لا يوصف الله تعالى إلا بما في كتابه المبين وبما صحَّ من سنة رسوله الصادق الأمين (الحلقة الثانية)
المنهج الحدادي يحتفي أهله بالأحاديث الواهية والمنكرة ليشغبوا بها
على جمهور أهل السنة السابقين واللاحقين، بل ليطعنوا فيهم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.
أما بعد:
فهذه هي الحلقة الثانية من الرد على عادل آل حمدان في تعلقه بالحديث المنكر المنسوب إلى قتادة بن النعمان -رضي الله عنه-، والذي فيه: " إن الله -عزَّ وجل- لما قضى خلقه استلقى، فوضع إحدى رجليه على الأخرى".
ونحن نسير على منهج السلف الصالح في إثبات صفات الله الواردة في كتاب الله وفي سنة رسول الله الصحيحة، ولا نقبل في هذا الباب وغيره؛ خاصة أبواب الحلال والحرام الأحاديثَ المنكرة والآثار الغريبة، لاسيما إذا اشتملت على ما لا يليق بجلال الله وعزته وعظمته.
8- قال المحققان أو أحدهما في (ص188) من حاشية "إثبات الحد"، ويغلب على ظني أنه عادل آل حمدان:
"الحكم على الحديث([1]):
اختلف أهل العلم في الحكم على هذا الحديث، وممن صحح هذا الحديث:
1- أبو موسى المديني، كما نقل كلامه الدشتي.
2- الخلال في "السنة"، كما تقدّم قريباً.
3- ابن القيم في ["اجتماع الجيوش"(ص108)]، قال: إسناده صحيح على شرط البخاري.
4- الذهبي في "العلو" (110)، وقال: رواته ثقات".
أقول: لماذا أهملتَ الكثير من الحفاظ الذين ردّوا هذا الحديث المنكر والذين ذكرهم الحافظ أبو القاسم التيمي؟
وقول أبي موسى أو الدشتي:
"ورواة هذا الحديث من طريق قتادة وشداد -رضي الله عنهما- عامَّتُهم من رجال الصحيح".
أقول: إن قوله" "عامّتُهم من رجال الصحيح" لا يعد تصحيحاً، إذ من المعلوم عند أهل الحديث أن هناك فرقاً بين أن يقول المحدث: هذا حديث صحيح، فيكون جازماً بالحكم بصحته.
وبين أن يقول: رجال هذا الحديث من رجال الصحيح، أو إسناد هذا الحديث صحيح؛ لأنه كم من حديث إسناده من رجال الصحيح، وهو ينطوي على علة قادحة.
وفي كتب العلل أحاديث كثيرة، أدخلها أئمة الحديث في كتبهم، مع أن ظاهر أسانيدها الصحة، بينما هي تنطوي على علل قادحة.
بل هناك أحاديث في الصحيحين أعلّها الدارقطني وغيره.
قال ابن الصلاح -رحمه الله- في كتابه "علوم الحديث" (ص81):
" اعلم أن معرفة علل الحديث من أجلّ علوم الحديث وأدقها وأشرفها،وإنما يضطلع بذلك أهل الحفظ والخبرة والفهم الثاقب، وهي عبارة عن أسباب خفية غامضة قادحة فيه. فالحديث المعلل هو : الحديث الذي اطلع فيه على علة تقدح في صحته مع أن ظاهره السلامة منها، ويتطرق ذلك إلى الإسناد الذي رجاله ثقات الجامع شروط الصحة من حيث الظاهر. ويستعان على إدراكها بتفرد الراوي وبمخالفة غيره له مع قرائن تنضم إلى ذلك تنبه العارف بهذا الشأن على إرسال في الموصول، أو وقف في المرفوع، أو دخول حديث في حديث، أو وهم واهم بغير ذلك، بحيث يغلب على ظنه ذلك، فيحكم به أو يتردد فيتوقف فيه . وكل ذلك مانع من الحكم بصحة ما وجد ذلك فيه".
أقول: فكيف بحديث مداره على شخصين مضعّفَين، وهما فليح بن سليمان وابنه محمد، ومتنه واضح النكارة؟
ولو ادعى العشرات أنه صحيح وهذا حاله فلا تقبل دعواهم.
وقوله: "2- الخلال في "السنة"".
أقول: لا يوجد هذا الحديث في "السنة" للخلال، وأظن أن الذي عزا إليه هذا الحديث واهم، فكيف وقد عرف القارئ المنصف الفطن ضعف إسناد هذا الحديث ونكارة متنه؟
فإن أصرَّ عادل على هذه النسبة إلى الخلال، فليبرز لنا نص تصحيحه من كتاب "السنة" للخلال.
وأقول: إن قولك: " ابن القيم في ["اجتماع الجيوش"(ص108)]، قال: إسناده صحيح على شرط البخاري" ، لمن المغالطات والتلبيسات الشنيعة.
فابن القيم -رحمه الله- إنما قال هذا القول في الحديث المنسوب إلى قتادة بن النعمان -رضي الله عنه-: "لما فرغ الله من خلقه استوى على عرشه"، لا حديث الاستلقاء المنكر، فإنه قد ضعّفه –رحمه الله-، مع أن قوله: " إسناده صحيح على شرط البخاري" فيه تساهل.
وقولك: " الذهبي في "العلو" (110)، وقال: رواته ثقات" مغالطة أخرى.
فالذهبي إنما قال هذا في كلام هذا نصه: "حديث قتادة بن النعمان سمع النبي –صلى الله عليه وسلم- يقول: "لما فرغ الله من خلقه استوى على عرشه" رواته ثقات، ورواه أبو بكر الخلال في كتاب "السنة" له.
فلم يصحح النص الذي فيه إن الله استلقى على ظهره، ووضع إحدى رجليه على الأخرى.
ثم إن في قوله: "رواته ثقات" تساهل.
فقد قال في فليح بن سليمان في "الكاشف" (2/125):
"قال ابن معين وأبو حاتم والنسائي: ليس بالقوي".
وقال في "الكاشف" (2/211) في محمد بن فليح: "ليّنه ابن معين".
أقول: بل قال ابن معين: "فليح بن سليمان ليس بثقة ولا ابنه"، "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (8/59).
وقال أبو زرعة في فليح: "واهي الحديث هو وابنه محمد"، "سؤالات البردعي لأبي زرعة رقم (112).
ولا أستبعد أن عادلاً يعرف هذا في فليح وابنه.
ثم أقول: وهذا اللفظ مع ضعف إسناده يدعمه نصوص لا تحصى من كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، منها سبع آيات تنص على استواء الله على عرشه: ( الرحمن على العرش استوى)، ( خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش)، إلى آخر الآيات، ومنها آيات الصعود إليه تعالى، وآيات النـزول منه -جل وعلا-.
وقد ألّف ابن القيم كتابه القيم " اجتماع الجيوش الإسلامية" لإثبات علو الله على مخلوقاته، واستوائه على عرشه، و" الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة" لإثبات علو الله واستوائه على عرشه.
وألّف الذهبي كتاب " العلو للعلي الغفار".
فلو جاء حديث ضعيف ضعفه محتمل لإثبات استواء الله على عرشه وعلوه عليه وعلى سائر خلقه لمشاه أهل الحديث.
أما مثل هذا الحديث المنكر في الاستلقاء الذي تريدان تمشيته وتصحيحه، فهذا منكما مخالف لمنهج السلف ومقاصدهم النبيلة.
9- قال المحققان([2]) في (ص188-189) من حاشية "إثبات الحد لله":
" ومما يشهد لهذا الحديث:
1- حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يستلقِيَنَّ أحدكم ثم يضع إحدى رجليه على الأخرى". [رواه مسلم (2099)].
2- حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يثني الرجل إحدى رجليه على الأخرى.
[رواه الطحاوي في "شرح المعاني" (4/277)، وابن حبان في "صحيحه" (5554)].
3- حديث شداد بن أوس -رضي الله عنه-، كما تقدم.
4- أثر ابن عباس -رضي الله عنهما- عن إسماعيل بن راشد([3]) قال: استلقيت فرفعت إحدى رجلي على ركبتي، فرماني سعيد بحصيات، ثم قال: إن ابن عباس كان ينهى عن هذا.
رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" ( 5572) و( 5573).
5- حديث كعب بن عجرة -رضي الله عنه -.
رواه ابن أبي شيبة (5574)، وابن المحب في "الصفات" (1/241/أ) .
ورواه خشيش بن أصرم، ذكره ابن المحب في "الصفات" (1/241/أ)، ورواه الطحاوي في "شرح المعاني" (6881)([4]) .
ورواه الحكم بن معبد، ذكره ابن المحب في " الصفات" (1/241/أ).وإسناده صحيح، وله حكم الرفع.
ولفظها: عن أبي وائل قال: كان الأشعث، وجرير بن عبد الله، وكعب قعوداً، فرفع الأشعث إحدى رجليه على الأخرى وهو قاعد.
فقال له كعب بن عُجرة : ضعها، فإنه لا يصلح لبشر".
أقول: 1- إن كل هذه الأحاديث من حديث جابر إلى حديث كعب بن عجرة، ليس فيها أي شهادة لما في حديث قتادة من الكلام المنكر، ألا وهو قوله: " إن الله -عزّ وجل- لما قضى خلقه استلقى، ووضع إحدى رجليه على الأخرى".
فسردهما لهذه الأحاديث في غير موضعه، بل هو من المغالطات.
فهي في واد، ولفظ الاستلقاء ووضع إحدى الرجلين على الأخرى المنسوبان إلى الله تعالى في واد آخر.
2- وأقول: إن حديث جابر -رضي الله عنه- صحيح، وحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- حسن، ولكنهما لا يشهدان لذلك الحديث الشديد النكارة .
3- ثم لماذا تأخذ ما ترى أنه لك، وتهمل ما ترى أنه عليك؛ شأن أهل الأهواء؟
ألم تعلم أن البخاري ومسلماً والترمذي والنسائي والطحاوي وغيرهم قد رووا عن عباد بن تميم عن عمه عبد الله بن زيد بن عاصم المازني أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- مستلقياً في المسجد، واضعاً إحدى رجليه على الأخرى.
قال الإمام البخاري- رحمه الله – في كتاب "الصلاة" حديث (475):
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُسْتَلْقِيًا فِي الْمَسْجِدِ وَاضِعًا إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى.
ثم قال: وَعَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ قَالَ: كَانَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ يَفْعَلَانِ ذَلِكَ.
ثم رواه في كتاب "اللباس" حديث (5969) باب "الاستلقاء ووضع الرجل على الأخرى".
قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ به.
ثم رواه في كتاب "الاستئذان"، باب "الاستلقاء" حديث (6287).
قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبَّادُ بْنُ تَمِيمٍ به.
وقال الإمام مسلم في كتاب "اللباس والزينة" حديث (2100):
"حدثنا يحيى بن يحيى، قال: قرأت على مالك، عن ابن شهاب، عن عباد بن تميم، عن عمه أنه: رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-([5]) مستلقياً في المسجد واضعاً إحدى رجليه على الأخرى".
أقول: لا أستبعد أن المحقق لكتاب الدشتي قد رأى هذا الحديث على الأقل في صحيح مسلم، ولكنه أغفله انتصاراً لرأيه، وهذا من كتمان الحق الذي ذم الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – أهله أشد الذم.
وقد تكلم العلماء فيما يظهر من تعارض بين عمل النبي -صلى الله عليه وسلم – وما يفيده من جواز الاستلقاء ووضع إحدى الرجلين على الأخرى، وبين نهيه -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك.
فقال الطحاوي -رحمه الله- في "شرح معاني الآثار" (4/279) بعد أن ساق أحاديث النهي عن الاستلقاء وأحاديث الإباحة:
" فاحتمل أن يكون أحد الأمرين قد نسخ الآخر، فلما وجدنا أبا بكر وعمر وعثمان -رضي الله عنهم-، وهم الخلفاء الراشدون المهديون، على قربهم من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعلمهم بأمره، قد فعلوا ذلك بعده، بحضرة أصحابه جميعاً، وفيهم الذي حدَّث بالحديث الأول عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الكراهة، فلم ينكر ذلك أحد منهم، ثم فعله عبد الله بن مسعود وابن عمر وأسامة بن زيد وأنس بن مالك -رضي الله عنهم- فلم ينكر عليهم منكر.
ثبت بذلك أن هذا هو ما عليه أهل العلم، من هذين الخبرين المرفوعين، وبطل بذلك ما خالفه لما ذكرنا وبينا".
وقال المعلِّق على "سنن أبي داود":
"قال الشيخ (يعني الخطابي) يشبه أن يكون إنما نهى عن ذلك من أجل انكشاف العورة، إذ كان لباسهم الأزر، دون السراويلات. والغالب: أن أزرهم غير سابغة، والمستلقي إذا رفع إحدى رجليه على الأخرى مع ضيق الإزار لم يسلم أن ينكشف شيء من فخذه، والفخذ عورة.
فأما إذا كان الإزار سابغاً، أو كان لابسه عن التكشف متوقياً، فلا بأس به، وهو وجه الجمع بين الخبرين، والله أعلم" . انظر "سنن أبي داود" (5/187) الحاشية على حديث (4865) .
وأعتقد أن عادلاً اطلع على الأقل على كلام الطحاوي.
وأما أثر ابن عباس -رضي الله عنهما- فلا يثبت عنه، إذ في الإسناد إليه إسماعيل بن راشد السلمي، وهو مجهول، إذ لم يرو إلا عن سعيد بن جبير، ولم يرو عنه إلا حصين بن عبد الرحمن السلمي فقط.
انظر "التأريخ" للإمام البخاري (1/353) رقم (1114)، و"الجرح والتعديل" للإمام ابن أبي حاتم (1/169) رقم (567).
وأما أثر كعب بن عجرة -رضي الله عنه- فلا نستطيع أن نقول: له حكم الرفع:
1- لأنه لا يتحدث عن أمر غيبي، وإنما تحدث عن أمر من مسارح الاجتهاد.
2- أعتقد أن هذا الصحابي الجليل لو رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفعل هذا، أو بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعله.
وأن الخليفتين الراشدين عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان -رضي الله عنهما- فعلا ذلك، لما استنكر هذا الفعل قائلاً: "ضعها، فإنه لا يصلح لبشر".
وهذه آثار عن الصحابة وغيرهم تفيد جواز وضع إحدى الرجلين على الأخرى:
قال ابن أبي شيبة في "مصنفه" (8/408-410):
" فِي الرَّجُلِ يَجْلِسُ وَيَجْعَلُ إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى.
25897- حَدَّثَنَا ابْن عُيَيْنَةَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ ، عَنْ عَمِّهِ ، قَالَ : رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- مُسْتَلْقِيًا فِي الْمَسْجِد ، قَدْ وَضَعَ إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى.
25898- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلاَنَ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : دُخلَ عَلَى عُمَرَ أَو رُئِي مُسْتَلْقِيًا وَاضِعًا إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى.
25899- حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ([6]) ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ ، أَنَّهُ رَأَى أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ جَالِسًا وَاضِعًا إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى.
25900- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ أُسَامَةَ ، عَنْ نَافِعٍ ، قَالَ : كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَضْطَجِعُ فَيَضَعُ إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى.
25901- حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، عَنْ أُسَامَةَ ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: كان ابْنُ عُمَرَ يَسْتَلْقِي عَلَى قَفَاهُ وَيَضَعُ إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى لاَ يَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا ، وَيَفْعَلُهُ وَهُوَ جَالِسٌ لاَ يَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا.
25902- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ إسْرَائِيلَ ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، قَالَ : إنَّمَا يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ أَهْلُ الْكِتَابِ ، وَقَالَ عَامِرٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ : لاَ بَأْسَ به.
25903- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنِ ابْنِ الغَسِيل ، قَالَ : حدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو ، أَنَّ بِلاَلاً فَعَلَهُ : وَضَعَ إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى.
25904- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَاجِشُونِ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ، أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ كَانَا يَفْعَلاَنِهِ.
25905- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ جَابِرٍ([7]) ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ ، عَنْ عَمِّهِ ، قَالَ : رَأَيْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ فِي الأَرَاكِ مُسْتَلْقِيًا وَاضِعًا إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى وَهُوَ يَقُولُ : {رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}.
25906- حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ عِمْرَانَ - يَعْنِي ابْنَ مُسْلِمٍ - قَالَ : رَأَيْتُ أَنَسًا وَاضِعًا إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى .
25907- حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، عَنِ الْعَوَّامِ ، عَنِ الْحَكَمِ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا مِجْلَزٍ عَنِ الرَّجُلِ يَجْلِسُ ، وَيَضَعُ إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى فَقَالَ : لاَ بَأْسَ بِهِ ، إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ كَرِهَتْهُ الْيَهُودُ ، قَالُوا : إِنَّهُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ، ثُمَّ اسْتَوَى يَوْمَ السَّبْتِ فَجَلَسَ تِلْكَ الْجِلْسَةَ.
25908- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ أَبِي هِلاَلٍ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ ، أَنَّ هَارُونَ بْنَ رِئَابٍ ، قَالَ لَهُ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى سَرِيرِهِ وَاضِعًا إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى : يُكْرَهُ هَذَا يَا أَبَا بَكْرٍ ؟ قَالَ : لاَ.
25909- حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ ، قَالَ : حدَّثَنِي الرَّبِيعُ بْنُ الْمُنْذِرِ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي ، قَالَ : رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَنَفِيَّةِ وَاضِعًا إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى.
25910- حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ إسْرَائِيلَ ، قَالَ : قيلَ لَهُ : أَرَأَيْت الشَّعْبِيَّ يَضَعُ إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى ؟ قَالَ : نَعَمْ".
وقال ابن أبي شيبة عقب هذا الباب:
"من كرِه أن يضع إحدى رِجليهِ على الأخرى.
25911- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ ، عَنْ حُصَيْنٍ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أبي إسْمَاعِيلَ رَاشِدٍ ، قَالَ : اسْتَلْقَيْت فَرَفَعْت إحْدَى رِجْلَيْ عَلَى رُكْبَتِي ، فَرَمَانِي سَعِيدٌ بِحَصَيَاتٍ ، ثُمَّ قَالَ : إنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَنْهَى عَنْ هَذَا([8]).
25912- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ أَبِي هِلاَلٍ([9]) ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَضْطَجِعَ وَيَضَعَ إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى.
25913- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ إِسْمَاعِيل ، عَنْ وَاصِلٍ ، أَنَّ جَرِيرًا جَلَسَ وَوَضَعَ إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى فَقَالَ لَهُ كَعْبٌ : ضَعْهَا ، فهذَا لاَ يَصْلُحُ لِبَشَرٍ.
25914- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ ، أَنَّ كَعْبًا ، قَالَ لَهُ : ضَعْهَا ، فَإِنَّ هَذَا لاَ يَصْلُحُ لِبَشَرٍ.
25915- حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ ، عَنْ حَبِيبٍ ، قَالَ : رَآنِي مُحَمَّدٌ وَقَدْ وَضَعْت رِجْلِي هَكَذَا وَوَضَعَ قَدَمَهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى ، قَالَ : فَقَالَ : ارْفَعْهَا ، قَدْ تَوَاطَؤُوا عَلَى الْكَرَاهِيَةِ لَهَا ، قَالَ : فَذَكَرْت ذلك لِلْحَسَنِ ، قَالَ : فكَانَتِ الْيَهُودُ يَكْرَهُونَهُ فَخَالَفَهُمَ الْمُسْلِمُونَ.
25916- حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ ، عَنْ حَسَنٍ ، عَنْ مُغِيرَةَ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ ، أَنَّهُ كان يكره أَنْ يَجْلِسَ الرَّجُلُ فَيَضَعَ عَقِبَهُ عَلَى فَخِذِهِ وقال : هُوَ التَّوَرُّكُ.
25917- حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ ، عَنْ حَسَنٍ ، عَنْ لَيْثٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، أَنَّهُ نَهَى عَنْهُ.
25918- حَدَّثَنَا ابْنُ إدْرِيسَ ، عَنْ لَيْثٍ([10]) ، عَنْ طَاوُوسٍ ، أَنَّهُ كَرِهَ التَّرَبُّعَ وَقَالَ : جِلْسة مُهْلِكة".
أقول بعد هذا: إنه قد تقدّم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعمر وعثمان -رضي الله عنهما- وابن عمر وابن مسعود وأنس وغيرهم كانوا يفعلونه، كما تقدّم الجمع بين النهي والجواز.
وتقدّم في الحلقة الأولى اشتراط أئمة الإسلام -رحمهم الله- الصحة لقبول ما يروى عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتحذيرهم من رواية وتتبع الأحاديث الضعيفة، ومن هؤلاء الأئمة الإمام أحمد –رحمه الله-.
وأعيد القول بأن الإمام أحمد -رحمه الله- يشترط الصحة لقبول الأحاديث التي تروى في أبواب العقائد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- في "درء تعارض العقل والنقل" (2/29-31):
"كلام الخلال في كتاب "السنة"
وقال أبو بكر الخلال في كتاب "السنة": ( أخبرني يوسف بن موسى أن أبا عبدالله - يعني أحمد بن حنبل - قيل له : أهل الجنة ينظرون إلى ربهم عز وجل ويكلمونه ويكلمهم ؟ قال: نعم، ينظر وينظرون إليه، ويكلمهم ويكلمونه، كيف شاء وإذا شاء ).
قال: ( وأخبرني عبد الله بن حنبل قال : أخبرني أبي حنبل بن إسحاق قال : قال عمي : نحن نؤمن بأن الله على العرش كيف شاء وكما شاء، بلا حد ولا صفة يبلغها واصف أو يحده أحد، فصفات الله له ومنه، وهو كما وصف نفسه { لا تدركه الأبصار} بحد ولا غاية { وهو يدرك الأبصار } ( سورة الأنعام : 103 ) هو عالم الغيب والشهادة وعلام الغيوب، ولا يدركه وصف واصفٍ، وهو كما وصف نفسه، وليس من الله شيء محدود، ولا يبلغ علم قدرته أحد، غلب الأشياء كلها بعلمه وقدرته وسلطانه { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } ( سورة الشورى : 11 )، وكان الله قبل أن يكون شيء، والله هو الأول وهو الآخر، ولا يبلغ أحد حدَّ صفاته.
قال : وأخبرني علي بن عيسى أن حنبلا حدثهم، قال : سألت أبا عبد الله عن الأحاديث التي تُروى"إن الله تبارك وتعالى ينـزل كل ليلة إلى السماء الدنيا" و "إن الله يرى" و "إن الله يضع قدمه" وما أشبه هذه الأحاديث، فقال أبو عبد الله : نؤمن بها، ونصدِّق بها، ولا كيف ولا معنى - أي لا نكيِّفها ولا نحرِّفها بالتأويل، فنقول : معناها كذا- ولا نرد منها شيئاً، ونعلم أن ما جاء به الرسول حق ، إذا كان بأسانيد صحاح، ولا نرد على الله قوله، ولا يوصف الله بأكثر مما وصف به نفسه بلا حد ولا غاية، ليس كمثله شيء".
وقال أبو القاسم اللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة" رقم (2090):
"أنا عبيد الله بن محمد بن أحمد قال: أنا عثمان بن أحمد قال: نا حنبل قال: قلت: لأبي عبد الله -يعني أحمد بن حنبل- ما يروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الشفاعة فقال: هذه أحاديث صحاح نؤمن بها ونقر، وكل ما روي عن النبي –صلى الله عليه وسلم- بأسانيد جيدة نؤمن بها ونقر. قلت له: وقوم يخرجون من النار، فقال: نعم، إذا لم نقر بما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- ودفعناه رددنا على الله أمره، قال الله -عز وجل-: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)، قلت: والشفاعة؟، قال كم حديث يروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الشفاعة والحوض، فهؤلاء يكذبون بها ويتكلون، وهو قول صنف من الخوارج، وإن الله تعالى لا يخرج من النار أحدا بعد إذ أدخله، والحمد لله الذي عدل عنا ما ابتلاهم به"([11]).
اعرف أيها الفطن الشحيح بدينه منهج الإمام أحمد، ألا تراه يشترط للإيمان بصفات الله أن يكون منصوصاً عليها في كتاب الله، ومنصوصاً عليها في سنة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- الثابتة بالأسانيد الصحيحة، ويقول: ولا نتعدى ذلك.
فهو لا يقبل في هذا الباب الأحاديث الضعيفة ولا أقوال البشر المخالفة للكتاب أو السنة، وهذا منهج أساطين أئمة الإسلام، رحمهم الله وأعلى منازلهم في دار النعيم.
10- قال المحققان([12]) في (ص189) من حاشية "إثبات الحد لله":
" 6- حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه-، وقد مضى.
ورواه إسحاق بن راهويه بمعنى حديث قتادة بن النعمان -رضي الله عنه-.
ذكره ابن المحب في "الصفات" (1/237/ب)".
أقول: لا يُعرف نص حديث ابن مسعود -رضي الله عنه-، وقد رجعنا إلى تفسير قول الله تعالى: ( الرحمن على العرش استوى) من سورة طه، كما أشار إلى ذلك الدشتي، فلم نجده بعد تفتيش عدد من كتب التفسير، كتفسير ابن جرير وابن كثير والبغوي والدر المنثور للسيوطي.
لكني وجدت نصاً عنه وهو الآتي:
قال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي - رحمه الله- في كتاب "الرد على الجهمية" (ص77) رقم (35):
"حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد، يعني ابن سلمة، عن عاصم، عن زر، عن ابن مسعود -رضي الله عنه-، قال: ما بين السماء الدنيا والتي تليها مسيرة خمسمائة عام، وبين كل سماءين مسيرة خمسمائة عام، وبين السماء السابعة وبين الكرسي خمسمائة عام، وبين الكرسي إلى الماء خمسمائة عام، والعرش على الماء، والله تعالى فوق العرش، وهو يعلم ما أنتم عليه".
وأورده في كتاب "النقض" برقم (140).
ورواه الإمام ابن خزيمة في كتاب "التوحيد" برقم (138، 139).
ورواه أبو الشيخ في كتاب "العظمة" (2/688-689)، برقم (279).
قال: حدثنا الوليد، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا حجاج، حدثنا حماد، عن عاصم به.
وأورده الحافظ الذهبي في "كتاب العلو" (1/417)، رقم (67) بإسناده إلى عبد الرحمن ابن مهدي عن حماد بن سلمة به.
فإن كان المراد بحديث ابن مسعود -رضي الله عنه- هذا النص، فيقال: إن هذا النص في واد، ولفظ الاستلقاء ووضع إحدى الرجلين على الأخرى في واد آخر، وما هكذا يا سعد تورد الإبل.
11- قال المحققان([13]) في (ص189) من حاشية "إثبات الحد لله":
"7- أثر كعب الأحبار -رحمه الله-.
تفسير ابن جرير (21/501)، وابن أبي شيبة (5574)([14]).
[وانظر: تفسير ابن أبي حاتم (2/2608)، و"العظمة" لأبي الشيخ (2/234)]".
أقول: أثر كعب أورده ابن جرير في تفسيره.
قال -رحمه الله- في "تفسير سورة الشورى" (25/7):
حدثنا محمد بن منصور الطوسي، قال: ثنا حسين بن محمد، عن أبي معشر، عن محمد بن قيس، قال: جاء رجل إلى كعب فقال: يا كعب أين ربنا؟ فقال له الناس: دقّ الله تعالى، أفتسال عن هذا؟ فقال كعب: دعوه، فإن يك عالما ازداد، وإن يك جاهلا تعلّم. سألتَ أين ربنا، وهو على العرش العظيم متكئ، واضع إحدى رجليه على الأخرى، ومسافة هذه الأرض التي أنت عليها خمس مئة سنة، ومن الأرض إلى الأرض مسيرة خمس مئة سنة، وكثافتها خمس مئة سنة، حتى تمّ سبع أرضين، ثم من الأرض إلى السماء مسيرة خمس مئة سنة ، وكثافتها خمس مئة سنة ، والله على العرش متكئ ، ثم تفطر ([15]) السماوات.
ثم قال كعب: اقرءوا إن شئتم(تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ).... الآية".
أقول: 1- أثر كعب هذا إسناده ضعيف جداً، ومتنه منكر جداً.
إذ في إسناده محمد بن قيس، قال فيه الذهبي في "المغني" (2/626): محمد بن قيس، شيخ أبي معشر السندي، قال ابن معين: ليس بشيء . وقواه غيره".
وقال ابن حجر في "التقريب": ضعيف.
وفيه أبو معشر، قال ابن سعد: "كان كثير الحديث ضعيفاً، وقال أبو داود أيضا له أحاديث مناكير وذكره ابن البرقي فيمن احتملت روايته في القصص ولم يكن متين الرواية وقال الساجي منكر الحديث وكان أميا صدوقا إلا أنه يغلط وقال ابن نمير كان لا يحفظ الأسانيد وقال الحاكم أبو أحمد ليس بالمتين عندهم وقال الدارقطني ضعيف وقال الخليلي أبو معشر له مكان في العلم والتاريخ وتاريخه احتج به الأئمة وضعفوه في الحديث وكان ينفرد بأحاديث أمسك الشافعي عن الرواية عنه وتغير قبل أن يموت بسنتين تغيرا شديدا وقال أبو نعيم روى عن نافع وابن المنكدر وهشام بن عروة ومحمد بن عمرو الموضوعات لا شيء([16]).
قال الحافظ ابن حجر: أفحش فيه القول فلم يصب وصفه". "تهذيب التهذيب" (10/422).
وفي "التقريب": "ضعيف أسن واختلط".
وأما نكارة المتن:
ففي قوله: " والله على العرش متكئ".
وفي قوله عن الله: "واضع إحدى رجليه على الأخرى".
2- لا يبعد أن يكون هذا الأثر من روايات كعب الإسرائيلية، بل هو واضح أنه من الإسرائيليات، وكعب مع حسن إسلامه يروي البلايا.
قال الإمام البخاري –رحمه الله- في "صحيحه" حديث رقم (7361):
"وَقَالَ أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ يُحَدِّثُ رَهْطًا مِنْ قُرَيْشٍ بِالْمَدِينَةِ وَذَكَرَ كَعْبَ الْأَحْبَارِ فَقَالَ: إِنْ كَانَ مِنْ أَصْدَقِ هَؤُلَاءِ الْمُحَدِّثِينَ الَّذِينَ يُحَدِّثُونَ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَإِنْ كُنَّا مَعَ ذَلِكَ لَنَبْلُو عَلَيْهِ الْكَذِبَ".
وقال الحافظ الذهبي –رحمه الله- في "تذهيب التهذيب" (7/453-455) رقم (5695) في ترجمة كعب الأحبار:
"أسلم في خلافة الصديق، ويقال: في خلافة عمر، ويقال: أدرك الجاهلية.
أرسل عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وروى عن عمر وصهيب (س)، وعائشة، وبث كثيراً من الإسرائيليات.
روى عنه: أبو هريرة (د ت س)، وابن عباس (فق)، وابن عمر، ومعاوية (خ)، وابن امرأته تُبَيع (س)، وأبو سلام ممطور (قد)، وأبو رافع الصائغ (د)، وسعيد بن المسيب، وعطاء بن أبي رباح، وخالد بن معدان، وعبد الرحمن بن مغيث (س)، وطائفة.
وكثير من هؤلاء لم يلقه بل أرسل عنه".
وقال الذهبي -أيضاً- في "سير أعلام النبلاء"(3/ 489) -بعد الثناء على كعب-:
"وقدم المدينة من اليمن في أيام عمر -رضي الله عنه-، فجالس أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-، فكان يحدثهم عن الكتب الإسرائيلية، ويحفظ عجائب، ويأخذ السنن عن الصحابة، وكان حسن الإسلام، متين الديانة، من نبلاء العلماء".
وقال الحافظ ابن كثير في تفسير سورة النمل (10/413) بعدما أورد طائفة من الأخبار في قصة ملكة سبأ مع نبي الله سليمان:
"والأقرب في مثل هذه السياقات أنها متلقاة عن أهل الكتاب، مما يوجد في صحفهم، كروايات كعب ووهب - سامحهما الله تعالى -فيما نقلا إلى هذه الأمة من أخبار بني إسرائيل، من الأوابد والغرائب والعجائب، مما كان وما لم يكن، ومما حرف وبدل ونسخ. وقد أغنى الله سبحانه عن ذلك بما هو أصح منه وأنفع وأوضح وأبلغ، ولله الحمد والمنة".
وهذا نص أثر كعب الذي أحال به عادل إلى تفسير ابن أبي حاتم.
قال -رحمه الله- في "تفسيره" (2/492-493) برقم (2608):
"حدثنا أبي ، ثنا أبو صالح ، ثنا الليث ، حدثني خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال ، عن عمر مولى غفرة ، أن كعبا ، ذكر علو الجبار فقال : إن الله تعالى جعل ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة سنة ، وكثف السماء مثل ذلك ، وما بين كل سمائين مثل ذلك ، وكثفها مثل ذلك ، ثم خلق سبع أرضين ، فجعل ما بين كل أرضين ، مابين سماء الدنيا والأرض ، وكثف كل أرض مثل ذلك ، وكان العرش على الماء ، فرفع الماء حتى جعل عليه العرش ، ثم ذهب بالماء حتى جعله تحت الأرض السابعة ، فما بين أعلى الماء الذي على السماء إلى أسفله (كما بين أسفله)([17]) كما بين السماء العليا إلى الأرض السفلى، وذلك مسيرة أربع عشرة ألف([18]) سنة ، ثم خلق خلقاً لعرشه ، جاثية ظهورهم ، فهم قيام في الماء لا يجاوز أقدامهم ، والعرش فوق جماجمهم ، ثم ذهب الجبار تعالى علوا حتى ما يستطيعون أن ينظروا إليه فيقول: (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار)".
أقول: في هذا الإسناد أبو صالح عبد الله بن صالح كاتب الليث، صدوق كثير الغلط، ثبت في كتابه، وكانت فيه غفلة.
وفيه عمر بن عبد الله المدني مولى غُفرة، قال فيه الحافظ الذهبي: عامة حديثه مرسل، ضعّفه النسائي ووثّقه ابن سعد.
وقال الحافظ ابن حجر:ضعيف وكان كثير الإرسال.
فهذا الأثر المنسوب إلى كعب في غاية النكارة، وهو وإن كان في إسناده ضعف لكن إسرائيليته واضحة جداً، وليت ابن أبي حاتم لم ينقله غفر الله له.
ومع ذلك فليس فيه شاهد للحديث المنسوب إلى قتادة بن النعمان كما يوهم ذلك المحققان أو عادل.
وقال أبو الشيخ في كتاب "العظمة" (2/610-612) رقم (234):
"حدثنا الوليد بن أبان، حدثنا يعقوب بن سفيان، حدثنا أبو صالح، حدثني الليث، حدثني خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، أن زيد بن أسلم حدثه، عن عطاء بن يسار، أنه قال: أتى كعباً -يعني رجل- وهو في نفر فقال: يا أبا إسحاق! حدثني عن الجبار تبارك وتعالى فأعظم القوم، فقال كعب: دعوا الرجل، فإنه إن كان جاهلاً لتعلم، وإن كان عالماً ازداد علماً، ثم قال كعب: أخبرك أن الله تعالى خلق سبع سماوات، ومن الأرض مثلهن، ثم جعل تبارك وتعالى ما بين كل سمائين كما بين السماء الدنيا والأرض، وجعل كثفها مثل ذلك، ثم رفع العرش فاستوى عليه، فما من السموات سماء إلا لها أطيط كأطيط الرحل العلافي أول ما يرتحل من ثقل الجبار تبارك وتعالى فوقهن. قال أبو صالح: العلافي: الجديد يريد".
وفي إسناد هذا الأثر الإسرائيلي المنكر أبو صالح تقدم الكلام فيه.
ولفظ "الأطيط" لم يرد في أي حديث صحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
والآثار التي يذكر فيها هذا اللفظ أعتقد أن أصلها هذا الأثر ونحوه من روايات كعب الأحبار، والحمل فيه على كعب أكثر من الحمل على رواته.
ومع هذا فلا شاهد فيه للحديث المنسوب إلى قتادة بن النعمان -رضي الله عنه- من قريب ولا من بعيد، كما يرى القارئ.
وفي أثر كعب عند ابن أبي حاتم زيادات فيها غرابة جداً، وليس فيه ذكر الأطيط الموجود في رواية أبي الشيخ ، ومع كل ذلك فليس في هذين النصين أي شاهد للحديث المنسوب إلى قتادة ابن النعمان -رضي الله عنه-، والذي فيه: " إن الله عز وجل لما قضى خلقه استلقى فوضع إحدى رجليه على الأخرى".
وإذا عرف المسلم أن كعب الأحبار وهو أفضل مسلمة أهل الكتاب قد بثَّ كثيراً من الإسرائيليات العجيبة والمنكرة والغريبة، ولا يبعد أن يكون الحديث المنسوب إلى قتادة ابن النعمان من هذه الإسرائيليات المأخوذة عن كعب، فيجب الحذر أشد الحذر من رواياته، ولا سيما ما يرويه فيما يتعلق بصفات الله -جل وعلا- وأفعاله المقدسة، وكذلك يجب الحذر من مرويات أهل الكتاب المنكرة والغريبة والمحرفة.
ومما يلفت أنظار أهل السنة أن عادلاً يحتفي بهذه الآثار الإسرائيلية الباطلة، ويستشهد بها فيما يتعلق بصفات الله، وهذا انطلاق منه من ذلك المنهج الحدادي القائم على الجهل والهوى.
فائدتان:
الأولى - قال الذهبي -رحمه الله- في كتاب "العلو" (1/414-416) معلقاً على كلمة "الأطيط":
" والأطيط الواقع بذات العرش من جنس الأطيط الحاصل في الرحل، فذاك صفة للرحل وللعرش، ومعاذ الله أن نعدّه صفة لله، ثم لفظ الأطيط لم يأت به نص ثابت([19]).
وقولنا في هذه الأحاديث: إننا نؤمن بما صح منها، وبما اتفق السلف على إمراره وإقراره، فأما ما في إسناده مقالٌ، أو اختلف العلماء في قبوله وتأويله فإننا لا نتعرض له بتقرير، بل نرويه في الجملة ونبين حاله، وهذا الحديث إنما سقناه لما فيه مما تواتر من علو الله فوق عرشه مما يوافق آيات الكتاب".
فاشترط الذهبي للإيمان بهذه الأحاديث شرطين: الأول صحتها، والثاني اتفاق السلف عليها، وهذا هو المنهج الحق، وقد أسلفنا عن كثير من أئمة السلف اشتراط الصحة في الأحاديث المسندة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
أما التعلق بالأحاديث المنكرة والإيمان بما دلّت عليه، فليس من منهج السلف في شيء، وإنما يتشبث بها أهل الأهواء.
الفائدة الثانية- قال الذهبي -رحمه الله- في "سير أعلام النبلاء" (21/160-161)، في ترجمة عبد المغيث بن زهير:
"...ولعبد المغيث غلطات تدل على قلة علمه: قال مرة: مسلم بن يسار صحابي، وصحح حديث الاستلقاء، وهو منكر، فقيل له في ذلك، فقال: إذا رددناه، كان فيه إزراء على من رواه!"([20]).
أصخ إلى قول الذهبي في حديث الاستلقاء إنه حديث منكر.
وأزيد الأمر تأكيداً، فأقول:
ما زعمه المحققان أو عادل من أن أثر([21]) كعب بمعنى حديث قتادة بن النعمان، فليس الأمر كذلك، كما هو واضح، فليس في أثر كعب ذكر الاستلقاء وإنما فيه الاتكاء، والاتكاء يغاير الاستلقاء، نعم يتفقان في قولهما : "يضع إحدى رجليه على الأخرى"، ففي أثر كعب إضافة منكر إلى منكر عند من يعظم الله ولا يعتقد إلا ما ورد من صفات الله في كتابه، وما وردَّ من صحيح سنة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- الذي لا ينطق عن الهوى.
ثم يظهر لي أن الأحاديث التي جاء فيها الاستلقاء والأطيط والاتكاء إنما أصلها أحاديث كعب الأحبار الإسرائيلية، وبرأ الله رسوله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه -رضي الله عنهم- منها.
وقد نقل أهل العلم عن كعب نصاً فيه إثبات علو الله على عرشه، وأنه فوق عباده.
فقد روى أبو الشيخ في كتاب "العظمة" (2/625-626) رقم (244).
قال: "حدثنا الحسن بن علي بن نصر، حدثنا محمد بن إسماعيل السلمي، حدثنا نعيم بن حماد، حدثنا أبو صفوان الأموي، عن يونس بن يزيد، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن كعب الأحبار -رحمه الله تعالى- قال: قال الله -عز وجل- أنا الله فوق عبادي، وعرشي فوق جميع خلقي، وأنا على العرش أدبر أمر عبادي، لا يخفى عليَّ شيء من أمر عبادي في سمائي وأرضي وإن حجبوا عني([22]) فلا يغيب عنهم علمي، وإليَّ مرجع كل خلقي فأنبئهم بما خفي عليهم من علمي، أغفر لمن شئت منهم بمغفرتي، وأعذب من شئت منهم بعقابي".
وفي إسناده نعيم بن حماد الخزاعي، قال الحافظ ابن حجر: صدوق، يخطئ كثيراً.
ورواه أبو نعيم في "الحلية" (6/7) بإسناده إلى نعيم بن حماد به.
وأورده الحافظ الذهبي -رحمه الله- في كتاب "العرش" (2/187-188).
وقال: رواه أبو الشيخ الأصبهاني وابن بطة العكبري وغيرهما بإسناد صحيح من حديث أبي صفوان الأموي أحد رجال مسلم، واسمه عبد الله بن سعد بن عبد الملك بن مروان، عن يونس بن زيد، فذكره".
وأورده في كتاب "العلو" (2/863) برقم (287)، وقال: رواته ثقات.
وقد عرفت أن في إسناده نعيم بن حماد، وهو صدوق يخطئ كثيراً، وقال الذهبي في "الميزان": في حديثه لين.
وأورده الإمام ابن القيم -رحمه الله- في "اجتماع الجيوش الإسلامية" (ص129-130).
فقال -رحمه الله-: "(قول كعب الأحبار رحمه الله تعالى):
قال الليث بن سعد حدثني خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال أن زيد بن أسلم حدثه عن عطاء بن يسار قال: أتى رجل كعباً، وهو في نفر، فقال: يا أبا إسحاق حدثني عن الجبار، فأعظم القوم قوله، فقال كعب: دعوا الرجل، فإن كان جاهلاً تعلّم، وإن كان عالماً ازداد علماً، ثم قال كعب: أخبرك أن الله خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن، ثم جعل ما بين كل سمائين كما بين السماء الدنيا والأرض، وكثفهن مثل ذلك، ثم رفع العرش فاستوى عليه.
وقال نعيم بن حماد: أخبرنا أبو صفوان الأموي، عن يونس بن يزيد، عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن كعب قال: قال الله في التوراة: أنا الله فوق عبادي، وعرشي فوق جميع خلقي، وأنا على عرشي، أدبر أمور عبادي، لا يخفى عليَّ شيء من أمر عبادي في سمائي ولا في أرضي، وإليَّ مرجع خلقي، فأنبئهم بما خفي عليهم من علمي، أغفر لمن شئت منهم بمغفرتي، وأعاقب من شئت بعقابي".
ولم يتعرض الإمام ابن القيم لإسنادي هاتين الروايتين بتصحيح ولا تضعيف.
أما الأول فلم يذكر إسناده إلى الليث بن سعد، وسيأتي الكلام عليه.
وأما الثاني ففي إسناده نعيم بن حماد، وقد عرف القارئ حاله.
ومع هذا فلا نكارة في متنيهما، ولا حرج من نقلهما للاستئناس بهما، ولأنهما لا يخالفان نصاً من كتاب الله ولا من سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بل هما موافقان لنصوص الكتاب والسنة في إثبات علو الله، واستوائه على عرشه.
ولا يصح الاستشهاد بهما لدعم الحديث المنسوب إلى قتادة بن النعمان -رضي الله عنه-، الذي فيه وصف الله بما لا يليق بجلاله.
بل هما يدلان على شدة ضعف الحديث المنسوب إلى قتادة بن النعمان -رضي الله عنه- وشدة ضعف أثر كعب السابق الذي فيه نسبة الاتكاء إلى الله تعالى، والزعم أنه وضع إحدى رجليه على الأخرى.
هذا، وعلى المؤمن حقاً الذي يُعظِّم الله -جل وعلا-، ويعزر رسوله ويوقره أن يحذر كل الحذر من الأخذ بالأحاديث الضعيفة والواهية والموضوعة في مجالات العقيدة وفروع الشريعة، وأن يتمسك بنصوص الكتاب ونصوص السنة الصحيحة في عقيدته وعبادته وأخلاقه وفي كل شئون حياته، ويعض عليها بالنواجذ.
وحيث أن مقالي هذا يتعلق بالكلام على حديث ضعيف، استدل به من لا يُفرِّق بين الأحاديث الصحيحة والضعيفة على إثبات صفة لله لا تليق بجلاله وعظمته.
مخالفاً بذلك منهج جمهور السلف الذين لا يصفون الله -جل وعلا- إلا بما وصف به نفسه، أو بما ثبت وصحَّ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي لا ينطق عن الهوى من صفات الكمال والجلال من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تشبيه ولا تمثيل، على أساس قول الله تعالى: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)، أي ليس كمثله شيء، لا في ذاته ولا في صفاته، ولا في أفعاله.
فقد نفى الله عن نفسه كل أنواع المماثلة والمشابهة.
وأثبتَ لنفسه السمع المحيط بكل المسموعات، والبصر المحيط بكل المبصرات، والعلم المحيط بكل المعلومات، لا يخفى عليه شيء في الأرضين ولا في السماوات.
وهو على كل شيء قدير، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماوات، له الأسماء الحسنى والصفات العلى، (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)، وهو العلي الأعلى.
دلَّ على علوه على جميع مخلوقاته واستوائه على عرشه نحو ألف دليل، كما قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-، وقد ألّف في إثبات علو الله كتابه "اجتماع الجيوش الإسلامية على المعطلة والجهمية"، وكتاب "الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة".
وألّفَ الحافظ الذهبي كذلك في إثبات علو الله واستوائه على عرشه كتابين: كتاب "العرش"، وكتاب "العلو للعلي الغفار".
وللسلف الصالح مؤلفات كثيرة في العقائد عموماً، وفي إثبات علو الله واستوائه على عرشه على وجه الخصوص.
ومنها مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، ومنها "الواسطية" و"الحموية" و"التدمرية".
ومنها "درء تعارض العقل والنقل"، و" بيان تلبيس الجهمية"، يثبت فيها صفات الله -جل وعلا-، ويرد على الجهمية ومن سار على نهجهم في تعطيل صفات الله.
رحم الله سلفنا الصالح وجزاهم بما عملوا أحسن الجزاء، وأسكنهم فسيح جناته، وألحقنا بهم عملاً وجزاء ومصيراً، إن ربنا لسميع الدعاء.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه
ربيع بن هادي عمير المدخلي
6/2/1434هـ
[1] - أي حديث الاستلقاء المذكور آنفاً.
[2] - أو عادل.
[3] - إسماعيل بن راشد السلمي ، قال فيه ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (2/169): "إسماعيل بن راشد السلمي وهو إسماعيل بن أبي إسماعيل أخو محمد بن أبي إسماعيل، روى عن سعيد بن جبير روى عنه حصين بن عبد الرحمن السلمي، يعد في الكوفيين" ، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، فهو مجهول عنده.
[4] - لم أجده في هذا الموضع، ووجدته برقم (6741).
[5] - ورواه أبو داود في "سننه" حديث (4866)، والترمذي في "سننه" حديث (2765)، وابن حبان في "صحيحه" حديث (5552).
[6] - في رواية سفيان بن حسين عن الزهري ضعف.
[7] - جابر هنا وفي الأثر رقم (25902) هو الجعفي، وهو رافضي، وقد وثّقه جماعة، والظاهر أن سفيان روى عنه قبل أن يظهر رفضه.
[8] - تقدّم بيان ضعف هذا الأثر لجهالة إسماعيل بن راشد.
[9] - قال الحافظ ابن حجر: صدوق، فيه لين، وقال النسائي: ليس بالقوي، ووثّقه أبو داود، وتكلم فيه عدد من الأئمة، وقال ابن عدي بعد أن ذكر له أحاديث كلها أو عامتها غير محفوظة: وله غير ما ذكرت، وفي بعض رواياته ما لا يوافقه عليه الثقات، وهو ممن يكتب حديثه."تهذيب التهذيب" (9/196).
[10] - ليث -في هذا الأثر والذي قبله- هو ابن أبي سليم، وهو ممن اختلط فلم يتميز حديثه قبل الاختلاط من حديثه بعد اختلاطه.
[11] - مشهور جداً عن الإمام أحمد وأهل الحديث اشتراط الصحة لقبول الأحاديث المتعلقة بصفات الله وسائر العقائد، والمتعلقة بالحلال والحرام، وقد مضى نقل هذا عن أئمة السلف، فهل يلتزم الحداديون هذا المنهج؟
[12] - أو عادل.
[13] - أو عادل.
[14] - رجعتُ إلى الموضع الذي أحال عليه عادل، فلم أجد هذا الأثر عن كعب.
[15] - قول كعب: "ثم تفطر السماوات"، يخالف قول الله تعالى: (تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ).
[16] - والكلام فيه كثير.
[17] - كذا، والظاهر أنها ألفاظ مقحمة.
[18] - في الأصل: "أربع عشرة ألفا سنة".
[19] - انتبه لقول الذهبي هذا في لفظ الأطيط.
[20] - أقول: إن هذا لقول عجاب، كيف يصحح حديثاً باطلاً خشية الإزراء على من رواه؟ فماذا سيقول غداً إذا سئل عن تصحيح كلام باطل نُسب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
[21] - وقد عرف القارئ أن أثر كعب قد جاء على وجوه مختلفة.
[22] - هذه الجملة معناها غير صحيح، فإن الله لا يحجب علمه وبصره شيء.
المنهج الحدادي يحتفي أهله بالأحاديث الواهية والمنكرة ليشغبوا بها
على جمهور أهل السنة السابقين واللاحقين، بل ليطعنوا فيهم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.
أما بعد:
فهذه هي الحلقة الثانية من الرد على عادل آل حمدان في تعلقه بالحديث المنكر المنسوب إلى قتادة بن النعمان -رضي الله عنه-، والذي فيه: " إن الله -عزَّ وجل- لما قضى خلقه استلقى، فوضع إحدى رجليه على الأخرى".
ونحن نسير على منهج السلف الصالح في إثبات صفات الله الواردة في كتاب الله وفي سنة رسول الله الصحيحة، ولا نقبل في هذا الباب وغيره؛ خاصة أبواب الحلال والحرام الأحاديثَ المنكرة والآثار الغريبة، لاسيما إذا اشتملت على ما لا يليق بجلال الله وعزته وعظمته.
8- قال المحققان أو أحدهما في (ص188) من حاشية "إثبات الحد"، ويغلب على ظني أنه عادل آل حمدان:
"الحكم على الحديث([1]):
اختلف أهل العلم في الحكم على هذا الحديث، وممن صحح هذا الحديث:
1- أبو موسى المديني، كما نقل كلامه الدشتي.
2- الخلال في "السنة"، كما تقدّم قريباً.
3- ابن القيم في ["اجتماع الجيوش"(ص108)]، قال: إسناده صحيح على شرط البخاري.
4- الذهبي في "العلو" (110)، وقال: رواته ثقات".
أقول: لماذا أهملتَ الكثير من الحفاظ الذين ردّوا هذا الحديث المنكر والذين ذكرهم الحافظ أبو القاسم التيمي؟
وقول أبي موسى أو الدشتي:
"ورواة هذا الحديث من طريق قتادة وشداد -رضي الله عنهما- عامَّتُهم من رجال الصحيح".
أقول: إن قوله" "عامّتُهم من رجال الصحيح" لا يعد تصحيحاً، إذ من المعلوم عند أهل الحديث أن هناك فرقاً بين أن يقول المحدث: هذا حديث صحيح، فيكون جازماً بالحكم بصحته.
وبين أن يقول: رجال هذا الحديث من رجال الصحيح، أو إسناد هذا الحديث صحيح؛ لأنه كم من حديث إسناده من رجال الصحيح، وهو ينطوي على علة قادحة.
وفي كتب العلل أحاديث كثيرة، أدخلها أئمة الحديث في كتبهم، مع أن ظاهر أسانيدها الصحة، بينما هي تنطوي على علل قادحة.
بل هناك أحاديث في الصحيحين أعلّها الدارقطني وغيره.
قال ابن الصلاح -رحمه الله- في كتابه "علوم الحديث" (ص81):
" اعلم أن معرفة علل الحديث من أجلّ علوم الحديث وأدقها وأشرفها،وإنما يضطلع بذلك أهل الحفظ والخبرة والفهم الثاقب، وهي عبارة عن أسباب خفية غامضة قادحة فيه. فالحديث المعلل هو : الحديث الذي اطلع فيه على علة تقدح في صحته مع أن ظاهره السلامة منها، ويتطرق ذلك إلى الإسناد الذي رجاله ثقات الجامع شروط الصحة من حيث الظاهر. ويستعان على إدراكها بتفرد الراوي وبمخالفة غيره له مع قرائن تنضم إلى ذلك تنبه العارف بهذا الشأن على إرسال في الموصول، أو وقف في المرفوع، أو دخول حديث في حديث، أو وهم واهم بغير ذلك، بحيث يغلب على ظنه ذلك، فيحكم به أو يتردد فيتوقف فيه . وكل ذلك مانع من الحكم بصحة ما وجد ذلك فيه".
أقول: فكيف بحديث مداره على شخصين مضعّفَين، وهما فليح بن سليمان وابنه محمد، ومتنه واضح النكارة؟
ولو ادعى العشرات أنه صحيح وهذا حاله فلا تقبل دعواهم.
وقوله: "2- الخلال في "السنة"".
أقول: لا يوجد هذا الحديث في "السنة" للخلال، وأظن أن الذي عزا إليه هذا الحديث واهم، فكيف وقد عرف القارئ المنصف الفطن ضعف إسناد هذا الحديث ونكارة متنه؟
فإن أصرَّ عادل على هذه النسبة إلى الخلال، فليبرز لنا نص تصحيحه من كتاب "السنة" للخلال.
وأقول: إن قولك: " ابن القيم في ["اجتماع الجيوش"(ص108)]، قال: إسناده صحيح على شرط البخاري" ، لمن المغالطات والتلبيسات الشنيعة.
فابن القيم -رحمه الله- إنما قال هذا القول في الحديث المنسوب إلى قتادة بن النعمان -رضي الله عنه-: "لما فرغ الله من خلقه استوى على عرشه"، لا حديث الاستلقاء المنكر، فإنه قد ضعّفه –رحمه الله-، مع أن قوله: " إسناده صحيح على شرط البخاري" فيه تساهل.
وقولك: " الذهبي في "العلو" (110)، وقال: رواته ثقات" مغالطة أخرى.
فالذهبي إنما قال هذا في كلام هذا نصه: "حديث قتادة بن النعمان سمع النبي –صلى الله عليه وسلم- يقول: "لما فرغ الله من خلقه استوى على عرشه" رواته ثقات، ورواه أبو بكر الخلال في كتاب "السنة" له.
فلم يصحح النص الذي فيه إن الله استلقى على ظهره، ووضع إحدى رجليه على الأخرى.
ثم إن في قوله: "رواته ثقات" تساهل.
فقد قال في فليح بن سليمان في "الكاشف" (2/125):
"قال ابن معين وأبو حاتم والنسائي: ليس بالقوي".
وقال في "الكاشف" (2/211) في محمد بن فليح: "ليّنه ابن معين".
أقول: بل قال ابن معين: "فليح بن سليمان ليس بثقة ولا ابنه"، "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (8/59).
وقال أبو زرعة في فليح: "واهي الحديث هو وابنه محمد"، "سؤالات البردعي لأبي زرعة رقم (112).
ولا أستبعد أن عادلاً يعرف هذا في فليح وابنه.
ثم أقول: وهذا اللفظ مع ضعف إسناده يدعمه نصوص لا تحصى من كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، منها سبع آيات تنص على استواء الله على عرشه: ( الرحمن على العرش استوى)، ( خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش)، إلى آخر الآيات، ومنها آيات الصعود إليه تعالى، وآيات النـزول منه -جل وعلا-.
وقد ألّف ابن القيم كتابه القيم " اجتماع الجيوش الإسلامية" لإثبات علو الله على مخلوقاته، واستوائه على عرشه، و" الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة" لإثبات علو الله واستوائه على عرشه.
وألّف الذهبي كتاب " العلو للعلي الغفار".
فلو جاء حديث ضعيف ضعفه محتمل لإثبات استواء الله على عرشه وعلوه عليه وعلى سائر خلقه لمشاه أهل الحديث.
أما مثل هذا الحديث المنكر في الاستلقاء الذي تريدان تمشيته وتصحيحه، فهذا منكما مخالف لمنهج السلف ومقاصدهم النبيلة.
9- قال المحققان([2]) في (ص188-189) من حاشية "إثبات الحد لله":
" ومما يشهد لهذا الحديث:
1- حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يستلقِيَنَّ أحدكم ثم يضع إحدى رجليه على الأخرى". [رواه مسلم (2099)].
2- حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يثني الرجل إحدى رجليه على الأخرى.
[رواه الطحاوي في "شرح المعاني" (4/277)، وابن حبان في "صحيحه" (5554)].
3- حديث شداد بن أوس -رضي الله عنه-، كما تقدم.
4- أثر ابن عباس -رضي الله عنهما- عن إسماعيل بن راشد([3]) قال: استلقيت فرفعت إحدى رجلي على ركبتي، فرماني سعيد بحصيات، ثم قال: إن ابن عباس كان ينهى عن هذا.
رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" ( 5572) و( 5573).
5- حديث كعب بن عجرة -رضي الله عنه -.
رواه ابن أبي شيبة (5574)، وابن المحب في "الصفات" (1/241/أ) .
ورواه خشيش بن أصرم، ذكره ابن المحب في "الصفات" (1/241/أ)، ورواه الطحاوي في "شرح المعاني" (6881)([4]) .
ورواه الحكم بن معبد، ذكره ابن المحب في " الصفات" (1/241/أ).وإسناده صحيح، وله حكم الرفع.
ولفظها: عن أبي وائل قال: كان الأشعث، وجرير بن عبد الله، وكعب قعوداً، فرفع الأشعث إحدى رجليه على الأخرى وهو قاعد.
فقال له كعب بن عُجرة : ضعها، فإنه لا يصلح لبشر".
أقول: 1- إن كل هذه الأحاديث من حديث جابر إلى حديث كعب بن عجرة، ليس فيها أي شهادة لما في حديث قتادة من الكلام المنكر، ألا وهو قوله: " إن الله -عزّ وجل- لما قضى خلقه استلقى، ووضع إحدى رجليه على الأخرى".
فسردهما لهذه الأحاديث في غير موضعه، بل هو من المغالطات.
فهي في واد، ولفظ الاستلقاء ووضع إحدى الرجلين على الأخرى المنسوبان إلى الله تعالى في واد آخر.
2- وأقول: إن حديث جابر -رضي الله عنه- صحيح، وحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- حسن، ولكنهما لا يشهدان لذلك الحديث الشديد النكارة .
3- ثم لماذا تأخذ ما ترى أنه لك، وتهمل ما ترى أنه عليك؛ شأن أهل الأهواء؟
ألم تعلم أن البخاري ومسلماً والترمذي والنسائي والطحاوي وغيرهم قد رووا عن عباد بن تميم عن عمه عبد الله بن زيد بن عاصم المازني أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- مستلقياً في المسجد، واضعاً إحدى رجليه على الأخرى.
قال الإمام البخاري- رحمه الله – في كتاب "الصلاة" حديث (475):
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُسْتَلْقِيًا فِي الْمَسْجِدِ وَاضِعًا إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى.
ثم قال: وَعَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ قَالَ: كَانَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ يَفْعَلَانِ ذَلِكَ.
ثم رواه في كتاب "اللباس" حديث (5969) باب "الاستلقاء ووضع الرجل على الأخرى".
قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ به.
ثم رواه في كتاب "الاستئذان"، باب "الاستلقاء" حديث (6287).
قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبَّادُ بْنُ تَمِيمٍ به.
وقال الإمام مسلم في كتاب "اللباس والزينة" حديث (2100):
"حدثنا يحيى بن يحيى، قال: قرأت على مالك، عن ابن شهاب، عن عباد بن تميم، عن عمه أنه: رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-([5]) مستلقياً في المسجد واضعاً إحدى رجليه على الأخرى".
أقول: لا أستبعد أن المحقق لكتاب الدشتي قد رأى هذا الحديث على الأقل في صحيح مسلم، ولكنه أغفله انتصاراً لرأيه، وهذا من كتمان الحق الذي ذم الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – أهله أشد الذم.
وقد تكلم العلماء فيما يظهر من تعارض بين عمل النبي -صلى الله عليه وسلم – وما يفيده من جواز الاستلقاء ووضع إحدى الرجلين على الأخرى، وبين نهيه -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك.
فقال الطحاوي -رحمه الله- في "شرح معاني الآثار" (4/279) بعد أن ساق أحاديث النهي عن الاستلقاء وأحاديث الإباحة:
" فاحتمل أن يكون أحد الأمرين قد نسخ الآخر، فلما وجدنا أبا بكر وعمر وعثمان -رضي الله عنهم-، وهم الخلفاء الراشدون المهديون، على قربهم من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعلمهم بأمره، قد فعلوا ذلك بعده، بحضرة أصحابه جميعاً، وفيهم الذي حدَّث بالحديث الأول عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الكراهة، فلم ينكر ذلك أحد منهم، ثم فعله عبد الله بن مسعود وابن عمر وأسامة بن زيد وأنس بن مالك -رضي الله عنهم- فلم ينكر عليهم منكر.
ثبت بذلك أن هذا هو ما عليه أهل العلم، من هذين الخبرين المرفوعين، وبطل بذلك ما خالفه لما ذكرنا وبينا".
وقال المعلِّق على "سنن أبي داود":
"قال الشيخ (يعني الخطابي) يشبه أن يكون إنما نهى عن ذلك من أجل انكشاف العورة، إذ كان لباسهم الأزر، دون السراويلات. والغالب: أن أزرهم غير سابغة، والمستلقي إذا رفع إحدى رجليه على الأخرى مع ضيق الإزار لم يسلم أن ينكشف شيء من فخذه، والفخذ عورة.
فأما إذا كان الإزار سابغاً، أو كان لابسه عن التكشف متوقياً، فلا بأس به، وهو وجه الجمع بين الخبرين، والله أعلم" . انظر "سنن أبي داود" (5/187) الحاشية على حديث (4865) .
وأعتقد أن عادلاً اطلع على الأقل على كلام الطحاوي.
وأما أثر ابن عباس -رضي الله عنهما- فلا يثبت عنه، إذ في الإسناد إليه إسماعيل بن راشد السلمي، وهو مجهول، إذ لم يرو إلا عن سعيد بن جبير، ولم يرو عنه إلا حصين بن عبد الرحمن السلمي فقط.
انظر "التأريخ" للإمام البخاري (1/353) رقم (1114)، و"الجرح والتعديل" للإمام ابن أبي حاتم (1/169) رقم (567).
وأما أثر كعب بن عجرة -رضي الله عنه- فلا نستطيع أن نقول: له حكم الرفع:
1- لأنه لا يتحدث عن أمر غيبي، وإنما تحدث عن أمر من مسارح الاجتهاد.
2- أعتقد أن هذا الصحابي الجليل لو رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفعل هذا، أو بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعله.
وأن الخليفتين الراشدين عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان -رضي الله عنهما- فعلا ذلك، لما استنكر هذا الفعل قائلاً: "ضعها، فإنه لا يصلح لبشر".
وهذه آثار عن الصحابة وغيرهم تفيد جواز وضع إحدى الرجلين على الأخرى:
قال ابن أبي شيبة في "مصنفه" (8/408-410):
" فِي الرَّجُلِ يَجْلِسُ وَيَجْعَلُ إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى.
25897- حَدَّثَنَا ابْن عُيَيْنَةَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ ، عَنْ عَمِّهِ ، قَالَ : رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- مُسْتَلْقِيًا فِي الْمَسْجِد ، قَدْ وَضَعَ إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى.
25898- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلاَنَ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : دُخلَ عَلَى عُمَرَ أَو رُئِي مُسْتَلْقِيًا وَاضِعًا إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى.
25899- حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ([6]) ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ ، أَنَّهُ رَأَى أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ جَالِسًا وَاضِعًا إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى.
25900- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ أُسَامَةَ ، عَنْ نَافِعٍ ، قَالَ : كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَضْطَجِعُ فَيَضَعُ إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى.
25901- حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، عَنْ أُسَامَةَ ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: كان ابْنُ عُمَرَ يَسْتَلْقِي عَلَى قَفَاهُ وَيَضَعُ إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى لاَ يَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا ، وَيَفْعَلُهُ وَهُوَ جَالِسٌ لاَ يَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا.
25902- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ إسْرَائِيلَ ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، قَالَ : إنَّمَا يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ أَهْلُ الْكِتَابِ ، وَقَالَ عَامِرٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ : لاَ بَأْسَ به.
25903- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنِ ابْنِ الغَسِيل ، قَالَ : حدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو ، أَنَّ بِلاَلاً فَعَلَهُ : وَضَعَ إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى.
25904- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَاجِشُونِ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ، أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ كَانَا يَفْعَلاَنِهِ.
25905- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ جَابِرٍ([7]) ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ ، عَنْ عَمِّهِ ، قَالَ : رَأَيْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ فِي الأَرَاكِ مُسْتَلْقِيًا وَاضِعًا إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى وَهُوَ يَقُولُ : {رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}.
25906- حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ عِمْرَانَ - يَعْنِي ابْنَ مُسْلِمٍ - قَالَ : رَأَيْتُ أَنَسًا وَاضِعًا إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى .
25907- حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، عَنِ الْعَوَّامِ ، عَنِ الْحَكَمِ ، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا مِجْلَزٍ عَنِ الرَّجُلِ يَجْلِسُ ، وَيَضَعُ إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى فَقَالَ : لاَ بَأْسَ بِهِ ، إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ كَرِهَتْهُ الْيَهُودُ ، قَالُوا : إِنَّهُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ، ثُمَّ اسْتَوَى يَوْمَ السَّبْتِ فَجَلَسَ تِلْكَ الْجِلْسَةَ.
25908- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ أَبِي هِلاَلٍ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ ، أَنَّ هَارُونَ بْنَ رِئَابٍ ، قَالَ لَهُ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى سَرِيرِهِ وَاضِعًا إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى : يُكْرَهُ هَذَا يَا أَبَا بَكْرٍ ؟ قَالَ : لاَ.
25909- حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ ، قَالَ : حدَّثَنِي الرَّبِيعُ بْنُ الْمُنْذِرِ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي ، قَالَ : رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَنَفِيَّةِ وَاضِعًا إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى.
25910- حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ إسْرَائِيلَ ، قَالَ : قيلَ لَهُ : أَرَأَيْت الشَّعْبِيَّ يَضَعُ إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى ؟ قَالَ : نَعَمْ".
وقال ابن أبي شيبة عقب هذا الباب:
"من كرِه أن يضع إحدى رِجليهِ على الأخرى.
25911- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ ، عَنْ حُصَيْنٍ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أبي إسْمَاعِيلَ رَاشِدٍ ، قَالَ : اسْتَلْقَيْت فَرَفَعْت إحْدَى رِجْلَيْ عَلَى رُكْبَتِي ، فَرَمَانِي سَعِيدٌ بِحَصَيَاتٍ ، ثُمَّ قَالَ : إنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَنْهَى عَنْ هَذَا([8]).
25912- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ أَبِي هِلاَلٍ([9]) ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَضْطَجِعَ وَيَضَعَ إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى.
25913- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ إِسْمَاعِيل ، عَنْ وَاصِلٍ ، أَنَّ جَرِيرًا جَلَسَ وَوَضَعَ إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى فَقَالَ لَهُ كَعْبٌ : ضَعْهَا ، فهذَا لاَ يَصْلُحُ لِبَشَرٍ.
25914- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ ، أَنَّ كَعْبًا ، قَالَ لَهُ : ضَعْهَا ، فَإِنَّ هَذَا لاَ يَصْلُحُ لِبَشَرٍ.
25915- حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ ، عَنْ حَبِيبٍ ، قَالَ : رَآنِي مُحَمَّدٌ وَقَدْ وَضَعْت رِجْلِي هَكَذَا وَوَضَعَ قَدَمَهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى ، قَالَ : فَقَالَ : ارْفَعْهَا ، قَدْ تَوَاطَؤُوا عَلَى الْكَرَاهِيَةِ لَهَا ، قَالَ : فَذَكَرْت ذلك لِلْحَسَنِ ، قَالَ : فكَانَتِ الْيَهُودُ يَكْرَهُونَهُ فَخَالَفَهُمَ الْمُسْلِمُونَ.
25916- حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ ، عَنْ حَسَنٍ ، عَنْ مُغِيرَةَ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ ، أَنَّهُ كان يكره أَنْ يَجْلِسَ الرَّجُلُ فَيَضَعَ عَقِبَهُ عَلَى فَخِذِهِ وقال : هُوَ التَّوَرُّكُ.
25917- حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ ، عَنْ حَسَنٍ ، عَنْ لَيْثٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، أَنَّهُ نَهَى عَنْهُ.
25918- حَدَّثَنَا ابْنُ إدْرِيسَ ، عَنْ لَيْثٍ([10]) ، عَنْ طَاوُوسٍ ، أَنَّهُ كَرِهَ التَّرَبُّعَ وَقَالَ : جِلْسة مُهْلِكة".
أقول بعد هذا: إنه قد تقدّم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعمر وعثمان -رضي الله عنهما- وابن عمر وابن مسعود وأنس وغيرهم كانوا يفعلونه، كما تقدّم الجمع بين النهي والجواز.
وتقدّم في الحلقة الأولى اشتراط أئمة الإسلام -رحمهم الله- الصحة لقبول ما يروى عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتحذيرهم من رواية وتتبع الأحاديث الضعيفة، ومن هؤلاء الأئمة الإمام أحمد –رحمه الله-.
وأعيد القول بأن الإمام أحمد -رحمه الله- يشترط الصحة لقبول الأحاديث التي تروى في أبواب العقائد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- في "درء تعارض العقل والنقل" (2/29-31):
"كلام الخلال في كتاب "السنة"
وقال أبو بكر الخلال في كتاب "السنة": ( أخبرني يوسف بن موسى أن أبا عبدالله - يعني أحمد بن حنبل - قيل له : أهل الجنة ينظرون إلى ربهم عز وجل ويكلمونه ويكلمهم ؟ قال: نعم، ينظر وينظرون إليه، ويكلمهم ويكلمونه، كيف شاء وإذا شاء ).
قال: ( وأخبرني عبد الله بن حنبل قال : أخبرني أبي حنبل بن إسحاق قال : قال عمي : نحن نؤمن بأن الله على العرش كيف شاء وكما شاء، بلا حد ولا صفة يبلغها واصف أو يحده أحد، فصفات الله له ومنه، وهو كما وصف نفسه { لا تدركه الأبصار} بحد ولا غاية { وهو يدرك الأبصار } ( سورة الأنعام : 103 ) هو عالم الغيب والشهادة وعلام الغيوب، ولا يدركه وصف واصفٍ، وهو كما وصف نفسه، وليس من الله شيء محدود، ولا يبلغ علم قدرته أحد، غلب الأشياء كلها بعلمه وقدرته وسلطانه { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } ( سورة الشورى : 11 )، وكان الله قبل أن يكون شيء، والله هو الأول وهو الآخر، ولا يبلغ أحد حدَّ صفاته.
قال : وأخبرني علي بن عيسى أن حنبلا حدثهم، قال : سألت أبا عبد الله عن الأحاديث التي تُروى"إن الله تبارك وتعالى ينـزل كل ليلة إلى السماء الدنيا" و "إن الله يرى" و "إن الله يضع قدمه" وما أشبه هذه الأحاديث، فقال أبو عبد الله : نؤمن بها، ونصدِّق بها، ولا كيف ولا معنى - أي لا نكيِّفها ولا نحرِّفها بالتأويل، فنقول : معناها كذا- ولا نرد منها شيئاً، ونعلم أن ما جاء به الرسول حق ، إذا كان بأسانيد صحاح، ولا نرد على الله قوله، ولا يوصف الله بأكثر مما وصف به نفسه بلا حد ولا غاية، ليس كمثله شيء".
وقال أبو القاسم اللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة" رقم (2090):
"أنا عبيد الله بن محمد بن أحمد قال: أنا عثمان بن أحمد قال: نا حنبل قال: قلت: لأبي عبد الله -يعني أحمد بن حنبل- ما يروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الشفاعة فقال: هذه أحاديث صحاح نؤمن بها ونقر، وكل ما روي عن النبي –صلى الله عليه وسلم- بأسانيد جيدة نؤمن بها ونقر. قلت له: وقوم يخرجون من النار، فقال: نعم، إذا لم نقر بما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- ودفعناه رددنا على الله أمره، قال الله -عز وجل-: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)، قلت: والشفاعة؟، قال كم حديث يروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الشفاعة والحوض، فهؤلاء يكذبون بها ويتكلون، وهو قول صنف من الخوارج، وإن الله تعالى لا يخرج من النار أحدا بعد إذ أدخله، والحمد لله الذي عدل عنا ما ابتلاهم به"([11]).
اعرف أيها الفطن الشحيح بدينه منهج الإمام أحمد، ألا تراه يشترط للإيمان بصفات الله أن يكون منصوصاً عليها في كتاب الله، ومنصوصاً عليها في سنة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- الثابتة بالأسانيد الصحيحة، ويقول: ولا نتعدى ذلك.
فهو لا يقبل في هذا الباب الأحاديث الضعيفة ولا أقوال البشر المخالفة للكتاب أو السنة، وهذا منهج أساطين أئمة الإسلام، رحمهم الله وأعلى منازلهم في دار النعيم.
10- قال المحققان([12]) في (ص189) من حاشية "إثبات الحد لله":
" 6- حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه-، وقد مضى.
ورواه إسحاق بن راهويه بمعنى حديث قتادة بن النعمان -رضي الله عنه-.
ذكره ابن المحب في "الصفات" (1/237/ب)".
أقول: لا يُعرف نص حديث ابن مسعود -رضي الله عنه-، وقد رجعنا إلى تفسير قول الله تعالى: ( الرحمن على العرش استوى) من سورة طه، كما أشار إلى ذلك الدشتي، فلم نجده بعد تفتيش عدد من كتب التفسير، كتفسير ابن جرير وابن كثير والبغوي والدر المنثور للسيوطي.
لكني وجدت نصاً عنه وهو الآتي:
قال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي - رحمه الله- في كتاب "الرد على الجهمية" (ص77) رقم (35):
"حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد، يعني ابن سلمة، عن عاصم، عن زر، عن ابن مسعود -رضي الله عنه-، قال: ما بين السماء الدنيا والتي تليها مسيرة خمسمائة عام، وبين كل سماءين مسيرة خمسمائة عام، وبين السماء السابعة وبين الكرسي خمسمائة عام، وبين الكرسي إلى الماء خمسمائة عام، والعرش على الماء، والله تعالى فوق العرش، وهو يعلم ما أنتم عليه".
وأورده في كتاب "النقض" برقم (140).
ورواه الإمام ابن خزيمة في كتاب "التوحيد" برقم (138، 139).
ورواه أبو الشيخ في كتاب "العظمة" (2/688-689)، برقم (279).
قال: حدثنا الوليد، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا حجاج، حدثنا حماد، عن عاصم به.
وأورده الحافظ الذهبي في "كتاب العلو" (1/417)، رقم (67) بإسناده إلى عبد الرحمن ابن مهدي عن حماد بن سلمة به.
فإن كان المراد بحديث ابن مسعود -رضي الله عنه- هذا النص، فيقال: إن هذا النص في واد، ولفظ الاستلقاء ووضع إحدى الرجلين على الأخرى في واد آخر، وما هكذا يا سعد تورد الإبل.
11- قال المحققان([13]) في (ص189) من حاشية "إثبات الحد لله":
"7- أثر كعب الأحبار -رحمه الله-.
تفسير ابن جرير (21/501)، وابن أبي شيبة (5574)([14]).
[وانظر: تفسير ابن أبي حاتم (2/2608)، و"العظمة" لأبي الشيخ (2/234)]".
أقول: أثر كعب أورده ابن جرير في تفسيره.
قال -رحمه الله- في "تفسير سورة الشورى" (25/7):
حدثنا محمد بن منصور الطوسي، قال: ثنا حسين بن محمد، عن أبي معشر، عن محمد بن قيس، قال: جاء رجل إلى كعب فقال: يا كعب أين ربنا؟ فقال له الناس: دقّ الله تعالى، أفتسال عن هذا؟ فقال كعب: دعوه، فإن يك عالما ازداد، وإن يك جاهلا تعلّم. سألتَ أين ربنا، وهو على العرش العظيم متكئ، واضع إحدى رجليه على الأخرى، ومسافة هذه الأرض التي أنت عليها خمس مئة سنة، ومن الأرض إلى الأرض مسيرة خمس مئة سنة، وكثافتها خمس مئة سنة، حتى تمّ سبع أرضين، ثم من الأرض إلى السماء مسيرة خمس مئة سنة ، وكثافتها خمس مئة سنة ، والله على العرش متكئ ، ثم تفطر ([15]) السماوات.
ثم قال كعب: اقرءوا إن شئتم(تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ).... الآية".
أقول: 1- أثر كعب هذا إسناده ضعيف جداً، ومتنه منكر جداً.
إذ في إسناده محمد بن قيس، قال فيه الذهبي في "المغني" (2/626): محمد بن قيس، شيخ أبي معشر السندي، قال ابن معين: ليس بشيء . وقواه غيره".
وقال ابن حجر في "التقريب": ضعيف.
وفيه أبو معشر، قال ابن سعد: "كان كثير الحديث ضعيفاً، وقال أبو داود أيضا له أحاديث مناكير وذكره ابن البرقي فيمن احتملت روايته في القصص ولم يكن متين الرواية وقال الساجي منكر الحديث وكان أميا صدوقا إلا أنه يغلط وقال ابن نمير كان لا يحفظ الأسانيد وقال الحاكم أبو أحمد ليس بالمتين عندهم وقال الدارقطني ضعيف وقال الخليلي أبو معشر له مكان في العلم والتاريخ وتاريخه احتج به الأئمة وضعفوه في الحديث وكان ينفرد بأحاديث أمسك الشافعي عن الرواية عنه وتغير قبل أن يموت بسنتين تغيرا شديدا وقال أبو نعيم روى عن نافع وابن المنكدر وهشام بن عروة ومحمد بن عمرو الموضوعات لا شيء([16]).
قال الحافظ ابن حجر: أفحش فيه القول فلم يصب وصفه". "تهذيب التهذيب" (10/422).
وفي "التقريب": "ضعيف أسن واختلط".
وأما نكارة المتن:
ففي قوله: " والله على العرش متكئ".
وفي قوله عن الله: "واضع إحدى رجليه على الأخرى".
2- لا يبعد أن يكون هذا الأثر من روايات كعب الإسرائيلية، بل هو واضح أنه من الإسرائيليات، وكعب مع حسن إسلامه يروي البلايا.
قال الإمام البخاري –رحمه الله- في "صحيحه" حديث رقم (7361):
"وَقَالَ أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ يُحَدِّثُ رَهْطًا مِنْ قُرَيْشٍ بِالْمَدِينَةِ وَذَكَرَ كَعْبَ الْأَحْبَارِ فَقَالَ: إِنْ كَانَ مِنْ أَصْدَقِ هَؤُلَاءِ الْمُحَدِّثِينَ الَّذِينَ يُحَدِّثُونَ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَإِنْ كُنَّا مَعَ ذَلِكَ لَنَبْلُو عَلَيْهِ الْكَذِبَ".
وقال الحافظ الذهبي –رحمه الله- في "تذهيب التهذيب" (7/453-455) رقم (5695) في ترجمة كعب الأحبار:
"أسلم في خلافة الصديق، ويقال: في خلافة عمر، ويقال: أدرك الجاهلية.
أرسل عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وروى عن عمر وصهيب (س)، وعائشة، وبث كثيراً من الإسرائيليات.
روى عنه: أبو هريرة (د ت س)، وابن عباس (فق)، وابن عمر، ومعاوية (خ)، وابن امرأته تُبَيع (س)، وأبو سلام ممطور (قد)، وأبو رافع الصائغ (د)، وسعيد بن المسيب، وعطاء بن أبي رباح، وخالد بن معدان، وعبد الرحمن بن مغيث (س)، وطائفة.
وكثير من هؤلاء لم يلقه بل أرسل عنه".
وقال الذهبي -أيضاً- في "سير أعلام النبلاء"(3/ 489) -بعد الثناء على كعب-:
"وقدم المدينة من اليمن في أيام عمر -رضي الله عنه-، فجالس أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-، فكان يحدثهم عن الكتب الإسرائيلية، ويحفظ عجائب، ويأخذ السنن عن الصحابة، وكان حسن الإسلام، متين الديانة، من نبلاء العلماء".
وقال الحافظ ابن كثير في تفسير سورة النمل (10/413) بعدما أورد طائفة من الأخبار في قصة ملكة سبأ مع نبي الله سليمان:
"والأقرب في مثل هذه السياقات أنها متلقاة عن أهل الكتاب، مما يوجد في صحفهم، كروايات كعب ووهب - سامحهما الله تعالى -فيما نقلا إلى هذه الأمة من أخبار بني إسرائيل، من الأوابد والغرائب والعجائب، مما كان وما لم يكن، ومما حرف وبدل ونسخ. وقد أغنى الله سبحانه عن ذلك بما هو أصح منه وأنفع وأوضح وأبلغ، ولله الحمد والمنة".
وهذا نص أثر كعب الذي أحال به عادل إلى تفسير ابن أبي حاتم.
قال -رحمه الله- في "تفسيره" (2/492-493) برقم (2608):
"حدثنا أبي ، ثنا أبو صالح ، ثنا الليث ، حدثني خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال ، عن عمر مولى غفرة ، أن كعبا ، ذكر علو الجبار فقال : إن الله تعالى جعل ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة سنة ، وكثف السماء مثل ذلك ، وما بين كل سمائين مثل ذلك ، وكثفها مثل ذلك ، ثم خلق سبع أرضين ، فجعل ما بين كل أرضين ، مابين سماء الدنيا والأرض ، وكثف كل أرض مثل ذلك ، وكان العرش على الماء ، فرفع الماء حتى جعل عليه العرش ، ثم ذهب بالماء حتى جعله تحت الأرض السابعة ، فما بين أعلى الماء الذي على السماء إلى أسفله (كما بين أسفله)([17]) كما بين السماء العليا إلى الأرض السفلى، وذلك مسيرة أربع عشرة ألف([18]) سنة ، ثم خلق خلقاً لعرشه ، جاثية ظهورهم ، فهم قيام في الماء لا يجاوز أقدامهم ، والعرش فوق جماجمهم ، ثم ذهب الجبار تعالى علوا حتى ما يستطيعون أن ينظروا إليه فيقول: (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار)".
أقول: في هذا الإسناد أبو صالح عبد الله بن صالح كاتب الليث، صدوق كثير الغلط، ثبت في كتابه، وكانت فيه غفلة.
وفيه عمر بن عبد الله المدني مولى غُفرة، قال فيه الحافظ الذهبي: عامة حديثه مرسل، ضعّفه النسائي ووثّقه ابن سعد.
وقال الحافظ ابن حجر:ضعيف وكان كثير الإرسال.
فهذا الأثر المنسوب إلى كعب في غاية النكارة، وهو وإن كان في إسناده ضعف لكن إسرائيليته واضحة جداً، وليت ابن أبي حاتم لم ينقله غفر الله له.
ومع ذلك فليس فيه شاهد للحديث المنسوب إلى قتادة بن النعمان كما يوهم ذلك المحققان أو عادل.
وقال أبو الشيخ في كتاب "العظمة" (2/610-612) رقم (234):
"حدثنا الوليد بن أبان، حدثنا يعقوب بن سفيان، حدثنا أبو صالح، حدثني الليث، حدثني خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، أن زيد بن أسلم حدثه، عن عطاء بن يسار، أنه قال: أتى كعباً -يعني رجل- وهو في نفر فقال: يا أبا إسحاق! حدثني عن الجبار تبارك وتعالى فأعظم القوم، فقال كعب: دعوا الرجل، فإنه إن كان جاهلاً لتعلم، وإن كان عالماً ازداد علماً، ثم قال كعب: أخبرك أن الله تعالى خلق سبع سماوات، ومن الأرض مثلهن، ثم جعل تبارك وتعالى ما بين كل سمائين كما بين السماء الدنيا والأرض، وجعل كثفها مثل ذلك، ثم رفع العرش فاستوى عليه، فما من السموات سماء إلا لها أطيط كأطيط الرحل العلافي أول ما يرتحل من ثقل الجبار تبارك وتعالى فوقهن. قال أبو صالح: العلافي: الجديد يريد".
وفي إسناد هذا الأثر الإسرائيلي المنكر أبو صالح تقدم الكلام فيه.
ولفظ "الأطيط" لم يرد في أي حديث صحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
والآثار التي يذكر فيها هذا اللفظ أعتقد أن أصلها هذا الأثر ونحوه من روايات كعب الأحبار، والحمل فيه على كعب أكثر من الحمل على رواته.
ومع هذا فلا شاهد فيه للحديث المنسوب إلى قتادة بن النعمان -رضي الله عنه- من قريب ولا من بعيد، كما يرى القارئ.
وفي أثر كعب عند ابن أبي حاتم زيادات فيها غرابة جداً، وليس فيه ذكر الأطيط الموجود في رواية أبي الشيخ ، ومع كل ذلك فليس في هذين النصين أي شاهد للحديث المنسوب إلى قتادة ابن النعمان -رضي الله عنه-، والذي فيه: " إن الله عز وجل لما قضى خلقه استلقى فوضع إحدى رجليه على الأخرى".
وإذا عرف المسلم أن كعب الأحبار وهو أفضل مسلمة أهل الكتاب قد بثَّ كثيراً من الإسرائيليات العجيبة والمنكرة والغريبة، ولا يبعد أن يكون الحديث المنسوب إلى قتادة ابن النعمان من هذه الإسرائيليات المأخوذة عن كعب، فيجب الحذر أشد الحذر من رواياته، ولا سيما ما يرويه فيما يتعلق بصفات الله -جل وعلا- وأفعاله المقدسة، وكذلك يجب الحذر من مرويات أهل الكتاب المنكرة والغريبة والمحرفة.
ومما يلفت أنظار أهل السنة أن عادلاً يحتفي بهذه الآثار الإسرائيلية الباطلة، ويستشهد بها فيما يتعلق بصفات الله، وهذا انطلاق منه من ذلك المنهج الحدادي القائم على الجهل والهوى.
فائدتان:
الأولى - قال الذهبي -رحمه الله- في كتاب "العلو" (1/414-416) معلقاً على كلمة "الأطيط":
" والأطيط الواقع بذات العرش من جنس الأطيط الحاصل في الرحل، فذاك صفة للرحل وللعرش، ومعاذ الله أن نعدّه صفة لله، ثم لفظ الأطيط لم يأت به نص ثابت([19]).
وقولنا في هذه الأحاديث: إننا نؤمن بما صح منها، وبما اتفق السلف على إمراره وإقراره، فأما ما في إسناده مقالٌ، أو اختلف العلماء في قبوله وتأويله فإننا لا نتعرض له بتقرير، بل نرويه في الجملة ونبين حاله، وهذا الحديث إنما سقناه لما فيه مما تواتر من علو الله فوق عرشه مما يوافق آيات الكتاب".
فاشترط الذهبي للإيمان بهذه الأحاديث شرطين: الأول صحتها، والثاني اتفاق السلف عليها، وهذا هو المنهج الحق، وقد أسلفنا عن كثير من أئمة السلف اشتراط الصحة في الأحاديث المسندة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
أما التعلق بالأحاديث المنكرة والإيمان بما دلّت عليه، فليس من منهج السلف في شيء، وإنما يتشبث بها أهل الأهواء.
الفائدة الثانية- قال الذهبي -رحمه الله- في "سير أعلام النبلاء" (21/160-161)، في ترجمة عبد المغيث بن زهير:
"...ولعبد المغيث غلطات تدل على قلة علمه: قال مرة: مسلم بن يسار صحابي، وصحح حديث الاستلقاء، وهو منكر، فقيل له في ذلك، فقال: إذا رددناه، كان فيه إزراء على من رواه!"([20]).
أصخ إلى قول الذهبي في حديث الاستلقاء إنه حديث منكر.
وأزيد الأمر تأكيداً، فأقول:
ما زعمه المحققان أو عادل من أن أثر([21]) كعب بمعنى حديث قتادة بن النعمان، فليس الأمر كذلك، كما هو واضح، فليس في أثر كعب ذكر الاستلقاء وإنما فيه الاتكاء، والاتكاء يغاير الاستلقاء، نعم يتفقان في قولهما : "يضع إحدى رجليه على الأخرى"، ففي أثر كعب إضافة منكر إلى منكر عند من يعظم الله ولا يعتقد إلا ما ورد من صفات الله في كتابه، وما وردَّ من صحيح سنة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- الذي لا ينطق عن الهوى.
ثم يظهر لي أن الأحاديث التي جاء فيها الاستلقاء والأطيط والاتكاء إنما أصلها أحاديث كعب الأحبار الإسرائيلية، وبرأ الله رسوله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه -رضي الله عنهم- منها.
وقد نقل أهل العلم عن كعب نصاً فيه إثبات علو الله على عرشه، وأنه فوق عباده.
فقد روى أبو الشيخ في كتاب "العظمة" (2/625-626) رقم (244).
قال: "حدثنا الحسن بن علي بن نصر، حدثنا محمد بن إسماعيل السلمي، حدثنا نعيم بن حماد، حدثنا أبو صفوان الأموي، عن يونس بن يزيد، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن كعب الأحبار -رحمه الله تعالى- قال: قال الله -عز وجل- أنا الله فوق عبادي، وعرشي فوق جميع خلقي، وأنا على العرش أدبر أمر عبادي، لا يخفى عليَّ شيء من أمر عبادي في سمائي وأرضي وإن حجبوا عني([22]) فلا يغيب عنهم علمي، وإليَّ مرجع كل خلقي فأنبئهم بما خفي عليهم من علمي، أغفر لمن شئت منهم بمغفرتي، وأعذب من شئت منهم بعقابي".
وفي إسناده نعيم بن حماد الخزاعي، قال الحافظ ابن حجر: صدوق، يخطئ كثيراً.
ورواه أبو نعيم في "الحلية" (6/7) بإسناده إلى نعيم بن حماد به.
وأورده الحافظ الذهبي -رحمه الله- في كتاب "العرش" (2/187-188).
وقال: رواه أبو الشيخ الأصبهاني وابن بطة العكبري وغيرهما بإسناد صحيح من حديث أبي صفوان الأموي أحد رجال مسلم، واسمه عبد الله بن سعد بن عبد الملك بن مروان، عن يونس بن زيد، فذكره".
وأورده في كتاب "العلو" (2/863) برقم (287)، وقال: رواته ثقات.
وقد عرفت أن في إسناده نعيم بن حماد، وهو صدوق يخطئ كثيراً، وقال الذهبي في "الميزان": في حديثه لين.
وأورده الإمام ابن القيم -رحمه الله- في "اجتماع الجيوش الإسلامية" (ص129-130).
فقال -رحمه الله-: "(قول كعب الأحبار رحمه الله تعالى):
قال الليث بن سعد حدثني خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال أن زيد بن أسلم حدثه عن عطاء بن يسار قال: أتى رجل كعباً، وهو في نفر، فقال: يا أبا إسحاق حدثني عن الجبار، فأعظم القوم قوله، فقال كعب: دعوا الرجل، فإن كان جاهلاً تعلّم، وإن كان عالماً ازداد علماً، ثم قال كعب: أخبرك أن الله خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن، ثم جعل ما بين كل سمائين كما بين السماء الدنيا والأرض، وكثفهن مثل ذلك، ثم رفع العرش فاستوى عليه.
وقال نعيم بن حماد: أخبرنا أبو صفوان الأموي، عن يونس بن يزيد، عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن كعب قال: قال الله في التوراة: أنا الله فوق عبادي، وعرشي فوق جميع خلقي، وأنا على عرشي، أدبر أمور عبادي، لا يخفى عليَّ شيء من أمر عبادي في سمائي ولا في أرضي، وإليَّ مرجع خلقي، فأنبئهم بما خفي عليهم من علمي، أغفر لمن شئت منهم بمغفرتي، وأعاقب من شئت بعقابي".
ولم يتعرض الإمام ابن القيم لإسنادي هاتين الروايتين بتصحيح ولا تضعيف.
أما الأول فلم يذكر إسناده إلى الليث بن سعد، وسيأتي الكلام عليه.
وأما الثاني ففي إسناده نعيم بن حماد، وقد عرف القارئ حاله.
ومع هذا فلا نكارة في متنيهما، ولا حرج من نقلهما للاستئناس بهما، ولأنهما لا يخالفان نصاً من كتاب الله ولا من سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بل هما موافقان لنصوص الكتاب والسنة في إثبات علو الله، واستوائه على عرشه.
ولا يصح الاستشهاد بهما لدعم الحديث المنسوب إلى قتادة بن النعمان -رضي الله عنه-، الذي فيه وصف الله بما لا يليق بجلاله.
بل هما يدلان على شدة ضعف الحديث المنسوب إلى قتادة بن النعمان -رضي الله عنه- وشدة ضعف أثر كعب السابق الذي فيه نسبة الاتكاء إلى الله تعالى، والزعم أنه وضع إحدى رجليه على الأخرى.
هذا، وعلى المؤمن حقاً الذي يُعظِّم الله -جل وعلا-، ويعزر رسوله ويوقره أن يحذر كل الحذر من الأخذ بالأحاديث الضعيفة والواهية والموضوعة في مجالات العقيدة وفروع الشريعة، وأن يتمسك بنصوص الكتاب ونصوص السنة الصحيحة في عقيدته وعبادته وأخلاقه وفي كل شئون حياته، ويعض عليها بالنواجذ.
وحيث أن مقالي هذا يتعلق بالكلام على حديث ضعيف، استدل به من لا يُفرِّق بين الأحاديث الصحيحة والضعيفة على إثبات صفة لله لا تليق بجلاله وعظمته.
مخالفاً بذلك منهج جمهور السلف الذين لا يصفون الله -جل وعلا- إلا بما وصف به نفسه، أو بما ثبت وصحَّ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي لا ينطق عن الهوى من صفات الكمال والجلال من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تشبيه ولا تمثيل، على أساس قول الله تعالى: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)، أي ليس كمثله شيء، لا في ذاته ولا في صفاته، ولا في أفعاله.
فقد نفى الله عن نفسه كل أنواع المماثلة والمشابهة.
وأثبتَ لنفسه السمع المحيط بكل المسموعات، والبصر المحيط بكل المبصرات، والعلم المحيط بكل المعلومات، لا يخفى عليه شيء في الأرضين ولا في السماوات.
وهو على كل شيء قدير، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماوات، له الأسماء الحسنى والصفات العلى، (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)، وهو العلي الأعلى.
دلَّ على علوه على جميع مخلوقاته واستوائه على عرشه نحو ألف دليل، كما قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-، وقد ألّف في إثبات علو الله كتابه "اجتماع الجيوش الإسلامية على المعطلة والجهمية"، وكتاب "الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة".
وألّفَ الحافظ الذهبي كذلك في إثبات علو الله واستوائه على عرشه كتابين: كتاب "العرش"، وكتاب "العلو للعلي الغفار".
وللسلف الصالح مؤلفات كثيرة في العقائد عموماً، وفي إثبات علو الله واستوائه على عرشه على وجه الخصوص.
ومنها مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، ومنها "الواسطية" و"الحموية" و"التدمرية".
ومنها "درء تعارض العقل والنقل"، و" بيان تلبيس الجهمية"، يثبت فيها صفات الله -جل وعلا-، ويرد على الجهمية ومن سار على نهجهم في تعطيل صفات الله.
رحم الله سلفنا الصالح وجزاهم بما عملوا أحسن الجزاء، وأسكنهم فسيح جناته، وألحقنا بهم عملاً وجزاء ومصيراً، إن ربنا لسميع الدعاء.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه
ربيع بن هادي عمير المدخلي
6/2/1434هـ
[1] - أي حديث الاستلقاء المذكور آنفاً.
[2] - أو عادل.
[3] - إسماعيل بن راشد السلمي ، قال فيه ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (2/169): "إسماعيل بن راشد السلمي وهو إسماعيل بن أبي إسماعيل أخو محمد بن أبي إسماعيل، روى عن سعيد بن جبير روى عنه حصين بن عبد الرحمن السلمي، يعد في الكوفيين" ، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، فهو مجهول عنده.
[4] - لم أجده في هذا الموضع، ووجدته برقم (6741).
[5] - ورواه أبو داود في "سننه" حديث (4866)، والترمذي في "سننه" حديث (2765)، وابن حبان في "صحيحه" حديث (5552).
[6] - في رواية سفيان بن حسين عن الزهري ضعف.
[7] - جابر هنا وفي الأثر رقم (25902) هو الجعفي، وهو رافضي، وقد وثّقه جماعة، والظاهر أن سفيان روى عنه قبل أن يظهر رفضه.
[8] - تقدّم بيان ضعف هذا الأثر لجهالة إسماعيل بن راشد.
[9] - قال الحافظ ابن حجر: صدوق، فيه لين، وقال النسائي: ليس بالقوي، ووثّقه أبو داود، وتكلم فيه عدد من الأئمة، وقال ابن عدي بعد أن ذكر له أحاديث كلها أو عامتها غير محفوظة: وله غير ما ذكرت، وفي بعض رواياته ما لا يوافقه عليه الثقات، وهو ممن يكتب حديثه."تهذيب التهذيب" (9/196).
[10] - ليث -في هذا الأثر والذي قبله- هو ابن أبي سليم، وهو ممن اختلط فلم يتميز حديثه قبل الاختلاط من حديثه بعد اختلاطه.
[11] - مشهور جداً عن الإمام أحمد وأهل الحديث اشتراط الصحة لقبول الأحاديث المتعلقة بصفات الله وسائر العقائد، والمتعلقة بالحلال والحرام، وقد مضى نقل هذا عن أئمة السلف، فهل يلتزم الحداديون هذا المنهج؟
[12] - أو عادل.
[13] - أو عادل.
[14] - رجعتُ إلى الموضع الذي أحال عليه عادل، فلم أجد هذا الأثر عن كعب.
[15] - قول كعب: "ثم تفطر السماوات"، يخالف قول الله تعالى: (تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ).
[16] - والكلام فيه كثير.
[17] - كذا، والظاهر أنها ألفاظ مقحمة.
[18] - في الأصل: "أربع عشرة ألفا سنة".
[19] - انتبه لقول الذهبي هذا في لفظ الأطيط.
[20] - أقول: إن هذا لقول عجاب، كيف يصحح حديثاً باطلاً خشية الإزراء على من رواه؟ فماذا سيقول غداً إذا سئل عن تصحيح كلام باطل نُسب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
[21] - وقد عرف القارئ أن أثر كعب قد جاء على وجوه مختلفة.
[22] - هذه الجملة معناها غير صحيح، فإن الله لا يحجب علمه وبصره شيء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق