.............
أعلنت السعودية عن رؤية المملكة العربية السعودية 2030م، أي بعد حوالي 15 عاما، وطار المغردون والإعلاميون في هذه الرؤية حتى أن من يقرأ للتغريدات سيتوقع أننا أصبحنا الدولة الأولى بالعالم وأن أقرب دولة تلينا ستكون في مرتبة (9)، حيث نشغل الأماكن الثمانية الأولى بالعالم. وبالطبع نرحب بالرؤية وبنفس الوقت ندعو لتطويرها وتلافي أوجه قصورها.
دوماً الإنسان العربي عاطفي، تأخذه الحمية والحماس، كحماس المصريين في عهد عبدالناصر حين صنع صواريخ من ألمنيوم اسماهما الظاهر والقاهر، وكما صنع صدام حسين صواريخ سكود وأسماهما الحسين والعباس، فنحن قوم لا توسط بيننا، لنا الصدر بين العالمين أو القبر كما قال أبي فراس الحمداني. وإن لم نكن في الصدارة فيجب أن نوهم أنفسنا أننا بالصدارة. ونتناسى أوجه الخلل، بل إننا سنعمي عيوننا عن الخلل ونسمي القصور تميزاً.
الرؤية نظرياً وأكاديمياً:
قرأت الرؤية بنص كاتبيها والمسئولين عنها من أعضاء المجلس الاقتصادي الموقر، وبالمناسبة دوماً نؤكد بأن قيادتنا فوق النقد وإن أي نقد سوف يكون موجهاً لموظفي الدولة الذين هم تحت القيادة، لأن جل الأعمال من صنع أيديهم، والنقد الموضوعي البناء يجب أن يتم الترحيب فيه، فقد قبل رسول الله تغيير موقع الجيش الإسلامي في بدر لنصيحة صحابي كان مغموراً قبل تلك النصيحة حين بين لرسول الله أن الأصح هو أن يكون موقع جيش المسلمين عند آخر بئر في بدر لحرمان قريش من الموارد المائية، وقد فعل رسول الله بنصيحته وهكذا كانت من أعظم الاستشارات في تلك المعركة، فإن قبل رسول الله النصيحة فقيادتنا العظيمة ومستشاريها ووزرائها أحرى بأن يسيروا على نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم. لذلك فليتقبل أعضاء المجلس الاقتصادي حديثي معهم باعتباره مشورة وليس نقداً.
وقد درست الرؤية ووجدتها كلاماً إنشائيا رائعاً للغاية " سنؤمن" و"سنواصل" و"سندعم" و"سنطور" و"سنذلل" و"سنعمل" و" سنشجع" و" سنستثمر" و" سنزيد" و" سنسعى" وسنسهل" و"سنستمر" و "سنصبح" ..إلخ. لكنه لا يوجد أية ضمانات علمية تضمن تطبيق الرؤية للوصول إلى أهدافها المنشودة.
والسؤال هو: هل يوجد شيء اسمه الرؤية من ناحية أكاديمية؟ وكيف تكون الرؤية أكاديمياً؟
خذوا مثالاً على كيف تكون الرؤية:
https://www.mohesr.gov.ae/…/AboutT…/Pages/VisionMission.aspx
فالرؤية ليست خطة استراتيجية، كما أنها ليست بحثاً أو كتيباً من (82) صفحة.
فالرؤية جزء صغير من الخطة الاستراتيجية ويجب أن يسبقها تحليل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وفي البيئة الداخلية والبيئة الخارجية وأهم نقاط القوة والضعف، وسنعتبر أن المجلس الاقتصادي قام بشكل ما بمثل هذه الأمور، في العام الماضي، ثم تأتي الموازنة بين الإمكانات والقدرات والمسارات المرغوبة، ونجاعة كل منها، ثم تأتي تشكيل الرؤية، ويشترط بالرؤية أن لا تتجاوز عدة أسطر كأربعة أو خمسة أسطر في أقصى حجم لها أو أقل، ضمن الخطة الاستراتيجية التي قد تطول وقد تقصر بناء على حجم الخطة بين دولة ومؤسسة مالية ومدرسة وغير ذلك. على أن تصاغ العبارات للرؤية بطريقة قصيرة وواضحة تصف مستقبل أفضل وتعبر عن الحلم المستقبلي الذي تريد أن تصل إليه.
فالرؤية هو أن تتصور أو تحدد تاريخاً محدداً مثل عام 2030م وتحدد شكل المؤسسة أو الدولة أو الشركة أو أي مجال تريد أن ترى مؤسستك أو دولتك أن تكون في تلك الصورة التي حددتها الرؤية في ذلك التاريخ وفي أوجز الكلمات، وليس في كتاب.
ثم تلحق بالرؤية الرسالة وهي شرح أكثر توضيحاً للرؤية. ويجب أن تكون الرسالة معبرة مقنعة بليغة مستندة على الرؤية اعلاه ومستمدة منها وشارحة لها، أي أوسع منها.
ثم تأتي الأهداف الاستراتيجية التي تفقط الخطة الاستراتيجية في أهداف تسعى لتحقيقها. وتصاغ بذكاء ووضوح وبطريقة يمكن قياس مستوى النجاح في تحقيق تلك الأهداف من عدمها وكم نسبة ما تحقق.
مثل هذه الخطة تقريباً بل يجب أن تكون أشمل:
http://www.dubai.ae/…/AboutDubaieGovernme…/Pages/Vision.aspx
بعد فقرة الأهداف يفترض أن يكون هناك تحديد للإجراءات التي تريد من خلالها تحقيق كل هدف من الأهداف، بمعنى نحن لا يهمنا الرؤية بشموليتها أثناء التطبيق بل يهمنا تحقيق أهداف الخطة الاستراتيجية ووضع عمليات اجرائية لتحقيقها، وقد تكون تلك الإجراءات مشاريع أو قرارات أو إعادة هيكلة، أو برامج، أو تطوير لمنحى معين. للوصول إلى تحقيق الهدف.
ويتبع ذلك خطة عمل تنفيذية لكل برنامج أو مبادرة أو مشروع وخطة عمل زمنية وإجرائية ومؤشرات لقياس مدى تحقق تلك الأهداف، أو كما يقال أكاديمياً لكل مبادرة أو مشروع خطة عمل تنفيذية يحدد فيها من يعمل؟ وماذا يعمل؟ ومتى سيفعل كل بند من بنود الخطة؟ ومتى ينتهي؟ وعبر نماذج محددة ومعدة.
هكذا هي الخطة الاستراتيجية علمياً (أكاديمياً) وما الرؤية إلا بضع عشرة كلمة من بين 50 صفحة ضمن الخطة الاستراتيجية، والمجلس الاقتصادي حين أتانا بالرؤية التي لا تزيد عن كلمات انشائية براقة وفضفاضة في 82 صفحة فإنه أتانا بعلم جديد لا يعرف على مستوى الجامعات والحكومات والشركات الكبرى والصغرى في العالم، وهو مجرد كلام انشائي. بل إن الرؤية أخرجت على عجل بحيث لم يتسنى للمجلس الاقتصادي إيضاح تلك الرؤية في بعض أهم بنودها وهي مسألة بيع أرامكو، ولذلك فمن ناحية نظرية أرجو ألا يكون ما فعله المجلس الاقتصادي محرجاً للحكومة السعودية على مستوى العالم حاضراً ومستقبلاً، ببعده عن الروح الأكاديمية والخطط الاستراتيجية المتعارف عليها، لأن المفترض أنهم أخرجوا لنا خطة استراتيجية. وليست مجرد رؤية مجردة من الأهداف والاجراءات التنفيذية والاجرائية.
نقد الرؤية من زاوية تاريخية:
الرؤية المعلنة تغير تاريخنا السعودي وتقلبه رأساً على عقب، وكأن العلم الذي يمتلكه أعضاء المجلس الاقتصادي أكثر حكمة وعلماً وفهما من ملوكنا منذ تأسيس المملكة، واكتشاف البترول، ومن نحن بأكاديميينا ومؤسساتنا الاقتصادية لنكون أفضل ممن أسسوا وأداروا بلادنا أكثر من قرن من الزمان:
• هل لنا أن نتصور كم انتظر الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود رحمه الله تفجر أول بئر بترول سعودي وتأسيس شركة أرامكو؟ هل نعلم كم ساهمت أرامكو في تأسيس هذا البلد وبنائه وبناء مؤسساته؟. انها محبوبتنا الأثيرة " أرامكو" وتستحق قصائد شعرغزلية، وأرجو ألا نجد شعراءنا ينشدون فيها قصائد الرثاء على وقع رقصات "صلولي دانص" للأثرياء التي سيتملكونها. إن عمرها على الأقل في عمر التنمية في بلادنا.
• هل ننسى ما قاله أبو متعب رحمه الله حين قال: " الله يطول بعمره ! قيل من ؟ قال البترول..!".
• هل ننسى كم تعب الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله بخبراته وتجاربه السياسية والاقتصادية والتنموية، وهو من قامات عصره سياسة واقتصاداً ودهاء، مع أرامكو ليخرج ملاكها القدامى من البلاد ويمتلك "أرامكو سعودية" دون تغيير اسمها؟! .
- ليس لدي حسابات، ولا أرقام ! ولكني أجزم أنه لو اجتمع الاقتصاديون ليقيموا كم دفع الملك الراحل رحمه الله فهد بن عبدالعزيز آل سعود من جهده ووقته ومال الدولة حاضراً في ذلك الوقت ومستقبلاً حتى يومنا هذا، كي نمتلك أرامكو فلن ابالغ إذا قلت أننا دفعنا قريب من ترليوني إلى ثلاثة ترليونات دولار في سبيل أن نمتلك الشركة. والحساب يجب أن يهتم بكم من أموالنا تم رصدها في أمريكا كاستثمار الزامي للتخلص من ملاك أرامكو الأمريكيين أو شركائنا السابقين، في حسبة اقتصادية حيال تفاصيل الاتفاق سنجد أننا دفعنا غالي الثمن كي نمتلكها، فكيف نفرط في ملك الأجيال.
- جهود جبارة لا حدود لها، مفاوضات شاقة مع أكبر سبع شركات أمريكية أن تخرج من بلادنا ومن أرامكو مقابل امتلاكنا لهذه الثروة، ثم يقول المجلس الاقتصادي سنبيع أرامكو مقابل ترليوني دولار. لقد ألقى المجلس الاقتصادي الآن صخرة عظيمة في بركة راكدة، وترك الأمر معلقاً، وهو أمر خطير أن يمتلك المجلس الاقتصادي القوة إلى هذا الحد ليقول كلمة تهم 22 مليون سعودي.
- أين جهود أعضاء المجلس الاقتصادي في القضاء على البطالة وهي أكبر مشكلة تواجه الوطن من كل الوجوه، حتى أن الرؤية برمتها في كفة وحل هذه المشكلة في كفة أخرى.
أرجو أن يتقبل المجلس الاقتصادي رأيي كمجرد رأي، فأنا للتذكير رجل فقير ليس لدي رساميل مالية مثلكم، ولا أفكر في شراء أسهم أرامكو كالأثرياء، أنا في الامارات بلا راتب من الدولة- حفظها الله-وبلا راتب من التقاعد حتى الآن ومنذ تقاعدت نظراً للبيروقراطية القاتلة التي تعيشها أجهزة الدولة، كما أنني دونما عمل في الامارات، بينما أعضاء المجلس الاقتصادي يقبضون مرتبات فلكية الله أعلم بها ولا توجد شفافية لنرى كم أرصدتهم وكم مرتباتهم، ومع ذلك يقررون بأمور تهم شعب بأكمله دون استبيانات أو طرق علمية، فرأيي المجاني أقدمه لهم ولصاحب القرار بالمملكة العربية السعودية وعلى رأسهم مليكنا الذي نحبه سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وولي عهده الأمين المحبوب الأمير محمد بن نايف آل سعود وولي ولي العهد الأمير الشاب محمد بن سلمان آل سعود والأسرة المالكة الكريمة الغالية والشعب السعودي الحبيب، ليس إلا لأني (مَلَكيٌ أكثر من الملك نفسه)-كما يعايرني بذلك دوماً أتباع الإخوان المسلمين- فإن أصبت النصيحة فها هي لله ولرسوله وللقيادة السعودية التي نحن على الولاء والمحبة والسمع والطاعة لها، وكذلك للمؤمنين، وإن أخطأت فما أنا إلا بشر فرد واحد بين 22 مليون سعودي أخطأ فما الذي يضير إن أخطأ. وقد كان كم أصاب وكم أفادت نصائحه للوطن.
مناقشة الرؤية :
بيع أرامكو: اشتريناها بأكثر من ترليوني دولار، فكيف نبيعها ولو بعشرة ترليون دولار؟ ولماذا بالأصل نبيعها وهي أجمل من يبيض المال في عصرنا، إنها شركة عابرة للقارات، فامتلاك شعب من 22 مليون نسمة مع حكومته خير من أن يمتلكها جلها أو جزء منها 100 ثري سيتحكم في ارزاقنا غداً، مع كل الاحترام والتقدير للقيادة ممثلة بالملك وولي العهد وولي ولي العهد؛ فالعين لا تعلى على الحاجب، ولكن السؤال موجه لمن هو دونهم بالمجلس الاقتصادي؟ أهم أفهم بالسياسة والاقتصاد من رؤية الملك فهد بن عبدالعزيز؟ أرامكو شركة ريعها يتخطى قيمتها، ونتساءل إذا كان ملاك أرامكو الجدد سيستولون على البترول بطريقة أو بأخرى بعد أن يخنقوا الدولة والشعب؟ أو سيضعون شروطهم على الدولة فيسلبوا منا ضياء عيوننا، والمافيات المالية نعرفها وجربناها، جبروت لا يرحم.
ولو افترضنا أن هناك عائلة لديها نياق وشياه وبقر ودجاج، وكانوا في مستعمرة يأكلون من لحمها وألبانها وجبنها وزبدتها وبيضها، آناء الليل وآناء النهار، فعرض على تلك العائلة أن يبيعوا الإناث البقر والنياق، والنعاج والدجاج، ويترك لهم البيض ولحوم ذكور الحيوانات يقتاتون منها، مع عملة ورقية اسمها الدولار يكدسونها في مخازنهم، وهكذا استنفذت العائلة ما لديها من لحم ذكور الحيوانات والألبان والأجبان والبيض المخزنة، ثم واجهوا الحقيقة أنهم على شفا الإفلاس. ومن ثم استنفذت أوراق الدولار في أيام قليلة لأن المشتري رفع أسعار كل شيء واستعاد كل دولار سبق أن أخذته منه العائلة، أفلو كانت الإناث الولاَّدات لهم ومعهم ألن يستمر الخير بين أيديهم، ولو قال قائل لم يبيعوا إلا خمسة بالمائة، والتي في الواقع قد ترتفع مع الوقت إلى 25%، إن مجرد بيع شركة عابرة للقارات تعتبر أمر عظيم وخسارة لا تطاق.
بيع أرامكو إذا المجلس الاقتصادي يعي ما يفعل لسنا بحاجة إليه، فلدينا من الأموال في الخارج (2.7) ترليون دولار، ولدينا في الداخل بين (4-5) ترليون دولار، فما الذي يدعونا ونحن نمتلك بين (7-8) ترليون دولار نبيع أرامكو لنضم إليها الثمانية + ترليونين لتصبح عشرة؟! .
يقول ابن زريق البغدادي:
لا تَعذَلِيه فَإِنَّ العَذلَ يُولِعُهُ قَد قَلتِ حَقاً وَلَكِن لَيسَ يَسمَعُهُ
تأبى المطامعُ إلا أن تُجَشّمه للرزق كداً وكم ممن يودعُهُ
وَما مُجاهَدَةُ الإِنسانِ تَوصِلُهُ رزقَاً وَلادَعَةُ الإِنسانِ تَقطَعُهُ
قَد وَزَّع اللَهُ بَينَ الخَلقِ رزقَهُمُ لَم يَخلُق اللَهُ مِن خَلقٍ يُضَيِّعُهُ
لَكِنَّهُم كُلِّفُوا حِرصاً فلَستَ تَرى مُستَرزِقاً وَسِوى الغاياتِ تُقنُعُهُ
وَالحِرصُ في الرِزقِ وَالأَرزاقِ قَد قُسِمَت بَغِيُ أَلّا إِنَّ بَغيَ المَرءِ يَصرَعُهُ
وَالدهرُ يُعطِي الفَتى مِن حَيثُ يَمنَعُه إِرثاً وَيَمنَعُهُ مِن حَيثِ يُطمِعُهُ
رُزِقتُ مُلكاً فَلَم أَحسِن سِياسَتَهُ وَكُلُّ مَن لا يُسُوسُ المُلكَ يَخلَعُهُ
وَمَن غَدا لابِساً ثَوبَ النَعِيم بِلا شَكرٍ عَلَيهِ فَإِنَّ اللَهَ يَنزَعُهُ
نعم وأرجو أن هذه المحبوبة أرامكو ألا نبكيها ونقول فيها :
اِستَودِعُ اللَهَ بـ[الظهران] لِي قَمَراً [قد كان] مِن فَلَكِ الأَزرارَ مَطلَعُهُ
وَدَّعتُهُ وَبوُدّي لَو يُوَدِّعُنِي ترليون دولار وَأَنّي لا أَودعُهُ
وَكَم تَشبَّثَ بي يَومَ الرَحيلِ ضُحَىً وَأَدمُعِي مُستَهِلّاتٍ وَأَدمُعُهُ
لا أَكُذبُ اللَهَ ثوبُ الصَبرِ مُنخَرقٌ عَنّي بِفُرقَتِهِ لَكِن أَرَقِّعُهُ
واتساءل يا ترى هل سيأتي يوما قريب أم بعيد ونقول فيه صيحة ابن زريق:
كَم قائِلٍ لِي ذُقتُ البَينَ قُلتُ لَهُ الذَنبُ وَاللَهِ ذَنبي لَستُ أَدفَعُهُ
أَلا حفظتَ فَكانَ الرُشدُ أَجمَعُهُ لَو أَنَّنِي يَومَ بانَ الرُشدُ اتبَعُهُ
إِنّي لَأَقطَعُ أيّامِي وَأنفقُها بِحَسرَةٍ مِنهُ فِي قَلبِي تُقَطِّعُهُ
بِمَن إِذا هَجَعَ النُوّامُ بِتُّ لَهُ بِلَوعَةٍ مِنهُ لَيلى لَستُ أَهجَعُهُ
لا يَطمِئنُّ لِجَنبي مَضجَعُ وَكَذا لا يَطمَئِنُّ لَهُ مُذ [بِعتُ] مَضجَعُهُ
ما كُنتُ أَحسَبُ أَنَّ الدهرَ يَفجَعُنِي بِهِ وَلا أَنَّ بِي الأَيّامَ تَفجعُهُ
حَتّى جَرى البَينُ فِيما بَينَنا بِيَدٍ عَسراءَ تَمنَعُنِي حَظّي وَتَمنَعُهُ
قَد كُنتُ مِن رَيبِ دهرِي جازِعاً فَرِقاً فَلَم أَوقَّ الَّذي قَد كُنتُ أَجزَعُهُ
بِاللَهِ يا مَنزِلَ العَيشِ الَّذي دَرَست آثارُهُ وَعَفَت مُذ بِنتُ أَربُعُهُ
هَل الزَمانُ مَعِيدُ فِيكَ لَذَّتُنا أَم اللَيالِي الَّتي أَمضَتهُ تُرجِعُهُ
فِي ذِمَّةِ اللَهِ مِن أَصبَحَت مَنزلَهُ وَجادَ غَيثٌ عَلى مَغناكَ يُمرِعُهُ
مَن عِندَهُ لِي عَهدُ لا يُضيّعُهُ كَما لَهُ عَهدُ صِدقٍ لا أُضَيِّعُهُ
وَمَن يُصَدِّعُ قَلبي ذِكرَهُ وَإِذا جَرى عَلى قَلبِهِ ذِكري يُصَدِّعُهُ
لَأَصبِرَنَّ على دهر لا يُمَتِّعُنِي بِـ[أرامكو] وَلا بِيَ فِي حالٍ يُمَتِّعُهُ
عِلماً بِأَنَّ اِصطِباري مُعقِبُ فَرَجاً فَأَضيَقُ الأَمرِ إِن فَكَّرتَ أَوسَعُهُ
عَسى اللَيالي الَّتي أَضنَت بِفُرقَتَنا جِسمي سَتَجمَعُنِي يَوماً وَتَجمَعُهُ
وَإِن تُغِلُّ أَحَدَاً مِنّا مَنيَّتَهُ فَما الَّذي بِقَضاءِ اللَهِ يَصنَعُهُ
ارجوكم لا تجعلونا نبكي أرامكو إنها نعمة من نعم الله لتنمية دولة لـ(22) مليون سعودي وليست لمجموعة من الأثرياء المضاربين.
ملوكنا عبدالعزيز وابناءه أولوا هذا الصرح الشامخ كل عنايتهم فكيف نفرط فيه من أجل ورق عملة خضراء لو سقطت أمريكا خلال سنتين أو خمس سنوات وهي ساقطة لا محالة كما سقط الاتحاد السوفييتي ومتفككة لدويلات، فسنحرق الورق الأخضر كونه لا قيمة له، حديثي ليس عاطفياً، بين معشوق ومعشوقته أرامكو لأني ما دخلتها يوماً، وإنما أعرف قيمتها التي قيمها فيه الملك عبدالعزيز وسعود وفيصل وفهد وعبدالله رحمهم الله، ولن يكون سلمان حفظه الله بأقل منهم وهو ملك التاريخ.
الاستثمار محفوف بالمخاطر، بينما أرامكو أصول يجب المحافظة عليها، وأما موضوع الشفافية فلنطور نظام الشفافية دونما بيع جزء أو كل منها، لسنا محتاجين لأية مبالغ تجعل المافيات العالمية تشاركنا بأموال الدولة والشعب. وربما تحكمت بقرارات الشركة وأضرت بمصالح الدولة لصالح حفنة من الأثرياء المحليين والدوليين.
القرار خطير خطير وعلينا تأجيله، ثم دراسته، ثم تأجيله، ثم دراسته، ثم الغاءه، لأنه بالتأكيد نذير فقر وشؤم وخراب ينتظر الأمة. سنفقر شعبا كاملا ليثري الأثرياء ويزدادوا ثراء.
أتساءل: حول الخطة الاستراتيجية لماذا تجاهلناها، واكتفينا بالرؤية؟ هل لكي حين تفشل الرؤية نقول إننا لم نضع رؤيتنا ضمن خطة استراتيجية؟! هل نحن بذرنا أسباب الفشل منذ الآن في الموضوع؟! فالرؤية مجرد كلام عائم لا خطة فيه ولا أهداف أو مشاريع أو اجراءات تنفيذية، أهو سحر بياني ليس إلا؟! لماذا لم تطبق الخطط الاستراتيجية المعترف فيها أكاديمياً..! وتعمل من خلالها شركات عابرة للقارات أغنى من دول وتعمل بها حكومات ودول، أرجوكم لا تجعلونا بعد عشر سنوات سخرية للعالم فأعيدوا دراسة الرؤية مرة وألف مرة لأنها خطر مستقبلي عظيم على مملكة آل سعود.
ذهلت أن بعض المغردين يتحدثون ضمن الرؤية عن رفع أسعار الكهرباء والماء، والسبب الانتقام من الأمراء والوزراء والأثرياء، من قال أننا في هذه الأمة المتراحمة نبحث عن الانتقام، عشرات ومئات الأغنياء لديهم صدقات وزكوات تغني عشرات آلالاف الفقراء، وبغض النظر عن هذا الأمر يبقى السؤال الأهم:
إن كنتم تزيدون الأسعار على الوزراء والأثرياء والأمراء وحدهم وتخفضون أسعار الماء والكهرباء على الفقراء ومتوسطي الدخل، فنعم القرار..! أما إن كان المجلس الاقتصادي سيزيد فاتورتي الماء والكهرباء على الجميع فقراء وأغنياء فلا تهلكون الفقراء ومتوسطي الدخل بدعوى الانتقام من الأثرياء، لأنه سيكون بمقدور أحدهم أن يتوقع أن هناك فرد من أفراد المجلس الاقتصادي من قرر أن يدخل هذه الفكرة ليؤسس لثورة من ثورات الربيع العربي قريبا جداً لا قدر الله في بلادنا، وكمن دس السمن بالعسل.
لا تستعجلون بالعتب علي، فالرؤى تختلف ولكن يبقى الود بيننا فنحن نستمد قوتنا في طرحنا من الرؤية نفسها، حيث استهلت الحديث بالشفافية وحرية الرأي وكما أكد على ذلك ولي ولي العهد جازماً في أن الشفافية أمر مهم ومطلوب ومطبق، ونحن نقدم رأياً مجانياً وإن خالف أعضاء المجلس الاقتصادي فليتمعنوا فيه لعل فيه خيرا كثيرا.
حين أرفع سقف المعتمرين من 8 مليون إلى ثلاثين مليون معتمر وفق الرؤية، سترتفع اسعار الفنادق في مكة والمدينة وسيكون بقدرة الصيني والاندونيسي المسلم أن يقيم في مكة ثلاثة اشهر في أغلى الفنادق بينما سيكون الفرد السعودي غير قادر على العمرة إلا من خلال التلصص أي سيأتي بعد المغرب ويخرج قبل الفجر لأنه لن يجد مأوى يؤويه وذويه، ولو قال أحد أعضاء المجلس الاقتصادي الأعلى كيف؟ أقول له باختصار أنتم أعطيتم أكبر مشكلة تواجه الناس وهي البطالة جانباً ليس ثانوياً فحسب فياليتكم أعطيتموه الجانب الثانوي، بل إنكم لم تعطوه أي اهتمام للأسف؛ وبهذا فسيكون الشباب والشابات غير موظفات، وبهذا فلن يستطيعوا أن يسكنوا قرب مكة ولا حتى في قراها ولا بزرائب من زرائبها في الأحياء التي يسكنها الآن النيجيريون والمتخلفين عن العودة من الحج، إلا أن يعتمروا ويخرجوا في ساعتهم، وبلباس العمرة، في حين ستمنحون الفنادق لأثرياء العالم. فأين التوازن؟! في هذه الرؤية. اعطوا البطالة حقها أولاً قبل أن تدخل المسلمين الأثرياء لمكة وتمنعني منها، فقط ساوني كسعودي فيهم، اجعلني أسكن الفنادق التي يسكنها الأثرياء.
وليس العجيب أن الرؤية تعطي السياحة والمتاحف والسواح أهمية أكبر بأضعاف من مسألة البطالة فحسب، بل الأعجب اعطيتم الترفيه أولوية على البطالة، فكيف يرفه السعودي والسعودية أولاده وهو عاطل عن العمل؟! ، ركزت الرؤية على انشاء 450 نادي هواة، فكيف يرتادها من لا يملك المال ولا الوظيفة؟! أم أن الرؤية تهتم بالصرف والبناء ثم تترك خاوية لا يرتادها أحد؟ أم أنها ستقتصر على الذوات والأثرياء؟!.
عجبت أن أكبر طموح للرؤية هي أن تقضون على نسبة من البطالة، بما يعادل (4.6%) أي بدلا من (11.6%) ستكون بعد خمسة عشر عاماً (7%) فلماذا عجزتم عن حل هذه القنبلة الموقوتة على صعيد سياسي واجتماعي واقتصادي؟! أراهن أني سأقضي على 8% منها خلال سنتين لو كنت من أصحاب القرار.! ولن انتظر حتى 15 سنة لأقضي على ثلث البطالة؟ أم أن وجود البطالة أمر مرغوب عند البعض؟! أمر في منتهى الغرابة!! .
إن رفع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل من 22% إلى 30% خلال 15 عاماً أمر قليل، أعتقد أنه لو فُصِلت المرحلة الابتدائية إلى مرحلتين الأولية (الصفوف الثلاثة الأولى) لضمها لتدريس البنات في صفوف لا يختلط البنين بالبنات، عن المرحلة العليا (الثلاثة الصفوف العليا رابع وخامس وسادس) بدون اختلاط الأطفال، إنما المعلمات النساء يدرسن الصفوف الثلاثة الأولى للذكور فقط ، فسنرفع ربما نسبة مشاركة المرأة إلى 40% في عام واحد، وسنقضي على البطالة فيما يخص النساء ، ولا يقول أحد ما في ظل الحديث عن قيادة المرأة للسيارة وهو مرفوض شعبياً أن القضية عليها اعتراض فالشرع لا يعترض على تدريس النساء للأطفال الذين لم يبلغوا الحلم. وسنستفيد من هذا القرار كجزء منه بالقضاء على البطالة، ونرفع نسبة مشاركة النساء بسوق العمل، وأنصح هنا ليس بالضرورة أن نعمل في قراراتنا ليعمل الشباب السعودي عمالاً وبناتنا شغالات، انسوا هذه الطبقية، فسويسرا كدولة غنية لأثرياء اليهود لا يعمل أحد منهم في أعمال متدنية، بل يعمل بالأعمال المتدنية شعوب شمال ووسط دول أفريقيا بينما ينعم السويسريون بالثراء، ونحن قادرون على منح شعبنا سبل الراحة، وترك الأعمال الأخرى لشعوب تحتاج لتلك الأعمال، ولنجعل سويسرا والامارات العربية المتحدة مثالاً أعلى لنا نحتذيه. خاصة أن اقتصادنا باعترافكم في الرؤية هو أكبر اقتصاد بالشرق الأوسط، وأن الناتج المحلي يقدر سنويا بـ (2.4) ترليون ريال، فدولة في مثل هذه القوة الاقتصادية كيف يكون فيها عاطلاً واحداً له رغبة في العمل؟! وكيف ولماذا ننتظر 15 سنة كي تنجزون 4.6 % من البطالة؟!.
دعوني أمازح زملاءنا أعضاء المجلس الاقتصادي وأنا أعلم أن دمي ثقيل عليهم أثقل من زيت أرامكو الثقيل: رسول الله يقول" أعمار أمتي بين الستين والسبعين" وأنتم تريدون زيادة أعمار أمة محمد صلى الله عليه وسلم ليرتفع بين 66 إلى 76 سنة بل العجب أنكم تطمحون أن يمتد أعمار أمة محمد إلى الثمانين(80 سنة كمعدل متوسط)، ان ارتفاع اعمار السعوديين إلى 66 سنة في معدل الحديث النبوي الذي لا ينطق عن الهوى، أما قولكم هذا فكأنكم تريدون أن تسنون لنا أعماراً غير ما قدرها الله لأمة محمد، ونحن هنا نتحدث عن العموم والغالبية وليس للبعض أو للقلة المرفهة. في الحقيقة ورد في بالي أن لدى المجلس الاقتصادي اكتشاف رهيب اسمه إكسير الحياة، لكني حقيقة حمدت الله أن عثمان العمير ليس ضمنكم، وإلا لا تهمته بأنه أزلق الرؤية بشيء أكبر من قدرتها، ولو كنتم جادين لوضعتم النسبة العليا بالحديث (70 سنة) كي فعلاً تتماشون مع إرادة الله وكلام رسول الله.
أما حكاية رفع مستوى جامعاتنا لتصبح خمسة منها بمستوى أفضل 200 جامعة في العالم فعليكم أن تنسوا هذا لأنكم تبحثون عن المستحيل، فجامعاتنا معظم أكاديميينا وأقول معظم من الإخوان المسلمين، وجامعات بها الإخوان المسلمين لا يمكن أن تصل إلا إلى آخر 200 جامعة بالعالم، فهم كسالى، نائمين متراتبين وفق الأقدمية يقتلون الإبداع والمبدع، ويحاربون كل المميزين فكيف تتميز جامعاتهم؟! إلا في حالة واحدة، أن تقوموا بتنقية خمس جامعات سعودية بحيث لا يطأ حرمها من يؤمن بفكر الإخوان المسلمين ثم تشجعون تلك الجامعات الخمس كي تنافس فستحصلون على الأرجح على نتيجة.
سعُدت جدا بشفافية الأمير محمد بن سلمان بالاعتراف بأن الفساد موجود، وأن هيئة مكافحة الفساد وإن لم يقلها هي هيئة فاشلة في استئصال ولو الحد الأدنى بما يمكن أن يصل إلى 10% من مستوى الفساد في البلد، وعليه فكيف يمكن لنا تطبيق الانتقال من مركز (80) إلى مركز(20) في فاعلية الحكومة مالم تُفعَّل هيئة مكافحة الفساد بقوة تستأصل افراد الفساد وطرق الفساد، ولذلك وقبل أن نبدأ في هذه الرؤية من المهم أن تكون هيئة مكافحة الفساد قوة ضاربة وبكثير من الجعجعة كي ترهب المافيا المالية الرهيبة والمتنفذة.
أعتقد أننا بحاجة إلى كل هذه الأمور وأهمها: تحويل الرؤية إلى خطة استراتيجية، فالرؤية حلم وكلام فضفاض وتصور لا قيمة له، أما الخطة الاستراتيجية فهي رؤية وحلم ورسالة وأهداف دقيقة محددة يتم السعي لتحقيقها من خلال خطط وإجراءات تنفيذية وقرارات وبرامج ثم وسائل متابعة وقياس لنرى الحلم واقعاً رأي العين.
لا يعني هذا أني ضد التطوير لكني اتمنى أن يكون بأسلوب علمي أكاديمي، نفخر به أمام العالم ولا نجعل الآخرين يلمزون علينا بنوع من السخرية، أن يكون من خلال خطة استراتيجية متكاملة دقيقة يتم عرضها على بيوت خبرة ألمانية ويابانية قبل اقرارها، ولا يعني أننا يجب أن نلغي الرؤية، فلتمض لأنها مجرد رؤية لكنها لا تغني مطلقاً عن الخطة الاستراتيجية ، وإن يشارك العلماء والخبراء بالسعودية وأن تقر من قبل بيوت خبرة ألمانية ويابانية خصيصاً لأنه لا ثقة بأي بيوت خبرة فرنسية أو بريطانية أو أمريكية لما تحمله من الخداع والغش المتعمد لنا، فستكون خطتنا كما هو طموح الملك وولي عهده وولي ولي عهده تناطح الشمس وتعتلي فوق السحاب.
أقدم رايي المتواضع حبا بوطني وقيادتي وأعلم أن كلامي ثقيل لا يطاق ولا يرغب الكثير من المسئولين سماعه، لكنه أمانة حملنا اياها الله سبحانه من جهة، وهي ثمار بيعتنا للملك وولي عهده وولي ولي عهده حفظهم الله وسدد على طريق الخير والحق خطاهم، بأن بايعناهم على كتاب الله وسنة نبيه وهذين فرعي الشريعة يشترطان النصيحة للقيادة وخدمتها في المكره والمنشط وعليه فقد القيت الحمل من عاتقي بما علمني الله، فإن شئتم خذوا فيها وإن شئتم أهملوها فقط أريد أن انجو يوم الحساب كي لا يقول لي ربي : علمك ماذا فعلت به؟. وأؤكد أني على العهد والوعد مبايعاً سامعاً ومطيعاً لقيادتي بعد الله وشرعه.
اللهم هل بلغت ؟! اللهم فاشهد.!
د. صالح السعدون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق