انقل مقالات عن معنى الرشد و الغي
للاطلاع و الفائدة
==============
مفهوم الرشد
كلثومة دخوش نشر في ميثاق الرابطة
يوم 21 - 05 - 2010
ورد مصطلح الرشد في القرآن الكريم تسع عشرة مرة بالصيغ الموالية: الرُُّشْد- رَشَدا-الرَّشاد- يرشُدون- رشيد- مُرشد- الراشدون.
والراء والشين والدال (رشد) في اللغة أصلٌ واحدٌ يدلُّ على استقامةِ الطريق[1] .
و "الرَشادُ: خلاف الغَيّ، وقد رَشَدَ يَرْشُدُ رُشْداً، ورَشِدَ بالكسر يَرْشَدُ رَشَداً لُغَةٌ فيه"[2].
ولقد ورد الرشد في مقابل الغي في موضعين من موارد المصطلح هما قوله عز وجل: "لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ" [سورة البقرة، الآية: 245] وقوله: "وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا" [سورة الاَعراف: 145].
وبنفس الاستعمال ورد في قوله صلى الله عليه وسلم في إحدى خطبه: "مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ غَوَى حَتَّى يَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ [3]."
و"الغَيُّ: الضلال والخيبة أيضاً. وقد غَوي بالفتح يَغْوي غَيًّا وغَوايَةً، فهو غاوٍ وغوٍ، وأغْواهُ غيره فهو غَوِيٌّ على فَعيلٍ" [4].
كما جاء الرشد مقابلا للشر في قوله سبحانه وتعالى: "وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الاَرض أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا" [سورة الجن، الآية:10]
وللضر في قوله عز وجل: "قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا" [سورة الجن، الآية: 21].
واعتبر القرآن الكريم الإيمان طريقا للرشد في آيات قرآنية منها قوله سبحانه: "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ اَجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُوْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ" [سورة البقرة، الآية: 185].
ومن خصائص مصطلح الرشد في القرآن الكريم ارتباطه بالقصص القرآني، حيث ورد في معظم موارده في سياق ذكر أخبار مؤمني الأمم السابقة كمؤمن آل فرعون وأصحاب الكهف، ثم ورد في سياق ذكر الجن الذين آمنوا بالقرآن، ودعوتهم قومهم واصفين القرآن الكريم بقولهم: "إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فأَمنا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا"[ سورة الجن، الآية: 1-2].
كما ورد أيضا في سياق الحديث عن قصص كل من لوط وشعيب وموسى عليهم السلام مع أقوامهم.
ولقد ورد الرشد بوصفه أمرا محسوسا يمكن لمسه في تصرفات الراشد في قوله سبحانه وتعالى: "وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَاكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَاكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا" [سورة النساء، الآية: 5].
قال ابن عطية في معرض تفسيره للآية: "قال الحسن وقتادة: الرشد في العقل والدين، وقال ابن عباس: بل في العقل وتدبير المال لا غير، وهو قول ابن القاسم في مذهبنا، والرواية الأخرى: أنه في العقل والدين، مروية عن مالك "[5]. وقال الطبري بعد ذكر أقوال المفسرين في معنى الرشد في هذه الآية: "وأولى هذه الأقوال عندي بمعنى"الرشد" في هذا الموضع، العقل وإصلاح المال لإجماع الجميع على أنه إذا كان كذلك، لم يكن ممن يستحق الحجرَ عليه في ماله، وحَوْزَ ما في يده عنه، وإن كان فاجرًا في دينه"[6] .
من هنا يكون للرشد معنى الصلاح في أمر الدين، وهو الأكثر، ومعنى الصلاح في أمر الدنيا أيضا، ومنه وصف الأمر بالرشد كما في قوله عز وجل: "وما أمرُ فرعَوْن برشيد" [سورة هود، الآية: 96]،
"وقال بعضهم: الرََّشَد أي بفتحتين... أخص من الرُّشْد؛ لأن الرشد بالضم يقال في الأمور الدنيوية والأخروية والرشد يقال في الأمور الأخروية لا غير"[7] .
والرشيد والراشد هو المستقيم على طريق الحق، قال الله تعالى: "وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الاَمر لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الاِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ" [ سورة الحجرات، الآية: 7].
---------------
1. ابن فارس، مقاييس اللغة، رشد.
2.الجوهري، الصحاح، رشد.
3. مسند الإمام الشافعي، كتاب إيجاب الجمعة، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، البيهقي، معرفة السنن والآثار.
4. الجوهري.
5.المحرر الوجيز.
6.جامع البيان في تفسير القرآن.
7. نقل هذا القول الآلوسي في تفسيره روح المعاني.
======
ومعنى الرشد: حسن التصرف ووضع الامور في مواضعها، وقد يرافق البلوغ، وقد يتأخر عنه قليلاُ او كثيراً، وقد يتقدمه، لكن لا اعتبار له قبل البلوغ.
وليس للرشد سن معينة عند جمهور الفقهاء، وانما الامر متروك لاستعداد الشخص وتربيته وبيئته، وليس في النصوص الشرعية تحديد له.
واغلب القوانين المدنية للاحوال الشخصية في الدول تعتبر الانسان كامل الاهلية ومستقل الشخصية في سن الثامنة عشرة، وبعضها كالقانون المصري يرفعها الى سن 21سنة.
كما ان معرفة رشد الانسان راجع الى ملاحظة تصرفاته وممارساته، فيختبر مستواه عن طريقها يقول تعالى:﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهـُمْ رُشْدًا فَادْفَعـُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾[1].
حيث ان اموال اليتيم الصغير تكون بيد وليه، فاذا ما بلغ، ولوحظ منه الرشد، دفعت اليه امواله، ليتحمل هو مسؤلية التصرف فيها.
ويفرّق بعض الفقهاء بين الرشد في المجال المالي والرشد في المجال الإجتماعي، فقد يكون الانسان حسن التصرف في الشؤن المالية، لكنه لايمتلك النضج الاجتماعي لإدارة الحياة العائلية، فهنا لا يستقل بالقرار في عقد الزواج بل لابد من اذن وليه، وان كانت تصرفاته المالية ممضاة وصحيحة. كما اشار الى ذلك السيد محمد كاظم اليزدي في العروة الوثقى في المسألة الثامنه من مسائل اولياء العقد.
الرشد في منطق القرآن:
جاء الحديث عن الرشد في القرآن تسعة عشر مرة، وفي بعضها جـاء بضـم الراء وسكـون الشين﴿رُشْد﴾كقولـه تعالى:﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْـدُ مِنْ الغَيِّ﴾[2]، وقولــه تعـالى:﴿فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا﴾[3]، وجاء في موارد اخـرى بفتح الراء وفتـح الشين﴿رَشَدا﴾كقولـه تعـالى:﴿وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا﴾[4]، وقولـه تعالى:﴿فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا﴾[5]وهما مترادفان.
ويبدو أن المقصود بالرشد في منطق القرآن، ما يقابل الغي، فهو بمعنى الهدى في مقابل الضلال والانحراف، وهي مقابلة واضحـة في قـولــه تعالى:﴿وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً﴾[6].
كما جاء استخدام الرشد في مقابل السفه، فيكون بمعنى حسن التصرف والتدبير في مقابل خفة الرأي وضعف التدبير، وذلك هو مفاد المقابلة ضمن الحديث عن رعاية شـؤون الايتـام في قولـه تعـالى:﴿وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفًا.وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾[7]. فقبل امتلاك الرشد يكون الانسان ضعيف الرأي غير ناضج التصرف، وهو ما يعّبر عنه بالسفه، فاذا تجاوز هذه الحالة اطلق عليه راشد.
الرشد الاجتماعي:
قد نتحدث عن الرشد على مستوى الافراد، فنلحظ فرداً رشيداً يميز مصلحته ويحسن التصرف والتدبير، في مقابل فرد ضعيف الرأي، لا يتخذ الموقف المناسب فيما يواجهه من ظروف واوضاع.
وقد نتحدث عن الرشد على مستوى المجتمعات والجماعات، فهناك مجتمع راشد، ومجتمع يفتقد الرشد والنضج، فكيف نقوّم المجتمعات والجماعات على هذا الصعيد؟ وما هي سمات الرشد الاجتماعي؟
في القرآن الحكيم جاء الحديث عن المجتمع الراشد ضمن قولـه تعالى:﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمْ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمْ الرَّاشِدُونَ﴾[8]
والآية الكريمة تشير الى اهم صفة في المجتمع الراشد، وهي الانسجام النفسي والفكري والسلوكي مع المبادئ والقوانين الشرعية..
فالمبدأ الذي يؤمن به المجتمع، تارة يكون مجرد هويّة وعنوان، وتارة يؤخذ المبدأ على اساس التلقي من الاسلاف دون وعي واقتناع، وقد يتفاعل المجتمع مع المبدأ على المستوى الروحي النفسي، لكنه من الناحية العقلية الفكرية لديه تحفظات واشكالات، وقد يحصل العكس بوجود اقتناع فكري نظري، دون توّفر انشداد روحي نفسي، وقد يكون المبدأ وقوانينه امراً مفروضاً على ذلك المجتمع لسبب او لآخر، وكل تلك الحالات تنبئ عن ضعف وخلل في بنية المجتمع وكيانه، حين يؤمن بعقيدة موروثة دون اقتناع، او يدين بمبدأ لا يلتزم بتطبيق انظمته وقوانينه في واقع حياته، او يخضع لشريعة بالقوة والفرض..
اما المجتمع الراشد الذي تشير اليه الآية الكريمة﴿أُوْلَئِكَ هُمْ الرَّاشِدُونَ﴾فهو يتمتع بالصفات التالية:
1/ حب العقيدة والمبدأ﴿حَبَّـبَ إِلَيْكُـمْ الإِيمَانَ﴾بما تحمله كلمة الحب من معاني الانجذاب النفسي، والانشداد الروحي.
2/ الوعي بالمبدأ﴿وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾أي ادركتم بعقولكم صحة منهجكم الايماني، وانه الافضل الذي تزدان به حياتكم.
3/ الردع الذاتـي عـن المخـالفـة والانحـراف﴿وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ﴾وهو ناتج عن الصفتين السابقتين، فاذا كان الانسان محباً لمبدئه، من اعماق نفسه، وواعياً بدينه في فكره وعقله، فانه بذاته يكره المعصية، وينفر من الخروج عن حدود النظام والقانون، وهكذا فان الحالة العامة في المجتمع الراشد، هي الالتزام والانضباط بدافع ذاتي، واجتناب المخالفة.
بالطبع حينما ينسب الخالق جلّ وعلا لنفسه التحبيب والتكريه،﴿حَبَّبَ إِلَيْكُمْ﴾و﴿وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ﴾فانه لا يعني الاجبار التكويني على ذلك، وانما المقصود تهيئة الوسائل والظروف المناسبة، والتوفيق للقبول والاستجابة.
ومن خلال الآية الكريمة، وعلى ضوء ما حدد به الفقهاء معنى الرشد، الذي يشترط توفره لاقرار اهلية التعاقد وصلاحية التصرف عند الانسان، يمكننا الاشارة الى اهم سمات وصفات المجتمع الراشد.
الوعي والمعرفة:
1- اذا كان الفقهاء يعتبرون القدرة على تمييز المصلحة، والتفريق بين النافع والضار، هو اول مستويات الرشد، التي يترتب عليها الاثر الشرعي والقانوني، لجهة الاعتراف باهلية الانسان واستقلال شخصيته، فيمكننا ان نقتبس من ذلك تحديد اول مستويات الرشد الاجتماعي، وهو وعي المجتمع ومعرفته بالامور والشؤن التي ترتبط بواقعه، ليتمكن من تشخيص مصلحته، والتفريق بين ما ينفعه او يضره كمجتمع.
ان كثيراً من الناس في المجتمع يستغرقون في هموهم الذاتية الشخصية، او ينشغلون بمسائل جانبية ثانوية، ولا يلتفتون لقضايا مجتمعهم، ولا يعون الظروف والاوضاع التي تحوط بأمتهم.
يحدثنا القرآن عن الجماعة الراشدة في العهد الاسلامي الاول، يوم كانوا اقلية في مكة الخاضعة لاجواء الشرك آنذاك، كيف كانوا مهتمين بنتائج معركة بين الروم والفرس، تجري في ادنى ارض الروم واقرب نقاطها الى الفرس، ومع هذا البعد الجغرافي، الا ان المؤمنين في مكة كانوا يتابعون المعركة، وحينما انتصر الفرس المشركون على الروم الكتابيين، تأثر المؤمنون لهزيمة الروم، رغم عدم وجود تواصل او تحالف بينهم وبينهم، مما يدل على وعي وادراك بابعاد تلك الحرب، وآثارها وانعكاساتها، لذلك انزل الله تعالى سورة كاملة من القرآن باسم سورة (الروم)، تتحدث عن تلك المعركة وعن تفاعل المؤمنين مع نتائجها، ويبشرهم بتغير المعادلة خلال فترة زمنية وجيزة، حيث سينتصر الروم في بضع سنين قادمة، يقول تعالى:﴿الم. غُلِبَتْ الرُّومُ. فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ. فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ﴾[9].
واذا ما اخذنا بعين الاعتبار دور الشهادة على العالم الذي اناطه الله تعالى بالمؤمنين﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًـا لِتَكُونُوا شُهَـدَاءَ عـَلَى النَّاسِ﴾[10]. فان ذلك يعني ضرورة تطلع المجتمع الايماني الى ارفع مستوى من الوعي، يتمكن به من مراقبة التحولات العالمية، والمعادلات الدولية، فضلاً عن وعيه باوضاعه وقضاياه، يقول الامام علي:«لا بد للعاقل من ثلاث ان ينظر في شأنه، ويحفظ لسانه، ويعرف زمانه» [11].
حسن التصرف:
2- كيف يتصرف المجتمع تجاه الظروف والمشاكل والازمات؟ هل تسوده حالة الاستسلام وانتظار المعجزة من المجهول؟ ام تسيطر عليه الانفعالات والاحاسيس، ويحركه الحماس المجرد عن التخطيط السليم؟ ام يواجه التحديات بتفكير موضوعي، وبرامج حكيمة؟
ويقاس رشد المجتمع ونضجه بما يختار ويسلك من هذه الخيارات، فالانهزام امام المشكلة، يكشف عن فقد الارادة وضعف الثقة، بينما الوقوع تحت حالة العاطفة والانفعال، وغياب الحكمة والتعقل، قد يضاعف المشكل ويعمّق الازمة.
وما يقتضيه الرشد هو حسن التصرف، واتخاذ الموقف المناسب في الظرف المناسب، فقد يستلزم الظرف شدة وقوة، وقد يستدعي حماسة وانفعالاً، وقد يتطلب مرونة واستيعابا.
وفي سيرة الرسول محمداروع النماذج والامثلة لحسن التصرف في الظروف المختلفة، فالمسلمون الاوائل مع رسول اللهكانوا كما وصفهم الله تعالى﴿أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ﴾ [12]والمعارك والغزوات التي خاضوها تكشف عن شجاعتهم وتضحياتهم، لكن هؤلاء الاشداء على الكفار، تقبلوا صلح الحديبية في السنة السادسة للهجرة، بما تضمنته اتفاقية الصلح من شروط لصالح المشركين في ظاهرها وعلى حساب عزة المسلمين، حتى ان بعض الاصحاب سيطرت عليه حالة الحماس والانفعال واعترض على ماحصل، كما يذكر ابن هشام وسائر المؤرخين ان عمر بن الخطاب اتى رسول اللهفقال: يارسول الله، الست برسول الله؟ قال:«بلى»، قال او لسنا بالمسلمين؟ قال:«بلى»، قال: او ليسوا بالمشركين؟ قال:«بلى»، قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟ قال:«أنا عبد الله ورسوله، لن أُخالف امره، ولن يُضيعني!»قال: فكان عمر يقول: مازلت اتصدق واصوم واصلي واعتق، من الذي صنعت يومئذٍ مخافة كلامي الذي تكلمت به، حتى رجوت ان يكون خيراً[13].
لقد رفض سهيل بن عمرو المفاوض من قبل قريش ان يكتب في وثيقة الصلح: بسم الله الرحمن الرحيم، واصر ان يكتب بدلها: باسمك اللهم. فوافق الرسولعلى ذلك. ثم اعترض سهيل على كلمة (هذا ماصالح عليه محمد رسول الله) قائلاً: لو شهدت انك رسول الله لم اقاتلك، ولكن اكتب اسمك واسم ابيك فقط: ووافق الرسول على ذلك ايضاً. واشترط سهيل: ان من أتى محمدا من قريش بغير أذن وليه رده عليهم، ومن جاء قريشاً ممن مع محمد لم يردوه عليه، ومع انه شرط مجحف الا أن الرسولوافق عليه، وحدث ان جاء احد المسلمين المضطهدين في مكة، يجر القيود والاغلال لاجئاً الى معسكر المسلمين، وهو ابو جندل بن سهيل بن عمرو، فقام له ابوه سهيل وضرب وجهه، وطلب من الرسول ان يرده الى قريش، وان يرفض لجوءه، فوافق الرسول على ذلك، فصاح ابو جندل: يا معشر المسلمين أأرد الى المشركين يفتنوني في ديني؟ مما اثار حماس المسلمين لكن الرسولقال له:« يا ابا جندل اصبر واحتسب، فان الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجا»[14].
ومع كل ذلك اعتبر الله تعالى هذا الصلح فتحاً مبيناً﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا﴾ [15]،لأن نتيجته كانت في الاخير لمصلحة الاسلام، هكذا يجب ان يتحكم العقل في الموقف، وليس العاطفة المجردة، والمجتمع الراشد هو الذي يقوّم الظرف ويتخذ الموقف المناسب تجاهه بموضوعية وتفكير.
الاستفادة من الامكانيات:
3- لكل مجتمع امكانياته الطبيعية والبشرية، والتي تختلف وتتفاوت من مجتمع لآخر، وما يمّيز المجتمع الراشد عن غيره، هو الاهتمام باكتشاف الامكانيات، والعمل على استثمارها والاستفادة منها، وتوظيفها في مصلحة تقدم المجتمع.
ان بعض المجتمعات تهمل مواردها الطبيعية، وتتجاهل كفاءات وقدرات ابنائها، بينما تسعى المجتمعات الواعية، لتنمية مواردها، والاستفادة من امكانياتها الطبيعية والبشرية باكبر قدر ممكن.
وهذه قبرص الجزيرة الصغيرة القريبة منا تشكل مثالاً للاستفادة من الامكانيات الطبيعية، فهي تقع في الركن الشمالي الشرقي من البحر الابيض المتوسط، وتبعد عن جنوب تركيا 64كم وعن غرب سوريا 100كم، ويقل سكانها عن السبعمائة الف نسمة، وهم في مستوى معيشي مرتفع كالاوربيين، وتبلغ نسبة المتعلمين فيهم 90% ومع انهم ليست لديهم ثروات نفطية ومعدنية، لكنهم استثمروا الطبيعة الخلاّبة وحولوا بلادهم الى منطقة سياحية هامة، تشكل السياحة فيها مورداً اقتصادياً اساسياً، اضافة الى الانتاج الزراعي الوفير.
وفي مجال استثمار الموارد البشرية تقدم اليابان مثلاً رائعاً، حيث تكمن قوتها العلمية والاقتصادية، في تطوير مستوى الاداء التكنلوجي والصناعي لابنائها، فاليابان الآن قوة اقتصادية عظمى في العالم رغم قلة مواردها الطبيعية، فهي تستورد كثيراً من الخام التي تحتاجها الصناعات.
وكم تمتلك مجتمعات امتنا الاسلامية من قدرات وامكانيات هائلة، لكن ماتحتاجه هو التوجه لاستثمارها وتنميتها وتوظيفها من اجل التقدم والازدهار.
هدانا الله واياكم سبيل الرشاد ووفق مجتمعنا للرشد والصلاح.
=====
الرشد
حين " أوى الفتية إلى الكهف " ... لم يسألوا الله النصر، ولا الظفر، ولا التمكين !!!
فقط قالوا: "ربنا آتنا من لدنك رحمة وهئ لنا من أمرنا رشدا "
"رشدا"
والجن لما سمعوا القرآن أول مرة قالوا عنه: ( إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدى إلي الرشد فآمنا به )
"الرشد "
فالرشد هو :
- إصابة وجه الحقيقة ...
- هو السداد ...
- هو السير في الإتجاه الصحيح ...
فإذا ارشدك الله فقد اوتيت خيرا عظيما... وخطواتك مباركه !!!
وبهذا يوصيك الله أن تردد:
"وقل عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشدا "
بالرشد
تختصر المراحل
تختزل الكثير من المعاناة
وتتعاظم لك النتائج
... حين يكون الله لك " ولياً مرشداً "
لذلك حين بلغ موسى الرجل الصالح لم يطلب منه إلا أمرا واحداً هو :
"هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشداً "
فقط رشداً ...
فإن الله إذا هيأ لك أسباب الرشد ... فإنه قد هيأ لك أسباب الوصول للنجاح الدنيوي والفلاح الأخروي ...
اللهم هيئ لنا من أمرنا رشداً ...
ملفت للنظر تكرار كلمة "الرشد" في سورة الكهف في أكثر من قصة .!!
لغوياً , حسب ما أعرف
الرشد ضد الغيّ : والغيّ العدول عن الحق "عن قصد وتعمد".
والهداية ضد الضلال : والضلال العدول عن الحق "سواء بقصد أو بدون قصد" .
ومنه قول دريد بن الصمة الجشمي :
وهل أنا إلا من غزيّة إن غوت .. غويت وإن ترشد غزية أرشدِ .!
يصير معنى الرشد إذا,.
إصابة الحق "عن علم ومعرفة"
======
الهدى والرَّشاد أساس خصال من جعله الله قدوة للعباد
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمد لله الهادي إلى الحقِّ والرَّشاد، والصَّلاة والسَّلام على نبيِّنا محمَّد خير العباد، وعلى آله وأصحابه ومن اتَّبع سبيلهم إلى يوم التَّناد، أما بعد:
فقد وصف النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم مَن بعده ممَّن أمر باتباعهم واقتفاء آثارهم بوصفين عظيمين عليهما المُعوَّل وهما الأساس لكلِّ قدوة أو أسوة في هذه الأمَّة، قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «فإنَّه من يعش منكم بعدي سيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنَّتي وسنَّة الخلفاء الرَّاشدين المهديِّين، عضُّوا عليها بالنَّواجذ، وإيَّاكم ومحدثات الأمور، فإنَّ كلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة».
أخرجه أحمد (٤/ ١٢٦، ١٢٧)، وأبو داود (رقم ٤٦٠٧) و (رقم ٢٦٧٦)، وابن أبي عاصم في «السُّنَّة» (رقم ٥٤) والحاكم (١/ ٩٧) وابن حبَّان كما في «الموارد» رقم (١٠٢) وصحَّحه الحاكم ووافقه الذَّهبي، وقال التِّرمذي: «حديث حسن صحيح»، وصحَّحه الألباني في «ظلال الجنَّة».
هذا الحديث العظيم الَّذي تجلَّت فيه نبوَّةٌ من نبوَّات نبيِّنا الكريم كما وصفها وحذَّر من شرها، فقد وقع الخلاف والاختلاف، وتتابعت الفتن وتوالت المحن على هذه الأمَّة الَّتي أكرمها الله ومنَّ عليها ببعثة هذا النَّبيِّ الكريم، قال تعالى: «لَقَد مَنَّ اللهُ عَلَى المُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِم رَسُولًا مِنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيهِم آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِم وَيُعَلِّمُهُم الكِتَابَ وَالحِكمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ» [آل عمران:164].
كما تضمَّن الحديث بيان الأصلين العظيمين اللَّذين ينبغي أن يتَّصف بهما من يُقتدى به من أهل الخير والصَّلاح، وهما الهدى والرَّشاد، فالقدوة والدَّاعية الَّذي يدلُّ النَّاس على الخير ويدعوهم إليه بحاله وسمته وأفعاله قبل أقواله ينبغي أن يكون مهتديًا وهاديًا وراشدًا رشيدًا، لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «...وسنَّة الخلفاء الرَّاشدين المهديِّين من بعدي»، فالهداية والرَّشاد أصلان أساسيان وخصلتان ضروريَّتان يتعيَّن تحقُّقهما في كلِّ من بوَّأه الله منزلة الإمامة في الدِّين وجعله قدوةً للمسلمين، فالقدوة الأولى والمعلِّم الأعظم لنا هو رسول الله صلَّى الله عليه وسلم، وهو المثَل البشريُّ الأعلى، وهو خير خلق الله على الإطلاق، ونحن مأمورون بالاقتداء به والسَّير على نهجه بنصِّ القرآن، قال الله تعالى: «وَمَا آتَاكُم الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُم عَنهُ فَانتَهُوا» [الحشر:8]، ودراسةُ سيرته مطلوبة لكلِّ مؤمن، حتَّى يتخلَّق بخلقه ويسير على نهجه، وفي تعلُّم أخباره وتفهُّم مواقفه كثيرٌ من الحكمة والعِظة، وقد قال عزَّ وجل: «لَقَد كَانَ لَكُم فِي رَسُولِ اللهِ أُسوَةٌ حَسَنَةٌ» [الأحزاب:21].
وقد تحقَّقت هذه القدوة، حيث تعلَّم الصَّحابة ـ صغارًا وكبارًا ـ كلَّ معاني الأخلاق الكريمة، واكتسبوا منه كلَّ الأعمال الصَّالحة، حتَّى كان منهم رجال أنزل الله فيهم قرآنًا يُتلى، وتحقَّقت فيهم تربيته حتَّى وصف الله حالهم الزَّكيَّة وأعمالهم المرضيَّة بقوله: «محمَّدٌ رَسُولُ اللهِ والَّذينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاء بَينَهُم تَرَاهُم رُكَّعًا سُجَّدًا يبتغُونَ فَضْلًا مِن اللهِ وَرِضوَانًا سِيمَاهُم فِي وجُوهِهِم مِن أَثَرِ السُّجُودِ ذَلكَ مَثَلُهم فِي التَّورَاةِ وَمَثَلُهُم فِي الإنجِيلِ كَزَرعٍ أَخرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاستَغلَظَ فَاستَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعجِبُ الزُرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِم الكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنهُم مَغفِرَةً وَأَجرًا عَظِيمًا» [الفتح: ٢٩]، وامتدحهم بقوله: «كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيل مَا يَهجَعُونَ، وَبِالأَسحَارِ هُم يَستَغْفِرُونَ» [الذَّاريات: ١٧]، وبقوله: «والَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبلِهِم يُحِبُّونَ مَن هَاجَرَ إِلَيهِم وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَو كَانَ بِهِم خَصَاصَةٌ» [الحشر: ٩].
فيكفيهم فخرًا وشرفًا أن ذكرهم الله في كتابه الَّذي تعهَّد بحفظه، وجعل لهم به ذكرًا في الآخرين، وأبقى حسن أثرهم في الباقين، وهذا غيضٌ من فيضٍ ممَّا نزل في كريم مآثرهم، وجميل محامدهم، وقد تحقَّق بهم فعلًا إقامة المجتمع الفاضل الَّذي شهد له القاصي والدَّاني بالخيريَّة، فقبَّح الله منتقصيهم، المكذِّبين للكتاب ولسنَّة سيِّد العباد، والمخالفين لما كان عليه سلف هذه الأمَّة الأمجاد.
وقبل بيان منزلة هذين الأصلين العظيمين والخصلتين الكريمتين وحسن أثرهما يجدر بنا أن نقف عند حدودهما ونبيِّن مدلوليهما.
الأصل الأوَّل: الرَّشاد
معنى الرُّشْد، قال الجوهري: «الرَّشادُ: خلاف الغيِّ، وقد رشَد يَرْشُدُ رُشْدًا، ورَشِدَ ـ بالكسر ـ يَرْشَدُ رَشَدًا، لُغَةٌ فيه» [«الصَّحَاح»]،وقال بعضهم: الرَّشَد ـ بفتحتين ـ أخصُّ من الرُّشْد، لأنَّ الرُّشد ـ بالضَّمِّ ـ يقال في الأمور الدنيوية والأخرويَّة، والرَشَد يُقال في الأمور الأخرويَّة لا غير» [«مفردات القرآن» للرَّاغب].
وأصل الكلمة (ر ش د) يرجع إلى شيءٍ واحدٍ، وهو ما يدلُّ على استقامةِ الطَّريق [«معجم مقاييس اللُّغةٌ لابن فارس (2/298)]، ومنه يقال: رشَد الولد: بلغ سنَّ الرُّشْدِ ، وهو البلوغ، ورشَد الرَّجل : أصاب واهتدى واستقام، وعرف طريق الرَّشاد، رشَد الشَّابُّ أَمْرَهُ : وُفِّقَ فيه، وثاب فلانٌ إلى رُشده : رجع إلى طبيعته وعاد إلى صوابه، وذهب الحادثُ برُشدِه : أفقده صوابه، وفقَد رُشْدَه: جُنَّ ، وتصرَّف بطيْش وتسرُّع.
هذا في اللُّغة، أمَّا عند الفقهاء فهو: أن يَبْلُغ الصَّبيُّ حدَّ التَّكليف صالحًا في دينه مُصلحًا لماله.
وقد أشار ابن القيِّم رحمه الله في «إغاثة اللَّهفان» (2/168) إلى أنَّ الرُّشْدَ جاء في الكتاب والسُّنَّة تقابله عدَّة أمور:
الأوَّل: الغيُّ، وذلك في موضعين، هما قوله عزَّ وجل: «لَا إِكرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ» [البقرة: 245]، وقوله: «وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا» [سورة الأعراف: 145].
وبهذا المعنى جاء في حديث عنه صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قال: «مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ غَوَى حَتَّى يَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ» [أخرجه البيهقيُّ في «معرفة السُّنن والآثار» (6494) من حديث ابن عبَّاس رضي الله عنهما].
قال الجوهري: «الغَيُّ: الضَّلال والخيبة، وقد غَوي بالفتح يَغْوي غَيًّا وغَوايَةً، فهو غاوٍ وغوٍ، وأغْواهُ غيرُه فهو غَوِيٌّ على فَعيلٍ» [«الصَّحاح»].
الثَّاني: الشَّرُّ، قال سبحانه وتعالى: «وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا» [الجن:10].
الثَّالث: الضِّرُّ، قال عزَّ وجل: «قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا» [سورة الجن، الآية: 21].
ولقد ورد الرُّشد بوصفه أمرًا محسوسًا يُمكن لمسه في تصرُّفات الرَّاشد في قوله سبحانه وتعالى: «وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَاكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَاكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا» [النِّساء: 5].
قال ابن عطيَّة في معرض تفسيره للآية: «قال الحسن وقتادة: الرُّشد في العقل والدِّين، وقال ابن عبَّاس: بل في العقل وتدبير المال لا غير، وهو قول ابن القاسم، والرِّواية الأخرى: أنَّه في العقل والدِّين، مروية عن مالك» [«المحرَّر الوجيز»]، وقال الطَّبري بعد ذكر أقوال المفسِّرين في معنى الرُّشد في هذه الآية: «وأولى هذه الأقوال عندي بمعنى «الرشد» في هذا الموضع، العقلُ وإصلاح المال، لإجماع الجميع على أنَّه إذا كان كذلك، لم يكن ممَّن يستحق الحجرَ عليه في ماله، وحَوْزَ ما في يده عنه، وإن كان فاجرًا في دينه» [تفسير الطَّبري].
من هنا يكون للرُّشد معنى الصَّلاح في أمر الدِّين، وهو الأكثر، ومعنى الصَّلاح في أمر الدُّنيا أيضًا.
فلما كان معنى الرُّشد والرَّشاد يدور حول الصَّلاح والاستقامة على الجادَّة والبعد عن الغيِّ والشَّرِّ، كان هو الأصل الأوَّل والرُّكن الأمتن الَّذي يتحلَّى به معلِّم النَّاس وقدوتهم وإمامهم ليصلح لهم دينهم ودنياهم، ولعلَّه لهذا المعنى تأتي كلمة الرُّشد في سياق قصص القرآن والحديث عن الأنبياء الَّذين هم قادة النَّاس والقدوة لهم، فوردت في سياق الحديث عن قصص كلٍّ من لوط وشعيب وموسى عليهم السَّلام مع أقوامهم، ووردت في ذكر أخبار مؤمني الأمم السَّابقة كمؤمن آل فرعون وأصحاب الكهف([1]).
أمَّا غير الرَّشيد الَّذي ضلَّ طريقه وغوى وأساء التَّوجُّه والتَّوجيه وأساء التَّصرُّف سواء في الأموال وغيرها، كأن يُستأمن على أموال المسلمين فيعمد إلى تبديدها وتبذيرها سواء في زخرفة المساجد المحرَّمة كذلك الإمام الَّذي يتبجَّح في الملأ بأنَّ كلفة نقش البلَّاطِين المغاربة لسقف مسجده بَلَغَت أكثر من مليار ونصف سنتيم، أو صاحبه الَّذي ما وسعته بيوت الله لإقامة المسابقات والدَّورات حتى أقامها في الفنادق الفاخرة على حساب ما جاد به المحسنون الغافلون الَّذين ابتلوا بأمثال هؤلاء الغير راشدين، فأنَّى لهم أن يُرشدوا، والأسوأ منهم أولئك الَّذين ما تميَّزوا طريقهم ولا أوضحوا سبيلهم، فهم عند أهل الغيِّ مرضيُّون، وعند أهل الرُّشد ضبابيِّون، كأنِّي بهم على منهج من نعتهم ربُّنا بقوله: «وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْ إِلَى شَيَاطِينِهِم قَالُوا إِنَّا مَعَكُم إِنَّمَا نَحْنُ مُستَهْزِئُونَ» [البقرة: 14].
الأصل الثَّاني: الهدى
الهدى من حيث اللُّغة، فإنَّ لفظ (الهدى) يفيد معنى الإرشاد والدَّلالة؛ يقال: هداه إلى الطَّريق وللطَّريق: أي أرشده ودلَّه إليه، والمسلم يطلب الهداية إلى الطَّريق المستقيم صباح مساء فيقول: «اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيم»، أي: أرشدنا يا الله إلى طريق الحقِّ والصَّواب، ودلَّنا على ما فيه فلاحنا في الدُّنيا والآخرة.
قال ابن الأنباري: «أصل الهدى في كلام العرب: التَّوفيق»، وقال ابن عطيَّة: «الهداية في اللُّغة: الإرشاد، لكنَّها تتصرَّف على وجوه، يعبِّر عنها المفسرون بغير لفظ الإرشاد، وكلُّها إذا تُؤمِّلت رجعت إليه»، وقال الرَّاغب: «الهداية: دلالةٌ بلطف، ومنه الهديَّة، وخُصَّ ما كان دلالة بـ (هَدَيْت)، وما كان إعطاء بـ (أَهْدَيت)، نحو: أهديت الهديَّة، وهَدَيت إلى البيت» [«مفردات القرآن» (538)].
وقد ورد الهدى في القرآن بمعانٍ كثيرة، أوصلها ابن الجوزي في «نزهة الأعين النَّواظر» (625) إلى أربعة وعشرين وجهًا، منها:
الأوَّل: بمعنى البيان، ومنه قوله تعالى: «أولئك على هدى من ربهم» [البقرة:5]، ومثله قوله سبحانه: «إنا هديناه السبيل» [الإنسان:3].
الثَّاني: بمعنى دين الإسلام، ومنه قوله تعالى: «إنَّ هدى الله هو الهدى» [البقرة:120]، ونحوه قوله سبحانه: «إنك لعلى هدى مستقيم» [الحج:67].
الثَّالث: بمعنى الإيمان، ومنه قوله تعالى: «وزدناهم هدى» [الكهف:13]، ونحوه قوله سبحانه: «أنحن صددناكم عن الهدى» [سبأ:32].
الرَّابع: بمعنى الدَّعوة إلى الله، ومنه قوله تعالى: «وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا» [الأنبياء:73]، ونحوه قوله سبحانه: «وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا» [السجدة:24].
الخامس: بمعنى الدَّلالة والإرشاد والتَّعريف، ومنه قوله تعالى: «وعلامات وبالنَّجم هم يهتدون» [النحل:16]، ونحوه قوله سبحانه: «أن يهديني سواء السبيل» [الأنبياء:31].
السَّادس: بمعنى أمر محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم، ومنه قوله تعالى: «إنَّ الَّذين يكتمون ما أنزلنا من البيِّنات والهدى» [البقرة:159]، ونحوه قوله سبحانه: «من بعد ما تبين لهم الهدى» [محمد:25،32].
السَّابع: بمعنى القرآن، ومنه قوله تعالى: «وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى» [الإسراء:94]، ونحوه قوله سبحانه: «ولقد جاءهم من ربهم الهدى» [النجم:23].
الثَّامن: بمعنى نهج الأنبياء السابقين، ومنه قوله تعالى: «فبهداهم اقتده» [الأنعام:90].
التَّاسع: بمعنى التَّسديد والتَّصويب، ومنه قوله تعالى: «وأنَّ الله لا يهدي كيد الخائنين» [يوسف:53]، ونحوه قوله تعالى: «أرأيت إن كان على الهدى» [العلق:11].
العاشر: بمعنى الثبات، ومنه قوله تعالى: «اهدنا الصِّراط المستقيم».
وعلى هذا جاء التَّوجيه النَّبويُّ الكريم لاتِّباع هدي من كانت هذه صفاتهم بعد الأمر باتِّباع العصمة المتمثِّلة في سنَّته صلَّى الله عليه وسلَّم الَّتي هي خير الهدي وأفضله، وأتمُّ الرَّشاد وأكمله، وقد نفى الله تعالى عنه ما يضاد الهدى والرَّشاد فقال تعالى: «مَا ضلَّ صَاحِبكُم وَمَا غَوَى» [النَّجم:2]، قال الزَّمخشري عند هذه الآية: «والضَّلال نقيض الهدى، والغيُّ نقيض الرُّشد»، وقال شيخ الإسلام شارحًا معنى الصِّراط المستقيم في «مجموع الفتاوى» (1/198): «فالصِّراط المستقيم هو ما بعث الله به رسوله محمَّدًا صلَّى الله عليه وسلَّم بفعل ما أمر وترك ما حظر وتصديقه فيما أخبر، ولا طريق إلى الله إلَّا ذلك، وهذا سبيل أولياء الله المتَّقين وحزب الله المفلحين وجند الله الغالبين، وكلُّ ما خالف ذلك فهو من طرق أهل الغيِّ والضَّلال، وقد نزَّه الله تعالى نبيَّه عن هذا وهذا، فقال تعالى: «وَالنَّجمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُم وَمَا غَوَى وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى إِن هُوَ إِلَّا وَحيٌ يُوحَى» [النَّجم:1-4]، وقد أمرنا الله سبحانه أن نقول في صلاتنا «اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمْتَ عَلَيهِم غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِم وَلَا الضَّالِين»، وقد روى التِّرمذيُّ وغيره عن عديِّ بن حاتم عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قال: «اليَهُودُ مغضوبٌ عَلَيهِم، وَالنَّصَارَى ضَالُّونَ»، قال التِّرمذي: «حديث صحيح»، وقال سفيان بن عيينة: «كانوا يقولون: من فسد من علمائنا ففيه شبهٌ من اليهود، ومن فسد من عبَّادنا ففيه شبهٌ من النَّصارى»، وكان غير واحد من السَّلف يقول: «احذروا فتنة العالم الفاجر والعابد الجاهل، فإنَّ فتنتهما فتنةٌ لكلِّ مفتون»، فمن عرف الحقَّ ولم يعمل به أشبه اليهود الَّذين قال الله فيهم: «أتأمرون النَّاس بالبرِّ وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون» [البقرة:44]، ومن عبد الله بغير علم بل بالغلوِّ والشِّرك أشبه النَّصارى الذين قال الله فيهم: «يَا أَهلَ الكِتَابِ لَا تَغلُوا فِي دِينِكُم غَيرَ الحَقِّ وَلَا تَتَّبُعوا أَهوَاءَ قَومٍ قَد ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ» [المائدة:77]، فالأوَّل من الغاوين، والثَّاني من الضَّالين، فإنَّ الغيَّ اتِّباع الهوى، والضَّلالُ عدم الهدى، قال تعالى: «وَاتلُ عَلَيهِم نَبَأَ الَّذِي آتَينَاهُ آيَاتِنَا فانسَلَخَ مِنهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيطَانُ فَكَانَ مِنَ الغَاوِينَ، وَلَو شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّه أَخلَدَ إِلَى الأَرضَ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلَهُ كَمَثَلِ الكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيهِ يَلْهَثْ أَو تَتْرُكْه يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ القَومِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ القَصَصَ لَعَلَّهُم يَتَفَكَّرُونَ» [الأعراف:175-176]، وقال تعالى: «سَأصرِفُ عَن آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُون فِي الأَرضِ بِغَيرِ الحَقِّ وَإِن يَرَوا كُلَّ آيةٍ لَا يُؤمِنُوا بِهَا وَإن يَرَوا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَوا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأنَّهُم كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنهَا غَافِلِينَ» [الأعراف:147]، ومن جمع الضَّلال والغيَّ ففيه شبهٌ من هؤلاء وهؤلاء».
وبناءً عليه كان لزامًا على الدُّعاة المخلصين والهداة المصلحين أن يجتهدوا لتحقيق هذه المعاني الجليلة والخصال الكريمة، لتثمر جهودهم وتظهر آثار دعوتهم.
=======
مقتبس من تفسير الشعراوي
تفسير الشعراوي للآية 256 من سورة البقرة
{لاَ إِكْرَاهَ فِي الدين قَد تَّبَيَّنَ الرشد مِنَ الغي} والرشد: هو طريق النجاة، و(الغي): هو طريق الهلاك. ويقول الحق إيضاحاً للرشد والغي في آية أخرى من آيات القرآن الكريم: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الذين يَتَكَبَّرُونَ فِي الأرض بِغَيْرِ الحق وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرشد لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الغي يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذلك بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ}.. [الأعراف : 146]. إن الحق يعلمنا أن المتكبرين في الأرض بغير حق لن يستطيعوا الفوز برؤية آيات الله ودلائل قدرته، وحتى إن رأوا السبيل الصحيح فلن يسيروا فيه، وإن شاهدوا طريق الضلال سلكوا فيه لأنهم يكذبون بآيات الرحمن ويغفلون عنها. والغي أيضا هو ضلال الطريق، فعندما يسير إنسان في الصحراء ويضل الطريق يقال عنه: (فلان قد غوى) أي فقد الاتجاه الصحيح في السير، وقد يتعرض لمخاطر جمة كلقاء الوحوش وغير ذلك. ويوضح لنا الحق طريق الرشد بمنطوق آخر في قوله الحق: {وَأَنَّا لاَ ندري أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الأرض أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً}.. [الجن : 10]. إن الجن قد ظنوا كما ظن بعض من معشر الإنس أن الله لن يبعث أحداً بعد الموت أو لن يرسل رسولاً من البشر لهداية الكون. وقد طلب الجن بلوغ السماء فوجدوها قد مُلئت حرساً من الملائكة وشُهباً محرقة. وإن الجن لا يعلمون السر في حراسة السماء وهل في ذلك شَرٌّ بالبشر أو أراد الله بهم خيراً وهدى. إذن فالرُّشْد بضم الراء وتسكين الشين والرَشَد بفتح الراء وفتح الشين كلاهما يوضح الطريق الموصل للنجاة. ويقابل الرشد الغيّ.
=======
التحرير والتنوير » سورة البقرة » قوله تعالى لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي
وقوله : قد تبين الرشد من الغي واقع موقع العلة لقوله : لا إكراه في الدين ولذلك فصلت الجملة .
و ( الرشد ) بضم فسكون ، وبفتح ففتح ، الهدى وسداد الرأي ، ويقابله الغي والسفه ، والغي : الضلال ، وأصله مصدر : غوى ، المتعدي ، فأصله ( غوي ) قلبت الواو ياء ثم أدغمتا ، وضمن ( تبين ) معنى : تميز . فلذلك عدي بـ ( من ) وإنما تبين ذلك بدعوة الإسلام وظهوره في بلد مستقل بعد الهجرة .
وقوله : فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى تفريع على قوله : قد تبين الرشد من الغي إذ لم يبق بعد التبيين إلا الكفر بالطاغوت ، وفيه بيان الإكراه في الدين ، إذ قد تفرع عن تميز الرشد من الغي ظهور أن متبع الإسلام مستمسك بالعروة الوثقى فهو ينساق إليه اختيارا .
===========
التحرير والتنوير » سورة الأعراف
=======
ويقابل سبيل الرشد سبيل الغيّ
سبيل الغي
الطريق الموصل للهلاك والضلال و الفساد والسفه
للاطلاع و الفائدة
==============
مفهوم الرشد
كلثومة دخوش نشر في ميثاق الرابطة
يوم 21 - 05 - 2010
ورد مصطلح الرشد في القرآن الكريم تسع عشرة مرة بالصيغ الموالية: الرُُّشْد- رَشَدا-الرَّشاد- يرشُدون- رشيد- مُرشد- الراشدون.
والراء والشين والدال (رشد) في اللغة أصلٌ واحدٌ يدلُّ على استقامةِ الطريق[1] .
و "الرَشادُ: خلاف الغَيّ، وقد رَشَدَ يَرْشُدُ رُشْداً، ورَشِدَ بالكسر يَرْشَدُ رَشَداً لُغَةٌ فيه"[2].
ولقد ورد الرشد في مقابل الغي في موضعين من موارد المصطلح هما قوله عز وجل: "لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ" [سورة البقرة، الآية: 245] وقوله: "وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا" [سورة الاَعراف: 145].
وبنفس الاستعمال ورد في قوله صلى الله عليه وسلم في إحدى خطبه: "مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ غَوَى حَتَّى يَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ [3]."
و"الغَيُّ: الضلال والخيبة أيضاً. وقد غَوي بالفتح يَغْوي غَيًّا وغَوايَةً، فهو غاوٍ وغوٍ، وأغْواهُ غيره فهو غَوِيٌّ على فَعيلٍ" [4].
كما جاء الرشد مقابلا للشر في قوله سبحانه وتعالى: "وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الاَرض أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا" [سورة الجن، الآية:10]
وللضر في قوله عز وجل: "قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا" [سورة الجن، الآية: 21].
واعتبر القرآن الكريم الإيمان طريقا للرشد في آيات قرآنية منها قوله سبحانه: "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ اَجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُوْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ" [سورة البقرة، الآية: 185].
ومن خصائص مصطلح الرشد في القرآن الكريم ارتباطه بالقصص القرآني، حيث ورد في معظم موارده في سياق ذكر أخبار مؤمني الأمم السابقة كمؤمن آل فرعون وأصحاب الكهف، ثم ورد في سياق ذكر الجن الذين آمنوا بالقرآن، ودعوتهم قومهم واصفين القرآن الكريم بقولهم: "إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فأَمنا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا"[ سورة الجن، الآية: 1-2].
كما ورد أيضا في سياق الحديث عن قصص كل من لوط وشعيب وموسى عليهم السلام مع أقوامهم.
ولقد ورد الرشد بوصفه أمرا محسوسا يمكن لمسه في تصرفات الراشد في قوله سبحانه وتعالى: "وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَاكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَاكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا" [سورة النساء، الآية: 5].
قال ابن عطية في معرض تفسيره للآية: "قال الحسن وقتادة: الرشد في العقل والدين، وقال ابن عباس: بل في العقل وتدبير المال لا غير، وهو قول ابن القاسم في مذهبنا، والرواية الأخرى: أنه في العقل والدين، مروية عن مالك "[5]. وقال الطبري بعد ذكر أقوال المفسرين في معنى الرشد في هذه الآية: "وأولى هذه الأقوال عندي بمعنى"الرشد" في هذا الموضع، العقل وإصلاح المال لإجماع الجميع على أنه إذا كان كذلك، لم يكن ممن يستحق الحجرَ عليه في ماله، وحَوْزَ ما في يده عنه، وإن كان فاجرًا في دينه"[6] .
من هنا يكون للرشد معنى الصلاح في أمر الدين، وهو الأكثر، ومعنى الصلاح في أمر الدنيا أيضا، ومنه وصف الأمر بالرشد كما في قوله عز وجل: "وما أمرُ فرعَوْن برشيد" [سورة هود، الآية: 96]،
"وقال بعضهم: الرََّشَد أي بفتحتين... أخص من الرُّشْد؛ لأن الرشد بالضم يقال في الأمور الدنيوية والأخروية والرشد يقال في الأمور الأخروية لا غير"[7] .
والرشيد والراشد هو المستقيم على طريق الحق، قال الله تعالى: "وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الاَمر لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الاِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ" [ سورة الحجرات، الآية: 7].
---------------
1. ابن فارس، مقاييس اللغة، رشد.
2.الجوهري، الصحاح، رشد.
3. مسند الإمام الشافعي، كتاب إيجاب الجمعة، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، البيهقي، معرفة السنن والآثار.
4. الجوهري.
5.المحرر الوجيز.
6.جامع البيان في تفسير القرآن.
7. نقل هذا القول الآلوسي في تفسيره روح المعاني.
ومعنى الرشد: حسن التصرف ووضع الامور في مواضعها، وقد يرافق البلوغ، وقد يتأخر عنه قليلاُ او كثيراً، وقد يتقدمه، لكن لا اعتبار له قبل البلوغ.
وليس للرشد سن معينة عند جمهور الفقهاء، وانما الامر متروك لاستعداد الشخص وتربيته وبيئته، وليس في النصوص الشرعية تحديد له.
واغلب القوانين المدنية للاحوال الشخصية في الدول تعتبر الانسان كامل الاهلية ومستقل الشخصية في سن الثامنة عشرة، وبعضها كالقانون المصري يرفعها الى سن 21سنة.
كما ان معرفة رشد الانسان راجع الى ملاحظة تصرفاته وممارساته، فيختبر مستواه عن طريقها يقول تعالى:﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهـُمْ رُشْدًا فَادْفَعـُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾[1].
حيث ان اموال اليتيم الصغير تكون بيد وليه، فاذا ما بلغ، ولوحظ منه الرشد، دفعت اليه امواله، ليتحمل هو مسؤلية التصرف فيها.
ويفرّق بعض الفقهاء بين الرشد في المجال المالي والرشد في المجال الإجتماعي، فقد يكون الانسان حسن التصرف في الشؤن المالية، لكنه لايمتلك النضج الاجتماعي لإدارة الحياة العائلية، فهنا لا يستقل بالقرار في عقد الزواج بل لابد من اذن وليه، وان كانت تصرفاته المالية ممضاة وصحيحة. كما اشار الى ذلك السيد محمد كاظم اليزدي في العروة الوثقى في المسألة الثامنه من مسائل اولياء العقد.
الرشد في منطق القرآن:
جاء الحديث عن الرشد في القرآن تسعة عشر مرة، وفي بعضها جـاء بضـم الراء وسكـون الشين﴿رُشْد﴾كقولـه تعالى:﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْـدُ مِنْ الغَيِّ﴾[2]، وقولــه تعـالى:﴿فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا﴾[3]، وجاء في موارد اخـرى بفتح الراء وفتـح الشين﴿رَشَدا﴾كقولـه تعـالى:﴿وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا﴾[4]، وقولـه تعالى:﴿فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا﴾[5]وهما مترادفان.
ويبدو أن المقصود بالرشد في منطق القرآن، ما يقابل الغي، فهو بمعنى الهدى في مقابل الضلال والانحراف، وهي مقابلة واضحـة في قـولــه تعالى:﴿وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً﴾[6].
كما جاء استخدام الرشد في مقابل السفه، فيكون بمعنى حسن التصرف والتدبير في مقابل خفة الرأي وضعف التدبير، وذلك هو مفاد المقابلة ضمن الحديث عن رعاية شـؤون الايتـام في قولـه تعـالى:﴿وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفًا.وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾[7]. فقبل امتلاك الرشد يكون الانسان ضعيف الرأي غير ناضج التصرف، وهو ما يعّبر عنه بالسفه، فاذا تجاوز هذه الحالة اطلق عليه راشد.
الرشد الاجتماعي:
قد نتحدث عن الرشد على مستوى الافراد، فنلحظ فرداً رشيداً يميز مصلحته ويحسن التصرف والتدبير، في مقابل فرد ضعيف الرأي، لا يتخذ الموقف المناسب فيما يواجهه من ظروف واوضاع.
وقد نتحدث عن الرشد على مستوى المجتمعات والجماعات، فهناك مجتمع راشد، ومجتمع يفتقد الرشد والنضج، فكيف نقوّم المجتمعات والجماعات على هذا الصعيد؟ وما هي سمات الرشد الاجتماعي؟
في القرآن الحكيم جاء الحديث عن المجتمع الراشد ضمن قولـه تعالى:﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمْ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمْ الرَّاشِدُونَ﴾[8]
والآية الكريمة تشير الى اهم صفة في المجتمع الراشد، وهي الانسجام النفسي والفكري والسلوكي مع المبادئ والقوانين الشرعية..
فالمبدأ الذي يؤمن به المجتمع، تارة يكون مجرد هويّة وعنوان، وتارة يؤخذ المبدأ على اساس التلقي من الاسلاف دون وعي واقتناع، وقد يتفاعل المجتمع مع المبدأ على المستوى الروحي النفسي، لكنه من الناحية العقلية الفكرية لديه تحفظات واشكالات، وقد يحصل العكس بوجود اقتناع فكري نظري، دون توّفر انشداد روحي نفسي، وقد يكون المبدأ وقوانينه امراً مفروضاً على ذلك المجتمع لسبب او لآخر، وكل تلك الحالات تنبئ عن ضعف وخلل في بنية المجتمع وكيانه، حين يؤمن بعقيدة موروثة دون اقتناع، او يدين بمبدأ لا يلتزم بتطبيق انظمته وقوانينه في واقع حياته، او يخضع لشريعة بالقوة والفرض..
اما المجتمع الراشد الذي تشير اليه الآية الكريمة﴿أُوْلَئِكَ هُمْ الرَّاشِدُونَ﴾فهو يتمتع بالصفات التالية:
1/ حب العقيدة والمبدأ﴿حَبَّـبَ إِلَيْكُـمْ الإِيمَانَ﴾بما تحمله كلمة الحب من معاني الانجذاب النفسي، والانشداد الروحي.
2/ الوعي بالمبدأ﴿وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾أي ادركتم بعقولكم صحة منهجكم الايماني، وانه الافضل الذي تزدان به حياتكم.
3/ الردع الذاتـي عـن المخـالفـة والانحـراف﴿وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ﴾وهو ناتج عن الصفتين السابقتين، فاذا كان الانسان محباً لمبدئه، من اعماق نفسه، وواعياً بدينه في فكره وعقله، فانه بذاته يكره المعصية، وينفر من الخروج عن حدود النظام والقانون، وهكذا فان الحالة العامة في المجتمع الراشد، هي الالتزام والانضباط بدافع ذاتي، واجتناب المخالفة.
بالطبع حينما ينسب الخالق جلّ وعلا لنفسه التحبيب والتكريه،﴿حَبَّبَ إِلَيْكُمْ﴾و﴿وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ﴾فانه لا يعني الاجبار التكويني على ذلك، وانما المقصود تهيئة الوسائل والظروف المناسبة، والتوفيق للقبول والاستجابة.
ومن خلال الآية الكريمة، وعلى ضوء ما حدد به الفقهاء معنى الرشد، الذي يشترط توفره لاقرار اهلية التعاقد وصلاحية التصرف عند الانسان، يمكننا الاشارة الى اهم سمات وصفات المجتمع الراشد.
الوعي والمعرفة:
1- اذا كان الفقهاء يعتبرون القدرة على تمييز المصلحة، والتفريق بين النافع والضار، هو اول مستويات الرشد، التي يترتب عليها الاثر الشرعي والقانوني، لجهة الاعتراف باهلية الانسان واستقلال شخصيته، فيمكننا ان نقتبس من ذلك تحديد اول مستويات الرشد الاجتماعي، وهو وعي المجتمع ومعرفته بالامور والشؤن التي ترتبط بواقعه، ليتمكن من تشخيص مصلحته، والتفريق بين ما ينفعه او يضره كمجتمع.
ان كثيراً من الناس في المجتمع يستغرقون في هموهم الذاتية الشخصية، او ينشغلون بمسائل جانبية ثانوية، ولا يلتفتون لقضايا مجتمعهم، ولا يعون الظروف والاوضاع التي تحوط بأمتهم.
يحدثنا القرآن عن الجماعة الراشدة في العهد الاسلامي الاول، يوم كانوا اقلية في مكة الخاضعة لاجواء الشرك آنذاك، كيف كانوا مهتمين بنتائج معركة بين الروم والفرس، تجري في ادنى ارض الروم واقرب نقاطها الى الفرس، ومع هذا البعد الجغرافي، الا ان المؤمنين في مكة كانوا يتابعون المعركة، وحينما انتصر الفرس المشركون على الروم الكتابيين، تأثر المؤمنون لهزيمة الروم، رغم عدم وجود تواصل او تحالف بينهم وبينهم، مما يدل على وعي وادراك بابعاد تلك الحرب، وآثارها وانعكاساتها، لذلك انزل الله تعالى سورة كاملة من القرآن باسم سورة (الروم)، تتحدث عن تلك المعركة وعن تفاعل المؤمنين مع نتائجها، ويبشرهم بتغير المعادلة خلال فترة زمنية وجيزة، حيث سينتصر الروم في بضع سنين قادمة، يقول تعالى:﴿الم. غُلِبَتْ الرُّومُ. فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ. فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ﴾[9].
واذا ما اخذنا بعين الاعتبار دور الشهادة على العالم الذي اناطه الله تعالى بالمؤمنين﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًـا لِتَكُونُوا شُهَـدَاءَ عـَلَى النَّاسِ﴾[10]. فان ذلك يعني ضرورة تطلع المجتمع الايماني الى ارفع مستوى من الوعي، يتمكن به من مراقبة التحولات العالمية، والمعادلات الدولية، فضلاً عن وعيه باوضاعه وقضاياه، يقول الامام علي:«لا بد للعاقل من ثلاث ان ينظر في شأنه، ويحفظ لسانه، ويعرف زمانه» [11].
حسن التصرف:
2- كيف يتصرف المجتمع تجاه الظروف والمشاكل والازمات؟ هل تسوده حالة الاستسلام وانتظار المعجزة من المجهول؟ ام تسيطر عليه الانفعالات والاحاسيس، ويحركه الحماس المجرد عن التخطيط السليم؟ ام يواجه التحديات بتفكير موضوعي، وبرامج حكيمة؟
ويقاس رشد المجتمع ونضجه بما يختار ويسلك من هذه الخيارات، فالانهزام امام المشكلة، يكشف عن فقد الارادة وضعف الثقة، بينما الوقوع تحت حالة العاطفة والانفعال، وغياب الحكمة والتعقل، قد يضاعف المشكل ويعمّق الازمة.
وما يقتضيه الرشد هو حسن التصرف، واتخاذ الموقف المناسب في الظرف المناسب، فقد يستلزم الظرف شدة وقوة، وقد يستدعي حماسة وانفعالاً، وقد يتطلب مرونة واستيعابا.
وفي سيرة الرسول محمداروع النماذج والامثلة لحسن التصرف في الظروف المختلفة، فالمسلمون الاوائل مع رسول اللهكانوا كما وصفهم الله تعالى﴿أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ﴾ [12]والمعارك والغزوات التي خاضوها تكشف عن شجاعتهم وتضحياتهم، لكن هؤلاء الاشداء على الكفار، تقبلوا صلح الحديبية في السنة السادسة للهجرة، بما تضمنته اتفاقية الصلح من شروط لصالح المشركين في ظاهرها وعلى حساب عزة المسلمين، حتى ان بعض الاصحاب سيطرت عليه حالة الحماس والانفعال واعترض على ماحصل، كما يذكر ابن هشام وسائر المؤرخين ان عمر بن الخطاب اتى رسول اللهفقال: يارسول الله، الست برسول الله؟ قال:«بلى»، قال او لسنا بالمسلمين؟ قال:«بلى»، قال: او ليسوا بالمشركين؟ قال:«بلى»، قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟ قال:«أنا عبد الله ورسوله، لن أُخالف امره، ولن يُضيعني!»قال: فكان عمر يقول: مازلت اتصدق واصوم واصلي واعتق، من الذي صنعت يومئذٍ مخافة كلامي الذي تكلمت به، حتى رجوت ان يكون خيراً[13].
لقد رفض سهيل بن عمرو المفاوض من قبل قريش ان يكتب في وثيقة الصلح: بسم الله الرحمن الرحيم، واصر ان يكتب بدلها: باسمك اللهم. فوافق الرسولعلى ذلك. ثم اعترض سهيل على كلمة (هذا ماصالح عليه محمد رسول الله) قائلاً: لو شهدت انك رسول الله لم اقاتلك، ولكن اكتب اسمك واسم ابيك فقط: ووافق الرسول على ذلك ايضاً. واشترط سهيل: ان من أتى محمدا من قريش بغير أذن وليه رده عليهم، ومن جاء قريشاً ممن مع محمد لم يردوه عليه، ومع انه شرط مجحف الا أن الرسولوافق عليه، وحدث ان جاء احد المسلمين المضطهدين في مكة، يجر القيود والاغلال لاجئاً الى معسكر المسلمين، وهو ابو جندل بن سهيل بن عمرو، فقام له ابوه سهيل وضرب وجهه، وطلب من الرسول ان يرده الى قريش، وان يرفض لجوءه، فوافق الرسول على ذلك، فصاح ابو جندل: يا معشر المسلمين أأرد الى المشركين يفتنوني في ديني؟ مما اثار حماس المسلمين لكن الرسولقال له:« يا ابا جندل اصبر واحتسب، فان الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجا»[14].
ومع كل ذلك اعتبر الله تعالى هذا الصلح فتحاً مبيناً﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا﴾ [15]،لأن نتيجته كانت في الاخير لمصلحة الاسلام، هكذا يجب ان يتحكم العقل في الموقف، وليس العاطفة المجردة، والمجتمع الراشد هو الذي يقوّم الظرف ويتخذ الموقف المناسب تجاهه بموضوعية وتفكير.
الاستفادة من الامكانيات:
3- لكل مجتمع امكانياته الطبيعية والبشرية، والتي تختلف وتتفاوت من مجتمع لآخر، وما يمّيز المجتمع الراشد عن غيره، هو الاهتمام باكتشاف الامكانيات، والعمل على استثمارها والاستفادة منها، وتوظيفها في مصلحة تقدم المجتمع.
ان بعض المجتمعات تهمل مواردها الطبيعية، وتتجاهل كفاءات وقدرات ابنائها، بينما تسعى المجتمعات الواعية، لتنمية مواردها، والاستفادة من امكانياتها الطبيعية والبشرية باكبر قدر ممكن.
وهذه قبرص الجزيرة الصغيرة القريبة منا تشكل مثالاً للاستفادة من الامكانيات الطبيعية، فهي تقع في الركن الشمالي الشرقي من البحر الابيض المتوسط، وتبعد عن جنوب تركيا 64كم وعن غرب سوريا 100كم، ويقل سكانها عن السبعمائة الف نسمة، وهم في مستوى معيشي مرتفع كالاوربيين، وتبلغ نسبة المتعلمين فيهم 90% ومع انهم ليست لديهم ثروات نفطية ومعدنية، لكنهم استثمروا الطبيعة الخلاّبة وحولوا بلادهم الى منطقة سياحية هامة، تشكل السياحة فيها مورداً اقتصادياً اساسياً، اضافة الى الانتاج الزراعي الوفير.
وفي مجال استثمار الموارد البشرية تقدم اليابان مثلاً رائعاً، حيث تكمن قوتها العلمية والاقتصادية، في تطوير مستوى الاداء التكنلوجي والصناعي لابنائها، فاليابان الآن قوة اقتصادية عظمى في العالم رغم قلة مواردها الطبيعية، فهي تستورد كثيراً من الخام التي تحتاجها الصناعات.
وكم تمتلك مجتمعات امتنا الاسلامية من قدرات وامكانيات هائلة، لكن ماتحتاجه هو التوجه لاستثمارها وتنميتها وتوظيفها من اجل التقدم والازدهار.
هدانا الله واياكم سبيل الرشاد ووفق مجتمعنا للرشد والصلاح.
=====
الرشد
حين " أوى الفتية إلى الكهف " ... لم يسألوا الله النصر، ولا الظفر، ولا التمكين !!!
فقط قالوا: "ربنا آتنا من لدنك رحمة وهئ لنا من أمرنا رشدا "
"رشدا"
والجن لما سمعوا القرآن أول مرة قالوا عنه: ( إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدى إلي الرشد فآمنا به )
"الرشد "
فالرشد هو :
- إصابة وجه الحقيقة ...
- هو السداد ...
- هو السير في الإتجاه الصحيح ...
فإذا ارشدك الله فقد اوتيت خيرا عظيما... وخطواتك مباركه !!!
وبهذا يوصيك الله أن تردد:
"وقل عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشدا "
بالرشد
تختصر المراحل
تختزل الكثير من المعاناة
وتتعاظم لك النتائج
... حين يكون الله لك " ولياً مرشداً "
لذلك حين بلغ موسى الرجل الصالح لم يطلب منه إلا أمرا واحداً هو :
"هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشداً "
فقط رشداً ...
فإن الله إذا هيأ لك أسباب الرشد ... فإنه قد هيأ لك أسباب الوصول للنجاح الدنيوي والفلاح الأخروي ...
اللهم هيئ لنا من أمرنا رشداً ...
ملفت للنظر تكرار كلمة "الرشد" في سورة الكهف في أكثر من قصة .!!
لغوياً , حسب ما أعرف
الرشد ضد الغيّ : والغيّ العدول عن الحق "عن قصد وتعمد".
والهداية ضد الضلال : والضلال العدول عن الحق "سواء بقصد أو بدون قصد" .
ومنه قول دريد بن الصمة الجشمي :
وهل أنا إلا من غزيّة إن غوت .. غويت وإن ترشد غزية أرشدِ .!
يصير معنى الرشد إذا,.
إصابة الحق "عن علم ومعرفة"
======
الهدى والرَّشاد أساس خصال من جعله الله قدوة للعباد
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمد لله الهادي إلى الحقِّ والرَّشاد، والصَّلاة والسَّلام على نبيِّنا محمَّد خير العباد، وعلى آله وأصحابه ومن اتَّبع سبيلهم إلى يوم التَّناد، أما بعد:
فقد وصف النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم مَن بعده ممَّن أمر باتباعهم واقتفاء آثارهم بوصفين عظيمين عليهما المُعوَّل وهما الأساس لكلِّ قدوة أو أسوة في هذه الأمَّة، قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «فإنَّه من يعش منكم بعدي سيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنَّتي وسنَّة الخلفاء الرَّاشدين المهديِّين، عضُّوا عليها بالنَّواجذ، وإيَّاكم ومحدثات الأمور، فإنَّ كلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة».
أخرجه أحمد (٤/ ١٢٦، ١٢٧)، وأبو داود (رقم ٤٦٠٧) و (رقم ٢٦٧٦)، وابن أبي عاصم في «السُّنَّة» (رقم ٥٤) والحاكم (١/ ٩٧) وابن حبَّان كما في «الموارد» رقم (١٠٢) وصحَّحه الحاكم ووافقه الذَّهبي، وقال التِّرمذي: «حديث حسن صحيح»، وصحَّحه الألباني في «ظلال الجنَّة».
هذا الحديث العظيم الَّذي تجلَّت فيه نبوَّةٌ من نبوَّات نبيِّنا الكريم كما وصفها وحذَّر من شرها، فقد وقع الخلاف والاختلاف، وتتابعت الفتن وتوالت المحن على هذه الأمَّة الَّتي أكرمها الله ومنَّ عليها ببعثة هذا النَّبيِّ الكريم، قال تعالى: «لَقَد مَنَّ اللهُ عَلَى المُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِم رَسُولًا مِنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيهِم آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِم وَيُعَلِّمُهُم الكِتَابَ وَالحِكمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ» [آل عمران:164].
كما تضمَّن الحديث بيان الأصلين العظيمين اللَّذين ينبغي أن يتَّصف بهما من يُقتدى به من أهل الخير والصَّلاح، وهما الهدى والرَّشاد، فالقدوة والدَّاعية الَّذي يدلُّ النَّاس على الخير ويدعوهم إليه بحاله وسمته وأفعاله قبل أقواله ينبغي أن يكون مهتديًا وهاديًا وراشدًا رشيدًا، لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «...وسنَّة الخلفاء الرَّاشدين المهديِّين من بعدي»، فالهداية والرَّشاد أصلان أساسيان وخصلتان ضروريَّتان يتعيَّن تحقُّقهما في كلِّ من بوَّأه الله منزلة الإمامة في الدِّين وجعله قدوةً للمسلمين، فالقدوة الأولى والمعلِّم الأعظم لنا هو رسول الله صلَّى الله عليه وسلم، وهو المثَل البشريُّ الأعلى، وهو خير خلق الله على الإطلاق، ونحن مأمورون بالاقتداء به والسَّير على نهجه بنصِّ القرآن، قال الله تعالى: «وَمَا آتَاكُم الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُم عَنهُ فَانتَهُوا» [الحشر:8]، ودراسةُ سيرته مطلوبة لكلِّ مؤمن، حتَّى يتخلَّق بخلقه ويسير على نهجه، وفي تعلُّم أخباره وتفهُّم مواقفه كثيرٌ من الحكمة والعِظة، وقد قال عزَّ وجل: «لَقَد كَانَ لَكُم فِي رَسُولِ اللهِ أُسوَةٌ حَسَنَةٌ» [الأحزاب:21].
وقد تحقَّقت هذه القدوة، حيث تعلَّم الصَّحابة ـ صغارًا وكبارًا ـ كلَّ معاني الأخلاق الكريمة، واكتسبوا منه كلَّ الأعمال الصَّالحة، حتَّى كان منهم رجال أنزل الله فيهم قرآنًا يُتلى، وتحقَّقت فيهم تربيته حتَّى وصف الله حالهم الزَّكيَّة وأعمالهم المرضيَّة بقوله: «محمَّدٌ رَسُولُ اللهِ والَّذينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاء بَينَهُم تَرَاهُم رُكَّعًا سُجَّدًا يبتغُونَ فَضْلًا مِن اللهِ وَرِضوَانًا سِيمَاهُم فِي وجُوهِهِم مِن أَثَرِ السُّجُودِ ذَلكَ مَثَلُهم فِي التَّورَاةِ وَمَثَلُهُم فِي الإنجِيلِ كَزَرعٍ أَخرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاستَغلَظَ فَاستَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعجِبُ الزُرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِم الكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنهُم مَغفِرَةً وَأَجرًا عَظِيمًا» [الفتح: ٢٩]، وامتدحهم بقوله: «كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيل مَا يَهجَعُونَ، وَبِالأَسحَارِ هُم يَستَغْفِرُونَ» [الذَّاريات: ١٧]، وبقوله: «والَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبلِهِم يُحِبُّونَ مَن هَاجَرَ إِلَيهِم وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَو كَانَ بِهِم خَصَاصَةٌ» [الحشر: ٩].
فيكفيهم فخرًا وشرفًا أن ذكرهم الله في كتابه الَّذي تعهَّد بحفظه، وجعل لهم به ذكرًا في الآخرين، وأبقى حسن أثرهم في الباقين، وهذا غيضٌ من فيضٍ ممَّا نزل في كريم مآثرهم، وجميل محامدهم، وقد تحقَّق بهم فعلًا إقامة المجتمع الفاضل الَّذي شهد له القاصي والدَّاني بالخيريَّة، فقبَّح الله منتقصيهم، المكذِّبين للكتاب ولسنَّة سيِّد العباد، والمخالفين لما كان عليه سلف هذه الأمَّة الأمجاد.
وقبل بيان منزلة هذين الأصلين العظيمين والخصلتين الكريمتين وحسن أثرهما يجدر بنا أن نقف عند حدودهما ونبيِّن مدلوليهما.
الأصل الأوَّل: الرَّشاد
معنى الرُّشْد، قال الجوهري: «الرَّشادُ: خلاف الغيِّ، وقد رشَد يَرْشُدُ رُشْدًا، ورَشِدَ ـ بالكسر ـ يَرْشَدُ رَشَدًا، لُغَةٌ فيه» [«الصَّحَاح»]،وقال بعضهم: الرَّشَد ـ بفتحتين ـ أخصُّ من الرُّشْد، لأنَّ الرُّشد ـ بالضَّمِّ ـ يقال في الأمور الدنيوية والأخرويَّة، والرَشَد يُقال في الأمور الأخرويَّة لا غير» [«مفردات القرآن» للرَّاغب].
وأصل الكلمة (ر ش د) يرجع إلى شيءٍ واحدٍ، وهو ما يدلُّ على استقامةِ الطَّريق [«معجم مقاييس اللُّغةٌ لابن فارس (2/298)]، ومنه يقال: رشَد الولد: بلغ سنَّ الرُّشْدِ ، وهو البلوغ، ورشَد الرَّجل : أصاب واهتدى واستقام، وعرف طريق الرَّشاد، رشَد الشَّابُّ أَمْرَهُ : وُفِّقَ فيه، وثاب فلانٌ إلى رُشده : رجع إلى طبيعته وعاد إلى صوابه، وذهب الحادثُ برُشدِه : أفقده صوابه، وفقَد رُشْدَه: جُنَّ ، وتصرَّف بطيْش وتسرُّع.
هذا في اللُّغة، أمَّا عند الفقهاء فهو: أن يَبْلُغ الصَّبيُّ حدَّ التَّكليف صالحًا في دينه مُصلحًا لماله.
وقد أشار ابن القيِّم رحمه الله في «إغاثة اللَّهفان» (2/168) إلى أنَّ الرُّشْدَ جاء في الكتاب والسُّنَّة تقابله عدَّة أمور:
الأوَّل: الغيُّ، وذلك في موضعين، هما قوله عزَّ وجل: «لَا إِكرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ» [البقرة: 245]، وقوله: «وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا» [سورة الأعراف: 145].
وبهذا المعنى جاء في حديث عنه صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قال: «مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ غَوَى حَتَّى يَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ» [أخرجه البيهقيُّ في «معرفة السُّنن والآثار» (6494) من حديث ابن عبَّاس رضي الله عنهما].
قال الجوهري: «الغَيُّ: الضَّلال والخيبة، وقد غَوي بالفتح يَغْوي غَيًّا وغَوايَةً، فهو غاوٍ وغوٍ، وأغْواهُ غيرُه فهو غَوِيٌّ على فَعيلٍ» [«الصَّحاح»].
الثَّاني: الشَّرُّ، قال سبحانه وتعالى: «وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا» [الجن:10].
الثَّالث: الضِّرُّ، قال عزَّ وجل: «قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا» [سورة الجن، الآية: 21].
ولقد ورد الرُّشد بوصفه أمرًا محسوسًا يُمكن لمسه في تصرُّفات الرَّاشد في قوله سبحانه وتعالى: «وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَاكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَاكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا» [النِّساء: 5].
قال ابن عطيَّة في معرض تفسيره للآية: «قال الحسن وقتادة: الرُّشد في العقل والدِّين، وقال ابن عبَّاس: بل في العقل وتدبير المال لا غير، وهو قول ابن القاسم، والرِّواية الأخرى: أنَّه في العقل والدِّين، مروية عن مالك» [«المحرَّر الوجيز»]، وقال الطَّبري بعد ذكر أقوال المفسِّرين في معنى الرُّشد في هذه الآية: «وأولى هذه الأقوال عندي بمعنى «الرشد» في هذا الموضع، العقلُ وإصلاح المال، لإجماع الجميع على أنَّه إذا كان كذلك، لم يكن ممَّن يستحق الحجرَ عليه في ماله، وحَوْزَ ما في يده عنه، وإن كان فاجرًا في دينه» [تفسير الطَّبري].
من هنا يكون للرُّشد معنى الصَّلاح في أمر الدِّين، وهو الأكثر، ومعنى الصَّلاح في أمر الدُّنيا أيضًا.
فلما كان معنى الرُّشد والرَّشاد يدور حول الصَّلاح والاستقامة على الجادَّة والبعد عن الغيِّ والشَّرِّ، كان هو الأصل الأوَّل والرُّكن الأمتن الَّذي يتحلَّى به معلِّم النَّاس وقدوتهم وإمامهم ليصلح لهم دينهم ودنياهم، ولعلَّه لهذا المعنى تأتي كلمة الرُّشد في سياق قصص القرآن والحديث عن الأنبياء الَّذين هم قادة النَّاس والقدوة لهم، فوردت في سياق الحديث عن قصص كلٍّ من لوط وشعيب وموسى عليهم السَّلام مع أقوامهم، ووردت في ذكر أخبار مؤمني الأمم السَّابقة كمؤمن آل فرعون وأصحاب الكهف([1]).
أمَّا غير الرَّشيد الَّذي ضلَّ طريقه وغوى وأساء التَّوجُّه والتَّوجيه وأساء التَّصرُّف سواء في الأموال وغيرها، كأن يُستأمن على أموال المسلمين فيعمد إلى تبديدها وتبذيرها سواء في زخرفة المساجد المحرَّمة كذلك الإمام الَّذي يتبجَّح في الملأ بأنَّ كلفة نقش البلَّاطِين المغاربة لسقف مسجده بَلَغَت أكثر من مليار ونصف سنتيم، أو صاحبه الَّذي ما وسعته بيوت الله لإقامة المسابقات والدَّورات حتى أقامها في الفنادق الفاخرة على حساب ما جاد به المحسنون الغافلون الَّذين ابتلوا بأمثال هؤلاء الغير راشدين، فأنَّى لهم أن يُرشدوا، والأسوأ منهم أولئك الَّذين ما تميَّزوا طريقهم ولا أوضحوا سبيلهم، فهم عند أهل الغيِّ مرضيُّون، وعند أهل الرُّشد ضبابيِّون، كأنِّي بهم على منهج من نعتهم ربُّنا بقوله: «وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْ إِلَى شَيَاطِينِهِم قَالُوا إِنَّا مَعَكُم إِنَّمَا نَحْنُ مُستَهْزِئُونَ» [البقرة: 14].
الأصل الثَّاني: الهدى
الهدى من حيث اللُّغة، فإنَّ لفظ (الهدى) يفيد معنى الإرشاد والدَّلالة؛ يقال: هداه إلى الطَّريق وللطَّريق: أي أرشده ودلَّه إليه، والمسلم يطلب الهداية إلى الطَّريق المستقيم صباح مساء فيقول: «اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيم»، أي: أرشدنا يا الله إلى طريق الحقِّ والصَّواب، ودلَّنا على ما فيه فلاحنا في الدُّنيا والآخرة.
قال ابن الأنباري: «أصل الهدى في كلام العرب: التَّوفيق»، وقال ابن عطيَّة: «الهداية في اللُّغة: الإرشاد، لكنَّها تتصرَّف على وجوه، يعبِّر عنها المفسرون بغير لفظ الإرشاد، وكلُّها إذا تُؤمِّلت رجعت إليه»، وقال الرَّاغب: «الهداية: دلالةٌ بلطف، ومنه الهديَّة، وخُصَّ ما كان دلالة بـ (هَدَيْت)، وما كان إعطاء بـ (أَهْدَيت)، نحو: أهديت الهديَّة، وهَدَيت إلى البيت» [«مفردات القرآن» (538)].
وقد ورد الهدى في القرآن بمعانٍ كثيرة، أوصلها ابن الجوزي في «نزهة الأعين النَّواظر» (625) إلى أربعة وعشرين وجهًا، منها:
الأوَّل: بمعنى البيان، ومنه قوله تعالى: «أولئك على هدى من ربهم» [البقرة:5]، ومثله قوله سبحانه: «إنا هديناه السبيل» [الإنسان:3].
الثَّاني: بمعنى دين الإسلام، ومنه قوله تعالى: «إنَّ هدى الله هو الهدى» [البقرة:120]، ونحوه قوله سبحانه: «إنك لعلى هدى مستقيم» [الحج:67].
الثَّالث: بمعنى الإيمان، ومنه قوله تعالى: «وزدناهم هدى» [الكهف:13]، ونحوه قوله سبحانه: «أنحن صددناكم عن الهدى» [سبأ:32].
الرَّابع: بمعنى الدَّعوة إلى الله، ومنه قوله تعالى: «وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا» [الأنبياء:73]، ونحوه قوله سبحانه: «وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا» [السجدة:24].
الخامس: بمعنى الدَّلالة والإرشاد والتَّعريف، ومنه قوله تعالى: «وعلامات وبالنَّجم هم يهتدون» [النحل:16]، ونحوه قوله سبحانه: «أن يهديني سواء السبيل» [الأنبياء:31].
السَّادس: بمعنى أمر محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم، ومنه قوله تعالى: «إنَّ الَّذين يكتمون ما أنزلنا من البيِّنات والهدى» [البقرة:159]، ونحوه قوله سبحانه: «من بعد ما تبين لهم الهدى» [محمد:25،32].
السَّابع: بمعنى القرآن، ومنه قوله تعالى: «وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى» [الإسراء:94]، ونحوه قوله سبحانه: «ولقد جاءهم من ربهم الهدى» [النجم:23].
الثَّامن: بمعنى نهج الأنبياء السابقين، ومنه قوله تعالى: «فبهداهم اقتده» [الأنعام:90].
التَّاسع: بمعنى التَّسديد والتَّصويب، ومنه قوله تعالى: «وأنَّ الله لا يهدي كيد الخائنين» [يوسف:53]، ونحوه قوله تعالى: «أرأيت إن كان على الهدى» [العلق:11].
العاشر: بمعنى الثبات، ومنه قوله تعالى: «اهدنا الصِّراط المستقيم».
وعلى هذا جاء التَّوجيه النَّبويُّ الكريم لاتِّباع هدي من كانت هذه صفاتهم بعد الأمر باتِّباع العصمة المتمثِّلة في سنَّته صلَّى الله عليه وسلَّم الَّتي هي خير الهدي وأفضله، وأتمُّ الرَّشاد وأكمله، وقد نفى الله تعالى عنه ما يضاد الهدى والرَّشاد فقال تعالى: «مَا ضلَّ صَاحِبكُم وَمَا غَوَى» [النَّجم:2]، قال الزَّمخشري عند هذه الآية: «والضَّلال نقيض الهدى، والغيُّ نقيض الرُّشد»، وقال شيخ الإسلام شارحًا معنى الصِّراط المستقيم في «مجموع الفتاوى» (1/198): «فالصِّراط المستقيم هو ما بعث الله به رسوله محمَّدًا صلَّى الله عليه وسلَّم بفعل ما أمر وترك ما حظر وتصديقه فيما أخبر، ولا طريق إلى الله إلَّا ذلك، وهذا سبيل أولياء الله المتَّقين وحزب الله المفلحين وجند الله الغالبين، وكلُّ ما خالف ذلك فهو من طرق أهل الغيِّ والضَّلال، وقد نزَّه الله تعالى نبيَّه عن هذا وهذا، فقال تعالى: «وَالنَّجمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُم وَمَا غَوَى وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى إِن هُوَ إِلَّا وَحيٌ يُوحَى» [النَّجم:1-4]، وقد أمرنا الله سبحانه أن نقول في صلاتنا «اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمْتَ عَلَيهِم غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِم وَلَا الضَّالِين»، وقد روى التِّرمذيُّ وغيره عن عديِّ بن حاتم عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قال: «اليَهُودُ مغضوبٌ عَلَيهِم، وَالنَّصَارَى ضَالُّونَ»، قال التِّرمذي: «حديث صحيح»، وقال سفيان بن عيينة: «كانوا يقولون: من فسد من علمائنا ففيه شبهٌ من اليهود، ومن فسد من عبَّادنا ففيه شبهٌ من النَّصارى»، وكان غير واحد من السَّلف يقول: «احذروا فتنة العالم الفاجر والعابد الجاهل، فإنَّ فتنتهما فتنةٌ لكلِّ مفتون»، فمن عرف الحقَّ ولم يعمل به أشبه اليهود الَّذين قال الله فيهم: «أتأمرون النَّاس بالبرِّ وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون» [البقرة:44]، ومن عبد الله بغير علم بل بالغلوِّ والشِّرك أشبه النَّصارى الذين قال الله فيهم: «يَا أَهلَ الكِتَابِ لَا تَغلُوا فِي دِينِكُم غَيرَ الحَقِّ وَلَا تَتَّبُعوا أَهوَاءَ قَومٍ قَد ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ» [المائدة:77]، فالأوَّل من الغاوين، والثَّاني من الضَّالين، فإنَّ الغيَّ اتِّباع الهوى، والضَّلالُ عدم الهدى، قال تعالى: «وَاتلُ عَلَيهِم نَبَأَ الَّذِي آتَينَاهُ آيَاتِنَا فانسَلَخَ مِنهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيطَانُ فَكَانَ مِنَ الغَاوِينَ، وَلَو شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّه أَخلَدَ إِلَى الأَرضَ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلَهُ كَمَثَلِ الكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيهِ يَلْهَثْ أَو تَتْرُكْه يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ القَومِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ القَصَصَ لَعَلَّهُم يَتَفَكَّرُونَ» [الأعراف:175-176]، وقال تعالى: «سَأصرِفُ عَن آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُون فِي الأَرضِ بِغَيرِ الحَقِّ وَإِن يَرَوا كُلَّ آيةٍ لَا يُؤمِنُوا بِهَا وَإن يَرَوا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَوا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأنَّهُم كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنهَا غَافِلِينَ» [الأعراف:147]، ومن جمع الضَّلال والغيَّ ففيه شبهٌ من هؤلاء وهؤلاء».
وبناءً عليه كان لزامًا على الدُّعاة المخلصين والهداة المصلحين أن يجتهدوا لتحقيق هذه المعاني الجليلة والخصال الكريمة، لتثمر جهودهم وتظهر آثار دعوتهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تفسير الشعراوي للآية 256 من سورة البقرة
{لاَ إِكْرَاهَ فِي الدين قَد تَّبَيَّنَ الرشد مِنَ الغي} والرشد: هو طريق النجاة، و(الغي): هو طريق الهلاك. ويقول الحق إيضاحاً للرشد والغي في آية أخرى من آيات القرآن الكريم: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الذين يَتَكَبَّرُونَ فِي الأرض بِغَيْرِ الحق وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرشد لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الغي يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذلك بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ}.. [الأعراف : 146]. إن الحق يعلمنا أن المتكبرين في الأرض بغير حق لن يستطيعوا الفوز برؤية آيات الله ودلائل قدرته، وحتى إن رأوا السبيل الصحيح فلن يسيروا فيه، وإن شاهدوا طريق الضلال سلكوا فيه لأنهم يكذبون بآيات الرحمن ويغفلون عنها. والغي أيضا هو ضلال الطريق، فعندما يسير إنسان في الصحراء ويضل الطريق يقال عنه: (فلان قد غوى) أي فقد الاتجاه الصحيح في السير، وقد يتعرض لمخاطر جمة كلقاء الوحوش وغير ذلك. ويوضح لنا الحق طريق الرشد بمنطوق آخر في قوله الحق: {وَأَنَّا لاَ ندري أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الأرض أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً}.. [الجن : 10]. إن الجن قد ظنوا كما ظن بعض من معشر الإنس أن الله لن يبعث أحداً بعد الموت أو لن يرسل رسولاً من البشر لهداية الكون. وقد طلب الجن بلوغ السماء فوجدوها قد مُلئت حرساً من الملائكة وشُهباً محرقة. وإن الجن لا يعلمون السر في حراسة السماء وهل في ذلك شَرٌّ بالبشر أو أراد الله بهم خيراً وهدى. إذن فالرُّشْد بضم الراء وتسكين الشين والرَشَد بفتح الراء وفتح الشين كلاهما يوضح الطريق الموصل للنجاة. ويقابل الرشد الغيّ.
=======
التحرير والتنوير » سورة البقرة » قوله تعالى لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي
وقوله : قد تبين الرشد من الغي واقع موقع العلة لقوله : لا إكراه في الدين ولذلك فصلت الجملة .
و ( الرشد ) بضم فسكون ، وبفتح ففتح ، الهدى وسداد الرأي ، ويقابله الغي والسفه ، والغي : الضلال ، وأصله مصدر : غوى ، المتعدي ، فأصله ( غوي ) قلبت الواو ياء ثم أدغمتا ، وضمن ( تبين ) معنى : تميز . فلذلك عدي بـ ( من ) وإنما تبين ذلك بدعوة الإسلام وظهوره في بلد مستقل بعد الهجرة .
وقوله : فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى تفريع على قوله : قد تبين الرشد من الغي إذ لم يبق بعد التبيين إلا الكفر بالطاغوت ، وفيه بيان الإكراه في الدين ، إذ قد تفرع عن تميز الرشد من الغي ظهور أن متبع الإسلام مستمسك بالعروة الوثقى فهو ينساق إليه اختيارا .
===========
التحرير والتنوير » سورة الأعراف
والسبيل مستعار لوسيلة الشيء بقرينة إضافته إلى الرشد وإلى الغي .
والرؤية مستعارة للإدراك .
والاتخاذ حقيقته مطاوع أخذه بالتشديد ، إذا جعله آخذا ، ثم أطلق على أخذ الشيء ولو لم يعطه إياه غيره ، وهو هنا مستعار للملازمة ، أي لا يلازمون طريق الرشد ، ويلازمون طريق الغي .
والرشد : الصلاح وفعل النافع ، وقد تقدم في قوله - تعالى - فإن آنستم منهم رشدا في سورة النساء والمراد به هنا : الشيء الصالح كله من الإيمان والأعمال الصالحة .
والغي : الفساد والضلال ، وهو ضد الرشد بهذا المعنى ، كما أن السفه ضد الرشد بمعنى حسن النظر في المال . فالمعنى : إن يدركوا الشيء الصالح لم يعملوا به [ ص: 106 ] لغلبة الهوى على قلوبهم ، وإن يدركوا الفساد عملوا به لغلبة الهوى ، فالعمل به حمل للنفس على كلفة ، وذلك تأباه الأنفس التي نشأت على متابعة مرغوبها ، وذلك شأن الناس الذين لم يروضوا أنفسهم بالهدى الإلهي ، ولا بالحكمة ونصائح الحكماء والعقلاء ، بخلاف الغي فإنه ما ظهر في العالم إلا من آثار شهوات النفوس ودعواتها التي يزين لها الظاهر العاجل ، وتجهل عواقب السوء الآجلة ، كما جاء في الحديث حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات .
==========
والباء للسببية أي : كبرهم ، وعدم إيمانهم ، واتباعهم سبيل الغي ، وإعراضهم عن سبيل الرشد سببه تكذيبهم بالآيات ، فأفادت الجملة بيان سبب الكبر وما عطف عليه من الأوصاف التي هي سبب صرفهم عن الآيات ، فكان ذلك سبب السبب ، وهذا أحسن من إرجاع الإشارة إلى الصرف المأخوذ من سأصرف لأن هذا المحمل يجعل التكذيب سببا ثانيا للصرف ، وجعله سببا للسبب أرشق .
=======
سبيل الغي
طريق الفساد الضلال الهلاك
الرشد عكس السفه
و الفساد والضلال ليس رشدا انما سفه
( الرشد )، الهدى وسداد الرأي ، ويقابله الغي والسفه ، والغي : الضلال ، وأصله مصدر : غوى ، المتعدي ، فأصله ( غوي
الغي طريق الضلال والهلاك لانه ضلال عن الطريق الصحيح
الرشد طريق النجاة
الرشد : الصلاح وفعل النافع ، وقد تقدم في قوله - تعالى - فإن آنستم منهم رشدا في سورة النساء والمراد به هنا : الشيء الصالح كله من الإيمان والأعمال الصالحة .
والغي : الفساد والضلال ، وهو ضد الرشد
الغي أيضا هو ضلال الطريق، فعندما يسير إنسان في الصحراء ويضل الطريق يقال عنه: (فلان قد غوى) أي فقد الاتجاه الصحيح في السير
وقد يتعرض لمخاطر جمة كلقاء الوحوش وغير ذلك. ويوضح لنا الحق طريق الرشد بمنطوق آخر في قوله الحق: {وَأَنَّا لاَ ندري أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الأرض أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً}.. [الجن : 10].
إن الجن قد ظنوا كما ظن بعض من معشر الإنس أن الله لن يبعث أحداً بعد الموت أو لن يرسل رسولاً من البشر لهداية الكون. وقد طلب الجن بلوغ السماء فوجدوها قد مُلئت حرساً من الملائكة وشُهباً محرقة. وإن الجن لا يعلمون السر في حراسة السماء وهل في ذلك شَرٌّ بالبشر أو أراد الله بهم خيراً وهدى. إذن فالرُّشْد بضم الراء وتسكين الشين والرَشَد بفتح الراء وفتح الشين كلاهما يوضح الطريق الموصل للنجاة. ويقابل الرشد الغيّ.
====
سبيل الرشد
سبيل الرشد طريق الهدى والصلاح الموصل للنجاة.ويقابل سبيل الرشد سبيل الغيّ
سبيل الغي
الطريق الموصل للهلاك والضلال و الفساد والسفه
الرشد عكس السفه
و الفساد والضلال ليس رشدا انما سفه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق