اختلف الناس في المهدي اختلافاً كبيراً، ففي الحيز الإسلامي ادعت بعض الفرق أن لها مهديها الخاص بها، وأن ما تعقده باقي الفرق باطل لا أصل له.. ففي حين ذهب السنة إلى القول بأن المهدي هو رجل من أهل بيت النبي يوافق اسمه اسم النبي صلى الله عليه وسلم واسم أبيه اسم أبي النبي صلى الله عليه وسلم، ذهب الشيعة إلى قول آخر يخالف هذا القول تمام الاختلاف، وذكرت فرق أخرى غير هذا، ثم رأينا أن لليهود مهديهم (الدجال)، وادعى النصارى أن عيسى عليه السلام هو المهدي المنتظر، وأصبحنا نرى أن لكل ديانة وملة، بل ولكل فرقة مهديها الخاص الذي تنتظره وترجوه، ليمنحها الخلاص، ولينقذها مما هي فيه، وخلال هذا التقرير سنصلت الضوء على الفرق بين كل من مهدي السنة ومهدي الشيعة.
مجمل الأقوال في المهدي(1):
قال الإمام ابن القيم: "قد اختلف الناس في المهدي على أربعة أقوال:
أحدها: أنه المسيح ابن مريم.
القول الثاني: أنه المهدي الذي ولي من بني العباس, وقد انتهى زمانه.
القول الثالث: أنه رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، من ولد الحسن بن علي يخرج في آخر الزمان, وقد امتلأت الأرض جوراً وظلماً فيملأها قسطاً وعدلاً, وأكثر الأحاديث على هذا تدل"، [وهو القول الصحيح والمعتقد الثابت عند أهل السنة والجماعة].
ثم قال الإمام تعقيباً على هذا الرأي: "وفي كونه من ولد الحسن سر لطيف, وهو أن الحسن رضي الله تعالى عنه ترك الخلافة لله، فجعل الله من ولده من يقوم بالخلافة الحق المتضمن للعدل الذي يملأ الأرض, وهذه سنة الله في عباده أنه من ترك لأجله شيئاً أعطاه الله أو أعطى ذريته أفضل منه، وهذا بخلاف الحسين رضي الله عنه، فإنه حرص عليها وقاتل عليها فلم يظفر بها, والله أعلم".
وأما الرافضة الإمامية فلهم قول رابع وهو: أن المهدي هو محمد بن الحسن العسكري المنتظر من ولد الحسين بن علي لا من ولد الحسن الحاضر في الأمصار الغائب عن الأبصار الذي يورث العصا, ويختم الفضا، دخل سرداب سامراء طفلاً صغيراً من أكثر من خمس مئة سنة؛ فلم تره بعد ذلك عين, ولم يحس فيه بخبر ولا أثر، وهم ينتظرونه كل يوم يقفون بالخيل على باب السرداب, ويصيحون به أن يخرج إليهم أخرج يا مولانا.. ثم يرجعون بالخيبة والحرمان، فهذا دأبهم ودأبه، ولقد أحسن من قال:
ما آن للسرداب أن يلد الذي *** كلمتموه بجهلكم ما آنا
فعلى عقولكم العفاء فإنكم *** ثلثتم العنقاء والغيلانـا
ولقد أصبح هؤلاء عاراً على بني آدم، وضحكة يسخر منها كل عاقل.
أما مهدي المغاربة محمد بن تومرت: فإنه رجل كذاب ظالم متغلب بالباطل ملك بالظلم والتغلب والتحيل، فقتل النفوس وأباح حريم المسلمين وسبى ذراريهم وأخذ أموالهم، وكان شراً على الملة من الحجاج بن يوسف بكثير.
ثم خرج المهدي الملحد عبيد الله بن ميمون القداح: وكان جده يهودياً من بيت مجوسي فانتسب بالكذب والزور إلى أهل البيت، وادعى أنه المهدي الذي بشر به النبي صلى الله عليه وسلم وملك وتغلب، استفحل أمره إلى أن استولت ذريته الملاحدة المنافقون الذين كانوا أعظم الناس عداوة لله ولرسوله على بلاد المغرب ومصر والحجاز والشام، واشتدت غربة الإسلام ومحنته ومصيبته بهم، وكانوا يدعون الإلهية ويدعون أن للشريعة باطناً يخالف ظاهرها، وهم ملوك القرامطة الباطنية أعداء الدين، فتستروا بالرفض والانتساب كذباً إلى أهل البيت.
مهدي السنة وصفته:
خروج المهدي من أشراط الساعة التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم، والمهدي بحسب معتقد أهل السنة والجماعة رجل من أهل بيت النبي صلى الله علبيه وسلم يخرج في آخر الزمان يؤيد الله به الدين "يملك سبع سنين، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، تنعم الأمة في عهده نعمة لم تنعمها قطُّ، تُخْرِج الأرض نباتها، وتمطر السماء قطرها، ويعطى المال بغير عدد"(2).
واسمه محمد أو أحمد كاسم النبي صلى الله عليه وسلم، واسم أبيه كاسم أبيه، ونسبه من ولد الحسن بن علي، فهو علوي فاطمي حَسَني قُرَشي، وقد وردت له صفتان في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وهما: أجلي الجبهة، وأقنى الأنف.
ومن أصح ما ورد في المهدي ما جاء في المنتخب من العلل للخلال، قال: أخبرني محمد بن عمير، ثنا حامد بن يحيى، ثنا سفيان، ثنا عمرو، أخبرني أبو معبد، أنه سمع ابن عباس يقول: "إني لأرجو أن لا تذهب الأيام والليالي، حتى يبعث الله منا أهل البيت غلاماً، لم يلبس الفتنَ ولم تلبَسه الفتن، كما فتح الله بنا هذا الأمر فأرجو أن يختمهُ بنا.. قال أبو معبد -راوي الخبر-: قلتُ لابن عباس: عجزتْ عنها شيوخكم ويرجوها شبابكم؟ قال: إن الله يفعلُ ما يشاءُ، فسمعت محمد بن عمير، يقول: سمعت حامد بن يحيى، قال: قال لي أحمد بن حنبل: سألت عبد الرحمن بن مهدي: أي حديث أصح في المهدي؟ قال: أصحُّ شيءٍ فيه عندي: حديث أبي معبد عن ابن عباس".
إلى جانب ذلك فهناك الكثير من الأحاديث الدالة على خروج المهدي، والتي بلغت في مجملها حد التواتر، يقول الشيخ الألباني رحمه الله: "قد تواترت الأخبار واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى بمجيء المهدي، وأنه من أهل بيته...وأنه يخرج مع عيسى عليه السلام فيساعده على قتل الدجال... وأنه يؤم هذه الأمة وعيسى يصلي خلفه(3).
مهدي الشيعة وصفته:
لا يؤمن الشيعة بالسنَّة الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن مدارها على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وأصحاب محمد عندهم كذابون, بل كفار مخلدون في النار إلا عدداً قليلاً, بل هم يعتبرون القرآن محرفاً حرفه أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وما يتظاهرون بالإيمان به يتلاعبون بمعانيه, وانظر كتب تفاسيرهم للقرآن ترى العجب العجاب(4)، لذلك فقد ضربوا بأحاديث أهل السنة الواردة في المهدي عرض الحائط، ولم يعملوا بها، وإنما استندوا إلى ما صح من طريقهم فحسب.
وعقيدة المهدي من أبرز عقائد الشيعة والتي تكاد تمتلئ بها كتبهم؛ وهو عندهم محمد بن الحسن العسكري، وهو الإمام الثاني عشر عندهم، وهم يطلقون عليه الحجة كما يطلقون عليه القائم، ويزعمون أنه ولد سنة (255هـ)، واختفى في سرداب "سُرَّ من رأى" سنة (265هـ)، وهم ينتظرون خروجه في آخر الزمان لينتقم لهم من أعدائهم, ولا يزال الشيعة يزورونه بسرداب "سُر من رأى" ويدعونه للخروج.
وقد صاحبت عقيدة المهدي المنتظر عند الشيعة خرافات وعقائد منحرفة خطرة، وقد استعرت فكرة خروجه في زماننا هذا عند الشيعة، فقد بدءوا يستعدون لخروجه القريب -زعموا- ويتحدثون عن رؤيته في بعض المسيرات الشيعية, وتعددت تلك الرؤى، وزعموا أنهم استطاعوا التقاط صورة له(5).
موت الحسن وحيرة أهل التشيع:
فوجئ الشيعة سنة (260هـ)، بوفاة الحسن العسكري -وهو الإمام الحادي عشر عندهم- عقيماً فافترقوا في هذا وتحيروا حتى بلغت فرق شيعة الحسن العسكري أربع عشرة فرقة كما يقول النوبختي، أو خمس عشرة فرقة كما يقول القمي.. وساد الشك أوساط الشيعة، وغلبت عليهم الحيرة، ذلك أنهم قد قالوا لأتباعهم: إن الإمامة هي أصل الدين وأساسه، حتى جاء في نصوص الكافي -أصح كتاب عندهم في الحديث والرواية- "أنها أعظم أركان الإسلام"، و"أنها أهم من النبوة".
ولكي يخرج علماء الشيعة من هذا المأزق قالوا لأتباعهم: "إن الحسن بن علي حي لم يمت، وإنما غاب، وهو القائم، ولا يجوز أن يموت، ولا ولد له ظاهر لأن الأرض لا تخلو من إمام".
وذهبت فرقة أخرى إلى الاعتراف بموته، ولكنها قالت: "بأنه حي بعد موته وهو غائب الآن وسيظهر"، بينما فرق أخرى حاولت أن تنقل الإمامة من الحسن إلى أخيه جعفر، وأخرى أبطلت إمامة الحسن بموته عقيماً، وطائفـة أخـرى -وهم المسمون بالشيعة اليوم- زعموا بأن للحسن العسكري ولداً: "وكان قد أخفى –أي: الحسن- مولده، وستر أمره؛ لصعوبة الوقت، وشدة طلب السلطان له... فلم يظهر ولده في حياته، ولا عرفه الجمهور بعد وفاته"، وهذا الولد المزعوم، والذي يقول التاريخ بأنه لا حقيقة له، هو الذي يزعم آيات الشيعة أنهم نوابه(6).
علاقة مهدي الشيعة باليهود:
الناظر في كثير من روايات الشيعة يجد أن لمهديهم سمات يهودية، ويجد تشابهاً كبيراً بين مهدي الشيعة ومسيخ اليهود، فمن هذه السمات أن مهدي الشيعة يحكم بشريعة داود، فقد روى الكليني عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: (لا تذهب الدنيا حتى يخرج رجل مني يحكم بحكومة آل داود ولا يُسأل بيّنة، يعطي كل نفس حقها)(7).
ومن هذه السمات أنه يتكلم العبرانية، فقد روى في كتاب (الغيبة) للنعماني: (إذا أذَن الإمام دعا الله باسمه العبراني (فانتخب) له صحابته الثلاثمائة والثلاثة عشر كقزع الخريف، منهم أصحاب الألوية، منهم من يفقد فراشه ليلاً فيصبح بمكة، ومنهم من يُرى يسير في السحاب نهاراً يعرف باسمه واسم أبيه وحليته ونسبه..)(8).
ومن هذه السمات أن اليهود سيكونون من أتباع مهدي الشيعة، فقد روى الشَيخ المفيد في الإرشاد، عن المفضّل بن عمر عن أبي عبد الله قال: (يخرج مع القائم عليه السلام من ظهر الكوفة سبعة وعشرون رجلاً من قوم موسى، وسبعة من أهل الكهف ويوشع بن نون وسليمان وأبو دجـانة الأنصاري والمقداد ومالك الأشتر فيكونون بين يديه أنصارا)(9)، إلى غير ذلك من السمات.
________________
(1) ملخصاً عن المنار المنيف لشيخ الإسلام ابن القيم الجوزية: (ص:148-155).
(2) أشراط الساعة ليوسف الوابل: (249).
(3) السلسلة الصحيحة (5/371).
(4) المهدي بين أهل السُنَّة والروافض - للشيخ ربيع بن هادي بن عمير المدخلي.
(5) حقيقة المهدي المنتظر عند الشيعة - جمعه ورتبه: أبو عبد الرحمن الغريب.
(6) المرجع السابق - بتصرف.
(7) الحجة من الأصول للكليني: (1/397-398).
(8) الغيبة لمحمد بن إبراهيم النعماني: (ص:313).
(9) الإرشاد للمفيد الطوسي: (ص:402).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق