تقارير
نشر في : الخميس 5 مارس 2015 - 04:20 ص | آخر تحديث : الخميس 5 مارس 2015 - 04:41 ص
متابعة – التقرير
لماذا الآن ظهرت القصة الكاملة لرجل الاستخبارات البريطانية الأول في تنظيم القاعدة “أيمن دين”، وكافة التفاصيل باسمه وصورته الرسمية، وجميع المعلومات عن تجنيده والإبقاء على صلته بالتنظيم؟ هل هي مصادفة، أم لها ارتباط وثيق بمتابعة الصحف ووسائل الإعلام البريطانية لقصة “الجهادي جون” أو “محمد أموازي” قاطع الرؤوس في تنظيم الدولة الإسلامية؟ والاتهامات الموجهة للاستخبارات البريطانية أنها السبب في تحويل الشاب الهادئ الطموح، خريج إحدى الجامعات البريطانية، أفضل موظف مثالي في شركته بالكويت، إلى “وحش.. دموي.. نزعت الإنسانية من قلبه”، يكره الأجانب ووظيفته “سياف داعش”. هل أرادت “MI5” تحسين صورتها السيئة بإخراج قصة اختراقها للقاعدة بقصة تجنيدها للجهادي السابق عميل الاستخبارات الحالي “أيمن دين”؟
إخراج قصة “أيمن دين”
اللافت للنظر هو سرعة إخراج قصة “أيمن دين”، وخروجه في حوار شامل بصورته واسمه الكامل، واعترافه الصريح والمباشر أنه كان رجل الاستخبارات البريطانية في تنظيم القاعدة؛ بل إنه “عضو مؤسس في التنظيم”، وأنه بايع أسامة بن لادن، وقاتل في البوسنة، وتدرب في أفغانستان، وأنه كان يرتقي المنابر ويدعو في المساجد لتنظيم القاعدة، ويجند ويحشد لهم، ويدعو لقتال الجنود الغربيين، ويحفز التفجيريين؛ وهو تابع للاستخبارات البريطانية، يمدها بكافة المعلومات والتفاصيل، عن التنظيم وحركاته وخططه، وأنه نجح في إحباط عمليات خطيرة علم بها كعضو مؤسس في القاعدة، وجاسوس فاعل في “MI5”!
مع “خالد الحاج”
وطبقا لـ “BBC”، فإن “جاسوس” الاستخبارات البريطانية “أيمن دين” نشأ في السعودية، وشهد الحشد الرسمي والشعبي في المملكة ضد الاحتلال السوفيتي، ونصرة المجاهدين الأفغان في فترة الثمانينيات، وذهب للجهاد في البوسنة لنصرة مسلمي البوسنة مع صديقه “خالد الحاج” أحد زعماء القاعدة في المملكة العربية السعودية فيما بعد.
ويحكي “أيمن دين” كيف تحول الطالب المجتهد في تعليمه المثقف “المحب للقراءة”، إلى جهادي يحمل الكلاشنكوف AK-47 في أحد جبال البوسنة، ويشارك مع المجاهدين العرب والمسلمين الذين جاءوا من كل مكان لنصرة إخوانهم، تجمعهم “معسكرات للتدريب على القتال والتكتيكات الحربية والمناورات العسكرية”، مع شباب من جنسيات ودول مختلفة، القاسم المشترك بينهم جميعا الدفاع عن مسلمي البوسنة.
ماذا بعد الجهاد في البوسنة؟
ثم يحكي “أيمن دين” كيف انتقل من البوسنة إلى أفغانستان، ويقول: “عقب نهاية القتال في البوسنة بدأت ألاحظ شيئا آخر بين زملائي، فهؤلاء الذين نجوا من القتال تزايدت لديهم المشاعر المناهضة للغرب والمناهضة للعولمة، وشعروا أن المجتمع الدولي يتآمر ضد المسلمين في البوسنة؛ لأن الحرب كانت بدأت تتجه لصالحهم، فكانت الرغبة في إنهاء الحرب هناك قبل أن يحقق المسلمون مزيدا من الانتصارات”، ويضيف: “وفي ظل هذا التصور، أعتقد أنهم بدأوا يشعرون بأن الغرب يحارب الإسلام كدين، وأدى هذا إلى مزيد من التطرف وجعل من السهل التحول من كونهم مجاهدين إلى نشطاء جهاديين”.
ويتناول “دين” قصصا لبعض الجهاديين في البوسنة، التي وصفها بـ “المدرسة التي ولد فيها الكثير من قادة تنظيم القاعدة الموهوبين، وكان من بينهم خالد شيخ محمد المتهم بأنه العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 وأنه كان في البوسنة لاكتشاف المواهب، والبحث عن الأشخاص الذين سيشاركون في النضال القادم”.
الطريق إلى القاعدة في أفغانستان
وعن الطريق إلى القاعدة في أفغانستان يقول أيمن دين: “السؤال الذي كان يلح على أذهاننا أن الحرب البوسنية تنتهي فماذا سيحدث بعد الحرب؟ هل سنجوب العالم متنقلين ما بين معركة ميؤوس منها إلى أخرى في محاولة لإنقاذ المسلمين ثم يأتي شخص آخر وينال المكافأة؟”. ويضيف: “سيكون في البوسنة حكومة علمانية ولن تحكم بالشريعة الإسلامية، إن هذه الدورة تحتاج إلى نهاية وأنه يتعين علينا أن نفكر في جبهة أخرى حيث إننا يمكن أن نخدم الإسلام وإحياء روح الجهاد في العالم الإسلامي”.
ويتلقى “أيمن دين” دعوة للسفر من البوسنة إلى قندهار لمبايعة أسامة بن لادن مثل الجميع الذين سيبايعون بن لادن، وهو ما سيمنحه اللقاء وجها لوجه مع أولئك الذين ينضمون للتنظيم، ويبايع على القتال مع أسامة بن لادن وقت الرخاء والشدة، وجهاد أعداء الله وطاعة قادته، ويصف طريقة البيعة: “تجلس أمامه على الأرض وتضع يدك على المصحف وتتلو القسم، وتقريبا تلامس ركبتك ركبته”.
من حلق التحفيظ في السعودية
ويحكي عميل المخابرات قصته من منزله بالمملكة العربية السعودية، عندما كان “أيمن دين” طفلا يتعلق بعلوم الدين، إلى أفغانستان عندما كان مسؤولا عن تدريب المنضمين للقاعدة، وأغلبهم من اليمن، وتلقينهم أصول وتاريخ الدين الإسلامي وأساسيات ممارسة الشعائر الدينية، وهو ما فتح عينيه على الدوافع المختلفة للجهاد، وكيفية تحويل الأشخاص إلى التشدد، ويقول: “يستغرق الأمر لدى بعض الناس سنوات ليقتنعوا بالقدوم للجهاد، وبعض الناس يتطلب الأمر بالنسبة لهم دقائق، والبعض يدرسون في معاهد دينية، وهم أقلية، ثم يقررون بعد ذلك القدوم، وهناك بعض الأشخاص الذين خرجوا توا من ملهى ليلي حيث كانوا يتناولون الخمر، ويأتون ويطلبون التضحية هناك في عالم الجهاد”. ويضيف: “الجميع يريد الشهادة والتضحية وبدرجات مختلفة، البعض سوف يأتي إليك ويقول تعلم أنني حقا متعب أريد أن أستشهد في أقرب وقت ممكن، والبعض الآخر سيأتي ويقول أريد الاستشهاد لكن أولا أريد أن يرى أعداء الله الجحيم على الأرض، أريد ان أعيش لأطول وقت ممكن لأريهم أكبر جحيم ممكن”.
وكان “أيمن دين” في مركز تدريب بأفغانستان، عندما وقعت هجمات على السفارات الأمريكية في نيروبي ودار السلام عام 1998، ويقول إنه كان “قلقا من أنه في الوقت الذي سقط 12 أمريكيا كان هناك 240 مدنيا قتلى و500 آخرين جرحى”، ويضيف: “أدركت انه إذا كانت هذه هي افتتاحية الحرب، فأين سيكون الهدف الثاني؟ الأرجنيتين أم جنوب أفريقيا أم موزمبيق؟ هل سنحارب الأمريكيين في أفريقيا لطردهم من الشرق الأوسط والجزيرة العربية؟ فهذا لا معنى له”.
ويقول “دين”: “أنا كرجل دين، كانت تلك هي البداية للشك في شرعية كل شيء، لذلك بدأت أسأل الأسئلة، وأذكر أنني ذهبت إلى عبد الله المهاجر، مفتى القاعدة، وقلت له: “أنّي لا أشك أو أي شيء لكن هل يمكنك أن تدلني على الدليل الشرعي في الهجوم على سفارة للأعداء، نعم، لكن في الوقت نفسه هناك حقيقة مؤكدة وهي أن تلك الأماكن محاطة بالكثير من الأهداف التي قد تتعرض للضرر؟
قصة الفتوى غير الصحيحة
ثم يحكي قصة الفتوى غير الصحيحة قائلا: “هناك فتوى انتشرت في العالم الإسلامي في القرن الثالث عشر، تبيح شرعا مهاجمة الأعداء حتى لو كان هذا الهجوم سيتسبب في سقوط ضحايا من المدنيين، لأن العدو يستخدمهم كدروع بشرية”. ويضيف قائلا: “قررت أن أبحث بنفسي، وعندها كانت الصدمة كبيرة، الفتوى التي يتحدثون عنها كانت ردا على سؤال أرسله المسلمون في مدن بوسط آسيا، طشقند وسمرقند وبخارى وكان سؤالهم محددا: “المغول يغزوننا، وفي كل مرة ينهبون مدينة ويأخذون جزءا من سكان المدينة، ألف او اثنين أو ربما ثلاثة، ثم يجبرونهم على دفع الأبراج التي يستخدمونها لمهاجمة المدينة التالية وتسلق أبراجها، فهل يجوز لنا ضرب هؤلاء المسلمين الذين يجبرهم العدو على التقدم نحونا ودفع الأبراج نحو أسوار مدينتنا؟”.
ويضيف: كانت الفتوى “نعم، يجوز هذا في مثل هذه الظروف التي يستخدم فيها المغول المدنيين المسلمين كدروع بشرية لشن هجوم على المدينة، خاصة أنه في حال عدم ضربهم فإن المغول سوف ينجحون في الهجوم ويقتلونكم”.
أربع سنوات جهادي.. وكنز المعلومات
ويقول “دين” إنه بعد بشهرين قرر أن هذا الأمر غير مناسب بالنسبة له وأنه يريد الرحيل، فذهب للخليج لتلقي العلاج الطبي، وقرر عدم العودة مرة أخرى، وبدلا من ذلك وجد نفسه في قبضة المخابرات الخارجية البريطانية ام آى 6، ويقول إنه بعد 11 يوما عاد مرة أخرى، وبعد أربع سنوات وشهرين قضاها كجهادي ذهب إلى لندن في 16 ديسمبر/ كانون أول 1998 وبدأ في تقديم المعلومات.
في خدمة الاستخبارات البريطانية
ويحكي كيف وضع كل خبرته ومعلوماته في خدمة الاستخبارات البريطانية “بعد سبعة أشهر من الاستجواب، ساعدتهم في تحديد أفضل صورة عن هذه المنظمات والجماعات والأشخاص المؤثرين بداخلها”. ويقول: “سبعة أشهر من الاستجواب تلقيت بعدها اقتراحا: ماذا عن العودة إلى أفغانستان وتنفيذ بعض العمل لصالحنا؟”. وكانت إجابتي لا لبس فيها “نعم”، ثم يرجع إلى افغانستان ويقوم بإرسال المعلومات إلى الاستخبارات البريطانية، ويقول: “كان الهدف الرئيس جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات، ولم تكن هذه مهمة سهلة، لأنك تضطر للاعتماد على ذاكرتك لأنه لا يمكنك كتابة أي شيء، كل شيء يخزن في ذهنك وليس أي مكان آخر، وأيا كانت الشكوك الأخلاقية الخاصة بي، فمهما كانت التبريرات الأخلاقية التي أملكها، فإنه يجب التفكير في أن زملائي السابقين سينحون هذه المبررات جانبا لأنني رأيت الكثير مما يخططون له، على سبيل المثال كنت هناك عندما كانت القاعدة تبني أول جهاز كيماوي قابل للعمل، وكانوا يتحدثون عن ذلك بسعادة غامرة وبنوع من الرضا المرضي عما يفعلون، هذا عندما تتساءل، لماذا أشعر أحيانا بوخزات أخلاقية في التجسس عليكم؟ كل ما تفعلونه يبرر كل ما أفعله”.
معلومات عن أبي حمزة وأبي قتادة
ويحكي “دين” كيف كان يعمل واعظا ويظهر التزامه ويحفز على الجهاد وفي الوقت نفسه يكتب تقارير للمخابرات البريطانية، ويقول إنه كان يتنقل ما بين أفغانستان وبريطانيا، وأن “القاعدة” كانت تظن أنهم يرسلونه إلى بريطانيا، وأنه يعمل لصالحهم، بينما كان يعمل فعليا لصالح الاستخبارات، يراقب ويجمع المعلومات عن أشخاص مثل بابار أحمد، وهو مواطن بريطاني اعترف بتزويد الإرهابيين بمواد مساعدة، وأبي حمزة، الذي أدين في الولايات المتحدة، وأبي قتادة، الذي برأته محكمة أردنية من اتهامات الإرهاب الخريف الماضي، بعد معركة قضائية لترحيله من بريطانيا، وكان يقوم بالخطابة في المساجد والتجمعات الإسلامية.
جاسوس يخط في التجمعات الإسلامية
ويقول “دين” إنهم في التجمعات الإسلامية كانوا يرحبون به كونه “رجل تنظيم القاعدة”، وكان يتحدث مع الناس في المساجد ويشجعهم على الانضمام للجهاد، ولكن يقول: ” كنت مدركا للحدود التي يمكن أن أصل إليها في التحريض، وفي استخدام كلمات حذرة عامة بدلا من التحريض المباشر، لكن الأمر أصبح أكثر صعوبة بعد أحداث 7/7 عام 2005 حين شددت القوانين الخاصة بالتحريض”.
وعن الذي كان يقوله وما لا يقوله، يقول “دين”: لا يمكنك أن تطلب من شخص محدد الذهاب هناك، ولا يمكنك أن تطلب تنفيذ هجوم، لا يمكنك تمجيد العنف الذي يرتكب ضد المدنيين، يجب أن نكون حذرين هناك، يمكنك الجلوس هناك والتحدث عن الاستشهاد بشكل عام، دون أن تتحدث بشكل مباشر عما يحدث الآن، ولذلك عليك أن تكون ذكيا حول كيفية قول كلماتك.
مخطط استخدام مواد سامة
ويعترف عميل المخابرات أنه شعر بالذنب لتشجيع أشخاص على الذهاب للجهاد، ولكنه يقول إنه سعيد لأن أحدا لم يقتل، لكنْ هناك شخص انتهى به الأمر في السجن لفترة طويلة، وأنه كان عاملا مساعدا في ذلك؛ لكنني لم أكن العامل الوحيد. يقول “دين” إنه أحبط هجمات بقنابل انتحارية، واستخدام مواد سامة ضد المدنيين، كما أنه سلم خططا للمخابرات البريطانية عن أداة كانت معدة لتستخدم في تنفيذ هجمات بمواد كيماوية، في محطة مترو نيويورك، وفي هذا الحادث قرر أيمن الظواهري نائب أسامة بن لادن وقف الهجوم، “لقد كانوا سيستخدمون الأسلحة الكيماوية، لكن الظواهري قال لا، لا تستخدموها”.
الظواهري يرفض تنفيذ الهجوم
ويضيف عميل الاستخبارات: “كانت هناك خلية تطلب إذن الظواهري في تنفيذ الهجوم، وقالت “لدينا هذه الأسلحة ونعرف كيف نستخدمها، وكيف نسلمها، كما أن لدينا هدفا وهو محطة مترو نيويورك، لأننا نعتقد أن نظام التهوية في المترو سيكون مثاليا لنشر الغاز عبر مساحة كبيرة في الشبكة”، ولكن الظواهري قال “لا، لا تستخدموه لأن الانتقام قد يخرج عن نطاق السيطرة”، ويضيف: “لقد أوقفها لأنه كان خائفا من العواقب والتداعيات”.
ورفض رجل المخابرات في القاعدة الإفصاح عن معلومات عن المخطط، وقال: “أعتقد أنني كنت مطلعا على هذه الخطط؛ لأن لدي موهبة معينة، و(تظاهرت) بالرغبة في استخدام تلك الموهبة للمساعدة في تنفيذ تمكين هذه الهجمات، هذا هو السبب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق