الجمعة، 3 أغسطس 2018

الرد على دعوى مذيعة بي بي سي العراقية بقولها ان دولة الكويت 1920 كانت جزء من العراق

في سنة ١٩٢٠ لم يكن هناك بلد إسمه #العراق، لأنها كانت جزءاً من الدولة العثمانية.. ومعاهدة الحماية المُبرمة بين حاكم الكويت الشيخ مبارك والبريطانيين تمت في سنة ١٨٩٩.. فلم تكن الكويت جزءاً من العراق ولم تستطع الدولة العثمانية تطويعها تحت حكمها.. 

1899 وقعت الكويت اتفاقية الحماية مع بريطانيا وهذا دليل على كوّن وجود كيان سياسي ودوله تم الاعتراف بها من بريطانيا والسؤال لو كانت الكويت جزء من العراق فكيف لكيان يتبع دوله يمكن له ان يوقع اتفاقيات ومعاهدات دولية دون رضاء الكيان الام ؟
==========

1932 - رئيس وزراء العراق نوري السعيد يبعث إلى السير اف.همفري الوكيل السياسي البريطاني في الكويت رسالة يؤكد فيها تحديد الحدود بين العراق والكويت كالتالي "من تقاطع وادي العوجا بالباطن ومنها في اتجاه الشمال على امتداد حفر الباطن إلى نقطة تقع مباشرة جنوب خط عرض صفوان تماما ومنها شرقا مارة بجنوب آبار سفوان جبل سنام وأم قصر مجتازا إلى العراق وهكذا إلى التقاء خور زبير وخور عبدالله وأن جزيرة وربة وبوبيان ومسكان وفيلكا وعوهة وكبر وقاروه وأم المرادم هي للكويت"

=========
وشهد شاهد من أهله ... العلوي 

يقول العراق عندما اراد ان ينضم الي عصبة الامم طلب منه تحديد حدوده مع جيرانه وبقي تحديد حدوده مع الكويت 1932 بين العراق نوري السعيد والمندوب السامي في العراق همفري و الكويت الشيخ جابر المبارك الصباح 

pic.twitter.com/7GZh1NIONq


==========
الكويت تكوينها السياسي اقد م من تاريخ العراق الحديث كانت عائلة الصباح تحكم الكويت والدولة العثمانية تركيا كانت تحكم العراق والوالي عثماني حتى 1918 الاحتلال الانجليزي يحكمون العراق حتى 1920 1921 العراقييون استوردو الملك فيصل الحجازي ليحكمهم

====================

الكويت.. وأوجاع الجغرافيا

عبدالله بشارة
مرة أخرى تثير العراق مشكلة الحدود بينها وبين الكويت، كأن كل ما أريق من دماء، وما حدث من دمار لم يكن كافياً. إن «العربي» في هذه المقالة ترصد جذور هذه المشكلة، آملة أن تهدئ حقائق التاريخ مزاعم الحاضر، وتعيد السكينة بين الشقيقتين المتجاورتين.

في عام 1899، وقع الشيخ مبارك الصباح، حاكم الكويت السابع، اتفاقية الحماية مع بريطانيا العظمى، بعد أن ضاق ذرعاً بالمضايقات العثمانية التي اتخذت منحى خطراً تمثل في الضغط عليه ليوافق على وجود قوات عثمانية على أراضيه، ولم يكن الشيخ يملك القوة الرادعة التي تحميه من التهديدات العثمانية، التي كانت تصدر عن الوالي العثماني في البصرة (حمدي باشا).

لقد ملك الشيخ مبارك الموهبة السياسية التي ساعدته في التعامل مع الخطر العثماني، فقاده حسّه الاستراتيجي إلى التفاهم مع بريطانيا القادرة على تطويق التهديدات العثمانية ضد الكويت، لأنها القوة البحرية الوحيدة الضاربة في منطقة الخليج في تلك الفترة.

مارس الشيخ الحذر حتى في تحالفه مع بريطانيا، فلم يكن مطمئناً تماماً لنواياها، كما كان يشعر بأن الاهتمامات البريطانية الأوربية وحساباتها في توازن القوى، وعلاقاتها مع مختلف العواصم الأوربية تتمتع بالأولوية، خاصة، بعد أن تصاعد التوتر بينها وبين ألمانيا القيصرية، وهو عامل أدخل الدبلوماسية البريطانية في توجه لممارسة إغراء الدولة العثمانية لكي تبتعد عن النفوذ الألماني، وتلتزم الحياد إذا فشلت الجهود لضمها إلى كتلة الأصدقاء المكوّنة من بريطانيا وروسيا وفرنسا.

لهذا لم يقطع الشيخ مبارك اتصالاته مع الدولة العثمانية التي كان يمثلها الوالي العثماني في البصرة، لاسيما وأنه حريص على ممتلكات الأسرة من حقول النخيل في البصرة التي تشكّل أكبر مصدر للدخل له ولأسرته، ويتخوّف كثيراً من مصادرتها، ولهذا فقد راعى في تصرفاته تلك المصالح، وعمل على إبقاء الأمل لدى السلطات العثمانية في احتمال حدوث تحولات في مواقفه تستفيد منها الدولة العثمانية، لذلك استمر في مراسلاته وفي إيفاد المبعوثين، واستقبال ممثلي الدولة العثمانية الذين كانوا يسعون للتأثير في مواقفه.

وقد عانى الشيخ مبارك تبعات ذلك الموقف الذي جعله يعيش في حالة دائمة من الترقّب، يتابع السلوك البريطاني حليفه منذ 1899 دون اطمئنان، وأحياناً بكثير من الريبة، ويغازل الجانب العثماني ويمنحه بعض الأمل، لكن من دون تأثير على تحالفه مع بريطانيا.

وفي عام 1913، وقعت بريطانيا والدولة العثمانية الاتفاق البريطاني - العثماني حول الكويت، ترسم فيه الدولتان خريطة الكويت بحدودها الشمالية والجنوبية، مع إشارة في الاتفاق إلى وجود ممثل للدولة العثمانية في الكويت.

عارض الشيخ مبارك ذلك الاتفاق وغضب من بريطانيا، وزادت شكوكه حول النوايا البريطانية، فلم يهدأ إلا مع إعلان الحرب العالمية الأولى، التي انضمت فيها الدولة العثمانية إلى دول المحور، وما انتهت إليه من احتلال بريطانيا للعراق، وانهيار الدولة العثمانية.

في نوفمبر 1915، توفي الشيخ مبارك وخلفه الحاكم الثامن ابنه الشيخ جابر، الذي حافظ على بنود الاتفاقية التي وقعها والده مع بريطانيا، واستمر في نهج والده، وتوفي في عام 1917 بعد أن ظل في الحكم أقل من عامين.

وتولى الابن الثاني للشيخ مبارك، الشيخ سالم الحكم في فترة حرجة من تاريخ الكويت، فإذا كانت التهديدات تأتي في عهد والده من الشمال، فقد تبدل الوضع بعد أن سيطرت بريطانيا على العراق وأصبحت مسئولة عن الوضع على الحدود الشمالية بين الكويت والعراق.

فبعد وفاة الشيخ مبارك، انحسر النفوذ الكويتي في الجنوب، بعد أن تبدلت الولاءات القبلية، واتسع نفوذ حاكم نجد عبدالعزيز بن سعود في تلك المناطق، وتمكن من ضمان ولاء القبائل ذات النفوذ في المنطقة، بعد ارتباط تلك القبائل بحركة الإخوان النجدية المتشددة، والتي لعبت دوراً بارزاً في بسط نفوذ سلطة بن سعود حتى المنطقة الشرقية في الإحساء، وفي الدمام والقطيف، وفي جميع المناطق المحاذية لجنوب الكويت.

ورث الشيخ سالم المبارك عن أبيه نزعة الشك في المواقف البريطانية والتخوّف من غياب الوضوح في الالتزام بالحفاظ على حدود الكويت الجنوبية كما حددتها اتفاقية 1913. فخلال اللقاءات التي تمت بين الشيخ سالم والمعتمد السياسي البريطاني في الكويت (الكابتن ماكولم - Cap.Daniel McCollum) لم يتردد الأخير في إعطاء التعهدات للشيخ سالم بأن بريطانيا ستحافظ على حدود الكويت الجنوبية، وقد بنى الشيخ سالم استراتيجيته في استعادة نفوذ الكويت في المنطقة على هذا التعهد، الذي اتضح فيما بعد أنه لم يلزم الحكومة البريطانية بشيء، ولم تصدر من حكومة بريطانيا سواء في لندن أو من مكتب شئون الخليج في الهند ما يوحي بهذا الالتزام، كما اتضح أن الضمان الملزم الوحيد الذي يمكن لبريطانيا أن توفره هو الدفاع عن حدود الكويت في الدائرة الحمراء، كما جاءت في الاتفاقية البريطانية - العثمانية.

خلال تلك الفترة، فاجأ فيصل بن دويش، زعيم الإخوان وشيخ قبيلة مطير المتشدد، القوة الكويتية التي كانت تعسكر في منطقة حمض، وفتك بها وشتت قواها ونهب مالها من عدة وعتاد، وقد تمكن قائد القوة ومعه بعض المؤيدين من النجاة والعودة إلى الكويت لإبلاغ الشيخ سالم بما تعرضوا له من فظاعة وقسوة تسيّدتها روح انتحارية متطرفة، كان ذلك في شهر مايو من عام 1920.

وقد شعرت قوات الإخوان، بعد معركة حمض، بسهولة التوجه إلى الكويت لفرض مذهبها المتشدد على سكانها، خاصة في غياب الاهتمام البريطاني بما تعرضت له قوات الشيخ سالم في حمض. والواقع أن معركة الجهراء التي حدثت في العاشر من أكتوبر 1920، والتي جاءت بعد الزحف المبرمج الذي اتبعه الإخوان للوصول إلى قرية الجهراء والقريبة من مدينة الكويت، هي من إفرازات الغموض في الموقف البريطاني الذي لم يتصد لتقدم قوات الإخوان من الجنوب، ولم يعترض على وصولها إلى الجهراء، وإنما تجاهل تهديداتها إلى أن اصطدمت بقوات الكويت في 10 أكتوبر 1920، وعندها فقط ظهر القرار البريطاني في ملاحقة الإخوان وإبعادهم نهائياً عن الأراضي الكويتية الواقعة داخل الدائرة الحمراء.

توفي الشيخ سالم في فبراير 1921، وتقلد الحكم بعده الشيخ أحمد الجابر المبارك الصباح، حاكم الكويت العاشر، الذي حمل معه جينات جده الشيخ مبارك الصباح في إدراكه لأهمية الحماية البريطانية لمواجهة المخاطر التي تهدد الكويت.

كيف تعامل الشيخ أحمد الجابر - الحاكم العاشر للكويت - مع مخازي الجغرافيا التي وجدت نفسها محاطة بها؟

شعر الشيخ أحمد بضرورة تحسين العلاقات مع بريطانيا بعد أن تسيّد التوتر هذه العلاقات خلال حكم الشيخ سالم، لأسباب منها عدم وضوح الموقف البريطاني في الالتزام بحماية الحدود الكويتية الجنوبية، كما حددت في الدائرة الخضراء، فتشير اللقاءات بين الشيخ سالم والمعتمد البريطاني في الكويت إلى اقتناع الشيخ سالم بأن المعتمد أكّد له التزام بريطانيا بالدفاع عن تلك المنطقة، لكن الانطباع العام لمن يقرأ الموقف البريطاني الشامل والصادر من دوائر لندن، يتوصل إلى حصيلة مختلفة، فالدائرة الحمراء تؤكد التزامها بحمايتها، أما الدائرة الخضراء وهي الساحة الجنوبية، فهي متروكة للحقائق على الأرض، وهي بدورها التي ترسم مصير المنطقة.

ومن الملاحظ أن مؤتمر «العقير» الذي انعقد في نوفمبر 1922، جاء مباشرة بعد تولي الشيخ أحمد مسئولية الحكم، ولذلك لم يسعفه الوقت للتعامل الجدي مع واقع المنطقة الجنوبية، وهذا ما دفعه إلى تفويض المعتمد البريطاني في الكويت «الميجور مور» لتمثيله في مؤتمر العقير الذي جمع العراق والسعودية والكويت الذي حدد حدود كل من سلطنة نجد والكويت والعراق.

ولقد سيطر السير بيرسي كوكس Sir Percy Cocks المندوب السامي البريطاني في العراق على مداولات المؤتمر، فبعد أن استمع إلى مطالب بن سعود بالحدود حتى نهر الفرات، وإلى رد الوفد العراقي على ذلك بالمطالبة حتى أطراف مدينة الرياض، قرر السير بيرسي كوكس حسم الوضع، فرسم بيده الحدود السعودية - العراقية، وكذلك الحدود السعودية - الكويتية، غير مهتم باحتجاجات الطرفين السعودي والعراقي، مع التزام الصمت من طرف «الميجور مور» ممثل حاكم الكويت في ذلك المؤتمر الذي لم ينبس بكلمة، واستسلم لإملاءات المندوب السامي البريطاني في العراق، الذي لم يعره اهتماماً.

خسرت الكويت في مؤتمر «العقير» الأراضي التي رسمتها بريطانيا ضمن الدائرة الخضراء، وما تبقى كان في إطار الدائرة الحمراء التي تلتزم بريطانيا بالدفاع عنها.

الحدود مع العراق

وأمام هذا الوضع المستجد، ركز الشيخ أحمد اهتماماته على الحدود الشمالية مع العراق، فأرسل في 4 أبريل من عام 1923 رسالة إلى المندوب السامي البريطاني في العراق، السير بيرسي كوكس، يطالب فيها بتأكيد حدود الكويت مع العراق كما جاءت في مطالبة الشيخ سالم المبارك في رسالته الموجهة إلى المقيم السياسي البريطاني في الخليج في 17سبتمبر 1920.

وقد جاء الرد البريطاني على هذا الطلب في رسالة من المندوب السامي البريطاني بتاريخ 19أبريل 1923، يؤكد فيها اعتراف حكومة بريطانيا بما يطالب به الشيخ أحمد، ويشير في تلك الرسالة إلى أن هذه الحدود تتطابق مع الحدود المشار إليها داخل الدائرة الحمراء، كما جاءت في الاتفاقية الأنجلو - عثمانية الموقعة بتاريخ 29 يوليو 1913.

وشعر الشيخ أحمد بالاطمئنان بعد هذا التأكيد، فقد أصبحت حدود الكويت معروفة، ففي الجنوب كما حددتها اتفاقية العقير، وفي الشمال كما جاءت في الرسالتين المتبادلتين بين المندوب السامي البريطاني في العراق وبين الشيخ أحمد.

لكن الواقع يكذب ذلك الشعور بالاطمئنان، فإذا كانت بريطانيا قد حددت الحدود في رسائل متبادلة، فإن المسئولين البريطانيين في العراق لم ينهضوا بواجباتهم في ترسيم تلك الحدود التي ظلت محددة على الورق، ولم توضع لها علامات واضحة تفصل ما بين الطرفين، العراقي والكويتي، وتمنع التداخل.

لماذا لم تقم بريطانيا بترسيم الحدود بين الكويت والعراق عندما كانت المسئولة الأولى خلال فترة الانتداب ما بين 1922-1932؟

هذا السؤال، لا توفر الوثائق الموجودة الإجابة عنه، ولكن الباحث الذي يتابع السلوك البريطاني في العراق خلال تلك الفترة، يتوصل إلى اقتناع بأن المندوب السامي البريطاني كان يعطي الأولوية للمصالح البريطانية في العراق، ولم تكن الهموم الكويتية ضمن الأولويات في خريطة اهتماماته.

والواقع أن عجز السلطات البريطانية عن ترسيم الحدود بين الكويت والعراق ليس محصوراً في تلك المنطقة فقط، وإنما هي ظاهرة تركتها بريطانيا خلفها في واقع الحدود بين عمان وأبوظبي، وبين عمان والمملكة العربية السعودية، وبين البحرين وقطر، وبين قطر والمملكة العربية السعودية.

كانت أولويات بريطانيا تثبيت مصالحها، فلم تصل مضايقات الحدود إلى الدرجة التي تؤثر سلباً وبصورة واسعة في هذه المصالح، ولذا فلم تعط بريطانيا اهتماماً لاحتجاج الشيخ أحمد، لكنها في الوقت نفسه، حاولت أن تحد من الانتهاكات التي كانت قوات الشرطة العراقية ترتكبها داخل الحدود الكويتية.

والحقيقة أن الفترة في ما بين 1922 - 1932 التي تولت فيها بريطانيا السلطة في العراق كقوة انتداب، تميزت بموقفين راعتهما بريطانيا، الأول: الالتزام بالدفاع عن الكويت وحدودها داخل الدائرة الحمراء.

وبفضل هذا الالتزام، تمكنت من إبعاد قوات الإخوان نهائياً عن الكويت، بعد معركة الجهراء في عام 1920، وبعد أحداث الرقعي عام 1928، وبعدهما ساهمت في نهاية قوات الإخوان في عامي 1929-1930.

والثاني: أنها لم تسع كما يجب لترسيم الحدود بين البلدين قبل انتهاء الانتداب عام 1932، فعلى الرغم من وقوفها على حجم الانتهاكات العراقية للحدود واستغلال العراق عدم الترسيم، فإنها لم تنه الموضوع، وتركت وراءها مشكلة، سيكون لها نتائج كارثية غير متوقعة، ربما لم تتصورها بريطانيا، وستكلف الأطراف الثلاثة، بريطانيا والعراق والكويت الكثير، ليس فقط في المال والعتاد، وإنما في تدمير الاستقلال والسيادة لكل من العراق والكويت وتعريض حياتهما للتخريب.

ترسيم الحدود

وفي عام 1932، انتهت فترة الانتداب البريطاني على العراق، وفي مسعى بريطانيا لتأمين انضمام العراق لعصبة الأمم المتحدة، ووفق شروط الانضمام الخاصة بعصبة الأمم المتحدة، لابد أن تعلن الدولة التي تطالب بالعضوية عدم وجود معلقات حدودية بينها وبين جيرانها.

ولذلك أرسل السيد نوري السعيد، رئيس وزراء العراق، رسالة إلى المندوب السامي البريطاني في العراق، السير ف.همفري. بتاريخ 21 يوليو 1932، يشير فيها إلى أن الوقت قد حان لتأكيد خطوط الحدود الموجودة بين العراق والكويت.

ولهذا، فإنه يرجو أن يتم اتخاذ الإجراءات الضرورية لأخذ موافقة السلطات المسئولة في الكويت على تفاصيل الحدود الموجودة بين البلدين.

ويؤكد نوري السعيد أن الحدود هي كما جاءت في الرسالتين المتبادلتين بين حاكم الكويت الشيخ أحمد، والمندوب السامي البريطاني السير بيرسي كوكس في عام 1923.

وجاء رد حاكم الكويت الشيخ أحمد الجابر على تلك الرسالة في العاشر من أغسطس 1932، حيث يشير الشيخ أحمد إلى أنه تسلم رسالة سعادة نوري باشا السعيد، رئيس وزراء العراق، وأن الشيخ أحمد يوافق على تأكيد الحدود الموجودة بين العراق والكويت كما هي مفصلة في كتاب رئيس الوزراء.

هموم الكويت مع العراق ما بين 1932 - 1950

وعلى الرغم من تأكيد الطرفين على القبول بالحدود كما حددت في عام 1923، فإن الممارسة العراقية على أرض الواقع كانت بعيدة جداً عن فحوى الرسالتين، وعلى عكس ذلك فقد صعّد العراق اختراقاته للحدود الكويتية متذرعاً بملاحقة المهربين الذين يدخلون العراق من حدود الكويت، وأنه عازم على وضع حد لممارسة التهريب، براً وبحراً، ولم تكن الكويت متقبلة للمبررات العراقية، خاصة وأنها اشتدت واتسعت إلى حد وصول بعض الدوريات العراقية إلى قرية الجهراء التي تبعد عن الحدود العراقية - الكويتية بنحو مائة كيلومتر.

لم يتردد حاكم الكويت في تقديم الشكاوى إلى المعتمد البريطاني في الكويت، والذي كان يرسل تلك الشكاوى إلى المسئولين البريطانيين في كل من لندن وبغداد، دون نتيجة. وفي بعض المرات، كان حاكم الكويت الشيخ أحمد يدعو المعتمد البريطاني لمرافقته إلى الحدود للاطلاع على حقيقة الوضع، لاسيما وأن رجال الشرطة العراقيين استمروا في إزالة علامة الحدود كلما ثبتها الجانب الكويتي.

ومن أجل التضييق على حاكم الكويت، بدأت السلطات العراقية في اللجوء إلى الممتلكات الزراعية للأسرة في البصرة، وذلك بإثارة الفلاحين العاملين على تلك البساتين، وخلق مشكلات قانونية تمس أحقية الحاكم في بعض البساتين.

ولم يتردد الشيخ أحمد، حاكم الكويت، في القيام بالاتصال بديوان الملك فيصل الأول، ملك العراق، من أجل المشكلات العالقة، كما زار بغداد والتقى بالملك فيصل قبل وفاته في عام 1933، لكن وفاة الملك غير المتوقعة والمبكرة، أعادت المشكلة إلى المربع الأول.

تولى الملك غازي، الحكم في العراق بعد وفاة أبيه، وكان شاباً يعاني حالة عصبية دائمة أثرت على تصرفاته التي لم تكن تتسم بالهدوء.

ولم يكتف بمضايقة الكويت في تجاوز الحدود وفي ممارسة الابتزاز، وإنما تصور أنه يستطيع أن يضم الكويت بالقوة إلى العراق، الأمر الذي أدخله في مواجهة مع بريطانيا ومع رئيس وزرائه نوري السعيد الذي كان يسعى للتهدئة ويحد من تصرفات الملك.

توفي الملك غازي عام 1939، وبوفاته انخفضت حرارة التوتر، لكنها لم تنته، فقد بدأ السياسيون العراقيون يطالبون بضم أراض كويتية في شمال الكويت للعراق لتكون له منفذاً بحرياً على مياه الخليج.

ونلاحظ أن الأسلوب العراقي تبدل من المواجهة الدبلوماسية الخشنة التي تبناها الملك غازي، إلى الدبلوماسية الناعمة التي لا تتخلى عن الجوهر، وإنما تتبع أسلوباً سلمياً من أجل إقناع بريطانيا، دولة الحماية، بمطالبها.

استمر حاكم الكويت في سياسة التصدي للأساليب العراقية، سواء تلك الغليظة التي وظّفها الملك غازي، أو الأسلوب الناعم الذي سلكه السياسيون العراقيون بعده، فلم تتطل على الشيخ أحمد أساليب العراق وأدرك أنه يسعى لتحقيق أهداف على حساب الكويت، ولهذا تمسك باتفاقية الحماية مع بريطانيا، وزار لندن في عام 1935، لتأكيد أواصر الصداقة بين البلدين.

وعادت بريطانيا لاحتلال العراق في عام 1941، مع ثورة رشيد الكيلاني، ضد الحكم الهاشمي، وهروب الوصي على العرش عبدالإله من بغداد، وقد أظهر الكيلاني والضباط الذين قاموا بالانقلاب تحيّزاً ضد الإنجليز، وميولاً نحو ألمانيا النازية، ولذلك هدأت أجواء التوتر على الحدود العراقية - الكويتية بعودة بريطانيا إلى احتلال العراق، واستمر هذا الهدود طوال فترة الحرب التي انتهت في مايو 1945.

ومع انسحاب بريطانيا من العراق مع نهاية الحرب، عاد التوتر الذي سببته الاختراقات العراقية الحدودية، لكن حاكم الكويت استطاع تطويق حدة التوتر خلال تلك الفترة.

وبوفاة الشيخ أحمد الجابر في يناير عام 1950، انتقلت السلطة إلى الأمير عبدالله السالم الصباح الذي تولى الحكم في عام 1950، بعد وفاة الشيخ أحمد، واستمر في اتباع النهج نفسه الذي سلكه الشيخ أحمد، وهو الحفاظ على الحماية البريطانية، وتعزيز العلاقات التجارية مع العراق، ومقاومة الضغوط العراقية، لكنه أدخل الأسلوب الإداري الحديث في إدارة الدولة، فقسم العمل إلى إدارات مختلفة، كل منها يتبع مساراً معيناً، إدارة للأشغال وإدارة للبلدية، وأخرى للتعليم، والإعلام، والشئون الاجتماعية، وعين عدداً من أبناء الأسرة لإدارتها. كما دفع الكويت نحو الانضمام إلى هيئات دولية وإقليمية وعربية تعزيزاً لمكانتها واعترافاً بهويتها وشخصيتها المستقلة.

وزار بغداد في مسعاه لوضع قواعد جديدة في حسن الجوار في عامي 1954 و1958، كما وجه الدعوة إلى الملك فيصل والوصي على العرش (عبدالإله) والسيد نوري السعيد، رئيس الوزراء، الذين لبوا الدعوة وقاموا بزيارة الكويت خلال شهر أبريل من عام 1953.

واستمرت الحالة بين العراق والكويت في هدوء مشوب بالحذر، وترقب لما يمكن أن يأتي به المستقبل، حتى يوليو عام 1958، حين اندلعت الثورة التي قام بها الجيش العراقي، والتي قضت على النظام الهاشمي.

فقام الشيخ عبدالله السالم، حاكم الكويت، بزيارة لبغداد، والتقى برئيس الوزراء اللواء عبدالكريم قاسم في شهر يوليو عام 1958، لكن الزيارة لم تأت بجديد، كما واصل الشيخ عبدالله السالم سياسته القائمة على الحذر والانفتاح التدريجي مع التصدي للضغوط.

في 19 يونيو 1961، أعلن استقلال الكويت، بعد تبادل الوثائق مع بريطانيا التي اعترفت بالكويت كدولة مستقلة، وأنهت اتفاقية الحماية عام 1899، ووقعت مع الكويت اتفاقاً عسكرياً لمدة سبع سنوات لمؤازرة الكويت في الفترة الأولى بعد استقلالها.

لم تنعم الكويت كثيراً بهذا الإعلان، ففي 25 يونيو 1961، عقد عبدالكريم قاسم مؤتمراً صحفياً في بغداد وأعلن أن الكويت جزء من العراق، وعيّن الشيخ عبدالله السالم كقائمقام فيها، مع عدم اعترافه باتفاق التعاون العسكري مع بريطانيا.

وبهذا دخلت الكويت فصلاً آخر في معاناتها من أطماع العراق ومن عدم الاهتمام البريطاني بترسيم الحدود قبل نهاية الانتداب.

النزاع يتواصل

وقد اتخذ الشيخ عبدالله السالم أمير الكويت، خطوتين مهمتين، الأولى تقديم طلب الانضمام إلى كل من الجامعة العربية والأمم المتحدة، والثانية تفعيل الاتفاقية العسكرية مع بريطانيا التي أرسلت قوات بريطانية اتخذت موقعها على الحدود في تأهب للتصدي لتهديدات حاكم العراق.

وفي 27 يونيو 1961، أصدرت القاهرة بيانها الأول عن تلك الأزمة، خلاصته أن الوحدة لا يجب ولا يمكن إلا أن تكون تعبيراً إجماعياً عن إرادة شعبية متبادلة قائمة على الاختيار الحر.

ومع ذلك البيان، شعرت الكويت بأنها حازت دعماً قوياً من عبدالناصر رافضاً للأطروحات العراقية، لكن الفرحة لم تطل، فقد صدر بيان آخر من القاهرة في الخامس من يوليو 1961، يعبّر عن موقف آخر، بعد نزول القوات البريطانية في الكويت، ويشير إلى أن الوضع الجديد في الكويت يشكّل خطراً على الشعب العراقي وعلى الأمة العربية كلها، وفي رأي القاهرة أن هذه الحشود كلها لا لزوم لها، وبقاؤها يعني التهديد، وأن القاهرة تطالب بأن تنسحب القوات البريطانية من الكويت، وأن يرتبط التصويت على عضوية الكويت، سواء في الأمم المتحدة أو في الجامعة العربية بإتمام جلاء القوات البريطانية جلاء كاملاً وناجزاً عن أراضيها، لكي يصبح استقلال هذا البلد العربي خالصاً لأهله، سليماً من كل شائبة.

وتم اقتراح تشكيل قوات عربية تحل محل القوات البريطانية لحماية الكويت من التهديد العراقي.

كان أمام الشيخ عبدالله السالم خياران، أولهما إبقاء القوات البريطانية، وتقبل العزلة العربية والدولية التي قد تجد الكويت نفسها فيها، أو الامتثال للواقع الذي قد يدخل الكويت في عالم من الصعب التكهن بإفرازاته، ليس فيه الرادع الذي تبحث عنه الكويت لضمان استقلالها، لاسيما في ضوء تهديدات اللواء قاسم.

كان الشيخ عبدالله السالم يتمتع بقدرة تحليلية استراتيجية على الإلمام بالمخاطر التي قد تواجهها الكويت، وهو صاحب القرار الذي يبقي الكويت في حالة من الحصار السياسي والدبلوماسي أو يخرجها منه إذا ما قبل الثمن الذي تريده القاهرة، وفيه مخاطرة قد تعرض الكويت لاحتمال الاجتياح العراقي.

وبعد مشاورات أجراها الأمير، تبلور موقف الكويت، بقبول سحب القوات البريطانية، وإحلال قوات عربية مكان القوات البريطانية، على أن تؤيد الدول العربية طلب الكويت الانضمام إلى الجامعة ثم الأمم المتحدة.

وفي ضوء هذا التطور التاريخي، بدأت اجتماعات الجامعة العربية في 12 يوليو 1961، لبحث طلب الكويت الانضمام إلى الجامعة العربية، بعد أن استجابت الكويت للشروط التي وضعت، وقد استمرت مداولات الجامعة العربية طوال أسبوع، شهدت فيها الجامعة الكثير من المناورات غير المسبوقة في التسويف والمماطلة والتلاعب بالكلمات وبالأولويات وبالمفاجآت في طلب التأجيل. وبعدها أقر مجلس الجامعة في 20 يوليو 1961 قبول الكويت عضواً، مع تأكيد التزام الكويت بطلب سحب القوات البريطانية والتزام الدول العربية بتقديم المساعدات الفعالة لصيانة استقلال الكويت بإرسال قوات عربية بناء على طلبها، ويعهد إلى الأمين العام للجامعة باتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ ذلك.

وقد انسحب العراق من اجتماعات الجامعة، وبقى عضواً فيها إلا أنه جمّد نشاطه وأوقف حضور اجتماعاتها.

وبعد هذا القرار، لجأت الكويت إلى الأمم المتحدة، في محاولة ثانية، بعد أن استعمل الاتحاد السوفييتي حق النقض ضد طلب الكويت الأول وذلك في السابع من يوليو 1961.

وقد تصورت الكويت أن سحب القوات البريطانية سيفتح الباب أمام عضويتها في الأمم المتحدة، غير أن مصالح موسكو في العراق وتحالفها مع نظام بغداد، أفسدت مساعي الكويت حيث أعاد الاتحاد السوفييتي اللجوء إلى الفيتو، مرة أخرى، في 30 نوفمبر 1961، على الرغم من عضوية الكويت في الجامعة العربية، وعلى الرغم من تنفيذها جميع الشروط التي فرضت عليها.

وصول القوات العربية

وبذلك لم يبق للشيخ عبدالله السالم، إلا العمل على تنفيذ قرار الجامعة العربية بإرسال قوات عربية، مع استمرار المساعي الدبلوماسية لنيل عضوية الأمم المتحدة، وذلك بإقناع موسكو بأهلية الكويت لهذه العضوية.

جاءت القوات العربية، أكبرها القوات السعودية، ولها القيادة العامة للقوات العربية، وكذلك قوات من الأردن كان عددها بحدود الألف، وقوات رمزية من السودان، وقوات لوجستيكية من الجمهورية العربية المتحدة بحدود الثلاثمائة.

جاءت هذه القوات بتعليمات متباينة من قياداتها، فالقوات السعودية تملك تفويض القتال، ولا تملك قوات الأردن ذلك، وقوات الجمهورية العربية المتحدة قوات فنية غير مقاتلة، والسودان رمزية.

لم تجر مناورات بين هذه القوات، ولم يكن لها خطة عسكرية تتدرب عليها، وليس لها عقيدة قتالية، وإنما اكتفت بوجودها الرمزي السياسي.

في 8 فبراير 1963، سقط حكم قاسم، وجاء نظام آخر، فتح أبواب الحوار مع الكويت، بعد أن تم تبادل الزيارات بين وفود البلدين خلال شهري أبريل ومايو.

ومع الانقلاب في العراق، ومجيء نظام جديد لم ترتح له موسكو، جاءت المناسبة لتجديد طلب الكويت، وهو ما حدث في السابع من مايو 1963، حيث اجتمع مجلس الأمن لمناقشة طلب الكويت، برئاسة سفير فرنسا، وقد حاول مندوب العراق تأجيل طلب الكويت، ولجأ إلى حجج واهية، إلا أن مجلس الأمن وافق بالإجماع، وأحال طلب الكويت إلى الجمعية العامة التي اجتمعت في 14 مايو، ورحبت بانضمام الكويت كعضو رقم (111) في الأمم المتحدة.

ونلاحظ أن أمير الكويت، الشيخ عبدالله السالم، وهو رجل بعيد النظر، اتخذ قرارات غير مسبوقة في تاريخ الكويت، من أجل ترسيخ نظامها السياسي، فقد صادق على ثلاث خطوات استراتيجية:

أولاً: أظهر العزم على نقل الكويت من الشرعية التاريخية إلى الشرعية الدستورية، وبدأ في وضع الأسس للمصادقة على دستور يؤدي إلى قيام نظام برلماني منتخب بمسئوليات تشريعية وبقضاء مستقل، وسلطة تنفيذية مسئولة أمام البرلمان لبناء دولة الكويت العصرية الحديثة.

ثانياً: مع انحسار الحماية البريطانية، اتجهت دبلوماسية الكويت لإدخال البعد القومي العروبي كمرجعية لها، وخطت لنفسها تبني القضايا العربية كقضاياها الخاصة، مع الذود عنها، واعتبار ذلك النهج استمراراً للاستقلال والسيادة.

ثالثاً: اتخاذ خطوات تنظيمية لإسهام الكويت في مشاريع التنمية العربية وجعل الكويت مصدراً مهماً من مصادر التمويل في المشاريع الاقتصادية العربية، ممثلاً في إنشاء صندوق التنمية الكويتي الذي لعب دوراً استثنائياً في خطط التنمية العربية. توفي الشيخ عبدالله السالم في نوفمبر 1965، بعد أن أشرف على بناء الدولة الحديثة بمكونات عصرية، عضواً في الجامعة العربية وفي الأمم المتحدة، نشطاً في الاقتصاد العالمي ومساهماً في الاقتصاد العربي، ومتحركاً في المجال الدبلوماسي العربي.

كما اطمأن قبل وفاته، على شكل العلاقات مع العراق، بعد أن قام الشيخ صباح السالم، ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء، بزيارة رسمية إلى بغداد في أكتوبر 1963 أثمرت عن الاعتراف الرسمي العراقي بالكويت كدولة مستقلة، والاعتراف بالحدود العراقية - الكويتية، كما حددتها المراسلات بين الطرفين سواء في عام 1923، أو تلك التي جاءت في مراسلات نوري السعيد في عام 1932، كما تقرر تبادل السفيرين بين البلدين بأسرع وقت.

وتولى الشيخ صباح السالم الحكم واتسم عهده بأربعة مسارات:

أولاً: تكثيف الاتصالات الدبلوماسية مع العراق لترسيم الحدود بين البلدين وفق الخطوط المحددة في المراسلات المتبادلة.

وقد شكّلت لجان، وتبادلت الوفود الزيارات، وتكاثرت المراسلات، لكنها لم تحقق أي تقدم، فعلى الرغم من الضغط والإلحاح الكويتي على الجانب العراقي، فقد اتضح وبشكل لا يقبل الجدل، عدم جدية النظام العراقي في ترسيم الحدود.

سقط نظام البعث في 18 نوفمبر 1963، واستمر الرئيس عبدالسلام عارف الذي لم يكن راغباً في ترسيم الحدود في الحكم إلى أن قتل في حادث طيران عام 1966، وخلفه شقيقه الرئيس عبدالرحمن عارف، الذي زار الكويت ومعه رئيس الوزراء طاهر يحيى، ولم يتبدل الموقف العراقي، ليس لأن الحكم كان ضعيفاً، ومتردداً وخائفاً من النقد من التيارات البعثية والقومية فقط، ولكنه لم يكن مؤمناً بضرورة ترسيم الحدود.

وعاد حزب البعث للحكم في عام 1968، موظفاً الأيديولوجية القومية كستار لابتزاز الكويت.

ثانياً: توطيد العلاقات مع المملكة العربية السعودية، وقام بزيارات إلى الملك فيصل، الذي زار الكويت أيضاً، وأعاد حيوية الترابط التاريخي بين الكويت والمملكة العربية السعودية.

ثالثاً: التوجه إلى تعزيز العلاقات الخليجية كعمق جغرافي استراتيجي، بعد أن أعلنت بريطانيا عزمها على الانسحاب من شرق السويس والخليج، ولهذا قام الأمير الجديد بزيارة إلى الإمارات الخليجية في مايو 1966 - قبل استقلالها - في محاولة إضافية لتعزيز الترابط الخليجي مع الكويت، وقد بادرت الكويت في توفير المساعدات إلى تلك الإمارات في مجالات الصحة والتعليم والإعلام وغيرها من الاحتياجات التي لم تكن متوافرة آنذاك لهذه الإمارات.

كما صعد دور الكويت في توظيف رصيدها الإيجابي في الدبلوماسية العربية، من أجل التوسط لحل المشكلات العالقة بين الدول العربية، تقديراً لاقتناع الكويت بأن أمنها يستقر مع الاعتدال ومع التوافق ومع ارتفاع حجم التضامن العربي.

رابعاً: ولأول مرة في تاريخ الكويت، قام حاكم الكويت الشيخ صباح السالم، بزيارة رسمية إلى واشنطن في ديسمبر 1968 وشرح للرئيس الأمريكي جونسون الوضع الأمني في الخليج، في ضوء قرار بريطانيا الانسحاب من المنطقة، وتخوّفه من احتمالات تسيّد الفوضى وعدم الاستقرار، لكن الجانب الأمريكي لم يكن مهتماً بالموضوع لاعتبارات كثيرة، منها حرب فيتنام، ومنها نهاية ولاية الرئيس جونسون، ومنها شعور واشنطن بأن تلك المنطقة تاريخياً داخل النفوذ البريطاني، وأخيراً ثقة واشنطن بدور شاه إيران لتولي الإشراف العام لتأمين الاستقرار في المنطقة.

كان الشيخ صباح السالم متخوفاً ومدركاً للمخاطر التي قد تتفجر من تصاعد التوتر بين العراق الأيديولوجي - الراديكالي الموظف للقومية العربية كعقيدة لتوجهاته، وبين إيران التي كانت راعية القومية الفارسية الشاهشاهية، وتأثير ذلك الصراع على الكويت.

الزحف المبرمج

وفي عهده، ومع التوتر بين بغداد وطهران حول شط العرب في عام 1969، بدأ النظام العراقي في تنفيذ أطماعه في الأراضي الكويتية متمثلة في خطة (الزحف المبرمج) وهو القضم التراكمي للأراضي الكويتية، لاسيما حول منطقة أم قصر في اتجاه نحو الجنوب للوصول إلى جزيرتي وربة وبوبيان، رافعاً شعار التآخي العروبي القومي أمام المضايقة الإيرانية في شط العرب. وجاءت المواجهة حول مخفر الصامتة الكويتي، واحتلاله من قبل القوات المسلحة العراقية في إطار هذه الخطة التي تهدف للتوسع المبرمج. حادثة «الصامتة» هي الواقعة الفريدة منذ استقلال الكويت التي أطلق النار فيها وأدت إلى مقتل عسكريين كويتيين.

وقد تحركت الكويت دبلوماسياً، لكنها حصرت التحرك في الإطار العربي، كنت وقتها سفير الكويت في الأمم المتحدة، وكنت من أنصار لفت نظر الأمم المتحدة إلى الحادثة عبر رسالة إلى السكرتير العام ورسالة أخرى إلى رئيس مجلس الأمن، لكن حكومة الكويت، وفاء لالتزامها الموقف العربي، أبقت الموضوع في إطار الاتصالات والمساعي العربية.

قضى الشيخ صباح السالم طوال فترة حكمه (1965-1977) يتابع المساعي لترسيم الحدود مع العراق بالوسائل الدبلوماسية وبالإقناع وبالإغراء، وكذلك بالنخوة، غير أن ذلك لم يمنع استراتيجية النظام العراقي للاستفادة من عدم ترسيم الحدود، ليس فقط بممارسة سياسة التوسع الجغرافي، ترجمة لاستراتيجية (الزحف المبرمج) وإنما بالضغط السياسي والابتزاز لتحويل الكويت إلى دولة تابعة للدبلوماسية العراقية وداخلة في استراتيجية بغداد العسكرية والسياسية والمالية والبشرية.

تعقد الأوضاع

وبعد وفاة الشيخ صباح السالم في ديسمبر 1977، وتولى بعده ولي عهده ورئيس وزرائه الشيخ جابر الأحمد، الذي واصل نهج سلفه في المتابعة الدبلوماسية من أجل الوصول إلى حل لترسيم الحدود، واعتمد على ولي العهد ورئيس الوزراء الشيخ سعد العبدالله السالم في الاتصالات الثنائية مع المسئولين في بغداد.

وبالرغم من اللجان المشكلة، والزيارات المتبادلة، والرسائل التي يحملها المبعوثون، لم تفلح تلك المساعي في تحريك الموضوع، لأن الوضع تعقّد أكثر مع سقوط الشاه في عام 1979، وتولي آية الله الخميني السلطة بعده.

وتشكلت الدبلوماسية الإيرانية من مزيج من الراديكالية الإسلامية المذهبية التوسعية ومن النزعة الوطنية الفارسية، تواجه راديكالية قومية عروبية توسعية نحو الخليج، ولذلك فمن الطبيعي أن ينفجر الصراع الصامت إلى حرب انفجرت في سبتمبر 1980، واستمرت إلى أغسطس 1988.

لم تكن الظروف خلال تلك الفترة الطويلة مهيأة لطرح موضوع ترسيم الحدود، فقد اعتبرت القيادة الكويتية النبيلة أنه أخلاقياً لا يمكن الضغط على العراق في تلك الفترة للاستفادة من وضعه الصعب، فقد انتصرت الكويت لقيمها الموروثة. وتحمّلت الكويت أعباء سياسية ومالية ولوجستيكية وعسكرية من أجل الحفاظ على العراق لكي لا يسقط أمام الهجمات الإيرانية، وبفضل الجهود الدبلوماسية الخليجية، ودعم من معظم الدول العربية والدول الغربية والولايات المتحدة، تمكن العراق من الوقوف صامداً أمام الغارات الإيرانية.

انتهت الحرب في أغسطس 1988، بعد قبول إيران وقف إطلاق النار عندما اشتد الضغط الأمريكي على وجودها في الخليج.

وقد وجد صدام حسين بعد وقف إطلاق النار مع إيران، نفسه في مأزق سياسي واجتماعي واقتصادي، لا يمكن تجاوزه.

رسائل وتهديدات

وهنا نلاحظ أن الفترة من أغسطس 1988 إلى احتلال العراق للكويت في أغسطس 1990، نشطت فيها الدبلوماسية العراقية في التوجه نحو الخليج وبالذات الكويت، وجاءت الرسائل تحمل مصطلحات لا تخلو من التهديد، كما رافقتها إشارات حول دور العراق خلال الحرب مع إيران في حماية دول الخليج من الغزو الإيراني، لدفع دول الخليج للاستسلام للطلبات العراقية.

وقد اتخذ صدام حسين قراره بغزو الكويت، تحت حجة أنها رفضت شروط العراق وتآمرت عليه في دبلوماسية النفط، وحرمته من حقه من دخل النفط وذلك لعدم التزامها بحصتها من الإنتاج الأمر الذي أدى إلى تدهور أسعاره.

ونلاحظ كيف تطورت المطالب العراقية في أراضي الكويت منذ الحكم الهاشمي، فقد بدأ مع خطة الحصول على توسع جغرافي لبناء مدينة وميناء أم قصر، ثم إلى المطالبة بشريط ساحلي يضم الجزر الكويتية، ثم انتقلت المطالب إلى قاعدة عسكرية بحرية في جنوب الكويت ثم إلى ابتلاع الكويت كلياً.

كما نلاحظ أن سياسة الكويت إبان حكم الشيخ جابر الأحمد حافظت على الالتزام بعدم الاتصال بأوربا أو بأمريكا أو غيرهما حول الحدود مع العراق، وحصرت الاتصالات في الإطار العربي.

وتوجهت الكويت خلال حكم الشيخ جابر الأحمد إلى تعزيز الترابط مع الخليج، ولذلك طرحت فكرة قيام تنظيم سياسي جماعي يضم دول الخليج الست، الكويت، المملكة العربية السعودية، الإمارات، البحرين، قطر، وعمان، وقدمت الفكرة إلى قيادات الخليج خلال مؤتمر القمة العربي في الأردن في نوفمبر 1980.

وواصل الشيخ جابر اتصالاته حول ذلك المشروع الحيوي الذي اكتملت ترتيباته في مايو 1981، في أبوظبي حيث وقع القادة على النظام الأساسي لمجلس التعاون، ولاشك بأن أمير الكويت كان يهدف إلى بناء قاعدة خليجية واسعة بمصالح متشابهة وبسياسات متفقة ومواقف متقاربة، وأن الهدف من قيام المجلس هو الحفاظ على أمن دول الخليج وعلى سلامتها وعلى سيادتها، وتحصينها ضد سياسات الهيمنة والتوسع من دول الجوار.

وبعد الغزو، اتجهت الدبلوماسية الكويتية نحو الذراع الدولية التي تؤمنها الاتفاقيات الأمنية، التي وقّعتها الكويت عام 1990 مع التحالف الدولي، والتي أدت إلى تحرير الكويت بمساهمات عربية فاعلة وبدعم جماعي من الأسرة العالمية، وقد خلق تحرير الكويت ديناميكية أدت إلى ترسيم الحدود مع العراق، بقرار من مجلس الأمن ممثلاً للإجماع العالمي.



عبدالله بشارة مجلة العربي اغسطس 2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق