السبت، 4 أبريل 2015

المعلن وغير المعلن في الصفقة النووية الأمريكية - الإيرانية


السبت، 04 أبريل 2015 05:55 ص
المعلن وغير المعلن في الصفقة النووية الأمريكية - الإيرانية
أعلن مساء الخميس عن التوصل إلى اتفاق أوّلي بين الولايات المتّحدة وإيران حول الملف النووي، رغم تخطّيهما للموعد النهائي المحدد ذاتياً منهما سابقاً والمتمثل بنهاية شهر مارس الماضي، ونشر البيت الأبيض ورقة "معايير خطة العمل المشتركة الشاملة" (JCPOA) بخصوص البرنامج النووي الإيراني، التي ترسم إطار الاتفاق النووي بين واشنطن وطهران بانتظار وضع التفاصيل النهاية والتوقيع على الاتفاق النهائي الشامل في حزيران القادم.

وقبل الحديث عمّا ورد في الاتفاق الأوّلي، لا بد لنا من أن نسجّل بعد الملاحظات العامة:

- يجب ان نعي بداية انّ تقييم هذا الاتفاق الذي تم التوصل إليه يختلف باختلاف الجهة التي تنظر إليه، فحتى أولئك الذين ينظرون إليه بإيجابية يختلفون في أسباب ودوافع هذه الرؤية الإيجابية، وكذلك الأمر بالنسبة للذين ينظرون بسلبيّة، تختلف دوافعهم وأسبابهم في النظر إليه بهذا الشكل.


- هذا ليس اتفاقاً نهائياً، لذلك لا يجب أن نستعجل أيضاً ونحسم الأمر، إذ إنّ هناك الكثير من التفاصيل الغائبة أو المغيّبة عمداً على الاتفاق الإطاري الحالي، وحتى لو افترضنا أنّه قد تمّ التوصل إلى اتفاق نهائي في شهر حزيران، يجب أن نرى كيف سيكون التطبيق وهل سينجح أم لا، وهذه مرحلة أخرى مختلفة تماماً.

- يحاول البعض أن يطمئننا إلى أن هذه الصفقة تتناول الموضوع النووي الإيراني حصراً، ولا تشمل صفقات أخرى، والحقيقة أنّ هذا الطرح بحد ذاته غير مطمئن يزيد الشكوك ولا يبددها، لا وبل يبعث على القلق. في الصفقة الشاملة يكون كل شيء واضحاً حيال كل القضايا الخلافية، لكن أن يتم اتفاق حول الملف النووي حصراً، وتترك الأمور الأخرى تماماً، فهذا الأمر قد يدفع إلى التساؤل عن إمكانية وجود صفقات أخرى غير معلنة، تمت بموازاته بين أطرافه المعنيين ومقابل ماذا بالضبط؟ "كنفوذ إيران الإقليمي على سبيل المثال ودعمها للإرهاب وتوسعها في العالم العربي".  

على كل حال، عندما فتحت ورقة الوقائع التي نشرها البيت الأبيض أول أمس، وفي قراءة سريعة لما ورد، بدا النص لي مثالياً لدرجة أنّه من غير الممكن أن يكون حقيقياً، لكن عندما أعدت القراءة مرّة ثانية بتمعن بدا الأمر لي مختلفاً تماماً. 

هناك عدّة نقاط أساسية وردت في اتفاق الإطار الشامل، أهمها:
1)  سيتم تخفيض عدد أجهزة الطرد المركزي لدى إيران من 19 ألف (10 آلاف تعمل الآن) إلى 6140 جهاز طرد مركزي على أن يسمح لـ 5060 جهاز منها بالعمل على تخصيب اليورانيوم لمدة 10 سنوات.

2)  لن يتم إيقاف تخصيب اليورانيوم كما تنص عليه قرارات مجلس الأمن، وسيسمح لإيران بالتخصيب حتى نسبة 3.67%، وهي نسبة كافية للأغراض السلميّة ولا تسمح بإنتاج قنبلة نووية. وسيتم التخصيب فقط في منشأة ناتانز حصراً.

3)  لن يتم إغلاق منشأة فوردو المحصّنة (التي بنيت سرّاً دون معرفة العالم على عمق 200 متر تحت الأرض، حتى تم الكشف عنها عام 2009 من أمريكا) ولا تفكيك منشأة أراك. وبدلاً من ذلك سيتم إيقاف عمليات التخصيب في فوردو لمدة 15 عاماً، ولن يسمح بالإبقاء على مواد انشطارية في المنشأة، ولكن سيتم الاحتفاظ في داخلها على 1000 جهاز طرد مركزي.  كما سيتم تغيير قلب مفاعل أراك للمياه الثقيلة كي لا يتمكن من إنتاج بلوتونيوم لسلاح نووي، أو شحنه إلى الخارج.

4)  سيتم بموجب الاتفاق توسيع الفترة الزمنية اللازمة لإيران لإنتاج قنبلة نووية واحدة، وتسمى "فترة الاختراق" إلى سنة واحدة، وذلك طوال فترة الاتفاق البالغة 10 سنوات.

إلى هنا، يبدو الأمر مثالياً، لكن لحظة لو سمحتم! نحن نقيّمه استناداً إلى ماذا بالضبط؟ هل هذه مكاسب لإيران أم تنازلات؟ دعونا نأخذ بعض المعايير للمقارنة. 

1)  بالمقارنة مع مقرارات مجلس الأمن السابقة ذات الصلة: فإن ما ذكر أعلاه  يعد مكسباً لإيران ولا يوجد فيه تنازلات على الإطلاق.  هناك 6 قرارات لمجلس الأمن تطالب بإيقاف تخصيب اليورانيوم بشكل تام، كما تم التراجع عن مطلب إغلاق وتفكيك مفاعل أراك ومنشأة فوردو .

2)  بالمقارنة مع تصريحات أوباما وخطوطه الحمراء: فإن ما ذكر أعلاه يعد تنازلات لصالح إيران. في تصريحاته في عام 2012، قال أوباما إنّ "الاتفاق الذي يمكن لنا أن نوافق عليه، هو الاتفاق الذي ينهي برنامج إيران النووي ويلزمها بقرارات مجلس الأمن ذات الصلة "المذكورة أعلاه"!

عل كل حال، لن نتوقف عند هذه النقاط، فالنقاط الأربع التي ذكرت أعلاه لاقيمة لها على الإطلاق ما لم نناقش موضوعين أساسيين وردا أيضاً في النص أيضاً:

1)  التفتيش: وفقاً للنص، سيسمح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتفتيش في كل المنشآت ذات الصلة، وستعطى صلاحيات واسعة أيضاً في مراقبة كل خطوط الإمداد المتعلقة بالبرنامج النووي، وذلك لضمان التزام إيران.

2)  العقوبات: يذكر النص أنّه في مقابل ما ذكر سيتم رفع كل العقوات الصادرة عن مجلس الأمن على إيران إذا التزمت بمضمون النص ونفذته، كما سيتم تعليق العقوبات الأمريكية والأوروبية وسيصار إلى إعادتها حال تبيّن أنّه ليس هناك من أداء مقنع.

الشياطين كلها تكمن في هاتين النقطتين. فأن تعطى الضمانة في مراقبة تنفيذ مثل هذا الاتفاق إلى وكالة تابعة لمنظمة مهترئة، لم تثبت يوماً فعاليتها لا سيما في العقد الأخير هو أمر غير مطمئن ولا يمكن الركون إليه. إيران دولة أشبه بقارة، ومهما كانت قدرات فرق التفتيش التي سيتم نشرها فإنها ستكون قاصرة في أحسن الأحوال، وهذا يجعل كا ما ذكر أعلاه غير ذي جدوى في حال امتلكت إيران منشآت سرية لا يعرفها العالم أو خطاً آخر لبرنامجها النووي، أو قررت خرق الاتفاق أو أنّ التزامها كان مشكوكاً فيه في مرتبة بين المرتبتين (الالتزام وعدم الالتزام).

السؤال الذي يطرح نفسه هنا، ماذا إذا قررت إيران خرق الاتفاق بعد مدة من تطبيقه، ماذا سيكون الرد؟ وهل ستكون المهلة كافية أصلاً لتطوير رد عليها قبل أن تمتلك القنبلة النووية، هذا السؤال من الأهمية بمكان توازي كل ما ورد في الاتفاقية، وللأسف فإن الجواب عليه يظهر حجم هزالة الاتفاق.

في حال خرق إيران للاتفاق سيتم الرد عليها بإعادة فرض العقوبات، وموضوع إعادة فرض عقوبات على إيران والوارد في النص هو مهزلة حقيقة بكل المعايير، وذلك للأسباب التالية:

1)  رفع العقوبات من المتوقع له أن يؤمن دخلاً إضافياً لإيران وفق التقديرات الأوّلية يبلغ حوالي 110 مليار دولار سنوياً، وقد يزداد بازدياد الوقت، فلو افترضنا أن إيران التزمت لخمس سنوات وقررت لسبب ما عدم الالتزام، فهذا يعني أنّه سيكون قد دخل إليها أكثر من نصف تريليون دولار، فهل يمكن لعقوبات مهما بلغت من قوّة ومهما فرضت في وقت قياسي، خلال أشهر أو حتى أيام أن تؤثر بشكل سلبي على الوضع الإيراني لدرجة تدفعها إلى الانصياع؟! 

2)  أضف إلى ذلك أنّ نظام العقوبات المطبق حالياً لزم الإعداد له سنوات طويلة جداً، وإعادة تطبيقه بعد رفعه مسألة صعبة للغاية، وقد تستغرق أيضاً وقتاً طويلاً جداً، وستكون إيران قد تجاوزته ربما وامتلكت القنبلة النووية قبل أن يتم الاتفاق على إعادة فرضه أو تطبيقه عملياً!

ولذلك فإن موضوع إعادة فرض العقوبات لا يمكن اعتباره ضمانة على الإطلاق. المثير للسخرية أنّ أوباما وكعادته في التلاعب بالألفاظ، عرض عبر موقع البيت الأبيض فور الإعلان عن الاتفاق ورقة الوقائع "Fact Sheet" وقد قدّم لها بعنوان "إطار عمل منع ايران من امتلاك سلاح نووي"، والحقيقة التي لا يشير إليها أنّ الاتفاق باختصار، هو بمنزلة "غسيل نووي"، يعني عملية "تبييض نووية" بامتياز ، نتيجتها تشريع غير الشرعي.

الاتفاق يعترف بإيران قوة شبه نووية ويسمح لها قانوناً بالتحول إلى قوة نووية بعد 10 سنوات، ويحدد علناً وجود إمكانية دائمة لأن تتحول إيران إلى امتلاك سلاح نووي خلال عام فقط، إذا ما قرر الملالي في أي مرحلة من المراحل كسر الاتفاق، وفي فترة أقل بكثير إذا ما سرّعوا من برنامجهم النووي، وربما في فترة أقصر من الزمن إذا كانوا يمتلكون مساراً سرّياً. 

على كل، هذا التحليل ليس كافياً لمناقشة الاتفاق من كل جوانبه ، ولذلك سيكون لي إن شاء الله سلسلة من المقالات حول الموضوع خلال الأيام القادمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق