نشر في : الإثنين 15 يونيو 2015 -
ترجمة راقب – التقرير
منذ استيلاء الجيش على الحكم في يونيو 2013، حظرت الدولة المصرية الاحتجاجات، وحلت الآلاف من المنظمات غير الحكومية، وشددتقبضتها على الصحافة، وكل ذلك باسم مكافحة الإرهاب. ولكن في الخلفية، كان الرئيس عبد الفتاح السيسي يقاتل معركة أكثر دهاءً – معركة من أجل السيطرة على المساجد في مصر. قبل سيطرته على الحكم، تحكمت الدولة المصرية بصورة مباشرة بما يقرب من نصف عدد المساجد في البلاد. وفي وجهة نظر السيسي، كان ذلك النصف غير الخاضع للرقابة الذي سمح بازدهار الإخوان المسلمين – ألد أعدائه – لمدة 90 عاما، وقد آن الأوان للتغيير. لذلك فقد قرر إن مساجد مصر هي لمكان المناسب لبدء القضاء على جماعة الإخوان المسلمين إلى الأبد – ولكن حملته ضد التطرف قد تكون قد أتت بالفعل بنتائج عكسية.
عبد الرحمن، 35 عاما، يملك محل حلاقة للرجال في شارع به سوق مزدحمة بالقرب من وسط القاهرة. لمدة 10 أعوام، كان يذهب إلى مسجد الرحمن المجاور. على الرغم من أنه كان يمكنه أن يمشي مسافة صغيرة إلى أول الشارع ليذهب لمسجد الرحمة الفسيح، والمزين بشكل جيد، لكنه كان يفضل الخطب التي يجرى إلقاءها في المسجد الصغير. قال عبد الرحمن “كان الإمام رجلًا بسيطًا، ولكنه ممتاز، ممتاز حقًا. لكنه اختفى الآن. لا اعرف إلى أين.”
في فبراير الماضي، اختفى الإمام وظهرت لافتة على باب المسجد، تقول:”ستقام صلاة الجمعة الآن في المسجد الكبير. سيتم إغلاق هذا المسجد إلا في أوقات الصلاة اليومية” وعلى الفور، صدر مرسوم عن وزارة الأوقاف المصرية يقضي بأن جميع المساجد التي مساحتها أقل من 80 مترا مربعًا لن يتم السماح لها بالعمل إلا كزاوية للصلاة اليومية: لا خطب، ولا جمع صدقات للفقراء. وبهذا، أُغِلق مسجد الرحمن و27000 مسجدًا آخرًا.
على الرغم من أن هذه القرارات قد دخلت لتوها إلى حيز التنفيذ، كانت الدولة تعمل لتحقيق هذا الهدف لأكثر من سنة. في يناير 2014، أعلنت الحكومة المؤقتة أنها للمرة الأولى منذ عقود، ستبدأ وزارة الأوقاف تطبيق قانون من عهد عبد الناصر يقضي بأنه من غير القانوني لأي إمام غير حاصل على إجازة بأن يخطب، مما أدى إلى فصل 12 ألف إمام. كما قام المسؤولون بتوحيد خطب الجمعة أيضا ، الأمر الذي يتطلب أن يخطب الأئمة في موضوع محدد سلفا كل أسبوع.
قبل ذلك، كان أمام من يطمح في أن يصبح إمامًا عددا من الخيارات عن الكيفية التي يمكن أن يتلقي بها إجازته. يمكنه أن يدرس في جامعة الأزهر العريقة والمرموقة، أو أن يتلقى حلقة دراسية تديرها وزارة الأوقاف ، أو أن يخضع لتدريبات من قبل المنظمات غير الحكومية المرخصة، مثل الجماعة الدينية ذات الشعبية الجمعية الشرعية. كانت وزارة الأوقاف تشرف على هذه المنظمات غير الحكومية ولكن كان يسمح لهم بتدريب أئمتهم كما يحلو لهم.
لكن في مارس، أعلنت وزارة الأوقاف أنه، ابتداء من العام الدراسي القادم، ستدير جميع مراكز التدريب الدينية بنفسها. وستدار جميع امتحانات الإجازة فقط من قبل الوزارة و من الأزهر. وبالتالي تزيد الدولة المصرية من ضم الأزهر إلى شبكتها من الوزارات والإدارات، وهي تلك المؤسسة التي كانت تفخر سابقا باستقلاليتها.
منذ تأسيسه قبل أكثر من 1000 سنة، كان الأزهر الركيزة الأساسية للدراسة الإسلامية المعتدلة، ليس فقط بالنسبة لمصر بل للعالم السني بأسره. ونتيجة لذلك، فقد تنافس كل حاكم المصري بدءًا من محمد علي من أجل السيطرة على المؤسسة ورسالتها. ورغم تمكن الرئيس جمال عبد الناصر من وضع الأزهر تحت مظلة وزارة الأوقاف المصرية في عام 1961، ظل هناك توتر صحي بين الجامعة والدولة حول قدرتها على التعليم والتدريب كما يحلو لها. ولكن منذ الفترة القصيرة التي حكم الإخوان المسلمون البلاد فيها، أصبح الأزهر أكبر حليف للدولة في القضاء على المسارات غير المرغوب فيها للإسلام.
تحت القيادة الجديدة لفضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب، قصر الأزهر تعاليمه إلى حدود مذهب يسمى بالصوفية الأشعرية – وهو مذهب معتدل للإسلام يناسب رؤية النظام الحالي للدولة الإسلامية الحديثة. قال جورج فهمي، وهو باحث في مركز كارنيجي للشرق الأوسط “[قبل ذلك]، لم يفرض الأزهر هوية واحدة لنفسه.” واضاف “هذا ترك الملعب للسلفيين والإخوان المسلمين […] لذا فالطيب الآن يريد أن يجعل الأزهر أكثر تركيزا.” اذا تم تنفيذ ذلك، فإن القانون الذي يقول أن جميع الأئمة يجب تدريبهم من قبل الأزهر أو وزارة الأوقاف سيضمن أن الأزهر سينجح في توحيد مصر تحت هوية أزهرية واحدة، وأن الدولة ستنجح في القضاء على أصوات المعارضة السياسية.
يقول فهمي “تحاول الوزارة الآن فرض السيطرة الكاملة على جميع مراكز التدريب الدينية، ليس مجرد الإشراف، ولكن السيطرة الكاملة.” ويضيف: “لم يكن يجب عليهم أن يجتازوا تلك الاختبارات. كانوا يتلقون التدريب في المنظمات غير الحكومية ثم يجرى توظيفهم لإلقاء الخطب في مساجد المنظمات غير الحكومية. ثم بدأت وزارة الأوقاف في محاولة السيطرة على جميع المساجد وجميع الأئمة وهذا يشمل تكوين الأئمة.”
عندما تدخل هذه القوانين إلى حيز التنفيذ الكامل، فإن الدولة المصرية ستكون لها السيطرة الكاملة على من يسمح له بالدعوة، وعلى أين يسمح لهم بالدعوة، وبما يسمح لهم يقوله. وحيث أنها مركز لتعليم السنة في العالم الإسلامي، سيكون لذلك تداعيات أبعد من حدود مصر. يحدث كل ذلك تحت ذريعة مكافحة التطرف الديني والإرهاب، وهي الحملة والتي حققت للسيسي جوائز كبرى في المجتمع الدولي، بل ويتحدث البعض عنجائزة نوبل السلام. إلا إن ذلك يسمح أيضًا للرئيس بمواصلة خنق جماعة الإخوان المسلمين، منافسه الأخطر.
في حي الكوم الأخضر بالجيزة ، كان مسجد الإيمان البسيط نقطة تجمع المجتمع لمدة 15 عاما قبل أن تغلقه وزارة الأوقاف قبل شهرين.وكان وليد – وهو صاحب متجر في نفس الشارع- يذهب للمسجد منذ يوم تأسيسه، بسبب جوه المجتمعي وخطبه السهلة. في الأيام الأولى لتأسيس المسجد، كان أفراد المجتمع يتبادلون إمامة الصلاة والدعوة وخطب الجمعة، لكنهم في النهاية استقروا على رجل واحد ليكون بمثابة زعيمهم الديني: الشيخ مصطفى. عندما أغلقت وزارة الأوقاف المسجد، منعت أيضا الشيخ مصطفى من الدعوة وحذرته من أنه اذا استمر في القيام بذلك، يمكن القبض عليه. لكن مصطفى رفض الرضوخ. غادر الكوم الأخضر واستأنف الوعظ – سرا – في مسجد في ناحية أخرى من الجيزة لم يتم اغلاقه.
قال وليد “أشعر أن الكنائس الآن تتمتع بحرية أكبر من المساجد.” وأضاف: “رجال الأمن الوطني لا يمكنهم أن يدخلوا إلى كنائس، ولكن يمكنهم الذهاب إلى أي مسجد واعتقال الناس.” إنه يحضر الآن صلاة الجمعة في مسجد التوحيد والنور على بعد بضعة مبان. وهناك، يجلس على حصيرة في الخارج ويستمع إلى الخطبة عبر مكبر للصوت. وقال إن أعضاء مجتمعه يشعرون وكأن شيئًا قد سلب منهم. وقال وليد:”يشعر الناس بأن حقهم في التعبير الديني قد تم تقييده.” وأضاف: “تحت حكم السيسي، أصبح مقيدًأ أكثر من أي وقت مضى.”
وقال عمرو عزت من المبادرة المصرية للحقوق الشخصية إنه برغم أن القوانين التي تحكم الدين في مصر لم تتغير منذ عقود، كان هناك تغيير ملحوظ في تفسيرها وإنفاذها منذ وصول السيسي للسلطة. وقال عزت إن القانون المصري غامض بشكل متعمد في تناوله لموضوع التعددية الدينية، مما يجعل من الممكن استخدام التشريعات لتتناسب مع الأجندة السياسية في أي الوقت. وقال عزت “القانون المصري لا يحمي التعددية الدينية عندما يتعلق الأمر بالإسلام.” وأضاف: “فهو يشير إلى الأئمة كمجموعة واحدة ويعطي الدولة الحق في الإشراف على المشاريع الدينية. وذلك حتى يتمكنوا من دفعهم في اتجاه واحد.”
وفقا لفهمي، الباحث في كارنيجي، فالمشكلة هي أن هذه القوانين يصعب تطبيقها. فيقول: “حتى عهد جمال عبد الناصر، عندما كانت الدولة أقوى بكثير مما هي عليه الآن، لم تتمكن من فعل ذلك.” وأضاف: “تخيل ذلك الآن. تلك القواعد موجودة، لكنها دائما مسألة إنفاذها.”
مثال على ذلك: مسجد الدعاء في حي الدقي بالجيزة. الدعاء عبارة عن غرفة بلا نوافذ في حجم مرآب موجود بين اثنين من المباني السكنية. يقيم الأذان للصلاة من خلال مكبر صوت مربوط على عامود هاتف عبر الشارع. مساحة المسجد أقل بكثير من الحد الأدنى المحدد- 80 متر مربع – وإمامه الشيخ أنور لم يحصل على أي تدريب ديني، سواء أزهري أو غير ذلك. في الواقع، عندما لا يلقي خطبة الجمعة أو يؤم الصلاة، فهذا الشاب الهادئ ذو اللحية المدببة يعمل كعامل توصيل لمحل بيتزا مجاور.
على الرغم من هذا، قال أنور إنه لا يزال يعمل كإمام للمسجد كما أن المسجد مستمر في العمل. وأضاف: “سمعت عن قرار الوزارة إنهم يتخذون قرارات مثل هذه في بعض الأحيان، لكنهم لا ينفذونها في الواقع.”
ليس فقط من المستحيل تقريبا بالنسبة للدولة أن تفرض اللوائح الجديدة، بل إن محاولة القيام بذلك قد تكون لها عواقب خطيرة. قال فهمي ” سوف يؤدي هذا إلى قطاع موازي.” وأضاف: “سيكون لديك مجال ديني موازي، حيث لا يذهب الناس إلى المساجد لأنهم يعتقدون أن المساجد لا تقول لنا سوى ما تريد الدولة منا أن نسمعه، لذلك سيذهبون إلى جلسات خاصة.”
تركز أبحاث فهمي في الوقت الحالي على مكافحة التطرف بين الشباب، وهو يقول إن هذه القيود، التي تهدف ظاهريا للقضاء على الفكر المتطرف، لن تكون سوى وقود لمساعدتها على النمو. “بمجرد أن يكون لديك ذلك القطاع الموازي، يمكن للأفكار المتطرفة أن تنتشر بسرعة أكبر من ذلك بكثير، لأنه لن تكون لديك أي سيطرة. ليس فقط من جانب الدولة بل من جانب الآباء والأمهات، لن تعرف أين يذهب أطفالك. ذلك هو الخطر الحقيقي.”
وقال عزت إن ذلك مثل معظم البنود المدرجة على أجندة السيسي، فالدافع للسيطرة على المساجد يهدف للحد من نفوذ الإخوان المسلمين، ولكن حتى في ذلك، من المرجح ألا تنجح الدولة. وأضاف: “في الواقع، بالنسبة لجماعة الإخوان ومن حولهم، فالمسجد ليس هو مركز النشاط. وبدلا من ذلك فإنها تستخدم الجامعات والمدارس والنقابات، والمنظمات الخيرية. لديهم اجتماعاتها في المنازل الخاصة أو في الجامعات بسبب أن المساجد تشرف عليها الدولة منذ فترة طويلة.”
يجب على الدولة أن تفعل العكس تماما، بحسب قول فهمي، الذي أضاف “اذا كنت ترغب في مواجهة الإخوان أو السلفيين، عليك بتعزيز دور المسجد في الحي: اعطه حرية القيام بأنشطة، وعقد الدروس الدينية.” وبينما يضيق السيسي قبضته، يخاف فهمي من أن ” الإسلام المشروع” يتحول”إلى مجرد بوق للدولة.”
ترجمة راقب – التقرير
منذ استيلاء الجيش على الحكم في يونيو 2013، حظرت الدولة المصرية الاحتجاجات، وحلت الآلاف من المنظمات غير الحكومية، وشددتقبضتها على الصحافة، وكل ذلك باسم مكافحة الإرهاب. ولكن في الخلفية، كان الرئيس عبد الفتاح السيسي يقاتل معركة أكثر دهاءً – معركة من أجل السيطرة على المساجد في مصر. قبل سيطرته على الحكم، تحكمت الدولة المصرية بصورة مباشرة بما يقرب من نصف عدد المساجد في البلاد. وفي وجهة نظر السيسي، كان ذلك النصف غير الخاضع للرقابة الذي سمح بازدهار الإخوان المسلمين – ألد أعدائه – لمدة 90 عاما، وقد آن الأوان للتغيير. لذلك فقد قرر إن مساجد مصر هي لمكان المناسب لبدء القضاء على جماعة الإخوان المسلمين إلى الأبد – ولكن حملته ضد التطرف قد تكون قد أتت بالفعل بنتائج عكسية.
عبد الرحمن، 35 عاما، يملك محل حلاقة للرجال في شارع به سوق مزدحمة بالقرب من وسط القاهرة. لمدة 10 أعوام، كان يذهب إلى مسجد الرحمن المجاور. على الرغم من أنه كان يمكنه أن يمشي مسافة صغيرة إلى أول الشارع ليذهب لمسجد الرحمة الفسيح، والمزين بشكل جيد، لكنه كان يفضل الخطب التي يجرى إلقاءها في المسجد الصغير. قال عبد الرحمن “كان الإمام رجلًا بسيطًا، ولكنه ممتاز، ممتاز حقًا. لكنه اختفى الآن. لا اعرف إلى أين.”
في فبراير الماضي، اختفى الإمام وظهرت لافتة على باب المسجد، تقول:”ستقام صلاة الجمعة الآن في المسجد الكبير. سيتم إغلاق هذا المسجد إلا في أوقات الصلاة اليومية” وعلى الفور، صدر مرسوم عن وزارة الأوقاف المصرية يقضي بأن جميع المساجد التي مساحتها أقل من 80 مترا مربعًا لن يتم السماح لها بالعمل إلا كزاوية للصلاة اليومية: لا خطب، ولا جمع صدقات للفقراء. وبهذا، أُغِلق مسجد الرحمن و27000 مسجدًا آخرًا.
على الرغم من أن هذه القرارات قد دخلت لتوها إلى حيز التنفيذ، كانت الدولة تعمل لتحقيق هذا الهدف لأكثر من سنة. في يناير 2014، أعلنت الحكومة المؤقتة أنها للمرة الأولى منذ عقود، ستبدأ وزارة الأوقاف تطبيق قانون من عهد عبد الناصر يقضي بأنه من غير القانوني لأي إمام غير حاصل على إجازة بأن يخطب، مما أدى إلى فصل 12 ألف إمام. كما قام المسؤولون بتوحيد خطب الجمعة أيضا ، الأمر الذي يتطلب أن يخطب الأئمة في موضوع محدد سلفا كل أسبوع.
قبل ذلك، كان أمام من يطمح في أن يصبح إمامًا عددا من الخيارات عن الكيفية التي يمكن أن يتلقي بها إجازته. يمكنه أن يدرس في جامعة الأزهر العريقة والمرموقة، أو أن يتلقى حلقة دراسية تديرها وزارة الأوقاف ، أو أن يخضع لتدريبات من قبل المنظمات غير الحكومية المرخصة، مثل الجماعة الدينية ذات الشعبية الجمعية الشرعية. كانت وزارة الأوقاف تشرف على هذه المنظمات غير الحكومية ولكن كان يسمح لهم بتدريب أئمتهم كما يحلو لهم.
لكن في مارس، أعلنت وزارة الأوقاف أنه، ابتداء من العام الدراسي القادم، ستدير جميع مراكز التدريب الدينية بنفسها. وستدار جميع امتحانات الإجازة فقط من قبل الوزارة و من الأزهر. وبالتالي تزيد الدولة المصرية من ضم الأزهر إلى شبكتها من الوزارات والإدارات، وهي تلك المؤسسة التي كانت تفخر سابقا باستقلاليتها.
منذ تأسيسه قبل أكثر من 1000 سنة، كان الأزهر الركيزة الأساسية للدراسة الإسلامية المعتدلة، ليس فقط بالنسبة لمصر بل للعالم السني بأسره. ونتيجة لذلك، فقد تنافس كل حاكم المصري بدءًا من محمد علي من أجل السيطرة على المؤسسة ورسالتها. ورغم تمكن الرئيس جمال عبد الناصر من وضع الأزهر تحت مظلة وزارة الأوقاف المصرية في عام 1961، ظل هناك توتر صحي بين الجامعة والدولة حول قدرتها على التعليم والتدريب كما يحلو لها. ولكن منذ الفترة القصيرة التي حكم الإخوان المسلمون البلاد فيها، أصبح الأزهر أكبر حليف للدولة في القضاء على المسارات غير المرغوب فيها للإسلام.
تحت القيادة الجديدة لفضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب، قصر الأزهر تعاليمه إلى حدود مذهب يسمى بالصوفية الأشعرية – وهو مذهب معتدل للإسلام يناسب رؤية النظام الحالي للدولة الإسلامية الحديثة. قال جورج فهمي، وهو باحث في مركز كارنيجي للشرق الأوسط “[قبل ذلك]، لم يفرض الأزهر هوية واحدة لنفسه.” واضاف “هذا ترك الملعب للسلفيين والإخوان المسلمين […] لذا فالطيب الآن يريد أن يجعل الأزهر أكثر تركيزا.” اذا تم تنفيذ ذلك، فإن القانون الذي يقول أن جميع الأئمة يجب تدريبهم من قبل الأزهر أو وزارة الأوقاف سيضمن أن الأزهر سينجح في توحيد مصر تحت هوية أزهرية واحدة، وأن الدولة ستنجح في القضاء على أصوات المعارضة السياسية.
يقول فهمي “تحاول الوزارة الآن فرض السيطرة الكاملة على جميع مراكز التدريب الدينية، ليس مجرد الإشراف، ولكن السيطرة الكاملة.” ويضيف: “لم يكن يجب عليهم أن يجتازوا تلك الاختبارات. كانوا يتلقون التدريب في المنظمات غير الحكومية ثم يجرى توظيفهم لإلقاء الخطب في مساجد المنظمات غير الحكومية. ثم بدأت وزارة الأوقاف في محاولة السيطرة على جميع المساجد وجميع الأئمة وهذا يشمل تكوين الأئمة.”
عندما تدخل هذه القوانين إلى حيز التنفيذ الكامل، فإن الدولة المصرية ستكون لها السيطرة الكاملة على من يسمح له بالدعوة، وعلى أين يسمح لهم بالدعوة، وبما يسمح لهم يقوله. وحيث أنها مركز لتعليم السنة في العالم الإسلامي، سيكون لذلك تداعيات أبعد من حدود مصر. يحدث كل ذلك تحت ذريعة مكافحة التطرف الديني والإرهاب، وهي الحملة والتي حققت للسيسي جوائز كبرى في المجتمع الدولي، بل ويتحدث البعض عنجائزة نوبل السلام. إلا إن ذلك يسمح أيضًا للرئيس بمواصلة خنق جماعة الإخوان المسلمين، منافسه الأخطر.
في حي الكوم الأخضر بالجيزة ، كان مسجد الإيمان البسيط نقطة تجمع المجتمع لمدة 15 عاما قبل أن تغلقه وزارة الأوقاف قبل شهرين.وكان وليد – وهو صاحب متجر في نفس الشارع- يذهب للمسجد منذ يوم تأسيسه، بسبب جوه المجتمعي وخطبه السهلة. في الأيام الأولى لتأسيس المسجد، كان أفراد المجتمع يتبادلون إمامة الصلاة والدعوة وخطب الجمعة، لكنهم في النهاية استقروا على رجل واحد ليكون بمثابة زعيمهم الديني: الشيخ مصطفى. عندما أغلقت وزارة الأوقاف المسجد، منعت أيضا الشيخ مصطفى من الدعوة وحذرته من أنه اذا استمر في القيام بذلك، يمكن القبض عليه. لكن مصطفى رفض الرضوخ. غادر الكوم الأخضر واستأنف الوعظ – سرا – في مسجد في ناحية أخرى من الجيزة لم يتم اغلاقه.
قال وليد “أشعر أن الكنائس الآن تتمتع بحرية أكبر من المساجد.” وأضاف: “رجال الأمن الوطني لا يمكنهم أن يدخلوا إلى كنائس، ولكن يمكنهم الذهاب إلى أي مسجد واعتقال الناس.” إنه يحضر الآن صلاة الجمعة في مسجد التوحيد والنور على بعد بضعة مبان. وهناك، يجلس على حصيرة في الخارج ويستمع إلى الخطبة عبر مكبر للصوت. وقال إن أعضاء مجتمعه يشعرون وكأن شيئًا قد سلب منهم. وقال وليد:”يشعر الناس بأن حقهم في التعبير الديني قد تم تقييده.” وأضاف: “تحت حكم السيسي، أصبح مقيدًأ أكثر من أي وقت مضى.”
وقال عمرو عزت من المبادرة المصرية للحقوق الشخصية إنه برغم أن القوانين التي تحكم الدين في مصر لم تتغير منذ عقود، كان هناك تغيير ملحوظ في تفسيرها وإنفاذها منذ وصول السيسي للسلطة. وقال عزت إن القانون المصري غامض بشكل متعمد في تناوله لموضوع التعددية الدينية، مما يجعل من الممكن استخدام التشريعات لتتناسب مع الأجندة السياسية في أي الوقت. وقال عزت “القانون المصري لا يحمي التعددية الدينية عندما يتعلق الأمر بالإسلام.” وأضاف: “فهو يشير إلى الأئمة كمجموعة واحدة ويعطي الدولة الحق في الإشراف على المشاريع الدينية. وذلك حتى يتمكنوا من دفعهم في اتجاه واحد.”
وفقا لفهمي، الباحث في كارنيجي، فالمشكلة هي أن هذه القوانين يصعب تطبيقها. فيقول: “حتى عهد جمال عبد الناصر، عندما كانت الدولة أقوى بكثير مما هي عليه الآن، لم تتمكن من فعل ذلك.” وأضاف: “تخيل ذلك الآن. تلك القواعد موجودة، لكنها دائما مسألة إنفاذها.”
مثال على ذلك: مسجد الدعاء في حي الدقي بالجيزة. الدعاء عبارة عن غرفة بلا نوافذ في حجم مرآب موجود بين اثنين من المباني السكنية. يقيم الأذان للصلاة من خلال مكبر صوت مربوط على عامود هاتف عبر الشارع. مساحة المسجد أقل بكثير من الحد الأدنى المحدد- 80 متر مربع – وإمامه الشيخ أنور لم يحصل على أي تدريب ديني، سواء أزهري أو غير ذلك. في الواقع، عندما لا يلقي خطبة الجمعة أو يؤم الصلاة، فهذا الشاب الهادئ ذو اللحية المدببة يعمل كعامل توصيل لمحل بيتزا مجاور.
على الرغم من هذا، قال أنور إنه لا يزال يعمل كإمام للمسجد كما أن المسجد مستمر في العمل. وأضاف: “سمعت عن قرار الوزارة إنهم يتخذون قرارات مثل هذه في بعض الأحيان، لكنهم لا ينفذونها في الواقع.”
ليس فقط من المستحيل تقريبا بالنسبة للدولة أن تفرض اللوائح الجديدة، بل إن محاولة القيام بذلك قد تكون لها عواقب خطيرة. قال فهمي ” سوف يؤدي هذا إلى قطاع موازي.” وأضاف: “سيكون لديك مجال ديني موازي، حيث لا يذهب الناس إلى المساجد لأنهم يعتقدون أن المساجد لا تقول لنا سوى ما تريد الدولة منا أن نسمعه، لذلك سيذهبون إلى جلسات خاصة.”
تركز أبحاث فهمي في الوقت الحالي على مكافحة التطرف بين الشباب، وهو يقول إن هذه القيود، التي تهدف ظاهريا للقضاء على الفكر المتطرف، لن تكون سوى وقود لمساعدتها على النمو. “بمجرد أن يكون لديك ذلك القطاع الموازي، يمكن للأفكار المتطرفة أن تنتشر بسرعة أكبر من ذلك بكثير، لأنه لن تكون لديك أي سيطرة. ليس فقط من جانب الدولة بل من جانب الآباء والأمهات، لن تعرف أين يذهب أطفالك. ذلك هو الخطر الحقيقي.”
وقال عزت إن ذلك مثل معظم البنود المدرجة على أجندة السيسي، فالدافع للسيطرة على المساجد يهدف للحد من نفوذ الإخوان المسلمين، ولكن حتى في ذلك، من المرجح ألا تنجح الدولة. وأضاف: “في الواقع، بالنسبة لجماعة الإخوان ومن حولهم، فالمسجد ليس هو مركز النشاط. وبدلا من ذلك فإنها تستخدم الجامعات والمدارس والنقابات، والمنظمات الخيرية. لديهم اجتماعاتها في المنازل الخاصة أو في الجامعات بسبب أن المساجد تشرف عليها الدولة منذ فترة طويلة.”
يجب على الدولة أن تفعل العكس تماما، بحسب قول فهمي، الذي أضاف “اذا كنت ترغب في مواجهة الإخوان أو السلفيين، عليك بتعزيز دور المسجد في الحي: اعطه حرية القيام بأنشطة، وعقد الدروس الدينية.” وبينما يضيق السيسي قبضته، يخاف فهمي من أن ” الإسلام المشروع” يتحول”إلى مجرد بوق للدولة.”
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق