IBN KHALDÛN ABDERRAHMÂN
2 FÉVRIER 2009
Rédigé par Abdelkader HADOUCH عبد القادر حادوش et publié depuis Overblog
الخبر عن قاسم بن مرا من الكعوب القائم بالسنة في سليم
ومال أمره وتصاريف أحواله
كان هذا الرجل من الكعوب من أولاد أحمد بن كعب منهم، وهو قاسم بن مرا بن أحمد. نشأ بينهم ناسكأ منتحلاً للعبادة. ولقي بالقيروان شيخ الصلحاء بعصره أبا يوسف الدهماني. وأخذ عنه ولزمه. ثم خرج إلى قومه مقتفيأ طريقة شيخه في التزام الورع والأخذ بالسنة ما استطاع. ورأى ما العرب عليه من إفساد السابلة والخروج عن الجادة، فأخذ نفسه بتغيير المنكر فيهم وإقامة السنة لهم، ودعا إلى ذلك عشيره من أولاد أحمد، وأن يقاتلوا معه على ذلك. فأشار عليه أولاد أبي الليل منهم وكانوا عيبة له تنصح له أن ينكف عن طلب ذلك من قومه، مخافة أن يلحوا في عداوته فيفسد أمره. ودفعوه إلى مطالبة غيرهم من سليم وسائر الناس بذلك، وأنهم منعة له ممن يرومه خاصة، فجمع إليه أوباشا من البادية تبعوه على شأنه والتزموا طريقته والمرابطة معه، وكانوا يسفون بالجنادة.
وبدأ بالدعاء إلى إصلاح السابلة بالقيروان وما إليها من بلاد الساحل، وتتبع المحاربين بقتل من يعثر عليه منهم بالطرق وغزو المشاهير منهم في بيوتهم واستباحة أموالهم ودمائهم حتى شردهم كل مشرد. وعلت بذلك كلمته على آل حصن وصلحت السابلة بأفريقية ما بين تونس والقيروان وبلاد الجريد وطار له ذكر نفسه عليه قومه، وأجمع عداوته واغتياره بنو مهلهل قاسم بن أحمد، وتنصحوا ببعض ذلك للسلطان بتونس الأمير أبى حفص، وأن دعوة هذا الرجل قادحة في أمر الجماعة والدولة، فأغضى لهم عن ذلك، وتركهم وشأنهم، فخرجوا من عنده مجمعين على قتله، ودعوه في بعض أيامهم إلى المشاورة معه على عادة العرب، ووقفوا معه بساحة حيهم؛ ثم خلصوا معه نجياً، وطعنه من خلفه محمد بن مهلهل الملقب بأبي عذبتين فخر صريعأ لليدين والفم. وامتعض له أولاد أبي الليل، وطلبوا بدمه فافترقت أحياء بني كعب من يومئذ بعد أن كانت جميعاً. وقام بأمره من بعده إبنه رافع على مثل طريقته إلى أن هلك في طلب الأمرعلى يد بعض رجالات آل حصن سنة ست وسبعمائة.
ولم يزل بنوأبي الليل على الطلب بثأر قاسم بن مرا إلى أن ظهر فيهم حمزة ومولاهم إبنا عمر بن أبي الليل، وصارت إليهم الرياسة على أحيائهم. واتفق بعض الأيام اجتماع أولال مهلهل بن قاسم في سيدي حمزة، ومولاهم في مشاتيهم بالقفر، فأجمع اغتيالهم وقتلهم عن آخرهم بثأر ابن عمهما قاسم بن مرا، ولم يفلت منهم إلا طالب بن مهلهل لم يحضر معهم. وعظمت الفتنة من يومئذ بين هذين الحيين وانقسمت عليهم أحياء بني سليم، وصاروا يتعاقبون في الخلاف والطاعة على الدولة وهم على ذلك لهذا العهد، والرياسة في بني مهلهل اليوم لمحمد بن طالب بن مهلهل وأخيه يحيى، والله وارث الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين.
بنو حصن بن علاق
بنو حصن هؤلاء من بطون علاق، وحصن أخو يحيى بن علاق كما مر، فهم بطنان أيضاً: بنو عليّ وحكيم. وقد يقال إن حكيماً ليس لحصن، وإنما ربي في حجره فانتمى إليه. وأما حكيم فلهم بطون منهم: بنو ظريف بن حكيم وهم أولاد جابر والشراعبة ونعير وجوين لمقدام بن ظريف وزياد بن ظريف. ومنهم: بنو وائل بن حكيم ومنهم بنو
طرود بن حكيم. وقد يقال إن طروداً ليس لسليم وأنهم من منبس إحدى بطون هلال بن عامر، ويقال إن منهم زيد العجاج بن فاضل المذكور في رجالات هلال، والصحيح في طرود أنهم من بني فهم ين عمر بن قيس بن عيلان بن عدوان وفي تعدادهم، وكانت طرود أحلاف الدلاج، ثم قاطعوهم وحالفوا آل ملاعب.
ومن بطون حكيم آل حسين ونوال ومقعد والجميعات، ولا أدري كيف يتصل نسبهم. ومنهم بنو نمير بن حكيم. ولنمير بطنان: ملاعب وأحمد، فمن أحمد بنو محمد والبطين. ومن ملاعب بنو هيكل بن ملاعب. وهم أولاد زمام والفريات وأولاد مياس وأولاد فائد. ومن أولاد فائد الصرح والمدافعة. وأولاد يعقوب بن عبد الله بن كثير بن حرقوص بن فائد، واليهم، رياسة حكيم وسائر بطونهم ومواطن حكيم هؤلاء لهذا العهد ما بين سوسة. والأجم. والناجحة منهم أحلاف لبني كعب، تارة لأولاد الليل، وتارة لاقتالهم أولاد مهلهل، ورئاستهم في بني يعقوب بن عبد السلام بن يصوب شيخاً عليهم، وانتقفر أيام اللحياني.
ووفد على السلطان أبي يحيى بالثغر العربي من أفريقية في بجاية وقسطنطة وجاء في جملته فلما ملك ملك تونس عقد له على قومه ورفعه على أنظاره. وغصى به بنوكعب فحرض عليه حمزة من الأعشاش محمد بن حامد. بن يزيله. فقتله في موقف شوراهم وولي الرياسة فيهم من بعده ابن عمه محمد بن مسكين بن عامربن يعقوب بن القوس وانتهت اليه رئاستهم. وكان يرادفه أو ينازعه جماعة من بني عمه. فمنهم سحيم بن سليمان بن يعقوب، وحضر واقعة طريف مع السلطان أبي الحسن، وكان له فيها ذكر. ومنهم أبو الهول وأبو القاسم إبنا يعقوب بن عبد السلام، وكان لأبي الهول مناصحة للسلطان أبي الحسم، حين أحلف عليه بنو سليم بالقيروان، وأدخله مع أولاد مهلهل في الخروج على القيروان فخرج معهم جميعاً إلى سوسة.
ومنهم بنو يزيد بن عمربن يعقوب وإبنه خليفة. ولم يزل محمد بن مسكين على رئاسته أيام السلطان أبي يحيى كلها وكان مخالطاً له، ومتهالكاً في نصيحته والانحياش إليه. ولما هلك خلفه في رئاسته ابن أخيه خليفة بن عبد الله بن مسكين وهو أحد الأشياخ الذين تقبض عليهم السلطان أبو الحسن بتونس بين يدي واقعة القيروان. ثم أطلقه وهو محصور بالقيروان فكان له به اختصاص من بعد ذلك. ولما تغلب العرب على النواحي بعد واقعة القيروان تغلب بنو مسكين هؤلاء على سوسة فأقطعها السلطان خليفة هذا وبقيت في ملكته.
وهلك خليفة فقام برئاستهم في حكيم ابن عمه عامربن محمد بن مسكين. ثم قتله محمد بن بثينة بن حامد من بني كعب قتله يعقوب بن عبد السلام، ثم قتله محمد هذا غدراً بجهاد الجريد سنة خمس وخمسين وسبعمائة. ثم افترق أمرهم واستقرت رئاستهم لهذا العهد بين أحمد بن محمد بن عبد الله بن مسكين، وتلقب أبا معنونة وهو ابن أخي خليفة المذكور. وعبد الله بن محمد بن يعقوب وهو ابن أخي أبي الهول المذكور. ولما تغلب السلطان أبو العبّاس على تونس وملكها انتزع سوس من أيديهم فامتعض أحمد لذلك، وصار إلى ولاية صولة بن خالد بن حمزة من أولاد أبي الليل وسلكوا سبيل الخلاف والفتنة، وأبعدوا في شأوها، وهم لهذا العهد مشردون عن الضواحي والأرياف منزإحون إلى القفر.
وأما عبد الله بن محمد ويلقب الراوي فتحيزا إلى السلطان، وأكد حلفه مع أولاد مهلهل على ولايته ومظاهرته، فعظمت رئاسته في قومه، وهو على ذلك لهذا العهد. ثم راجع أبو معنونة خدمة السلطان وانقسمت رياسة حكيم بينهما، وهم على ذلك لهذا العهد. وأما بنوعلي إخوة حكيم فلهم بطون أولاد صورة ويجمعهما معاً عوف بن محمد بن علي بن حصن. ثم أولاد نمي والبدرانة، وأولاد أم أحمد والحضرة أو الرجلان، وهو مقعد والجميعات والحمر والمسابهة آل حسين وحجري، وقد يقال إن حجري ليسوا لسليم، وأنهم من بطون كندة صاروا معهم بالحلف فانتسبوا بنسبهم ورياسة بني علي في أولإد صورة. وشيخهم لهذا العهد أبو الليل بن أحمد بن سالم بن عقبة بن شبل بن صورة بن مرير بن حسن بن عوف. ويرادفهم المراعية من أهل نسبهم أولاد مرعي بن حسن بن غوف، ومواطنهم ما ين الأجم والمباركة من نواحي قابس، وناجعتهم أحلاف الكعوب إما لأولاد أبي الليل أولأولاد مهلهل، وغالب أخوالهم أولاد مهلهل، والله مقدّر الأمور لا ربّ سراه.
ذباب بن سليم
قد ذكرنا الخلاف في نسبهم من أنهم من ذئاب بن ربيعة بن زغب الأكبر، وأن ربيعة أخو زغب الأصغر. وضبط هذه اللفظة لهذا العهد بضم الزاي، وقد ضبطها الأجدابي والرشاطي بكسر الزاي. كذا نقل أبو محمد التجاني في رحلته، ومواطنهم ما ببن قابس وطرابلى إلى برقة، ولهم بطون فمنهم: أولاد أحمد بن ذباب ومواطنهم غربي نابس وطرابلس إلى برقة. عيون رجال مجاورون لحصن، ومن عيون رجال بلاد زغب من بطون ذئاب بنو يزيد مشاركون لأولاد أحمد في هذه المواطن، وليس هذا أباً لهم، ولا إسم رجل، وإنما هو إسم حلفهم انتسبوا به إلى مدلول الزيادة. كذا قال التجاني وهم بطون أربعة: الصهب بسكون الهاء بنو صهب بن جابر بن فائد بن رافع بن ذباب، وإخوتهم الحمادية بنو حمدان بن جابر، والخرجة بسكون الراء بطن من آل سليمان منهم. أخرجهم آل سليمان من مواطنهم بمسلاتة فحالفوا هؤلاء ونزلوا معهم. والأصابعة نسبة إلى رجل ذي أصبع زائدة. ولم يذكر التجاني في أي بطن من ذباب ينتسبون. ومنهم النوائل بنو نائل بن عامر بن جابر وإخوتهم أولاد سنان بن عامر وإخوتهم أولاد ليشاح بن عامر، وفيهم رياسة هذا القبيل من ذباب كلهم.
وهم بطنان عظيمان: المحاميد بنو محمود بن طوق بن بقية بن وشاح، ومواطنهم ما بين قابس ونفوسة وما إلى ذلك من الضواحي والجبال. ورئاستهم لهذا العهد في بني ليحاب بن محمود لأولاد سباع بن يعقوب بن عطية بن رحاب. والبطن الاخر الجواري بنو حميد بن جارية بن وشاح، ومواطنهم طرابلس وما إليها مثل تاجورا وهزاعة وزنزور وما إلى ذلك. ورئاستهم لهذا العهد في بني مرغم بن صابر بن عسكر بن علي بن مرغم. ومن أولاد وشاح بطنان آخران صغيران مندرجان مع الجواري والمحامد، وهما الجواربة بنوجراب بن وشاح، والعمور بنو عمر بن وشاح.
هكذا زعم التجاني في العمور هؤلاء.
وفي هلال بن عامر بطن العمور كما ذكرناه. وهم يزعمون أن عمور، ذباب هؤلاء منهم وأنهم إنما جمعهم مع ذباب الموطن خاصة وليسوا من سليم والله أعلم بحقيقة ذلك.
وكان من أولاد وشاح بنوحريز بن تميم بن عمر بن وشاح كان منهم فائد بن حريز من فرسان العرب المشاهير وله شعر متداول بينهم لهذا العهد سمر الحيّ وفكاهة المجالس، ويقال إنه من المحاميد، فائد بن حريز بن حربي بن محمود بن طوب. وكان بنو ذباب هؤلاء شيعة لقراقش الغزي وابن غانية، ولهما فيه أثر. وقتل قراقش مشيخة الجراري في بعض أيامه. ثم صاروا بعد مهلك ابن غانية إلى خدمة الأمير أبي زكري وأهل بيته من بعده، وهم الذين أقاموا أمر الداعي بن أبي عمارة وعليهم كان تلبسه لأن يصيرأميراً بدل المخلوع وكان فر إليهم بعد مهلك مولاه وبنيه ونزل عليهم. حتى إذا مر بهم ابن أبي عمارة فعرفه الخبر فاتفقوا على التلبيس وزينوا ذلك لهؤلاء العرب فقبلوه. وتولى كبر ذلك مرغم بن صابر وتبعه قومه، وداخلهم في الأمر أبو مروان عبد الملك بن مكي رئيس قابس فكان ما قدر الله ما كان من تمام أمره وتلويث كرسي الخلافة بدمه حسبما يذكر في أخبار الدولة الحفصية.
وكان السلطان أبوحفص يعتمد عليهم فغلبهم في دعوة عمارة فخالفوا عليه وسرح لحربهم قائده أبا عبد الله الفزاري، واستصرخوا بالأمير أبي زكريا ابن أخيه، وهو يومئذ صاحب بجاية والثغر الغربي من أفريقية، ووفد عليه منهم عبد الملك بن رحاب بن محمود فنهض لصريخه بسنة سبع وثمانين وستمائة. وحاربوا أهل قابس وهزموهم وأثخنوا فيهم. ثم غلبهم الفزاري، ومانعهم عن وطن أفريقية. ورجع الأمير أبو زكريا إلى ثغره. وكان مرغم بن صابر بن عسكر شيخ الجواري قد أسره أهل صقلية من سواحل طرابلس سنة إثنتين وثمانين وستمائة وباعوه لأهل برشلونة فاشتراه ملكهم وبقي أسيراً عنده إلى أن نزع إليه عثمان بن إدريس الملقب بأبي دبوس بقية الخلفاء من بني عبد المؤمن، وأراد الإجازة إلى أفريقية لطلب حقه في الدعوة الموحدية، فعقد ملك برشلونة بينه وبين مرغم حلفا وبعثهما، ونزل بساحل طرابلس.
وأقام مرغم الدعوة لابن دبوس، وحمل عليها قومه. وحاصرطرابلس سنة ثمان وثمانين وستمائة أياماً. ثم تركوا عسكراً لحصارها وارتحلوا لجباية الوطن فاستفرغوه، وكان ذلك غاية أمرهم، وبقي أبو دبوس يتقلب في أوطانهم مدة، واستدعاه الكعوب لأول المائة الثامنة وأجلبوا به على تونس أيام السلطان أبي عصيدة من الحفصيين وحاصروها أياما فلم يظفروا. ورجع إلى نواحي طرابلس وقام بها مدة. ثم ارتحل إلى مصر وأقام بها إلى أن أ هلك كما يأتي ذكره في خبر إبنه مع السلطان أبي الحسن بالقيروان. ولم يزل هذا شأن الجواري والمحاميد إلى أن تقلص ظل الدولة عن أوطان قابس وطرابلس فاستبد برياسة ضواحيها. واستعبدوا سائر الرعاية المعتمرة في جبالها وبسائطها، واستبد أهل الأمصار برياسة أمصارهم بنو مكي بقابس وبنوثابت بطرابلس على ما يذكر في أخبارهم.
وانقسمت رياسة أولاد وشاح بانقسام المصرين، فتولى الجواري طرابلس وضواحيها ، وزنرور وغريان ومغر، وتولى المحاميد بلد قابس وبلاد نفوسة وحرب.
وفي ذباب هؤلاء بطون أخرى ناجعة في القفر، ومواطنهم منزاحة إلى جانب الشرق عن مواطن هؤلاء الوشاحين. فمنهم آل سليمان بن هبيب بن رابع بن ذباب، ومواطنهم قبلة مغر، وغريان ورئاستهم في ولد نصربن زائد بن سليمان، وهي لهذا العهد لهائل بن حماد بن نصر وبنيه والبطن الآخر آل سالم بن وهب أخي سليمان. ومواطنهم بلد مسراتة إلى لبدة ومسلاتة. وشعوب آل سالم هؤلاء الأحامد والعمائم والعلاونة وأولاد مرزوق، ورياستهم في أولاد ولد مرزوق وهو ابن معلّى بن معراق بن قلينة بن قاص بن سالم، وكانت في أول هذه المائة الثامنة لغلبون بن مرزوق، واستقرت في بنيه وهي اليوم لحميد بن سنان بن عثمان بن غلبون. والعلاونة منهم مجاورون للعنة من عرب برقة والمشابنة من هوّارة المقيمين.
وتجاذب ذباب هؤلاء في مواطنهم من جهة القبلة ناصرة، وهم من بطون ناصرة بن خفاف بن امرىء القيس بن بهثة بن سليم، فإن كان زغب أبو ذباب لملك بن خفاف كما زعم التجاني فهم إخوة ناصرة، ويبعد أن يسمى قوم باسم إخوانهم. وإن كانوا لناصرة كما زعم ابن الكلبي، وهو أقرب، فيكون هؤلاء اختصوا باسم ناصرة دون ذباب وغيرهم من بنيه وهذا كثير من بطون القبائل والله أعلم. ومواطنهم بلاد فزان وودان. هذه أخبار ذباب هؤلاء.
وأما العزة جيرانهم في الشرق الذين قدّمنا ذكرهم فهم موطنون من أرض برقة خلاء لاستيلاء الخراب على أمصارها وقراها من دولة صنهاجة. تمرنت بعمرانها بادية العرب وناجعتهم فتّحيفوها غارةً ونهباً إلى أن فسدت فيها مذاهب المعاش، وانتقض العمران، فخربت. وصار معاش الأكثر من هؤلاء العرب الموطنين بها لهذا العهد من الفلح يثيرون له الأرض بالعوامل من الجمال والحمير، وبالنساء إذا ضاق كسبهم عن العوامل وارتكبوا ضرورة المعاش.
وينجعون إلى بلاد النخل في جهة القبلة منهم من أوجلة وشنترية والواحات وما وراء ذلك من الرمال والقفر، إلى بلد السودان المجاورين لهم، وتسمّى بلادهم برنق، وشيخ هؤلاء العرب ببرقة يعرف لهذا العهد بأبي ذئب من بني جعفر. وركاب الحج من المغرب يحمدون مساطتهم في مرّهم وحسن نيتهم في التجافي عن جامع بيت الله، وإرفادهم بجلب الأقوات لسربهم وحسن الظن بهم. (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره).
وأما نسبهم فما أدري فيمن هو من العرب ؟وحدثني الثقة من ذباب عن خريص ابن شيخهم أبي ذباب أنهم من بقايا الكعوب ببرقة. وتزعم نسابة الهلاليين أنهم لربيعة بن عامر إخوة هلال بن عامر. وقد مر الكلام في ذلك في أول ذكر بني سليم. ويزعم بعض النسابة أنهم والكعوب من العزة، وإن العزة من هيث وإن رياسة العزة لأولاد أحمد، وشيخهم أبو ذئب وأن المثانية جيرانهم من هوّارة. وذكر لي سلام بن التركية شيخ أولاد مقدم جيرتهم بالعقبة أنهم من بطون مسراتة من بقية هوّارة، وهو الذي رأيت النسابة المحققين عليه، بعد أن دخلت مصر ولقيت كثيراً من المترددين إليها من أهل برقة. وهذه آخر الطبقة الرابعة من العرب، وبانقضائه انقضى الكتاب الثاني في العرب وأجيالهم منذ بدء الخليقة، فلنرجع إلى أحوال البربر في الكتاب الثالث والله ولي العون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق