الجمعة - 5 شهر ربيع الثاني 1437 هـ - 15 يناير 2016 مـ
أمير طاهري
وفقًا لمقولة منسوبة إلى المتصوف الروسي اليكسي خومياكوف، الحقيقة تشبه الديك الذي يوقظك في الصباح بصياحه حالما تكون غارقًا في أحلامك السعيدة.
كان خومياكوف قياديًا لدى أنصار النزعة السلافية، وكان يحلم بتوحيد «دول العرق السلافي» تحت مظلة القيادة الروسية لتحقيق «مصير روسيا» بوصفها «روما الثالثة» وحاملة لواء النصر المسيحي الأخير.
وبعيدًا عن مداعبة مثل تلك الأوهام، فإن للزعيم الروسي الحالي، فلاديمير بوتين، حلمَه الخاص بروسيا العظيمة، وهو الحلم الذي، شريطة ألا يشكل خطرًا أو تهديدًا للآخرين، يُعد من الأحلام المشروعة تمامًا. روسيا دولة كبيرة، وفي حقيقة الأمر، فإنها أكبر دولة من حيث المساحة في العالم، وهي أمة عظيمة، كما كانت تتمتع بدور قيادي عالمي بارز في الشؤون الدولية عبر القرنين الماضيين.
ومع ذلك، فهناك دلائل، في معرض حلم بوتين السعيد، على أن حلمه يحمل من الغصة والألم أكثر مما يمكن لروسيا أن تحتمله في هذه اللحظة. وذلك هو السبب في أن بوتين سوف يُحسن صنعًا لنفسه ولأمته إذا ما استمع لصياح «ديك الحقيقة» الذي يصيح تحت غرفة نومه في الوقت الحالي.
عبر مقابلة مطولة مع مجلة «بيلد» الألمانية واسعة الانتشار، حاول بوتين إلقاء اللوم على الصعوبات المتزايدة التي تواجهها حكومته في «التراجع الخطير في الإيرادات»، والتي ترجع في جزء كبير منها إلى انخفاض أسعار الطاقة عالميًا. كما كشف الرئيس الروسي عن هبوط الناتج المحلي الإجمالي الروسي، في عام 2015، بواقع 3.8 نقطة مئوية، بينما كان الهبوط في الإنتاج الصناعي، بواقع 3.3 نقطة مئوية. ومع نسبة التضخم التي تحوم حول 13 في المائة، وارتفاع معدلات البطالة إلى 12 في المائة، فإن الاقتصاد الروسي يشهد أسوأ حالاته خلال أكثر من عشر سنوات. وبعبارة أخرى، فإن «سنوات ازدهار بوتين» قد تكون ولت وانقضت منذ زمن طويل.
وبحثًا عن كبش للفداء، يلقي بوتين باللائمة على جميع «الأعمال العدائية من قبل القوى الغربية»، وهو عذر يصلح لجميع الأغراض بالنسبة للعديد من الحكومات غير الجديرة، في محاولة يائسة لتبرئة الذات. ولكن إذا قبلنا تصوير بوتين لروسيا بأنها «ضحية الشهية الغربية للهيمنة»، تبقى الحقيقة جلية من واقع أنه ما من دولة تصير ضحية لغيرها من الدول من دون مشاركتها الخاصة في تلك العملية التي تسفر عن الإيذاء وإلحاق الضرر. فإذا صارت روسيا ضحية، فذلك بالأساس منشؤه أنها صارت قابلة لأن تكون ضحية إذا ما تخيرنا المصطلح الصحيح. وهذا بدوره جاء نتيجة مباشرة للسياسات التي كانت تقود روسيا إلى مواقع قاسية في الداخل والخارج.
بادئ ذي بدء، كانت سياسة بوتين الاقتصادية الروسية تستند إلى جعل روسيا معتمدة اعتمادًا كليًا على صادراتها من منتجات الطاقة إلى الأسواق الغربية. ولكن تاريخ الـ150 عامًا الماضية، أي منذ بدأ الأميركيون في تجارة النفط العالمية، التي جعلت السلعة النفطية، أكثر من أي سلعة أخرى، أكثر عرضة للتقلبات السعرية الشديدة في الأسواق، قد أنبأنا بظهور أو انكسار الكثير من المصدرين.
وعندما تسلم السلطة العليا في البلاد خلال العقد الأخير من القرن الماضي، كانت الأموال السهلة الواردة من صادرات النفط والغاز تعني أن غالبية المواطنين الروس يمكنهم الاستمتاع بمذاق الحياة السهلة من دون بذل الكثير من الجهود لاكتساب تلك الأموال.
وفي الوقت الذي تحول فيه الاقتصاد العالمي إلى نموذج القرن الحادي والعشرين المميز بالتغيرات التكنولوجية المستدامة من دون توقف، وجدت روسيا أن منطقة الراحة التي استكانت فيها على أثر النمط الاستهلاكي الغربي لا تدعمها طاقات إنتاجية محلية كافية.
خلال عقد من الزمن، اختفت ببساطة قطاعات كاملة من الصناعات الروسية، بما في ذلك قطاعات مهمة، مثل التسليح. وبدلاً من ذلك حاولت روسيا المجازفة لخدمة الاقتصاد، حيث عملت على تطوير القطاع المالي وتعزيز السياحة، وهما المجالان اللذان لا تملك فيهما روسيا كثير خبرة.
نتيجة لذلك، ليست لدى روسيا في الوقت الحاضر ما تبيعه إلى أي شخص، كما ليس هناك أي علامة تجارية روسية من بين 5000 علامة تجارية عالمية.
ومشكلة الاعتماد على صادرات الطاقة ذات شقين:
أولاً، يجري إنتاج النفط والغاز بطريقة آلية إلى حد كبير، وبالتالي لا يولد إلا القليل من الوظائف. ولا تمثل صناعة تصدير الطاقة في روسيا، على سبيل المثال، إلا أقل من 4 في المائة من إجمالي العمالة في البلاد. كذلك، وعلى العكس من الإيرادات الزراعية والصناعية التي توزع بين مختلف قطاعات وفئات الشعب، فإن الإيرادات الناتجة عن صادرات النفط والغاز تنتهي في أيدي حفنة قليلة من المواطنين الروس، مما يولد، بدوره، نوعًا من الفساد على نطاق كبير لم يُعرف من قبل حتى في دولة مثل روسيا المعتادة على قضايا الفساد الهائلة منذ بداية ظهورها كدولة قومية في التاريخ.
وهكذا، فإن روسيا في عهد بوتين صارت تعاني من نوع الفساد الذي ظل علامة مميزة لما يُعرف بـ«جمهوريات الموز» النامية.
ويبدو أن الركود الاقتصادي الكبير والفساد المتفشي في كل ركن من أركان البلاد لم يكن كافيًا بالنسبة للسيد بوتين الذي دفع بروسيا في سلسلة من المغامرات الخارجية التي تعارض وتتحدى أي تقدير عقلاني ومقبول للتكاليف والفوائد لدى أي دولة. لم يرجع غزو جورجيا في عام 2008، إلى جانب ضم أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، بأي فوائد اقتصادية، أو سياسية، أو حتى أمنية، ملموسة على روسيا.
وبالمستوى نفسه من الغرابة كان ضم بوتين لشبه جزيرة القرم الأوكرانية.
كانت شبه جزيرة القرم تلك، وبالفعل، تضم أغلبية من السكان الناطقين باللغة الروسية، إلى جانب اعتمادها الكبير على السياحة والتجارة الروسية في معايشها اليومية. وبمزيد من الأهمية، كانت أكبر القواعد البحرية الروسية متمركزة هناك، كما كانت روسيا هي القوة العسكرية الوحيدة الموجودة في تلك المنطقة. وبعبارة أوجز، لم تكن الحاجة حقيقية لتغيير حالة الوضع الراهن هناك، التي كانت لصالح روسيا على طول الخط.
كانت المحاولة الروسية لإجبار أوكرانيا على إغلاق أبوابها في وجه الاتحاد الأوروبي محاولة مضللة. ليس باستطاعة روسيا أن تقدم لأوكرانيا ما يمكن للاتحاد الأوروبي تقديمه بحال، على سبيل المثال السوق الكبيرة التي تسمح بتطوير وتنمية الصناعة والزراعة الأوكرانية لمستويات غير مسبوقة. ومع ذلك، تلتزم أوكرانيا مع روسيا بروابط تاريخية، وثقافية، واقتصادية تلك التي صمدت أمام اختبارات الأيام. ومع محاولة بوتين السيطرة على كل شيء في أوكرانيا، فإنه يدخل في مخاطرة فقدان كل شيء، في نهاية المطاف، في ثاني أكبر دولة من حيث تعداد المواطنين السلاف.
كما لو أن ذلك كله ليس كافيًا، انتقل بوتين إلى إغضاب تركيا، الجار الرئيسي الدائم لروسيا، وإغضاب روسيا البيضاء كذلك، والرقص على أنغام صفقة موت قاتلة مع ملالي طهران، بالإضافة إلى توريط بلاده في عش الدبابير السوري الموجع.
قد يكون السقوط في المستنقع السوري هو أسوأ أخطاء السياسة الخارجية لبوتين على الإطلاق. وربما ذلك هو السبب وراء محاولة بوتين إعادة صياغة طريقة اللعب وتقليل وجوده على مائدة القمار السورية. فإنه يعلم تمامًا أنه لو سيطر وحده على سوريا بالكامل فلن ينتهي به الأمر إلا بالفوز بقنبلة موقوتة. حتى حلم الحصول على قاعدة عسكرية في البحر الأبيض المتوسط على السواحل السورية يبدو حلمًا تافهًا وسخيفًا. فالقاعدة العسكرية المعرضة على الدوام لتهديد الهجمات المقبلة من المناطق النائية ليست ذات فائدة بأي حال.
لا يزال بوتين يتمتع بشعبية كافية تمكنه من تغيير المسار. وما لم يعمل على تشكيل حكومة وطنية ذات قاعدة واسعة، بدلا من أن يحيط نفسه بحفنة الانتهازيين المحترفين «الموافقين دائمًا» كما هو الحال الآن، فسوف يبدأ في سماع صياح ديك خومياكوف في الظلام قريبًا.
أمير طاهري
وفقًا لمقولة منسوبة إلى المتصوف الروسي اليكسي خومياكوف، الحقيقة تشبه الديك الذي يوقظك في الصباح بصياحه حالما تكون غارقًا في أحلامك السعيدة.
كان خومياكوف قياديًا لدى أنصار النزعة السلافية، وكان يحلم بتوحيد «دول العرق السلافي» تحت مظلة القيادة الروسية لتحقيق «مصير روسيا» بوصفها «روما الثالثة» وحاملة لواء النصر المسيحي الأخير.
وبعيدًا عن مداعبة مثل تلك الأوهام، فإن للزعيم الروسي الحالي، فلاديمير بوتين، حلمَه الخاص بروسيا العظيمة، وهو الحلم الذي، شريطة ألا يشكل خطرًا أو تهديدًا للآخرين، يُعد من الأحلام المشروعة تمامًا. روسيا دولة كبيرة، وفي حقيقة الأمر، فإنها أكبر دولة من حيث المساحة في العالم، وهي أمة عظيمة، كما كانت تتمتع بدور قيادي عالمي بارز في الشؤون الدولية عبر القرنين الماضيين.
ومع ذلك، فهناك دلائل، في معرض حلم بوتين السعيد، على أن حلمه يحمل من الغصة والألم أكثر مما يمكن لروسيا أن تحتمله في هذه اللحظة. وذلك هو السبب في أن بوتين سوف يُحسن صنعًا لنفسه ولأمته إذا ما استمع لصياح «ديك الحقيقة» الذي يصيح تحت غرفة نومه في الوقت الحالي.
عبر مقابلة مطولة مع مجلة «بيلد» الألمانية واسعة الانتشار، حاول بوتين إلقاء اللوم على الصعوبات المتزايدة التي تواجهها حكومته في «التراجع الخطير في الإيرادات»، والتي ترجع في جزء كبير منها إلى انخفاض أسعار الطاقة عالميًا. كما كشف الرئيس الروسي عن هبوط الناتج المحلي الإجمالي الروسي، في عام 2015، بواقع 3.8 نقطة مئوية، بينما كان الهبوط في الإنتاج الصناعي، بواقع 3.3 نقطة مئوية. ومع نسبة التضخم التي تحوم حول 13 في المائة، وارتفاع معدلات البطالة إلى 12 في المائة، فإن الاقتصاد الروسي يشهد أسوأ حالاته خلال أكثر من عشر سنوات. وبعبارة أخرى، فإن «سنوات ازدهار بوتين» قد تكون ولت وانقضت منذ زمن طويل.
وبحثًا عن كبش للفداء، يلقي بوتين باللائمة على جميع «الأعمال العدائية من قبل القوى الغربية»، وهو عذر يصلح لجميع الأغراض بالنسبة للعديد من الحكومات غير الجديرة، في محاولة يائسة لتبرئة الذات. ولكن إذا قبلنا تصوير بوتين لروسيا بأنها «ضحية الشهية الغربية للهيمنة»، تبقى الحقيقة جلية من واقع أنه ما من دولة تصير ضحية لغيرها من الدول من دون مشاركتها الخاصة في تلك العملية التي تسفر عن الإيذاء وإلحاق الضرر. فإذا صارت روسيا ضحية، فذلك بالأساس منشؤه أنها صارت قابلة لأن تكون ضحية إذا ما تخيرنا المصطلح الصحيح. وهذا بدوره جاء نتيجة مباشرة للسياسات التي كانت تقود روسيا إلى مواقع قاسية في الداخل والخارج.
بادئ ذي بدء، كانت سياسة بوتين الاقتصادية الروسية تستند إلى جعل روسيا معتمدة اعتمادًا كليًا على صادراتها من منتجات الطاقة إلى الأسواق الغربية. ولكن تاريخ الـ150 عامًا الماضية، أي منذ بدأ الأميركيون في تجارة النفط العالمية، التي جعلت السلعة النفطية، أكثر من أي سلعة أخرى، أكثر عرضة للتقلبات السعرية الشديدة في الأسواق، قد أنبأنا بظهور أو انكسار الكثير من المصدرين.
وعندما تسلم السلطة العليا في البلاد خلال العقد الأخير من القرن الماضي، كانت الأموال السهلة الواردة من صادرات النفط والغاز تعني أن غالبية المواطنين الروس يمكنهم الاستمتاع بمذاق الحياة السهلة من دون بذل الكثير من الجهود لاكتساب تلك الأموال.
وفي الوقت الذي تحول فيه الاقتصاد العالمي إلى نموذج القرن الحادي والعشرين المميز بالتغيرات التكنولوجية المستدامة من دون توقف، وجدت روسيا أن منطقة الراحة التي استكانت فيها على أثر النمط الاستهلاكي الغربي لا تدعمها طاقات إنتاجية محلية كافية.
خلال عقد من الزمن، اختفت ببساطة قطاعات كاملة من الصناعات الروسية، بما في ذلك قطاعات مهمة، مثل التسليح. وبدلاً من ذلك حاولت روسيا المجازفة لخدمة الاقتصاد، حيث عملت على تطوير القطاع المالي وتعزيز السياحة، وهما المجالان اللذان لا تملك فيهما روسيا كثير خبرة.
نتيجة لذلك، ليست لدى روسيا في الوقت الحاضر ما تبيعه إلى أي شخص، كما ليس هناك أي علامة تجارية روسية من بين 5000 علامة تجارية عالمية.
ومشكلة الاعتماد على صادرات الطاقة ذات شقين:
أولاً، يجري إنتاج النفط والغاز بطريقة آلية إلى حد كبير، وبالتالي لا يولد إلا القليل من الوظائف. ولا تمثل صناعة تصدير الطاقة في روسيا، على سبيل المثال، إلا أقل من 4 في المائة من إجمالي العمالة في البلاد. كذلك، وعلى العكس من الإيرادات الزراعية والصناعية التي توزع بين مختلف قطاعات وفئات الشعب، فإن الإيرادات الناتجة عن صادرات النفط والغاز تنتهي في أيدي حفنة قليلة من المواطنين الروس، مما يولد، بدوره، نوعًا من الفساد على نطاق كبير لم يُعرف من قبل حتى في دولة مثل روسيا المعتادة على قضايا الفساد الهائلة منذ بداية ظهورها كدولة قومية في التاريخ.
وهكذا، فإن روسيا في عهد بوتين صارت تعاني من نوع الفساد الذي ظل علامة مميزة لما يُعرف بـ«جمهوريات الموز» النامية.
ويبدو أن الركود الاقتصادي الكبير والفساد المتفشي في كل ركن من أركان البلاد لم يكن كافيًا بالنسبة للسيد بوتين الذي دفع بروسيا في سلسلة من المغامرات الخارجية التي تعارض وتتحدى أي تقدير عقلاني ومقبول للتكاليف والفوائد لدى أي دولة. لم يرجع غزو جورجيا في عام 2008، إلى جانب ضم أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، بأي فوائد اقتصادية، أو سياسية، أو حتى أمنية، ملموسة على روسيا.
وبالمستوى نفسه من الغرابة كان ضم بوتين لشبه جزيرة القرم الأوكرانية.
كانت شبه جزيرة القرم تلك، وبالفعل، تضم أغلبية من السكان الناطقين باللغة الروسية، إلى جانب اعتمادها الكبير على السياحة والتجارة الروسية في معايشها اليومية. وبمزيد من الأهمية، كانت أكبر القواعد البحرية الروسية متمركزة هناك، كما كانت روسيا هي القوة العسكرية الوحيدة الموجودة في تلك المنطقة. وبعبارة أوجز، لم تكن الحاجة حقيقية لتغيير حالة الوضع الراهن هناك، التي كانت لصالح روسيا على طول الخط.
كانت المحاولة الروسية لإجبار أوكرانيا على إغلاق أبوابها في وجه الاتحاد الأوروبي محاولة مضللة. ليس باستطاعة روسيا أن تقدم لأوكرانيا ما يمكن للاتحاد الأوروبي تقديمه بحال، على سبيل المثال السوق الكبيرة التي تسمح بتطوير وتنمية الصناعة والزراعة الأوكرانية لمستويات غير مسبوقة. ومع ذلك، تلتزم أوكرانيا مع روسيا بروابط تاريخية، وثقافية، واقتصادية تلك التي صمدت أمام اختبارات الأيام. ومع محاولة بوتين السيطرة على كل شيء في أوكرانيا، فإنه يدخل في مخاطرة فقدان كل شيء، في نهاية المطاف، في ثاني أكبر دولة من حيث تعداد المواطنين السلاف.
كما لو أن ذلك كله ليس كافيًا، انتقل بوتين إلى إغضاب تركيا، الجار الرئيسي الدائم لروسيا، وإغضاب روسيا البيضاء كذلك، والرقص على أنغام صفقة موت قاتلة مع ملالي طهران، بالإضافة إلى توريط بلاده في عش الدبابير السوري الموجع.
قد يكون السقوط في المستنقع السوري هو أسوأ أخطاء السياسة الخارجية لبوتين على الإطلاق. وربما ذلك هو السبب وراء محاولة بوتين إعادة صياغة طريقة اللعب وتقليل وجوده على مائدة القمار السورية. فإنه يعلم تمامًا أنه لو سيطر وحده على سوريا بالكامل فلن ينتهي به الأمر إلا بالفوز بقنبلة موقوتة. حتى حلم الحصول على قاعدة عسكرية في البحر الأبيض المتوسط على السواحل السورية يبدو حلمًا تافهًا وسخيفًا. فالقاعدة العسكرية المعرضة على الدوام لتهديد الهجمات المقبلة من المناطق النائية ليست ذات فائدة بأي حال.
لا يزال بوتين يتمتع بشعبية كافية تمكنه من تغيير المسار. وما لم يعمل على تشكيل حكومة وطنية ذات قاعدة واسعة، بدلا من أن يحيط نفسه بحفنة الانتهازيين المحترفين «الموافقين دائمًا» كما هو الحال الآن، فسوف يبدأ في سماع صياح ديك خومياكوف في الظلام قريبًا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق