الأربعاء، 8 يوليو 2015

حزب الله”.. وصناعة التطرّف


محمد الحايك – جنوبية
الاعتدال صفة جيدة إذا ما قُوبل باعتدال مماثل، لكن حين يصار إلى استغلال هذا الاعتدال بالطريقة التي حدثت وتحدث في لبنان، يصبح حينذاك “اعتلالاً” يستوجب إعادة النظر في كيفية التعاطي مع تطرف “حزب الله”.
في ظل بركان “التطرف” الذي يحرق المنطقة العربية برمتها، يتساءل كثيرون عما إذا كانت حمم هذا البركان ستطال لبنان، ومن البوابة السنّية تحديداً؟ إذ إنه وكما جرت العادة لا “متطرفين” ولا “إرهابيين” ولا سجناء “إسلاميين” ولا حتى ملتحين إلا في صفوف الطائفة السنّية.
في الحالة اللبنانية حصراً، ثمة خيط رفيع يفصل بين “التطرف” و”الاعتدال” الذي لم يجد زعماء الطائفة غيره سبيلاً لممارسة عملهم السياسي منذ نشأة الدولة قبل أكثر من سبعة عقود.
قد يبدو الربط بين النقيضين التطرف والاعتدال غير منطقي على الإطلاق، إلا أن التجربة على مدى الأعوام العشرة الماضية تحديداً، أثبتت أن “التطرف” وهو يعني اصطلاحاً القيام بأعمال وأفكار غير مبررة بهدف تغيير الوضع القائم، نَجم بشكل واضح عن “الاعتدال” المبالغ فيه.
فالشارع أي شارع بصرف النظر عن لونه وعرقه ودينه يحب القائد القوي والمنتصر دوماً، أو على أقل تقدير ذاك الذي يجيد الدخول في تسويات لا تُشعرُ المُناصرين والأتباع بأنهم مغبونون أو بأنهم في منزلة دون منزلة نظرائهم وأقرانهم في المجتمع والوطن نفسه.
هذا الأمر يبدو أنه ضلّ طريقه إلى نفوس أبناء الطائفة السنّية على وقع تساهل وتفريط القيادة السياسية، وعلى رأسها تيار المستقبل ومن خلفه كل الأحزاب والحركات الأخرى “معارضة وموالاة” بحقوق ومكتسبات أساسية ما كان ينبغي المسّ بها.
في البداية، جاهر أبناء الطائفة أو السواد الأعظم منهم باتهام النظام السوري باغتيال زعيهم الاستثنائي رفيق الحريري، فكان أن خرج عليهم زعيم طائفة أخرى ليقول “شكراً سوريا … شكراً سوريا بشار الأسد”، وكأن به بطريقة أو بأخرى يقول شكراً لقاتل رفيق الحريري !
بعد المجاهرة بالوقوف إلى جانب النظام السوري من دون أدنى اعتبار لمقتضيات ما يُعرف بـ “العيش المشترك”، عطّل نفس الفريق عمل الحكومة بغية منع إقامة محكمة دولية تنشد تحقيق العدالة !
أشهر قليلة ومضى “حزب الله” في حرب مدمرة، لم يعرف أحدٌ لماذا بدأت وكيف توقفت. في نهاية المطاف خرج علينا أحدهم بعد 33 يوماً من القصف والقتل، ليعلن النصر “الإلهي” المذيّل بعبارة لو كنت أعلم! فكان أن تم توزيع شهادات بالوطنية للبعض وبالعمالة للبعض الآخر !
جاء فجر السابع من أيار 2008 ليستيقظ أهل بيروت “السنّة” على اجتياح مدينتهم، اجتياح ذكّرهم بالاجتياح الإسرائيلي تحت ذريعة حماية شبكة اتصالات “المقاومة”، فكان أن كوفئ المحتل باتفاق الدوحة، قبل أن يطل الرجل علينا مرة جديدة محتفلاً بيوم التحرير “المجيد”!
في حزيران 2009 كرّست الانتخابات النيابية سعد الحريري زعيماً لـ “السنّة” ولأكبر كتلة نيابية مؤلفة من 35 عضواً، فمدّ الرجل يده إلى شركائه في الوطن، فجاء الجواب تعطيلاً لتشكيل الحكومة التي ترأسها “الشيخ”، قبل أن يُغلّف هذا التعطيل بتهديد يحذّر من مجرد التفكير باختيار رئيس للبرلمان غير نبيه بري !
في كانون الثاني من العام 2011 انقلب الحزب وحلفاؤه على اتفاق الدوحة وأطاحوا بزعيم السنّة، قبل أن يمنع بـ”قمصانه السود” إعادة تسمية الحريري رئيساً للوزراء مرة ثانية، ليأتي بعد أيام قليلة بنجيب ميقاتي رئيساً للحكومة، وكأن به يقول للسنّة “أنا أعيّن وأنا أُقيل ممثلكم ساعة … وكيف أشاء”.
وبين التعطيل والإقصاء أُجبر سعد الحريري على الهروب أو الهجرة القسرية، خوفاً من أن يلقّى مصيراً مشابهاً لمصير والده.
في منتصف العام 2013 استدرج “الحزب الإلهي” الشيخ أحمد الأسير إلى معركة خاسرة، وشرع بمعاونة الجيش اللبناني بقصف عبرا ومسجد بلال بن رباح بالمدفعية الثقيلة، قبل أن يعيد الكرة مرة أخرى مع عرسال، وبينهما احتلال مباشر لبلدة الطفيل واحتلال مقنّع لعشرات القرى الأخرى.
أما الثورة السورية فتلك قصة تحتاج مجلدات ومجلدات، خمس سنوات مرت وحسن نصرالله يخرج علينا كل يوم بخطاب يتحدث عن ضرورة الوقوف صفاً واحداً بوجه “الإرهابيين” و”التكفيريين” السنّة، ويرسل شبابه “الشيعة” لقتل وذبح السوريين بمباركة أجهزة الدولة، فيما تُفتح السجون على مصراعيها لكل مناصر للثورة اليتيمة !
لا يمكن معرفة وقّع كل الأحداث السابقة على نفوس شريحة بعينها إلا من خلال طرح الأسئلة بطريقة معاكسة. فعلى سبيل المثال ماذا كان سيحصل لو أن أحد زعماء الشيعة أو المسيحيين أو الدروز قد اغتيل، وخرج قائد الطائفة السنّية ليوجّه الشكر لقاتله؟ ماذا لو أن هذه الطائفة حاولت منع محاكمة قتلة هذا الزعيم أو ذاك؟
من يجرؤ من الأحزاب اللبنانية بخلاف “حزب الله” على المضي قدماً في حرب مدمرة ساعة وكيفما يشاء، على أن يوزّع شهادات في الوطنية والخيانة!
من ذا الذي يجرؤ على قتل عنصر واحد من عناصر “سرايا المقاومة” وليس استباحة مدينة أو حي أو شارع بكامله، وتمر الحادثة دون عقاب؟
لو أن السنّة على سبيل المثال فكروا وفي إطار اللعبة الديمقراطية بتغييب نبيه بري عن المشهد، والإتيان برئيس آخر للبرلمان، ترى ماذا كان سيحدث؟
ماذا كان سيحصل لو أن ميليشيات سنّية قامت بالتعاون مع الجيش اللبناني بقصف حسينية بهدف التخلص من رجل دين شيعي؟
ماذا لو أن السنّة دعموا السلطات البحرينية بالرجال والسلاح للقضاء على شيعة المملكة، كما يفعل الحزب مع بشار الأسد الذي يُبيد سنّة سوريا؟ ماذا كان سيحدث لو أن الطائفة السنّية شكرت معمر القذافي وأقامت له تمثالاً ورفعت له صوراً في كل زمان ومكان وكذلك فعل للرئيس العراقي السابق صدام حسين؟
الاعتدال صفة جيدة إذا ما قُوبل باعتدال مماثل، لكن حين يصار إلى استغلال هذا الاعتدال بالطريقة التي حدثت وتحدث في لبنان، يصبح حينذاك “اعتلالاً” يستوجب إعادة النظر في كيفية التعاطي مع تطرف “حزب الله”.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق