الأحد، 13 أكتوبر 2019

حقيقة حال سيف بن عمر التميمي د. خالد الغيث

ترجع صلتي بالأخباري سيف بن عمر التميمي ، إلى سنة 1407هـ ، عندما كنت في البدايات الأولى لمرحلة الماجستير ، حيث كان موضوع رسالتي (استشهاد عثمان رضي الله عنه ووقعة الجمل ، في مرويات سيف بن عمر ، بتاريخ الطبري ، دراسة نقدية ) وهي تطبيق لمنهج المحدثين على الروايات التاريخية . هذا وترجع أهمية مرويات سيف بن عمر إلى عدة أمور ، منها أنه من أوائل الأخباريين – وليس الوحيد كما تزعم الرافضة - الذين تنبهوا إلى دور اليهودي عبد الله بن سبأ ، في الفتنة ، التي اشتعلت أيام عثمان وعلي رضي الله عنهما . لذا فإنه من حق القارئ الكريم معرفة حقيقة هذا الرجل عن قرب .
وفي هذا المقام أقدم للقراء الكرام دراسة موجزة عن سيف بن عمر ، بقلم محدث نحرير هو فضيلة الشيخ الدكتور / أحمد معبد .

خلاصة القول في حال سيف بن عمر التميمي
للمحدث أ . د . أحمد معبد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود (سابقاً) وجامعة الأزهر
خلاصة القول في حال سيف بن عمر ما يلي :


1- أ ن اتهام سيف بالزندقة ليس في محله.

2- أنه ليس من هؤلاء النقاد من وصف سيفاً صراحة، "بالكذب" ولا من وصفه بأنه "متهم بالكذب".
نعم إن الوصف بوضع الحديث يتضمن الوصف بأشد أنواع الكذب، وهو الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولم نجد من هؤلاء النقاد من صرح بوصف سيف بوضع الحديث إلا ابن نمير، ثم السيوطي، ولكن لم يقدما ولا غيرهما دليلاً معتبراً على ذلك.
وأيضاً قول ابن حبان: "كان يروي الموضوعات عن الأثبات" فهو وإن أشار إلى الاتهام بالكذب، كما قدمت، لكن ليس فيه تصريح بذلك، كما أنه لم يقدم لا هو ولا غيره، دليلاً معتبراً على ذلك، وهو في موقف البيان.
وسيأتي تقرير الحافظ ابن حجر أن ابن حبان أفحش القول في سيف، ومن باب أولى يقال هذا لمن وصفه بوضع الحديث، كما أسلفت.

3- أن النقد المصرح به من كل من العقيلي وابن عدي يرجع إلى ضعف ضبط سيف لمروياته الحديثية فقط، دون تعرض لروايته التاريخية وهي الأكثر والمعول عليه فيها غير واحد من النقاد، كما أنه لا مساس بعدالته الدينية.

4- أن الإمام الفسوي قد انفرد من بين النقاد السابقين، بوصف سيف بما يقتضي شدة ضعف مروياته عموماً، الحديثية وغيرها، ولكن لم يقدم دليلاً معتبرا لذلك.

5- أن من وصفه بأنه "متروك" وهو الدار قطني، وما في حكم ذلك وهو قول ابن معين في رواية بأن "فلساً خيراً منه"، وقول أبي حاتم: "متروك الحديث" فقد جاء عن هؤلاء أنفسهم ما يعارض ذلك، وهو وصف كل منهم لسيف مرة أخرى بمجرد الضعف، وهو أخف من الترك.
كما أن الدار قطني قد اعتمد عليه في الروايات التاريخية بكثرة، ورجحه على ابن إسحاق في بعضها كما تقدم، وكذا قول النسائي وابن السكن: إنه "ضعيف" وقول أبي زرعة: "ضعيف الحديث".
وبذلك يصبح قول أبي داود السجستاني: بأن سيفاً "ليس بشيء"، وقول الحاكم: "إنه ساقط في رواية الحديث" وقول الفسوي بما يقتضي ترك مرويات سيف عموماً، كل ذلك، خلاف قول الأكثرين.

وقد قال فيه أبو حاتم كما سبق، والذهبي ومن بعده: إنه كالواقدي، وزاد الذهبي: كان أخباريا عارفا. (الميزان للذهبي 2/ ترجمة 3637 والجرح والتعديل 3/278).
والأخباري كما ذكر الحافظ ابن حجر: من يشتغل بالتواريخ وما شاكلها
من الوفيات والمواليد والحوادث والوقائع والخلافة والولايات والاستيلاء على البلاد واستخلاصها، والأمور العجيبة والأحوال الغريبة. (نزهة النظر مع شرحها للملا علي قاري ص 16).
وما تقدم من مؤلفاته يطابق ذلك.
وقد قرر الذهبي كما ترى أنه كان عارفاً بهذا ومعناه أن اشتغاله وعنايته بهذا الجانب كان أكثر من عنايته برواية الأحاديث وضبطها، فكان لهذا أثره في ضعف ضبطه للروايات الحديثية.
ولكن تشبيه ابي حاتم والذهبي لسيف بالواقدي إجمالاً مع قول الذهبي: "انعقد الإجماع على وهنه"
يقتضي التضعيف الشديد لسيف ولمروياته عموما. (ميزان الاعتدال للذهبي 4/666).
غير أن الحافظ ابن حجر يخالف الإمام الذهبي في هذا، فذكر خلاصة حال سيف، ودرجة مروياته مع الإشارة لتشدد من يخالف ما قرره، فقال في سيف في التقريب: "ضعيف الحديث، عمدة في التاريخ، أفحش ابن الحبان القول فيه". (تقريب التهذيب لابن حجر، ترجمة 2724).
وقد طبق الحافظ ابن حجر فعلاً الاعتماد على كتاب سيف في الردة والفتوح، وذلك في الروايات التاريخية خلال كتابه "الإصابة في تمييز الصحابة" وبلغت المواضع التي أحال عليه فيها (263) موضعاً بحسب إحصاء الدكتور شاكر عبد المنعم. (ابن حجر العسقلاني، مصنفاته ودراسة منهجه، وموارده في الإصابة للدكتور شاكر عبد المنعم 2/111).
وعليه يكون ما يرويه سيف من الأحاديث النبوية يعتبر ضعيفاً بسبب ضعف ضبطه للروايات الحديثية، لانشغاله بالتاريخ، لكنه ضعف قابل للانجبار بما يعضده من متابع أو شاهد كما هو معروف، وذلك إذا لم يكن في الحديث علة أخرى من جهة غيره، كحديث "معلموا صبيانكم.."


أما رواياته التاريخية فإنه يحتج بها فيما ينفرد به لاعتنائه بضبطها ومعرفتها ، كما تقدم، وذلك إذا لم يخالف أرجح منه، أو توجد علة أخرى من جهة غيره.

ومن تكلم في حال سيف أو مروياته بما يخالف هذا، فعليه البرهان المعتمد، وأنى له ذلك؟ والله الموفق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق