الجمعة، 26 يونيو 2015

«مجلس الإفتاء الأعلى» السوري يدعو إلى «الجهاد» مع نظام الأسد

«مجلس الإفتاء الأعلى» السوري يدعو إلى «الجهاد» مع نظام الأسد

اعتبر الوقوف بوجه الجيش «خيانة»


المفتي حسون
القاهرة: أدهم سيف الدين بيروت: «الشرق الأوسط» 
أثارت الفتوى التي أصدرها مجلس الإفتاء الأعلى في سوريا حول الدعوة للجهاد إلى جانب قوات نظام الرئيس بشار الأسد ردود فعل مستهجنة في أوساط المعارضين والمؤيدين على حد سواء. وفي سابقة لمجلس الإفتاء الأعلى، في جمهورية تعتبر علمانية، أصدر المجلس فتوى تعتبر الدفاع عن «سوريا الموحدة وعن الشعب السوري فرض عين على جميع أبناء الشعب السوري كما هو فرض عين على جميع الدول العربية والإسلامية»، كما حذر المجلس الإفتاء في بيان صدر مساء أول من أمس وبث عبر وسائل الإعلام الرسمية «من أن الوقوف في وجه جيشنا العربي السوري وقواتنا المسلحة.. خيانة ومساهمة في إضعاف قوته التي أعدت ولا تزال للمعركة الفاصلة ضد الصهاينة ومن يقف وراءهم».
وأثارت هذه الفتوى عاصفة من التعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي اتسمت غالبيتها بالسخرية من «نظام يدعي أنه علماني ثم يلجأ إلى مجلس الإفتاء لإصدار فتوى جهادية»، ومنهم «من تساءل عما إذا كان الالتحاق بالجهاد يستلزم الوضوء أولا». إلا أن رجل دين دمشقيا رفض الإفصاح عن اسمه وصف الفتوى بالمهزلة، لافتا إلى أنه تم التمهيد لها من قبل الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي إمام الجامع الأموي في خطبة يوم الجمعة الماضي، حين حض أبناء الشعب السوري على الالتحاق بالقوات المسلحة للدفاع عن سوريا.

ولفت رجل الدين إلى أن «فريضة الجهاد فرض عين في سبيل الله وفي سبيل الله فقط ولإعلاء كلمة الله وراية لا إله إلا الله، أما الدفاع عن الوطن فواجب مقدس وليس فريضة»، وأضاف: «فما بالنا بشبيحة النظام الذين يستبيحون حرمات بيوت الله ومدفعيات تدك المآذن والمساجد وتسب الصحابة وتكفر بالله داخل بيوت الله؟».

واعتبر ناشطون الفتوى الموجهة إلى السوريين والمسلمين عموما «تغطية لتبرير إدخال قوات إيرانية وعراقية لتقاتل إلى جانب قوات النظام»، بينما قالت مصادر إن «هناك معلومات عن نية النظام استقدام جنود من إيران، وقد أكد ذلك النائب اللبناني وئام وهاب في مقابلة له على قناة (المنار) التابعة لحزب الله مؤخرا، حيث أعلن عن استقدام نحو 500 ألف جندي احتياطي من طهران إلى سوريا»، بالتزامن مع حديث أمين عام حزب الله حسن نصر الله عن «مقتل عناصر تابعين له في مهمات جهادية داخل سوريا، ولم ينكر مشاركة الحزب في المعارك بريف حمص بزعم حماية سكان لبنانيين شيعة يسكنون في قرى على الأراضي السورية»، ناهيك بتشكيل كتائب أبو الفضل العباس في منطقة السيدة زينب من جهاديين شيعة إيرانيين ولبنانيين مهمتهم حماية مقام السيدة زينب والثأر للحسين.

ويشار إلى أنه في الجيش العربي السوري الذي هو جيش عقائدي علماني كان يمنع منعا باتا أي مظهر ديني، لا سيما المظاهر الإسلامية كإطلاق اللحى أو الصلاة أو حتى النطق بالشهادة، وزاد ذلك بعد أحداث مجزرة حماه في الثمانينات، كما تم منع ارتداء الحجاب في المدارس وكل مظاهر التدين في مؤسسات الدولة.

وفي غضون ذلك، اعتبر الشيخ عبد الجليل السعيد، المدير الإعلامي السابق لمكتب مفتي سوريا أحمد بدر الدين حسون، وأول رجل دين ينشق عن النظام السوري، خلال اتصال مع «الشرق الأوسط» أن هذه الفتوى هي الورقة الأخيرة التي تستخدمها النظام السوري الآيل إلى السقوط، متهما «مجلس الإفتاء الأعلى بأنه هيئة مخابرات تتبع للتوجيه السياسي».

وقال السعيد: «كان الأجدى بالمجلس أن يوجه فتواه ضد النظام الذي قصف المساجد واعتقل الأئمة والمشايخ وأهان رموز المسلمين وكراماتهم»، مشيرا إلى أن «المجلس لم ينعقد منذ مدة طويلة»، مبديا استغرابه «من سرعة انعقاده في هذا الوقت لإصدار فتوى تدعم نظام الأسد».

وبحسب عضو المجلس الوطني السوري وأستاذ الشريعة الإسلامية، عماد الدين الرشيد، فإن «مجلس الإفتاء الأعلى الذي من المفترض أن يبت بقضايا الأمة ويعطي رأيا إسلاميا فيها، كان قبل عهد (حزب) البعث هيئة مستقلة لها خصوصيتها وكذلك منصب المفتي كان يعتبر موازيا لرئيس الوزراء، لكن مع وصول (البعث) إلى السلطة تحول مجلس الإفتاء إلى هيئة تقدم الخدمات لآل الأسد»، ويؤكد الرشيد لـ«الشرق الأوسط» أن مجيء النظام الحالي في السبعينات حد من نفوذ المؤسسة الدينية السنية وأعطى صلاحيات لوزير الأوقاف المعين من قبله، ليصبح هو الآمر الناهي في شؤون الدين يعين المفتين في المحافظات ويتمسك بقرار المؤسسة». ويضيف: «لقد أفرغ النظام السوري المرجعية الدينية الأولى في البلاد من محتواها وصلاحياتها وسخرها لخدمة أهدافه السياسية فصار الخطباء على منابر المساجد يقومون بالدعاء لرئيس البلاد أكثر مما يدعون لله».

وفي حين يشير عماد الدين الرشيد إلى أن مشايخ الصف الثاني في المؤسسة الدينية انضموا بمعظمهم إلى الثورة السورية وساهموا بإشعال المظاهرات ورعايتها، إضافة إلى تقديم الدعم والمعونات الإغاثية»، يؤكد السعيد أن «رجال الدين المنشقين عن النظام بدأوا بتنظيم صفوفهم من خلال تشكيل رابطة علماء الشام ورابطة العمل الإسلامي وهيئة الشام الإسلامية، إضافة إلى هيئة العلماء الأحرار»، مشيرا إلى أن «ما يعيق توحيد جهود هذه التشكيلات تعدد الأجندات المناطقية وضعف التمويل».

وبحسب مصادر دينية منشقة فإن «النظام السوري يمسك بقرار المؤسسة الدينية الرسمية عبر مفتي الجمهورية الشيخ أحمد بدر الدين حسون، إلى جانب وزير الأوقاف عبد الستار السيد، إضافة إلى الشيخ محمد رمضان البوطي والشيخ حسام الدين فرفور والشيخ بشير عبد الباري ونحو ثمانية مشايخ آخرين مقربين جدا من السلطة».

مع العلم أن «مجلس الإفتاء الأعلى» يتألف من مجموعة من المفتين المؤيدين للنظام ويتبع للحكومة السورية ممثلة بوزارة الأوقاف برئاسة المفتي حسون.

وأصبح حسون مفتيا لسوريا بعد وفاة المفتي العام السابق أحمد كفتارو عام 2004، بدعم من مستشار رئيس الجمهورية للشؤون السياسية وعضو القيادية القطرية، هيثم صفايحي «بسبب ولائه الشديد للسلطة»، حسب مصادر مطلعة.

وبحسب المصادر فإن «ولاء المفتي حسون للنظام في سوريا يرتبط بمصالح اقتصادية، فهو يشرف على جمعيات خيرية مثل «جمعية رفع المستوى الصحي والاجتماعي»، وهي مرخصة من قبل النظام، ومصدر مهم من مصادر الدخل لما يأتيها من تبرعات مالية هائلة من إيران ومن الداخل والخارج، وكذلك يشرف على «الجمعية الخيرية للأيتام».

ولعب حسون بحسب المصادر نفسها «دورا سلبيا خلال «الثورة» السورية، فإنه، وإضافة إلى مواقفه المساندة للرئيس الأسد، قام بالإشراف شخصيا على التحقيقات التي جرت مع المنشقين من المؤسسة الدينية، إضافة إلى اعتقال 18 إماما وخطيبا معارضا من حلب بتوجيه مباشر منه.

ويشير المؤرخ الديني السوري عادل قابنجي لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الأنظمة السياسية التي تعاقبت على الحكم في سوريا لم تبدِ أي رغبة بإخضاع المؤسسة الدينية الرسمية لها إلا بعد وصول البعث إلى السلطة عام 1963، إذ كانت هذه المؤسسة مستقلة وتمارس وظيفتها بشكل شرعي وسلطتها محترمة في المجتمع السوري. ولكن مع وصول «البعث» إلى الحكم كحزب ديكتاتوري شمولي وتعاظم دور أجهزة المخابرات في مفاصل الحياة الاجتماعية بدأ اختراق معظم القطاعات في المؤسسة الدينية السنية، لا سيما طبقة رجال الدين».

إلى ذلك، اعتبر لؤي الصافي عضو المجلس والوطني والائتلاف السوري المعارض فتوى حسون «متأخرة ومخطئة في العنوان»، مضيفا على صفحته الشخصية على موقع «فيس بوك»: «ليطمئن مفتي النظام أن الشعب السوري الحر واعٍ لمسؤولياته الوطنية والأخلاقية والدينية، وأن بيانه جاء متأخرا سنة على الأقل، وأنه أخطأ التوصيف والعنوان».

واستغرب الصافي من «موقف مجلس الإفتاء الأعلى الذي لا ينحاز إلى الشعب السوري الذي يشن النظام ورعاته في طهران وموسكو حربا ظالمة عليه بكل ما أوتى من سلاح وقوة».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق