السبت، 11 أغسطس 2018

كيف اصبح محمد الجواد وهو طفل صغير اماما للشيعة؟


أصيبت النظرية "الإمامية" (أو التشيع الديني) بنكسة كبرى عند وفاة الرضا سنة 203 ، قبل أن يكمل ابنه الجواد السابعة أو الثامنة من عمره، حيث رفض معظم أصحابه وأتباعه القول بإمامة ابنه. وكان على رأسهم يونس بن عبد الرحمن القمي الذي عمل كثيرا من أجل إثبات إمامة الرضا في مواجهة الواقفية.

عن المفيد في "عيون المعجزات": قال: لما قبض الرضا كان سن أبي جعفر نحو سبع سنين، واختلفت الكلمة في بغداد وفي الأمصار، واجتمع الريان بن الصلت، وصفوان بن يحيى، ومحمد بن حكيم، وعبد الرحمان بن الحجاج، وجماعة من وجوه الشيعة وثقاتهم في دار عبد الرحمان ابن الحجاج في بركة زلزل، يبكون ويتوجعون من المصيبة، فقال يونس: دعوا البكاء، من لهذا الأمر؟ وإلى من نقصد بالمسائل إلى أن يكبر هذا، يعني أبا جعفر، فقام إليه الريان ووضع يده في حلقه، ولم يزل يلطمه ويقول له: أنت تظهر الإيمان، وتبطن الشك والشرك، إن كان أمره من الله جل وعلا، فلو أنه كان ابن يوم واحد لكان بمنزلة الشيخ العالم، وإن لم يكن من عند الله فلو عمر ألف سنة فهو واحد من الناس، فأقبلت العصابة عليه تعذله وتوبخه.(المجلسي، بحار الأنوار ج 50 ص 99 باب 5- فضائله ومكارم أخلاقه). ولذلك قاطع أصحاب الجواد والعسكري يونس بن عبد الرحمن، ورفضوا الصلاة خلفه وخلف أصحابه "اليونسية". فقد روى الكشي بإسناده عن أبي علي بن راشد، عن أبي جعفر الثاني (الجواد)، قال: قلت: جعلت فداك قد اختلف أصحابنا، فأصلي خلف أصحاب هشام بن الحكم ؟ قال: عليك بعلي بن حديد، قلت فآخذ بقوله؟ قال: نعم، فلقيت علي بن حديد، فقلت: نصلى خلف أصحاب هشام بن الحكم ؟ قال: لا ". وفي رواية أخرى عن يزيد بن حماد، عن أبي الحسن (الهادي)، قال: قلت: أصلي خلف من لا أعرف؟ فقال: لا تصل إلا خلف من تثق بدينه، فقلت له: أصلي خلف يونس وأصحابه ؟ فقال: يأبى ذلك عليكم علي بن حديد، قلت: آخذ بقوله في ذلك ؟ قال: نعم، قال: فسألت علي بن حديد عن ذلك، فقال: لا تصل خلفه ولا خلف أصحابه ". الخوئي، معجم رجال الحديث، رقم 7994 ، والكشي، في ترجمة يونس بن عبد الرحمن.

وبالرغم من تحدث المؤرخين الشيعة المتأخرين كالنوبختي والأشعري القمي عن ذهاب قسم من شيعة الرضا للقول بإمامته؛ فلا يوجد أي مؤشر على كون هؤلاء فريقا يعتد به، وذلك لعدم قدرة ذلك الصبي على قيادة الشيعة عمليا أو توجيههم بشيء، وعدم ظهور علامات خارقة عليه كما ظهرت على النبي يحيى أو النبي عيسى (عليهما السلام). وقد قال عامة الشيعة:" إن من كان له من السن ما ذكرناه لم يكن من بالغي الحلم ولا مقاربيه ، والله تعالى يقول: وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فان آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم، وإذا كان الله تعالى قد أوجب الحجر على هذا في أمواله لإيجابه ذلك في جملة الأيتام؛ بطل أن يكون إماما لأن الإمام هو الوالي على الخلق في جميع أمر الدين والدنيا وليس يصح أن يكون الوالي على أموال الله تعالى كلها من الصدقات والأخماس، والمأمون على الشريعة والأحكام وإمام الفقهاء والقضاة والحكام ، والحاجر على كثير من ذوي الألباب في ضروب من الأعمال من لا ولاية له على درهم واحد من مال نفسه ولا يؤمن على النظر لنفسه، ومن هو محجور عليه لصغر سنه ونقصان عقله لتناقض ذلك واستحالته".
الأشعري القمي، المقالات والفرق، ص 96 والمفيد، الفصول المختارة، ص 112 - 113

وأما الذين قالوا بإمامة الجواد، في ذلك العمر، فقد وقعوا في أزمة كبيرة، واضطربوا في الإجابة على مشكلتي العمر والعلم ، فقال بعضهم :" لا يجوز أن يكون علمه من قبل أبيه لأن الرضا ذهب إلى خراسان والجواد ابن أربع سنين وأشهر، ومن كان في هذه السن فليس في حد من يستفرغ تعليم معرفة دقيق الدين وجليله ، ولكن الله علمه ذلك عند البلوغ بضروب مما يدل على جهات علم الإمام مثل الإلهام والنكت في القلب والنقر في الأذن والرؤيا الصادقة في النوم والملك المحدث له ووجوه رفع المنار والعمود والمصباح وعرض الأعمال". وما إلى ذلك مما كان يقوله غلاة الإمامية بحق الأئمة السابقين. واستشهدوا بآية من القرآن الكريم تقول:" وآتيناه الحكم صبيا" وقالوا¬: " كما أعطى الله النبوة ليحيى وهو طفل صغير ، وكما أعطاها لعيسى وهو طفل صغير كذلك فلم لا يجوز أن يعطي الإمامة لمحمد الجواد وهو ابن سبع سنين؟" وأخذوا يحبكون الروايات عن الرضا والجواد حول إمكانية تولي الأطفال للإمامة.

فرووا عن الجواد انه قال لمن استشكل في عمره:" ان الله تعالى أوحى إلى داود ان يستخلف سليمان وهو صبي يرعى الغنم" . وقال صفوان بن يحيى : قلت للرضا: قد كنا نسألك قبل أن يهب الله لك أبا جعفر، فكنت تقول: يهب الله لي غلاما، فقد وهبه الله لك، فأقر عيوننا، فلا أرانا الله يومك فإن كان كون فإلى من؟ فأشار بيده إلى أبي جعفر وهو قائم بين يديه، فقلت: جعلت فداك هذا ابن ثلاث سنين؟! فقال: وما يضره من ذلك فقد قام عيسى عليه السلام بالحجة وهو ابن ثلاث سنين. وفي رواية أخرى: إن الله تبارك وتعالى بعث عيسى ابن مريم رسولا نبيا، صاحب شريعة مبتدأة في أصغر من السن الذي فيه أبو جعفر. وروى محمد بن إسماعيل بن بزيع عن الرضا أنه سأله: يكون الإمام ابن أقل من سبع سنين؟ فقال: نعم وأقل من خمس سنين. وقال علي بن أسباط: رأيت أبا جعفر وقد خرج علي فأخذت النظر إليه وجعلت أنظر إلى رأسه ورجليه، لأصف قامته لأصحابنا بمصر، فبينا أنا كذلك حتى قعد، فقال: يا علي إن الله احتج في الإمامة بمثل ما احتج به في النبوة فقال: " وآتيناه الحكم صبيا" و " لما بلغ أشده" " وبلغ أربعين سنة" فقد يجوز أن يؤتى الحكمة وهو صبي ويجوز أن يؤتاها وهو ابن أربعين سنة. وزعم علي بن حسان أنه قال للجواد: يا سيدي إن الناس ينكرون عليك حداثة سنك، فقال: وما ينكرون من ذلك قول الله عز وجل؟ لقد قال الله عز وجل لنبيه (ص): " قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني" فوالله ما تبعه إلا علي (ع) وله تسع سنين وأنا ابن تسع سنين. ونقل الكليني عن علي بن جعفر بن محمد (أخي الكاظم) أنه قبل ذات يوم يد الجواد وهو صغير وعظمه، مما دفع بعض أصحابه إلى توبيخه قائلين: أنت عم أبيه وأنت تفعل به هذا الفعل؟ فقال: اسكتوا إذا كان الله عز وجل - وقبض على لحيته - لم يؤهل هذه الشيبة وأهَّل هذا الفتى ووضعه حيث وضعه، أنكر فضله؟! نعوذ بالله مما تقولون، بل أنا له عبد. النوبختي، فرق الشيعة ص 86 – 90 والأشعري القمي، المقالات، ص 99 والكليني، الكافي، ج 1 ص 494 و 382 – 384، و كتاب الحجة، باب الإشارة والنص على أبي جعفر الثاني، ح رقم 10 و 12و 13 و باب حالات الأئمة في السن ح رقم 2 و 5 و 6 و 7 و 8
- النوبختي، فرق الشيعة، ص 90

ورفض بعضهم هذا المنطق المشحون بالغلو والأساطير، وقالوا: " إن الجواد قبل البلوغ هو إمام على معنى أن الأمر له دون غيره إلى وقت البلوغ، فإذا بلغ علِم لا من جهة الإلهام والنكت ولا الملك ولا لشيء من الوجوه التي ذكرتها الفرقة المتقدمة، لأن الوحي منقطع بعد النبي بإجماع الأمة". وقالوا: " لا يعقل أن يعلم ذلك إلا بالتوقيف والتعليم لا الإلهام والتوفيق ، لكن نقول إنه علم ذلك عند البلوغ من كتب أبيه وما ورثه من العلم فيها وما رسمه له فيها من الأصول والفروع". وأجاز قسم من هؤلاء القياس والاجتهاد في الأحكام، للإمام خاصة، على الأصول التي في يديه لأنه معصوم من الخطأ والزلل فلا يخطئ في القياس.
- النوبختي، فرق الشيعة، ص 90

وقد روى هذا الفريق عدداً من الأحاديث السرية من الرضا حول الإشارة والنص على ابنه محمد الجواد، وأنه قال عندما ولد:" هذا المولود الذي لم يولد مولود أعظم بركة على شيعتنا منه". وقال لجماعة من أصحابه:" القوا أبا جعفر فسلموا عليه وأحدثوا به عهدا". وقال:"هذا أبو جعفر قد أجلسته مجلسي وصيرته مكاني، إنا أهل بيت يتوارث أصاغرنا عن أكابرنا القذة بالقذة". وأنه دعا بابنه وهو صغير فأجلسه في حجره وقال للحسن بن الجهم: جرده وانزع قميصه، فنزعه الحسن، فقال له: انظر بين كتفيه، فنظر، فإذا في أحد كتفيه شبيه بالخاتم داخل في اللحم، ثم قال: أترى هذا؟ كان مثله في هذا الموضع من أبي.
الكليني، الكافي، كتاب الحجة، باب الإشارة والنص على أبي جعفر الثاني، ح رقم 1 و 2 و 6 و 8 و 9

ومع وجود الشك بصحة هذه الأحاديث، فإنها لا تحمل معنى الإمامة المباشرة بعد وفاة الرضا، في حالة الصغر، وأنها إمامة دينية من الله، إذ يحتمل أيضا أن الرضا كان يأمل أن يرثه ابنه في المستقبل بعد طول عمر، حيث لم يكن يعلم بأنه سوف يموت سريعا في عمر السادسة والخمسين. ولكن "الإمامية" اضطروا للقول بإمامة الجواد إنقاذا لنظريتهم من التهاوي والسقوط، فوقعوا فيما هو أعظم من التناقض مع القرآن الذي يأمر بالحجر على الأطفال. أو ممارسة القياس الباطل على بعض الأنبياء السابقين (سليمان ويحيى وعيسى) بدون دليل، أو ادعاء علم الغيب للإمام.
وكان لا بد ان يبنوا قولهم على مجموعة من حكايات المعاجز والعلم بالغيب ، كمعرفة الجواد وهو في المدينة بوفاة أبيه وهو في خراسان في نفس الساعة ، وذهابه بلمح البصر إلى خراسان لتغسيل أبيه وتكفينه ، ثم عودته إلى المدينة في نفس الليلة، وقيام عصا كانت في يده بالنطق والشهادة له بالإمامة ، وإجابته لقوم من الشيعة عن ثلاثين ألف مسألة في مجلس واحد.
ابن بابويه الصدوق، الإمامة والتبصرة من الحيرة، ص 222 النوبختي، فرق الشيعة ص 86 – 90 والأشعري القمي، المقالات، ص 99 والكليني، الكافي، ج 1 ص 494 و 382 – 384، و كتاب الحجة، باب الإشارة والنص على أبي جعفر الثاني، ح رقم 10 و 12و 13 و باب حالات الأئمة في السن ح رقم 2 و 5 و 6 و 7 و 8

ولكي يثبت "الإمامية" إمامة الجواد، اضطروا إلى ادعاء "معاجز" له كتكلم العصا وشهادتها بإمامته، حيث ادعى محمد بن أبي العلاء أن القاضي يحيى بن أكثم - قاضي سامراء - سأل الجواد عن الإمام من هو؟ فقال: أنا هو، فقال: هل لك علامة؟ فكان في يده عصا فنطقت وقالت: إن مولاي إمام هذا الزمان وهو الحجة.

- الكليني، الكافي، كتاب الحجة، باب ما يضل به بين دعوى المحق والمبطل في أمر الإمامة، ح رقم 9

وهكذا حاول الإمامية بهذه القصص "الإعجازية" الأسطورية إخراس صوت العقل والعلم في البحث عن أدلة شرعية لإثبات نظرية ليس عليها دليل. دون أن يكلفوا أنفسهم بعد ذلك عناء إثبات تلك القصص لأحد، أو يسمحوا لأحد بمناقشتها والتشكيك فيها.

https://www.facebook.com/ahmad.alkatib1/videos/10215510202281148/

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق