سياسة التمييز الطائفي ضد أهل السنة في إيران / صباح الموسوي
المختصر/
مفكرة الإسلام: عقب الثورة الشعبية ضد الشاه، والتي سميت فيما بعد "بالثورة الخمينية"، اشتدت معانات أهل السنة في إيران، وذلك جراء سياسية التمييز الطائفي، التي تمارس ضدهم، على الأصعدة الدينية، السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية، ضد هذه الشريحة من المجتمع الإيراني، وقد تركت هذه السياسة آثارها على أهل السنة، وجعلتهم محرومين من المشاركة في إدارة شئونهم، و أبعدتهم عن المشاركة في أمور الدولة عامة.
ومن أجل إثبات حسن نواياهم، و حرصهم على الوحدة الوطنية، فقد حث علماء أهل السنة المجتمع السني إلى المشاركة في جميع الانتخابات الرئاسية، والبرلمانية، وغيرها، للتعبير عن حسن نواياهم، و لكي لا يتهموا بمقاطعة الحكومة والنظام، ليتخذ ذلك وسيلة للزيادة في اضطهادهم. وقد سعى العديد من العلماء، والشخصيات الفكرية السنية البارزة، طوال الوقت الماضي، على إيصال صوت مظلومية أهل السنة، إلى أعلى المسئولين في النظام الإيراني، إلا أن كل تلك المواقف، والمساعي الحثيثة طوال الـ28 عامًا الماضية ـ عمر النظام الإيراني الحالي ـ قد باءت بالفشل، ولم تفلح في رفع سيف التمييز الطائفي من على رأس أهل السنة، وقد بقيت النخب السنية محرومة من حصتها في المناصب السياسية، و الإدارية العليا، كمنصب نائب رئيس الجمهورية، أو منصب وزير، أو معاون وزير، آو وكيل وزارة، أو محافظ، أو سفير. وحتى في المناطق ذات الأغلبية السنية، لم تراعى فيها العدالة في توزيع المناصب، فالغلبة فيها دائما للشيعة، وفي الكثير من المناطق السنية يتعامل مسئولو الدوائر الحكومية وفق مزاجهم، ضاربين بالقوانين، والمقررات، عرض الحائط ما تسبب في سلب الحقوق القانونية للسكان السنة.
وعلى الرغم من مرور أكثر من 28 عامًا على سقوط حكم الشاه، وقيام نظام ما يسمى "بالجمهورية الإسلامية الإيرانية"، إلا أن سياسة التمييز الطائفي والعنصري ضد أهل السنة، والقوميات غير الفارسية عامة، ماتزال قائمة بقوة، وذلك خلافًا للشعارات، والوعود التي كان قد رفعها قادة الجمهورية، وعلى رأسهم الخميني، الذي قال في الكثير من بياناته السياسية أبان الثورة: "إن السنة والشيعة يمثلون جناحي الإسلام والثورة"، ولكن على الرغم من ذلك، فإن مسئولي الدولة والنظام ما زالوا يتعمدون الإساة لأهل السنة، ويرفضون الاعتراف بحقوقهم المشروعة، ويعتبرونهم مواطنين من الدرجة الثانية والثالثة، في الكثير من الأحيان. هذا، في الوقت الذي يعلم الجميع أن حكومة العدل الإلهي، التي يتحدث عنها القادة الإيرانيون، لا يمكن الوصول إليها دون تحقيق الوفاق الوطني، والوفاق لا يتم بدون تحقيق المساواة الاجتماعية، والسياسية، عبر رفع التمييز القومي والطائفي، و إلا فلن يكون هناك أية معني لحكومة العدل التي يدعونها.
من هنا، فإن قضية أهل السنة تحتاج إلى حل جذري، وذلك من خلال تحديد مكانة أهل السنة في الدولة، عبر الاعتراف أولاً بحقوقهم كمواطنين من الدرجة الأولى، شأنهم في ذلك شأن سائر أبناء المذاهب، والطوائف الإيرانية الأخرى، و رفع كافة القوانين التمييزية، التي تحرمهم من التمتع بحقوقهم المشروعة، ومن جملة القوانين التي وضعت أوائل الثورة أمام أهل السنة، ومنعتهم من ممارسة حق الموطنة الكاملة، كانت الفقرة الدستورية التي تشترط الاعتقاد بالمذهب الشيعي "الاثني عشري"، شرطًا أساسيًا لتولي منصب رئاسة الجمهورية، وقد لاقت هذه الفقرة آنذاك اعتراضًا شديدًا من قبل الإيرانيين السنة، الذين يبلغ اليوم عددهم قرابة العشرين مليون نسمة، حيث شكلت هذه الفقرة فيما بعد الأساس لبناء سياسة التمييز الطائفي، التي حولت أهل السنة إلى رعية لا مواطنين.
ولعل في هذه الرسالة التي وجهتها جمعية أهل السنة في محافظ كردستان، إلى القيادة الإيرانية، تكشف جزءًا من الإجراءات الطائفية، التي تمارس ضد أهل السنة في المناطق الغربية. كما قدمت الرسالة بعض المقترحات؛ لتخفيف تلك الإجراءات التمييزية، ومنها على سبيل المثال:
1- إن "المركز الإسلامي الكبير لغرب البلاد "يشمل محافظة كردستان وما جاورها" الذي كان الهدف من إنشائه - حسب ما أعلن - هو تلبية احتياجات، و إدارة الشئون الدينية، لطلبة، وعلماء أهل السنة في تلك المنطقة، فإن رئاسة هذا المركز - ومنذ بدء التأسيس - قد سلمت بيد رجال الدين الشيعة، على الرغم من وجود علماء بارزين من أهل السنة، في المناطق الغربية، إلا أنه لم يعط لهم أي دور في إدارة هذا المركز.
2- إن الرواتب الشهرية التي تعطى لطلبة العلوم الدينية، الذين هم تحت غطاء هذا المركز غير قابلة للذكر، لقلتها، مقابل الرواتب التي تدفع لرجال الدين الشيعة العاملين في المركز المذكور، و الذين يتمتعون بمستوى مالي ومعيشي عال جدًا، يساوي مستوى حياة المسئولين الكبار في الدولة.
3- رغم الميزانية الكبيرة التي يتمتع بها "المركز الإسلامي الكبير" فإنه لا يصرف منها سوى الشيء القليل للعلماء، وطلبة العلوم الدينية السنة، و باقي هذه الميزانية يصرف تحت عناوين مختلفة، من ضمنها شراء عقارات، ومباني في مدن "قم"، و "طهران"، ليس لعلماء أهل السنة نصيب فيها.
4ـ على الرغم من أن % 90 من سكان محافظة كردستان، والمناطق الغربية، هم من أهل السنة، إلا أن شبكة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية - في تلك المناطق - تبث الأذان بالتوقيت والصيغة الشيعية.
5- إن أسئلة مادة العلوم الإسلامية في امتحانات المفاضلة لدخول الجامعات، تقدم سنويًا لطلبة أهل السنة، حسب الأحكام العقائدية، و الفقهية، للمذهب الشيعي، و نتيجة لعدم المعرفة الكاملة للطلبة السنة بهذه الأحكام والعقائد، فإن ذلك يؤدي إلى سقوطهم في هذه المادة، وبالتالي تحرمهم من التنافس مع أقرانهم من الطلبة الآخرين، في الحصول على الكراسي الجامعية.
6ـ تقوم وزارة الإرشاد والثقافة الإيرانية سنويًا، بمنع طبع وانتشار كتب العديد من علماء أهل السنة، أو أنها تسمح لبعضها بشروط محددة، الأمر الذين يثير غضب العلماء، والمفكرين السنة.
أما الاقتراحات التي قدمتها الجمعية إلى المسئولين الإيرانيين، فقد قالت فيها: إن "المركز الإسلامي الكبير في غرب البلاد"، و الذي يعده النظام واجهته في خدمة متطلبات الشئون الدينية لأهل السنة في المنطقة، فإنه لم يكن موفقًا في تحقيق هذا الواجب، لذا فإنه، ومن أجل تصحيح الأخطاء وتسيير الأمور حسب الصورة الصحيحة، فإننا نقترح مايلي.
أولاً: تسليم مسؤولية و إدارة "المركز الإسلامي الكبير" لعلماء الدين السنة، لكي يحقق المركز الهدف الذي أنشئ من أجله، وهو تلبية احتياجات، و إدارة الشئون الدينية لأهل السنة في المنطقة، وذلك لقطع الطريق على مناورات بعض الأطراف السياسية، والطائفية المتطرفة.
ثانيًا: يقترح علماء، وطلبة العلوم الدينية، من أهل السنة، نقل ملف شئونهم من "المركز الإسلامي الكبير"، وتحويله إلى منظمة الأوقاف والشئون الخيرية.
ثالثًا: يطلب من وزارة العلوم والمعارف، القيام بوضع أسئلة مادة الدين في امتحانات المفاضلة للطلبة السنة، وفق الاعتقادات الفقهية لأهل السنة، والمستندة على المصادر الإسلامية.
رابعًا: يجب الاهتمام بمسألة توظيف القوى السنية المتخصصة في جميع المؤسسات، والمناصب العليا للبلاد، المدنية منها والعسكرية.
خامسًا: في حال تم تطبيق المادة 15 من الدستور، التي تجيز تدريس اللغة والآداب الكردية، فإن ذلك سيكون مؤثرًا في تنظيم، وضبط المطالب القومية في المنطقة.
سادسًا: إن الإذاعة والتلفزيون، ومن خلال تسليطها الضوء على الشئون الدينية والثقافية والاجتماعية والسياسية، لمناطق أهل السنة، والاستفادة من الطاقات الفنية، والدينية، في المنطقة، سوف تقلل من متابعة الناس للقنوات الفضائية الأجنبية، التي تأثر سلبًا على ثقافة المجتمع.
سابعا: لقد لعبت الشخصيات السياسية، والدينية السنية في كردستان دورًا مهمًا في التحولات السياسية والاجتماعية في المحافظة، لذا فإن التعامل الإيجابي مع هذه الشريحة من أهل السنة، أمر ضروي، حيث باستطاعة هذه الشخصيات لعب دور مؤثر في ضبط الأوضاع في كردستان، خصوصًا الأوضاع القومية والدينية منها. "انتهى"
وكعادتها في غلب الحقائق، فإن السلطات الإيرانية تحاول - دائما - نكران ممارساتها التمييزية ضد أهل السنة، والدليل على ذلك ما ادعاه أمين عام ما يسمى "المجمع العالمي لتقريب المذاهب الإسلامية" الإيراني "محمد علي تسخيري"، أثناء مشاركته في مؤتمر حوار المذاهب الإسلامية، الذي انعقد في العاصمة القطرية "الدوحة"، في الفترة من 20 إلى 22 يناير/كانون الثاني 2007 م، من أن لأهل السنة الإيرانيين أكثر من مسجد في العاصمة طهران، وقد جاء ادعاء "التسخيري" هذا - في معرض رده على سؤال لأحد العلماء المسلمين، المشاركين في المؤتمر، عن السبب الذي يمنع الحكومة الإيرانية من السماح لأهل السنة الإيرانيين من بناء مسجد واحد لهم، في العاصمة طهران، حيث.. وكما هو معروف فإن طهران العاصمة الوحيدة في العالم الإسلامي، التي لا يوجد فيها مسجد لأهل السنة، ومعروف أيضًا أن أهل السنة في طهران، و الذين يبلغ عددهم أكثر من مليون نسمة، كانوا يقيمون صلاة الجمعة في المدرسة الباكستانية، والسفارة السعودية، قبل أن يتم منعهم من أداء صلاة الجمعة نهائيًا.
كلام المسئولين الإيرانيين ربما يصدقه من ليس له معرفة حقيقة بالأمور، خصوصًا بعض علماء المسلمين، الذين تنقصهم المعلومات الميدانية، عن أحوال أهل السنة، وتعامل النظام الإيراني معهم، لهذا يسكت بعضهم عن الرد على الادعاءات التي يعرضها المسئولون الإيرانيون في مثل هذه المؤتمرات.
و ما زاد من قلق أهل السنة في إيران - في الأيام الأخيرة - كانت بعض الإجراءات الحكومية، والتي من بينها: منع السكان السنة في مدينتي طهران، و أصفهان، من إقامة الصلاة، ولكن على الرغم من أن صلاة الجمعة بالنسبة لأهل السنة فرض عين، ولا توجد أية مصلحة تمنع إقامتها.
أما الأمر الثاني الذي زاد من قلقهم أيضًا، فهو إقالة اثنين من أئمة الجمعة السنة في مدينة مشهد، من مناصبهم، وهم من العلماء الذين يحظون بتأييد، واحترم كبير من الناس، ولكن السلطات الإيرانية أقالتهم، لكون خطبهم لم تتناسب وتوجهات النظام الإيراني.
هذه الأمور، وغيرها، كانت السبب وراء توجيه عدد من علماء سنة إيران - المشاركين في اللقاء الفكري الأول لعلماء أهل السنة والشيعة الذي انعقد في طهران مؤخرًا - رسالة مقتضبة إلى مرشد الثورة الإيرانية "علي خامنئي" الذي أتيحت لهم فرصة اللقاء به، ضمن باقي الأعضاء المشاركين في الاجتماع المذكور، وقد شرحوا في هذه الرسالة جزءًا من القضايا التي تقلق بال المواطنين السنة.
وهذا هو النص المعّرب للرسالة:
إلى مقام القائد المعظم حضرة آية الله الخامنئي دامت بركاته
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بعد تقديم الاحترام و الإعلان عن وفائنا لنظام الجمهورية الإسلامية، وتمسكنا بوحدة الأمة الإسلامية "خصوصا الشيعة و السنة"، وفي ظل هذه المرحلة الحساسة، فإننا نلفت نظر عناية القائد جليل الشأن إلى الأمور التالية.
1ـ إن أهل السنة في البلاد يعانون من التمييز الطائفي الشديد في قضايا التوظيف، و الحصول على المناصب في عموم البلاد، وهم منزعجون جدًا من هذه الناحية.
2ـ بسبب الوظائف الإدارية والأعمال التجارية يتواجد العديد من أهل السنة في مدينة أصفهان، بالإضافة إلى وجود عدد كبيرة من الأفغان السنة، لذا فإن منع إقامة صلاة الجمعة لأهل السنة في أصفهان - منذ شهر رمضان الفائت - و منع صلاة الجمعة لأهل السنة في طهران، والتي لها سابقة تاريخية تمتد إلى أربعين عامًا، وكانت تقام في المدرسة الباكستانية. لذا، فإن منع صلاة الجمعة في هذا الظرف الحساس قد أزعج أهل السنة، و زاد من قلقهم، وأثار استغرابهم، حيث في دار أم القرى إيران الإسلامية، ومنذ شهرين، والإخوة أهل السنة في طهران محرومون من أداء صلاة الجمعة، كما أنهم قد حرموا من صلاة عيد الأضحى أيضًا.
لذا فإننا نأمل من القائد المظفر، ومن أجل قطع الطريق على الاستغلال السيئ من قبل الأعداء لهذه الأمور، ومن أجل إسعاد قلوب أهل السنة، وكسب رضى الخالق، نأمل إصدار الأوامر العاجلة بشأن المواضيع أعلاها.
3ـ منذ مدة تم قطع اتصال علماء أهل السنة بسيادتكم ورئيس الجمهورية المحترم، لذا نرى من الأفضل اتخاذ أجراء يتم فيه نقل مشاكل أهل السنة إلى سيادتكم ورئيس الجمهورية الموقر مباشرة، ومن دون وساطة، لكي يتم إيجاد الحلول المناسبة لها.
ختامًا ندعو الله السلامة والتوفيق لسيادتكم
علماء أهل السنة المشاركين في اللقاء الفكري السني الشيعي الأول
طهران- 25 ديماه 1385ش
14 كانون الثاني ديسمبر 2007م
} على الرغم من أن هذه الرسالة قد نشرت على نطاق واسع في إيران، فمع ذلك لا نستبعد أن يخرج علينا غدًا "محمد علي تسخيري"، وغيره من المسئولين الإيرانيين، ليكذبوا هذه الرسالة، وما حملته من حقائق، ويقولون لنا: إن أهل السنة يعيشون في بحبوحة من الحرية، والمساواة الكاملة !.
صباح الموسوي
05/02/2007
المختصر/
مفكرة الإسلام: عقب الثورة الشعبية ضد الشاه، والتي سميت فيما بعد "بالثورة الخمينية"، اشتدت معانات أهل السنة في إيران، وذلك جراء سياسية التمييز الطائفي، التي تمارس ضدهم، على الأصعدة الدينية، السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية، ضد هذه الشريحة من المجتمع الإيراني، وقد تركت هذه السياسة آثارها على أهل السنة، وجعلتهم محرومين من المشاركة في إدارة شئونهم، و أبعدتهم عن المشاركة في أمور الدولة عامة.
ومن أجل إثبات حسن نواياهم، و حرصهم على الوحدة الوطنية، فقد حث علماء أهل السنة المجتمع السني إلى المشاركة في جميع الانتخابات الرئاسية، والبرلمانية، وغيرها، للتعبير عن حسن نواياهم، و لكي لا يتهموا بمقاطعة الحكومة والنظام، ليتخذ ذلك وسيلة للزيادة في اضطهادهم. وقد سعى العديد من العلماء، والشخصيات الفكرية السنية البارزة، طوال الوقت الماضي، على إيصال صوت مظلومية أهل السنة، إلى أعلى المسئولين في النظام الإيراني، إلا أن كل تلك المواقف، والمساعي الحثيثة طوال الـ28 عامًا الماضية ـ عمر النظام الإيراني الحالي ـ قد باءت بالفشل، ولم تفلح في رفع سيف التمييز الطائفي من على رأس أهل السنة، وقد بقيت النخب السنية محرومة من حصتها في المناصب السياسية، و الإدارية العليا، كمنصب نائب رئيس الجمهورية، أو منصب وزير، أو معاون وزير، آو وكيل وزارة، أو محافظ، أو سفير. وحتى في المناطق ذات الأغلبية السنية، لم تراعى فيها العدالة في توزيع المناصب، فالغلبة فيها دائما للشيعة، وفي الكثير من المناطق السنية يتعامل مسئولو الدوائر الحكومية وفق مزاجهم، ضاربين بالقوانين، والمقررات، عرض الحائط ما تسبب في سلب الحقوق القانونية للسكان السنة.
وعلى الرغم من مرور أكثر من 28 عامًا على سقوط حكم الشاه، وقيام نظام ما يسمى "بالجمهورية الإسلامية الإيرانية"، إلا أن سياسة التمييز الطائفي والعنصري ضد أهل السنة، والقوميات غير الفارسية عامة، ماتزال قائمة بقوة، وذلك خلافًا للشعارات، والوعود التي كان قد رفعها قادة الجمهورية، وعلى رأسهم الخميني، الذي قال في الكثير من بياناته السياسية أبان الثورة: "إن السنة والشيعة يمثلون جناحي الإسلام والثورة"، ولكن على الرغم من ذلك، فإن مسئولي الدولة والنظام ما زالوا يتعمدون الإساة لأهل السنة، ويرفضون الاعتراف بحقوقهم المشروعة، ويعتبرونهم مواطنين من الدرجة الثانية والثالثة، في الكثير من الأحيان. هذا، في الوقت الذي يعلم الجميع أن حكومة العدل الإلهي، التي يتحدث عنها القادة الإيرانيون، لا يمكن الوصول إليها دون تحقيق الوفاق الوطني، والوفاق لا يتم بدون تحقيق المساواة الاجتماعية، والسياسية، عبر رفع التمييز القومي والطائفي، و إلا فلن يكون هناك أية معني لحكومة العدل التي يدعونها.
من هنا، فإن قضية أهل السنة تحتاج إلى حل جذري، وذلك من خلال تحديد مكانة أهل السنة في الدولة، عبر الاعتراف أولاً بحقوقهم كمواطنين من الدرجة الأولى، شأنهم في ذلك شأن سائر أبناء المذاهب، والطوائف الإيرانية الأخرى، و رفع كافة القوانين التمييزية، التي تحرمهم من التمتع بحقوقهم المشروعة، ومن جملة القوانين التي وضعت أوائل الثورة أمام أهل السنة، ومنعتهم من ممارسة حق الموطنة الكاملة، كانت الفقرة الدستورية التي تشترط الاعتقاد بالمذهب الشيعي "الاثني عشري"، شرطًا أساسيًا لتولي منصب رئاسة الجمهورية، وقد لاقت هذه الفقرة آنذاك اعتراضًا شديدًا من قبل الإيرانيين السنة، الذين يبلغ اليوم عددهم قرابة العشرين مليون نسمة، حيث شكلت هذه الفقرة فيما بعد الأساس لبناء سياسة التمييز الطائفي، التي حولت أهل السنة إلى رعية لا مواطنين.
ولعل في هذه الرسالة التي وجهتها جمعية أهل السنة في محافظ كردستان، إلى القيادة الإيرانية، تكشف جزءًا من الإجراءات الطائفية، التي تمارس ضد أهل السنة في المناطق الغربية. كما قدمت الرسالة بعض المقترحات؛ لتخفيف تلك الإجراءات التمييزية، ومنها على سبيل المثال:
1- إن "المركز الإسلامي الكبير لغرب البلاد "يشمل محافظة كردستان وما جاورها" الذي كان الهدف من إنشائه - حسب ما أعلن - هو تلبية احتياجات، و إدارة الشئون الدينية، لطلبة، وعلماء أهل السنة في تلك المنطقة، فإن رئاسة هذا المركز - ومنذ بدء التأسيس - قد سلمت بيد رجال الدين الشيعة، على الرغم من وجود علماء بارزين من أهل السنة، في المناطق الغربية، إلا أنه لم يعط لهم أي دور في إدارة هذا المركز.
2- إن الرواتب الشهرية التي تعطى لطلبة العلوم الدينية، الذين هم تحت غطاء هذا المركز غير قابلة للذكر، لقلتها، مقابل الرواتب التي تدفع لرجال الدين الشيعة العاملين في المركز المذكور، و الذين يتمتعون بمستوى مالي ومعيشي عال جدًا، يساوي مستوى حياة المسئولين الكبار في الدولة.
3- رغم الميزانية الكبيرة التي يتمتع بها "المركز الإسلامي الكبير" فإنه لا يصرف منها سوى الشيء القليل للعلماء، وطلبة العلوم الدينية السنة، و باقي هذه الميزانية يصرف تحت عناوين مختلفة، من ضمنها شراء عقارات، ومباني في مدن "قم"، و "طهران"، ليس لعلماء أهل السنة نصيب فيها.
4ـ على الرغم من أن % 90 من سكان محافظة كردستان، والمناطق الغربية، هم من أهل السنة، إلا أن شبكة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية - في تلك المناطق - تبث الأذان بالتوقيت والصيغة الشيعية.
5- إن أسئلة مادة العلوم الإسلامية في امتحانات المفاضلة لدخول الجامعات، تقدم سنويًا لطلبة أهل السنة، حسب الأحكام العقائدية، و الفقهية، للمذهب الشيعي، و نتيجة لعدم المعرفة الكاملة للطلبة السنة بهذه الأحكام والعقائد، فإن ذلك يؤدي إلى سقوطهم في هذه المادة، وبالتالي تحرمهم من التنافس مع أقرانهم من الطلبة الآخرين، في الحصول على الكراسي الجامعية.
6ـ تقوم وزارة الإرشاد والثقافة الإيرانية سنويًا، بمنع طبع وانتشار كتب العديد من علماء أهل السنة، أو أنها تسمح لبعضها بشروط محددة، الأمر الذين يثير غضب العلماء، والمفكرين السنة.
أما الاقتراحات التي قدمتها الجمعية إلى المسئولين الإيرانيين، فقد قالت فيها: إن "المركز الإسلامي الكبير في غرب البلاد"، و الذي يعده النظام واجهته في خدمة متطلبات الشئون الدينية لأهل السنة في المنطقة، فإنه لم يكن موفقًا في تحقيق هذا الواجب، لذا فإنه، ومن أجل تصحيح الأخطاء وتسيير الأمور حسب الصورة الصحيحة، فإننا نقترح مايلي.
أولاً: تسليم مسؤولية و إدارة "المركز الإسلامي الكبير" لعلماء الدين السنة، لكي يحقق المركز الهدف الذي أنشئ من أجله، وهو تلبية احتياجات، و إدارة الشئون الدينية لأهل السنة في المنطقة، وذلك لقطع الطريق على مناورات بعض الأطراف السياسية، والطائفية المتطرفة.
ثانيًا: يقترح علماء، وطلبة العلوم الدينية، من أهل السنة، نقل ملف شئونهم من "المركز الإسلامي الكبير"، وتحويله إلى منظمة الأوقاف والشئون الخيرية.
ثالثًا: يطلب من وزارة العلوم والمعارف، القيام بوضع أسئلة مادة الدين في امتحانات المفاضلة للطلبة السنة، وفق الاعتقادات الفقهية لأهل السنة، والمستندة على المصادر الإسلامية.
رابعًا: يجب الاهتمام بمسألة توظيف القوى السنية المتخصصة في جميع المؤسسات، والمناصب العليا للبلاد، المدنية منها والعسكرية.
خامسًا: في حال تم تطبيق المادة 15 من الدستور، التي تجيز تدريس اللغة والآداب الكردية، فإن ذلك سيكون مؤثرًا في تنظيم، وضبط المطالب القومية في المنطقة.
سادسًا: إن الإذاعة والتلفزيون، ومن خلال تسليطها الضوء على الشئون الدينية والثقافية والاجتماعية والسياسية، لمناطق أهل السنة، والاستفادة من الطاقات الفنية، والدينية، في المنطقة، سوف تقلل من متابعة الناس للقنوات الفضائية الأجنبية، التي تأثر سلبًا على ثقافة المجتمع.
سابعا: لقد لعبت الشخصيات السياسية، والدينية السنية في كردستان دورًا مهمًا في التحولات السياسية والاجتماعية في المحافظة، لذا فإن التعامل الإيجابي مع هذه الشريحة من أهل السنة، أمر ضروي، حيث باستطاعة هذه الشخصيات لعب دور مؤثر في ضبط الأوضاع في كردستان، خصوصًا الأوضاع القومية والدينية منها. "انتهى"
وكعادتها في غلب الحقائق، فإن السلطات الإيرانية تحاول - دائما - نكران ممارساتها التمييزية ضد أهل السنة، والدليل على ذلك ما ادعاه أمين عام ما يسمى "المجمع العالمي لتقريب المذاهب الإسلامية" الإيراني "محمد علي تسخيري"، أثناء مشاركته في مؤتمر حوار المذاهب الإسلامية، الذي انعقد في العاصمة القطرية "الدوحة"، في الفترة من 20 إلى 22 يناير/كانون الثاني 2007 م، من أن لأهل السنة الإيرانيين أكثر من مسجد في العاصمة طهران، وقد جاء ادعاء "التسخيري" هذا - في معرض رده على سؤال لأحد العلماء المسلمين، المشاركين في المؤتمر، عن السبب الذي يمنع الحكومة الإيرانية من السماح لأهل السنة الإيرانيين من بناء مسجد واحد لهم، في العاصمة طهران، حيث.. وكما هو معروف فإن طهران العاصمة الوحيدة في العالم الإسلامي، التي لا يوجد فيها مسجد لأهل السنة، ومعروف أيضًا أن أهل السنة في طهران، و الذين يبلغ عددهم أكثر من مليون نسمة، كانوا يقيمون صلاة الجمعة في المدرسة الباكستانية، والسفارة السعودية، قبل أن يتم منعهم من أداء صلاة الجمعة نهائيًا.
كلام المسئولين الإيرانيين ربما يصدقه من ليس له معرفة حقيقة بالأمور، خصوصًا بعض علماء المسلمين، الذين تنقصهم المعلومات الميدانية، عن أحوال أهل السنة، وتعامل النظام الإيراني معهم، لهذا يسكت بعضهم عن الرد على الادعاءات التي يعرضها المسئولون الإيرانيون في مثل هذه المؤتمرات.
و ما زاد من قلق أهل السنة في إيران - في الأيام الأخيرة - كانت بعض الإجراءات الحكومية، والتي من بينها: منع السكان السنة في مدينتي طهران، و أصفهان، من إقامة الصلاة، ولكن على الرغم من أن صلاة الجمعة بالنسبة لأهل السنة فرض عين، ولا توجد أية مصلحة تمنع إقامتها.
أما الأمر الثاني الذي زاد من قلقهم أيضًا، فهو إقالة اثنين من أئمة الجمعة السنة في مدينة مشهد، من مناصبهم، وهم من العلماء الذين يحظون بتأييد، واحترم كبير من الناس، ولكن السلطات الإيرانية أقالتهم، لكون خطبهم لم تتناسب وتوجهات النظام الإيراني.
هذه الأمور، وغيرها، كانت السبب وراء توجيه عدد من علماء سنة إيران - المشاركين في اللقاء الفكري الأول لعلماء أهل السنة والشيعة الذي انعقد في طهران مؤخرًا - رسالة مقتضبة إلى مرشد الثورة الإيرانية "علي خامنئي" الذي أتيحت لهم فرصة اللقاء به، ضمن باقي الأعضاء المشاركين في الاجتماع المذكور، وقد شرحوا في هذه الرسالة جزءًا من القضايا التي تقلق بال المواطنين السنة.
وهذا هو النص المعّرب للرسالة:
إلى مقام القائد المعظم حضرة آية الله الخامنئي دامت بركاته
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بعد تقديم الاحترام و الإعلان عن وفائنا لنظام الجمهورية الإسلامية، وتمسكنا بوحدة الأمة الإسلامية "خصوصا الشيعة و السنة"، وفي ظل هذه المرحلة الحساسة، فإننا نلفت نظر عناية القائد جليل الشأن إلى الأمور التالية.
1ـ إن أهل السنة في البلاد يعانون من التمييز الطائفي الشديد في قضايا التوظيف، و الحصول على المناصب في عموم البلاد، وهم منزعجون جدًا من هذه الناحية.
2ـ بسبب الوظائف الإدارية والأعمال التجارية يتواجد العديد من أهل السنة في مدينة أصفهان، بالإضافة إلى وجود عدد كبيرة من الأفغان السنة، لذا فإن منع إقامة صلاة الجمعة لأهل السنة في أصفهان - منذ شهر رمضان الفائت - و منع صلاة الجمعة لأهل السنة في طهران، والتي لها سابقة تاريخية تمتد إلى أربعين عامًا، وكانت تقام في المدرسة الباكستانية. لذا، فإن منع صلاة الجمعة في هذا الظرف الحساس قد أزعج أهل السنة، و زاد من قلقهم، وأثار استغرابهم، حيث في دار أم القرى إيران الإسلامية، ومنذ شهرين، والإخوة أهل السنة في طهران محرومون من أداء صلاة الجمعة، كما أنهم قد حرموا من صلاة عيد الأضحى أيضًا.
لذا فإننا نأمل من القائد المظفر، ومن أجل قطع الطريق على الاستغلال السيئ من قبل الأعداء لهذه الأمور، ومن أجل إسعاد قلوب أهل السنة، وكسب رضى الخالق، نأمل إصدار الأوامر العاجلة بشأن المواضيع أعلاها.
3ـ منذ مدة تم قطع اتصال علماء أهل السنة بسيادتكم ورئيس الجمهورية المحترم، لذا نرى من الأفضل اتخاذ أجراء يتم فيه نقل مشاكل أهل السنة إلى سيادتكم ورئيس الجمهورية الموقر مباشرة، ومن دون وساطة، لكي يتم إيجاد الحلول المناسبة لها.
ختامًا ندعو الله السلامة والتوفيق لسيادتكم
علماء أهل السنة المشاركين في اللقاء الفكري السني الشيعي الأول
طهران- 25 ديماه 1385ش
14 كانون الثاني ديسمبر 2007م
} على الرغم من أن هذه الرسالة قد نشرت على نطاق واسع في إيران، فمع ذلك لا نستبعد أن يخرج علينا غدًا "محمد علي تسخيري"، وغيره من المسئولين الإيرانيين، ليكذبوا هذه الرسالة، وما حملته من حقائق، ويقولون لنا: إن أهل السنة يعيشون في بحبوحة من الحرية، والمساواة الكاملة !.
صباح الموسوي
05/02/2007
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق