الشيعة والقرآن
الشيخ عثمان الخميس
فمن قال بأن في القرآن نقصاً أو تحريفاً فلاشك أنه ليس من أهل القبلة، وليس من الإسلام في شيء، ولسنا نحن الآن في مقام الدفاع عن كتاب الله تبارك وتعالى، فإن أولئك الأقزام لم ولن يستطيعوا الوصول إلى الطعن في كتاب الله تبارك وتعالى، قال جلّ ذكره:" قل لئن اجتمعت الإنس والجنّ على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا". وكما قيل: ما ضر السحاب نبح الكلاب، وقيل: ولو كل كلب عوى ألقمته حجراً لكان مثقال أحجار بدينار. وفي ثبوت القول بتحريف القرآن لأي طائفة تنتسب إلى الإسلام أكبر فضيحة، تهدم بنيانهم من الأساس، وهذا الموضوع الشائك الخطير، سالت فيه وللأسف أقلام أئمة الشيعة، متقدميهم ومتأخريهم، وخاضوا فيه إلى مستوى لا يكاد يصدقه مؤمن.
أن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتدي ومن يضلله فلن تجد له ولياً مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد،
فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وإن شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
إن من جسيم ما خص الله به أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الفضيلة وشرفهم به على سائر الأمم من المنازل الرفيعة ما حفظه عليهم من وحيه وتنزيله، الذي جعله على حقيقة نبوة نبيهم دلالة، وعلى ما خصه به من الكرامة علامة، الذي لو اجتمع جميع من بين أقطارها من جنّها وإنسها وصغيرها وكبيرها، على أن يأتوا بسورة من مثله، لم يأتوا ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا. أنزله الله تبارك وتعالى ساطعاً تبيانه قاطعاً برهانه، قرآناً عربياً غير ذي عوج. نزل به أمين السماء إلى أمين الأرض معجزاً باقياً دون كل معجزٍ على وجه كل زمان، أنزله الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ففتح الله به أعيناً عميا، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، أخرج به الناس من الظلمات إلى النور. قال علي بن أبي طالب رضي الله تبارك وتعالى عنه: كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، من قال به صدق، ومن عمل به أُجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم. ولقد أنزل الله تبارك وتعالى التوراة والإنجيل وغيرهما من الكتب وعهد إلى الناس حفظها، قال تعالى:" إنّا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبييون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء". ولكنهم لم يحفظوها بل حرفوها، كما قال تبارك وتعالى:" فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه". فلما أنزل الله تبارك وتعالى القرآن تعهّد سبحانه وتعالى بحفظه، قال جلّ ذكره:" إنّا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون"، وقال:" لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد".
فمن قال بأن في القرآن نقصاً أو تحريفاً فلاشك أنه ليس من أهل القبلة، وليس من الإسلام في شيء، ولسنا نحن الآن في مقام الدفاع عن كتاب الله تبارك وتعالى، فإن أولئك الأقزام لم ولن يستطيعوا الوصول إلى الطعن في كتاب الله تبارك وتعالى، قال جلّ ذكره:" قل لئن اجتمعت الإنس والجنّ على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا". وكما قيل: ما ضر السحاب نبح الكلاب، وقيل: ولو كل كلب عوى ألقمته حجراً لكان مثقال أحجار بدينار.
وفي ثبوت القول بتحريف القرآن لأي طائفة تنتسب إلى الإسلام أكبر فضيحة، تهدم بنيانهم من الأساس، وهذا الموضوع الشائك الخطير، سالت فيه وللأسف أقلام أئمة الشيعة، متقدميهم ومتأخريهم، وخاضوا فيه إلى مستوى لا يكاد يصدقه مؤمن. إنه لا يمكن أبداً أن يكون هناك تقارب لنا مع من يطعنون في القرآن الكريم، وذلك أن دعوى تحريف القرآن محاولة يائسة من أعداء الإسلام لضرب الإسلام وأهله، يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.
ولاشك أن من يقول بالتحريف كافر، ومن لم يُكَفّر من يقول بالتحريف لا يصح له أبداً أن يكفر أحداً من الناس، وذلك أن حفظ القرآن من التحريف والزيادة والنقصان أمر معلوم من الدين بالضرورة، ولنا أن نسأل: متى يكفر الإنسان؟ متى يحكم عليه بالردة؟
إن الصلاة والزكاة والحج والصيام وجميع الواجبات بل وجميع المحرمات إنما تُعْلَم من الكتاب والسنة. والكتاب ثبوته أقوى من ثبوت السنة، لأنه يشترط فيه التواتر. فمن أنكر الصلاة والصيام والزكاة والحج لا يكفر إذاً على زعمهم لاحتمال أن الأمر بها من المحرّف، ومن فعل المحرمات كذلك لا يكفر لاحتمال أن النهي عنها من المحرّف. بل إن منكر الرسول صلى الله عليه وسلم يلزمهم كذلك انه لا يكفر لأننا ما علمنا صدق الرسول صلى الله عليه وسلم إلا من كتاب الله جلّ وعلا ومن سيرته صلوات الله وسلامه عليه.
أما السنة فإن الشيعة لا يؤمنون بكتبنا كالبخاري ومسلم وسنن أبي داود والترمذي ومسند أحمد وغيرها من الكتب، ونحن كذلك لا نعتبر كتبهم ولا نؤمن بها كالكافي والاستبصار والتهذيب ومن لا يحضره الفقيه ومستدرك الوسائل والوسائل وغيرها من الكتب. والأمر كما قال الإمام الذهبي لما تكلّم عن محي الدين بن عربي، وذكر كلاماً عنه وصار يعتذر له، يقول: ولعله أراد كذا ولعله أراد كذا، فلما وصل إلى بعض كلامه الذي لا يحتمل فقال: فوالله إن لم يكن هذا الكلام كفراً، فليس في الدنيا كفر أبداً. ونحن كذلك نقول: إن لم يكن القول بتحريف القرآن كفراً فليس في الدنيا كفر أبداً. بل لاشك ولا ريب أن القول بتحريف القرآن هو من أعظم الكفر الذي عرفه الناس. إن أقصى ما يقوله علماء الشيعة عن أئمتهم القائلين بالتحريف كلمة مخطئين، هذا إذا ألجئوا إليها، وإلا فهم ينكرون ذلك، ويتهمون من ينسب القول بالتحريف إليهم بالكذب والتجنّي أو غير ذلك من الألفاظ. وهل كلمة مخطئ تكفي إذا قالوها عمن قال بتحريف القرآن؟ إن الذي يخالف في مسألة اجتهادية فقهية يقال له مخطئ، أما من ينكر أمراً معلوماً من الدين بالضرورة فهذا أقل ما يقال فيه كافر أو ملحد أو زنديق أو منافق أو طاغوت أو مرتد أو ما شابه هذه الألفاظ.
والغريب في هذه المسألة (مسألة القول بتحريف القرآن) أن أهل السنة يتشددون فيها كثيراً حتى قالوا بكفر من زعم أن القرآن زيد فيه حرف أو أُنقص، بينما الشيعة يميعون هذه المسألة ويرون أن الخلاف فيها سائغ وأن أقصى ما يقال في مدعي التحريف إنهم مخطئون. وضوح تام عند أهل السنة، بينما الشيعة مضطربون، مرة ينفون، ومرة يقرون، مرة يعللون، ومرة يخَطّئون. وحتى أولئك الذين يقولون بأفواههم والله تبارك وتعالى أعلم بما في قلوبهم يقولون مخطئين وهذا الكلام غير صحيح، ولكن تبقى مع ذلك الكتب التي روت التحريف، وجاهرت بهذه الزندقة، وكذا الشيوخ الذين لهجوا بهذا الكفر يبقون جميعاً موضع احترام وتقدير من الشيعة كلهم. وهذا الشيء غريب ويثير كثيراً من الشك، بل ويدع عندنا علامات استفهام كثيرة.
أما موقف أهل السنة من القائلين بتحريف القرآن الكريم فهو موقف متشدد لا يتسامحون فيه مع أحد أبداً. قال القاضي أبو يعلى الفراء: والقرآن ما غُيِّر ولا بُدّل ولا نقص منه ولا زيد فيه خلافاً للرافضة القائلين أن القرآن قد غيّر وبدّل وخولف بين نظمه وترتيبه. وقال ابن حزم: وأما قولهم في دعوى الروافض تبديل القرآن، فإن الروافض ليسوا من المسلمين. وقال: القول بأن بين اللوحين تبديلاً كفرٌ صريح، وتكذيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: الحكم بكفر من زعم منهم أن القرآن نقص منه آيات وكتمت. وقال ابن قدامة: ولا خلاف بين المسلمين في أن من جحد من القرآن سورة أو آية أو كلمة أو حرفاً متفقاً عليه أنه كافر. وقال أبو عثمان الحداد: جميع من ينتحل التوحيد متفقون على أن الجحد لحرف من التنزيل كفر. وقال عبد القاهر البغدادي: وأكفر أهل السنة من زعم من الرافضة أنه لا حجة اليوم في القرآن والسنة بدعواه أن الصحابة غيروا بعض القرآن وحرفوا بعضه.
إن منزلة القرآن عند الشيعة تظهر منها علامات تعجب كثيرة يراها المسلم ويقف عندها حائراً:
أولاً: فإنهم يعتقدون أن القرآن ليس حجة في نفسه، فعن منصور بن حازم أنه قال لأبي عبدالله (جعفر الصادق): إن القرآن لا يكون حجة إلا بقيّم، فأقرّه أبو عبدالله. والله تبارك وتعالى يقول:" أولم يكفهم أن أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم". وقولهم هذا يعني أن الحجة في قول الإمام لا في القرآن لأنه الأقدر على البيان، ولذلك يروون عن علي أنه قال: هذا كتاب الله الصامت، وأنا كتاب الله الناطق.
قلت: والله تبارك وتعالى يقول:" إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم".
ولاشك أن تلك الروايات من وضع عدو حاقد يريد أن يصد الشيعة عن كتاب الله تبارك وتعالى، وذلك أنهم ربطوا حجية القرآن بوجود القيّم وهو علي، ثم الحسن، ثم الحسين، وهكذا حتى يصل الأمر إلى المنتظر الغائب، وذلك منذ ما يزيد على خمسين ومئة سنة بعد الألف، لم نر هذا المنتظر الذي يزعمون. ولاشك أنها مؤامرة أرادت إبعاد الشيعة عن كتاب الله تبارك وتعالى. وإلا كيف تُفَسّر هذه الروايات؟ عن أبي جعفر قال: إن رسول الله فسّر القرآن لرجل واحد، وفسّر للأمة شأن ذلك الرجل وهو علي بن أبي طالب. وهذا إنما هو لصد الناس عن التدبر في كتاب الله تعالى والتأمل في معانيه، قال الله تبارك وتعالى:" إنّا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون"، وقال جلّ ذكره:" هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين".
وقالوا كذلك: إن قول الإمام ينسخ القرآن ويخصص عامه ويقيد مطلقه. قال محمد حسين آل كاشف الغطاء: إن حكمة التدريج اقتضت بيان جملة من الأحكام وكتمان جملة منها، ولكنه أودعها عند أوصيائه كل وصي يعهد به إلى الآخر لينشره في الوقت لمناسب له حسب الحكمة من عام مخصص أو مطلق مقيد أو مجمل مبين إلى أمثال ذلك، فقد يذكر النبي صلى الله عليه وسلم عاماً ويذكر مخصصه بعد برهة من حياته وقد لا يذكره أصلاً بل يودعه عند وصيه إلى وقته.
قلت: جعلوا الأئمة يخصصون القرآن برواياتهم، ويقيدون مطلقه وهذه لاشك طامة كبرى. هذا مع قول الله تبارك وتعالى:" اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا".
أما عبثهم في تأويل القرآن فمنها أنهم قالوا:
قول الله تبارك وتعالى:" مرج البحرين يلتقيان"، قالوا: هما علي وفاطمة،
وقول الله تبارك وتعالى:" بينهما برزخ لا يبغيان"، قالوا: هو النبي،
وقول الله تبارك وتعالى:" يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان"، قالوا: هما الحسن والحسين.
وقالوا عن قوله تعالى:" لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد"، قالوا: لا تتخذوا إمامين إنما هو إمام واحد.
وقالوا عن قوله تعالى:" ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم وكان الكافر على ربه ظهيرا"، قال القمّي: الكافر الثاني (أي عمر بن الخطاب)، وكان علي أمير المؤمنين ظهيراً، أي وكان عمر على ربه يعني علياً ظهيراً.
وقالوا كذلك عن قول الله تبارك وتعالى:" وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد"، قالوا: يعني الأئمة.
من الذي قال بالتحريف من علماء الشيعة؟
إن علماء الشيعة الذين قالوا بالتحريف كثر، ولا يسع المجال لذكر أقوالهم جميعاً، ولكننا سنقتصر على ذكر أقوال بعضهم ثم نذكر الباقين سرداً دون ذكر أقوالهم:
أولهم: علي بن إبراهيم القمّي صاحب التفسير، قال في مقدمة تفسيره: وأما ما هو على خلاف ما أنزل الله، فهو قوله:" كنتم خير أمة أخرجت للناس" ثم ذكر أنها نزلت "كنتم خير أئمة أخرجت للناس". وقد ذكر علماء الشيعة إن القمّي يقول بالتحريف وقالوا: عنده فيه غلو.
الثاني: محمد بن يعقوب الكليني، وقد نسب إليه القول بالتحريف جمع من علماء الشيعة، لأنه ذكر في مقدمة كتابه: أن كل ما فيه صحيح عنده، وقد ملأ كتابه بروايات التحريف، بل بوّب باباً بعنوان لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة. ونسبه إلى القول بالتحريف كل من الكاشاني والأصفهاني والنوري الطبرسي والجزائري والمجلسي وغيرهم من علماء الشيعة كلهم قالوا: إن الكليني ممن يقول بالتحريف.
الثالث: محمد بن صالح المازندراني، وهو شارح الكافي، وقد توفي في القرن الحادي عشر، قال: وإسقاط بعض القرآن وتحريفه ثبت من طرقنا بالتواتر معنى، كما يظهر لمن تأمل في كتب الأحاديث من أولها إلى آخرها.
الرابع: أبو الحسن العاملي، قال: اعلم أن الحق الذي لا محيص عنه بحسب الأخبار المتواترة الآتية وغيرها أن هذا القرآن الذي في أيدينا قد وقع فيه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء من التغييرات، وأسقط الذين جمعوه بعده كثيراً من الكلمات والآيات.
الخامس: المفيد قال: إن الذي بين الدفتين (أي جلدتي المصحف) من القرآن، جميعه كلام الله وتنزيله وليس فيه شيء من كلام البشر، وهو جمهور المنزل والباقي مما أنزله الله قرآناً عند المستحفظ للشريعة (أي المهدي المنتظر)، المستودع للأحكام (أي المهدي المنتظر)، لم يضع منه شيء. وقال أيضاً: إن الأخبار قد جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى من آل محمد باختلاف القرآن، وما أحدثه الظالمون فيه من الحذف والنقصان.
السادس: محمد بن باقر المجلسي، المتوفى في القرن الثاني عشر، قال: لا يخفى أن هذا الخبر (أي يريد الخبر الذي فيه أن القرآن نزل سبع عشرة ألف آية) وكثيراً من الأخبار في هذا الباب متواترة معنى وطرح جميعها يوجب رفع الاعتماد على الأخبار رأساً بل ظني أن الأخبار في هذا الباب لا تقصر عن أخبار الإمامة فكيف يثبتونها بالخبر؟ (أي كيف يثبتون الإمامة بالخبر وينكرون تحريف القرآن الذي جاء به الخبر).
السابع: سلطان محمد الجنابذي الملقب بسلطان شاه علي، قال: اعلم أنه قد استفاضت الأخبار عن الأئمة الأطهار ، بوقوع الزيادة والنقيصة والتحريف والتغيير فيه، بحيث لا يكاد يقع شك في صدور بعضها منهم.
الثامن: ميرزا حبيب الله الهاشمي الخوئي، قال: القسم الثالث الأدلة الدالة على وجود النقصان فقط (أي في القرآن) وهي كثيرة، ثم ضرب أمثلة وذكر آيات كثيرة رسمها برسم المصحف وقال: قوله تعالى:" يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك في شأن علي"، وقوله تعالى:" إنما أنت منذر وعلي لكل قوم هاد"، وقوله تعالى:" ومن يطع الله ورسوله في ولاية علي والأئمة من بعده فقد فاز فوزاً عظيما"، ثم قال بعد ذلك: وفيما ذكرناه كفاية لمن طلب الحق لأنها على اختلاف مؤدياتها متفقة على الدلالة على النقيصة في الكتاب، فيحصل منها العلم الضروري بها والأخبار بلغت حد التواتر.
التاسع: يوسف البحراني، قال: لا يخفى ما في هذه الأخبار (يعني أخبار التحريف) من الدلالة الصريحة، والمقالة الفصيحة، على ما اخترناه ووضوح ما قلناه، ولو تطرّق الطعن إلى هذه الأخبار على كثرتها وانتشارها، لأمكن الطعن إلى أخبار الشريعة كاملاً، كما لا يخفى إذ الأصول واحدة وكذا الطرق والرواة والمشايخ والنقلة. ولعمري، إن القول بعدم التغيير والتبديل لا يخرج عن حسن الظن بأئمة الجوْر (يريد الصحابة)، وأنهم لم يخونوا في الأمانة الكبرى (أي القرآن) مع ظهور خيانتهم في الأمانة الأخرى (يريد خلافة علي) التي هي أشد ضرراً على الدين.
العاشر: نعمة الله الجزائري، الذي توفي في القرن الثاني عشر، قال عن القراءات السبع: إن تسليم تواترها عن الوحي الإلهي، وكون الكل قد نزل به الروح الأمين، يفضي إلى طرح الأخبار المستفيضة بل المتواترة الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن كلاماً ومادة وإعراباً.
الحادي عشر: عدنان البحراني، المتوفى في القرن الرابع عشر، قال: إلى غير ذلك من الأخبار التي لا تحصى كثرة، وقد تجاوزت حد التواتر، ولا في نقلها كثير فائدة بعد شيوع القول بالتحريف والتغيير بين الفريقين (أي السنة والشيعة)، وكونه من المسلّمَات عند الصحابة والتابعين بل وإجماع الفرقة المحقّة (أي الشيعة على إن القرآن محرّف)، وكونه من ضروريات مذهبهم وبه تضافرت أخبارهم.
أما علماء الشيعة الذين نسب إليهم القول بالتحريف ولن نذكر أقوالهم منهم: محسن الكاظمي، محمد بن الحسن الصفار، محمد بن إبراهيم النعماني، سعد بن عبدالله القمّي، محمد بن مسعود العياشي، محمد بن العباس المهيار، فرات بن إبراهيم الكوفي، أبو سهل بن نوبخت، حسن بن موسى، إبراهيم بن نوبخت، أبو القاسم النوبختي، حاجب بن الليث، فضل بن شاذان، علي بن عبد العالي، علي بن طاوس. ثم كذلك محمد بن حسين أصفهاني. أحمد بن منصور الطبرسي، الميثم البحراني، الأردبيلي، ودلدار علي، وسلطان الخراساني.
أما كبيرهم الذي تولى كِبْر هذا الأمر وتولى نشره فهو النوري الطبرسي، وهذا جمع روايات الشيعة في تحريف القرآن في كتاب واحد سماه فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب.
ولكن ترى ماذا كان رد فعل علماء الشيعة اتجاه هذا الكتاب والمؤلف؟ هل قتل المؤلف مرتداً؟ هل طردوه من البلاد؟ هل أحرقوا الكتاب؟ لا. بل جعلوا أحد كتبه وهو مستدرك الوسائل ثامن كتاب معتبر عندهم، ودفنوا المؤلف في مكان مقدس عندهم، يتمنى جل الشيعة أي يدفنوا هناك ولو ليوم واحد، لقد دفن في بناء المشهد الرضوي بالنجف.
أما مكانة هذا الرجل عند الشيعة، فقال آغا بزرك الطهراني: هو إمام أئمة الحديث والرجال في الأعصار المتأخرة، ومن أعاظم علماء الشيعة، وكبار رجال الإسلام في هذا القرن. وقال كذلك: ارتعش القلم بيدي عندما كتبت هذا الاسم (أي النوري الطبرسي)، واستوقفني الفكر عندما رأيت نفسي عازماً على ترجمة أستاذي النوري، وتمثل لي بهيئته المعهودة بعد أن مضى على فراقنا خمس وخمسون سنة، فخشعت إجلالاً لمقامه، ودهشت هيبة لها، ولا غرابة فلو كان المترجم له غيره لهان الأمر، ولكن كيف بي؟ وهو من أولئك الأبطال غير المحدودة حياتهم وأعمالهم.
وقال محمد بن حسين آل كاشف الغطاء عن النوري الطبرسي: هو حجة الله على العالمين، معجب الملائكة بتقواه، من لو تجلى الله لخلقه لقال هذا نوري، مولانا ثقة الإسلام حسين النوري.
وقال عباس القمّي عن النوري الطبرسي: شيخ الإسلام والمسلمين، مروج علوم الأنبياء والمرسلين، الثقة الجليل، والعالم النبيل، المتبحر الخبير، والمحدث الناقد البصير، ناشر الآثار، وجامع شمل الأخبار.
هذا الرجل الذي ألف هذا الكتاب الخطير وهو فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب، حاول بعض علماء الشيعة أن يعتذروا له. فهذا تلميذه البار به آغا بزرك الطهراني قال: قال شيخنا النوري في آخر أيامه: أخطأت في تسمية الكتاب، وكان الأجدر أن يسمى فصل الخطاب في عدم تحريف الكتاب، لأني أثبت فيه أن كتاب الإسلام القرآن الموجود بين الدفتين المنتشر في بقاع العالم، وحي إلهي بجميع سوره وآياته وجمله، لم يطرأ عليه تبديل أو تغيير، ولا زيادة ولا نقصان، ولاشك لأحد من الإمامية فيه.
هكذا اعتذر له تلميذه آغا بزرك الطهراني، ولاشك أن هذا الكلام باطل بل كذب، ولكن ترى من هو الكذاب؟ أهو النوري الطبرسي أو آغا بزرك الطهراني؟ لا يهم، فهو علم لا ينفع وجهل لا يضر.
وهذه بعض نصوص النوري في كتابه تناقض هذا الكلام، قال النوري الطبرسي: هذا كتاب لطيف، وسِفْر شريف، عملته في إثبات تحريف القرآن، وفضائح أهل الجور والعدوان، وهذا قال في الصفحة الثانية من الكتاب. وقال كذلك: كما يصدق على القرآن اختلاف المعنى، وتناقضه، كنفيه مرة، إثباته أخرى، وعلى اختلاف النظم كفصاحة بعض فقراتها البالغة حد الإعجاز وسخافة بعضها الأخرى، وهذا قاله في صفحة 211. وقال كذلك: إنه كان لعلي قرآن خاص به، جمعه بنفسه وكان عند ولده يتوارثونه إمام عن إمام، وهو عند الحُجّة (أي المهدي المنظر)، وهو مخالف لهذا القرآن الموجود، من حيث التأليف وترتيب السور والآيات بل والكلمات أيضاً، من جهة الزيادة والنقيصة، ففي القرآن الموجود تغيير من جهتين.
بعض المعاصرين من الشيعة زعم أن أحداً لم يقل بالتحريف، بعد كل هؤلاء الذين ذكرناهم ممن صرّح بالتحريف، ومن زعم أن إجماع الشيعة على ذلك، ومن زعم أنه متواتر، يأتي بعض علماء الشيعة المعاصرين ليقولوا لنا: لم يقل أحد من الشيعة بالتحريف.
قلت: ضحك على من؟ وكذب على من؟ هذا القول يصح قبل أن تطبع كتبهم، وقبل أن يراها أهل السنة، كانوا يظنون أن أهل السنة لا يقرءون كتبهم، ولذلك جاز لهم أن يكذبوا ويدعوا مثل هذه الادعاءات، ولكن بعد ظهور كتبهم ، وقراءة أهل السنة لها، تبين كذب مدّعاهم.
فهذا الأميني (القرن الرابع عشر) نقل كلام ابن حزم أن الشيعة كلهم يقولون بالتحريف إلا المرتضى فقط، ويقول الأميني للرد على ابن حزم: ليت هذا المجترأ (أي ابن حزم) أشار إلى مصدر فريته من كتاب للشيعة موثوق به أو حكاية عن عالم من علمائهم تقيم له الجامعة وزنا، أو طالب من رواد علومهم ولو لم يعرفه أكثرهم بل نتنازل معه إلى قول جاهل من جهالهم أو قروي من بسطائهم أو ثرثار كمثل هذا الرجل يرمي القول على عواهنه.
قلت: سبحان الله جرأة عجيبة جداً، كل هؤلاء الذين نقلنا كلامهم بالجزء والصفحة، يقولون بالتحريف ثم يأتي هذا وينكر هذا الإنكار العجيب ويقول: ولا ثرثار شيعي قال ذلك، ولا عالم، ولا طالب علم، ولا قروي، وكل أولئك من علمائهم الكبار قالوا بالتحريف.
يقول الأميني مكملاً: لكن القارئ إذا فحّص ونقّب لا يجد في طليعة الإمامية إلا نفاة هذه الفرية كالشيخ الصدوق في عقايده، والشيخ المفيد، وعلم الهدى الشريف المرتضى الذي اعترف له الرجل بنفسه (أي ابن حزم)، وليس بمتفرد عن قومه في رأيه كما حسبه المغفل (أي ابن حزم)، وهو قول شيخ الطائفة الطوسي في التبيان، وأمين الإسلام الطبرسي في مجمع البيان وغيرهم، فهؤلاء أعلام الأمامية وحملة علومهم الكالئين لنواميسهم، وعقائدهم، قديماً وحديثاً، يوقفونك على ميْن (أي كذب) الرجل فيما يقول. وهذه فرق الشيعة في مقدمهم الأمامية مجمعة على أن ما بين الدفتين هو ذلك الكتاب الذي لا ريب فيه، وهو المحكوم بأحكامه ليس إلا.
قلت: ولاشك أن ما سبق يدل على صدق ابن حزم، وعلى كذب الأميني.
وهذا التيجاني المعاصر يقول: قال لي منعم (صديق له شيعي): هل تعرف أن كل الفرق الإسلامية على اختلاف مذاهبها متفقة على القرآن الكريم. وقال كذلك: وما ينسب إلى الشيعة من القول بالتحريف هو مجرد تشنيع وتهويل وليس له في معتقدات الشيعة وجود، وإذا ما قرأنا عقيدة الشيعة في القرآن الكريم، فسوف نجد إجماعهم على تنزيه الكتاب من كل تحريف.
قلت: وله من كتابه هذا كثير من الكذب من أمثال هذه الكذبة فقد بيناها في كتاب كشف الجاني من أراد الرجوع إليه.
وهذا عبد الحسين شرف الدين الموسوي يقول عن موسى جار الله: نسب إلى الشيعة القول بالتحريف بإسقاط كلمات وآيات، قال عبد الحسين الموسوي: نعوذ بالله من هذا القول، ونبرأ إلى الله من هذا الجهل، وكل من نسب هذا الرأي إلينا جاهل بمذهبنا، أو مفتر علينا، فإن القرآن متواتر من طرقنا بجميع آياته وكلماته.
قلت: وأنا أسأل جميع الشيعة من يستطيع منهم أن يثبت تواتر القرآن من طرقهم؟
وهذا جعفر النجفي قال: إن اعتقادنا في جملة القرآن الذي أوحى الله به تعالى إلى نبيه محمد وهو كل ما يحويه هذا المصحف المتداول بين الناس لا أكثر، وأما من ينسب إلينا الاعتقاد بأن القرآن أكثر من هذا، فهو كاذب كفّار .
قال مهدي السويّج معلقاً على كلام جعفر النجفي: وعلى هذا تقارير كل علماء الشيعة الأعلام قديماً وحديثاً.
أليس يزعم كثير من الشيعة أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم ارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إلا ثلاثة أو أكثر بحسب اختلاف رواياتهم في ذلك؟ فمن أين لهم تواتر القرآن الكريم؟ إنني أطلب من كل شيعي يريد الحق أن يطلب من علمائه ومشايخه أن يثبتوا له تواتر القرآن من طرقهم الخاصة بهم، ولن يستطيعوا ذلك أبداً، لأن تواتر القرآن إنما يثبته وينقله أهل السنة فقط. فهم النقلة، وهم الحفظة، وهم المدافعون عن كتاب الله تبارك وتقدس، أما الشيعة فالقرآن عندهم رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم علي رضي الله عنه وعن علي ابنه الحسن وابنه الحسين رضي الله عنهما وهكذا إلى المهدي فأين التواتر؟ إن التواتر هو رواية جمع عن جمع تحيل العادة تواطؤهم عن الكذب. وقد ذكر أهل العلم إن أقل طبقة من طبقات التواتر يكون فيها عشرة. فهل يستطع الشيعة أن يثبتوا هذا؟ وهذا التواتر إنما ينقله أهل السنة في كتبهم، ويثبتونه فإن كان أهل السنة ثقاة في نقلهم وجب قبول قولهم في غيره، وإن كانوا غير ثقاة وجب رد روايتهم للقرآن. وليبحث الشيعة بعد ذلك لهم عن قرآن آخر ودين آخر. وهذا هو الذي دفع كثيراً من علماء الشيعة إلى القول بتحريف القرآن كالبحراني، والجزائري، والنوري الطبرسي، وهو عدم الثقة بالنقلة أصلاً. ولذلك قال يوسف البحراني: ولعمري إن القول بعدم التغيير والتبديل لا يخرج عن حسن الظن بأئمة الجوْر (يريد الصحابة)، وأنهم لم يخونوا في الأمانة الكبرى (أي القرآن) مع ظهور خيانتهم في الأمانة الأخرى (يريد الإمامة). وهذا النوري الطبرسي قال: والحاصل أن من وقف على شطر قليل من حال القوم (أي الصحابة)، وكيفية تواطئهم على إخفاء الحق، وسترهم ما هو أحق بالنشر مما ذكر، كيف يستغرب منهم بعد ذلك ما ورد من ارتدادهم، ورجوعهم إلى قواعد الجاهلية أكثر مما يخفى.
فإذا كان الشيعة الاثنا عشرية يزعمون أن الصحابة كلهم قد ارتدوا إلا ثلاثة وهم: أبو ذر والمقداد وسلمان، ثم زادوا بعد ذلك عماراً وغيره فكل هؤلاء ليسوا من نقلة القرآن، بل نقلة القرآن هم المرتدون في نظر الشيعة الإمامية.
وهاأنا ذا أنقل تواتر القرآن عند أهل السنة، ولينقل الشيعة تواتر القرآن من طرقهم. إن القرآن الكريم كما هو معلوم يرجع جمعه إلى سبعة قرّاء المعروفون بالقراء السبعة وهم: نافع المدني، وعبدالله بن كثير، وأبو عمرو بن العلاء، وعبدالله بن عامر، وعاصم بن بهدلة، وحمزة الزيات، والكسائي.
كيف وصل القرآن إلى هؤلاء القراء السبعة؟ وهؤلاء تواتر عنهم القرآن بنقل الكافة عن الكافة. ولكن الآن نتكلم عن هؤلاء السبعة وكيف وصل القرآن إليهم؟
أما نافع المدني: وصله القرآن الكريم من طريق مسلم بن جندب، وشيبة بن نصاح، وعبد الرحمن بن هرمز، ويزيد بن القعقاع، وهؤلاء أخذوا القرآن عن ابن عباس وأبي هريرة، وابن عباس أخذه عن أبي بن كعب وعلي بن أبي طالب وعثمان بن عفان، وأبو هريرة أخذه عن علي وأبي بن كعب.
عبدالله بن كثير: أخذ القرآن عن درباس وعن مجاهد، ومجاهد أخذه عن ابن عباس وعن عبدالله بن السائب، وابن عباس أخذه عن أبي بن كعب وعلي بن أبي طالب وعثمان ابن عفان، وابن السائب أخذه عن أبي بن كعب وعلي بن أبي طالب، ودرباس أخذه عن ابن عباس.
أبو عمرو بن العلاء: أخذ القرآن عن ابن كثير، ومجاهد، وعطاء بن أبي رباح، ونصر بن عاصم، وعكرمة، ونصر بن عاصم أخذه عن عمرو بن شرحبيل، ومجاهد أخذه عن ابن عباس وعبدالله بن السائب، وعكرمة أخذه عن أبي هريرة وابن عباس وعطاء عن أبي هريرة، وعمرو بن شرحبيل أخذه عن عمر وعلي وابن مسعود.
عبدالله بن عامر: أخذ القرآن عن عثمان بن عفان وعن أبي درداء.
عاصم بن بهدلة: أخذ القرآن عن أبي عبد الرحمن السلمي، وعن زر بن حبيش، وأبو عبد الرحمن السلمي أخذه عن عثمان وعلي وأبي وزيد وابن مسعود، وزر بن حبيش أخذه عن عثمان وعلي وابن مسعود.
حمزة الزيات: أخذه عن الأعمش، وحمران بن أعين، وابن أبي ليلى، وجعفر بن محمد، والأعمش أخذه عن يحي بن وثّاب، ويحي أخذه عن زر بن حبيش، وزر بن حبيش أخذه عن عثمان وعلي وابن مسعود، وحمران أخذه عن أبي الأسود الدؤلي، وأبو الأسود أخذه عن عثمان وعلي، وابن أبي ليلى أخذه عن المنهال والمنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، وجعفر بن محمد أخذه عن أبيه محمد بن علي، ومحمد عن علي بن الحسين، وعلي بن الحسين عن حسين بن علي، والحسين عن علي بن أبي طالب.
الكسائي: أخذه عن حمزة الزيات وطرق حمزة هي طرق الكسائي.
هؤلاء هم القراء السبعة، وهذا تواتر القرآن عندنا، وهؤلاء السبعة لهم رواة وكل واحد له راويان مشهوران:
أما نافع المدني: أخذ القرآن عنه ورش وقالون.
عبدالله بن كثير: أخذ القرآن عنه قنبل والبزي.
أبو عمرو بن العلاء: أخذ القرآن عنه الدوري والسوسي.
عبدالله بن عامر: أخذ القرآن عنه هشام بن عمار وعبدالله بن ذكوان.
عاصم بن بهدلة: أخذ القرآن عنه حفص وشعبة.
حمزة الزيات: أخذ القرآن عنه خلاّد وخلف.
الكسائي: أخذ القرآن عنه حفص والليث.
هذا تواتر القرآن عندنا، فهل يستطيع الشيعة أن يثبتوا تواتر القرآن من طرقهم؟ يعجزون عن ذلك. السنة هم الذين يحفظون القرآن، وهم الذين ينقلون تواتره، والشيعة لا تواتر للقرآن عندهم، بل المتواتر عندهم روايات التحريف التي تزعم أن القرآن محرّف. وحتى نكون أمينين في نقلنا، وهذه عادتنا، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يديمها علينا، نذكر من قال بعدم التحريف من علماء الشيعة حتى لا نظلم الجميع، نحن أنصف لقومهم منهم، قال الله تبارك وتعالى:" يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون"، هذه الآية هي ميزاننا.
إن هناك من علماء الشيعة من تبرأ من القول بالتحريف:
الأول: ابن بابويه الصدوق، روى التحريف في كتابه وسكت عنه. روى في كتابه عن أبي عبدالله قال: إن سورة الأحزاب فضحت نساء قريش من العرب، وكانت أطول من سورة البقرة ولكن نقصوها وحرفوها. وفي رواية قال: يجيء يوم القيامة ثلاثة يشكون إلى الله عز وجل المصحف والمسجد والعترة، يقول المصحف: يا رب حرقوني ومزقوني، وفي بحار الأنوار نفس الرواية ولكن يقول المصحف: يا رب حرفوني ومزقوني.
الثاني: المفيد، وقد مرّ كلامه في التحريف.
الثالث: المرتضى
الرابع: أبو جعفر الطوسي، هذّب كتاب رجال الكشي، وهذا الكتاب مطبوع وموجود حالياً ويسمى برجال الكشي، هو من تهذيب الطوسي الذي يقول بعدم التحريف، والكتاب مليء بروايات التحريف فلم يتكلم عليه بشي بل أثبتها وسكت عنها، منها رواية عن أبي الحسن الأول قال: لا تأخذن دينك من غير شيعتنا، فإنك إن تعديتهم أخذت دينك عن الخائنين الذين خانوا الله ورسوله وخانوا آماناتهم، إنهم ائتمنوا على كتاب الله فحرفوه وبدلوه.
الخامس: أبو علي الطبرسي
السادس: ابن طاوس، في القرن السابع، قال: إن رأي الإمامية هو عدم التحريف. وهذا الله أعلم بنقله، لأن المشهور عن ابن طاوس إنه يقول بالتحريف كما سيأتي.
الخوئي: (يقول القول بتحريف القرآن قول خرافة لم يقل به أحد) وقال عن تفسير القمّي المليء بالتحريف: إن روايات تفسيره كلها ثابتة عن المعصومين، وصادرة عنهم لأنها انتهت إليه بواسطة المشايخ الثقة. كما قال الخوئي عن روايات التحريف: إن كثرت الروايات تورث القطع بصدور بعضها عن المعصومين ولا أقل من الاطمئنان بذلك وفيها ما روي بطريق معتبر. ثم هو كذلك من الموثقين لدعاء صنمي قريش، وفي هذا الدعاء "اللهم العن صنمي قريش (يريدون أبا بكر وعمر) وجبتيها وطاغوتيها وابنتيهما الذيْن حرفا كتابك وقلبا دينك"، فهذه عليها توقيع الخوئي أنها موافقة لفتواه. ولا يخفى أن ابنتيهما هما السيدتان عائشة وحفصة رضي الله عنهما.
وشارك الخوئي في هذا التوثيق كل من الخميني، وشريعة مداري، ومحسن الحكيم، وحسين البروجردي الطباطبائي.
وابن طاوس نقل عنه رسول جعفريان في كتابه القرآن ودعوى التحريف أنه يقول: إن رأي الإمامية هو عدم التحريف. بينما النوري الطبرسي ينقل عن ابن طاوس أنه قال في رده على أبي محمد الجبّائي لما اتهم الشيعة بالقول بنقصان القرآن: كلما ذكرته من طعن وقدح على من يذكر أن القرآن وقع فيه تبديل وتغيير، فهو متوجه على سيدك عثمان بن عفان، لأن المسلمين أطبقوا أنه جمع الناس على هذا المصحف الشريف، وحرّق ماعداه من المصاحف، فلولا اعتراف عثمان بأنه وقع تبديل وتغيير من الصحابة، لما كان هناك صحف تحرّق.
كما رأيتم تضارب بين أقوال الشيعة، القمّي يقول بالتحريف ويجاهر به وله فيه غلو، وكذا تلميذه الكليني يحشو كتابه بروايات التحريف ثم يقول: كل ما فيه صحيح عندي. ثم يأتي ابن بابويه فيقول: من نسب إلى الشيعة مثل هذا القول فهو كاذب. فيأتي تلميذه المفيد فيقول: باستفاضة الروايات (أي كثرتها). فيرد عليه تلميذه المرتضى يقول: هذه الروايات لا يعتد بها. ويوافقه على هذا الطوسي. ثم يأتي الطبرسي صاحب التفسير وينكر القول بالتحريف. بينما يثبته معاصره الطبرسي الآخر صاحب كتاب الاحتجاج، وتأتي الدولة الصفوية فيعلن كثير من كبارها كالمجلسي، والجزائري، والفتوني العاملي، ويوسف البحراني، والمازندراني هذا الكفر بل ويزعم بعضهم أنه من ضروريات المذهب. ويزعم آخرون أنه إجماع الشيعة حتى جاء كبيرهم النوري الطبرسي وألقاها كالقنبلة بجمع الكفر الذي تناثر في كتبهم في كتاب واحد وسماه فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب. ثم جاءنا المعاصرون الآن كالأميني والتيجاني وجعفر النجفي والموسوي عبد الحسين ومغنية والآصفي فأنكروا أن يكون أحد من الشيعة قال بالتحريف. فمن نصدق؟ مع هذا التناقض والتضارب بين أقوالهم. هل يريدون أن يظهروا للناس بوجهين؟ هل هي تقية؟ هل يراعون الظروف والمناسبات؟ هل هناك كتب للخاصة وكتب للعامة وأهل السنة؟ هل هناك اختلاف حقيقي بين علمائهم؟ إذا كان الكذب يمكن أن يكون متواتراً عندهم كما زعموا في تحريف القرآن فلا ثقة بسائر أخبارهم، وهذا ما صرّح به البحراني. إن الأمر كما قلت: عجيب جداً.
إن مئات الروايات عن المعصومين تثبت أن الشيعة يقولوا بالتحريف، وإن القول بأن أسانيد هذه الروايات ضعيفة لا يمكن أن يقبل لأمور منها:
أولاً: عدم اعتبار الشيعة للأسانيد، وعلم الرجال عندهم مضطرب جداً.
ثانياً: روايات التحريف متواترة عندهم أو قريبة من التواتر، وما كان حاله كذلك لا ينظر إلى سنده.
ثالثاً: هناك من علماء الشيعة من صحح أسانيد روايات التحريف.
رابعاً: يلزم من رد الروايات الكثيرة في التحريف التي بلغت قريباً من ألفي رواية يلزمه أن يرد روايات الإمامة وروايات الرجعة والبداء والعصمة لأنه كما قال شيخهم العلامة يوسف البحراني: لو تطرق الطعن إلى هذه الأخبار (أي أخبار التحريف) على كثرتها وانتشارها لأمكن الطعن إلى أخبار الشريعة كما لا يخفى. إذ الأصول واحدة وكذا الطرق والرواة والمشايخ والنقلة.
إن روايات التحريف التي عند الشيعة منقولة عن الأئمة الاثني عشر الذين يعتقدون عصمتهم بينما كل من ينقلون عنه عدم التحريف هم العلماء لا من الأئمة. لا ينقلون عن الأئمة ولا رواية واحدة تقول بعدم التحريف بل ينقلون ألفي رواية عن الأئمة تقول بالتحريف،والذين ينقلون عنهم القول بعدم التحريف هم علماء يصيبون ويخطؤن غير معصومين أما المعصومون عندهم فنقلوا عنهم القول بالتحريف، فيلزم الشيعة الأخذ بكلام المعصومين دون كلام غيرهم.
قال نعمة الله الجزائري: إن الأخبار الدالة على التحريف تزيد على ألفي حديث، ثم قال: إنه لم يقف على حديث واحد يشعر بخلاف ذلك.
قال يوسف البحراني: على أن هذه الأخبار لا معارض لها كما عرفت سوى مجرد الدعوى العارية عن الدليل، لا يخرج عن مجرد القيل والقال.
وهنا يأتي سؤال: لماذا قال علماء الشيعة بالتحريف (أي الذين صرحوا بالتحريف)؟ والذين اتقوا (أي قالوا بالتحريف ونفوه تقية) لماذا قالوا بالتحريف؟
1- روت كتب الشيعة روايات كثيرة جداً عن الأئمة حتى وصلوا بالإمامة إلى مكانة فوق مكانة الصلاة والزكاة والحج والصوم، ولما لم يلق هذا الكلام قبولاً عند كثير من الناس، خاصة وأنهم لا يجدون ولا آية واحدة تنص على الإمامة في مقابل الآيات الكثيرة التي ذكرت الصلاة والزكاة وغيرهما. وذلك أن الصلاة ذكرت في القرآن قريباً من مائة مرة، والزكاة ذكرت أكثر من ثلاثين مرة، بينما الولاية لم تذكر ولا مرة واحدة. فكانت هذه محاولة لإقناع الأتباع بصحة المذهب بعد أن ضجوا من خلو كتاب الله من ذكر أئمتهم وعقائدهم.
وهذه بعض الروايات في الإمامة:
عن محمد بن علي الباقر قال: بني الإسلام على خمس على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية ولم ينادى بشيء كما نودي بالولاية.
وعن أبي عبدالله قال: إن الله قد افترض على أمة محمد خمس فرائض الصلاة والزكاة والصيام والحج وولايتنا فرخص لهم في أشياء من الفرائض الأربع ولم يرخص لأحد في واحدة (أي الولاية).
وعن أبي عبدالله قال: أثافي (الأحجار التي توضع تحت القدر) الإسلام ثلاثة: الصلاة والزكاة والولاية.
وعن أبي جعفر قال: بني الإسلام على خمسة أشياء على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية، قال زرارة: قلت: وأي شيء من ذلك أفضل قال: الولاية أفضل.
وعن علي بن أبي طالب قال: لو أن عبداً عبد الله ألف سنة لا يقبل الله منه حتى يعرف ولايتنا أهل البيت، ولو أن عبداً عبد الله ألف سنة وجاء بعمل اثنين وسبعين نبياً ما يقبل الله منه حتى يعرف ولايتنا أهل البيت وإلا أكبّه الله على منخريه في نار جهنم.
2- ثناء الله على صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أن ثناء الله على الصحابة أثار حفيظة الشيعة، وهم يعلنون الليل والنهار لشيعتهم أن هؤلاء الصحابة منافقون متسترون بالإسلام فلم يكن من بد للخروج من هذه المعضلة إلا باللجوء إلى هذا الكفر ألا وهو القول بتحريف القرآن. قال الله تبارك وتعالى:" لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى"، وقال جلّ ذكره:" لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً" وكانوا قريباً من ألف وخمسمائة والشيعة يقولون ارتدوا كلهم إلا ثلاثة. وقوله تعالى:" محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضوان سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيما"، وقال جل ذكره:" للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضوان وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون والذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون".
كل هذا الثناء من الله على الصحابة ثم يأتي أولئك القوم فيقولون: هم كفار، ومنافقون، ومرتدون. ماذا عن القرآن؟ قالوا: محرّف، زيد فيه نقص منه كل المثالب التي طعن عليهم بها أزالوها من القرآن، كل المدح الذي تجدونه في القرآن إنما مما أضافوها.
3- عدم تعرض القرآن الكريم لذكر أسماء الأئمة وفضائلهم ومعجزاتهم، دفع علماء الشيعة الذين رووا في كتبهم معجزات للأئمة تفوق معجزات كثير من الأنبياء، كل هذا دفعهم إلى القول بتحريف القرآن، إذ لا يعقل أن لا يتطرق القرآن لبيان مثل هذا الأمر المهم، مما جاء في كتبهم عن أئمتهم قال الخميني: فإن للإمام مقاماً محموداً ودرجة سامية وخلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاماً محموداً لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل.
وأما مروياتهم في ذلك:
أولاً: ما رواه الكليني في كتابه قال: للإمام عشر علامات: يولد مطهراً مختونا، وإذا وقع على الأرض وقع على راحته (أي على يديه) رافعاً صوته بالشهادتين، لا يجنب، تنام عينه ولا ينام قلبه، لا يتثاءب، لا يتمطى، يرى من خلفه كما يرى من أمامه، نجوه (أي البراز) كرائحة المسك، والأرض موكلة بستره وابتلاعه، وإذا لبس درع رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت عليه وفقاً، وإذا لبسها غيرهم من الناس طويلهم وقصيرهم زادت عليه شبرا، وهو محدّث إلى أن تنقضي أيامه.
وقد بوب الكليني والمجلسي في كتابيهما أبواباً تغنينا عناوينها عن ذكر ما تحويه من الروايات، أما الكافي فمن أبوابه:
باب: الأئمة هم أركان الأرض.
باب: الأئمة عندهم جميع الكتب التي نزلت من عند الله.
باب: يعلمون جميع العلوم التي خرجت إلى الملائكة والأنبياء والمرسلين.
باب: يعلمون علم ما كان وما يكون وأنه لا يخفى عليهم شيء.
أما بحار الأنوار:
باب: يعلمون جميع الألسن واللغات ويتكلمون بها.
باب: أعلم من الأنبياء.
باب: تفضيلهم على الأنبياء وأن أولي العزم إنما صاروا أولي العزم بحبهم.
باب: يقدرون على أحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص وجميع معجزات الأنبياء.
بعض الشيعة يعتذر للقائلين بالتحريف يقولون إن التحريف في التفسير وليس في القرآن، أي أن الصحابة حرفوا في التفسير.
قلت: وهذا القول باطل لأمور منها:
بعض الروايات لا تحتمل، وذلك لصراحتها وقد مر ذكر بعضها.
نص كثير من علماء الشيعة على القول بالتحريف بل ادعى بعضهم الإجماع وادعى آخرون أنه من ضروريات المذهب.
لو كان التحريف إنما هو في التفسير لما كانت هذه الضجة، لأن التفاسير تخضع لميول البشر واتجاهاتهم.
تحريف الشيعة في التفسير أمر متفق عليه عندهم كما مر في الكلام عن تلاعبهم في تفسير القرآن.
رواية أن القرآن الذي نزل على محمد سبعة عشر ألف آية لا تحتمل هذا، قد صححها علماؤهم كالمجلسي والكليني وغيرهما.
ادعاء بعض علماء الشيعة نقص سور بأكملها يأبى هذا التأويل، كما زعم النوري والمجلسي وغيرهما نقص سورتي النورين والولاية.
لاشك أن بعض علماء السنة كالشيخ إحسان الظهير رحمه الله تعالى وغيره قالوا: إن جميع علماء الشيعة يقولون بالتحريف، ما الذي دفع علماء السنة إلى هذا الزعم؟ لقد ذكرنا قبل قليل أن بعض علماء الشيعة تبرأ من هذا فكيف وقع بعض علماء السنة في هذا وزعم أن جميع الشيعة يقولون بالتحريف؟
لاشك أن هناك أسباباً منها:
ثناء علماء الشيعة على من قال بالتحريف، كما نقلنا قولهم في النوري الطبرسي، فمن أراد أن يرجع إلى تراجمهم فليرجع إلى كتاب الشيعة الاثنا عشرية وتحريف القرآن لعبد الرحمن السيف.
تمييع الشيعة للمسألة.
وجود التقية، وهي معروفة عند الشيعة وكما يقولون هي تسعة أعشار الدين، ولا دين لمن لا تقية له.
علماء الشيعة القائلون بالتحريف مثل الجزائري، النوري الطبرسي، عدنان البحراني، المجلسي كل هؤلاء قالوا علماء الشيعة الذين قالوا بعدم التحريف قالوه تقية، هم اتهموا بعضهم بهذا.
وُجدت روايات التحريف في كتب المنكرين، كما مر قبل قليل.
نقل بعض علماء الشيعة الإجماع والاتفاق بل وبعضهم نقل أنه من ضروريات المذهب، أي لا يمكن أن يكون شيعياً حتى يقول بالتحريف.
عدم صراحة الشيعة المنكرين عند مناقشة هذه القضية، ولقد ذكرنا كلام الأميني والتيجاني وجعفر النجفي وغيرهم من الشيعة وهم غير واضحين، عندما يأتي ويتكلم في هذه القضية يقول: لم يقل أحد بهذا، فأنتم تكذبون علينا ما قلنا بالتحريف ولا شيعي قال بالتحريف فلماذا هذا اللف والدوران؟ كن صريحاً، قل فلان وفلان قالوا بالتحريف وهم كفار وليسوا منا ولا نحن منهم وانتهى الأمر.
كذلك إقدام المنكرين للتحريف على طبع كتب القائلين بالتحريف ونشرها بل والتقديم لها.
يلزم جميع الشيعة أن يقولوا بالتحريف اتباعاً للأئمة المعصومين وبالتالي يخرجون من الإسلام، أو يجب عليهم أن يتركوا التشيع الذي يشيع هذا الباطل.
مع ملاحظة أن هذا كله مكذوب على الأئمة الاثني عشر رحمهم الله وهم بريؤون من هذه الروايات كبراءة الذئب من دم يوسف عليه السلام.
شبهات للشيعة على أهل السنة:
قال الشيعة الإثنا عشرية:
السنة يقولون بالتحريف، بدليل أن السنة يقولون بنسخ التلاوة، ونسخ التلاوة تحريف.
السنة يقولون بالقراءات، والقراءات معناها تحريف، لأن الشيعة لا يعترفون بالقراءات يقولون إنه واحد نزل من عند واحد.
اختلاف السنة بالبسملة، دليل على أنها من المحرّف.
قول السنة آمين في الصلاة، هذه زادوها في كتاب الله تبارك وتعالى.
إن علماء الشيعة المعاصرين، لما لم يجدوا مخرجاً من الفضيحة الكبرى التي هزت أركان مذهبهم بل هدّتها، ألا وهي القول بتحريف القرآن الكريم، لجأوا إلى اتهام أهل السنة بالتحريف، وذلك لأن أهل السنة يقولون بنسخ التلاوة، واجتهد الشيعة في ترويج هذا الباطل، وركبوا فيه أخشن المراكب.
أولاً: ما النسخ؟ النسخ في اللغة يأتي على معنيين:
1-1) إما إزالة الشيء كما قال الله تبارك وتعالى:" وما أرسلنا من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته"، فهنا ينسخ أي يزيل. ومنه قولهم: نسخت الشمس الظل أي أزالته.
1-2) والمعنى الآخر للنسخ في اللغة: نقل الشيء، قال الله تبارك وتعالى:" إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون"، أي ننقله. ومن قولك نسخت الكتاب أي نقلته.
النسخ لا يتناول العقائد، ولا الأخبار، وإنما يتناول النسخ الأحكام فقط.
قال الخوئي: إن القول بنسخ التلاوة هو بعينه القول بالتحريف، والإسقاط، إن القول بالتحريف هو مذهب أكثر علماء أهل السنة، لأنهم يقولون بجواز نسخ التلاوة. هكذا يلبسون على الناس، وصار الآن كثير من الشيعة يلهجون بهذا الكلام، ولاشك أن هذا الكلام باطل من وجوه:
إن نسخ التلاوة ثابت بالكتاب والسنة كما سيأتي تفصيله.
نسخ التلاوة ثابت في الكتب السماوية الأخرى كالتوراة والإنجيل، فأين التوراة؟ وأين الإنجيل؟ نسخت أحكامها وتلاوتها.
جلّ علماء الشيعة الذين أنكروا التحريف، والذي يتظاهر أكثر الشيعة باتباعهم، يقولون بنسخ التلاوة وهم المرتضى، والطبرسي، والطوسي. فعلى القول بأن نسخ التلاوة تحريف، فجميع الشيعة يقولون بالتحريف.
وهذه نقطة مهمة، وشهادة لا نعتز بها، شهادة علماء الشيعة للسنة بأنهم لا يقولون بالتحريف، ولكن شهادة ترد عليهم. قال المفيد الذي زعم بعضهم أنه آية الله وركن الإسلام: اتفقوا (أي الإمامية) على إن أئمة الضلال، خالفوا في كثير من تأليف القرآن، وعدلوا فيه عن موجب التنزيل وسنة النبي، وأجمعت المعتزلة، والخوارج، والزيدية، والمرجئة، وأصحاب الحديث على خلاف الإمامية. وهذه شهادة من هذا المفيد أن السنة لا يقولون بالتحريف.
وهذا التيجاني نقل عن الخوئي أنه قال: فالمسلمون أخوة، سواء كانوا شيعة أو سنة، فهم يعبدون الله وحده، ولا يشركون به شيئاً، وقرآنهم واحد ونبيهم واحد. هنا برأ الخوئي أهل السنة من القول بالتحريف مع أنهم جميعاً يقولون بنسخ التلاوة، وهو الذي قال: قيل ذلك إن النسخ تحريف. فهل قال هذا تقية؟ أو التيجاني كذب عليه؟ لا يهم، علم لا ينفع وجهل لا يضر.
وهذا كذلك محمد عبد الحفيظ قال: إنما يعرف بالمذهب الجعفري، أو المذهب المالكي، أوالشافعي والحنبلي والإباظي والزيدي والحنفي بالإضافة إلى المذاهب البائدة كمذهب الأوزاعي والجريري (أي ابن جرير الطبري) والظاهري وغيرهم، وهذه المذاهب تتفق على الكعبة هي القبلة، والقرآن هو الدستور، وهو المنزل من الله على نبيه دون نقص أو زيادة وهو الموجود بين أيدي الناس بلا زيادة ولا نقصان.
قلت: وشهد شاهد من أهلها.
أهل السنة أي علماءهم يصرحون بلا تردد بأن من قال: بتحريف القرآن ولو بتغيير حرف أنه كافر ولا يترددون في هذا أبداً، ولا تجد نقلاً واحداً عن عالم معتبر من علماء أهل السنة يقول: القرآن محرّف. كما يصرح بهذا مئات العلماء من الشيعة.
قد يقول قائل: الأميني، يقول: ولا شيعي قال بالتحريف، ولا ثرثار ولا عالم ولا قروي ولا طالب علم، وأنت الآن تقول ولا سني قال بالتحريف فصار كلامك ككلامه.
قلت: لا، نحن أثبتنا أن كلامه باطل، بنقلنا عن علمائهم فليثبتوا أن كلامي باطل بنقلهم عن علمائنا.
أما الأدلة على نسخ التلاوة:
قول الله تبارك وتعالى:" ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير".
وقوله تعالى:" وإذا بدلنا آية مكان آية".
وقوله تعالى:" يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب".
وقوله تعالى:" ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك".
قلت: آيات صريحة بأن الله تعالى يبدل ما شاء جلّ وعلا.
والنسخ له ثلاثة أحوال:
نسخ للحكم
نسخ للتلاوة
نسخ للتلاوة والحكم
الشيعة يوافقوننا على جواز نسخ الحكم، حتى الذين يقولون بالتحريف، ولكن ينكرون نسخ التلاوة، ويزعمون أن أهل السنة يقولون بالتحريف لأنهم يقولون بنسخ التلاوة. ولاشك أن هذا تحكم، فالله تعالى يقول:" ما ننسخ من آية أو ننسها"، كما قال:" وإذا بدلنا آية مكان آية" فيقولون هذا الحكم دون التلاوة فهذا تحكم. ما الذي جعله في الحكم دون التلاوة؟ لو جاء شخص وقال: فهو في التلاوة دون الحكم، فهذا تحكم أيضاً. ولذلك قال الجصاص: إن عموم اللفظ يقتضي الأمرين (أي الحكم والتلاوة)، ومن حمله على أحد الوجهين دون الآخر بغير دليل فهو متحكم وقائل بغير علم.
من قال بنسخ التلاوة من علماء الشيعة؟
النوري الطبرسي: اعلم أنهم اختلفوا في نسخ التلاوة (أي الشيعة)، فالمنقول عن جمهور الأصوليين هو الجواز (أي جواز نسخ التلاوة)، بل في نهاية العلاّمة ذهب إليه أكثر العلماء، ونسب الخلاف إلى شاذ من المعتزلة.
أبو علي الطبرسي صاحب التفسير(الذي ينكر التحريف) قال: النسخ في القرآن على ضروب منها ما يرتفع اللفظ ويثبت الحكم كآية الرجم.
أبو جعفر الطوسي (الذي ينكر التحريف) قال: النسخ في القرآن من أقسام ثلاثة منها ما نسخ لفظه دون حكمه كآية الرجم وهي قوله:" والشيخ والشيخة إذا زنيا". وقال كذلك: فصل في جواز نسخ الحكم دون التلاوة، ونسخ التلاوة دون الحكم، جميع ما ذكرناه، جائز دخول النسخ فيه.
العتائقي الحلّي قال: المنسوخ على ثلاث (هكذا مكتوبة ثلاث بدلاً من ثلاثة) ضروب منها ما نسخ خطه وبقي حكمه، فما روي من قوله:" والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة".
الفيض الكاشاني قال:" ما ننسخ من آية" بأن نرفع حكمها "أو ننسها" بأن نرفع رسمها.
العلاّمة المحقق الثاني: قال النوري: وذهب العلامة في النهاية والمحقق الثاني في جامع المقاصد، وصاحب القوانين إلى الوقوع (أي نسخ التلاوة) وهو ظاهر بعض الفقهاء. وقال النوري كذلك: وقال العلامة في النهاية في مقام إثبات نسخ التلاوة، لنا العقل والنقل، أما العقل فلأن التلاوة حكم شرعي، وأما النقل في ما ورد من نسخ التلاوة خاصة فما روي من قوله سبحانه:" والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة"، وأما نسخهما (أي الحكم والتلاوة) فما روي أن سورة الأحزاب كانت تعدل البقرة.
المرتضى (الذي ينكر التحريف والوحيد الذي لم يثبت عنه) قال: فصل في جواز نسخ الحكم دون التلاوة، ونسخ التلاوة دونه.
محمد جواد مغنيه قال في قوله تعالى:" ما ننسخ من آية" أي نزيلها "أو ننسها" نمحو حفظها من القلوب.
أمثلة من الآيات المنسوخة تلاوتها:
آية الرجم، لقوله تعالى أو ما ذكر فيها:" والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة"، هذه أولاً قراءة آحادية شاذة، لم تثبت قرآناً، وهذه ذكرها الكليني، وقال المحقق هي من منسوخ التلاوة، وذكرها الطوسي شيخ الطائفة وضربها مثالاً لنسخ التلاوة، وذكرها العتائقي الحلّي أيضاً.
آية "لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم" ذكرها الطبرسي والطوسي مثالاً لنسخ التلاوة.
سورة الأحزاب، ذكرها الطبرسي والطوسي مثالاً لنسخ التلاوة.
ثانياً: أما إنكار بعض علماء الشيعة للقراءات، كقراءة ورش، وقالون، والدوري، فهذه لا يسعنى أن أقول إلا إنهم يهرفون بما لا يعرفون، ويقولون ما لا يعلمون. وهذا من أبطل الباطل، ومن الضلال المبين، فإن القراءات السبع ثابتة ومتواترة من طرقنا نحن أيضاً، وإلا طرقهم فلا يستطيعون أن يثبتوا القرآن ولو من طريق واحد، والمصاحف المتداولة الآن مصحف حفص في الخليج والجزيرة، ورش في المغرب وتونس، قالون في الجزائر وليبيا الدوري متداولة في تشاد. فهذه القراءات ثابتة ومتواترة ومصاحفها موجودة، إلا أن يقولوا إن أهل الجزائر والمغرب العربي عموماً الذين يقرءون لقالون وورش قرآنهم محرّف، فهذه طامة كبرى تعود عليهم بالخروج من دين الله تبارك وتعالى.
وقد بوب الصدوق باب نزل القرآن على سبعة أحرف.
ثالثاً: البسملة، لا خلاف بين أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم في بداية قراءته لبعض سور القرآن، ولكن الخلاف الذي وقع بينهم هل قرأها النبي صلى الله عليه وسلم على أنها آية من القرآن أو قرأها للتبرك أو وضعت في المصحف للفصل بين السور؟
قال الشوكاني: واعلم أن الأمة أجمعت أنه لا يكفر من أثبتها ولا من نفاها لاختلاف العلماء فيها بخلاف ما لو نفى حرفاً مجمعاً عليه وأثبت ما لم يقل به أحد، فإنه يكفر بالإجماع. ولا خلاف في إثباتها خطاً في أوائل السور في المصحف إلا في أول سورة براءة.
والشيعة ينكرون على أهل السنة فيقولون لماذا لا تقولون بسم الله الرحمن الرحيم؟ وقد أتيتم بآمين وقلتموها جهراً وهي ليست من القرآن. للرد على ذلك:
أنتم أيضاً حذفتم البسملة، فهذا محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبدالله عن الرجل يكون إماماً يستفتح بالحمد ولا يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، قال: لا يضره ولا بأس عليه.
وعن مسمع البصري قال: صليت مع أبي عبدالله عليه السلام فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، ثم قرأ السورة التي بعد الحمد ولم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قام في الثانية وقرأ الحمد ولم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم.
وعن محمد بن علي الحلبي أن أبا عبدالله سئل عن من يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم حين يريد يقرأ فاتحة الكتاب، قال: نعم، إن شاء سراً وإن شاء جهراً، فقيل: أفيقرأها مع سورة أخرى قال: لا.
وقال الحر العاملي: ذكر الشيخ (أي الطوسي) وغيره أن هذه الأحاديث محمولة على التقية.
قلت: وانتهت المشكلة، وهكذا كالعادة إسناد ضعيف، أو تقية، وهذا لاشك من أبطل الباطل. لماذا؟ لأن التقية لا تجوز في البسملة عندهم. عن جعفر بن محمد قال: التقية ديني ودين آبائي إلا في ثلاثة: في شرب المسكر، وفي مسح الخفين، وفي ترك الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم.
والصحيح في كلمة بسم الله الرحمن الرحيم أنها وقع الاختلاف فيها بسبب اختلاف القراءات ففي قراءة حفص عن عاصم جعلت في البسملة آية رقم (1)، وفي قراءة قالون عن نافع جعلت الحمد لله رب العالمين آية رقم (1) ومن جعل الحمد لله رب العالمين آية رقم (1) جعل صراط الذين أنعمت عليهم آية رقم (6) وغير المغضوب عليهم ولا الضالين آية رقم (7).
رابعاً: أما كلمة آمين، فكلمة آمين معناها اللهم استجب، ولم يقل أحد من أهل العلم إنها من القرآن الكريم، فهي من سنن الصلاة وليس من الفاتحة، كالتكبير. ولذلك ولو قرأ الإنسان القرآن فإنه لا يقول آمين بعد قراءة الفاتحة، ولكن لما تضمنت الفاتحة بعض الآيات التي فيها الدعاء وهي قوله:" اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضآلين" ناسب أن يقول آمين لمعناها اللهم استجب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول آمين.
وأخيراً نقول: لماذا الكذب؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً.
وإن صاحب الدعوة الصحيحة لا يكذب، وإن صاحب الباطل لا يصدق، فيحيا من حي عن بينة، ويهلك من هلك عن بينة.
والصدق يألفه الكريم المرتجى،،، والكذب يألفه الدنيء الأخيب
وأخيراً نقول: تعالوا إلى كلمة سواء، إن خلافنا مع الشيعة ليس في أمور فقهية فقط، كما يدعي بعض الجهلة، بقوله : إن الفرق بين الشيعة والسنة كالفرق بين المذاهب الأربعة عند السنة. إن خلافنا مع الشيعة في أس الإسلام وأصله في القرآن الكريم أولاً، ثم تأتي بعد ذلك مسائل عقائدية كثيرة كالقول بالرجعة، والبداء، وتكفير جل الصحابة، واتهام أهل السنة بأنهم أولاد زنا، والطلب من الأموات، والغلو في أهل البيت، وعبادة القبور، وغير ذلك كثير ليس هذا مجال حصره. إن أهل السنة اليوم يطالبون الشيعة بوقفة جريئة شجاعة ضد هؤلاء الذين يطعنون بكتاب ربهم، وأن يعلنوا البراءة منهم، وأن يعلنوا كفرهم، والبراءة من إفكهم على كتاب الله تبارك وتعالى.
وأخيراً نقول لإخواننا الشيعة الذين لم ينزلقوا في هذا المنزلق الخطير، نقول لهم ما قاله الله تبارك وتعالى لأهل الكتاب، وهم على كفرهم نقوله نحن للشيعة وهم على إسلامهم (أعني الذين لم يقولوا بالتحريف) تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون.. والله أعلى وأعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
أن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتدي ومن يضلله فلن تجد له ولياً مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد،
فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وإن شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
إن من جسيم ما خص الله به أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الفضيلة وشرفهم به على سائر الأمم من المنازل الرفيعة ما حفظه عليهم من وحيه وتنزيله، الذي جعله على حقيقة نبوة نبيهم دلالة، وعلى ما خصه به من الكرامة علامة، الذي لو اجتمع جميع من بين أقطارها من جنّها وإنسها وصغيرها وكبيرها، على أن يأتوا بسورة من مثله، لم يأتوا ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا. أنزله الله تبارك وتعالى ساطعاً تبيانه قاطعاً برهانه، قرآناً عربياً غير ذي عوج. نزل به أمين السماء إلى أمين الأرض معجزاً باقياً دون كل معجزٍ على وجه كل زمان، أنزله الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ففتح الله به أعيناً عميا، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، أخرج به الناس من الظلمات إلى النور. قال علي بن أبي طالب رضي الله تبارك وتعالى عنه: كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، من قال به صدق، ومن عمل به أُجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم. ولقد أنزل الله تبارك وتعالى التوراة والإنجيل وغيرهما من الكتب وعهد إلى الناس حفظها، قال تعالى:" إنّا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبييون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء". ولكنهم لم يحفظوها بل حرفوها، كما قال تبارك وتعالى:" فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه". فلما أنزل الله تبارك وتعالى القرآن تعهّد سبحانه وتعالى بحفظه، قال جلّ ذكره:" إنّا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون"، وقال:" لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد".
فمن قال بأن في القرآن نقصاً أو تحريفاً فلاشك أنه ليس من أهل القبلة، وليس من الإسلام في شيء، ولسنا نحن الآن في مقام الدفاع عن كتاب الله تبارك وتعالى، فإن أولئك الأقزام لم ولن يستطيعوا الوصول إلى الطعن في كتاب الله تبارك وتعالى، قال جلّ ذكره:" قل لئن اجتمعت الإنس والجنّ على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا". وكما قيل: ما ضر السحاب نبح الكلاب، وقيل: ولو كل كلب عوى ألقمته حجراً لكان مثقال أحجار بدينار.
وفي ثبوت القول بتحريف القرآن لأي طائفة تنتسب إلى الإسلام أكبر فضيحة، تهدم بنيانهم من الأساس، وهذا الموضوع الشائك الخطير، سالت فيه وللأسف أقلام أئمة الشيعة، متقدميهم ومتأخريهم، وخاضوا فيه إلى مستوى لا يكاد يصدقه مؤمن. إنه لا يمكن أبداً أن يكون هناك تقارب لنا مع من يطعنون في القرآن الكريم، وذلك أن دعوى تحريف القرآن محاولة يائسة من أعداء الإسلام لضرب الإسلام وأهله، يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.
ولاشك أن من يقول بالتحريف كافر، ومن لم يُكَفّر من يقول بالتحريف لا يصح له أبداً أن يكفر أحداً من الناس، وذلك أن حفظ القرآن من التحريف والزيادة والنقصان أمر معلوم من الدين بالضرورة، ولنا أن نسأل: متى يكفر الإنسان؟ متى يحكم عليه بالردة؟
إن الصلاة والزكاة والحج والصيام وجميع الواجبات بل وجميع المحرمات إنما تُعْلَم من الكتاب والسنة. والكتاب ثبوته أقوى من ثبوت السنة، لأنه يشترط فيه التواتر. فمن أنكر الصلاة والصيام والزكاة والحج لا يكفر إذاً على زعمهم لاحتمال أن الأمر بها من المحرّف، ومن فعل المحرمات كذلك لا يكفر لاحتمال أن النهي عنها من المحرّف. بل إن منكر الرسول صلى الله عليه وسلم يلزمهم كذلك انه لا يكفر لأننا ما علمنا صدق الرسول صلى الله عليه وسلم إلا من كتاب الله جلّ وعلا ومن سيرته صلوات الله وسلامه عليه.
أما السنة فإن الشيعة لا يؤمنون بكتبنا كالبخاري ومسلم وسنن أبي داود والترمذي ومسند أحمد وغيرها من الكتب، ونحن كذلك لا نعتبر كتبهم ولا نؤمن بها كالكافي والاستبصار والتهذيب ومن لا يحضره الفقيه ومستدرك الوسائل والوسائل وغيرها من الكتب. والأمر كما قال الإمام الذهبي لما تكلّم عن محي الدين بن عربي، وذكر كلاماً عنه وصار يعتذر له، يقول: ولعله أراد كذا ولعله أراد كذا، فلما وصل إلى بعض كلامه الذي لا يحتمل فقال: فوالله إن لم يكن هذا الكلام كفراً، فليس في الدنيا كفر أبداً. ونحن كذلك نقول: إن لم يكن القول بتحريف القرآن كفراً فليس في الدنيا كفر أبداً. بل لاشك ولا ريب أن القول بتحريف القرآن هو من أعظم الكفر الذي عرفه الناس. إن أقصى ما يقوله علماء الشيعة عن أئمتهم القائلين بالتحريف كلمة مخطئين، هذا إذا ألجئوا إليها، وإلا فهم ينكرون ذلك، ويتهمون من ينسب القول بالتحريف إليهم بالكذب والتجنّي أو غير ذلك من الألفاظ. وهل كلمة مخطئ تكفي إذا قالوها عمن قال بتحريف القرآن؟ إن الذي يخالف في مسألة اجتهادية فقهية يقال له مخطئ، أما من ينكر أمراً معلوماً من الدين بالضرورة فهذا أقل ما يقال فيه كافر أو ملحد أو زنديق أو منافق أو طاغوت أو مرتد أو ما شابه هذه الألفاظ.
والغريب في هذه المسألة (مسألة القول بتحريف القرآن) أن أهل السنة يتشددون فيها كثيراً حتى قالوا بكفر من زعم أن القرآن زيد فيه حرف أو أُنقص، بينما الشيعة يميعون هذه المسألة ويرون أن الخلاف فيها سائغ وأن أقصى ما يقال في مدعي التحريف إنهم مخطئون. وضوح تام عند أهل السنة، بينما الشيعة مضطربون، مرة ينفون، ومرة يقرون، مرة يعللون، ومرة يخَطّئون. وحتى أولئك الذين يقولون بأفواههم والله تبارك وتعالى أعلم بما في قلوبهم يقولون مخطئين وهذا الكلام غير صحيح، ولكن تبقى مع ذلك الكتب التي روت التحريف، وجاهرت بهذه الزندقة، وكذا الشيوخ الذين لهجوا بهذا الكفر يبقون جميعاً موضع احترام وتقدير من الشيعة كلهم. وهذا الشيء غريب ويثير كثيراً من الشك، بل ويدع عندنا علامات استفهام كثيرة.
أما موقف أهل السنة من القائلين بتحريف القرآن الكريم فهو موقف متشدد لا يتسامحون فيه مع أحد أبداً. قال القاضي أبو يعلى الفراء: والقرآن ما غُيِّر ولا بُدّل ولا نقص منه ولا زيد فيه خلافاً للرافضة القائلين أن القرآن قد غيّر وبدّل وخولف بين نظمه وترتيبه. وقال ابن حزم: وأما قولهم في دعوى الروافض تبديل القرآن، فإن الروافض ليسوا من المسلمين. وقال: القول بأن بين اللوحين تبديلاً كفرٌ صريح، وتكذيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: الحكم بكفر من زعم منهم أن القرآن نقص منه آيات وكتمت. وقال ابن قدامة: ولا خلاف بين المسلمين في أن من جحد من القرآن سورة أو آية أو كلمة أو حرفاً متفقاً عليه أنه كافر. وقال أبو عثمان الحداد: جميع من ينتحل التوحيد متفقون على أن الجحد لحرف من التنزيل كفر. وقال عبد القاهر البغدادي: وأكفر أهل السنة من زعم من الرافضة أنه لا حجة اليوم في القرآن والسنة بدعواه أن الصحابة غيروا بعض القرآن وحرفوا بعضه.
إن منزلة القرآن عند الشيعة تظهر منها علامات تعجب كثيرة يراها المسلم ويقف عندها حائراً:
أولاً: فإنهم يعتقدون أن القرآن ليس حجة في نفسه، فعن منصور بن حازم أنه قال لأبي عبدالله (جعفر الصادق): إن القرآن لا يكون حجة إلا بقيّم، فأقرّه أبو عبدالله. والله تبارك وتعالى يقول:" أولم يكفهم أن أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم". وقولهم هذا يعني أن الحجة في قول الإمام لا في القرآن لأنه الأقدر على البيان، ولذلك يروون عن علي أنه قال: هذا كتاب الله الصامت، وأنا كتاب الله الناطق.
قلت: والله تبارك وتعالى يقول:" إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم".
ولاشك أن تلك الروايات من وضع عدو حاقد يريد أن يصد الشيعة عن كتاب الله تبارك وتعالى، وذلك أنهم ربطوا حجية القرآن بوجود القيّم وهو علي، ثم الحسن، ثم الحسين، وهكذا حتى يصل الأمر إلى المنتظر الغائب، وذلك منذ ما يزيد على خمسين ومئة سنة بعد الألف، لم نر هذا المنتظر الذي يزعمون. ولاشك أنها مؤامرة أرادت إبعاد الشيعة عن كتاب الله تبارك وتعالى. وإلا كيف تُفَسّر هذه الروايات؟ عن أبي جعفر قال: إن رسول الله فسّر القرآن لرجل واحد، وفسّر للأمة شأن ذلك الرجل وهو علي بن أبي طالب. وهذا إنما هو لصد الناس عن التدبر في كتاب الله تعالى والتأمل في معانيه، قال الله تبارك وتعالى:" إنّا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون"، وقال جلّ ذكره:" هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين".
وقالوا كذلك: إن قول الإمام ينسخ القرآن ويخصص عامه ويقيد مطلقه. قال محمد حسين آل كاشف الغطاء: إن حكمة التدريج اقتضت بيان جملة من الأحكام وكتمان جملة منها، ولكنه أودعها عند أوصيائه كل وصي يعهد به إلى الآخر لينشره في الوقت لمناسب له حسب الحكمة من عام مخصص أو مطلق مقيد أو مجمل مبين إلى أمثال ذلك، فقد يذكر النبي صلى الله عليه وسلم عاماً ويذكر مخصصه بعد برهة من حياته وقد لا يذكره أصلاً بل يودعه عند وصيه إلى وقته.
قلت: جعلوا الأئمة يخصصون القرآن برواياتهم، ويقيدون مطلقه وهذه لاشك طامة كبرى. هذا مع قول الله تبارك وتعالى:" اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا".
أما عبثهم في تأويل القرآن فمنها أنهم قالوا:
قول الله تبارك وتعالى:" مرج البحرين يلتقيان"، قالوا: هما علي وفاطمة،
وقول الله تبارك وتعالى:" بينهما برزخ لا يبغيان"، قالوا: هو النبي،
وقول الله تبارك وتعالى:" يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان"، قالوا: هما الحسن والحسين.
وقالوا عن قوله تعالى:" لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد"، قالوا: لا تتخذوا إمامين إنما هو إمام واحد.
وقالوا عن قوله تعالى:" ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم وكان الكافر على ربه ظهيرا"، قال القمّي: الكافر الثاني (أي عمر بن الخطاب)، وكان علي أمير المؤمنين ظهيراً، أي وكان عمر على ربه يعني علياً ظهيراً.
وقالوا كذلك عن قول الله تبارك وتعالى:" وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد"، قالوا: يعني الأئمة.
من الذي قال بالتحريف من علماء الشيعة؟
إن علماء الشيعة الذين قالوا بالتحريف كثر، ولا يسع المجال لذكر أقوالهم جميعاً، ولكننا سنقتصر على ذكر أقوال بعضهم ثم نذكر الباقين سرداً دون ذكر أقوالهم:
أولهم: علي بن إبراهيم القمّي صاحب التفسير، قال في مقدمة تفسيره: وأما ما هو على خلاف ما أنزل الله، فهو قوله:" كنتم خير أمة أخرجت للناس" ثم ذكر أنها نزلت "كنتم خير أئمة أخرجت للناس". وقد ذكر علماء الشيعة إن القمّي يقول بالتحريف وقالوا: عنده فيه غلو.
الثاني: محمد بن يعقوب الكليني، وقد نسب إليه القول بالتحريف جمع من علماء الشيعة، لأنه ذكر في مقدمة كتابه: أن كل ما فيه صحيح عنده، وقد ملأ كتابه بروايات التحريف، بل بوّب باباً بعنوان لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة. ونسبه إلى القول بالتحريف كل من الكاشاني والأصفهاني والنوري الطبرسي والجزائري والمجلسي وغيرهم من علماء الشيعة كلهم قالوا: إن الكليني ممن يقول بالتحريف.
الثالث: محمد بن صالح المازندراني، وهو شارح الكافي، وقد توفي في القرن الحادي عشر، قال: وإسقاط بعض القرآن وتحريفه ثبت من طرقنا بالتواتر معنى، كما يظهر لمن تأمل في كتب الأحاديث من أولها إلى آخرها.
الرابع: أبو الحسن العاملي، قال: اعلم أن الحق الذي لا محيص عنه بحسب الأخبار المتواترة الآتية وغيرها أن هذا القرآن الذي في أيدينا قد وقع فيه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء من التغييرات، وأسقط الذين جمعوه بعده كثيراً من الكلمات والآيات.
الخامس: المفيد قال: إن الذي بين الدفتين (أي جلدتي المصحف) من القرآن، جميعه كلام الله وتنزيله وليس فيه شيء من كلام البشر، وهو جمهور المنزل والباقي مما أنزله الله قرآناً عند المستحفظ للشريعة (أي المهدي المنتظر)، المستودع للأحكام (أي المهدي المنتظر)، لم يضع منه شيء. وقال أيضاً: إن الأخبار قد جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى من آل محمد باختلاف القرآن، وما أحدثه الظالمون فيه من الحذف والنقصان.
السادس: محمد بن باقر المجلسي، المتوفى في القرن الثاني عشر، قال: لا يخفى أن هذا الخبر (أي يريد الخبر الذي فيه أن القرآن نزل سبع عشرة ألف آية) وكثيراً من الأخبار في هذا الباب متواترة معنى وطرح جميعها يوجب رفع الاعتماد على الأخبار رأساً بل ظني أن الأخبار في هذا الباب لا تقصر عن أخبار الإمامة فكيف يثبتونها بالخبر؟ (أي كيف يثبتون الإمامة بالخبر وينكرون تحريف القرآن الذي جاء به الخبر).
السابع: سلطان محمد الجنابذي الملقب بسلطان شاه علي، قال: اعلم أنه قد استفاضت الأخبار عن الأئمة الأطهار ، بوقوع الزيادة والنقيصة والتحريف والتغيير فيه، بحيث لا يكاد يقع شك في صدور بعضها منهم.
الثامن: ميرزا حبيب الله الهاشمي الخوئي، قال: القسم الثالث الأدلة الدالة على وجود النقصان فقط (أي في القرآن) وهي كثيرة، ثم ضرب أمثلة وذكر آيات كثيرة رسمها برسم المصحف وقال: قوله تعالى:" يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك في شأن علي"، وقوله تعالى:" إنما أنت منذر وعلي لكل قوم هاد"، وقوله تعالى:" ومن يطع الله ورسوله في ولاية علي والأئمة من بعده فقد فاز فوزاً عظيما"، ثم قال بعد ذلك: وفيما ذكرناه كفاية لمن طلب الحق لأنها على اختلاف مؤدياتها متفقة على الدلالة على النقيصة في الكتاب، فيحصل منها العلم الضروري بها والأخبار بلغت حد التواتر.
التاسع: يوسف البحراني، قال: لا يخفى ما في هذه الأخبار (يعني أخبار التحريف) من الدلالة الصريحة، والمقالة الفصيحة، على ما اخترناه ووضوح ما قلناه، ولو تطرّق الطعن إلى هذه الأخبار على كثرتها وانتشارها، لأمكن الطعن إلى أخبار الشريعة كاملاً، كما لا يخفى إذ الأصول واحدة وكذا الطرق والرواة والمشايخ والنقلة. ولعمري، إن القول بعدم التغيير والتبديل لا يخرج عن حسن الظن بأئمة الجوْر (يريد الصحابة)، وأنهم لم يخونوا في الأمانة الكبرى (أي القرآن) مع ظهور خيانتهم في الأمانة الأخرى (يريد خلافة علي) التي هي أشد ضرراً على الدين.
العاشر: نعمة الله الجزائري، الذي توفي في القرن الثاني عشر، قال عن القراءات السبع: إن تسليم تواترها عن الوحي الإلهي، وكون الكل قد نزل به الروح الأمين، يفضي إلى طرح الأخبار المستفيضة بل المتواترة الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن كلاماً ومادة وإعراباً.
الحادي عشر: عدنان البحراني، المتوفى في القرن الرابع عشر، قال: إلى غير ذلك من الأخبار التي لا تحصى كثرة، وقد تجاوزت حد التواتر، ولا في نقلها كثير فائدة بعد شيوع القول بالتحريف والتغيير بين الفريقين (أي السنة والشيعة)، وكونه من المسلّمَات عند الصحابة والتابعين بل وإجماع الفرقة المحقّة (أي الشيعة على إن القرآن محرّف)، وكونه من ضروريات مذهبهم وبه تضافرت أخبارهم.
أما علماء الشيعة الذين نسب إليهم القول بالتحريف ولن نذكر أقوالهم منهم: محسن الكاظمي، محمد بن الحسن الصفار، محمد بن إبراهيم النعماني، سعد بن عبدالله القمّي، محمد بن مسعود العياشي، محمد بن العباس المهيار، فرات بن إبراهيم الكوفي، أبو سهل بن نوبخت، حسن بن موسى، إبراهيم بن نوبخت، أبو القاسم النوبختي، حاجب بن الليث، فضل بن شاذان، علي بن عبد العالي، علي بن طاوس. ثم كذلك محمد بن حسين أصفهاني. أحمد بن منصور الطبرسي، الميثم البحراني، الأردبيلي، ودلدار علي، وسلطان الخراساني.
أما كبيرهم الذي تولى كِبْر هذا الأمر وتولى نشره فهو النوري الطبرسي، وهذا جمع روايات الشيعة في تحريف القرآن في كتاب واحد سماه فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب.
ولكن ترى ماذا كان رد فعل علماء الشيعة اتجاه هذا الكتاب والمؤلف؟ هل قتل المؤلف مرتداً؟ هل طردوه من البلاد؟ هل أحرقوا الكتاب؟ لا. بل جعلوا أحد كتبه وهو مستدرك الوسائل ثامن كتاب معتبر عندهم، ودفنوا المؤلف في مكان مقدس عندهم، يتمنى جل الشيعة أي يدفنوا هناك ولو ليوم واحد، لقد دفن في بناء المشهد الرضوي بالنجف.
أما مكانة هذا الرجل عند الشيعة، فقال آغا بزرك الطهراني: هو إمام أئمة الحديث والرجال في الأعصار المتأخرة، ومن أعاظم علماء الشيعة، وكبار رجال الإسلام في هذا القرن. وقال كذلك: ارتعش القلم بيدي عندما كتبت هذا الاسم (أي النوري الطبرسي)، واستوقفني الفكر عندما رأيت نفسي عازماً على ترجمة أستاذي النوري، وتمثل لي بهيئته المعهودة بعد أن مضى على فراقنا خمس وخمسون سنة، فخشعت إجلالاً لمقامه، ودهشت هيبة لها، ولا غرابة فلو كان المترجم له غيره لهان الأمر، ولكن كيف بي؟ وهو من أولئك الأبطال غير المحدودة حياتهم وأعمالهم.
وقال محمد بن حسين آل كاشف الغطاء عن النوري الطبرسي: هو حجة الله على العالمين، معجب الملائكة بتقواه، من لو تجلى الله لخلقه لقال هذا نوري، مولانا ثقة الإسلام حسين النوري.
وقال عباس القمّي عن النوري الطبرسي: شيخ الإسلام والمسلمين، مروج علوم الأنبياء والمرسلين، الثقة الجليل، والعالم النبيل، المتبحر الخبير، والمحدث الناقد البصير، ناشر الآثار، وجامع شمل الأخبار.
هذا الرجل الذي ألف هذا الكتاب الخطير وهو فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب، حاول بعض علماء الشيعة أن يعتذروا له. فهذا تلميذه البار به آغا بزرك الطهراني قال: قال شيخنا النوري في آخر أيامه: أخطأت في تسمية الكتاب، وكان الأجدر أن يسمى فصل الخطاب في عدم تحريف الكتاب، لأني أثبت فيه أن كتاب الإسلام القرآن الموجود بين الدفتين المنتشر في بقاع العالم، وحي إلهي بجميع سوره وآياته وجمله، لم يطرأ عليه تبديل أو تغيير، ولا زيادة ولا نقصان، ولاشك لأحد من الإمامية فيه.
هكذا اعتذر له تلميذه آغا بزرك الطهراني، ولاشك أن هذا الكلام باطل بل كذب، ولكن ترى من هو الكذاب؟ أهو النوري الطبرسي أو آغا بزرك الطهراني؟ لا يهم، فهو علم لا ينفع وجهل لا يضر.
وهذه بعض نصوص النوري في كتابه تناقض هذا الكلام، قال النوري الطبرسي: هذا كتاب لطيف، وسِفْر شريف، عملته في إثبات تحريف القرآن، وفضائح أهل الجور والعدوان، وهذا قال في الصفحة الثانية من الكتاب. وقال كذلك: كما يصدق على القرآن اختلاف المعنى، وتناقضه، كنفيه مرة، إثباته أخرى، وعلى اختلاف النظم كفصاحة بعض فقراتها البالغة حد الإعجاز وسخافة بعضها الأخرى، وهذا قاله في صفحة 211. وقال كذلك: إنه كان لعلي قرآن خاص به، جمعه بنفسه وكان عند ولده يتوارثونه إمام عن إمام، وهو عند الحُجّة (أي المهدي المنظر)، وهو مخالف لهذا القرآن الموجود، من حيث التأليف وترتيب السور والآيات بل والكلمات أيضاً، من جهة الزيادة والنقيصة، ففي القرآن الموجود تغيير من جهتين.
بعض المعاصرين من الشيعة زعم أن أحداً لم يقل بالتحريف، بعد كل هؤلاء الذين ذكرناهم ممن صرّح بالتحريف، ومن زعم أن إجماع الشيعة على ذلك، ومن زعم أنه متواتر، يأتي بعض علماء الشيعة المعاصرين ليقولوا لنا: لم يقل أحد من الشيعة بالتحريف.
قلت: ضحك على من؟ وكذب على من؟ هذا القول يصح قبل أن تطبع كتبهم، وقبل أن يراها أهل السنة، كانوا يظنون أن أهل السنة لا يقرءون كتبهم، ولذلك جاز لهم أن يكذبوا ويدعوا مثل هذه الادعاءات، ولكن بعد ظهور كتبهم ، وقراءة أهل السنة لها، تبين كذب مدّعاهم.
فهذا الأميني (القرن الرابع عشر) نقل كلام ابن حزم أن الشيعة كلهم يقولون بالتحريف إلا المرتضى فقط، ويقول الأميني للرد على ابن حزم: ليت هذا المجترأ (أي ابن حزم) أشار إلى مصدر فريته من كتاب للشيعة موثوق به أو حكاية عن عالم من علمائهم تقيم له الجامعة وزنا، أو طالب من رواد علومهم ولو لم يعرفه أكثرهم بل نتنازل معه إلى قول جاهل من جهالهم أو قروي من بسطائهم أو ثرثار كمثل هذا الرجل يرمي القول على عواهنه.
قلت: سبحان الله جرأة عجيبة جداً، كل هؤلاء الذين نقلنا كلامهم بالجزء والصفحة، يقولون بالتحريف ثم يأتي هذا وينكر هذا الإنكار العجيب ويقول: ولا ثرثار شيعي قال ذلك، ولا عالم، ولا طالب علم، ولا قروي، وكل أولئك من علمائهم الكبار قالوا بالتحريف.
يقول الأميني مكملاً: لكن القارئ إذا فحّص ونقّب لا يجد في طليعة الإمامية إلا نفاة هذه الفرية كالشيخ الصدوق في عقايده، والشيخ المفيد، وعلم الهدى الشريف المرتضى الذي اعترف له الرجل بنفسه (أي ابن حزم)، وليس بمتفرد عن قومه في رأيه كما حسبه المغفل (أي ابن حزم)، وهو قول شيخ الطائفة الطوسي في التبيان، وأمين الإسلام الطبرسي في مجمع البيان وغيرهم، فهؤلاء أعلام الأمامية وحملة علومهم الكالئين لنواميسهم، وعقائدهم، قديماً وحديثاً، يوقفونك على ميْن (أي كذب) الرجل فيما يقول. وهذه فرق الشيعة في مقدمهم الأمامية مجمعة على أن ما بين الدفتين هو ذلك الكتاب الذي لا ريب فيه، وهو المحكوم بأحكامه ليس إلا.
قلت: ولاشك أن ما سبق يدل على صدق ابن حزم، وعلى كذب الأميني.
وهذا التيجاني المعاصر يقول: قال لي منعم (صديق له شيعي): هل تعرف أن كل الفرق الإسلامية على اختلاف مذاهبها متفقة على القرآن الكريم. وقال كذلك: وما ينسب إلى الشيعة من القول بالتحريف هو مجرد تشنيع وتهويل وليس له في معتقدات الشيعة وجود، وإذا ما قرأنا عقيدة الشيعة في القرآن الكريم، فسوف نجد إجماعهم على تنزيه الكتاب من كل تحريف.
قلت: وله من كتابه هذا كثير من الكذب من أمثال هذه الكذبة فقد بيناها في كتاب كشف الجاني من أراد الرجوع إليه.
وهذا عبد الحسين شرف الدين الموسوي يقول عن موسى جار الله: نسب إلى الشيعة القول بالتحريف بإسقاط كلمات وآيات، قال عبد الحسين الموسوي: نعوذ بالله من هذا القول، ونبرأ إلى الله من هذا الجهل، وكل من نسب هذا الرأي إلينا جاهل بمذهبنا، أو مفتر علينا، فإن القرآن متواتر من طرقنا بجميع آياته وكلماته.
قلت: وأنا أسأل جميع الشيعة من يستطيع منهم أن يثبت تواتر القرآن من طرقهم؟
وهذا جعفر النجفي قال: إن اعتقادنا في جملة القرآن الذي أوحى الله به تعالى إلى نبيه محمد وهو كل ما يحويه هذا المصحف المتداول بين الناس لا أكثر، وأما من ينسب إلينا الاعتقاد بأن القرآن أكثر من هذا، فهو كاذب كفّار .
قال مهدي السويّج معلقاً على كلام جعفر النجفي: وعلى هذا تقارير كل علماء الشيعة الأعلام قديماً وحديثاً.
أليس يزعم كثير من الشيعة أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم ارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إلا ثلاثة أو أكثر بحسب اختلاف رواياتهم في ذلك؟ فمن أين لهم تواتر القرآن الكريم؟ إنني أطلب من كل شيعي يريد الحق أن يطلب من علمائه ومشايخه أن يثبتوا له تواتر القرآن من طرقهم الخاصة بهم، ولن يستطيعوا ذلك أبداً، لأن تواتر القرآن إنما يثبته وينقله أهل السنة فقط. فهم النقلة، وهم الحفظة، وهم المدافعون عن كتاب الله تبارك وتقدس، أما الشيعة فالقرآن عندهم رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم علي رضي الله عنه وعن علي ابنه الحسن وابنه الحسين رضي الله عنهما وهكذا إلى المهدي فأين التواتر؟ إن التواتر هو رواية جمع عن جمع تحيل العادة تواطؤهم عن الكذب. وقد ذكر أهل العلم إن أقل طبقة من طبقات التواتر يكون فيها عشرة. فهل يستطع الشيعة أن يثبتوا هذا؟ وهذا التواتر إنما ينقله أهل السنة في كتبهم، ويثبتونه فإن كان أهل السنة ثقاة في نقلهم وجب قبول قولهم في غيره، وإن كانوا غير ثقاة وجب رد روايتهم للقرآن. وليبحث الشيعة بعد ذلك لهم عن قرآن آخر ودين آخر. وهذا هو الذي دفع كثيراً من علماء الشيعة إلى القول بتحريف القرآن كالبحراني، والجزائري، والنوري الطبرسي، وهو عدم الثقة بالنقلة أصلاً. ولذلك قال يوسف البحراني: ولعمري إن القول بعدم التغيير والتبديل لا يخرج عن حسن الظن بأئمة الجوْر (يريد الصحابة)، وأنهم لم يخونوا في الأمانة الكبرى (أي القرآن) مع ظهور خيانتهم في الأمانة الأخرى (يريد الإمامة). وهذا النوري الطبرسي قال: والحاصل أن من وقف على شطر قليل من حال القوم (أي الصحابة)، وكيفية تواطئهم على إخفاء الحق، وسترهم ما هو أحق بالنشر مما ذكر، كيف يستغرب منهم بعد ذلك ما ورد من ارتدادهم، ورجوعهم إلى قواعد الجاهلية أكثر مما يخفى.
فإذا كان الشيعة الاثنا عشرية يزعمون أن الصحابة كلهم قد ارتدوا إلا ثلاثة وهم: أبو ذر والمقداد وسلمان، ثم زادوا بعد ذلك عماراً وغيره فكل هؤلاء ليسوا من نقلة القرآن، بل نقلة القرآن هم المرتدون في نظر الشيعة الإمامية.
وهاأنا ذا أنقل تواتر القرآن عند أهل السنة، ولينقل الشيعة تواتر القرآن من طرقهم. إن القرآن الكريم كما هو معلوم يرجع جمعه إلى سبعة قرّاء المعروفون بالقراء السبعة وهم: نافع المدني، وعبدالله بن كثير، وأبو عمرو بن العلاء، وعبدالله بن عامر، وعاصم بن بهدلة، وحمزة الزيات، والكسائي.
كيف وصل القرآن إلى هؤلاء القراء السبعة؟ وهؤلاء تواتر عنهم القرآن بنقل الكافة عن الكافة. ولكن الآن نتكلم عن هؤلاء السبعة وكيف وصل القرآن إليهم؟
أما نافع المدني: وصله القرآن الكريم من طريق مسلم بن جندب، وشيبة بن نصاح، وعبد الرحمن بن هرمز، ويزيد بن القعقاع، وهؤلاء أخذوا القرآن عن ابن عباس وأبي هريرة، وابن عباس أخذه عن أبي بن كعب وعلي بن أبي طالب وعثمان بن عفان، وأبو هريرة أخذه عن علي وأبي بن كعب.
عبدالله بن كثير: أخذ القرآن عن درباس وعن مجاهد، ومجاهد أخذه عن ابن عباس وعن عبدالله بن السائب، وابن عباس أخذه عن أبي بن كعب وعلي بن أبي طالب وعثمان ابن عفان، وابن السائب أخذه عن أبي بن كعب وعلي بن أبي طالب، ودرباس أخذه عن ابن عباس.
أبو عمرو بن العلاء: أخذ القرآن عن ابن كثير، ومجاهد، وعطاء بن أبي رباح، ونصر بن عاصم، وعكرمة، ونصر بن عاصم أخذه عن عمرو بن شرحبيل، ومجاهد أخذه عن ابن عباس وعبدالله بن السائب، وعكرمة أخذه عن أبي هريرة وابن عباس وعطاء عن أبي هريرة، وعمرو بن شرحبيل أخذه عن عمر وعلي وابن مسعود.
عبدالله بن عامر: أخذ القرآن عن عثمان بن عفان وعن أبي درداء.
عاصم بن بهدلة: أخذ القرآن عن أبي عبد الرحمن السلمي، وعن زر بن حبيش، وأبو عبد الرحمن السلمي أخذه عن عثمان وعلي وأبي وزيد وابن مسعود، وزر بن حبيش أخذه عن عثمان وعلي وابن مسعود.
حمزة الزيات: أخذه عن الأعمش، وحمران بن أعين، وابن أبي ليلى، وجعفر بن محمد، والأعمش أخذه عن يحي بن وثّاب، ويحي أخذه عن زر بن حبيش، وزر بن حبيش أخذه عن عثمان وعلي وابن مسعود، وحمران أخذه عن أبي الأسود الدؤلي، وأبو الأسود أخذه عن عثمان وعلي، وابن أبي ليلى أخذه عن المنهال والمنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، وجعفر بن محمد أخذه عن أبيه محمد بن علي، ومحمد عن علي بن الحسين، وعلي بن الحسين عن حسين بن علي، والحسين عن علي بن أبي طالب.
الكسائي: أخذه عن حمزة الزيات وطرق حمزة هي طرق الكسائي.
هؤلاء هم القراء السبعة، وهذا تواتر القرآن عندنا، وهؤلاء السبعة لهم رواة وكل واحد له راويان مشهوران:
أما نافع المدني: أخذ القرآن عنه ورش وقالون.
عبدالله بن كثير: أخذ القرآن عنه قنبل والبزي.
أبو عمرو بن العلاء: أخذ القرآن عنه الدوري والسوسي.
عبدالله بن عامر: أخذ القرآن عنه هشام بن عمار وعبدالله بن ذكوان.
عاصم بن بهدلة: أخذ القرآن عنه حفص وشعبة.
حمزة الزيات: أخذ القرآن عنه خلاّد وخلف.
الكسائي: أخذ القرآن عنه حفص والليث.
هذا تواتر القرآن عندنا، فهل يستطيع الشيعة أن يثبتوا تواتر القرآن من طرقهم؟ يعجزون عن ذلك. السنة هم الذين يحفظون القرآن، وهم الذين ينقلون تواتره، والشيعة لا تواتر للقرآن عندهم، بل المتواتر عندهم روايات التحريف التي تزعم أن القرآن محرّف. وحتى نكون أمينين في نقلنا، وهذه عادتنا، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يديمها علينا، نذكر من قال بعدم التحريف من علماء الشيعة حتى لا نظلم الجميع، نحن أنصف لقومهم منهم، قال الله تبارك وتعالى:" يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون"، هذه الآية هي ميزاننا.
إن هناك من علماء الشيعة من تبرأ من القول بالتحريف:
الأول: ابن بابويه الصدوق، روى التحريف في كتابه وسكت عنه. روى في كتابه عن أبي عبدالله قال: إن سورة الأحزاب فضحت نساء قريش من العرب، وكانت أطول من سورة البقرة ولكن نقصوها وحرفوها. وفي رواية قال: يجيء يوم القيامة ثلاثة يشكون إلى الله عز وجل المصحف والمسجد والعترة، يقول المصحف: يا رب حرقوني ومزقوني، وفي بحار الأنوار نفس الرواية ولكن يقول المصحف: يا رب حرفوني ومزقوني.
الثاني: المفيد، وقد مرّ كلامه في التحريف.
الثالث: المرتضى
الرابع: أبو جعفر الطوسي، هذّب كتاب رجال الكشي، وهذا الكتاب مطبوع وموجود حالياً ويسمى برجال الكشي، هو من تهذيب الطوسي الذي يقول بعدم التحريف، والكتاب مليء بروايات التحريف فلم يتكلم عليه بشي بل أثبتها وسكت عنها، منها رواية عن أبي الحسن الأول قال: لا تأخذن دينك من غير شيعتنا، فإنك إن تعديتهم أخذت دينك عن الخائنين الذين خانوا الله ورسوله وخانوا آماناتهم، إنهم ائتمنوا على كتاب الله فحرفوه وبدلوه.
الخامس: أبو علي الطبرسي
السادس: ابن طاوس، في القرن السابع، قال: إن رأي الإمامية هو عدم التحريف. وهذا الله أعلم بنقله، لأن المشهور عن ابن طاوس إنه يقول بالتحريف كما سيأتي.
الخوئي: (يقول القول بتحريف القرآن قول خرافة لم يقل به أحد) وقال عن تفسير القمّي المليء بالتحريف: إن روايات تفسيره كلها ثابتة عن المعصومين، وصادرة عنهم لأنها انتهت إليه بواسطة المشايخ الثقة. كما قال الخوئي عن روايات التحريف: إن كثرت الروايات تورث القطع بصدور بعضها عن المعصومين ولا أقل من الاطمئنان بذلك وفيها ما روي بطريق معتبر. ثم هو كذلك من الموثقين لدعاء صنمي قريش، وفي هذا الدعاء "اللهم العن صنمي قريش (يريدون أبا بكر وعمر) وجبتيها وطاغوتيها وابنتيهما الذيْن حرفا كتابك وقلبا دينك"، فهذه عليها توقيع الخوئي أنها موافقة لفتواه. ولا يخفى أن ابنتيهما هما السيدتان عائشة وحفصة رضي الله عنهما.
وشارك الخوئي في هذا التوثيق كل من الخميني، وشريعة مداري، ومحسن الحكيم، وحسين البروجردي الطباطبائي.
وابن طاوس نقل عنه رسول جعفريان في كتابه القرآن ودعوى التحريف أنه يقول: إن رأي الإمامية هو عدم التحريف. بينما النوري الطبرسي ينقل عن ابن طاوس أنه قال في رده على أبي محمد الجبّائي لما اتهم الشيعة بالقول بنقصان القرآن: كلما ذكرته من طعن وقدح على من يذكر أن القرآن وقع فيه تبديل وتغيير، فهو متوجه على سيدك عثمان بن عفان، لأن المسلمين أطبقوا أنه جمع الناس على هذا المصحف الشريف، وحرّق ماعداه من المصاحف، فلولا اعتراف عثمان بأنه وقع تبديل وتغيير من الصحابة، لما كان هناك صحف تحرّق.
كما رأيتم تضارب بين أقوال الشيعة، القمّي يقول بالتحريف ويجاهر به وله فيه غلو، وكذا تلميذه الكليني يحشو كتابه بروايات التحريف ثم يقول: كل ما فيه صحيح عندي. ثم يأتي ابن بابويه فيقول: من نسب إلى الشيعة مثل هذا القول فهو كاذب. فيأتي تلميذه المفيد فيقول: باستفاضة الروايات (أي كثرتها). فيرد عليه تلميذه المرتضى يقول: هذه الروايات لا يعتد بها. ويوافقه على هذا الطوسي. ثم يأتي الطبرسي صاحب التفسير وينكر القول بالتحريف. بينما يثبته معاصره الطبرسي الآخر صاحب كتاب الاحتجاج، وتأتي الدولة الصفوية فيعلن كثير من كبارها كالمجلسي، والجزائري، والفتوني العاملي، ويوسف البحراني، والمازندراني هذا الكفر بل ويزعم بعضهم أنه من ضروريات المذهب. ويزعم آخرون أنه إجماع الشيعة حتى جاء كبيرهم النوري الطبرسي وألقاها كالقنبلة بجمع الكفر الذي تناثر في كتبهم في كتاب واحد وسماه فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب. ثم جاءنا المعاصرون الآن كالأميني والتيجاني وجعفر النجفي والموسوي عبد الحسين ومغنية والآصفي فأنكروا أن يكون أحد من الشيعة قال بالتحريف. فمن نصدق؟ مع هذا التناقض والتضارب بين أقوالهم. هل يريدون أن يظهروا للناس بوجهين؟ هل هي تقية؟ هل يراعون الظروف والمناسبات؟ هل هناك كتب للخاصة وكتب للعامة وأهل السنة؟ هل هناك اختلاف حقيقي بين علمائهم؟ إذا كان الكذب يمكن أن يكون متواتراً عندهم كما زعموا في تحريف القرآن فلا ثقة بسائر أخبارهم، وهذا ما صرّح به البحراني. إن الأمر كما قلت: عجيب جداً.
إن مئات الروايات عن المعصومين تثبت أن الشيعة يقولوا بالتحريف، وإن القول بأن أسانيد هذه الروايات ضعيفة لا يمكن أن يقبل لأمور منها:
أولاً: عدم اعتبار الشيعة للأسانيد، وعلم الرجال عندهم مضطرب جداً.
ثانياً: روايات التحريف متواترة عندهم أو قريبة من التواتر، وما كان حاله كذلك لا ينظر إلى سنده.
ثالثاً: هناك من علماء الشيعة من صحح أسانيد روايات التحريف.
رابعاً: يلزم من رد الروايات الكثيرة في التحريف التي بلغت قريباً من ألفي رواية يلزمه أن يرد روايات الإمامة وروايات الرجعة والبداء والعصمة لأنه كما قال شيخهم العلامة يوسف البحراني: لو تطرق الطعن إلى هذه الأخبار (أي أخبار التحريف) على كثرتها وانتشارها لأمكن الطعن إلى أخبار الشريعة كما لا يخفى. إذ الأصول واحدة وكذا الطرق والرواة والمشايخ والنقلة.
إن روايات التحريف التي عند الشيعة منقولة عن الأئمة الاثني عشر الذين يعتقدون عصمتهم بينما كل من ينقلون عنه عدم التحريف هم العلماء لا من الأئمة. لا ينقلون عن الأئمة ولا رواية واحدة تقول بعدم التحريف بل ينقلون ألفي رواية عن الأئمة تقول بالتحريف،والذين ينقلون عنهم القول بعدم التحريف هم علماء يصيبون ويخطؤن غير معصومين أما المعصومون عندهم فنقلوا عنهم القول بالتحريف، فيلزم الشيعة الأخذ بكلام المعصومين دون كلام غيرهم.
قال نعمة الله الجزائري: إن الأخبار الدالة على التحريف تزيد على ألفي حديث، ثم قال: إنه لم يقف على حديث واحد يشعر بخلاف ذلك.
قال يوسف البحراني: على أن هذه الأخبار لا معارض لها كما عرفت سوى مجرد الدعوى العارية عن الدليل، لا يخرج عن مجرد القيل والقال.
وهنا يأتي سؤال: لماذا قال علماء الشيعة بالتحريف (أي الذين صرحوا بالتحريف)؟ والذين اتقوا (أي قالوا بالتحريف ونفوه تقية) لماذا قالوا بالتحريف؟
1- روت كتب الشيعة روايات كثيرة جداً عن الأئمة حتى وصلوا بالإمامة إلى مكانة فوق مكانة الصلاة والزكاة والحج والصوم، ولما لم يلق هذا الكلام قبولاً عند كثير من الناس، خاصة وأنهم لا يجدون ولا آية واحدة تنص على الإمامة في مقابل الآيات الكثيرة التي ذكرت الصلاة والزكاة وغيرهما. وذلك أن الصلاة ذكرت في القرآن قريباً من مائة مرة، والزكاة ذكرت أكثر من ثلاثين مرة، بينما الولاية لم تذكر ولا مرة واحدة. فكانت هذه محاولة لإقناع الأتباع بصحة المذهب بعد أن ضجوا من خلو كتاب الله من ذكر أئمتهم وعقائدهم.
وهذه بعض الروايات في الإمامة:
عن محمد بن علي الباقر قال: بني الإسلام على خمس على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية ولم ينادى بشيء كما نودي بالولاية.
وعن أبي عبدالله قال: إن الله قد افترض على أمة محمد خمس فرائض الصلاة والزكاة والصيام والحج وولايتنا فرخص لهم في أشياء من الفرائض الأربع ولم يرخص لأحد في واحدة (أي الولاية).
وعن أبي عبدالله قال: أثافي (الأحجار التي توضع تحت القدر) الإسلام ثلاثة: الصلاة والزكاة والولاية.
وعن أبي جعفر قال: بني الإسلام على خمسة أشياء على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية، قال زرارة: قلت: وأي شيء من ذلك أفضل قال: الولاية أفضل.
وعن علي بن أبي طالب قال: لو أن عبداً عبد الله ألف سنة لا يقبل الله منه حتى يعرف ولايتنا أهل البيت، ولو أن عبداً عبد الله ألف سنة وجاء بعمل اثنين وسبعين نبياً ما يقبل الله منه حتى يعرف ولايتنا أهل البيت وإلا أكبّه الله على منخريه في نار جهنم.
2- ثناء الله على صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أن ثناء الله على الصحابة أثار حفيظة الشيعة، وهم يعلنون الليل والنهار لشيعتهم أن هؤلاء الصحابة منافقون متسترون بالإسلام فلم يكن من بد للخروج من هذه المعضلة إلا باللجوء إلى هذا الكفر ألا وهو القول بتحريف القرآن. قال الله تبارك وتعالى:" لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى"، وقال جلّ ذكره:" لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً" وكانوا قريباً من ألف وخمسمائة والشيعة يقولون ارتدوا كلهم إلا ثلاثة. وقوله تعالى:" محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضوان سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيما"، وقال جل ذكره:" للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضوان وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون والذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون".
كل هذا الثناء من الله على الصحابة ثم يأتي أولئك القوم فيقولون: هم كفار، ومنافقون، ومرتدون. ماذا عن القرآن؟ قالوا: محرّف، زيد فيه نقص منه كل المثالب التي طعن عليهم بها أزالوها من القرآن، كل المدح الذي تجدونه في القرآن إنما مما أضافوها.
3- عدم تعرض القرآن الكريم لذكر أسماء الأئمة وفضائلهم ومعجزاتهم، دفع علماء الشيعة الذين رووا في كتبهم معجزات للأئمة تفوق معجزات كثير من الأنبياء، كل هذا دفعهم إلى القول بتحريف القرآن، إذ لا يعقل أن لا يتطرق القرآن لبيان مثل هذا الأمر المهم، مما جاء في كتبهم عن أئمتهم قال الخميني: فإن للإمام مقاماً محموداً ودرجة سامية وخلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاماً محموداً لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل.
وأما مروياتهم في ذلك:
أولاً: ما رواه الكليني في كتابه قال: للإمام عشر علامات: يولد مطهراً مختونا، وإذا وقع على الأرض وقع على راحته (أي على يديه) رافعاً صوته بالشهادتين، لا يجنب، تنام عينه ولا ينام قلبه، لا يتثاءب، لا يتمطى، يرى من خلفه كما يرى من أمامه، نجوه (أي البراز) كرائحة المسك، والأرض موكلة بستره وابتلاعه، وإذا لبس درع رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت عليه وفقاً، وإذا لبسها غيرهم من الناس طويلهم وقصيرهم زادت عليه شبرا، وهو محدّث إلى أن تنقضي أيامه.
وقد بوب الكليني والمجلسي في كتابيهما أبواباً تغنينا عناوينها عن ذكر ما تحويه من الروايات، أما الكافي فمن أبوابه:
باب: الأئمة هم أركان الأرض.
باب: الأئمة عندهم جميع الكتب التي نزلت من عند الله.
باب: يعلمون جميع العلوم التي خرجت إلى الملائكة والأنبياء والمرسلين.
باب: يعلمون علم ما كان وما يكون وأنه لا يخفى عليهم شيء.
أما بحار الأنوار:
باب: يعلمون جميع الألسن واللغات ويتكلمون بها.
باب: أعلم من الأنبياء.
باب: تفضيلهم على الأنبياء وأن أولي العزم إنما صاروا أولي العزم بحبهم.
باب: يقدرون على أحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص وجميع معجزات الأنبياء.
بعض الشيعة يعتذر للقائلين بالتحريف يقولون إن التحريف في التفسير وليس في القرآن، أي أن الصحابة حرفوا في التفسير.
قلت: وهذا القول باطل لأمور منها:
بعض الروايات لا تحتمل، وذلك لصراحتها وقد مر ذكر بعضها.
نص كثير من علماء الشيعة على القول بالتحريف بل ادعى بعضهم الإجماع وادعى آخرون أنه من ضروريات المذهب.
لو كان التحريف إنما هو في التفسير لما كانت هذه الضجة، لأن التفاسير تخضع لميول البشر واتجاهاتهم.
تحريف الشيعة في التفسير أمر متفق عليه عندهم كما مر في الكلام عن تلاعبهم في تفسير القرآن.
رواية أن القرآن الذي نزل على محمد سبعة عشر ألف آية لا تحتمل هذا، قد صححها علماؤهم كالمجلسي والكليني وغيرهما.
ادعاء بعض علماء الشيعة نقص سور بأكملها يأبى هذا التأويل، كما زعم النوري والمجلسي وغيرهما نقص سورتي النورين والولاية.
لاشك أن بعض علماء السنة كالشيخ إحسان الظهير رحمه الله تعالى وغيره قالوا: إن جميع علماء الشيعة يقولون بالتحريف، ما الذي دفع علماء السنة إلى هذا الزعم؟ لقد ذكرنا قبل قليل أن بعض علماء الشيعة تبرأ من هذا فكيف وقع بعض علماء السنة في هذا وزعم أن جميع الشيعة يقولون بالتحريف؟
لاشك أن هناك أسباباً منها:
ثناء علماء الشيعة على من قال بالتحريف، كما نقلنا قولهم في النوري الطبرسي، فمن أراد أن يرجع إلى تراجمهم فليرجع إلى كتاب الشيعة الاثنا عشرية وتحريف القرآن لعبد الرحمن السيف.
تمييع الشيعة للمسألة.
وجود التقية، وهي معروفة عند الشيعة وكما يقولون هي تسعة أعشار الدين، ولا دين لمن لا تقية له.
علماء الشيعة القائلون بالتحريف مثل الجزائري، النوري الطبرسي، عدنان البحراني، المجلسي كل هؤلاء قالوا علماء الشيعة الذين قالوا بعدم التحريف قالوه تقية، هم اتهموا بعضهم بهذا.
وُجدت روايات التحريف في كتب المنكرين، كما مر قبل قليل.
نقل بعض علماء الشيعة الإجماع والاتفاق بل وبعضهم نقل أنه من ضروريات المذهب، أي لا يمكن أن يكون شيعياً حتى يقول بالتحريف.
عدم صراحة الشيعة المنكرين عند مناقشة هذه القضية، ولقد ذكرنا كلام الأميني والتيجاني وجعفر النجفي وغيرهم من الشيعة وهم غير واضحين، عندما يأتي ويتكلم في هذه القضية يقول: لم يقل أحد بهذا، فأنتم تكذبون علينا ما قلنا بالتحريف ولا شيعي قال بالتحريف فلماذا هذا اللف والدوران؟ كن صريحاً، قل فلان وفلان قالوا بالتحريف وهم كفار وليسوا منا ولا نحن منهم وانتهى الأمر.
كذلك إقدام المنكرين للتحريف على طبع كتب القائلين بالتحريف ونشرها بل والتقديم لها.
يلزم جميع الشيعة أن يقولوا بالتحريف اتباعاً للأئمة المعصومين وبالتالي يخرجون من الإسلام، أو يجب عليهم أن يتركوا التشيع الذي يشيع هذا الباطل.
مع ملاحظة أن هذا كله مكذوب على الأئمة الاثني عشر رحمهم الله وهم بريؤون من هذه الروايات كبراءة الذئب من دم يوسف عليه السلام.
شبهات للشيعة على أهل السنة:
قال الشيعة الإثنا عشرية:
السنة يقولون بالتحريف، بدليل أن السنة يقولون بنسخ التلاوة، ونسخ التلاوة تحريف.
السنة يقولون بالقراءات، والقراءات معناها تحريف، لأن الشيعة لا يعترفون بالقراءات يقولون إنه واحد نزل من عند واحد.
اختلاف السنة بالبسملة، دليل على أنها من المحرّف.
قول السنة آمين في الصلاة، هذه زادوها في كتاب الله تبارك وتعالى.
إن علماء الشيعة المعاصرين، لما لم يجدوا مخرجاً من الفضيحة الكبرى التي هزت أركان مذهبهم بل هدّتها، ألا وهي القول بتحريف القرآن الكريم، لجأوا إلى اتهام أهل السنة بالتحريف، وذلك لأن أهل السنة يقولون بنسخ التلاوة، واجتهد الشيعة في ترويج هذا الباطل، وركبوا فيه أخشن المراكب.
أولاً: ما النسخ؟ النسخ في اللغة يأتي على معنيين:
1-1) إما إزالة الشيء كما قال الله تبارك وتعالى:" وما أرسلنا من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته"، فهنا ينسخ أي يزيل. ومنه قولهم: نسخت الشمس الظل أي أزالته.
1-2) والمعنى الآخر للنسخ في اللغة: نقل الشيء، قال الله تبارك وتعالى:" إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون"، أي ننقله. ومن قولك نسخت الكتاب أي نقلته.
النسخ لا يتناول العقائد، ولا الأخبار، وإنما يتناول النسخ الأحكام فقط.
قال الخوئي: إن القول بنسخ التلاوة هو بعينه القول بالتحريف، والإسقاط، إن القول بالتحريف هو مذهب أكثر علماء أهل السنة، لأنهم يقولون بجواز نسخ التلاوة. هكذا يلبسون على الناس، وصار الآن كثير من الشيعة يلهجون بهذا الكلام، ولاشك أن هذا الكلام باطل من وجوه:
إن نسخ التلاوة ثابت بالكتاب والسنة كما سيأتي تفصيله.
نسخ التلاوة ثابت في الكتب السماوية الأخرى كالتوراة والإنجيل، فأين التوراة؟ وأين الإنجيل؟ نسخت أحكامها وتلاوتها.
جلّ علماء الشيعة الذين أنكروا التحريف، والذي يتظاهر أكثر الشيعة باتباعهم، يقولون بنسخ التلاوة وهم المرتضى، والطبرسي، والطوسي. فعلى القول بأن نسخ التلاوة تحريف، فجميع الشيعة يقولون بالتحريف.
وهذه نقطة مهمة، وشهادة لا نعتز بها، شهادة علماء الشيعة للسنة بأنهم لا يقولون بالتحريف، ولكن شهادة ترد عليهم. قال المفيد الذي زعم بعضهم أنه آية الله وركن الإسلام: اتفقوا (أي الإمامية) على إن أئمة الضلال، خالفوا في كثير من تأليف القرآن، وعدلوا فيه عن موجب التنزيل وسنة النبي، وأجمعت المعتزلة، والخوارج، والزيدية، والمرجئة، وأصحاب الحديث على خلاف الإمامية. وهذه شهادة من هذا المفيد أن السنة لا يقولون بالتحريف.
وهذا التيجاني نقل عن الخوئي أنه قال: فالمسلمون أخوة، سواء كانوا شيعة أو سنة، فهم يعبدون الله وحده، ولا يشركون به شيئاً، وقرآنهم واحد ونبيهم واحد. هنا برأ الخوئي أهل السنة من القول بالتحريف مع أنهم جميعاً يقولون بنسخ التلاوة، وهو الذي قال: قيل ذلك إن النسخ تحريف. فهل قال هذا تقية؟ أو التيجاني كذب عليه؟ لا يهم، علم لا ينفع وجهل لا يضر.
وهذا كذلك محمد عبد الحفيظ قال: إنما يعرف بالمذهب الجعفري، أو المذهب المالكي، أوالشافعي والحنبلي والإباظي والزيدي والحنفي بالإضافة إلى المذاهب البائدة كمذهب الأوزاعي والجريري (أي ابن جرير الطبري) والظاهري وغيرهم، وهذه المذاهب تتفق على الكعبة هي القبلة، والقرآن هو الدستور، وهو المنزل من الله على نبيه دون نقص أو زيادة وهو الموجود بين أيدي الناس بلا زيادة ولا نقصان.
قلت: وشهد شاهد من أهلها.
أهل السنة أي علماءهم يصرحون بلا تردد بأن من قال: بتحريف القرآن ولو بتغيير حرف أنه كافر ولا يترددون في هذا أبداً، ولا تجد نقلاً واحداً عن عالم معتبر من علماء أهل السنة يقول: القرآن محرّف. كما يصرح بهذا مئات العلماء من الشيعة.
قد يقول قائل: الأميني، يقول: ولا شيعي قال بالتحريف، ولا ثرثار ولا عالم ولا قروي ولا طالب علم، وأنت الآن تقول ولا سني قال بالتحريف فصار كلامك ككلامه.
قلت: لا، نحن أثبتنا أن كلامه باطل، بنقلنا عن علمائهم فليثبتوا أن كلامي باطل بنقلهم عن علمائنا.
أما الأدلة على نسخ التلاوة:
قول الله تبارك وتعالى:" ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير".
وقوله تعالى:" وإذا بدلنا آية مكان آية".
وقوله تعالى:" يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب".
وقوله تعالى:" ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك".
قلت: آيات صريحة بأن الله تعالى يبدل ما شاء جلّ وعلا.
والنسخ له ثلاثة أحوال:
نسخ للحكم
نسخ للتلاوة
نسخ للتلاوة والحكم
الشيعة يوافقوننا على جواز نسخ الحكم، حتى الذين يقولون بالتحريف، ولكن ينكرون نسخ التلاوة، ويزعمون أن أهل السنة يقولون بالتحريف لأنهم يقولون بنسخ التلاوة. ولاشك أن هذا تحكم، فالله تعالى يقول:" ما ننسخ من آية أو ننسها"، كما قال:" وإذا بدلنا آية مكان آية" فيقولون هذا الحكم دون التلاوة فهذا تحكم. ما الذي جعله في الحكم دون التلاوة؟ لو جاء شخص وقال: فهو في التلاوة دون الحكم، فهذا تحكم أيضاً. ولذلك قال الجصاص: إن عموم اللفظ يقتضي الأمرين (أي الحكم والتلاوة)، ومن حمله على أحد الوجهين دون الآخر بغير دليل فهو متحكم وقائل بغير علم.
من قال بنسخ التلاوة من علماء الشيعة؟
النوري الطبرسي: اعلم أنهم اختلفوا في نسخ التلاوة (أي الشيعة)، فالمنقول عن جمهور الأصوليين هو الجواز (أي جواز نسخ التلاوة)، بل في نهاية العلاّمة ذهب إليه أكثر العلماء، ونسب الخلاف إلى شاذ من المعتزلة.
أبو علي الطبرسي صاحب التفسير(الذي ينكر التحريف) قال: النسخ في القرآن على ضروب منها ما يرتفع اللفظ ويثبت الحكم كآية الرجم.
أبو جعفر الطوسي (الذي ينكر التحريف) قال: النسخ في القرآن من أقسام ثلاثة منها ما نسخ لفظه دون حكمه كآية الرجم وهي قوله:" والشيخ والشيخة إذا زنيا". وقال كذلك: فصل في جواز نسخ الحكم دون التلاوة، ونسخ التلاوة دون الحكم، جميع ما ذكرناه، جائز دخول النسخ فيه.
العتائقي الحلّي قال: المنسوخ على ثلاث (هكذا مكتوبة ثلاث بدلاً من ثلاثة) ضروب منها ما نسخ خطه وبقي حكمه، فما روي من قوله:" والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة".
الفيض الكاشاني قال:" ما ننسخ من آية" بأن نرفع حكمها "أو ننسها" بأن نرفع رسمها.
العلاّمة المحقق الثاني: قال النوري: وذهب العلامة في النهاية والمحقق الثاني في جامع المقاصد، وصاحب القوانين إلى الوقوع (أي نسخ التلاوة) وهو ظاهر بعض الفقهاء. وقال النوري كذلك: وقال العلامة في النهاية في مقام إثبات نسخ التلاوة، لنا العقل والنقل، أما العقل فلأن التلاوة حكم شرعي، وأما النقل في ما ورد من نسخ التلاوة خاصة فما روي من قوله سبحانه:" والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة"، وأما نسخهما (أي الحكم والتلاوة) فما روي أن سورة الأحزاب كانت تعدل البقرة.
المرتضى (الذي ينكر التحريف والوحيد الذي لم يثبت عنه) قال: فصل في جواز نسخ الحكم دون التلاوة، ونسخ التلاوة دونه.
محمد جواد مغنيه قال في قوله تعالى:" ما ننسخ من آية" أي نزيلها "أو ننسها" نمحو حفظها من القلوب.
أمثلة من الآيات المنسوخة تلاوتها:
آية الرجم، لقوله تعالى أو ما ذكر فيها:" والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة"، هذه أولاً قراءة آحادية شاذة، لم تثبت قرآناً، وهذه ذكرها الكليني، وقال المحقق هي من منسوخ التلاوة، وذكرها الطوسي شيخ الطائفة وضربها مثالاً لنسخ التلاوة، وذكرها العتائقي الحلّي أيضاً.
آية "لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم" ذكرها الطبرسي والطوسي مثالاً لنسخ التلاوة.
سورة الأحزاب، ذكرها الطبرسي والطوسي مثالاً لنسخ التلاوة.
ثانياً: أما إنكار بعض علماء الشيعة للقراءات، كقراءة ورش، وقالون، والدوري، فهذه لا يسعنى أن أقول إلا إنهم يهرفون بما لا يعرفون، ويقولون ما لا يعلمون. وهذا من أبطل الباطل، ومن الضلال المبين، فإن القراءات السبع ثابتة ومتواترة من طرقنا نحن أيضاً، وإلا طرقهم فلا يستطيعون أن يثبتوا القرآن ولو من طريق واحد، والمصاحف المتداولة الآن مصحف حفص في الخليج والجزيرة، ورش في المغرب وتونس، قالون في الجزائر وليبيا الدوري متداولة في تشاد. فهذه القراءات ثابتة ومتواترة ومصاحفها موجودة، إلا أن يقولوا إن أهل الجزائر والمغرب العربي عموماً الذين يقرءون لقالون وورش قرآنهم محرّف، فهذه طامة كبرى تعود عليهم بالخروج من دين الله تبارك وتعالى.
وقد بوب الصدوق باب نزل القرآن على سبعة أحرف.
ثالثاً: البسملة، لا خلاف بين أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم في بداية قراءته لبعض سور القرآن، ولكن الخلاف الذي وقع بينهم هل قرأها النبي صلى الله عليه وسلم على أنها آية من القرآن أو قرأها للتبرك أو وضعت في المصحف للفصل بين السور؟
قال الشوكاني: واعلم أن الأمة أجمعت أنه لا يكفر من أثبتها ولا من نفاها لاختلاف العلماء فيها بخلاف ما لو نفى حرفاً مجمعاً عليه وأثبت ما لم يقل به أحد، فإنه يكفر بالإجماع. ولا خلاف في إثباتها خطاً في أوائل السور في المصحف إلا في أول سورة براءة.
والشيعة ينكرون على أهل السنة فيقولون لماذا لا تقولون بسم الله الرحمن الرحيم؟ وقد أتيتم بآمين وقلتموها جهراً وهي ليست من القرآن. للرد على ذلك:
أنتم أيضاً حذفتم البسملة، فهذا محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبدالله عن الرجل يكون إماماً يستفتح بالحمد ولا يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، قال: لا يضره ولا بأس عليه.
وعن مسمع البصري قال: صليت مع أبي عبدالله عليه السلام فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، ثم قرأ السورة التي بعد الحمد ولم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قام في الثانية وقرأ الحمد ولم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم.
وعن محمد بن علي الحلبي أن أبا عبدالله سئل عن من يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم حين يريد يقرأ فاتحة الكتاب، قال: نعم، إن شاء سراً وإن شاء جهراً، فقيل: أفيقرأها مع سورة أخرى قال: لا.
وقال الحر العاملي: ذكر الشيخ (أي الطوسي) وغيره أن هذه الأحاديث محمولة على التقية.
قلت: وانتهت المشكلة، وهكذا كالعادة إسناد ضعيف، أو تقية، وهذا لاشك من أبطل الباطل. لماذا؟ لأن التقية لا تجوز في البسملة عندهم. عن جعفر بن محمد قال: التقية ديني ودين آبائي إلا في ثلاثة: في شرب المسكر، وفي مسح الخفين، وفي ترك الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم.
والصحيح في كلمة بسم الله الرحمن الرحيم أنها وقع الاختلاف فيها بسبب اختلاف القراءات ففي قراءة حفص عن عاصم جعلت في البسملة آية رقم (1)، وفي قراءة قالون عن نافع جعلت الحمد لله رب العالمين آية رقم (1) ومن جعل الحمد لله رب العالمين آية رقم (1) جعل صراط الذين أنعمت عليهم آية رقم (6) وغير المغضوب عليهم ولا الضالين آية رقم (7).
رابعاً: أما كلمة آمين، فكلمة آمين معناها اللهم استجب، ولم يقل أحد من أهل العلم إنها من القرآن الكريم، فهي من سنن الصلاة وليس من الفاتحة، كالتكبير. ولذلك ولو قرأ الإنسان القرآن فإنه لا يقول آمين بعد قراءة الفاتحة، ولكن لما تضمنت الفاتحة بعض الآيات التي فيها الدعاء وهي قوله:" اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضآلين" ناسب أن يقول آمين لمعناها اللهم استجب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول آمين.
وأخيراً نقول: لماذا الكذب؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً.
وإن صاحب الدعوة الصحيحة لا يكذب، وإن صاحب الباطل لا يصدق، فيحيا من حي عن بينة، ويهلك من هلك عن بينة.
والصدق يألفه الكريم المرتجى،،، والكذب يألفه الدنيء الأخيب
وأخيراً نقول: تعالوا إلى كلمة سواء، إن خلافنا مع الشيعة ليس في أمور فقهية فقط، كما يدعي بعض الجهلة، بقوله : إن الفرق بين الشيعة والسنة كالفرق بين المذاهب الأربعة عند السنة. إن خلافنا مع الشيعة في أس الإسلام وأصله في القرآن الكريم أولاً، ثم تأتي بعد ذلك مسائل عقائدية كثيرة كالقول بالرجعة، والبداء، وتكفير جل الصحابة، واتهام أهل السنة بأنهم أولاد زنا، والطلب من الأموات، والغلو في أهل البيت، وعبادة القبور، وغير ذلك كثير ليس هذا مجال حصره. إن أهل السنة اليوم يطالبون الشيعة بوقفة جريئة شجاعة ضد هؤلاء الذين يطعنون بكتاب ربهم، وأن يعلنوا البراءة منهم، وأن يعلنوا كفرهم، والبراءة من إفكهم على كتاب الله تبارك وتعالى.
وأخيراً نقول لإخواننا الشيعة الذين لم ينزلقوا في هذا المنزلق الخطير، نقول لهم ما قاله الله تبارك وتعالى لأهل الكتاب، وهم على كفرهم نقوله نحن للشيعة وهم على إسلامهم (أعني الذين لم يقولوا بالتحريف) تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون.. والله أعلى وأعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق