ملخص رؤية نقدية
للوثيقة المطروحة للاعتماد من رؤساء الدول والحكومات في سبتمبر 2015 المعنونة
ب
" تغيير عالمنا بحلول العام 2030...جدول أعمال جديد للعمل التنموي العالمي "
تعقد الجمعية العامة اجتماعاً رفيع المستوى في نيويورك في الفترة 25-27 سبتمبر/أيلول 2015 لتعتمد فيه وثيقة بعنوان : "تحويل عالمنا: أجندة 2030 للتنمية المستدامة"، وهذه الجلسة من الأهمية بمكان لأنها احتفال بالذكرى السنوية السبعين للمنظمة، كما توافق أيضاً الذكرى السنوية العشرين لإعلان و منهاج عمل بكين.[1]
· خطورة الوثيقة المزمع اعتمادها :
تعلن الوثيقة عن نفسها في المادة الواحدة والخمسين بأنها " ميثاق للناس والأرض في القرن الحادي والعشرين " ومن ثم فإن إقرارها بكل ما فيها يُعد ترسيخاً لقيم وسياسات وتشريعات سوف تسود القرن المقبل.
فضلاً عن أنها أكدت على كافة وثائق المرأة والسكان والتي تحوى كثير من القضايا الشائكة التي تحفظت عليها سابقاً كثير من البلدان لتعارضها مع الدين والفطرة والقيم الإنسانية .
· منطلقات الرؤية النقدية :
تنطلق الرؤية من حق الشعوب في احترام تنوعها العقدي والطبيعي والثقافي ، وما صدر عن ميثاق الأمم المتحدة في هذا الشأن وكذلك ما ورد بالوثيقة الأخيرة المطروحة للاعتماد " ونحن نصبو إلى ... عالم يحترم الأعراق والانتماء الإثني والتنوع الثقافي.."[2]
· أبرز مظاهر التحفظ على ما ورد بالوثيقة :
أولاً: مصطلح "الجندر"
وهو عملة ذات وجهين يعبر أحدهما عن المساواة التماثلية بين الرجل والمرأة بإسناد الأدوار إلى كل منهما ك " نوع" وليس ك " جنس"، وغض الطرف عن الفوارق البيولوجية .
والوجه الآخر يعبر عن الشذوذ ، وأن يُحدد كل شخص هويته كيفما شاء ومن ثم توجهه الجنسي ، وعلى المجتمع الانصياع لرغبات الشخص ومنحه القبول المجتمعي والقانوني .
وقد ورد مصطلح الجندر بمشتقاته في الوثيقة المطروحة للاعتماد سبعة عشر مرة . وقد يأت منفرداً في البند ، أو أن يتكرر ذكره ، وأول ما تجلى ظهوره كان في المقدمة، ثم البند (3)، البند (8) ، البند (14) ، البند (20) الهدف (1/b) و (4.5) و (4.7) و (4.a) و (5) و (5.c) و (17.18) من"المحاسبة والمتابعة"، والبند (74-e)من المتابعة.
ويأت المصطلح تارة في إطار مطالبة الوثيقة الحكومات بمساواة الأنواع gender equality ، وتارة بالقضاء على التفاوت بين الأنواع gender disparities، وثالثة بتقليص الفجوة بين الأنواع gender gap ، ورابعة بمراعاة حساسية الجندر في استراتيجيات التنمية gender-sensitive development strategies ، وخامسة بإدماج منظور الجندر في كافة السياسات العمومية The systematic mainstreaming of a gender perspective ، ...وهلم جرا بل وتضع الوثيقة سقف زمني على الحكومات الالتزام به في سياساتها العمومية ، فكثيرا ما تبدأ البنود بعبارة " بحلول عام 2030...."
تداعيات إقرار مصطلح الجندر
· الوجه الأول / مفهوم الجندر كمساواة تماثلية بين الرجل والمرأة ، وغض الطرف عن الفوارق البيولوجية :
1- مساواة في كافة فرص العمل
بدءاً من انخراط المرأة في سلك الأمن : الجيش والشرطة والجندية داخل وخارج البلاد ، مرورا بالقضاء والولاية ، وصولاً إلى المهن والصناعات الخطرة حتى ما كان يُشفق على أنوثتها منها ليلاً كان أو نهارا.
في واحدة من الوثائق المشار إليها كمرجعية في الوثيقة المزمع اعتمادها في البند 188:
"استمرار الإصلاحات القانونية بغية إزالة الأحكام التمييزية من قوانين العمل الوطنية، وعن تحديث تشريعات العمل وتنقيتها و تعزيز تكافؤ الفرص بين المرأة والرجل .وتتراوح هذه الإصلاحات بين إزالة الحواجز القانونية أمام مشاركة المرأة في بعض المهن والصناعات التي تعتبر ”خطرة “ والقيام بالنوبات الليلية" .[3]
2- دفع المرأة للخارج و دفع الرجل للداخل
في واحدة من الوثائق المرجعية التي أشارت إليها الوثيقة - المزمع اعتمادها الشهر الجاري- وهو مؤتمر البيئة والتنمية بريو دى جانيرو عام 1992 يطالب ب:
" ينبغي أن تتخذ الحكومات خطوات نشطة لتنفيذ برامج للتشجيع على تخفيف العبء الثقيل الذي تقوم به النساء في المنزل وخارجه ، عن طريق إنشاء مزيد من دور الحضانة ، ورياض الأطفال بواسطة الحكومات و..، وتقاسم الأعمال المنزلية بين الرجال والنساء بالتساوي "[4]
3- الحملة على نظام الإرث في الإسلام والمطالبة بتساوي أنصبة الذكور والإناث
" بحلول عام 2030 ضمان أن جميع الرجال والنساء، وبخاصة الفقراء والضعفاء، لهم حقوق متساوية إلى الموارد الاقتصادية، وكذلك الحصول على الخدمات الأساسية، والملكية، والسيطرة على الأراضي وغيرها من أشكال الملكية والميراث والموارد الطبيعية والمناسبة التكنولوجيا الجديدة، والخدمات المالية بما في ذلك التمويل الأصغر. "[5]
4- إعادة النظر في قوانين الأسرة المنبثقة من الشريعة الإسلامية
فتلك القوانين من منظور " الجندر" تضع فوارق بين المرأة والرجل أو بالأحرى تمييزاً ضد المرأة ، مثل اختصاص الرجل بالتعدد وبسلطة التطليق، اشتراط الولي في زواج الأنثى دون الذكر، الوصاية للذكور على الإناث، العدة للمرأة ، إلزام الزوجة بالسكن في منزل الزوجية، أو الفتاة بالسكن في منزل والديها، وإلزام الزوجة باستئذان الزوج أو استئذان الفتاة أباها في الخروج والسفر والعمل أي إلغاء القوامة جملة وتفصيلا واستبدالها بالشراكة .
· الوجه الآخر/ مفهوم الجندر كهوية يحددها شعور الإنسان بنفسه، وليس خلقته التي خلقه الله عليها.
1- التطبيع مع الشذوذ الجنسي ومنح الشواذ القبول المجتمعي
ورد صراحة في وثيقة استعراض بكين والتي أشارت الوثيقة - المزمع اعتمادها- إليها كأحد المرجعيات لها :
" الصعوبات التي يواجهها المثليون والمثليات ومغايرو الهوية الجنسانية في الحصول على الاعتراف باحتياجاتهم الصحية وتلبيتها ، إلا أن انخراط الأفراد فيسلوك جنسي مع أفراد من نفس الجنس ما زال يعتبر جريمة في بعض البلدان إذ يعاقب أصحاب ذلك السلوك و يحرَمون من التمتع بالحق في الصحة وبحقوق الإنسان الأخرى"[6]
2- إدماج الشواذ في كافة مؤسسات الدولة
لا تكتفى الوثيقة - المزمع اعتمادها الشهر الجاري أو الوثائق التي تشكل مرجعيتها وأُشير إليها في صلب الوثيقة - بطلب الاعتراف بهؤلاء ، وإنما تسعى إلى إدماجهم في كافة قطاعات المجتمع .
في المجال السياسي على سبيل المثال :
" وتتعرض نساء الأقليات اللواتي يسعين إلى تولى مناصب سياسية أحيانا للتمييز على أساس أصلهن الإثنى أو العرقي أوديانتهن أو إعاقتهن أو ميلهن الجنسي و/أو سنهن"[7]
وفى التعليم أيضا
" بحلول عام 2030، القضاء على الفوارق الجندرية في التعليم ..."[8]
وجُلَ ما نخشاه أن نستيقظ من سباتنا يوماً لنجد أنفسنا وأبنائنا يطالعون مناهج دراسية تدعو إلى تقبل الشذوذ الجنسي بدعوى أن تتناسب المناهج مع التوجه العالمي ، وأن نقبل بلا حرج شذوذ من هم في دوائر صنع واتخاذ القرار بدعوى احترام حقوق الإنسان !!
3- تقنين أوضاع الشواذ
لا تقف الوثائق عند حد تقبل المجتمع لهؤلاء الشواذ ، وإنما تريد إضفاء الحماية عليهم فلا سبيل إلى عقاب أو زجر .
" وقامت بضع دول بإصلاح قانون العقوبات لمنع تجريم السلوك إزاء نفس الجنس "[9]
4- امتداد الحماية لتشمل المنظمات والأشخاص الذين يجاهرون ب " حقوق" الشواذ
في وثيقة ( العيش بكرامة بحلول عام 2030 : القضاء على الفقر ) وهى أيضا واحدة من الوثائق التي أشارت إليها الوثيقة المطروحة للاعتماد كمرجعية :
" ... و توافر ضمانات لحماية الأمن الشخصي ، جزء لا يتجزأ من التنمية المستدامة.لذا يجب تأمين بيئة مواتية في ظل سيادة القانون من اجل المشاركة الحرة....وللمجتمع المدني وللقائمين بالدعوة الذين يعبرون عن أصوات النساء وجماعات المثليات والمثليين ، ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية"[10]
5- مساواة الشواذ بالطبيعيين في الحقوق
كما ترث الزوجة زوجها يحق للشاذ أن يرث شريكه، وكذلك أبناؤهما بالتبني، ويحصلوا على كافة الضمانات الاجتماعية التي يحصل عليها الأزواج الطبيعيون.
ثانيا :الإصرار على إتاحة خدمات الصحة الجنسية والإنجابية للجميع
وبصيغ تفيد الإلزام ، ووضع سقف زمني :
" بحلول عام 2030 نحن ملتزمون بضمان حصول الجميع على خدمات الرعاية الصحية الجنسية والإنجابية، بما في ذلك تنظيم الأسرة والمعلومات والتعليم. "[11]
أوجه الخطورة في ذلك :
أ- سلب ولاية الآباء على الأبناء
فالوثيقة تطالب بتقديم هذه الخدمات للجميع دون اشتراط لعمر أو للحالة الزواجية بما يعطى ضوء أخضر للمراهقين بالزنا ، مع ضمان السرية والخصوصية واعتبار ذلك من حقوقهم، ودعوة الوالدين إلى مباركة هذه العلاقات حسبما جاء في مؤتمرات السكان التي وردت في متن الوثيقة.
ب-تجريم الحلال وتقنين الحرام
ما يسمى بالحقوق الجنسية والإنجابية إنما يقتصر فقط على من هم خارج إطار الزواج ، ويختلف الأمر بالنسبة لنيل نفس هذه الحقوق في إطار علاقة زوجية صحيحة . فحينها تنسحب كل المثالب على هذه العلاقة وتؤطر ضمن عدم المساواة ، والإجبار ، ومخاطر الحمل ، والتعرض للأمراض الجنسية ..الخ
" وتصبح أوجه عدم المساواة بين الجنسين في النتائج الصحية أكثر وضوحا في سن المراهقة لأن الفتيات يتزوجن قبل الأوان ويجبرن على ممارسة الجنس ممايزيد المخاطر المرتبطة بالحمل في سن مبكرة والتعرض للأمراض المنقولة بالاتصال الجنسي."[12]
وصرحت الوثيقة المزمع اعتمادها بضرورة القضاء على الزواج في نفس المرحلة العمرية التي طالبت فيها بإباحة الزنا وقد نصت على ثلاث أنواع من الزواج: زواج الأطفال، والزواج المبكر، والزواج[13] القسري[14]. والنوع الأول هو مادون الثامنة عشر ويُعد زواج أطفال حسب القانون الدولي ، فما المقصود بالزواج المبكر؟
ت- المساواة بين الزواج الشرعي وأشكال الاقتران الأخرى
تناولت وثيقة مراجعة بكين وهى واحدة من الوثائق المشار إليها في بنود الوثيقة المزمع اعتمادها ما اعتبرته إصلاحات قانونية:
" أدخل عدد من الدول منذ عام 2010 إصلاحات في دساتيرها لإدراج مبدأ المساواة بين المرأة والرجل ،وحظر التمييز على أساس الجنس. واستنادا إلى حظر التمييز أدرجت بعض الدول أحكاما في دساتيرها لتعزيز مجالات محددة من المساواة بين الجنسين بما فيها ..و المساواة في الأسرة والزواج . واستحدثت أيضا قوانين تنصعلى الزواج من نفس الجنس وعلى الشراكات المدنية[15] في عدد متنام من البلدان."[16]
ث-تغيير الثقافات التي تصم العلاقات غير الشرعية
ورد في الوثيقة الختامية لمتابعة تنفيذ وتقييم إعلان منهاج عمل بيكين " وقد يحدث أحياناً أن تتردد النساء في الإقبال على خدمات الرعاية الصحية لما يكن قد مررن بهمن تجارب سلبية سببها عدم الاحترام وعدم مراعاة الخصوصية والسرية... وقد تتعرض النساء والفتيات أحيانا للوصم والتمييز والعنف عندما يذهبن للحصول علىالخدمات."[17]
ج- الإجهاض
ورد في منهاج عمل بكين عام [18]1995الذى دوما ما تشير الوثيقة المزمع اعتمادها إلى أنه خارطة الطريق لكل ما يتعلق بخدمات الصحة الجنسية والإنجابية
" ينبغي النظر في استعراض القوانين التي تنص على اتخاذ إجراءات عقابية ضد المرأة التي تجرى إجهاضاً غير قانوني "[19]
ورغم عدد التحفظات الرهيب سواء من قبل مجموعة دول أمريكا اللاتينية ، أو الدول الإسلامية، وإفريقيا والفاتيكان على مصطلح الصحة الإنجابية بكامل مشتقاته وتداعياته وبخاصة الإجهاض، تأت وثيقة مارس هذا العام باستعراض تقييم وتنفيذ منهاج العمل السابق ذكره لتؤكد على :
"ومن الأسباب الرئيسية الأخرى لوفيات الأمومة الإجهاض غير المأمون. .. . ومن المرجّح أن يتواصل الارتفاع في عدد عمليات ا الإجهاض غيرالمأمونة ما لم تُتح فر ص الإجهاض المأمون ووسائل منع الحمل"[20]
الخاتمة
من الإنصاف أن نقول ان الوثائق شملت كثير من الجوانب الإيجابية والشعارات الجيدة التي إن تم تنفيذها فعليا وفق أولويات الشعوب، وبخارطة طريق تضعها بالأخص مجتمعات العالم الثالث المستهدفة بالتنمية ، وفى احترام كامل لمعتقداتها سوف تؤت الكثير من ثمارها ولاسيما أن معتقدات هذه الشعوب وقيمها تحوى الكثير من المحفزات على إعمار الأرض والجد والعمل .إلا أن المطالبة بتنفيذها على النحو المذكور بالوثائق يمس بشكل مباشر معتقداتنا وثوابتنا الشرعية ، بل ومنظومتنا القيمية والأخلاقية .
[1] في سبتمبر عام 1995 حضر بصورة غير مسبوقة 17.000 مشارك و 30.000 من النشطاء في افتتاح المؤتمر العالمي الرابع عن المرأة في بكين بالصين.كان في أذهانهم هدف وحيد: هو تحقيق الجندر وتمكين كل النساء في كل مكان.
[2]خطة " تغيير عالمنا بحلول العام 2030 جدول أعمال جديد للعمل التنموي العالمي" ، البند 8. https://sustainabledevelopment.un.org/post2015
[3] استعراض تقييم وتنفيذ إعلان ومنهاج عمل بكين ، الدورة التاسعة والخمسون ، لجنة وضع المرأة البند 3( أ ) من جدول الأعمال ، مارس 2015.، البند 188.
[4] تقرير المؤتمر العالمي للبيئة والتنمية ، ريو دى جانيرو ، عام 1992، الفصل 24،ص400،401.
[5] خطة " تغيير عالمنا بحلول العام 2030 جدول أعمال جديد للعمل التنموي العالمي" ،مرجع سبق ذكره، البند 1.4
[6] استعراض وتقييم تنفيذ إعلان ومنهاج عمل بيكين،مرجع سبق ذكره ، بند 105.
[7] استعراض وتقييم تنفيذ إعلان ومنهاج عمل بيكين،مرجع سبق ذكره ، بند 215.
[8] خطة " تغيير عالمنا بحلول العام 2030 جدول أعمال جديد للعمل التنموي العالمي" ،مرجع سبق ذكره، البند4.5
[10] تقرير العيش بكرامة بحلول عام 2030 ، الدورة التاسعة والستون ، مرجع سبق ذكره ، البند 78.
[11] خطة " تغيير عالمنا بحلول العام 2030 جدول أعمال جديد للعمل التنموي العالمي" ،مرجع سبق ذكره ، البند 26
[12] استعراض تقييم وتنفيذ إعلان ومنهاج عمل بكين ، مرجع سبق ذكره ، البند 343.
[13]- الزواج القسري غير مقبول ،وحرام شرعا.
[14]- الهدف (5.3) من أهداف التنمية المستدامة.
[15] يتيح هذا النوع من الزواج اقتران مسلمة بشخص آخر على غير دينها .
[18] تشير الوثيقة المزمع اعتمادها في متن بنودها إلى أن إعلان ومنهاج عمل بكين والقاهرة للسكان ومؤتمرات متابعتهما هم خارطة الطريق لكل ما يتعلق بخدمات الصحة الجنسية والإنجابية
" ضمان حصول الجميع على خدمات الصحة الجنسية والإنجابية ،على النحو المتفق عليه لبرنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية ، ومنهاج عمل بكين ، والوثائق الختامية لمؤتمرات استعراضهما"
[19] تقرير المؤتمر العالمي الرابع للمرأة ، بكين ، مرجع سبق ذكره ، الفصل الرابع ، جيم ، الفقرة 106.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق