سيد عبد النبي محمد
24 يونيو، 2019
الرزق يحب الخفية
الشاطرة تغزل برجل حمار
إحنا اللى دهنا الهوا دوكو
أفهمها وهى طايرة
كبر دماغك
الكلام مش علية جمارك
جايب الديب من ديلة
إحنا اللى خرمنا التعريفة
الفهلوة سلوك مصرى خالص لا يمكنك أن تضع له إطارا محددا أو تعريفا جامعا مانعا – إلا أنه يعنى فى أبسط تفسيراته أن أعمل أقل مما يجب وأن أحصل على أكثر مما أستحق وهى ثقافة راسخة فى وجدان المصريين مع إختلاف طبقاتهم الإجتماعية .
فأنت ستجد نماذجا من كل الشرائح الثقافية تتفنن فى إهدار وقت العمل إما بالوصول بعد الموعد ( بالتزويغ ) مبكرا أو (التزويغ) قبل إنتهاء موعد الإنصراف أو بإستهلاك وقت العمل فى أمور شخصية وسوف تجد أن السعاة والفراشين يسلكون نفس السلوك الذى يسلكة مديرو العموم كلا بطريقتة وبتقافتة .
الفهلوة ستجدها فى الشارع فى أساليب التعامل بين البائع والمشترى وفي الجامعات وفى أقسام الشرطة وفى المرور وعلى الطرقات وفى المدارس والمستشفيات ,
لا فرق فى تبنى الفهلوة كمنهج حياة بين أولاد المدارس والبلطجية – الفرق فقط فى الأساليب والممارسات
ولقد إنشغلت لزمن طويل بالفهلوة مصطلحا وسلوكا بعيدا عن أصلها الفارسى وهى بهلوى وهى تطلق على من يتميز بالشجاعة وسعة الحيلة وحيّرنى اللفظ المنحوت من الفاء والهاء والواو – ليس من بينها حرف مستقر عدا اللام – ومثل كلمة فهّلوى نجد أونطّجى وهى مأخوذة من كلمة (أفنطة) وهى كلمة يونانية معناها حيلة مما يؤكد أنها وردت الينا مع الإحتلال أيضا .
الشاب أو الراجل المصرى يفهم فى كل شئ – فهلوى بالفطرة يعنى يفهم فى الطب ويشخص المرض وممكن يوصف الدواء وكذلك فى الكهربا وممكن يصلح السيارات , رغم أنه ليس لديه أى علم أو أى خبرة بأى شئ لكن عندة إحساس إنه يقدر يصلح أى حاجة والمصيبة إنه بيصلح العطل فى الآخر .
ففى الفهلوة الذكاء وفهم الشخص الذى نتعامل معة وفيها ، حداقة ، وإستغلال للفرص والفهلوى نشط وخفيف الظل مما يسهل لة مأموريتة وكلمة الرزق يحب الخفية كانت تستخدم كتعبير إيجابى يدل على النشاط والمرونة وخفة الظل ولا يدل على خفة اليد والضمير .
والفهلوة المصرية صفة حضرية أى ترتبط بالحضر .
ولقد رجعت إلى الكاتب جمال حمدان والسيد ياسين لعلى أقع على جذور الفهلوة فى الشخصية المصرية فلم أجد أيهما تحدث عنها بشكل مباشر – رغم معاصرتهما الظاهرة وربما ألمح جمال حمدان إلى أنها الفهلوة التى كانت من الأسلحة التى قاوم بها الفلاح المصرى البسيط الطغاة فى مختلف عصور الظلم والظلام والإستبداد التى مرت علية والتى بدأت بالبطالمة ولم تنتة بالإنجليز – لقد وجد الفلاح تاريخيا الفتوى التى تحلل سرقة المحتل وخداعة – ووجد الفتوى التى تبيح له إهمال عملة وإفسادة لإفساد أمر المحتل ومشروعاتة .
وفى رعاية تلك الفتاوى ترسخت قيم الفهلوة وإنتقلت كميراث فكرى وخلقى من الآباء إلى الأبناء .
( مصر فيها تسعين مليون فهلوى – كلهم بيتفهلووا على بعض ) هذا التعبير سمعتة أثناء حضوري مؤتمر بدبى وكان يحاضرنا البروفيسور مارتن الشهير وهو ألمانى الجنسية فأنبرى أحد الفهلوية القادمين من مصر مقاطعا المحاضر ( ياعم الكلام دة عارفينه من زمان ) فرد علية البروفيسور ( ولما إنته عارفة حضرت المؤتمر ليه ) طبعا أنا بترجم الكلام ليكم وعلشان كدة كل واحد مننا عايز يّلبس التانى فى الأول وزى ما المثل بيقول ( بيلّبس طاقية دة لدة ) يعنى بالبلدى الفصيح إستهبال بس إستهبال من نوع غريب .
والفهلوى بطبعة شخص يملك من القدرة على الإقناع ويعتمد فى وسيلته السهلة الحصول على رضا الطرف الأخر – وقد تطورت الكلمة وأصبحت مرادفة لكلمة أونطّجى وهو الشخص الذى يمتلك الخبث والدهاء والحيلة للإستيلاء أو الحصول على ما بيد الآخرين .
وتدرجت الصفات إلى ما يعرف بالنصاب والنصاب هو الشخص الذى يستولى أو يسرق ممتلكات الآخرين بالأونطة والحيلة .
إذا فالمثلث المكون من الفهلوى والأونطجى والنصاب هى أوصاف لشخص يستغل الآخرين أو يضحك عليهم أو يقنعهم أو يوهمهم بقدرتة على تحقيق ما يتمنونة .
وظهرت فى مجتمعاتنا الصور العديدة للسمات المذكورة .
منهم شخصية المستريح وهو نصاب أوهم بعض الأشخاص بأنة يدير رأسماله فى شركات ومصانع ومشاريع تدر أرباحا عاليه وظهر المستريح وكان شابا فقيرا يعانى بعد تخرجة من مدرسة سياحة وفنادق يركب سيارات فارهة ويسكن قصورا ويعيش فى الفنادق وأستغل معة بعض الأشخاص فى مكاتب تم تأجيرها ليعمل بصورة رسميه وأستضافته برامج تليفزيونية ليظهر مدعيا قدرته فى المساعدة على إصلاح الإقتصاد والمساهمة بمصانعة فى تشغيل شباب العاطلين وتزاحم الكثيرون ليودعوا أموالهم لدية بفائدة عشرون بالمائة وأنتهت أسطورة المستريح بالهروب إلى أن تم القبض علية بعد أن حطم آمال الكثيرون ممن فقدوا أموالهم طمعا فى الربح العالى .
وهناك صور أخرى للنصب على الناس بمساكن وهمية وبيع وشراء أراضى غير موجودة ليخرج المنصوب علية يلطم الخدود بعد أن تبخرت أحلامة .
هى الفهلوة وهى الأونطة وهى النصب وكلها معنى واحد لصفة تأخذ أشكالا عدة لشخص يملك القدرة والحيلة والأسلوب الغير سوى لخداع الآخرين .
وتمددت صفة الفهلوة لتغطى كم كبير جدا من قطاعات العمل وتفنن الكثيرون فى إدارة شئونهم بمبدأ الفهلوة بل وأصبحت بعض الهيئات والشركات والمؤسسات تدار بالفهلوة – حتى أن تقدير الكفاءة فى الأداء إعتبر الفهلوة نوع من التميز فى الأداء .
وظهر الموظف الفهلوى والعامل الفهلوى والطبيب الفهلوى والمدرس الفهلوى وبالطبع ظهر الطالب الفهلوى والداعية أو الواعظ الدينى الفهلوى .
ولبست الفهلوة ثوبا آخر بعد أن غيرت ملابسها القديمة وطورت فى الأداء وأخذت أسماء وصفات أخرى فظهر الخبير الإستراتيجى والخبير الإعلامى والسياسى والعسكرى والإقليمى والإقتصادى والقضائى والمحلل للشئون الإدارية والمالية والمجتمع المدنى .
وهكذا لعبت الفهلوة دورا محوريا ممتدا إلى الطبقات الكادحه ودخلت الفهلوة لطبقة المهمشين والعمال فظهرت الفهلوة فى الأداء مثل السباك الفهلوى والميكانيكى والمستشفيات والخدمات العامة كالطرق والمواصلات والتعليم والتليفونات شركات المحمول وأصبحت الفهلوة هى عين الحقيقة .
ومن الغريب أيضا أن الفهلوة وصلت إلى داخل بيوتنا وظهر الإبن الفهلوى والأب الفهلوى والزوجة الفهلوية وأصبحت الفهلوة جزء من السلوك الإجتماعى .
وطبعا دخلت إبتكارات وألوان ومشتقات أخري للفهلوة مثل الأونطة والنصب .
وتفنن البعض فى إستحداث أساليب وطرق مبتدعة وسهلة للحيلة والأيقاع بالأخرين والحصول علة أموالهم أو مدخراتهم وتطالعنا ساحات المحاكم بالعديد من القضايا التى تؤكد وقوع أفراد عديدون ضحايا لظاهرة النصب والإحتيال بل أصبح هناك توصيف قانونى يطلق عليه قضايا النصب والإحتيال على الغير .
فهلوة السباك
– أيوة أنا المعلم فتحى السباك .
– حاضر يابيه متقلقش – بتقول إيه السباكة بايظة – حاضر بكرة الصبح أكون عندك بمشيئة الله .
بعد يومين
– معلهش يا باشا أصل الحجة تعبانة شوية أنا هاجى لحضرتك بكرة الصبح .
بعد يومين تانى
– أصل أنا ياباشا فى إيدى شغلانه بسيطة كلها نص ساعة وأكون عندك بمشيئة الله .
بعد ساعتين
– خلاص يا باشا أنا فى الطريق اليك – عشر دقايق وأكون قدامك
هذه هى الفهلوة بعينها – ويفضل الزبون يضرب تليفونات والبيه السباك مرة يرد وعشرة لأ .
وأخيرا وصل الأسطى السباك – يدخل بنزاهة يشرب الشاى والحاجة الساقعة ويخلى ريحة الشقة كرب من السجاير اللى عمال يعفرها ويخبط فى المطبخ ويكسر فى الحمام ويبهدل الدنيا وتتحول الشقة إلى مقلب من أسمنت ورمل وسيراميك مكسر – ويضرب باقى الحاجات اللى أشتراها فى شنطة العدة قائلا بسخافة وإستهبال ( طبعا الحاجات الزيادة دى مش لازماك يابيه ) ويمد أيدة بعد أن يطلب المصنعية وطبعا حراقة ويضرب فى جيبة خمسمية جنية فى ساعتين عمل – وينزل ومعاة الواد الصبى بعد أن يقول لك( فين الشاى بتاع الواد ) – تدخل بعد إنصرافة تلاقى كل حاجة زى ماكانت . تضرب كفا بكف وتسب لكل اللى حواليك وترفع التليفون — مايردش
تليفون تانى وتالت ومية — مايردش
وجدع لو عرفت تجيبة – فص ملح وداب
فهلوة الميكانيكى
أحمد : أنا هأودى العربية التوكيل للصيانة
عادل : توكيل مين ياعم – الأسطى سيد الميكانيكى بيخّلص كل حاجة .
أحمد : لا ياعم التوكيل أمان وضمان — بس بيحرق فى السعر — أنا أضمن نفسى وأودى العربية للتوكيل .
عادل : طب جرب المرة دى وشوف الفرق .
ثانى يوم
أحمد وعادل ومعاهم العربية عند الأسطى سيد الميكانيكى فى مدينة الحرفيين — والعربية مفتوحة والأسطى سيد شغال فيها — شويتين وجات عربية تانية والأسطى سيد ساب العربية وراح يشوف الثانية — وفاتت ساعة والتانية وعم سيد نسي العربية اللى بيصلحها .
بص أحمد لعادل وقال له : هو فيه إية – دة بقالوا ساعتين سايب العربية.
رد الأسطى سيد : خمس دقايق يا باشا أكون عندك – الصبر طيب كل واحد بياخد نصيبة .
ومضت ساعة أخري وعم سيد خرج يجرب العربية التانية ومرجعش وشويتين ورجع بلية صبى الميكانيكى سألة أحمد عن الأسطى – رد علية : ما تقلقش يا بية خمس دقايق والأسطى سيد راجع .
ضاق صدر أحمد وزهق وطلب من عادل أن يمشى .
رد عادل : العربية لسة فيها شغل .
بعصبية قفل أحمد بوز العربية وركب وأدار المفتاح لينفجر المحرك .
منتهى الإستهبال والإستخفاف بالأخرين ولعن أحمد عادل وأنفجر عادل فى الورشة ولكن عم سيد فص ملح وداب وشكرا .
فهلوة طبية
رجع إلى البيت متعبا ومرهقا من عناء العمل وزحام الطريق ليجد زوجتة تتألم بشدة تحامل على نفسة وتحاملت علية زوجتة ونزل معها فى الشارع وقف له تاكسى أبيض ركب ومعة زوجته المريضة – العداد لا يعمل وصل إلى المستشفى طلب السائق خمسة وثلاثون جنيها – نظر إلى السائق – أنا بأدفع خمسة عشر جنيها فى المشواردة بالعداد .
رد علية السائق : لا يا باشا أنا باخد خمسة وتلاتين جنيه من غيرعداد .
رضخ رغما عنة – أسند زوجته ودخل بها إلى المستشفى قاصدا الإستقبال للحالات الطارئة حيث أنها بدأت تنزف .
وضِعّت فى غرفة الإستقبال إنتظارا لحضور الطبيب للكشف عليها – الذى لم يكن موجودا وأخبرة فريق التمريض أنه فى الطريق – ومرت ساعة وأخري ولم يحضر- أعصابة بدأت تحترق وزوجتة دخلت فى غيبوبة – إرتفع صوته طالبا إنقاذ زوجتة وإسعافها لم يتحرك أحد لإنقاذ زوجته – دخلت إحدى الممرضات توبخة على رفع صوتة وتخبرة أن الطبيب على الوصول – ترجاها بفعل أى شئ لإسعاف زوجتة التى تعانى – إستدعت الممرضة طبيب آخر – أجرى الكشف عليها وأمر بنقلها إلى غرفة العناية المركزة .
جلس وحيدا ينظر اليها من خلال الزجاج الذى يفصل بينهما وهم يقومون بتركيب الأجهزة والمحاليل لها .
رفع رأسة إلى السماء باكيا راجيا الله أن يشفيها ويفرج همة – أفاقة يد المحاسب وهى تهزة برفق طالبا منه ألفى جنيه تحت الحساب – أقسم لة أنه لايملك فى جيبة سوى مأتى جنيه – كان المحاسب رحيما وأحس بظروفة وقال له سوف أنتظرك للغد لتدبير المبلغ .
كان التليفزيون أمامة يبث نشرة الأخبار وفيها خبر يقول أن رئيس الوزراء أصدر قرارا بأن تقوم المستشفيات بإستقبال حالات الطوارئ وتتحمل الدولة تكاليف الحالات خلال الأربع والعشرين ساعة الأولى .
نظر ألى زوجتة الراقدة أمامة فى غرفة العناية المركزة وحيدة وفى غيبوبة وإلى طفلتة الراقدة على المقعد المجاور لة تبكى بألم ووضع يدة فى جيبة ليخرج الجنيهات القليلة القابعة فيه – إحتضن إبنته بحزن ونزلت دموعة المتحجرة من مقلتيه وراح فى ثبات عميق .
فهلوة وإستهبال
تليفون
– بعدين – بعدين يا بنتى – هو فية حد طلب منك المصاريف
– أيوة يابابا إدارة المدرسة منعانى من التسجيل قبل دفع المصاريف كلها .
– بتقولى إية – زادت تلات آلاف جنية – لا أنا جاى بكرة الصبح .
وصل إلى المدرسة الخاصة – يتحادث مع السكرتيرة – تخبرة فعلا أن المصاريف زادت عشرين فى المية
– بنتى فى الثانوية العامة – ومفيش حضور ولا إنصراف وكل ما تيجى المدرسة متلاقيش مدرسين ولا طالبات .
– النظام هنا يا أستاذ كدة .
– نظام إية تزودى المصاريف لطلبة بدون مدرسين .
– يا أستاذ دى تعليمات الوزارة وعندك المديرية التعليمية إشتكى فيها .
خرج غاضبا عائدا إلى بيتة ليقرأ فى إحدى الصحف القومية أن وزارة التربية والتعليم وضعت خطة لمحاربة الدروس الخصوصية وأعطت تعليماتها للمدارس الخاصة بعدم زيادة الرسوم المدرسية وسوف تتخذ الوزارة كافة الإجراءات القانونية ضد المدارس الخاصة وسناتر الدروس الخصوصية التى تخالف هذه التعليمات .
نظر لزوجتة الجالسة أمامة والتى تخبرة أن إبنته قد إنتهت من درس الكيمياء وتطلب منه أن يتوجه إلى السنتر ليحضرها علشان درس الرياضة بالبيت بعد نص ساعة .
الأمور بقت خارج نطاق السيطرة وزى ما بيقولوا إستهبال فى إستهبال والضحية أولياء الأمور فى المقام الأول والطلبه فى المقام التانى والمستفيدون بطريقة إستهبالونيا هم المدرسون والوزارة التى تصدر بيانات حاسمة بقدرتها على إدارة العملية التعليمية بكفاءة وإقتدار بطريقة الفهلوة والأونطة وثبت أن كلتا الطريقتين من أدق وأحسن الطرق للوصول إلى مصاف النظم الدولية الحديثة – ويكفينا تصريحات المتحدث الرسمى لوزارة التربية والتعليم التى توحى اليك بأن الوزارة تملك كل مقومات جودة الأداء للعملية التعليمية وأن كل ما يثار الهدف منه تقليل والنيل من جهود السيد الوزير والحريص على الإرتقاء بالأداء العام وكأنة يتكلم مع ناس تانية تعيش فى كوالا لامبور .
سيد عبد النبى محمد
أدب ساخر
الشاطرة تغزل برجل حمار
إحنا اللى دهنا الهوا دوكو
أفهمها وهى طايرة
كبر دماغك
الكلام مش علية جمارك
جايب الديب من ديلة
إحنا اللى خرمنا التعريفة
الفهلوة سلوك مصرى خالص لا يمكنك أن تضع له إطارا محددا أو تعريفا جامعا مانعا – إلا أنه يعنى فى أبسط تفسيراته أن أعمل أقل مما يجب وأن أحصل على أكثر مما أستحق وهى ثقافة راسخة فى وجدان المصريين مع إختلاف طبقاتهم الإجتماعية .
فأنت ستجد نماذجا من كل الشرائح الثقافية تتفنن فى إهدار وقت العمل إما بالوصول بعد الموعد ( بالتزويغ ) مبكرا أو (التزويغ) قبل إنتهاء موعد الإنصراف أو بإستهلاك وقت العمل فى أمور شخصية وسوف تجد أن السعاة والفراشين يسلكون نفس السلوك الذى يسلكة مديرو العموم كلا بطريقتة وبتقافتة .
الفهلوة ستجدها فى الشارع فى أساليب التعامل بين البائع والمشترى وفي الجامعات وفى أقسام الشرطة وفى المرور وعلى الطرقات وفى المدارس والمستشفيات ,
لا فرق فى تبنى الفهلوة كمنهج حياة بين أولاد المدارس والبلطجية – الفرق فقط فى الأساليب والممارسات
ولقد إنشغلت لزمن طويل بالفهلوة مصطلحا وسلوكا بعيدا عن أصلها الفارسى وهى بهلوى وهى تطلق على من يتميز بالشجاعة وسعة الحيلة وحيّرنى اللفظ المنحوت من الفاء والهاء والواو – ليس من بينها حرف مستقر عدا اللام – ومثل كلمة فهّلوى نجد أونطّجى وهى مأخوذة من كلمة (أفنطة) وهى كلمة يونانية معناها حيلة مما يؤكد أنها وردت الينا مع الإحتلال أيضا .
الشاب أو الراجل المصرى يفهم فى كل شئ – فهلوى بالفطرة يعنى يفهم فى الطب ويشخص المرض وممكن يوصف الدواء وكذلك فى الكهربا وممكن يصلح السيارات , رغم أنه ليس لديه أى علم أو أى خبرة بأى شئ لكن عندة إحساس إنه يقدر يصلح أى حاجة والمصيبة إنه بيصلح العطل فى الآخر .
ففى الفهلوة الذكاء وفهم الشخص الذى نتعامل معة وفيها ، حداقة ، وإستغلال للفرص والفهلوى نشط وخفيف الظل مما يسهل لة مأموريتة وكلمة الرزق يحب الخفية كانت تستخدم كتعبير إيجابى يدل على النشاط والمرونة وخفة الظل ولا يدل على خفة اليد والضمير .
والفهلوة المصرية صفة حضرية أى ترتبط بالحضر .
ولقد رجعت إلى الكاتب جمال حمدان والسيد ياسين لعلى أقع على جذور الفهلوة فى الشخصية المصرية فلم أجد أيهما تحدث عنها بشكل مباشر – رغم معاصرتهما الظاهرة وربما ألمح جمال حمدان إلى أنها الفهلوة التى كانت من الأسلحة التى قاوم بها الفلاح المصرى البسيط الطغاة فى مختلف عصور الظلم والظلام والإستبداد التى مرت علية والتى بدأت بالبطالمة ولم تنتة بالإنجليز – لقد وجد الفلاح تاريخيا الفتوى التى تحلل سرقة المحتل وخداعة – ووجد الفتوى التى تبيح له إهمال عملة وإفسادة لإفساد أمر المحتل ومشروعاتة .
وفى رعاية تلك الفتاوى ترسخت قيم الفهلوة وإنتقلت كميراث فكرى وخلقى من الآباء إلى الأبناء .
( مصر فيها تسعين مليون فهلوى – كلهم بيتفهلووا على بعض ) هذا التعبير سمعتة أثناء حضوري مؤتمر بدبى وكان يحاضرنا البروفيسور مارتن الشهير وهو ألمانى الجنسية فأنبرى أحد الفهلوية القادمين من مصر مقاطعا المحاضر ( ياعم الكلام دة عارفينه من زمان ) فرد علية البروفيسور ( ولما إنته عارفة حضرت المؤتمر ليه ) طبعا أنا بترجم الكلام ليكم وعلشان كدة كل واحد مننا عايز يّلبس التانى فى الأول وزى ما المثل بيقول ( بيلّبس طاقية دة لدة ) يعنى بالبلدى الفصيح إستهبال بس إستهبال من نوع غريب .
والفهلوى بطبعة شخص يملك من القدرة على الإقناع ويعتمد فى وسيلته السهلة الحصول على رضا الطرف الأخر – وقد تطورت الكلمة وأصبحت مرادفة لكلمة أونطّجى وهو الشخص الذى يمتلك الخبث والدهاء والحيلة للإستيلاء أو الحصول على ما بيد الآخرين .
وتدرجت الصفات إلى ما يعرف بالنصاب والنصاب هو الشخص الذى يستولى أو يسرق ممتلكات الآخرين بالأونطة والحيلة .
إذا فالمثلث المكون من الفهلوى والأونطجى والنصاب هى أوصاف لشخص يستغل الآخرين أو يضحك عليهم أو يقنعهم أو يوهمهم بقدرتة على تحقيق ما يتمنونة .
وظهرت فى مجتمعاتنا الصور العديدة للسمات المذكورة .
منهم شخصية المستريح وهو نصاب أوهم بعض الأشخاص بأنة يدير رأسماله فى شركات ومصانع ومشاريع تدر أرباحا عاليه وظهر المستريح وكان شابا فقيرا يعانى بعد تخرجة من مدرسة سياحة وفنادق يركب سيارات فارهة ويسكن قصورا ويعيش فى الفنادق وأستغل معة بعض الأشخاص فى مكاتب تم تأجيرها ليعمل بصورة رسميه وأستضافته برامج تليفزيونية ليظهر مدعيا قدرته فى المساعدة على إصلاح الإقتصاد والمساهمة بمصانعة فى تشغيل شباب العاطلين وتزاحم الكثيرون ليودعوا أموالهم لدية بفائدة عشرون بالمائة وأنتهت أسطورة المستريح بالهروب إلى أن تم القبض علية بعد أن حطم آمال الكثيرون ممن فقدوا أموالهم طمعا فى الربح العالى .
وهناك صور أخرى للنصب على الناس بمساكن وهمية وبيع وشراء أراضى غير موجودة ليخرج المنصوب علية يلطم الخدود بعد أن تبخرت أحلامة .
هى الفهلوة وهى الأونطة وهى النصب وكلها معنى واحد لصفة تأخذ أشكالا عدة لشخص يملك القدرة والحيلة والأسلوب الغير سوى لخداع الآخرين .
وتمددت صفة الفهلوة لتغطى كم كبير جدا من قطاعات العمل وتفنن الكثيرون فى إدارة شئونهم بمبدأ الفهلوة بل وأصبحت بعض الهيئات والشركات والمؤسسات تدار بالفهلوة – حتى أن تقدير الكفاءة فى الأداء إعتبر الفهلوة نوع من التميز فى الأداء .
وظهر الموظف الفهلوى والعامل الفهلوى والطبيب الفهلوى والمدرس الفهلوى وبالطبع ظهر الطالب الفهلوى والداعية أو الواعظ الدينى الفهلوى .
ولبست الفهلوة ثوبا آخر بعد أن غيرت ملابسها القديمة وطورت فى الأداء وأخذت أسماء وصفات أخرى فظهر الخبير الإستراتيجى والخبير الإعلامى والسياسى والعسكرى والإقليمى والإقتصادى والقضائى والمحلل للشئون الإدارية والمالية والمجتمع المدنى .
وهكذا لعبت الفهلوة دورا محوريا ممتدا إلى الطبقات الكادحه ودخلت الفهلوة لطبقة المهمشين والعمال فظهرت الفهلوة فى الأداء مثل السباك الفهلوى والميكانيكى والمستشفيات والخدمات العامة كالطرق والمواصلات والتعليم والتليفونات شركات المحمول وأصبحت الفهلوة هى عين الحقيقة .
ومن الغريب أيضا أن الفهلوة وصلت إلى داخل بيوتنا وظهر الإبن الفهلوى والأب الفهلوى والزوجة الفهلوية وأصبحت الفهلوة جزء من السلوك الإجتماعى .
وطبعا دخلت إبتكارات وألوان ومشتقات أخري للفهلوة مثل الأونطة والنصب .
وتفنن البعض فى إستحداث أساليب وطرق مبتدعة وسهلة للحيلة والأيقاع بالأخرين والحصول علة أموالهم أو مدخراتهم وتطالعنا ساحات المحاكم بالعديد من القضايا التى تؤكد وقوع أفراد عديدون ضحايا لظاهرة النصب والإحتيال بل أصبح هناك توصيف قانونى يطلق عليه قضايا النصب والإحتيال على الغير .
فهلوة السباك
– أيوة أنا المعلم فتحى السباك .
– حاضر يابيه متقلقش – بتقول إيه السباكة بايظة – حاضر بكرة الصبح أكون عندك بمشيئة الله .
بعد يومين
– معلهش يا باشا أصل الحجة تعبانة شوية أنا هاجى لحضرتك بكرة الصبح .
بعد يومين تانى
– أصل أنا ياباشا فى إيدى شغلانه بسيطة كلها نص ساعة وأكون عندك بمشيئة الله .
بعد ساعتين
– خلاص يا باشا أنا فى الطريق اليك – عشر دقايق وأكون قدامك
هذه هى الفهلوة بعينها – ويفضل الزبون يضرب تليفونات والبيه السباك مرة يرد وعشرة لأ .
وأخيرا وصل الأسطى السباك – يدخل بنزاهة يشرب الشاى والحاجة الساقعة ويخلى ريحة الشقة كرب من السجاير اللى عمال يعفرها ويخبط فى المطبخ ويكسر فى الحمام ويبهدل الدنيا وتتحول الشقة إلى مقلب من أسمنت ورمل وسيراميك مكسر – ويضرب باقى الحاجات اللى أشتراها فى شنطة العدة قائلا بسخافة وإستهبال ( طبعا الحاجات الزيادة دى مش لازماك يابيه ) ويمد أيدة بعد أن يطلب المصنعية وطبعا حراقة ويضرب فى جيبة خمسمية جنية فى ساعتين عمل – وينزل ومعاة الواد الصبى بعد أن يقول لك( فين الشاى بتاع الواد ) – تدخل بعد إنصرافة تلاقى كل حاجة زى ماكانت . تضرب كفا بكف وتسب لكل اللى حواليك وترفع التليفون — مايردش
تليفون تانى وتالت ومية — مايردش
وجدع لو عرفت تجيبة – فص ملح وداب
فهلوة الميكانيكى
أحمد : أنا هأودى العربية التوكيل للصيانة
عادل : توكيل مين ياعم – الأسطى سيد الميكانيكى بيخّلص كل حاجة .
أحمد : لا ياعم التوكيل أمان وضمان — بس بيحرق فى السعر — أنا أضمن نفسى وأودى العربية للتوكيل .
عادل : طب جرب المرة دى وشوف الفرق .
ثانى يوم
أحمد وعادل ومعاهم العربية عند الأسطى سيد الميكانيكى فى مدينة الحرفيين — والعربية مفتوحة والأسطى سيد شغال فيها — شويتين وجات عربية تانية والأسطى سيد ساب العربية وراح يشوف الثانية — وفاتت ساعة والتانية وعم سيد نسي العربية اللى بيصلحها .
بص أحمد لعادل وقال له : هو فيه إية – دة بقالوا ساعتين سايب العربية.
رد الأسطى سيد : خمس دقايق يا باشا أكون عندك – الصبر طيب كل واحد بياخد نصيبة .
ومضت ساعة أخري وعم سيد خرج يجرب العربية التانية ومرجعش وشويتين ورجع بلية صبى الميكانيكى سألة أحمد عن الأسطى – رد علية : ما تقلقش يا بية خمس دقايق والأسطى سيد راجع .
ضاق صدر أحمد وزهق وطلب من عادل أن يمشى .
رد عادل : العربية لسة فيها شغل .
بعصبية قفل أحمد بوز العربية وركب وأدار المفتاح لينفجر المحرك .
منتهى الإستهبال والإستخفاف بالأخرين ولعن أحمد عادل وأنفجر عادل فى الورشة ولكن عم سيد فص ملح وداب وشكرا .
فهلوة طبية
رجع إلى البيت متعبا ومرهقا من عناء العمل وزحام الطريق ليجد زوجتة تتألم بشدة تحامل على نفسة وتحاملت علية زوجتة ونزل معها فى الشارع وقف له تاكسى أبيض ركب ومعة زوجته المريضة – العداد لا يعمل وصل إلى المستشفى طلب السائق خمسة وثلاثون جنيها – نظر إلى السائق – أنا بأدفع خمسة عشر جنيها فى المشواردة بالعداد .
رد علية السائق : لا يا باشا أنا باخد خمسة وتلاتين جنيه من غيرعداد .
رضخ رغما عنة – أسند زوجته ودخل بها إلى المستشفى قاصدا الإستقبال للحالات الطارئة حيث أنها بدأت تنزف .
وضِعّت فى غرفة الإستقبال إنتظارا لحضور الطبيب للكشف عليها – الذى لم يكن موجودا وأخبرة فريق التمريض أنه فى الطريق – ومرت ساعة وأخري ولم يحضر- أعصابة بدأت تحترق وزوجتة دخلت فى غيبوبة – إرتفع صوته طالبا إنقاذ زوجتة وإسعافها لم يتحرك أحد لإنقاذ زوجته – دخلت إحدى الممرضات توبخة على رفع صوتة وتخبرة أن الطبيب على الوصول – ترجاها بفعل أى شئ لإسعاف زوجتة التى تعانى – إستدعت الممرضة طبيب آخر – أجرى الكشف عليها وأمر بنقلها إلى غرفة العناية المركزة .
جلس وحيدا ينظر اليها من خلال الزجاج الذى يفصل بينهما وهم يقومون بتركيب الأجهزة والمحاليل لها .
رفع رأسة إلى السماء باكيا راجيا الله أن يشفيها ويفرج همة – أفاقة يد المحاسب وهى تهزة برفق طالبا منه ألفى جنيه تحت الحساب – أقسم لة أنه لايملك فى جيبة سوى مأتى جنيه – كان المحاسب رحيما وأحس بظروفة وقال له سوف أنتظرك للغد لتدبير المبلغ .
كان التليفزيون أمامة يبث نشرة الأخبار وفيها خبر يقول أن رئيس الوزراء أصدر قرارا بأن تقوم المستشفيات بإستقبال حالات الطوارئ وتتحمل الدولة تكاليف الحالات خلال الأربع والعشرين ساعة الأولى .
نظر ألى زوجتة الراقدة أمامة فى غرفة العناية المركزة وحيدة وفى غيبوبة وإلى طفلتة الراقدة على المقعد المجاور لة تبكى بألم ووضع يدة فى جيبة ليخرج الجنيهات القليلة القابعة فيه – إحتضن إبنته بحزن ونزلت دموعة المتحجرة من مقلتيه وراح فى ثبات عميق .
فهلوة وإستهبال
تليفون
– بعدين – بعدين يا بنتى – هو فية حد طلب منك المصاريف
– أيوة يابابا إدارة المدرسة منعانى من التسجيل قبل دفع المصاريف كلها .
– بتقولى إية – زادت تلات آلاف جنية – لا أنا جاى بكرة الصبح .
وصل إلى المدرسة الخاصة – يتحادث مع السكرتيرة – تخبرة فعلا أن المصاريف زادت عشرين فى المية
– بنتى فى الثانوية العامة – ومفيش حضور ولا إنصراف وكل ما تيجى المدرسة متلاقيش مدرسين ولا طالبات .
– النظام هنا يا أستاذ كدة .
– نظام إية تزودى المصاريف لطلبة بدون مدرسين .
– يا أستاذ دى تعليمات الوزارة وعندك المديرية التعليمية إشتكى فيها .
خرج غاضبا عائدا إلى بيتة ليقرأ فى إحدى الصحف القومية أن وزارة التربية والتعليم وضعت خطة لمحاربة الدروس الخصوصية وأعطت تعليماتها للمدارس الخاصة بعدم زيادة الرسوم المدرسية وسوف تتخذ الوزارة كافة الإجراءات القانونية ضد المدارس الخاصة وسناتر الدروس الخصوصية التى تخالف هذه التعليمات .
نظر لزوجتة الجالسة أمامة والتى تخبرة أن إبنته قد إنتهت من درس الكيمياء وتطلب منه أن يتوجه إلى السنتر ليحضرها علشان درس الرياضة بالبيت بعد نص ساعة .
الأمور بقت خارج نطاق السيطرة وزى ما بيقولوا إستهبال فى إستهبال والضحية أولياء الأمور فى المقام الأول والطلبه فى المقام التانى والمستفيدون بطريقة إستهبالونيا هم المدرسون والوزارة التى تصدر بيانات حاسمة بقدرتها على إدارة العملية التعليمية بكفاءة وإقتدار بطريقة الفهلوة والأونطة وثبت أن كلتا الطريقتين من أدق وأحسن الطرق للوصول إلى مصاف النظم الدولية الحديثة – ويكفينا تصريحات المتحدث الرسمى لوزارة التربية والتعليم التى توحى اليك بأن الوزارة تملك كل مقومات جودة الأداء للعملية التعليمية وأن كل ما يثار الهدف منه تقليل والنيل من جهود السيد الوزير والحريص على الإرتقاء بالأداء العام وكأنة يتكلم مع ناس تانية تعيش فى كوالا لامبور .
سيد عبد النبى محمد
أدب ساخر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق