذاهبهم، وهو ما كان: فإن الملك ليكورجوس (الوثني) حاكم إسبرطة كان يقتل الأطفال الضعفاء والمشوهين لأنهم لن ينفعوا المجتمع ولا الدولة، وهو ما نادى به بعد قرون طويلة نيتشه (الملحد) الموغل في الفردية والساعي إلى إيجاد الإنسان السوبر مان، وبينهما القس (المسيحي) الشهير مالتوس صاحب نظرية أن الفقر والمرض والزلازل أشياء إيجابية، وهي نوع من تكفير الطبيعة عن خطاياها في الإتيان ببشر أكثر من مواردها.

وهنا نعود إلى موضوعنا عن الجهاد والاحتلال:

إن انطلاقة المسلمين إلى الجهاد وفتح الأراضي لم تكن تحمل أية قيمة مادية تهتم بجباية الأموال واستخلاصها من البلدان المفتوحة، بل بنشر الدين ودعوة الناس إليه، ولهذا فإن هذه الحركة سعت في تعمير البلدان المفتوحة لا في إفقارها واستخلاص أموالها لصالح العاصمة الإسلامية، بل وكثيراً ما تكرر في التاريخ أن تنهض عاصمة في أقصى المشرق أو أقصى المغرب بينما تكون العاصمة الإسلامية أقل منها حالاً في الحضارة والعمران، بينما لم يكن ممكناً أن يحدث هذا في حقبة الاحتلال الغربي الذي كان منهجه استخلاص موارد البلاد لحساب تحقيق رفاهية بلاده.

ليس يوجد في التاريخ عاصمة تحت الحكم الغربي استطاعت أن تفوق باريس أو لندن أو واشنطن أو موسكو، بينما نستطيع أن نعدد مناطق على وجه هذه الأرض لم تكن شيئاً مذكوراً في التاريخ إلا في فترة الحكم الإسلامي مثل إسبانيا وصقلية وعواصم آسيا الوسطى، فلقد دخل الإسلام هذه المناطق ولم تكن قبله شيئاً، ثم أُخْرج منها فعادت بعده لا شيء في مسرح التاريخ، ولم تكن فيها عواصم الخلافة الإسلامية، بل كلها كانت بعيدة عن عاصمة الخلافة.

وليس يوجد في التاريخ قوم دخلوا في دين المحتل أفواجاً دون أن ترصد واقعة واحدة فيها إكراه على اعتناق هذا الدين، بل قوم يجاهدون مع الفاتحين لفتح المناطق التي تليهم (مثلاً: طارق بن زياد فاتح الأندلس مغربي وليس عربياً)، بينما لست تجد في عصر المحتلين الغربيين جنوداً من الأقوام الواقعين تحت الاحتلال في الجيوش إلا بطريقة الإكراه والإجبار، وهذا كله فضلاً عن الأخوة الحقيقية التي يتعامل بها المسلمون مع من دخل في دينهم مقابل العنصرية والطبقية القبيحة التي يتعامل بها المحتلون الغربيون مع الجنود الذين أجبروهم على الحرب في صفوفهم.

ونستطيع أن نعدد مع ذلك كله أخلاق المسلمين في الحروب مقارنة مع أخلاق غيرهم في الاحتلال، وهذا حديث يطول ويطول، ونستطيع أن نكتب فيه كتاباً كاملاً لا يقل عن ألف صفحة نعتمد فيه فقط على أقوال المؤرخين الغربيين دون سواهم. فإن شهرة هذا تُعجز عن كتمانه أو إخفائه.

إن مجرد الانطلاق من رؤية رسالية قيمية ترى واجبها في نشر دين ورفع مظالم عن المظلومين يختلف اختلافاً هائلاً في طبائعه وسياساته عن الانطلاق من رؤية مادية نفعية غايتها تحقيق "القوة"، وقد صدق من قال:

حكمنا فكان العدل منا سجية .. فلما حكمتم سال بالدم أبطح

وأحللتم قتل الأسارى وقد .. كنا نمر على الأسرى نمن ونصفح

فحسبكم هذا التفاوت بيننا .. وكل إناء بالذي فيه ينضح

============

الفرق بين الفتح الإسلامي و الإستعمار الأوروبي https://www.youtube.com/watch?v=3PiK7zlR2Hs

يرى المفكر المصري الشهير جمال حمدان، أن الإسلام قد شكّل إمبراطورية توسعية تحريرية، ولم تكن استعمارية، فهي بحسبه قد حررت المناطق التي أخضعتها من الاستعمار الروماني أو الفارسي وابتزازه المادي واضطهاده الديني، ولم تعرف بعد ذلك عنصرية قائمة على الفرق في اللون أو العرق، بل كانت مساحة مفتوحة للاختلاط والتزاوج والعلاقات الإنسانية دون قيود.

=======

إن الفتح الإسلامي كان فتحا ولم يكن استعمارا لجملة من الأسباب، غير المسلمة التي ذكرناها من قبل، وهي التي تنطبق على جميع الحضارات والنظم السياسية التي ارتقت إلى مستوى القيادة وحكمت العالم انطلاقا من تلك المسلمة. ومن هذه الأسباب:

1. أن رسالة الإسلام أسست لمنهج جديد في الحياة، فعلى المستوى الإيماني قد أسس النبي صلى الله عليه وسلم إلى منهج جديد يستبعد المعجزة والخوارق في دعوته للإيمان –غير القرآن-، كما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "ما من الأنبياء نبي إلا أعطي من الآيات ما مثله أومن أو آمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحاه الله إلي فأرجو أني أكثرهم تابعا يوم القيامة"؛ لأن المعجزة والحارقة الوحيدة التي جاء بها وستبقى هي المعجزة هي القرآن الكريم (وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلا تَخْوِيفًا)، ولهذا كانت رسالة الإسلام وختم النبوة كما يقول العلامة محمد إقبال تمثل "الانتقال من العالم القديم إلا العالم الجديد"، ولذلك كان الإنتاج المعرفي الإسلامي مؤسسا لمنهج جديد في العالم؛ لأنه استطاع امتصاص جميع الثقافات التي كانت تحكم عصره، فاعتبرت المنظومة المعرفية الإسلامية "أكبر منظومة معرفية في العالم؛ فهي مترامية الأطراف، بعيدة الأعماق، متنوّعة المجالات المعرفية، ساهم في بنائها أعراقٌ وأجناسٌ ومذاهب وثقافات مختلفة، من أقصى الأندلس إلى أقصى بلاد فارس، آلاف العقول المنهمكة في البحث المعرفي تدفقت جداولها في محيط هذه المنظومة"2، وتلك المنظومة هي التي سار عليها العالم منذ ذلك الزمن، ولو تتبعنا الفكر الإنساني منذ بعثة النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليوم لوجدنا أن تلك البذور هي التي تحكم منظومة الإنسان اليوم، مع فوارق سببها العجرفة الغربية التي أفرغت الأفكار من محتوياتها الإسلامية وملأتها بما تملك من مخزون ثقافي خاص.

2. أن رسالة الإسلام رسالة دين جديد جاء ناسخا لجميع الديانات والشرائع التي كانت، موجهة إلى البشرية كافة، ولم يعد الإنسان في حاجة لأكثر من مضامين القرآن ليهتدي إلى الإسلام الذي أراده الله دينا للبشرية، ومع ذلك قرر عدم الإكراه باعتبار أن الإنسان بلغ من الرشد ما يمنع ذلك؛ لأن الإكراه كان ربما ممكنا عندما كان الناس دون مستوى الرشد اما وقد بلغ الإنسان الرشد فلا إكراه (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)

3. الفتوحات الإسلامية لم تكن حروبا للهيمنة وتتبع الغنى والثروات بقدر ما كانت دعوة إلى دين جديد وإشاعة لمنهج جديد في الحياة لا تزال البشرية تتلمس آثاره في الواقع إلى اليوم، ربما في مناسبة أخرى نتطرق إلى ذلك الجديد الذي جاء به الإسلام ولم ترتق إلى جوهره البشرية إلى اليوم.

ولذلك رأينا أن بعض البلاد الإسلامية فتحت سلما، بواسطة قوافل التجارة والسياحة، وما كان من حروب إسلامية ضد بعض النظم السياسية إنما كان بسبب عداوات هذه الدول للإسلام والمسلمين، وإما لكونها كانت سببا في حرمان الإنسان من تلقي هذه الرسالة الخاتمة، فوجب قتالها دفاعا عن حرية الناس. لقد كانت الدولة الإسلامية مترامية الأطراف، ورغم مركزيتها في نظام الخلافة إلا أن في الواقع الممارس كانت الولايات بمثابة الدول المستقلة، فبقيت الثقافات واللغات والعوائد....إلخ، في بلادها مقررة كأعراف جارية.

4. لم تحارب ثقافات ولغات وتقاليد وعوائد الشعوب التي دخلت الإسلام إلا ما كان مضادا منها للتوحيد والعبادة أو بدعة مبطلة لشرائع الإسلام اليقينية؛ بل العكس فقد امتزجت تلك الثقافات واللغات والتقاليد والعوائد بالفكر الإسلامي، ولم يبق هناك حاجز بين المحلي والوافد إلا في حيز ضيق جدا يتعلق بجوهر التوحيد والعبادة التي جاءت بها الرسالة الخاتمة.

لو قارنا هذه الفتوحات بالكيفية التي احتلت بها فلسطين من قبل الصليببين، وغزو النصارى للأندلس، وإستعمار البلاد الإسلامية قبل سايس بيكو وبعدها واحتلال فلسطين من قبل الصهاينة بمباركة غربية.. فإننا ربما لا نجد وجها للمقارنة، رغم أن المفترض أن الغرب الذي جاء بعد قرون طويلة من التجربة الإسلامية، كان لا بد من أن يتطور ويتجاوز التجربة الإسلامية؛ لأنه متأخر عنها، وإذا كانت التجربة الإسلامية توصف بالفتح؛ لأنها فتح حقيقة جمعت بين شعوب كثيرة في منظومة واحدة مرضي عنها، فإن الغرب لا يمكن أن يوصف بهذا الوصف؛ لأنه فرق بين الشعوب وقسمها، واعتدى على ثقافاتها المحلية، وحاول استبدالها بما جاء به من قيم دخيلة على المنطقة التي احتلها؛ بل إن التجربة الأمريكية اليوم والتي تعد من أرقى التجارب الغربية، وما قامت به في العراق وأفغانستان مثلا، لا يختلف كثيرا عن التجربة الفرنسية في الجزائر خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، من حيث أنهما مستعدتان لإبادة شعب او بعضه من أجل أن تحضره –تنقل إليه الحضارة-، هكذا فعلت فرنسا، وهكذا تفعل أمريكا اليوم في تسويق ديمقراطيتها الجديدة؛ لأن الحضارة الغربية حضارة جذبية كما يقول بن نبي رحمه الله، أي أن عملية التحضر والدمقرطة لا تكون إلا داخل أراضيها.



هوامش:

1- ذكرت هذا المستشرق في مقال سابق، ولم أذكر اسمه؛ لأنني كنت ناسيه

2- مجلة علم الاستغراب العدد الأول خريف 1438هـ/2016م، تصدر عن، مؤسسة وعي للدراسات والأبحاث بدولة قطر

مراجعات
بالله عليكم لماذا نحن الأمازيغ إلتفينا حول الإسلام وتقبلناه والأحرار منا كانوا ولا يزالوا أشد المتمسكين والذابين عنه؟ألسنا نحن من قهرنا الرومان والفراعنة والفينيقيين؟فما السر في هذا الرحب والحفاوة؟
إن المتطلع لنصارى الشام يوم فتح الأقصى زمن عمر بن الخطاب وتسلمه مفاتيح القدس من رهبانها والناظر لمؤازرة قمص الأقباط في مصر للصحابي عمرو بن العاص وتقبلهم للفاتحين المسلمين مع بقائهم على دينهم دون إكراه يدرك الفرق بين من أراد وجه الله ومن أراد النهب.




========

رأي جمال حمدان بخصوص الصبغة التحريرية للإمبراطورية الإسلامية، فقد لاحظ المفكر المصري ملحوظة شديدة الأهمية بالنسبة لهذا التقرير، فالكيان الإسلامي فوق القومي لم يخلق نواة متروبولية (أي: مدينة مركزية تحتكر القوى والمنافع في الدولة) سائدة تتميز على سائر المقاطعات والأقاليم في شيء، ولم تحتكر نواة جغرافية السلطة السياسية أبدًا، حيث تنقّل مركز الحكم والثقل السياسي بانتظام، فلم يلبث بعد قليل أن ترك النواة الأصلية في جزيرة العرب، وذهب إلى الشام الأموية، ثم ذهب بعد ذلك إلى العراق العباسية، وتركه في وقت آخر وذهب إلى مصر الفاطمية، بينما كان المغرب أيضًا مركزًا أساسيًّا للقوة، وكذلك كانت الأندلس.

=========

الفرق بين الفتح و الاستعمار ان الفتح كان لهدف سامي نشر الاسلام وتحرير الناس من عبودية العباد اما الاستعمار هو استعباد الشعوب ونهب خيراتهم مثلما فعل الاوربيين في الدول المستعمرة المسلمين لم يقتلوا الناس ويجمعوا حماجمهم بالمتحف مثل فرنسا خين استعمرت الجزائر

https://www.youtube.com/watch?v=kxE-6KnaUCM …

للعلم ان فرنسا تفخر بتاريخها الاستعماري وترفض الاعتذار عن جرائمها في الجزائر


==========

هذا فتح.. وذاك استعمار!

علي بطيح العمري

من أكثر الأمور التي تستفز أبو البندري غفر الله له، هي اللمز والحط من قدر حضارتنا العربية والإسلامية على مدى العصور، ويبلغ الاستفزاز أوجه حينما يصدر من «مثقفين»، إذ هي خطيئة ثقافية لا تغتفر.

يقول مغرد:

زرعوا فأكلنا، نزرع فيأكلون، حكاية الاستعمار، حينما فعلناها كان فتحا وحينما فعلوها كان استعمارا والفعل واحد، ما زلنا نتغنى بالأندلس مع أن كل الحكاية جماعة استعادت أرضها ولو بعد حين!

أزمة ثقافية حينما لا يفرق المثقف العربي بين الفتح الإسلامي والاستعمار الغربي، ويضعها في سلة واحدة.

الفتح الإسلامي يا سادة هدفه نشر الإسلام الذي لم يكن من مبادئه إكراه الناس على الدخول فيه، وإخراج الناس من ضيق الدنيا لسعة الآخرة. أيضا في الفتوحات نشر لقيم العدل والعلم والمعرفة، فليس فيه تسلط ولا تشريد لأهل البلد. كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يوصي الجيوش فينهاهم عن قتل الأطفال والنساء والرهبان وكبار السن، بل نهى عن قطع الأشجار.

الاستعمار الغربي لبلاد المسلمين، عكس ذلك تماما، ابحثوا عما فعلته فرنسا في الجزائر، وقد رفضت الاعتذار عن جرائمها، شاهدنا همجية أمريكا لما احتلت العراق فوأدت كل مقومات الحياة، ومثل ذلك الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.

في فتح بيت المقدس في عهد سيدنا عمر بن الخطاب، كتب لأهل القدس «الوثيقة العمرية» وجاء فيها: «بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان، أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم وسائر ملتها، أن لا تُسكن كنائسهم ولا تُهدم ولا يُنتقص منها ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم». كانت بحق تلك الوثيقة تسامحا إنسانيا عالميا.

ونقبوا في تاريخ الأندلس عن فضل حضارة العرب على الأوربيين، فالألمانية «زيغريد هونكة» ذكرت فضائل الحضارة العربية على أوروبا، واستفادة أوروبا من علومها ومعارفها، عبر كتابها الرائع «شمس العرب تسطع على الغرب».

وشهد الكثير من المستشرقين بفضائل الفتوحات الإسلامية.. فـ«روبنسون» يقول: «أتباع محمد وحدهم الذين جمعوا بين معاملة الأجانب بالحسنى، وبين محبتهم لنشر دينهم، وكان من أثر هذه المعاملة أن انتشر الإسلام، وعلا قدر رجاله الفاتحين».

الخلط بين الفتح الإسلامي والاستعمار الغربي، فيه قتل لروح العزة عند المسلمين، وتشويه لتاريخهم، وفيه جلد للذات وحط من الحضارة الإسلامية التي وصلت الآفاق. وتصور بعض الروايات والمسلسلات التاريخية أن الهدف الرئيس من بعض الفتوحات هو المرأة كما زعموا، وتتعمد إخفاء أن العقيدة هي السر الكامن وراء انتصارات المسلمين.

يعترف المستشرق «توماس آرنولد» بأن القبائل النصرانية اعتنقت الإسلام عن اختيار وإرادة، ويذكر أن النصارى كتبوا إلى المسلمين يقولون لهم: «يا معشر المسلمين أنتم أحب إلينا من الروم، وإن كانوا على ديننا، وأحسن ولاية علينا».

ويقول مستشرق آخر: «العرب عاملوا اليهود في الأندلس أحسن معاملة. وعندما طرد النصارى العرب من الأندلس لم يطيقوا إبقاء اليهود، فدبروا لهم تهما، وأحرقوا آلاف اليهود».
قفلة..

من أعجب الأفكار أن يشهد خصوم المسلمين بسمو الحضارة العربية، بينما بعض العرب يتنكرون لتاريخ أمتهم ويجحدون مكانتها!

ولكم تحياتي.



ours ago



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق