الاثنين، 13 أغسطس 2018

الليبرالية الجديدة وصناعة الدول المثقلة بالديون... البرازيل نموذجاً


لا يخفى على أحد دور النهب والقمع الذي تلعبه مؤسسات دولية عدة، على رأسها البنك الدولي وصندوق النقد، ضد الدول التي وقعت في براثن الدَّين الاقتصادي. حول دور هذه المؤسسات في «انقلاب البرازيل» وفي غيرها من الدول، أجرت إذاعة «KPFA» حواراً مع الاقتصادي ميشيل شوسودوفسكي، وهذه ترجمته الكاملة.

إعداد وترجمة: جيهان الذياب

بوني فولكنر: ميشيل شوسودوفسكي، نرحب بك.

ميشيل شوسودوفسكي: مسرور لوجودي في برنامجكم خلال هذه القضايا الهامة للنظام العالمي الجديد.

بوني فولكنر: في برنامجنا الأخير" الحرب الكونية: هل سيهاجم حلف الولايات المتحدة – الناتو روسيا؟" تحدثت عن الحرب النووية العالمية التقليدية وغير التقليدية. وتشمل الحرب غير التقليدية الحرب العالمية المالية. دعنا نأخذ واحد من الأمثلة الأخيرة ، تغيير النظام في البرازيل. فإن المادة الأخيرة الخاصة بك، "وول ستريت وراء الإطاحة بنظام الحكم في البرازيل" تطرح للنقاش أن الهدف النهائي للانقلاب البرازيلي ضد ديلما روسيف هو السيطرة على الإصلاح الاقتصاد الكلي والسياسة النقدية. ما هو الدليل؟
ميشيل شوسودوفسكي: الدليل هو ما جاء لاحقاً. عندما شكل لويز ايناسيو دا سيلفا، الرئيس لولا، حكومته في عام 2003، عين الرئيس التنفيذي السابق لبنك وول ستريت، مصرف فليت بوسطن المالي والمصرفي العالمي، لرئاسة البنك المركزي البرازيلي. وكان ذلك مثل تعيين الثعلب مسؤولاً عن حظيرة الدجاج، إذا جاز التعبير، وما كان يزعج في ذلك هو أن جميع التعيينات الرئيسية التي نفذتها حكومة حزب العمال التقدمي (PT) - وهي وزارة المالية، البنك المركزي، وبنك البرازيل، وهو بنك تنموي – تمت من قبل الليبراليون الجدد. في الواقع، قدم صندوق النقد الدولي الدعم لحكومة لولا دا سيلفا كما أنه هنأ حكومة لولا أيضاً على إجراءات التقشف، وما شابه.
هنريك دي كامبوس ميريليس، الذي كان رئيس البنك المركزي البرازيلي وأيضا الرئيس السابق لبنك فليت بوسطن المالي والمصرفي العالمي قبل أن يرأس البنك المركزي البرازيلي، بقي في هذا المنصب حتى رئاسة ديلما روسيف، خلفاً للرئيس لولا. في الواقع، عينت ديلما روسيف مسؤولاً آخر بوزارة المالية لرئاسة البنك المركزي وأسقطت ميريليس من الحكومة.
الآن، هذه،من وجهة نظري، خطوة مهمة جداً لأنها كانت رسالة موجهة لوول ستريت قائلة: "نحن من يتخذ قرار بشأن التعيينات الرئيسية في مجالات الاقتصاد والتمويل." وأدى الانقلاب إلى تعيين حكومة مؤقتة برئاسة ميشال تامر.
إن ما فعلوه، بشكل أساسي، ما بين يوم وآخر كان تعيين وزير جديد للمالية، ليتبين أنه هنريك دي كامبوس ميريليس، سيء الصيت، الرئيس التنفيذي السابق في وول ستريت. حيث عين وزيرا للمالية. وهكذا، مرة أخرى، وضعوا فريقا من المسؤولين في المناصب الرئيسية.
ليست المسألة فقط في أن كامبوس ميريليس هو أحد موظفي وول ستريت. فهو أيضا مواطن أمريكي. وقد عين كامبوس ميريليس أحد رجاله في البنك المركزي واسمه إيلان غولد فاين. كان ايلان غولد فاين كبير الاقتصاديين في واحدة من المؤسسات المالية الخاصة الكبرى في البرازيل و تشاء الصدف أيضاً أن يكون مواطنا إسرائيليا، وأنه أيضا صديق مقرب جدا من ستانلي فيشر، الذي كان في السابق في المركز الثاني في صندوق النقد الدولي، ثم أصبح حاكما لبنك إسرائيل، ويشغل ستانلي فيشر حاليا المركز الثاني في مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.
فهو نائب رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. وللتأكيد، فإن ايلان غولدفاين وستانلي فيشر على حد سواء يحملان الجنسية الأمريكية. وقد ولد غولدفاين، رئيس البنك المركزي البرازيلي، في إسرائيل، وكان لديه جنسية مزدوجة. أنا لا أنتقد جنسيته ولكن أود التركيز على علاقات المحسوبية بين هؤلاء الأفراد.
والآن، لدينا حاكم البنك المركزي الذي لديه علاقة شخصية وثيقة مع ستانلي فيشر، الرجل الثاني في مجلس الاحتياطي الفيدرالي.وكما هو معروف وموثق، فهو دائماً الرجل رقم اثنين، أي الآمر الناهي في نهاية المطاف و الذي يقوم بصياغة كافة السياسات. إذاً، هذه هي خلفية المشهد.
الآن، دعينا نقول، أين كانت الحركات التقدمية اليسارىة ؟ حسنا، لقد جاءت تماما في بداية إدارة لولا واصطف التقدميون في أوروبا وأمريكا الشمالية، في أمريكا اللاتينية في جوقة، يحتفلون بفوز الحكومة الاشتراكية ضد أجندة الليبرالية الجديدة، وقالوا «إنه النصر ضد الليبرالية الجديدة". لم يكن ذلك انتصارا ضد الليبرالية الجديدة. كان في الواقع محاولة استقطاب ( تطويع)لقيادة حزب العمال، وليس قواعده، من قبل وول ستريت وذلك بتعيين مجموعة كاملة من قبل وول ستريت، والتي بدأت مع لولا، ووصلت إلى نقطة معينة تعطلت عند ديلما روسيف.
بوني فولكنر: ما حجم القوة التي مارسها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ضد اقتصاد البرازيل؟
شوسودوفسكي: اسمحي لي أن افتح قوسين هنا. في كثير من الأحيان يقول الناس أن صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، يضعان هذه الشروط القاسية على البلدان النامية، ويجبرانهم على تنفيذ هذه التدابير التقشفية القاسية و..والخ. هذا هو الوصف الصحيح لأنشطة صندوق النقد الدولي / البنك الدولي.
برامج التكيف الهيكلي التي تفرض على البلدان النامية هي القاتلة. ولكن الآمر الناهي في هذا الأمر ليسا صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، واللذين هما في الواقع عبارة عن بيروقراطيات. لأن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي هي أدوات بيد وول ستريت. إنها صكوك العلاقات المصرفية الخاصة.
صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، لديهما استقلالهما، لديهما مؤسسات بريتون وودز، ولكن من الناحية القانونية هما مرتبطان بالأمم المتحدة. وهي علاقة ضبابية جدا، من المفترض أن يكونا متصلان بالأمم المتحدة.ولكن في الحقيقة هما ليسا كذلك. يعود الامر في النهاية الى وول ستريت وليس لهما
من الملائم جدا لوول ستريت أن يمتلك تلك المؤسسات التي مقرها واشنطن والتي ، من خلال العلاقات الحكومية الدولية، تقيم علاقات مع الحكومات. وهي الهيئات الحكومية الدولية.
الآن، ما أعنيه هنا أنه فيما يتعلق بأهمية التعيينات فإن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لهما تأثير كبير جدا. إنهما جزء من ما يسمى مجمع واشنطن، وهو مرتبط أيضا بمجمع وول ستريت. ونلاحظ أنه يتم تعيين مسؤول سابق في البنك الدولي في وزارة المالية في كثير من الأحيان. فقد كان هذا هو الحال في عام 1991 عندما تم تعيين وزير المالية في الهند، مانموهان سينغ، الذي أصبح فيما بعد رئيسا للوزراء، ونفذ ما كان يسمى السياسة الاقتصادية الجديدة، التي أدت إلى الدمار. وقد حصل على الدعم من البنك الدولي.
وبعبارة أخرى، فإن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لديهما عملاءهما في الداخل. واعتقد أن البنك الدولي لديه الفرصة الأكبر في ذلك، لأن البنك الدولي يمكن أن يدخل في الوزارات. يمكن أن يكون في وزارة المالية، في وزارة الزراعة وهلم جرا، وفي نهاية المطاف هناك إجماع من حيث صنع السياسات التي تنشأ.
ولكن بعد ذلك إذا كنت تتحدثين عن الأثر الذي تتركه عادة اتفاقيات القروض هذه، وهو أثر مدمر لأنه سيقولون، "عليك أن تقطع ميزانيتك عن جميع القطاعات الاجتماعية، والصحة، والتعليم، وما إلى ذلك. عليك إغلاق المستشفيات، وإغلاق أو خصخصة بعض المدارس، وفرض رسوم ضريبية على المستفيدين من هذه الخدمات "، وتأثير ما تقوم به هذه المؤسسات، في الواقع، هو تعجيل سقوط هذه البلدان في الفقر، وأنها تسهم أيضا في زعزعة استقرار الاقتصاد الوطني. ويمكن رؤية ذلك في كثير من البلدان.
في فنزويلا، في الواقع، ما فعلوه يشبه إلى حد بعيد ما فعلوه أو ما كان لهم علاقة به في شيلي في عام 1973. لقد خلقوا ظروف انهيار أسواق السلع الأساسية، وندرة السلع وارتفاع التضخم، وتعطيل توزيع السلع، ناهيك عن مشاكل الأمن المدني والجريمة المنظمة، الخ، الخ في كراكاس. صممت تلك الظروف بشكل منظم. بالطبع، لقد خلقوا أيضا الظروف التي أدت إلى إفلاس الدولة بسبب انهيار أسعار النفط من أكثر من 100 $ للبرميل إلى ما يقارب 30 $ للبرميل، وهذا ساهم في إفلاس الحكومة الفنزويلية.

بوني فولكنر: ما هي خطة الريال في البرازيل؟

ميشيل شوسودوفسكي: إنها هامة جدا. في الواقع، خطة الريال هي خطة في الأساس لتحويل جميع عمليات الديون الداخلية إلى الدولار(دولرة) ، بحيث ألا يملك البلد في الواقع سياسة نقدية. وهو يربط العملة الوطنية، الريال البرازيلي، بالدولار وهذا يعني أنه يجب أن تكون معتمدة من قبل معاملات الفوركس للحفاظ على هذا التكافؤ. ومن ثم فذلك يعني حقا أنه إذا كنت ترغب في استخدام السياسة النقدية الخاصة بك لتعبئة الموارد الداخلية فهي تتحول إلى الدولار. وهي نفس الخطة التي اتبعوها في الأرجنتين تحت رئاسة منعم.
بوني فولكنر: أنت كتبت، "إن الهدف من الانقلاب كان إلغاء سيادة البرازيل في صياغة سياسة الاقتصاد الكلي." لماذا يقف وول ستريت أو الولايات المتحدة ضد سيادة الأمة؟
ميشيل شوسودوفسكي: هذا سؤال مهم جداً، وعليها حقا أن تهتم بالسياسة النقدية. في الواقع، تحدد السياسة النقدية سيادة البلاد. وهي قدرة البلد على تمويل مشاريعها التنموية بشكل فعلي من خلال إقراض القطاع الخاص وإقامة البنية التحتية وهلم جرا.
للقيام بذلك، عليك أن تكون قادرا على زيادة مستويات الدين الداخلي. ونحن نفعل ذلك في الولايات المتحدة وكندا وهلم جرا. نحن نستخدم العمليات الديون لتمويل البنية التحتية والطرق والمدارس والمستشفيات.
ولكن ما هو على المحك في البلدان النامية هو أن العملة المحلية مرتبطة بالدولار وفي أسواق العملة دُعمت من قبل الديون المقومة بالدولار (المدولرة)، والتي كان يجب أن يتم تكبدها لدعم العملة. ذلك أنه عند البدء في زيادة المعروض من النقود لتمويل التنمية - وهي آلية صعبة ومعقدة – عليك في الواقع أن تقترض بالدولار، ما يعنيه ذلك فعليا هو أن العملة المحلية هي فعليا مجرد وكيل عن الدولار. انها عملة (مدولرة)، بحيث أنه كلما كنت ترغب في بناء طريق أو جسر أو مجمع لتوليد الطاقة الكهرومائية باستخدام الموارد المحلية، سيتحتم عليك زيادة المديونية الخاصة بك من حيث القيمة الدولارية. وبعبارة أخرى، يصبح الدين الداخلي ديناً خارجيا.
هذا هو في نهاية المطاف ما حدث في البرازيل من خلال خطة الريال. في خطة الريال استخدم الريال كعملة برازيلية مع ربطها بالدولار الأمريكي، واستمر ذلك عن طريق دعم متواصل للعملة للحفاظ على هذا التكافؤ. ويعني ذلك أن البرازيل كانت تقيد نفسها بدين من حيث الدولارات وفي كل مرة تزيد من مستويات الإنفاق على سبيل المثال وهلم جرا، ستكون في نهاية المطاف مجبرة على الاقتراض بالدولار. ماذا يعني ذلك، لنعود إلى هذا السؤال، هو أنه وول ستريت، الذي يسيطر على السياسة النقدية وجميع أعمال التنمية الداخلية وتمويل البنية التحتية والمدارس والطرق وهلم جرا، يتطلب الاقتراض بالدولار للقيام بذلك.
سأعطيك مثالا على ذلك. قررت فيتنام، في أعقاب تطبيع علاقاتها مع الولايات المتحدة، أن تبدأ مشروع كبير لإصلاح الطريق السريع الرئيسي في البلاد، الذي يربط العاصمة هانوي، في الشمال إلى مدينة هوشي منه، أو ما كان يعرف سابقا باسم سايغون. ويطلق عليه الطريق رقم 1. في الساحل الشرقي للولايات المتحدة يوجد أيضا الطريق الذي يربط بين نيويورك وصولا إلى ميامي.
ما حدث هو أن هذا المشروع كان لإصلاح الطريق، ولهذا كان عليهم أن يعرضوا مناقصة دولية لشركات البناء القادمة - عقود كبيرة بعدة ملايين من الدولارات - ولإصلاح الطرق كانوا يحتاجون إلى رؤوس الأموال الأجنبية. ولكن في الواقع، ما ستفعله رؤوس الأموال الأجنبية هو التعاقد من الداخل مع الشركات المحلية التي ستقوم ببناء الطريق. ما يحدث في ظل هذا النوع من الآلية هو التحول من الدين الداخلي إلى الديون الخارجية. أنت لا تحتاج إلى جلب رؤوس الأموال الأجنبية لإصلاح الطريق، أو حتى لبناء طريق. التكنولوجيا متوفرة ، والدراية متوفرة أيضاً، وأنت لا تحتاج إلى ذلك الاستثمار الكبير من حيث رأس المال أو المواد. كل شيء متواجد في البيئة المحلية
وهذا يعيق الآليات. فوراً، بمجرد تطبيع هذا البلد، تقول هذه المؤسسات المالية، "حسنا، نحن سنقدم لكم المال في إطار مشروع البنك الدولي لبناء الطريق ولكن يجب أن يكون هناك عرض مناقصة لشركات المقاولات الدولية وما إلى ذلك، ثم عليك استخدام المال الذي نقدمه لك، لتدفع لهذه الشركات. " وهكذا تصبح هذه البلدان مدينةو غير قادرة على إدارة عمليات الديون الداخلية تحت رعاية البنك الدولي و صندوق النقد الدولي. وقد رأيت هذا في العديد من البلدان.
هناك ما يسمى PIP، برنامج الاستثمار العام، وهي قائمة من المشاريع، ويدخل البنك الدولي في نهاية المطاف من خلال هذه القائمة، ويمكنه اختيار تمويل ما يريده من هذه المشاريع ، و أن يتجاوز الحكومة في اختيار المشاريع الاستثمارية.
وذلك في النهاية هو جوهر السيادة الاقتصادية. إنها قدرة البلد على استخدام الأدوات النقدية لتمويل التنمية، وتنتفي هذه القدرة تحت العلاقات السائدة التي تربط هذه الدول مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والدائنين.
بوني فولكنر: حسنا، من الصحيح أنه إذا تمكن البلد من أن يصدر ديونه داخليا، سيتمكنون من التحكم في تلك السياسة وآثارها. ولكن إذا تم تصدير ديونه خارجيا ، سيفقدون السيطرة لصالح الغير، أليس كذلك؟
ميشيل شوسودوفسكي: تماماً. لقد صغتها بالضبط. هذه هي طبيعة تلك العلاقة. وحالما يرتبطون بهذه المؤسسات المالية الدولية، التي تراقب مشاريعهم الاستثمارية وتوفر لهم التمويل اللازم، ثم أن هذا التمويل خارجي، وبالدولار، وبالتالي سيخضعون للشروط المفروضة من قبل الدائنين التي تحمل طابعا سياسياً. وهكذا، سوف يقولون:"أوه. لقد ساعدناكم على بناء هذا الطريق ولديكم الآن ديون بقيمة 50 مليون دولار أو 100 مليون دولار. عليكم سداد هذا الدين الآن". ثم تقول الحكومة،" حسنا، ليس لدينا أي أموال لسداد الدين ". ثم يجاوبونهم،" حسنا، سنقدم لكم المال ولكن عليكم أن تقبلوا سياسة معينة بالشروط التي سنفرضها - وبعبارة أخرى، تغلقون المستشفيات والمدارس الخاصة بكم وستعملون بهذه الطرق التقشفية". ثم يطالبونهم بالخصخصة. وهكذا في الواقع، فإن عملية صنع الدول المثقلة بالديون هو مفتاح السيطرة على سيادتها.
الآن، تختلف هذه الآليات في الاتحاد الأوروبي إلى حد ما. هناك معاهدة ماستريخت الشهيرة، التي تعود إلى ما قبل منطقة اليورو، ومعاهدة ماستريخت وضعت الأساس حيث لا يمكن للدول الأعضاء تمويل تنميتها بشكل فردي من عمليات البنك المركزي. ولكن في نهاية المطاف ، بالطبع، لديهم البنك المركزي الأوروبي، وهذا يخلق الظروف الضرورية لجعل الدول الأعضاء ، وخاصة الأضعف مثل اليونان وايرلندا والبرتغال في نفس وضع سابقاتها، ويمكن الانتقاص من سيادتها لأنهم لا يستطيعون استخدام مواردهم. وليس لديهم عملة وطنية لتمويل تنمية الدولة. ثم ما يحدث هو أن يتم أخذ ممتلكاتها والخصخصة والفقر وهلم جرا.
وهذا ما نراه يحدث في عدة بلدان أوروبية. اليونان ، بطبيعة الحال، هو المثال هام حدثت فيه هذه الآلية. والبنك المركزي الأوروبي في الواقع يلعب الدور المماثل في بعض الجوانب لدور صندوق النقد الدولي ولكن في سياق آخر، بالطبع. صندوق النقد الدولي تصرف على هذا النحو فيما يتعلق البرازيل، ولكنه في الآونة الأخيرة قام بنفس العملية أيضا فيما يتعلق بدول مثل اليونان والبرتغال.
بوني فولكنر: صحيح. وأعتقد أنه من المهم أن يفهم الناس أنه إذا كانت الحكومة تصنع دينها الداخلي، أو تصنع رصيدها الخاصة بها،ويمكن استخدام ذلك لمساعدة الاقتصاد وليس لتدميره. على سبيل المثال، لنقل مثلا إن البنك الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة من الناحية النظرية كان جزءا من وزارة الخزانة أو حتى كما هو الآن،عندما تمت خصخصته. إذا أصدر قروضا بدون فائدة للدول أو كل ما يمكن استخدامه لمساعدة الاقتصاد بدلا من تدميره، أليس كذلك؟
ميشيل شوسودوفسكي:حسناً، بالطبع. المسألة هي، انه ليس المال هو الذي يصنع الثروة الاقتصادية الحقيقية. وهنا أنا لا أتحدث عن ثروات الأفراد؛ أنا أتحدث عن البنية التحتية والمدارس والمستشفيات والطرق ما إلى هنالك. الموارد الموجودة في الولايات المتحدة الأمريكية هي الاقتصاد الحقيقي. إنها الشعب بالإضافة إلى الموارد والمعدات وما شابه والتي ستقود في نهاية المطاف إلى مشاريع. بعد ذلك نحتاج إلى الآليات التي ستقوم بتعبئة هذه الموارد، ويمكن أن تقدم قروض بفائدة صفر في المئة أو يمكن أن تكون هناك، بالطبع، القروض التجارية بفائدة عالية جدا.
يمكن أن يكون هناك كل أنواع العقبات لزيادة الإنفاق العام في دعم مشاريع والسبب، مرة أخرى، أن وزارة الخزانة هي في النهاية تحت مراقبة وول ستريت، من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي، والذي بدوره هو أيضا ذيلا من ذيول وول ستريت.
السياسة النقدية مركزية في أي نوع من المشاريع المجتمعية، وهذا ما يجعل مناقشة أمر ديمقراطية السياسة النقدية ، والنظام المصرفي بشكل عام أمر حاسم جدا. بحيث إذا كان لدينا نظام مصرفي تسيطر عليه مؤسسات جيه بي مورغان تشيس وجولدمان ساكس وسيتي جروب وغيرها، لن نكون بالضرورة قادرين على تمويل الأشياء التي نريد تمويلها. سنقوم بتمويل الكازينوهات، والمجمعات الترفيهية والفنادق وما شابه ذلك، ولكن لن يتم تمويل البنية التحتية الاجتماعية الأساسية التي سوف ترفع مستوى معيشة الملايين من الناس. أعتقد أن هذا هو الوضع الذي يميز السياسة النقدية الأمريكية.
أود أن أذكر أن حصة كبيرة من النفقات العامة تخصص لإنتاج الأسلحة. إنها المجمع الصناعي العسكري، وهو ما يسمى مقاولي الدفاع، وهذا يتطلب مرة أخرى ... حسنا، هذا يتعلق بالديون الحكومية، ويتعلق بأنماط الإنفاق، ويتعلق بوزارة الخزانة، ولكن مرة أخرى، عندما تكون الكلمة للدائنين ويقررون ما يجب تمويله من حيث البنية التحتية، فإن الاتجاه هو بالضبط لتمويل مجالات مثل الدفاع بدلا من المدارس والمستشفيات.
بوني فولكنر:حتى ذلك الحين، ولنأخذ البرازيل على سبيل المثال، ما هو تأثير فرض إجماع واشنطن على البرازيل؟ كيف تستفيد الولايات المتحدة وما هي الآثار السلبية على البرازيل؟
ميشيل شوسودوفسكي:حسنا، حالة البرازيل هي بالتأكيد ليست فريدة من نوعها. أعتقد أن ما يميز البرازيل من البلدان النامية الأخرى، وخاصة في أمريكا اللاتينية، هو أولا أن عدد سكانها يبلغ أكثر من 200 مليون شخص. إنها بلد كبير في حد ذاته، مع الموارد الهائلة والبنية التحتية وما إلى ذلك. ولكن ما يميز هذه العلاقة بين واشنطن / وول ستريت من جهة والبرازيل من جهة أخرى هو حقيقة أنه من خلال السيطرة على السياسة النقدية، ستتم ، في النهاية،السيطرة على الموارد الحقيقية للبلد.
الهدف ليس مجرد احتلال البنك المركزي أو وزارة المالية. والهدف من ذلك ، في نهاية المطاف، هو السيطرة على مساحات كبيرة من عملية التنمية الاقتصادية في البرازيل من خلال الخصخصة، من خلال شراء الشركات البرازيلية وهكذا دواليك. لقد رأينا تنامي ذلك، في السنوات العشرين الماضية، أن مصالح الشركات المالية والاقتصادية الأميركية المهيمنة تستولي على قطاعات واسعة من هذا الاقتصاد الغني.ونحن نتحدث هنا عن الموارد والتعدين والغابات والتنمية الصناعية أيضا.
هذه اللعبة تدعى الخصخصة ودول مثل البرازيل - ولكن دعونا نأخذ حالة أخرى، فإن دولا مثل كوريا الجنوبية، ذات القدرات الصناعية الهائلة. عندما اشترط صندوق النقد الدولي الإصلاحات المدمرة في عام 1997 أثناء ما يسمى الأزمة الآسيوية، وفرضوها على كوريا الجنوبية. كان الهدف في النهاية هو مصادرة الأصول الحقيقية - حرفياً، مصادرة الأصول الحقيقية. لكنهم لم يصادروا الأصول الحقيقية فقط، بل استولوا على المصارف واستولوا على معاهد البحوث. كنتيجة للتلاعب المالي الذي يمكنك القيام به نتيجة الإشراف على موارد بلد آخر. وسوف نجد حوادث مماثلة في بلدان أخرى.
بالعودة إلى البرازيل، فالبرازيل هي بلد غني جدا وهناك الكثير من الأصول التي يجب السيطرة عليها. ونحن نرى الآن أن قواعد اللعبة هي للسيطرة على الأصول. ونستطيع رؤية ذلك في اليونان الآن من خلال الشروط المفروضة من قبل الدائنين الألمان والفرنسيين والأميركان على وزارة المالية اليونانية.
هذا هو النظام اليوم - ليست السيادة هي الوحيدة التي على المحك. إنه نهب الاقتصاد الوطني من قبل المؤسسات المالية الدولية مما أدى إلى نقل الثروة حيث تسيطر هذه الشركات الأمريكية على قطاعات كبيرة من الاقتصاد من خلال عملية التلاعب.
بوني فولكنر: في مقالك، "مكافحة الدعاية كأداة للسلام: فيدل كاسترو ومعركة الأفكار، ومخاطر الحرب النووية،" كتبت :"عملية إفقار على مستوى جميع أنحاء العالم هي جزء لا يتجزأ من أجندة العالم الجديد. "صف لنا ما تعتبره "النظام العالمي الجديد".
ميشيل شوسودوفسكي: حسنا، النظام العالمي الجديد هو مشروع هيمنة لقهر الدول ذات السيادة وذلك عن طريق تحويل حكوماتهم إلى شركات تعمل لدى الدول المهيمنة. وهو على شكل وهيئة إصلاح اقتصادي كلي، ولكنه أيضا مبادرة للتجارة –TTIP(التجارة والشراكة الاستثمارية عبر الأطلسي)، وTTP(الشراكة عبر المحيط الهادئ)،هما المنطقتين الرئيسيتين للتكامل التجاري، المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ، اللتين نقلتا صلاحيات صنع القرار إلى أيدي الشركات.
الآن وقد حدث كل ذلك بالفعل ، في الواقع. لم يعد لدينا حكومات مستقلة، أو ذات سيادة الحكومات، حتى في الدول الغربية. يمكن أن نعود إلى الفترة ... حسنا، في أوروبا قد نعود إلى شارل ديغول أو في بريطانيا قد نعود إلى هارولد ويلسون، ولكن هذه الأنواع من رؤساء الدول، ورؤساء الحكومات لم تعد موجودة . في الولايات المتحدة لدينا بعض الأفراد الذين يعملون كأدوات للوبيات الشركات. انهم لا يمثلون أي قيادة. لا أعتقد أن دونالد ترامب أو هيلاري كلينتون يمكن أن يمثلا أي قيادة في ما يتعلق بصنع القرار. وسوف يتقيدان بالتعليمات التي تنتقل لهم من قبل وكلائهم في الشركات. وهنا، بالطبع، يوجد أيضا توافق في الآراء بشأن ما هو صحيح سياسياً، كما هو الحال بشأن ما تنفذه.
النظام العالمي الجديد هو النظام الرأسمالي العالمي. أنه بقوم على الهيمنة. ويقوم على القوة العسكرية. أعتقد أن هناك من يقول أيضا أنه يتميز بالتجريم الصريح للسياسة. والحقيقة هي أن لم يعد لدينا حقا هؤلاء الشرفاء في الحكومة ، وعددهم قليل جداً. كما أن لدينا حقيقة أنه خلال 20 أو 30 عاما الماضية، تم القضاء على جميع المشاريع الديمقراطية الاشتراكية و / أو الاجتماعية بشكل أو بآخر. يمكن أن نضع نيكاراغوا بعين الاعتبار في أوائل الثمانينات. وبالطبع هناك غواتيمالا والسلفادور. كذلك يمكن أن نفكر في فيتنام التي تم طمسها خلال حرب فيتنام وكمبوديا واندونيسيا في أوائل / منتصف الستينيات. يمكننا أن ننظر إلى شيلي والأرجنتين وموزامبيق وأنغولا والجزائر، والعديد من البلدان التي تم طمس وتدمير المشاريع الوطنية فيها، وبعبارة أخرى، لم يعد هناك أي دولة وطنية ولم تعد هناك أية حكومة إصلاحية تعمل لمصلحة مواطنيها.
لم يعد هناك ما يمكن أن نسميه حكومة تمثيلية. هذا هو النظام العالمي الجديد. إنه يرتكز على سلطة الشركات. وهي ليست بالضرورة عملية سلسة، لأن تلك الشركات تشن معاركها الخاصة ضد بعضها البعض. إنهم يندمجون، و يشترون، ولديهم أساليب التلاعب الموجهة ضد منافسيهم.
لكن في النهاية ما يحدث هو أن العالم يحث الخطى باتجاه الفقر. لم تعد القضية قضية الفقر الشامل؛ إنها قضية اليأس التام. وبعبارة أخرى، كان لدينا فترة تحدثنا فيها عن عولمة الفقر. قضيت سنوات عديدة في التحقيق في هذا الموضوع. ولكن لدي حدس بأننا الآن نتحدث عن شيء مختلف تماما. إنه ما وراء عولمة الفقر. المسألة ليست فقط في إفقار قطاعات واسعة من سكان العالم. هي تكمن في استعجال الناس إلى اليأس التام وفي تدمير النسيج المؤسساتي، وانهيار المدارس والمستشفيات التي يتم إغلاقها، وتفكك النظام القانوني، وإعادة وضع الحدود.
هذه المرحلة ، بشكل أساسي، والتي تتجاوز الإفقار، هي مرحلة تحول البلدان إلى مناطق ونحن نرى ما يحدث في الشرق الأوسط. الهدف بالنسبة للعراق وليبيا واليمن هو بالتأكيد تحويل البلاد إلى أقاليم، ومن ثم إعادة استعمارها. حيث تكون البيئة مختلفة جدا مقارنة مع التي سادت حتى وقت قريب.
بوني فولكنر: ما هي الجهات الفاعلة في الشركات الرئيسية في النظام العالمي الجديد؟
ميشيل شوسودوفسكي: أود أن أقول، بصفة عامة، أن الشركات الفاعلة الرئيسية في النظام العالمي الجديد، أولا وقبل كل شيء هي وول ستريت والتكتلات المصرفية الغربية، والتي تشمل أيضا المنشآت البحرية، وجزر كايمان، وغيرها. لقد تحدثنا كثيرا عن ذلك في أوراق بنما، ولكن في الواقع يتم التحكم في كل تلك المواقع البحرية من قبل المؤسسات المصرفية الكبيرة. وبطبيعة الحال، فهي مرتبطة أيضا بغسل الأموال والمخدرات وما شابه.
المجمع الصناعي العسكري، على الأقل، كما دعاه أيزنهاور، وتجمع ما يسمى مقاولي الدفاع - إنهم ليسوا متعاقدين في مجال الدفاع، هم متعاقدون في مجال الحرب - الأمن، وشركات المرتزقة، التي تتسابق دولياً على عقد مع وزارة الدفاع الأمريكية والشركات الأمنية الخاصة الكبيرة مثل G4S، والتي بشكل ما كانت على علاقة أيضا بأحداث أورلاندو.
ثم لديك، بالطبع، شركات الطاقة، والنفط والطاقة العملاقة الأنجلو- أمريكية. وهم مهمون جدا. ثم لديك التكتلات في مجال التكنولوجيا الحيوية التي تتحكم بشكل متزايد بالزراعة والسلسلة الغذائية وشركة مونسانتو بالطبع، جزء من ذلك. وشركة كارجيل وشركات المواد الغذائية الكبرى هي جزء من ذلك.
ثم تتداخل مع التكتلات في مجال التكنولوجيا الحيوية لديك شركات الأدوية الكبرى، وشركات بيغ فارما، وأود أن أقول هنا أن تلك الشركات الدوائية كبيرة تتداخل أيضا مع المجمع الصناعي العسكري لأنهم أيضا منتجي الأسلحة الكيميائية والبيولوجية. ثم لديك، بالطبع، عمالقة الاتصالات، وتكتلات وسائل الإعلام، والتي هي جزء من الذراع الدعائية للنظام العالمي الجديد.
هناك تداخل كبير بين مختلف هذه الفئات العريضة جدا، ولكن أعتقد ،في الأساس، وكتلخيص لذلك، وول ستريت والتكتلات الغربية المصرفية، المجمع الصناعي العسكري، والنفط والطاقة العملاقة الأنجلو-أمريكية، والتكتلات في مجال التكنولوجيا الحيوية، شركات الأدوية الكبرى و تكتلات وسائل الإعلام العالمية.
بوني فولكنر: صف لنا العملية التي قامت كل القوى الليبرالية الجديدة.من خلالها بتحييد الحركات الشعبية الاحتجاجية المحلية ضد السياسة الليبرالية الجديدة.
ميشيل شوسودوفسكي: هذا سؤال مهم جدا، لأن عواقب الليبرالية الجديدة، كما رأينا في أجزاء مختلفة من العالم، خلقت ظروف احتجاج جماعي. ما حدث هو أن مقاعد السلطة في النظام العالمي الجديد، وفي المقام الأول وول ستريت، والتكتلات المالية، هم لم يسيطروا فقط على الحكومات التي تنفذ هذه السياسات الليبرالية الجديدة، بل قاموا أيضا بالتحكم بشكل غير مباشر بحركة الاحتجاج، الذي تموله مؤسسات معفاة من الضرائب لهذه الشركات.
ذلك لا يعني أن كل حركات الاحتجاج يتم تمويلها من قبل وول ستريت ولكن في الواقع، إذا كنا سنبدأ في البحث في العلاقة ككل مع المنظمات غير الحكومية، سيظهر لدينا أن العديد من هذه المنظمات والمنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني مرتبطة تاريخيا بحركة الاحتجاج، وفي الواقع، بتمويل من مؤسسات القطاع الخاص بما في ذلك مؤسسة فورد، ومؤسسة روكفلر، ومؤسسة مكارثي، من بين أمور أخرى. لدى مؤسسة تايد تفويض بتمويل المنظمات التقدمية. وهي مؤسسة برأسمال عدة ملايين من الدولارات وبمجرد أن يحدث ذلك في مؤسسة تايد يتم تلقي المنح المقدمة من العديد من المؤسسات التجارية بما في ذلك روكفلر وفورد، فالجهات التي تعارض الليبرالية الجديدة هي من تموله الليبرالية الجديدة بشكل جوهري.
على سبيل المثال، حركة احتلوا وول ستريت. حسنا، احتلوا وول ستريت من جهة لديها تفويض للذهاب ضد وول ستريت، ولكن بعد ذلك عند البدء في دراسة من يقف وراءهم، من يمولهم، تقوم حركتهم على تمويل من مؤسسات معفاة من الضرائب. حيث تمول وول ستريت حركة الاحتجاج ضد وول ستريت. أمر مريح جدا.
الآن، بالعودة إلى البرازيل، لأن الأمر مهم للغاية. في بداية حكومة لولا في 2002 و 2003، تم إنشاء المنتدى الاجتماعي العالمي. وماذا كانوا يفعلون؟ كانوا يحتفلون بفوز حكومة حزب العمال في البرازيل ضد الليبرالية الجديدة. ولكن إذا رجعنا إلى أصول المنتدى الاجتماعي العالمي، وأيضا، وقد تم تمويل المنتدى الاجتماعي العالمي من مؤسسة فورد. ونحن نعلم أن مؤسسة فورد لديها صلات بالمخابرات الأمريكية - في الواقع، صلات تاريخية مع الاستخبارات الأميركية. هناك يمكننا أن نقتبس من كلام الرئيس السابق لمؤسسة فورد الذي قال، " يمكن اعتبارأن كل ما فعلته مؤسسة فورد جعل العالم آمنا للرأسمالية، وقلل من التوترات الاجتماعية من خلال المساعدة التي قدمت لمواساة المنكوبين، وتوفير صمامات الأمان للغضب وتحسين أداء الحكومة". هذا تفويض لمؤسسة فورد التي تمول المعارضة، وتحديداً الناس الذين لا يحبون النظام الرأسمالي، والذين يتظاهرون ضدها. ولكن في نفس الوقت، من خلال هذه الآلية، فإن مؤسسة النخبة هذه تنشئ حدود الحركة الاحتجاجية، وبمعنى أنها تصنع المعارضة.
المؤسسات المعفاة من الضرائب في جوهرها يمكنها التلاعب ووضع حدود للمعارضة ، وذلك من خلال توفير التمويل، وفي إطار السياسة العامة. ووجدت من تجربتي أن طقوس النخب تتكون في دعوة من يُسمَّون قادة المجتمع المدني في الدوائر الداخلية الخاصة بهدف إقامة حوار وما إلى ذلك، وفي نهاية المطاف تتم استمالتهم. وذلك عن طريق تمويلهم، والمنتدى الاجتماعي العالمي هو مثال جيد على ذلك. وقد تواجدت العديد من هذه المنظمات غير الحكومية في رابطة تمويل الشركات وهم بالتالي ليسوا في موقع يمكنهم
حقا من تحدي الأهداف الأساسية لأجندة هذا النظام العالمي الجديد.
بوني فولكنر: كيف تعمل البروباغاندا باعتبارها جزءا لا يتجزأ من النظام العالمي الجديد؟ على سبيل المثال، هل الاستخبارات جزءا لا يتجزأ من وسائل الإعلام؟ وبعد ذلك، أيضا، هل يمكن أن نتحدث عن بعض وسائل الإعلام البديل؟
ميشيل شوسودوفسكي: حسنا، بالتأكيد وسائل الإعلام أو وسائل الإعلام الرئيسية لها صلات تاريخية مع وكالات الاستخبارات. وهذا أمر معروف وموثق. من الواضح أن وسائل الإعلام الرئيسية موجودة لدعم التوافق فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، وهي موجودة لتشويه الأحداث، لكنها وصلت إلى حد ... لم تكن وسائل الإعلام هكذا من قبل. وإذا عدنا إلى حرب فيتنام، كان لدينا تقارير انتقادية على ما كان يحدث، إلى حد ما. ولكن إذا ما بدأنا ننظر ونرى كيف قامت وسائل الإعلام الرئيسية بتغطية الحرب في سوريا؟ حسنا، فقد نسيت أن تذكر أن داعش، الدولة الإسلامية، مدعومة سرا من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.
وهي في الواقع سوف تعترف بذلك وبعد ذلك وبشكل ما سيتم دحض تلك الأكاذيب. وستعترف بذلك في كلمات كثيرة جدا. سيقولون، "أوه، تركيا والمملكة العربية السعودية تدعمان داعش". لكن تركيا والمملكة العربية السعودية هما حلفاء الولايات المتحدة. والمملكة العربية السعودية لا تتصرف دون استشارة واشنطن. ولذلك لا يوجد لدينا الصدق في وسائل الإعلام الرئيسية التي تطورت نحو تقديم الكذب على أنه الحقيقة بشكل أساسي، وهذه علاقة أساسية. لأنه عندما يتم الإجماع على الكذب فليس هناك تحول إلى الوراء.
عندما أقول أن الكذب يصبح حقيقة أو يتم الإجماع على الكذب، مثل قولنا أن الولايات المتحدة تشن حربا ضد الإرهابيين. آه، لكنك لم تُشر إلى أن تمويل الإرهابيين في الواقع جاء من قبل الولايات المتحدة، وقامت وكالة الاستخبارات المركزية بإنشاء تنظيمهم من قبل. الجميع يعرف ذلك ولكن في نفس الوقت لم نعد نصدق ذلك، ونصدق الكذبة. ولكن ذلك لا يعني أن الحقيقة غامضة. إنها آلية مختلفة. هذه هي الحقيقة التي أصبحت كذبة والكذبة التي أصبحت حقيقة، حتى أن الناس يجب أن يصدقوا الكذب على الرغم من أنهم يعرفون أنها كذب. إنها ليست الحقيقة، إذا جاز التعبير.
سأعطيك مثالا آخر. ونحن نعلم أن هناك غرف تعذيب في غوانتانامو. الجميع يعرف ذلك، ولا أحد يبحث في عملية إخفائه. ولكن ما ستقوم به وسائل الإعلام هو شرعنة التعذيب. كما ستوفر الشرعية في الذهاب وقتل الناس في ليبيا أو اغتيال رئيس الدولة أو تفجير ... حسنا،الوضع في سوريا أكثر تعقيدا لأنهم هناك يقولون أن الحكومة تقوم بقصف الشعب، ولكن بطبيعة الحال، لم تعد هذه الكذبة صالحة بعد الآن.
وما يضع وسائل الاعلام على المحك الآن هو أنها، كأداة للدعاية، تحول الحقائق رأسا على عقب. فقد خلقت توافق في الآراء جعل الناس لا تجرؤ على السؤال. إنها تؤيد الحرب على أنها المسعى الإنساني، كأنها تتعهد صنع السلام.
في الواقع ما يعنيه هذا هو أن كلا من السياسة وكذلك وسائل الإعلام يقومان بعملية إجرامية، لأن لدينا المجرمين في المناصب العليا الذين يشاركون في صنع الحرب باسم السلام، ومن ثم لدينا وسائل الإعلام والتي تقوم بالدعاية لدعم تلك الأكاذيب . وفي الوقت ذاته، فإن ذلك يعني أن وسائل الإعلام متواطئة في تجريم الدولة. بدون وسائل الإعلام التي تخدم كأداة للدعاية في خدمة الأجندة العسكرية فإن الأخيرة لن تكون لها القدرة على الوقوف. إن البناء الكامل للسياسة الخارجية للولايات المتحدة سينهار مثل أوراق اللعب إذا تعرض لتحليل صادق في وسائل الإعلام ولمواجهة من هذا القبيل - ولكن هذا لا يحدث.
وهناك أيضا تواطؤ من قبل المثقفين ومن الجامعات ومؤسسات الفكر والرأي وما إلى ذلك. هناك طريقة صحيحة سياسيا لدراسة الشؤون الدولية كما ينبغي أن تكون مثلاً. لا يمكن مناقشة دور الولايات المتحدة في دعم المنظمات الإرهابية، ولا يمكن تأكيد حقيقة أن 30٪ من سكان كوريا الشمالية قتلوا بسبب تفجيرات الولايات المتحدة، ولا يمكن الحديث عن مليون إندونيسي تقريبا من الذين اغتيلوا بناء على أوامر من وكالة المخابرات المركزية في منتصف الستينيات. كل هذا، بالطبع، موثق في الأرشيف لكنه ليس أبداً موضوع للنقاش، ومن ثم يتم مسح التاريخ.
يتم مسح التاريخ وننقاد نحن للاعتقاد بأن الولايات المتحدة تشارك في حملة صليبية عالمية لغرس الديمقراطية والقيم الغربية. هناك الكثير من الشكوك، التي تتكشف فيما يتعلق بالتضليل الإعلامي.
الآن، يمكنك طرح السؤال عن وسائل الإعلام البديلة، وسائل الإعلام البديلة، كما أعتقد، تعيش فترة الأزمة لأن هناك، في الواقع ،قطاعات معينة من وسائل الإعلام البديلة الخاضعة لسيطرة وسائل الإعلام الرئيسية. هناك مسألة كاملة من أنصاف الحقائق وأنصاف الأكاذيب. ثم هناك قضية القول: "حسنا، أنت تعرف، نحن نقاتل الإرهاب،" ولكن إذا نظرنا للأمر بطريقة أخرى لن تبقى هناك منظمات إرهابية. ولكن يبقى الأمر على حاله، ومرة أخرى، لا يتم كشف الحقائق الأساسية في العديد من صيغ وسائل الإعلام البديلة.
وما أعتقد أنه هام جداً هو إذا أردنا نزع سلاح أجندة عسكرية ما، فنحن بحاجة إلى حملة دعاية مضادة متماسكة جدا. علينا أن نشن تلك الحملة الدعائية المضادة من دون تمويل من قبل أولئك الذين يقفون وراء الحملة الدعائية، إذا جاز التعبير. هذه هي المشكلة مع بعض وسائل الإعلام البديل. حيث تمولها المؤسسات التجارية لتصبح محدودة كثيرا في الأشياء التي يمكن أن تطرحها ضد النظام العالمي الجديد. مرة أخرى، إذا أخذنا الولايات المتحدة كمثال، فالصلات التي تربط الجماعات التقدمية مع الحزب الديمقراطي بالطبع، تشكل عائقا في قدرتها على اتخاذ موقف فيما يتعلق بالقضايا الرئيسية للسياسة الخارجية للولايات المتحدة.
بوني فولكنر: ميشيل شوسودوفسكي، شكرا جزيلا لك
ميشيل شوسودوفسكي: حسنا، مسرور لتواجدي في برنامجكم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ

*ميشيل شوسودوفسكي: اقتصادي ومؤسس ومدير ومحرر في «مركز البحوث حول العولمة» الذي أسس في مونتريال، مقاطعة كيبك الكندية. وهو مؤلف 11 كتاباً منهم: «عولمة الفقر والنظام العالمي الجديد»، و«الحرب والعولمة: الحقيقة الكامنة خلف أحداث 11 أيلول»، و«حرب أميركا على الإرهاب، وعولمة الحرب: حرب أميركا الطويلة ضد البشرية».

=========


جديد «عالم المعرفة»: صندوق النقد الدولي.. يحارب الفقر أم الفقراء؟

◗ تدخل «صندوق النقد» يعني أنني مفصول.. لافتة في إحدى المظاهرات المنددة به
محرر القبس الإلكتروني 11 يوليو، 2016
محمد حنفي |
«هذا الكتاب هدية لبني البشر في أفريقيا وآسيا وجنوب أميركا، الذين لا يستطيعون قراءته، لأن سياسية صندوق النقد الدولي قد حرمتهم من الالتحاق بالمدارس».
بهذا الإهداء اللاذع، الذي يحمل الكثير من الإدانة لسياسية صندوق النقد الدولي، يبدأ كتاب «صندوق النقد الدولي: قوة عظمى في الساحة العالمية»، للكاتب الألماني أرنست وولف، الذي يعمل استاذا للفلسفة في جامعة بريتوريا بجنوب أفريقيا، وعمل في الصحافة والترجمة، وله اهتمامات كبيرة بالعلاقة بين السياسة والاقتصاد وبدور صندوق النقد الدولي، والكتاب الصادر ضمن سلسلة «عالم المعرفة»، التي يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، تصدى لترجمته المترجم العراقي عدنان عباس علي.

◗ نفوذ الصندوق
في مقدمة كتابه يقول وولف: «خلال الخمسين عاماً المنصرمة، كان صندوق النقد الدولي IMF اكثر المؤسسات المالية تأثيرا في حياة جموع غفيرة من بني البشر، فمنذ تأسيسه عقب نهاية الحرب العالمية الثانية، واظب الصندوق على أن تتسع دائرة نفوذه، لتمتد إلى أقصى أنحاء المعمورة، فعدد أعضائه بلغ في اليوم الحاضر 188 دولة موزعة على خمس قارات».
عبر 22 فصلاً موزعة على 242 صفحة، يأخذنا وولف في رحلة مثيرة ومحملة بالإشارات والحقائق والأرقام عن دور صندوق النقد الدولي ومهمته محاربة الفقر، لكن المعلومات الواردة بالكتاب تشير إلى أن الصندوق يحارب الفقراء، وليس الفقر، على حد قول وولف، يحاربهم بفعل خلفيته الايديولوجية القائمة على مبادئ الليبرالية الحديثة، ولان من السهل بمكان تحميل الفقراء سلبيات سياسيات التقشف المالي.

◗ بداية الابتزاز
يبدأ وولف رحلته بما يطلق عليه «بداية الابتزاز»، وكان ذلك بعد الحرب العالمية الثانية، حين دعت الولايات المتحدة في يوليو 1944 وفود 44 دولة إلى منتجع بريتون وودز بولاية نيوهامبشير، من أجل صياغة اسس نظام اقتصادي جديد لعصر ما بعد الحرب، وقد سبقت الدعوة مفاوضات سرية بين الولايات المتحدة وبريطانيا، توجت بالمؤتمر الذي كان اللبنة لتأسيس صندوق النقد الدولي، الذي باشر اعماله في مارس 1947 من العاصمة الأميركية واشنطن، بعد اختيار البلجيكي كميل جوت أول مدير عام للصندوق (جوت كان وزيرا للمالية في بلجيكا أثناء الحرب العالمية الثانية، وأعار البريطانيين كمية من الذهب للإنفاق على الحرب، كما زود الولايات المتحدة سراً بمادة اليورانيوم المستخرجة من مناجم الكونغو).

◗ الهيمنة الأميركية
يشير وولف إلى دور الولايات المتحدة، فهي المنتصر بلا منازع في الحرب العالمية الثانية، كما أنها أصبحت أكبر دائن دولي، وأصبحت تسيطر على ما يقرب من ثلثي احتياطيات الذهب في العالم، كما أنها تتحكم في نصف الإنتاج العالمي، ولم تكن لديها الرغبة في الاضطلاع بدور الدائن الرئيسي، كما كانت تريد التحكم في التدفقات المالية الدولية، لقد كان الصندوق أول خطوات الهيمنة الأميركية على العالم بعد الحرب العالمية الثانية.

◗ الصندوق ينصب حباله
في جزء آخر من الكتاب يشير وولف إلى ما أطلق عليه «صندوق النقد ينصب حباله»، حيث يشير إلى أخطر منعطف في تاريخ الصندوق في عصر مديره الثاني السويدي إيفار رووت، حيث بدأ ربط التمويل بشروط لا لبس فيها، باختصار أصبحت هذه الشروط الضمان لعدم خروج البلد المستدين عن الطاعة، وكآلية للتدخل الخارجي في قواعد الحكم في البلاد المتعثرة.
في هذا المنعطف أيضا ركز الصندوق اهتمامه على دول أفريقيا التي نهب الاستعمار خيراتها، وكانت تتطلع لمكانته بين الأمم، فانضمت 40 دولة افريقية بين عامي 57 و69 إلى عضوية الصندوق، بينها مصر وجنوب أفريقيا واثيوبيا، لكنها خرجت من فخ الاستعمار إلى فخ صندوق النقد بواسطة أقساط خدمة الدين، التي أجبرتها على التبعية لأهواء وسياسيات صندوق النقد.

◗ الثورة على الصندوق
يجوب وولف أزمات العالم التي يقف وراءها الصندوق من التجربة التشيلية إلى أزمة الديون في أميركا اللاتينية، ومن تمهيد الصندوق للحرب في يوغسلافيا إلى الأزمة الآسيوية، ومن الأزمة المالية العالمية عامي 2007 و2008 إلى إفلاس اليونان، ليشير إلى أن شبح الصندوق كان حاضرا في كل أزمة.
يتنبأ وولف في آخر كتابه بالثورة القادمة على الصندوق وألاعيبه، من أجل خلق مجتمع لا تسيطر فيه أقلية جشعة، لا يشبع نهمها للربح وتراكم الثروات، فالجهود المبذولة من قبل صندوق النقد للحفاظ على النظام السائد، تدفع الحكومات إلى استخدام اساليب بوليسية لقمع الاحتجاجات الشعبية، ولن يكون أمام الحكومات سوى منفذين: فرض الدكتاتورية أو شن الحرب، لكن وولف يؤكد أنه لا يمكن التكهن بصيغة هذه الثورة في عصر شبكات التواصل الاجتماعي، حيث يتنبأ أيضا بمستقبل لا دور فيه لمنظمات من قبيل صندوق النقد الدولي.

◗ كتاب فاضح
هذا كتاب فاضح تنبغي قراءته في منطقتنا، وفي كل منطقة يوجد فيها دول نامية وفقراء، وفي كل مكان فيه طاقة أمل بالبحث عن مكان لائق بين الأمم المتقدمة، فبجانب الدور الهام الذي يقدمه الكتاب في فضح دور صندوق النقد الدولي، كأداة من أدوات هيمنة الليبرالية الجديدة، وكيف تحول من محاربة الفقر إلى محاربة الفقراء، فهو بمنزلة نصيحة مجانية لأولئك الساسة، الذين يرهنون سياسية وتقدم بلدانهم بدور المؤسسات الدولية، وعلى رأسها صندوق النقد الدولي.

============

اقرأ عن العلم القديم...!

وجع الحروف

مقالات - الثلاثاء، 5 سبتمبر 2017 /
| د. تركي العازمي |
تابعنا قبل أعوام مضت وما زلنا نتابع الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، وقد زخرت الحضارة الإسلامية على مدار العصور بالإنجازات والمساهمات التي اتخذها الغرب كأساس في صناعة العلم الحديث ،بعد أن تركناها ولم نولها الاهتمام الكافي، إلا في مجالات ضيقة، كالتفسير وعلوم القرآن وعلم الفقه وعلم النحو البلاغة وعلم المفردات والمعاجم وعلوم الأدب.
ابن خلدون، مؤسس علم الاجتماع٬ الفارابي وابن سينا والكندي وغيرهم (الفلسفة)٬ وفي السياسة وأصول الحكم، ابن باجة وابن الخطيب وعلوم آخرى كالجغرافيا٬ التاريخ٬ الطب٬ الصيدلة٬ الرياضيات٬ الفلك٬ الهندسة٬ الكيمياء٬ الفيزياء ،البصريات والزراعة كان لعلماء الأمة اليد الطولى في ترسيخ أسسها.
في تلك العصور٬ لم يكن هناك أيباد٬ تابلت٬ فلاش ميموري٬ وفصول ذكية وغيرها... كانوا يعتمدون على البحث والتجربة والاطلاع، وعملية القياس والتقويم كان لها أطر متبعة، ولم تكن لديهم الإمكانيات التي وفرتها التكنولوجيا في عصرنا الحالي، وزد عليها أن المعلم كان له وقار وهيبة.
في تقرير نشر في جريدة «القبس» عدد 31 أغسطس 2017 تحت عنوان «الليبرالية الجديدة تحكم العالم!» عبر البنك الدولي وصندوق النقد ومنظمة التجارة ومعاهدة ماستريخت... عرض وصف للحال التي نعيشها من ترسيخ البيروقراطية، وهي تعتمد على أيديولوجيات معينة وفق سياسات محددة لفرض السيطرة الشمولية، وكيف إن الضرائب لا تطول الأثرياء والتنافسية وسبلها وإضعاف الفقراء ومتوسطي الدخل وتدهور مستوى التعليم وغيرها من الأمور.
ونحن نعتمد على البنك الدولي وصندوق النقد ومنظمة التجارة، وأعتقد بأن هذا التقرير عرض أسباب تخلفنا بعد الحرب العالمية الثانية... اقرأ فالتاريخ لا يكذب، والشواهد في الأزمات المتعاقبة مؤشر على تيه الفكر وعلوم الاجتماع لدينا.
وفي عودة للعصور الماضية٬ وكيف أن الحضارة الإسلامية قد أسست لما نتابعه من اكتشافات علمية رغم أنها بين أيدينا، إلا اننا تركناها وحرصنا على البحث عن مخرج مناسب لتطوير التعليم الذي يعد الأساس في نهوض المجتمعات، وكان آخرها ابتداع منهج «كفايات»... يا رب سترك!
تريدون الارتقاء بالتعليم بعد أن أصبحت مراكزنا التعليمية في ذيل القائمة عبر استغلال التكنولوجيا الحديثة ومنهج «كفايات»... كيف: أستحلفكم بالله، كيف؟
في التجربة الفنلندية، وجدنا التركيز عليها في بداية السبعينيات، حيث اعتمدت على القدرة على القراءة والكتابة في السابعة من عمر الطالب، ولم تستغل أياً من الوسائل التكنولوجية في التعليم، وإن المعلم يخضع لاختبارات صعبة، ومن بين كل عشرة متقدمين يتم اختيار واحد فقط، وكل معلم حاصل على درجة الماجستير ويتم التركيز على قدرات الطلبة الإبداعية... وفنلندا الآن على رأس قائمة أفضل مستوى تعليمي على العالم، هي وسنغافورة.
نحن هنا في الكويت٬ يصل الطلبة إلى المرحلة المتوسطة وبعضهم ينهي المرحلة الثانوية وهو عاجز عن كتابة جملة مفيدة.
أذكر أنني عندما درست في إحدى الجامعات كنت أحتاج إلى «مترجم» لفك «شفرة» الخط الصعب قراءته ولجأت إلى الاختبارات من نموذج «صح أو خطأ» أو اختيار العبارة المناسبة، ورغم هذا وذاك كانت مهنة التدريس شاقة في الجامعات، لأن التأسيس لم يكن مبنياً على إستراتيجيات صحيحة ،والغالبية لجأت إلى وسائل غش لم تخطر ببال أحد، ناهيك عن البحث عن وساطة لتغيير النتائج!
تريدون الارتقاء بالتعليم٬ عندكم التجربة السنغافورية والفنلندية ويجب التركيز على مستوى المعلم وهيبته وتطوير مستواه وأن نبدأ بـ «اقرأ» التي كانت رسالة سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - معتمدة عليها، حيث لم تكن في ذلك الوقت لا تكنولوجيا ولا بنك دولي، بل علوم متوارثة واهتمام بالعنصر البشري، وكانت الكفاءات تجد من يقدرها ويمنحها مهمة البناء والحديث يطول في هذا الجانب... الله المستعان.

terki.alazmi@gmail.com
===================


كيف يتم التلاغب بعملات الدول مثال تركيا تايلند عنغاريا ماليزيا / حورج سورس / غولدمان ساكس / غولد مان


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق