الاثنين، 25 يناير 2016

الرد على مقال خالد الدخيل عن العلمانية

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين
أما بعد
هذا تعقيب على مقالة نشرها د/ خالد الدخيل في جريدة الحياة , عنوان مقاله ( العلمانية والإلحاد رؤية مختلفة ) وحري بمقاله هذا أن يكون عنوانه ( من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب )
رابط المقال http://www.alhayat.com/m/opinion/13599324
الدكتور الدخيل "خبط" في هذا المقال لأنه يظن أن تخصصه في الاجتماع السياسي يتيح له أن يكتب في مسألة كهذه , ونسي أنه في مسائل العلم الشرعي ( بصمجي ) مشكلة كثير ممن يسمونهم مثقفين في العالم العربي أنهم عندما يتناولون مقارنة أو مقاربة بين الشرق والغرب لا يراعون الفروق العقدية والثقافية والتاريخية الخ.. فإذا تكلم عن الدين في الغرب (النصرانية) والدين في الشرق ( الإسلام ) يتعاملون مع الدينين على أنهما شيئا واحدا , بما أنها كلها أديان فتصبح الكنيسة مرادفة لعلماء الدين وتصبح مفاهيم الكفر والإيمان في النصرانية مرادفة لمفاهيم الكفر والإيمان في الإسلام , وهذا لا شك أنه جهل يودي بصاحبه إلى الضياع وإن سمى نفسه باحثا
يريد الدخيل أيضا أن يوصل نفس الفكرة التي يروج لها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وهو يروج للعلمانية وهي أن العلمانية ليست ضد الأديان ولكن العلمانية تقف على مسافة واحدة من كل الأديان بقصد صيانة التعددية والعدل بين جميع مكونات المجتمع , وهذه الصيغة في تعريف العلمانية تمت حياكتها في الغرب ( أمريكا ) وتصديرها إلينا ظنا منهم أنها ستكون مقبولة , بينما هي صيغة تنضح بالكفر لأنها تساوي الإسلام بالكفر , وفي نفس الوقت هي صيغة تتجاهل تماما التطرق لأهم ما في العلمانية وهو ( مرجعية الحكم ) كما فعل أردوغان وكما فعل الدخيل هنا

بدأ د/ خالد الدخيل مقاله بقوله ( السائد في الثقافة العربية والإسلامية هو أن العلمانية بذاتها كفر وإلحاد أو سبيل مباشر إلى هذا المآل ) ا.هـ. ثم انطلق في مقاله لينفي هذا الرأي السائد ولكن بمرجعية غربية لا بمرجعية إسلامية
من يسمونهم "المثقفين العرب" يذكرونني بطرفة تقول أن شخصا أضاع مفتاحه فأخذ يبحث عنه تحت عمود النور في شارع قالوا له أين أضعت مفتاحك فقال : أضعته في الشارع الآخر قالوا له ولماذا لا تبحث عنه هناك قال هناك الشارع مظلم وهنا الشارع منور !!!
الدخيل أراد أن يثبت لنا أن العلمانية ليست كفرا فأحالنا إلى الفكر الغربي والدستور الأمريكي وإلى تطبيقات العلمانية في الغرب , وهذا جهل مدقع لأن تعريف الكفر والإيمان في الغرب يختلف 180 درجة عن تعريف الكفر والإيمان في الإسلام
وكان عليه أن يحاكمنا إلى ديننا لا إلى دين الغرب وثقافته
العلمانية كفر في الإسلام لأنها ترفض الدين ابتداءا مرجعا في التشريعات وفي كل المناحي العامة في الحياة , فإذا قلنا حكم علماني يجب أن ننحي الدين عن التشريعات وسن القوانين كما في الغرب , لا مكان في العلمانية لـ قال الله قال الرسول , وإذا قلنا حكم علماني أبعدنا الدين عن الحكم على كل مناحي الحياة العامة , في التعليم في الاقتصاد في الثقافة في العلاقات الاجتماعية وفي كل شيء
فمثلا , عندما تنتج هوليوود فيلما يصادم عقيدة النصارى لا يلتفت لاعتراض الكنيسة لأن المرجعية علمانية كما حدث عندما عرض فيلم شيفرة ديفنشي

وإذا سمحت القوانين بالزواج المثلي فلا يلتفت لرأي الكنيسة هناك (مع التنبيه إلى أن العلمانية هناك تسربت إلى الكنائس )

وهكذا

ومن هذا المنطلق فإن العلمانية كفر في الإسلام لا يشك بهذا من له أدنى علم بالإسلام , بينما في النصرانية أنت مؤمن ما دمت تعلق الصليب وتؤمن أن المسيح هو المخلص ( وبعدها افعل ما شئت )
ولو رجعنا إلى تعريف العلمانية في قواميس اللغة الإنجليزية لوجدنا أنها تعني ( اللادينية ) مما يدل على أن من روجوا للعلمانية في العالم العربي واختاروا لها مسمى ( العلمانية ) إنما أعطوا لها مسمى غير صحيح لكي لا يرفضها الناس
التعريف البسيط للعلمانية - secularism في قاموس ميريام ويبستر
the belief that religion should not play a role in government, education, or other public parts of society
الإيمان بأن الدين يجب أن لا يلعب دورا في الحكومة أو الثقافة أو أجزاء أخرى عامة من المجتمع
التعريف الكامل للعلمانية من نفس القاموس "ميريام ويبستر"

indifference to or rejection or exclusion of religion and religious considerations
اللامبالاة أو الرفض أو استبعاد الدين والاعتبارات الدينية
إضاءة

حكم أمريكا 44 رئيس , كلهم بروتستانت إلا كاثوليكي واحد تم اغتياله قبل أن يتم مدة رئاسته ( تعددية!) هذا مع أن البروتستانت لا تصل نسبتهم إلى 50% من الشعب الأمريكي والكاثوليك نسبتهم 26 % تقريبا, ثم يأتي الأمريكي ويطالب المسلمين أن يعاملوا الأقليات التي لا تشكل نسبة 3 و 4 % معاملة الأكثرية !!!
أخيرا أنبه إلى أن الفكرة التي يطرحها د/ خالد الدخيل وغيره , طرحها قبل مئات السنين أمثالهم ممن تأثروا بفلاسفة الغرب
حيث يقول شيخ الإسلام ابن تيمية
( يقول بعض المتفلسفة إن المقصود بالدين مجرد المصلحة الدنيوية ,وليس المقصود بالدين الحق مجرد المصلحة الدنيوية من إقامة العدل بين الناس في الأمور الدنيوية كما يقوله طوائف من المتفلسفة في مقصود النواميس والنبوات أن المراد بها مجرد وضع ما يحتاج إليه معاشهم في الدنيا من القانون العدلي الذي ينتظم به معاشهم لكن هذا قد يكون المقصود في أديان من لم يؤمن بالله ورسوله من اتباع الملوك المتفلسفة ونحوهم مثل قوم نوح ونمرود وجنكيزخان وغيرهم )
إلى أن قال
( وهؤلاء المتفلسفة الصابئة المبتدعة من المشائين ومن سلك مسلكهم من المنتسبين إلى الملل في المسلمين واليهود والنصارى يجعلون الشرائع والنواميس والديانات من هذا الجنس لوضع قانون تتم به مصلحة الحياة الدنيا ولهذا لا يأمرون فيها بالتوحيد وهو عبادة الله وحده ولا بالعمل للدار الآخرة ولا ينهون فيها عن الشرك بل يأمرون فيها بالعدل والصدق والوفاء بالعهد ونحو ذلك من الأمور التي لا تتم مصلحة الحياة الدنيا إلا بها ) قاعدة في المحبة 45/46/47
هذا والله أعلم وأحكم وهو سبحانه الهادي إلى سواء السبيل
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين
والحمد لله رب العالمين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق