1
بسم االله الرحمن الرحيم
الأحاديث التي ضعّفها الشيخ الألباني في
صحيح البخاري
بحث مقدم لمؤتمر الانتصار للصحيحين المنعقد في الفترة من 2010/7/15 –14
بكلية الشريعة بالجامعة الأردنية
إعداد :
. محمد حمدي محمد أبو عبده
2
تمهيد
إن الإمام البخاري بشر ، لا يدعي لنفسه العصمة ولم ينقلها عنه أحد. وقد تلقت الأمة أحاديث
صحيح البخاري بالقبول حيث بلغ البخاري في علوم الحديث منزلة فاقت كل منزلة ، شـهد
بذلك أهل العلم قاطبة . وباستعراض مشيخة البخاري ورحلاته في الطلب تتبين منزلته، فمـا
ترك مِصراً فيه علَم أو عِلِم إلا ورحل إليه ، وقد أُحصيت مشيخته خارج بلـده فبلغـت ألفـاً
وثمانين نفساً ، كلهم صاحب حديث .
وإن ما يذكر أو يتداول من ضعفِ بعض الأحاديث في صحيح الإمام البخاري ينبغي أن ينظر
فيه من عدة أوجه:
أما الوجه الأول: فهو لماذا يثار هذا الأمر، وما الغرض الدافع إليه؟ هل هو محبة االله تعـالى
وسنة رسوله (صلى االله عليه وسلم) والدفاع عنها ؟ أم الانتقاص والتشكيك في أصح الكتـب
بعد كتاب االله ؟ !! كما قال ابن الصلاح رحمه االله : "وكتاباهما أصح الكتب بعـد كتـاب االله
العزيز".
أم هو محبة المراء والجدال التي استشرت هذه الأيام بين المسلمين. وكان في ذلـك مـدخلاً
عظيماً من مداخل الشيطان
والوجه الثاني: إطلاق القول بضعف أحاديث في صحيح البخاري إلى ماذا يؤدي ؟
على فرض ثبوت ذلك ؛ فإن ذلك يؤدي إلى زعزعة الثقة بهذا الكتاب العظيم الجليل، والـذي
هو عمدة المسلمين في الرجوع إلى سنة رسول االله (صلى االله عليه وسلم)، والمفسرة لـشرع
االله تعالى ، فكأن المنتقِص المطلِق لكلامه، المعمم له يريد الانتقاص من هذا الشرع الحنيف .
ولكن إن أراد منتقِد أن ينتقد ، فليقل : ضعف بعض العلماء الحديث الفلاني والفلاني .. مـن
صحيح البخاري . وذلك ليكون كلامه أدق ، وتضعيفه منصب على أحاديث معينة مـذكورة،
أذكر هذا ليس من باب التسليم بوجود أحاديث ضعيفة في صحيح البخاري بل من باب ذكـر
كيف ينتقد الناقد ، وكيف يكون كلامه دقيقاً حتى لا يكون فيه تجنِّي.
أما الوجه الثالث: فإنه صحيح قد قام البعض في هذا العصر بتضعيف بعض الأحاديـث فـي
صحيح البخاري ، وتناقل ذلك بعض طلبة العلم، ولكن كل بني آدم خطّاء، وكل الناس يؤخـذ
منه ويرد عليه .
والوجه الأخير: هو حقيقةُ صحيح البخاري وما ذكر فيه من الأحاديث.
وفي هذا الوجه سأذكر بعض الأقوال التي تُبين وتُوضح حال الصحيح وما ذُكـر فيـه مـن
أحاديث، وأنه صحيح أنه قد انتُقِد عليه بعض الأحاديث إلا أن أغلب ذلك مردود والقادح فيهـا
ضعيف . 3
قال ابن حجر في (هدي الساري) - بعدما ذكر عدد الأحاديث المنتقدة علـى الـصحيح - : "
ليست كلها قادحة، بل أكثرها الجواب عنه ظاهر والقدح فيه مندفع ، وبعضها الجـواب عنـه
) . 1 محتمل، واليسير منه في الجواب عنه تعسف"(
وقوله "تعسف" : أي أن الأظهر أنها ضعيفة لعدم إمكانية رد سبب الـضعف الموجـه لهـذا
الحديث بوجه قوي .
وقال عن الأحاديث المنتَقَدة : " وقد حررتها وحقَّقتها وقسمتها وفصلتها، لا يظهر منها ما يؤثِّر
). 2 في أصل موضوع الكتاب بحمد االله إلا النادر"(
وهذا يعني أنها قليلة ، وقليلة جداً ، لذا عبر عنها بالنادر، وإذا كان الحال هكـذا فـلا يطلَـق
"تضعيف الأحاديث" لصحيح البخاري ؛ لاسيما أن أكثر الطاعنين الآن إنما هم من أصـحاب
الأهواء وأهل البدع، فمن يريد أن ينكر بعض الأحاديث التي تخالف مـذهبهم ، سـواء كـان
المذهب العقلي ؛ الذي يريد أن يحكم على الأحاديث صحةً وضعفاً ، وِفقاً لما وافـق عقـولهم
المريضة، وِوفقاً لما فهموه، فإن وافق عقولهم صححوه ؛ وإلا ضعفوه ! بل تجرأ بعضهم على
القرآن الكريم.
ولا يفهم من هذا الكلام أنه طَعن أو انتقاص في كل من ضعف حديثاً في الصحيح ، فـالبعض
يقصد رضوان االله تعالى بذلك ، وإن كنت أرى أنه جانب الصواب في ذلك.
ولذا قال الحافظ - قبل سرد الأحاديث المنتقدة على البخاري -: " وقبل الخوض فيـه ينبغـي
لكل منصفٍ أن يعلم أن هذه الأحاديث وإن كان أكثرها لا يقدح في أصل موضوع الكتاب فإن
). 3 جميعها وارد من جهة أخرى"(
ولذا قال الإمام العقَيلي :" لما ألف البخاري كتاب الصحيح، عرضه على أحمـد بـن حنبـل
ويحيى بن معين وعلي بن المديني وغيرهم، فاستحسنوه وشهدوا له بالصحة إلا فـي أربعـة
). 4 أحاديث ". قال العقيلي : " والقول فيها قول البخاري وهي صحيحة "(
وروى الفربري عن البخاري قال :" ما أدخلتُ في الصحيح حديثاً إلا بعـد أن اسـتخرتُ االله
). 5 وتيقنت صحته "(
انظر : ابن حجر العسقلاني ، أحمد بن علي ،(ت 852هـ) ، هدي الساري مقدمة فتح الباري ،دار الكتب 1
العلمية ، بيروت ، ط 1989 ، 1م ، الفصل الثامن ، في سياق الأحاديث التي انتقدها عليه الدارقطني ، ص
. 542
ص
المرجع السابق ، 2 . 503
ص
المرجع نفسه ، 3 . 501
ص
المرجع نفسه ، 4 . 7
انظر : مقدمة الفتح ، المرجع السابق ،ص 5 . 5024
فإذا عرِف وتقرر أنه لا يخَرج من الحديث إلا ما لا علة له ، أو له علة إلا أنها غير مـؤثرة
عنده . فإنه ينبغي التريث حين النظر في أحاديث البخاري وعدم التسرع في إصـدار حكـم
عليها .
وأخيراً أقول ما قاله الحافظ : " فإذا تأمل المنصف ما حررته من ذلـك عظُـم مقـدار هـذا
المصنِّف – الإمام البخاري– في نفسه، وجلَّ تصنيفه في عينه، وعذَر الأئمة من أهل العلم في
). 1 تلقّيه بالقبول والتسليم ، وتقديمهم له على كل مصنّف في الحديث والقديم"(
وأما بالنسبة للشيخ الألباني فقد ضعف أحاديث قليلة جداً في صحيح البخاري، ولكن لا يلـزم
من تضعيف الشيخ لها أن تكون ضعيفة بالفعل، بل قد تكون صحيحة كما ذهـب إلـى ذلـك
البخاري من قبل، وقد تكون ضعيفة فعلاً. فتضعيف الشيخ الألباني – عليه رحمة االله- اجتهاد
منه، قابل للقبول والرد.
لكن العلماء - كما أشرت سابقاً - قد نصوا على أن أحاديث صحيح البخاري كلها مقبولة، إلا
أحاديث يسيرة انتقدها بعض النقاد الكبار.
وأن ما سوى تلك الأحاديـث اليـسيرة، فهـي متلقـاة بـالقبول عنـد الأمـة جميعهـاً.
وبناء على ذلك: فإنه وبعد البحث وجدت أن الحديث الذي يضعفه الشيخ الألباني في صـحيح
البخاري له حالتان:
الأولى: أن يكون ذلك الحديث الذي ضعفه الألباني قد سبقه إلى تضعيفه إمام مجتهـد متقـدم،
فهذا قد يكون حكْم الشيخ الألباني فيه صواباً ، وقد يكون خطأً ، وأن الصواب مع البخاري .
) ، فهذا ما لا يقبل من 2 الثانيـة : أن يكون الحديث الذي ضعفه الألباني لم يسبق إلى تضعيفه(
الشيخ -رحمه االله- ؛ لأنه عارض اتفاق الأمة على قبول ذلك الحديث (كما سبق ) .
ثم إن المتتبع لانتقادات الشيخ الألباني على تلك الأحاديث القليلة يجد أن مدارها هو الإسـناد
من حيث التكلم في أحد رجاله أو الاضطراب فيه . وبعض ألفاظ المتون من حيث غرابتها أو
شذوذها أو نكارتها ...؛ فقد قام الشيخ بالحكم على هذه الأحاديث من خلال جرح رواة بعض
الأسانيد كـ( فليح بن سليمان و عبد الرحمن ابن عبد االله بن دينار) وغيرهمـا ؛ وبالتـالي
حكم على حديثهم بالضعف ! مع العلم بأن الرواة الذين تُكُلِّم فيهم ممن أخرج لهم البخاري لم
يكثِر البخاري عنهم بل روى عن الواحد منهم الحديث والحديثين ، وما أخرجه عـنهم قـد
المرجع السابق ، ص 1 .542
قلت : وهذا ليس على إطلاقه ، فقد يكون حكم الشيخ صحيحاً في تضعيفه ، ولولا هيبة الصحيح لقلنا أنه 2
ضعيف !!5
توبعوا عليه ، أو يخرج لهم مقروناً بغيرهم،أو لأغراض أخرى -سأبينها في موضعها-، فقد
كان البخاري يفحص الأحاديث وينتقي من أحاديث رواته .
وبالجملة ؛ يحسن بيان موقف الشيخ الألباني من أحاديث البخاري ، فيقول : " وبعد ، فقـد
أطلت الكلام على هذا الحديث و راويه دفاعاً عن السنة و لكي لا يتقول متقـول ، أو يقـول
قائلٌ من جاهلٍ أو حاسدٍ أو مغرضٍ :إن الألباني قد طعن في " صحيح البخـاري " و ضـعف
حديثه ، فقد تبين لكل ذي بصيرة أنني لم أُحكِّم عقلي أو رأيي كما يفعل أهل الأهواء قديماً و
حديثاً ، و إنما تمسكت بما قاله العلماء في هذا الراوي و ما تقتضيه قواعدهم في هذا العلم
) . 1 الشريف و مصطلحه من رد حديث الضعيف ، و بخاصة إذا خالف الثقة"(
وقال الشيخ الألباني: " كيف والصحيحان هما أصح الكتب بعد كتاب االله تعالى باتفاق علمـاء
المسلمين من المحدثين وغيرهم فقد امتازا على غيرهما من كتب السنة بتفردهمـا بجمـع
أصح الأحاديث الصحيحة وطرح الأحاديث الضعيفة والمتون المنكرة علـى قواعـد متينـة
وشروط دقيقة وقد وفِّقوا في ذلك توفيقاً بالغاً لم يوفق إليه من بعدهم ممن نحا نحوهم فـي
جمع الصحيح كابن خزيمة وابن حبان والحاكم وغيرهم حتى صار عرفاً عاماً أن الحديث إذا
أخرجه الشيخان أو أحدهما فقد جاوز القنطرة ودخل في طريق الصحة والسلامة . ولا ريب
) . 2 في ذلك وأنه هو الأصل عندنا "(
ثم قال مبيناً رأيه صراحة في البخاري وغيره مقارنة بشخص رسول االله تعالى : " ولو جاز
لنا أن نحابي الإمام البخاري ؛ لقلنا: إنه قد توبع الفضيل على لفظه، ولكـن معـاذ االله! أن
) . 3 نحابي في حديث رسول االله صلى االله عليه وسلم أحداً..."(
1
انظر قوله : السلسلة الضعيفة ، دار المعارف ، الريـاض ، ط 1412 ، 1 هــ - 1992 م ، ج 3 ص
. 465
انظر : شرح العقيدة الطحاوية – المقدمة ، المكتب الإسلامي ، بيروت ، ط 1399 ،5هـ، ص 2 15 -14
انظر قوله : السلسلة الضعيفة ، حديث رقم ( 6959) ، ج 14 ص 1055. وهو حديث :" لا عقوبة فـوق 3
عشر ضربات إلا في حد من حدود االله " .وسيأتي بيانه .6
المبحث الأول : رجال البخاري المتَكَلَّم فيهم .
المطلب الأول : متى (نَرد أو نَقْبل) رواية أحد رواة البخاري المتكلم فيهم :
قلت : قام الحافظ ابن حجر بإفراد فصل خاص (بأسماء هؤلاء الرجال المـتكلم فـيهم) فـي
مقدمة الفتح فقال - منافحاً عن رجال البخاري- : " وقبل الخوض فيه ؛ ينبغـي لكـل
منصف أن يعلم أن تخريج صاحب الصحيح لأي راوٍ كان ؛ مقتضٍ لعدالته عنـده ؛ وصـحة
ضبطه، وعدم غفلته ، ولا سيما ما انضاف إلى ذلك من إطباق جمهور الأئمة علـى تـسمية
الكتابين بالصحيحين ، وهذا معنى لم يحصل لغير من خرج عنه في الصحيح ، فهـو بمثابـة
إطباق الجمهور على تعديل من ذُكر فيهما ؛ هذا إذا خرج له في الأصول ؛ فأما إن خرج لـه
في المتابعات والشواهد والتعاليق ؛ فهذا يتفاوت درجات .. وحينئذ إذا وجدنا لغيره في أحـد
منهم طعناً ؛ فذلك الطعن مقابِلٌ لتعديل هذا الإمام ، فلا يقبل إلا مبين السبب ؛ مفَسراً بقـادحٍ
يقدح في عدالة هذا الراوي ؛ وفي ضبطه مطلقاً ، أو في ضبطه لخبر بعينه ، لأن الأسـباب
الحاملة للأئمة على الجرح متفاوتة ؛ منها ما يقدح ؛ ومنها ما لا يقدح .
وقد كان الشيخ أبو الحسن المقدسي يقول في الرجل الذي يخَرج عنه في الصحيح:"هذا جـاز
القنطرة " ، يعني بذلك : أنه لا يلتَفت إلى ما قيل فيه . وقال الشيخ أبو الفتح القـشيري فـي
مختصره :" وهكذا نعتقد ، و به نقول ، ولا نخرج عنه إلا بحجة ظاهرة ، وبيانٍ شافٍ يزيـد
في غلبة الظن على المعنى الذي قدمناه من اتفاق الناس بعد الشيخين علـى تـسمية كتابيهمـا
بالصحيحين ؛ ومن لوازم ذلك تعديل رواتهما" . قلت (ابن حجر) : " فلا يقبل الطعن في أحد
). 1 منهم إلا بقادح واضح لأن أسباب الجرح مختلفة..."(
وقد يكون من المفيد أن أُورد هنا ما قاله الحافظ الذهبي في (الموقظة) مبينـاً أحـوال رجـال
الشيخين من حيث الاحتجاج ، فقال : " من أخرج له الشيخان على قسمين :
أحدهما: ما احتجا به في الأصول.
والثاني: من خرجا له متابعة وشهادة واعتباراً.
فمن احتجا به أو أحدهما، ولو لم يوثَّق ، ولا غُمِز، فهو ثقة ، وحديثُه قويٌّ.
ومن احتجا به ، أو أحدهما ، وتُكلِّم فيه :
فتارة يكون الكلام فيه تعنُّتاً، والجمهور على توثيقه، فهذا حديثه قوي أيضاً.
وتارة يكون الكلام في تليينه وحفظه له اعتبار، فهذا حديثُه لا ينحط عن مرتبة الحسن، التي
نسميها من أدنى درجات الصحيح . فما في كتاب البخاري - بحمد االله - رجلٌ احتج به فـي
انظر : مقدمة الفتح ، ص 1 . 543 7
الأصول، وروايته ضعيفة، بل حسنة أو صحيحة ، ومن خَرج لـه البخـاري أو مـسلم فـي
الشواهد والمتابعات ، ففيهم من في حِفظِه شيء ، وفي توثيِقه تردد . فكلُّ من خُرج لـه فـي
) . 1 (الصحيحين) ، فقد قَفَز القَنْطَرة ، فلا معدِلَ عنه إلا ببرهانٍ بين "(
قلت : فالظاهر من كلام العلماء أن بعض رجال البخاري قد يكون مجروحاً ، ولكن لا بد من
بيان سبب الجرح وتفسيره ، لأن أسباب الجرح كثيرة ولا بد من وجود قادح يقدح في عدالـة
هذا الراوي ؛ أو في ضبطه مطلقاً ، أو في ضبطه لخبر بعينه لرد روايته ، هذا من جهـة ،
) ! فكما أن الثقة 2 ومن جهة أخرى ؛ لا بد من العلم بأنه ليس كلُ حديثِ الضعيفِ ؛ ضعيفٌ(
قد يخطئ ، فكذلك الضعيف فإنه قد يصيب . فتصنيف الصحيح مبني على طريقة الانتقـاء لا
. فكان المتقدمون يصححون من حديث الضعيف ما يرونه قد ضبطه . 3 على ظاهر الأسانيد( )
ويبقى سائر حديثه خاضعاً للنظر والتدقيق . وهذا ليس بالأمر اليسير ، إنما يطلع علـى ذلـك
الأئمة النقاد الغواصون في أعماق ما يكمن في الروايات من صحة أو خطأ ، لذا فتّش العلماء
في حدِيث الضعفاء ، وانتقوا ما صح من حديثهم كما صنع الإمام البخاري – فلله دره - .
فمن قال أن الراوي الضعيف أخطأ في هذا الحديث كان قوله معارضاً بقول الشيخ البخـاري
أنه أصاب في هذا الحديث ،ولا يقال أن الأصل في حديث الضعيف ؛ الخطأ – هكذا مطلقاً -.
قلت : وهذا المنهج يعرف بمنهج الانتقاء من أحاديث الضعفاء ، أي أن حديث الضعيف لا يرد
جملة ولا يقْبل جملة. وإنما يقبل ما صح من حديثه فقط. كما أن الثقة لا تقبل أحاديثه مطلقـاً
فيقبل ما أصاب فيه ويرد ما أخطأ فيه.
قال الإمام ابن القيم - وهو يرد على من عاب على مسلم إخراج أحاديث الضعفاء سيئي الحفظ
كمطر الوراق وغيره- : " ولا عيب على مسلم في إخراج حديثه لأنه ينتقي من أحاديث هـذا
الضرب ما يعلم أنه حفظه ، كما يطرح من أحاديث الثقة ما يعلم أنه غلط فيه، فغلط في هـذا
انظر : الذهبي ، شمس الدين أبوعبداالله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايماز ، (ت748هـ) ، الموقظة فـي 1
علم مصطلح الحديث ، دار البشائر ، بيروت ، ط 1420 ، 4هـ ، ص 80 – 79 .
انظر : كافي ، أبو بكر، منهج الإمام البخاري في تصحيح الأحاديث وتعليلها( من خلال الجامع الصحيح ) 2
، دار ابن حزم ، ص : 121 . قلت : وأصل هذا الكتاب رسالة علمية، نال بها صاحبها شهادة الماجستير في
الحديث وعلومه، من جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة الجزائر، وذلك في 19 شـوال
1418هـ، الموافق لـ 1998 /2 /16م .
قلت : وقد أشار إلى مثل هذا الحافظ ابن حجر في (المقدمة) فقال في معـرض التعليـق علـى روايـة 3
البخاري عن أكبر مشايخه ( محمد بن يوسف الفريابي) المتكلم فيه : " وقال العجلي ثقة، وقد أخطـأ
في مائة وخمسين حديثاً، وذكر له ابن معين حديثاً أخطأ فيه؛ فقال : " هذا باطل" . قلت(ابن حجر) : اعتمـده
البخاري لأنه انتقى أحاديثه وميزها" . انظر ص : 617.8
المقام من استدرك عليه إخراج جميع أحاديث الثقة ، ومن ضعف جميع أحاديث سيئي الحفظ.
فالأولى : طريقة الحاكم وأمثاله، والثانية : طريقة أبي محمد بن حزم وأشكاله. وطريقة مسلم.
) . 1 هي طريقة أئمة هذا الشأن "(
المطلب الثاني : نماذج من أحاديث (الرواة المتكلم فيهم) في صحيح البخاري .
1- إبراهيم بن المنذر الحزامي :
قال الحافظ ابن حجر :" أحد الأئمة ،وثقه ابن معين ،وابن وضاح ،والنـسائي ،وأبـو حـاتم
،والدارقطني ،وتكلم فيه أحمد من أجل كونه قد دخل إلى ابن أبي دواد ، وقال الساجي:" عنده
مناكير"، وتعقب ذلك الخطيب . قلت:" اعتمده البخاري وانتقى من حديثه". وروى له الترمذي
) . 2 والنسائي"(
وقد أخرج له البخاري أحاديث كثيرة ؛ منها: في كتاب الاستئذان ، باب الاحتبـاء ؛ وقـال :
حدثني محمد بن أبي غالب أخبرنا إبراهيم بن المنذر الحزامي حدثنا محمد بن فليح عن أبيـه
عن نافع عن ابن عمر رضي االله عنهما قال : رأيت رسول االله صلى االله عليه و سلم بفنـاء
). 3 الكعبة محتبياً بيده هكذا"(
ومنها في كتاب الرقاق ، باب في الحوض ، قال البخاري حدثني إبراهيم بن المنـذر حـدثنا
أنس بن عياض عن عبيد االله عن خبيب عن حفص بن عاصم عن أبي هريـرة رضـي االله
عنه: أن رسول االله صلى االله عليه و سلم قال:" ما بين بيتي ومنبري روضة مـن ريـاض
). 4 الجنة ومنبري على حوضي"(
2- أبي بن عباس بن سهل الساعدي :
قال الحافظ ابن حجر :" ضعفه أحمد ،وابن معين ،وقال النسائي:" ليس بـالقوي". ولـه عنـد
البخاري حديث واحد في ذكر خيل النبي صلى االله عليه وسلم،كما في الفصل الذي قبلـه فـي
انظر : ابن القيم الجوزية ،(ت795هـ) ، زاد المعاد في هدي خير العبـاد ، مؤسـسة الرسـالة ، ط 1 ،8
1405هـ - 1985م ، تحقيق : شعيب الأرناؤوط وعبد القادر الأرناؤوط ، ج 1 ص 364 . قلت : وهـذه
هي طريقة الإمام البخاري – أيضاً - .
انظر : ابن حجر : مقدمة الفتح ، ص 548 . وانظر ترجمته :ابن أبي حاتم ، الجـرح والتعـديل ، ج 2 2
ص 139 ، المزي ، تهذيب الكمال ، ج 2 ص 211 .
انظر : البخاري ، محمد بن إسماعيل أبو عبداالله ،(ت256هـ)، الجامع الصحيح المختصر ، دار ابن كثير 3
، بيروت ،ط 1407 ،3 هـ – 1987 م ، تحقيق : د. مصطفى ديب ، ج 5 ص 2314.
المرجع السابق نفسه . 49
الحديث السابع والثلاثين ، وقد تابعه عليه أخوه عبد المهيمن بن العباس وروى لـه الترمـذي
) . 1 وابن ماجة"(
وحديثه في كتاب الجهاد والسير ، باب اسم الفرس والحمار ،قال البخاري حـدثنا علـي بـن
عبد االله بن جعفر حدثنا معن بن عيسى حدثنا أبي بن عباس بن سهل عن أبيه عن جده قال :"
كان للنبي صلى االله عليه و سلم في حائطنا فرس يقال له اللحيف ". قال أبو عبد االله :"وقـال
) . 2 بعضهم اللخيف"(
3- خلاس بن عمرو الهجري :
قال الحافظ ابن حجر: " وثقه ابن معين وأبو داود والعجلي ،وقال أبو حاتم :"يقـال وقعـت
عنده صحف عن علي وليس بقوي" ، وقال أحمد بن حنبل:" كان القطان يتوقى حديثه عن علي
خاصة واتفقوا على أن روايته عن علي ابن أبي طالب وذويه مرسلة"، وقال أبـو داود عـن
أحمد:" لم يسمع من أبي هريرة" ، قلت(ابن حجر): "روايته عنه عند البخاري" . أخـرج لـه
) . 3 حديثين ؛ قرنه فيهما معاً بمحمد بن سيرين وليس له عنده غيرهما"(
فأما الأول ففي كتاب الأيمان والنذور ، باب إذا حنث ناسياً في الأيمان ،فقال: " حدثني يوسف
بن موسى حدثنا أبو أسامة قال حدثني عوف عن خلاس ومحمد عن أبي هريـرة رضـي االله
عنه قال : قال النبي صلى االله عليه و سلم:" من أكل ناسياً وهو صائم فليـتم صـومه فإنمـا
) . 4 أطعمه االله وسقاه "(
والثاني في كتاب التفسير ، باب حديث الخضر مع موسى عليهما السلام ، فقال حدثني إسحاق
بن إبراهيم حدثنا روح بن عبادة حدثنا عوف عن الحسن ومحمد وخلاس عـن أبـي هريـرة
رضي االله عنه قال : قال رسول االله صلى االله عليه و سلم:" إن موسى كان رجلاً حييـاً
) . 5 سِتّيراً، لا يرى من جلده شيء استحياء منه فآذاه من آذاه من بني إسرائيل..."(
قلت : ذكرت هذه النماذج ليس على سبيل الحصر ؛ وإنما من باب التمثيل حتـى لا يطـول
البحث .
المبحث الثاني : الأحاديث التي ضعفها الشيخ الألباني في صحيح البخاري .
المطلب الأول : العلل التي دعت الشيخ الألباني إلى تضعيف هذه الأحاديث .
انظر : ابن حجر ، مقدمة الفتح ، ص 1 . 549
انظر : البخاري ، الصحيح ، ج 3 ص 2 . 1023
انظر : ابن حجر ، مقدمة الفتح ، ص 3 . 564
انظر : البخاري ، الصحيح ، ج 6 ص 4 . 2454
المرجع السابق ، ج 3 ص 5 . 123710
فبعد أن استقريت الأحاديث التي ضعفها الشيخ الألباني في الصحيح ، فـإنني وجـدت أنـه
ضعفها لأسباب منها:
1- التكلم في بعض الرواة .
2- شذوذ أو غرابة أو نكارة أحد ألفاظ المتن .
3- إدراج لفظ زائد في الحديث وهو ليس منه .
4- اضطراب السند والمتن .
وسأقوم بتقسيم هذا المطلب حسب تسلسل الأسباب السابقة :
القسم الأول : الأحاديث التي ضعفها الشيخ بسبب التكلم في أحد الرواة :
الحديث الأول : " إن العبد ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالا يرفعه االله بها درجات.. ".
) من طريـق عبـد 1 قال الشيخ الألباني : " ضعيف ، أخرجه (البخاري ، و أحمد و البيهقي )(
الرحمن بن عبد االله بن دينار، عن أبيه عن أبي صالح، عـن أبـي هريـرة مرفوعـاً بـه .
قلت(الألباني) : وهذا إسناد ضعيف، وله علتان :
الأولى : سوء حفظ عبد الرحمن هذا مع كونه قد احتج به البخاري، فقد خالفوه وتكلموا فيـه
من قبل حفظه، وليس في صدقه.
أقوال أهل الجرح والتعديل في عبد الرحمن بن عبداالله بن دينار :
). 1 2 - قال يحيى بن معين : " حدث يحيى القطان عنه، وفي حديثه عندي ضعف "(
2 - قال عمرو بن علي :" لم أسمع عبد الرحمن ( يعني ابن مهدي ) يحـدث عنـه بـشيء
) . 3 قط"(
). 3 4 - وقال أبو حاتم : " فيه لين، يكتب حديثه ولا يحتج به "(
انظر : أحمد بن حنبل ، (ت241هـ) ، المسند ، مؤسسة قرطبة ، القاهرة ، ج 2 ص 334 . البخـاري ، 1
الصحيح ، دار ابن كثير ، اليمامة ، بيروت ، تحقيق : د. مصطفى ديب البغا ، ط 1407 ، 3هـ - 1987م
، ج 5 ص 2377 ، حديث رقم (6113). البيهقي ، أحمد بن الحسين بن علـي أبـو بكـر البيهقـي ،(ت
458هـ) ، شعب الإيمان ، مكتبة الرشد، تحقيق وتخريج : د. عبد العلي عبـد الحميـد ، الريـاض ، ط 1،
1423 هـ - 2003 م ، ج 7 ص 30
انظر : عبد الرحمن بن أبي حاتم ،(ت327هـ) ، الجرح والتعديل ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، 2
ط 1271 ، 1هـ - 1952م ، ج 5 ص 254 .
انظر : أبو أحمد عبد االله بن عدي الجرجاني،(ت227هـ) ، الكامل في الضعفاء ، دار الفكر، ط 3 ، تحقيق 3
: د.سهيل زكار ، ج 4 ص 294 .
انظر : الجرح والتعديل ، ج 5 ص 4 .25411
4 - وقال ابن حبان : " كان ممن ينفرد عن أبيه بما لا يتابع عليه مع فحش الخطأ في روايته،
لا يجوز الاحتجاج بخبره إذا انفرد، كان يحيى القطان يحدث عنه، وكان محمد بن إسـماعيل
). 1 البخاري ممن يحتج به في كتابه ؛ ويترك حماد ابن سلمة "(
5 - وقال ابن عدي في آخر ترجمته بعد أن ساق له عدة أحاديث : " بعض ما يرويه منكر لا
). 2 يتابع عليه، وهو في جملة من يكتب حديثه من الضعفاء "(
). 6 3- وقال الدارقطني : " خالف فيه البخاري الناس، وليس بمتروك "(
) فقال : " صدوق يخطىء ". 7 4 - ولخص هذه الأقوال ابن حجر في " التقريب "(
). وقول البغوي : " صالح 5 قلت:(الألباني) :" ولا يخالف هؤلاء قول ابن المديني : " صدوق "(
) ، لأن الصدق لا ينافي سوء الحفظ . وأما قول البغوي ؛فشاذّ مخالف لمـن تقـدم 6 الحديث "(
ذكرهم فهم أكثر وأعلم ، وكأنه لذلك لم يورده الحافظ في ترجمة عبد الرحمن هذا من "مقدمة
الفتح " ، بل ذكر قول الدارقطني وغيره من الجارحين، ولم يستطع أن يرفع من شأنه إلا بقوله
:" ويكفيه رواية يحيى القطان عنه ". وقد ساق له حديثاً مما انتقده الدارقطني على البخـاري
لزيادة تفرد بها ، فقال الدارقطني :" لم يقل هذا غير عبد الرحمن، وغيره أثبت منـه وبـاقي
الحديث صحيح ". ولم يتعقبه الحافظ بشيء بل أقره .
وبالجملة فضعف هذا الراوي بعد اتفاق أولئك الأئمة عليه أمر لا ينبغـي أن يتوقـف فيـه
باحث، أو يرتاب فيه منصف . وإن مما يؤكد ذلك ما يلي :
العلة الثانية : وهي مخالفة الإمام مالك إياه في رفعه ، فقال في " الموطأ " : عن عبد االله بن
دينار عن أبي صالح السمان أنه أخبره أن أبا هريرة قال : فذكره موقوفاً عليه وزاد : " فـي
الجنة ". فرواية مالك هذه موقوفاً مع هذه الزيادة يؤكد أن عبد الرحمن لم يحفظ الحديث فـزاد
في إسناده فجعله مرفوعاً إلى النبي صلى االله عليه وسلم، ونقّص من متنه ما زاده فيـه جبـل
الحفظ الإمام مالك رحمه االله تعالى .
انظر : ابن حبان ، محمد بن حبان بن أحمد التميمي، أبو حاتم البستي ،(ت 354هــ) ، المجـروحين ، 1
تحقيق محمود إبراهيم زايد ،ج 2 ص 52 .
انظر : الكامل في الضعفاء ، ج 4 ص 2 . 299
انظر : ابن حجر ، تهذيب التهذيب ، دار الفكر ، ط 1404 ، 1 هـ - 1984 م ، ج 6 ص 3 . 187
انظر : ابن حجر ، تقريب التهذيب ، دار الرشيد، حلب ، تحقيق: محمد عوامة ، ط 1406 ، 1هــ، ج 4 2
ص 344 .
انظر : تهذيب التهذيب ، المرجع السابق نفسه . 5
المرجع السابق نفسه . 612
وثمة دليل آخر على قلة ضبطه أن في الحديث زيادة شطر آخر بلفظ : " وإن العبـد ليـتكلم
بالكلمة من سخط االله لا يلقي لها بالاً يهو ي بها في جهنم " . فقد أخرجه الشيخان من طريـق
أخرى عن أبي هريرة مرفوعاً به إلا أنه قال :"ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد مما بـين
المشرق والمغرب ". وعند الترمذي وحسنه بلفظ :".. لا يرى بها بأساً يهوي بها سبعين خريفاً
في النار ".
وبعد فقط أطلت الكلام على هذا الحديث وراويه دفاعاً عن السنة ولكي لا يتقول متقـول، أو
يقول قائل من جاهل أو حاسد أو مغرض : إن الألباني قد طعن فـي " صـحيح البخـاري "
وضعف حديثه، فقد تبين لكل ذي بصيرة أنني لم أحكم عقلي أو رأيي كما يفعل أهل الأهواء
قديماً وحديثاً ، وإنما تمسكت بما قاله العلماء في هذا الراوي وما تقتضيه قواعدهم في هـذا
) . 1 العلم الشريف ومصطلحه من رد حديث الضعيف، وبخاصة إذا خالف الثقة"(
قلت : والقول ما قاله الشيخ الألباني من تقديم الجرح المفسر على التعـديل فـي تـضعيف
رواية عبد الرحمن بن عبد االله بن دينار في هذا الحديث وعدم ضبطه لها متنـاً وسـنداً .
وذلك لقوة الأدلة التي ساقها الشيخ من أقوال أئمة الجرح والتعديل فيه . واالله تعالى أعلـم
بالصواب .
الحديث الثاني :" كان له فرس يقال لها : الظَّرِب ، وآخر يقال له : الِّلزاز " . ولفظ البخاري
) . 2 : "كان للنبي صلى االله عليه و سلم في حائطنا فرس يقال له الَّلحيف "(
قال الشيخ الألباني :" ضعيف ، أخرجه البيهقي عن أبي بن عباس ، عن أخيـه مـصدق بـن
عباس ، عن أبيه ، قال : فذكره مرفوعاً . قلت : وهذا إسناد مرسل ضعيف ؛ مـصدق بـن
عباس ؛ لم أعرفه . وأخوه أبي بن عباس ؛ ضعيف كما في "التقريب" ، مع أنه مـن رجـال
البخاري كما يأتي ، وقد اتفقوا على تضعيفه ، منهم البخاري نفسه ؛ فقد قال :"ليس بالقوي" !
فالعجب منه كيف أخرج له هذا الحديث ؟! وقد خالفه عبد المهيمن بن عباس بن سهل ، عـن
أبيه ، عن سهل بن سعد : "أنه كان عند سعد أبي سهل ثلاثة أفراس للنبي - صلى االله عليـه
وسلم - ... (فذكرهما) والثالث : اللحيف" .وعبد المهيمن بن عباس ؛ ضعيف أيـضاً . ورواه
ابن عدي عن أبي بن عباس بن سهل ، عن أبيه ، عن جده سهل مختـصراً ؛ لـم يـذكر إلا
انظر : الألباني ، محمد ناصر الدين ، (ت 1999م) ، السلسلة الضعيفة ، دار المعارف ، الرياض ، ط 1 1
، 1412 هـ - 1992 م ، ج 3 ص 463 ، حديث رقم ( 1299) .
انظر : البخاري ، الصحيح ، كتاب الجهاد ، باب اسم الفرس و الحمار ، حـديث رقـم ، (2700) ، ج 2 3
ص 1049 . 13
"اللحيف" . وهكذا مختصراً أخرجه البخاري في "الجهاد" من "صحيحه" وهو الحديث الوحيـد
) . 1 الذي أخرجه لأبي هذا .."(
قلت :وهذا الحديث كان مثار جدل بين العلماء بسبب راويه ( أبي بن العباس) المـتكلم فيـه
من قبل أئمة الجرح ،
)،وابن عدي وقال :" يكتب حديثه وهو فرد المتون 2 فقد تكلم فيه:النسائي وقال:"ليس بالقوي"(
والأسانيد "(
3 .(
ونقل الحافظ ابن حجر قول الدولابي فقال : " قال البخاري ليس بالقوي ، وكان المزي غفـل
) . ثم أضاف 4 عن ذلك حالة النقل ، وإنما روى له البخاري في موضع واحد في ذكر خيل "(
ابن حجر : " قال ابن معين:" ضعيف"، وقال أحمد:" منكر الحديث"، وقال العقيلي:" له أحاديث
) . قلت : 5 لا يتابع على شئ منها" ، وقال الذهبي : " وإن لم يكن بالثبت فهو حسن الحديث "(
) ، ثم لخص الحافظ ابن حجر الحكم عليه قائلاً : " فيه ضعف ، 6 وذكره ابن حبان في الثقات(
وما له في البخاري غير حديث واحد "(
7 . (
قلت : ومع التسليم للشيخ الألباني بأن (أبي بن عباس) ضعيف ومتكلم فيه ، إلا أننا قد نجد
عذراً للبخاري في إخراج حديثه ؛ وذلك :
- بأن حديثه لم يكن في الأحكام ولا في العقائد .
- أن (أبي بن عباس) رواه عن أبيه(عباس) عن جده(سهل بن سعد) الـساعدي ، وهـذا
يعني أنهم من عائلة واحدة نقلت خبراً وضبطته ، ويستحيل طـروء الـوهم والخطـأ فـي
انظر : السلسلة الضعيفة ، ج 9 ص 236 ، حديث رقم ( 1 . (4226
انظر : النسائي ، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب ، (ت303هـ) ، الضعفاء والمتروكين ، دار المعرفة ، 2
بيروت ، تحقيق محمود ابراهيم زايد ، ط 1406 ، 1 هـ - 1986 م ، ص 149 .
انظر : ابن عدي ، الكامل في الضعفاء ، ج 1 ص 3 . 421
انظر : تهذيب التهذيب ، ج 1 ص 163 . قلت : مقصد كلام ابن حجر السابق أن الحافظ المـزي – فـي 4
تهذيب الكمال - نسب قول ( ليس بالقوي ) للدولابي ، والصحيح أنه قول البخاري ، فلذلك نبه عليه .انظر :
المزي جمال الدين أبي الحجاج يوسف بن عبد الرحمن ،(ت7542هـ) ، تهذيب الكمال ، مؤسسة الرسالة
، تحقيق : د.بشار عواد معروف ، ط 1985 - 1406 ، 4 م.
5
انظر : الذهبي ، ميزان الاعتدال في نقد الرجال ، دار المعرفة ، بيروت ، تحقيق: علي محمد البجاوي ، ج
.78 ص 1
انظر : ابن حبان ، محمد بن حبان بن أحمد التميمي، أبو حاتم البستي ، (ت354هـ) ، الثقات ، دار الفكر 6
، ط 1395 ، 1هـ - 1975م ، تحقيق : السيد شرف الدين أحمد ، ج 4 ص 54 .
انظر : تقريب التهذيب ، ج 1 ص 7 . 9614
روايتهم ، فيقول في الرواية : " كان للنبي صلى االله عليه و سلم في حائطنا فرس يقال له
اللحيف " .فأفراد العائلة كلهم متأكدون من الخبر ؛ لا بل عاينوه وعايشوه .
- والظاهر من صنيع البخاري أنه انتقى من حديث ( أبي بن عباس ) هذا الحديث ؛ علـى
اعتبار أنه من حديثه الصحيح ، فقد قلت بأنه ليس كل حديث الضعيف ؛ ضعيفٌ .
- ثم إن البخاري لما أخرجه لم يجد غيره في الباب ؛ فوضعه . مستأنساً بالقرائن السابقة .
الحديث الثالث :" بينا أنا قائم ، فإذا زمرة ، حتى إذا عرفتهم ؛ خرج رجل من بيني وبيـنهم
فقال : هلم . فقلت : إلى أين ؟ قال : إلى النار واالله ! قلت : وما شأنهم ؟ قال : إنهم ارتدوا
بعدك على أدبارهم القهقرى . ثم إذا زمرة ، حتى إذا عرفتهم ؛ خرج رجل من بيني وبيـنهم
فقال : هلم . قلت : أين ؟ قال : إلى النار واالله ! قلت : ما شأنهم ؟ قال: إنهم ارتدوا بعـدك
على أدبارهم القهقرى ؛ فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم ".
قال الشيخ الألباني : " شاذ ؛ بل منكر . أخرجه البخاري من طريق محمد بن فليح: حدثنا أبي
قال : حدثني هلال عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة مرفوعاً .
قلت(الألباني) : وهذا إسناد غريب، تفرد به البخاري دون مسلم وسائر أصـحاب الـصحيح،
وعلته عندي في إسناده ومتنه . أما الإسناد ؛ ففيه فليح بن سليمان ؛ وهو كما قال الحـافظ
). وقريب منه ابنه محمد بن فليح: قال الحافظ 1 نفسه في " التقريب ": "صدوق كثير الخطأ "(
2 أيضاً :" صدوق يهم "(
). وقال في ترجمته في مقدمة " الفتح " - بعد أن ذكر الخلاف فيه -:
" أخرج له البخاري نسخة من روايته عن أبيه عن هلال بن علي عن عطاء ابن يسار عن أبي
). 3 هريرة، وبعضها عن هلال عن أنس بن مالك، توبع على أكثرها عنده "(
وقال في ترجمة ( فليح ) - بعد أن حكى الخلاف فيه أيضاً -: " لم يعتمـد عليـه البخـاري
اعتماده على مالك وابن عيينة وأضرابهما، وإنما أخرج له أحاديث أكثرهـا فـي المناقـب،
). وقال الذهبي فـي " 4 وبعضها في الرقاق. وروى له مسلم حديثاً واحداً وهو حديث الإفك "(
). ومما تقدم تعلـم تـساهل 5 الكاشف "، : " قال ابن معين وأبو حاتم والنسائي: ليس بالقوي"(
الحافظ في " الفتح " بعد الحديث: " ورجال سنده كلهم مدنيون، وقـد ضـاق مخرجـه علـى
انظر : ابن حجر ، التقريب ، ج 2 ص 1 .448
المرجع السابق ، ج 2 ص 2 . 502
انظر : ابن حجر ، مقدمة الفتح ، ص 3 .442
المرجع السابق ، ص 4 .435
انظر : الذهبي ، الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة ، دار القبلة ، جدة ، ط 1413 ، 1هـ 5
- 1992م ، ج 2 ص 125 . 15
الإسماعيلي، وأبي نعيم وسائر من استخرج على " الصحيح " ؛ فأخرجوه من عدة طرق عـن
). 1 البخاري عن إبراهيم ابن المنذر عن محمد بن فليح عن أبيه "(
قلت( الألباني): ووجه التساهل واضح - بعد أن عرفت تضعيفه للوالد والولـد، وخـصوصاً
الأول منهما - ؛ فلا جرم أن أعرض عن تخريجه أصحاب الصحاح الآخرون ؛ كمسلم وأبي
). 2 عوانة، وابن حبان وغيرهم . هذا ما يتعلق بالإسناد، وهو كما ترى ضعفاً ووهناً "(
قلت : وفي هذا الحديث وجدت أن الألباني ،ضعف حديث البخاري بسبب ضـعف الـراوي (
فليح بن سليمان ، (ت 168هـ) ) وكذلك ابنه ( محمد بن فليح ،(ت197هـ) ) .والنـاظر
في ترجمة (فليح بن سليمان) يجد أن: " يحيى بن معين قال:" فليح بن سليمان ليس بقـوى
ولا يحتج بحديثه" ،وقال أبو حاتم : " ليس بالقوى " ، وقال ابن عـدي : " ولفلـيح أحاديـث
صالحة يرويها ؛ يروي عن نافع عن ابن عمر نسخة ، ويروي عن هلال بن علي عن عبـد
الرحمن بن أبي عمرة عن أبي هريرة أحاديث ، ويروي عن سائر الشيوخ من أهل المدينـة ،
مثل أبي النضر وغيره أحاديث مستقيمة وغرائب ؛ وقد اعتمده البخاري في صـحيحه وروى
عن الكثير وهو عندي لا بأس به. " ، وقال الذهبي : " كان صادقاً عالماً صاحب حديث، وما
هو بالمتين ، وقد قال الدارقطني لا بأس به، واحتج به الشيخان، وأما يحيى بن معين فقـال:
ليس بقوي، وقال مرة: ضعيف، وقال مرة: ليس حديثه بذاك الجائز.وقال أبو داود: لا يحـتج
به.وقال النسائي: ليس بالقوي " ، ..وحديثه في رتبة الحسن ".وقال ابن حجر : " قال الحـاكم
أبو أحمد :"ليس بالمتين عندهم" وقال الدار قطني:" يختلفون فيه ،وليس به بأس"، وقال ابن أبي
شيبة:" قال علي بن المديني:" كان فليح وأخوه عبدالحميد ؛ضعيفين" . وقال البرقي عـن ابـن
معين: ضعيف ، وهم يكتبون حديثه ويشتهونه. وقال الساجي:" هو من أهل الصدق؛ ويهـم" .
). 3 وذكره ابن حبان في الثقات"(
قلت : وأزيد بياناً على حسن حديثه ، وأن البخاري إنما انتقى من صحيح حديثه ، بما قالـه
ابن عدي من أن له أحاديث صالحة ، وأخرى مستقيمة ، وبما قاله الحافظ ابن حجر : " لـم
يعتمد عليه البخاري اعتماده على مالك وابن عيينة وأضرابهما وإنما أخـرج لـه أحاديـث
) . وبذلك تنزاح شبهة إخراج البخـاري لحديثـه 4 أكثرها في المناقب وبعضها في الرقاق "(
انظر : ابن حجر ، فتح الباري ، ج 11 ص 1 . 474
انظر : السلسلة الضعيفة ، ج 14 ص 1033 ، حديث رقم (2 . (6945
انظر ترجمته : ابن أبي حاتم ، الجرح والتعديل ، ج 7 ص 84 ، ابن عدي ، الكامل في الـضعفاء ، ج 3 6
ص 30 ، الذهبي ، تذكرة الحفاظ ، ج 1 ص 223 ، ابن حجر ، التهذيب ، ج 8 ص 272 .
انظر : ابن حجر ، مقدمة الفتح ، ص 435 . قلت : ويقصد ابن حجر أن البخاري تـساهل فـي إخـراج 4
حديث (فليح) فقط في الفضائل والمناقب والرقاق ، التي لا تدخل في الأحكام ولا في العقائد . 16
)!! ولا غـرو أن 1 واحتجاجه به . وعليه فالقول قول الإمام البخاري لا قول الشيخ الألبـاني(
الشيخ الألباني يقول عن حديث فليح : " فلا ضير على أصل حديثه ما دام أنه لم يتفـرد بـه
).وهذا يعني أن لفليح أحاديث صالحة . فالذي ظهر لي من صنيع الألباني مع أحاديث فليح 2 "(
:
) ، 3 * أنه يقبلها ما لم يتفرد أو يخالف .وفي هذا الحديث تفرد البخاري بإخراج حديث فلـيح(
فلم يرضه الألباني .
) . 4 * ثم إن الألباني قد اعتمد على ما لم يتفرد به (فليح) في تقوية أحاديث أخرى لتقويتها(
* ويقول عن إسناد فيه (فليح ):" ولكن لا يلزم من ذلك أن يكون سند الحديث بالذات صحيحاً
لجواز أن يكون فيه من تُكلم فيه ، وإن كان صاحب الصحيح احتج به ، فإنه يجـوز أن ذلـك
لأنه لم يثبت جرحه عنده ، أو أنه كان ينتقي من حديثه ، مع اعتقاده أن فيه ضعفاً يـسيراً لا
). 5 يسقط به حديثه جملة عنده ، خلافاً لغيره "(
قلت : وهذا ما فعله البخاري بالضبط .
قلت : وفي نهاية هذا القسم ، لا بد من الإشارة إلى أن الشيخ الألباني قد غمز بعض أسـانيد
) ، أبو بكر 6 البخاري لوجود رواة متكلم فيهم ( من رجال الصحيح ) ؛ مثل : ( خالد بن مخلد(
) ) 2 ) ، والفضيل بن سليمان( 1 بن عياش(
قلت : وقد اعترض الشيخ الألباني على البخاري إخراج حديث ( فليح بن سليمان) بشكل عام ، في عـدة 1
مواضع من ( السلسلة الضعيفة) ، وهي : حديث رقم (4839) ، ج 10 ص 396 ، حـديث رقـم
(6947) ، ج 14 ص 1037 ، حديث رقم (6950) ، ج 14 ص 142 .
انظر : الألباني ، السلسلة الصحيحة ، ج 1 ص 477 . إرواء الغليل ، المكتب الإسلامي ، بيروت ، ط 2 2
، 1405هـ - 1985م ، ج 2 ص 16 .
3
قلت : ضعف الشيخ حديثاً آخر تفرد بإخراجه البخاري من طريق فليح . انظر : السلسلة الضعيفة ، ج
14 ص 1037 ، حديث رقم (6947).
انظر : المرجع السابق ، ج 6 ص 485 ، ج 7 ص 37 ، وصحيح أبي داود ، مؤسـسة غـراس ،ط 4 ، 1
1423 هـ - 2002 م
ج 4 ص 90 .
انظر : السلسلة الضعيفة ، ج 2 ص 5 . 177
خالد بن مخلد : قال أبو حاتم :" يكتب حديثه" ، وقال أحمد بن حنبل : " له أحاديث مناكير " ، وقال ابـن 6
معين : " ما به بأس" ، وقال ابن عدي : " ولم أجد في كتبه أنكر مما ذكرته فلعله توهما منه أو حمـلا علـى
الحفظ وهو عندي إن شاء االله لا بأس به " ،وقال أبو داود : صدوق يتشيع " ، وقال ابن سعد: منكر الحـديث،
مفرط في التشيع" ،وساق له الذهبي حديثا وقال عنه : " هذا حديث غريب جدا، لولا هيبة الجامع الـصحيح
لعدوه (4) في منكرات خالد بن مخلد، وذلك لغرابة لفظه " وقال الحافظ ابن حجر :"وذكره الساجى والعقيلـي17
القسم الثاني : الأحاديث التي ضعفها الشيخ بسبب شذوذ أو غرابة أو نكارة أحد ألفاظ المتن
.
الحديث الأول :" لا عقوبة فوق عشر ضربات إلا في حد من حدود االله " .
قال الشيخ الألباني : " منكر بلفظ: "العقوبة ".أخرجه البخاري قال حدثنا عمرو بـن علـي:
حدثنا فضيل بن سليمان حدثنا مسلم بن أبي مريم حدثني عبد الرحمن بن جابر عمـن سـمع
النبي صلى االله عليه وسلم قال:... فذكره.
في الضعفاء". وقال أيضاً -راداً على بعض ما جرح به- : " أما التشيع ؛فإنه إذا كان ثبت الأخذ والأداء ؛ لا
يضره ، لا سيما ولم يكن داعية إلى رأيه ؛ وأما المناكير؛ فقد تتبعها أبو أحمد ابن عدي من حديثه ؛وأوردهـا
في كامله ،وليس فيها شيء مما أخرجه له البخاري ،بل لم أر له عنده من أفراده سوى حديث واحـد ؛وهـو
حديث أبي هريرة "من عادى لي ولياً.. الحديث"، وروى له الباقون سوى أبي داود. انظر ترجمته : ابن أبي
حاتم ، الجرح والتعديل ، ج 3 ص 354 ، ابن عدي ، الكامل ، ج 3 ص 34، الذهبي ، ميزان الاعتدال ، ج
1 ص 640 . ابن حجر ، التهذيب ، ج 3 ص 102 ، ابن حجر ، مقدمة الفتح ، ص 400 .
أبو بكر بن عياش : قال الحافظ ابن حجر : " قال أحمد ثقة وربما غلط ،وقال أبو نعيم:" لـم يكـن فـي 1
شيوخنا أكثر غلطاً منه، وسئل أبو حاتم عنه وعن شريك فقال:" هما في الحفظ سواء ؛غير أن أبا بكر أصـح
كتاباً "، وذكره ابن عدي وقال:" لم أجد له حديثاً منكراً من رواية الثقات عنه "،وقال ابن حبان:" كـان يحيـى
القطان وعلي بن المديني يسيئان الرأي فيه ؛وذلك أنه لما كبر ساء حفظه فكان يهم " ،وقال ابن سعد:" كان ثقة
صدوقاً عالماً بالحديث إلا أنه كثير الغلط " ،وقال العجلي :"كان ثقة صاحب سنة وكان يخطئ بعض الخطأ "،
وقال يعقوب بن شيبة:" كان له فقه وعلم ورواية وفي حديثه اضطراب" ، قلت (ابن حجر):"لم يرو له مـسلم
إلا شيئاً في مقدمة صحيحه، وروى له البخاري أحاديث منها في الحج بمتابعة الثوري عن عبد العزيز عـن
أنس في صلاة الظهر والعصر بمنى يوم التروية ومنها في الصوم بمتابعة ابن عيينة وآخرين عن أبي إسحاق
الشيباني عن ابن أبي أوفى في الفطر عند غروب الشمس ومنها في الفتن حديثه عن أبي حصين عـن أبـي
مريم الأسدي عن عمار أنه قال في عائشة هي زوجة نبيكم في الدنيا والآخرة وفي الحديث قصة ومنها فـي
التفسير بمتابعة جرير وغيره عن حصين عن عمرو بن ميمون عن عمر في قصة قتله وقصة الشورى" .انظر
: مقدمة الفتح ، ص 455 . وقال في "التقريب" : " ثقة عابد ، إلا أنه لما كبر ، سـاء حفظـه ، وكتابـه
صحيح " . انظر : ج 2 ص 624 .
فضيل بن سليمان النميري أبو سليمان البصري . قال الحافظ ابن حجر :" قال الساجي:" كـان صـدوقاً 2
وعنده مناكير"، وقال ابن معين :"ليس بثقة "،وقال أبو زرعة :"لين الحديث ؛روى عنه علي بن المديني ،وكان
من المتشددين"، وقال أبو حاتم :"يكتب حديثه وليس بالقوي "،وقال النسائي:" ليس بالقوي" . قلت(ابن حجـر)
:"روى له الجماعة ، وليس له في البخاري سوى أحاديث توبع عليها" وقال ابن حجر في" التقريب :" صدوق
له خطأ كثير" . انظر : ج 2 ص 447 ، وانظر له : مقدمة الفتح ، ص 435. 18
قلت( الألباني) : هذا اللفظ بهذا الإسناد من أفراد البخاري، وعلته: الفضيل هذا ؛ فإنه - كما
قال الحافظ -:
"صدوق له خطأ كثير، وإنما روى له البخاري متابعة" - كما حققه الحافظ في " مقدمة الفتح "
-، وهذا الحديث من هذا القبيل، فإنه إنما ساقه عقب روايته بإسناده عن سليمان بن يسار عن
عبد الرحمن بن جابر بن عبد االله عن أبي بردة رضي االله عنه قال: كان النبي صلى االله عليه
وسلم يقول: فذكره بلفظ:" لا يجلد فوق عشر جلدات... " الحديث.وبهذا اللفظ رواه بقية الـستة
وغيرهم ..وإن من تساهل الحافظ تجاه " صحيح البخاري " أنه بدل أن يحقق في هذا الحـديث
ما استفدناه منه - من تضعيفه لراويه (فضيل )- أغفل الكلام عنه ؛ بل وذكر متابعاً للبخاري
في روايته إياه عن عمرو بن علي، ألا وهو ( علي بن إسماعيل بن حماد )، والبخاري لـيس
بحاجة لمتابع - كما لا يخفى -، هذا لو كان ( علي ) هذا ثقة ؛ فكيف وهو - كما في "اللسان
" - كان اختلط في آخر عمره ؟! ولو جاز لنا أن نحابي الإمام البخاري ؛ لقلنا: إنه قد توبـع
الفضيل على لفظه، ولكن معاذ االله! أن نحابي في حديث رسول االله صلى االله عليه وسلم أحداً
؛ ذلك لأن المتابع مثل المتابع أو أسوأ منه - كما يأتي - ؛ فقد قال ابن أبي حاتم في " العلل "
:" سألت أبي عن حديث رواه المسيب بن واضح عن حفص بن ميسرة عن مسلم بن أبي مريم
عن ابن جابر عن جابر قال: قال رسول االله صلى االله عليه وسلم:... ( فذكر الحديث ) ؟ قال
أبي:هذا خطأ ؛ والصحيح ما رواه ابن وهب عن عمرو بن الحارث ".
قلت(الألباني): يشير إلى حديث سليمان بن يسار - المتقدم آنفاً -... عن أبي بردة، وكان قـد
ذكره من طريق عمرو -المذكور- والليث عن بكير بن الأشج عن سليمان به، وقـال: إنـه
أصح .
والمسيب بن واضح : من شيوخ أبي حاتم، وقد ذكر ابنه عنه في " الجرح " أنه سئل عنـه ؟
). 1 فقال:"صدوق، كان يخطئ كثيراً ، فإذا قيل له ؛ لم يقبل ". وضعفه الدارقطني"(
قلت : إن غمز الشيخ الألباني لإسناد البخاري الذي فيه ( فضيل بن سليمان ) لـه وجـه ،
وذلك لأن (فضيل ) متكلم فيه بالفعل من حيث أنه له مناكير ، وأنه كثير الخطأ – كمـا مـر
معنا – ولكن لا بد من النظر في كيفية إخراج البخاري لحديثه !
في بداية الباب أخرج البخاري حديث سليمان بن يسار عن عبد الرحمن بن جابر بن عبـد االله
عن أبي بردة ؛ بلفظ ( لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود االله) .
ثم قام بذكر حديث (فضيل بن سليمان) عن مسلم بن أبي مريم حدثني عبد الرحمن بن جـابر
عمن سمع النبي ...بلفظ ( لا عقوبة فوق عشر ضربات إلا في حد من حدود االله) .
انظر : السلسلة الضعيفة ، ج 14 ص 1056 ، حديث رقم ( 1 . (6959 19
ثم وفي نهاية الباب ذكر حديث يحيى بن سليمان حدثني ابن وهب أخبرني عمرو أن بكيـراً
حدثه قال بينما أنا جالس عند سليمان بن يسار إذ جاء عبد الرحمن بن جابر فحدث سليمان بن
يسار ثم أقبل علينا سليمان بن يسار فقال حدثني عبد الرحمن بن جابر أن أباه حدثه أنه سـمع
) . 1 أبا بردة الأنصاري قال...بلفظ (لا تجلدوا فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود االله)(
قلت : فالظاهر من صنيع البخاري أنه أخرج حديث ( فضيل ) بين الحديثين السابقين لبيان :
أولاً : أن فضيل لم يضبط لفظ الحديث ، ولم يقِم إسناده .
ثانياً : لبيان الراوي المجهول في رواية (فضيل) وهو في قوله ( عمن سـمع النبـي ) ففـي
الحديث الأول يظهر أن عبد الرحمن بن جابر رواه عن أبي بردة ، ثـم فـي الحـديث
) . 2 الثالث رواه عبد الرحمن بن جابر عن أبيه(جابر) عن أبي بردة!(
ثالثاً : ذَكَر حديث (فضيل ) حتى لا يستدرك (على البخاري) بأن هناك لفظ آخر لمتن الحديث
رواه (فضيل) .
رابعاً :قلت : وأخرج عبد الرزاق هذا الحديث بمثل لفظ (فضيل ) ؛ فقال أخبرنا ابن جـريج
قال وأخبرني مسلم بن أبي مريم أن عبد الرحمن بن جابر بن عبد االله أخبره عن رجـل مـن
الأنصار أن النبي صلى االله عليه و سلم قال:" لا عقوبة فوق عشرة أسواط إلا أن يكون في حد
) . 3 من حدود االله "(
قلت : وفي هذا الحديث يقول ابن جريج ( أخبرني ) .وهي متابعة صحيحة منه لفضيل ؛ مما
يعني أن فضيل وابن جريج روياه (بلفظ واحد وهو "لا عقوبة" ) ، وهذا يعني أن فضيل حفظ
متن الحديث . وأيضاً فيه إبهام الصحابي ( والجهالة بالصحابي لا تضر ) قال الحـافظ ابـن
حجر : " ولم يقدح هذا الاختلاف عن الشيخين في صحة الحديث فإنه كيفما دار يدور على ثقة
)" 4 .(
انظر : البخاري ، الـصحيح ، بـاب كـم التعزيـر والأدب ، ج 6 ص 2512-2511 .حـديث رقـم ( 1
.(6458 ،6456،6457
قلت : وقد بين الترمذي أن قوله عن أبيه ، خطأ ، والصواب عن أبي بردة . انظر : الترمذي ، محمد بن 2
عيسى،(ت279هـ) ، السنن ، دار إحياء التراث العربي، بيروت ، تحقيق : أحمد محمد شـاكر ، ج 4 ص
. 63
انظر : عبد الرزاق الصنعاني ، المصنف ، المكتب الإسلامي ، بيروت ، ط 1403 ، 2هـ ، تحقيق : 3
حبيب الرحمن الأعظمي
ج 7 ص 413 .
انظر : فتح الباري ، ج 12 ص 4 . 17720
وبناء على القرائن السابقة فإن استنكار الشيخ الألباني على الإمام البخاري لا وجه له مـع
وجود المتابع لـ(فضيل) .
ثم إن الشيخ الألباني قد ذكر أن (أبا حاتم) صحح رواية ابن وهب عن عمرو بـن الحـارث
وقدمها ؟!
قلت : إن أبا حاتم إنما كان تعليقه على الزيادة في الإسناد ، فصحح الإسناد الذي فيه الزيـادة
وهي( عن أبيه ) فقال ابن أبي حاتم : " سألت أبي عن حديث ؛ رواه الليث ، عن بكيـر بـن
الأشج ، عن سليمان بن يسار ، عن عبد الرحمن بن جابر ، عن أبي بردة بن نيـار ،
عن النبي صلى االله عليه وسلم ، قال : لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود االله.
قال أبي : رواه ابن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، عن بكير بن الأشج ، عن سـليمان بـن
يسار ، عن عبد الرحمن ابن جابر ، عن أبيه ، عن أبي بردة بن نيار ، عن النبي صلى االله
عليه وسلم ، قال : لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد.
قال أبي : رواه حفص بن ميسرة ، عن مسلم بن أبي مريم ، عن ابن جابر ، عن جابر ، عن
النبي صلى االله عليه وسلم.
). 1 قلت لأبي : أيهما أصح ؟ قال : حديث عمرو بن الحارث"(
قلت : ولم أقف على تعليق من أبي حاتم على لفظ( لا عقوبة) ، ولفظ( لا يجلد) .
ثم إن البخاري – الله دره – اعتمد أولاً على حديث سليمان بن يسار عن عبد الـرحمن بـن
جابر بن عبد االله عن أبي بردة ؛ بلفظ ( لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود االله)
.وهذا الذي ارتضاه فوضعه أول حديث في الباب ، ثم ذكر بعده الحديثين اللذين يوجد فيهما
المشاكل في الإسناد وفي اللفظ .
لذلك فلا يعاب عليه إخراج مثل هذا الحديث ، فالبخاري له جملة من الأغراض فـي كيفيـة
) . 2 وضع أحاديث الباب من حيث بيان ( السماعات أو بيان الوصل والإرسال أو غيرها )(
الحديث الثاني : " بينا أنا قائم ، فإذا زمرة ، حتى إذا عرفتهم ؛ خرج رجل من بيني وبينهم
فقال : هلم . فقلت : إلى أين ؟ قال : إلى النار واالله ! قلت : وما شأنهم ؟ قال : إنهم ارتدوا
بعدك على أدبارهم القهقرى . ثم إذا زمرة ، حتى إذا عرفتهم ؛ خرج رجل من بيني وبيـنهم
انظر : ابن أبي حاتم ، (327هـ)، علل الحديث ، مكتبة الرشد ، ط 1424 ، 1هــ- 2003م ، تحقيـق: 1
د.إبراهيم اللاحم ، ج 2 ص 155 .
قلت : وهذه الأغراض ظهرت جلية لي في أثناء مرحلة دراسة الدكتوراة ، حيث أشار إلى هذه الأغراض 2
فضيلة الأستاذ الدكتور عبد الكريم الوريكات حفظه االله تعالى وتتبعناها . 21
فقال : هلم . قلت : أين ؟ قال : إلى النار واالله ! قلت : ما شأنهم ؟ قال: إنهم ارتدوا بعـدك
على أدبارهم القهقرى ؛ فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم "
قلت :قد ذكرت أن الشيخ الألباني ضعف هذا الحديث لعلتين :
الأولى : أسناده وفيه فليح بن سليمان وابنه . وتكلمت عليه .
الثانية : متنه . وهي مدار بحثي في هذا القسم .
قال الشيخ الألباني : " وهذا إسناد غريب، تفرد به البخاري دون مـسلم وسـائر أصـحاب
الصحيح، وعلته عندي في إسناده ومتنه ... وأما ما يتعلق بالمتن: ففيه مخالفـة لأحاديـث
الحوض الكثيرة جداً ، وهي قد جاوزت الثلاثين حديثاً أو قريباً من ذلك عند البخاري وغيـره
،...
ويمكن حصر المخالفة فيما يأتي:
أولا: قوله: " بينا أنا نائم ". فجعل القصة رؤيا منامية، والأحاديث كلها خالية عن هذه الزيادة
المنكرة، ومن غرائب الحافظ ابن حجر أنه تأولها ؛ فقال :"( بينا أنا نـائم ) ؛ كـذا بـالنون
للأكثر، وللكشميهيني! "قائم ".. بالقاف، وهو أوجه، والمراد به: قيامه علـى الحـوض يـوم
القيامة، ووجه الأول بأنه رأى في المنام في الدنيا ما سيقع له في الآخرة ".
قلت: هذا تأويل، والتأويل فرع التصحيح - كما يقول العلماء -، ولا بأس بمثلـه لـو كـان
الراوي له ثقة جبلاً في الحفظ، وهيهات هيهات . ولو أننا سلمنا جدلاً بصحة هـذا التأويـل ؛
فيرد عليه الوجوه التالية:
ثانيا: قوله: "خرج رجل من بيني وبينهم - مرتين -، منكر أشد الإنكار رواية ومعنى ؛ أمـا
الرواية: فلأنه مخالف لكل أحاديث الحوض عن أبي هريرة وغيره، وهي على ثلاث روايات
بعد قوله عليه السلام: " فأقول: يارب!
أصحابي. قال: فيقول... "، وفي رواية ثانية: " فيقال "، زاد مسلم في رواية عن أبي هريرة: "
فيجيبني ملك، فيقول:... ".
وأما من حيث المعنى فواضح ؛ لأن القائل هو: االله، والمبلغ هو: الملك، وكأن الحـافظ ابـن
حجر رحمه االله غفل عن هذه الحقائق فقال :"المراد بالرجل: الملك الموكل بذلك، ولـم أقـف
على اسمه، وهذا من الغرابة بمكان ؛ فإن الرجل لغة هو: الذكر البالغ من بني آدم، والملائكة
لا توصف برجولة ولا أنوثة". 22
ثالثا: أنه جعل الذين ارتدوا القهقرى زمرتين، وهذا ما تفرد به هـذا الحـديث المنكـر. واالله
). 1 سبحانه وتعالى أعلم"(
قلت " العجب كل العجب من انتقاد الشيخ الألباني للحافظ ، وذلك :
أولاً : قول الألباني : "فجعل القصة رؤيا منامية ، والأحاديث كلها خالية عن هـذه الزيـادة
المنكرة " !
قلت :إن قوله هذا مردود برواية الأكثر لهذا اللفظ ( بينما أنا نائم) .ثم لا يوجد مانع مـن أن
يكون في المنام ! لأن رؤيا النبي صلى االله عليه وسلم حق . وهناك أحاديـث كثيـرة فـي
صحيح البخاري وغيره ، عن النبي صلى االله عليه وسلم يقول فيها :"بينما أنا نـائم " ؛
أي أنه رأى في المنام في الدنيا ما سيقع له في الآخرة وهـذا لـيس بمـستبعد لموافقتـه
للأحاديث الصحيحة التي رواها البخاري وغيره ، يحدث فيها عن أحداث الآخرة وما يحصل
) .ولا أدري ما وجه النكارة فيها ؟! 2 فيها(
ثانياً : قول الألباني :" قوله: "خرج رجل من بيني وبينهم - مرتين -، منكـر أشـد الإنكـار
رواية ومعنى" .
قلت : وهذا الإنكار مستنكر منه رواية ومعنىً ، فأما روايةً ؛ فإن الشيخ الألباني استدل على
استنكاره برواية أبي هريرة قوله :" فأقول: يارب!أصحابي. قال: فيقول... "، وفـي روايـة
ثانية: " فيقال "، زاد مسلم في رواية عن أبي هريرة: " فيجيبني ملك، فيقول:... ".
فرواية الإمام مسلم ترد عليه وهي قوله : " فيجيبني ملك، فيقول.." ، وفيه دلالة على وجـود
حوار للنبي صلى االله عليه وسلم مع أحد الملائكة .
وأما من ناحية المعنى ؛ فاستنكر الشيخ الألباني أن يكون الملك رجلاً !!فقال : " فإن الرجـل
لغة هو: الذكر البالغ من بني آدم، والملائكة لا توصف برجولة ولا أنوثة" ؟!
قلت : إن الأحاديث الصحيحة الكثيرة تخبر بأن االله تعالى كان يرسل الملك على هيئة رجل ،
فليس المراد ذكر أو أنثى،ويدل على هذا حديث:"بينا نحن عند رسول االله -صـلى االله عليـه
انظر : السلسلة الضعيفة ، ج 14 ص 1034 ، حديث رقم ( 1 . (6945
انظر : البخاري ، الصحيح ، ج 3 ص 1270 ، وفيه : " بينما أنا نائم أطوف بالكعبة فإذا رجل آدم سـبط 2
الشعر..." ، وقول النبي : " بينما أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب..." ، الصحيح، ج 3 ص 1325 ،
وقوله:" بينما أنا نائم رأيتني في الجنة فإذا امرأة تتوضأ.."، الصحيح ، ج5 ص 2004 ، وقوله : " بينما أنـا
نائم رأيت الناس يعرضون علي وعليهم قمص .." ،الصحيح ، ج 6 ص 2571 .وقوله:" بينا أنا نائم رأيت
أنى أنزع على حوضى أسقى الناس"، الصحيح ، ج 6 ص 2576.23
) ، وحديث : ما كنت بأعلم به من رجل منكم وأنـه 1 وسلم- إذ طلع علينا رجل شديد بياض."(
) . 2 لجبريل عليه السلام نزل في صورة دحية الكلبي.."(
ثالثاً : قول الشيخ الألباني : " أنه جعل الذين ارتدوا القهقرى زمرتين" ، فاعتبر قوله زمرتين
؛" مما تفرد به هذا الحديث المنكر" .
قلت : وما المانع من كونهما زمرتين ، زمرة من الكفار وزمرة من العصاة ! أو زمرة مـن
المرتدين وزمرة من المنافقين ، أو زمرة من أصحاب الكبائر وزمرة من الظلمة المترفـون
في الجور .أو زمرة تشمل كل مبتدع في الدين وزمرة رأت النبي وغيرت وهم الـذين قـال
) . واالله تعالى أعلم بالصواب . 3 عنهم في الحديث ( أصحابي)(
الحديث الثالث : " إذا وسد الأمر إلى غير أهله ؛ فانتظر الساعة " .
) من طريق فليح بن سليمان ، 4 قال الشيخ الألباني : " ضعيف . أخرجه (البخاري ، وأحمد)(
فأما البخاري فقال :حدثنا محمد بن سنان قال حدثنا فليح ( ح ) . وحدثني إبراهيم بن المنذر
قال حدثنا محمد بن فليح قال حدثني أبي قال حدثني هلال بن علي عن عطاء بن يـسار عـن
أبي هريرة قال :" بينما النبي صلى االله عليه وسلم في مجلس يحدث القوم، جاءه أعرابي فقال:
متى الساعة ؟ فمضى رسول االله صلى االله عليه وسلم يحدث . فقال بعض القوم : سمع ما قال
، فكره ما قال ؛ وقال بعضهم: بل لم يسمع .حتى قضى حديثه قال :" أيـن - أراه - الـسائل
عن الساعة " ؟ قال: ها أنا يا رسول االله! قال :" فإذا ضيعت الأمانة ؛ فانتظر الساعة ". قـال:
كيف إضاعتها ؛ قال:... فذكره .
انظر : مسلم ، الصحيح ، باب معرفة الإيمان والإسلام والقدر وعلامة الساعة ، ج 1 ص 1 . 28
انظر ، النسائي ، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب ، (ت303هـ) ، السنن الكبرى ، دار الكتـب العلميـة 2
،بيروت ،ط 1411 ، 1هـ - 1991م ، تحقيق : د.عبد الغفار سليمان البنداري ، ج 6 ص 528 .
انظر : المباركفوري، محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم أبو العلا ،(ت 1353هـ) ، تحفة الأحوذي بشرح 3
جامع الترمذي ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ج 7 ص 93 .قلت : وقال البدر العيني : " وهذا يشعر بأنهم
صنفان كفار وعصاة " . انظر : البدر العيني ، عمدة القاري شرح صحيح البخاري ، ج 33 ص 409 .
انظر : البخاري ، الصحيح ، ج 1 ص 33 ، باب من سئل علما وهو مشتغل في حديثه فأتم الحـديث ثـم 4
أجاب السائل ، و ج 5 ص 2382 ، باب رفع الأمانة . أحمد ، المسند ، ج 2 ص 361 . 24
قلت(الألباني): وهذا إسناد ضعيف، تفرد به البخاري دون بقية الـستة وسـائر المـشاهير،
وعلته : فليح بن سليمان ؛ فإنه - وإن كان صدوقاً ؛ فهو - كثير الخطأ ؛ كما صـرح بـه
) . 1 أعرف الناس برجال البخاري ؛ ألا وهو الحافظ ابن حجر العسقلاني "(
قلت : نسب الشيخ الألباني إلى الإمام البخاري تفرده برواية إسناد هذا الحديث .
وهذا الحديث رواه الإمام البخاري في موضع آخر من صحيحه في كتاب الرقـاق(
)، لكنـه 2
أورده مختصراً، وأورده من طريق محمد بن سنان -بهذا الإسـناد الـذي ذكـره فـي هـذا
الموضع- أن النبي صلى االله عليه وسلم قال: " إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة ؛قال: وكيف
إضاعتها يا رسول االله؟! قال: إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة" .
وكذلك روى هذا الحديث من أئمة الحديث :
) ؛ بهذا الإسناد الـذي أورده 1 3- الإمام أحمد قال: حدثنا يونس و سريج ، قالا : حدثنا فليح(
البخاري في صحيحه
و يونس هو ابن محمد المؤدب ، و سريج هو ابن النعمان .
2- الإمام البيهقي من طريق أحمد بن علي الخزاز قال: حدثنا سريج بن النعمان ، قال: حدثنا
). 4 فليح .وساق هذا الإسناد(
3-الإمام ابن حبان من طريق محمد بن المثنى قال: حدثنا عثمان بن عمر ، قال: حدثنا فليح
بن سليمان .
). 5 بهذا الإسناد(
6 إذاً: الرواة عن فليح بن سليمان : ابنه محمد بن فليح ، و محمد بن سنان عند البخاري(
) ، و
يونس بن محمد و سريج بن النعمان عند أحمد ، و عثمان بن عمر عند ابن حبـان ، هـؤلاء
خمسة يروون هذا الحديث عن فليح بن سليمان ، عن هلال بن علي ، عن عطاء بن يـسار ،
عن أبي هريرة رضي االله عنه.
انظر : السلسلة الضعيفة ، ج 14 ص 1037 ، حديث رقم ( 1 . (6947
انظر : البخاري ، الصحيح ، ج 5 ص 2 . 2382
انظر : أحمد ، المسند ، ج 2 ص 3 . 361
4
انظر : البيهقي ، السنن الكبرى ، باب لا يولى الوالي امرأة ولا فاسقاً ولا جاهلاً أمر القضاء ، ج 10 ص
. 118
انظر : ابن حبان ، الصحيح ، ذكر الخبر الدال على إباحة إعفاء المسؤول عن العلم عن إجابة السائل على 5
الفور ، ج 1 ص 307 .
قلت : الإمام البخاري روى هذا الحديث من طريقين له عن فليح بن سليمان ؛ بإسناد عال وإسناد نـازل، 6
والراوي المشترك بين الإسنادين محمد بن فليح . 25
قلت : وبذلك لم ينفرد البخاري بإخراج حديث فليح هذا ، بل كلهم ذكره على سبيل الاحتجاج
، فالبخاري رواه عن ( محمد بن فليح و محمد بن سنان) واشترك معهما (يونس بن محمـد
وسريج بن النعمان وعثمان بن عمر ) فخمسة من الرواة رواه عن فليح مما يعني :
1- صحة ضبط فليح للحديث ، يعني أنه حفظه .
2- صحة إخراج البخاري لحديث فليح هذا مما يعني أنه كان ينتقي من حديثه – كما مر
. -
3- وبذلك فلا وجه لإعلال الشيخ الألباني لهذا الحديث بتفرد البخاري به من طريق فليح
.
واالله تعالى أعلم بالصواب .
القسم الثالث : إدراج لفظ زائد في الحديث وهو ليس منه .
حديث : إن أمتي يأتون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن
يطيل غرته فليفعل ".
قال الشيخ الألباني :" مدرج الشطر الآخر .وإنما يصح مرفوعا شطره الأول، وأما الشطر
الآخر : " فمن استطاع.. " فهو من قول أبي هريرة أدرجه بعض الرواة في المرفوع، وإليك
البيان :
) والبيهقي وأحمد عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن نعيم 1 أخرجه البخاري(
المجمر أنه قال : رقيت مع أبي هريرة على ظهر المسجد، وعليه سراويل من تحت قميصه،
فنزع سراويله، ثم توضأ، وغسل وجهه ويديه، ورفع في عضديه الوضوء، ورجليه، فرفع
في ساقيه، ثم قال : إني سمعت رسول االله صلى االله عليه وسلم يقول : فذكره . والسياق
لأحمد ، وليس عند البخاري ذكر السراويل والقميص ولا غسل الوجه والرجلين .
ثم أخرجه مسلم والبيهقي أيضاً من طريق عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال به . أنه
رأى أبا هريرة يتوضأ فغسل وجهه ويديه حتى كاد يبلغ المنكبين، ثم غسل رجليه حتى رفـع
إلى الساقين، الحديث مثله، وابن أبي هلال مختلط عند الإمام أحمد، لكنه توبع ، ...ثم أخرجه
أحمد من طريق فليح بن سليمان عن نعيم بن عبد االله به بلفظ : أنه رقى إلى أبي هريرة على
ظهر المسجد، فوجده يتوضأ، فرفع في عضديه، ثم أقبل علي فقال : إني سمعت رسول االله
انظر : البخاري ، الصحيح ، باب فضل الوضوء والغر المحجلون من آثار الوضوء ، ج 1 ص 1 . 63 26
صلى االله عليه وسلم يقول : فذكره بلفظ :" إن أمتي يوم القيامة هم الغر المحجلون... " إلا أنه
زاد : فقال نعيم : لا أدري قوله : " من استطاع أن يطيل غرته فليفعل " من قول رسـول االله
صلى االله عليه وسلم أو من قول أبي هريرة !
قلت(الألباني) : و فليح بن سليمان وإن احتج به الشيخان ففيه ضعف من قبل حفظه، فـإن
كان قد حفظه، فقد دلنا على أن هذه الجملة في آخر الحديث : " من استطاع... " قـد شـك
نعيم في كونها من قوله صلى االله عليه وسلم، وقد قال الحافظ في " الفـتح " :ولـم أر هـذه
الجملة في رواية أحد ممن روى هذا الحديث من الصحابة وهم عشرة، ولا ممن رواه عن أبي
هريرة غير رواية نعيم هذه، واالله أعلم.
قلت(الألباني) : ... وقد حكم غير واحد من الحفاظ على هذه الجملة أنها مدرجة في الحديث
). 1 من كلام أبي هريرة ،كالمنذري وابن تيمية وابن القيم ... "(
قلت : في هذا الحديث أشار الشيخ إلى ضعف الزيادة الموجودة في الشطر الأخير من الحديث
: " فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل" .وأما باقي الحديث من شطره الأول فهو صحيح
) 2 ومخرج في ( السلسلة الصحيحة )(
ولا بد من الاطلاع على أقوال أئمة النقد في هذه المسألة ، ومقارنتها بـأقوال الـشيخ ففيهـا
وقفات طويلة ؟!
قلت : هذا الحديث أخرجه البخاري قال : حدثنا يحيى بن بكير قال حدثنا الليث عن خالد عـن
سعيد بن أبى هلال عن نعيم المجمر قال رقيت مع أبى هريرة على ظهر المـسجد ، فتوضـأ
فقال إني سمعت النبي - صلى االله عليه وسلم - يقول : "إن أمتي يدعون يوم القيامـة غـراً
) . 3 محجلين من آثار الوضوء ، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل"(
وعلق الشيخ الألباني قائلا : "وليس عند البخاري ذكر السراويل والقميص ولا غـسل الوجـه
والرجلين " .
انظر : السلسلة الضعيفة ، ج 3 ص 109 -104 . ، حديث رقم( 1 . (1030
انظر : ج 1 ص 251 . ج 6 ص 335 . وقال الشيخ : متفق عليه دون الزيادة . 2
انظر : البخاري، أبو عبداالله محمد بن إسماعيل الجعفي ، الجامع الصحيح المختصر ، دار ابـن كثيـر ، 3
بيروت ، تحقيق : د. مصطفى ديب البغا ، ط 1407 ، 3هـ - 1987م ، كتاب الوضـوء ، بـاب فـضل
الوضوء والغر المحجلون من آثار الوضوء ، ج 1 ص 63 .27
قلت : لو كانت الطريق التي فيها ذكر السراويل والقميص وغسل الوجـه والـرجلين علـى
شرطه لذكرها ، ولكنها ليست كذلك ، وفي المقابل لو كان لفظ ( فمن استطاع منكم ..) لـيس
على شرطه - أي معلولاً - لما أخرجه أيضا . فتأمل !!! . ولا غرو أنه اتفق مع مسلم على
إخراج لفظ : " إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين ، ...، فمن استطاع منكم ..".
وأخرجه مسلم ، قال : وحدثني هارون بن سعيد الأيلى حدثني ابن وهب أخبرني عمرو بـن
الحارث عن سعيد بن أبى هلال عن نعيم بن عبد االله أنه رأى أبا هريرة يتوضأ فغسل وجهـه
ويديه حتى كاد يبلغ المنكبين ، ثم غسل رجليه حتى رفع إلى الساقين ، ثـم قـال: سمــعت
رسول االله - صلى االله عليه وسلم - يقول : " إن أمتي يأتون يوم القيامة غراً محجلين من أثر
) . 1 الوضوء ، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل "(
ثم إن الناظر في أحاديث الشيخين ( البخاري ومسلم ) يلحظ أنهما أخرجا لفظ أبي هريـرة : "
) . 2 سمعت رسول االله صلى االله عليه وسلم .." وفيه الزيادة(
ثم إن الدكتور حمزة المليباري قد ذكر أن من منهجية الإمام مسلم في ترتيب أحاديث البـاب
الواحد، أنه يرتبها من الأصح ثم الصحيح ثم يختم الباب بما كان يوجد فيه علة – إن وجدت –
)
3 . (
وهذا الحديث لم يشر الإمام مسلم إلى شيء معلول فيه ، بل أخرج الحديث من طريقين شارك
البخاري في إحداها.
وقد سأل ابن أبي حاتم أباه عن حديث رواه مطلب بن زياد عن ليث عن طـاوس عـن أبـي
هريرة عن النبي - صلى االله عليه وسلم - أنه قال:" أنتم الغر المحجلون من آثار الطهـور،
انظر : شرح صحيح مسلم ، النووي ، كتاب الطهارة ، باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء ، 1
ج 3 ص 483-482. قلت : وأخرجه من طريق سليمان بن بلال حدثني عمارة بن غزية عن نعيم به . نحوه
.وفيه الزيادة ( فمن استطاع ..) .
قلت : ومما استفده من فضيلة الدكتور عبد الكريم الوريكات في مادة (مناهج المحدثين ) المقـررة علـى 2
طلاب ( دكتوراه حديث ) ، أنه كان للإمام البخاري جملة أغراض من إيراد التعاليق والمتابعات في صحيحه
، وكان منها أنه يشير إلى بعض الطرق المعلولة فيوردها في المتابعات أو يعلقها ، وذلك حتـى لا يـستدرك
عليه مثل هذه الطريق . وفي هذا الحديث (فمن استطاع ...) الذي أعله الشيخ الألباني بالإدراج لم نجـد لـه
متابعات عند الإمام البخاري ، وقد يفْهم من هذا أنه يشير إلى صحة الحديث بأكمله مع الزيادة ، وأنها ليـست
مدرجة !!
انظر ، المليباري ، عبقرية الإمام مسلم ، دار ابن حزم ،بيروت ، ط 1418، 1هـ - 2003م ، ص 3 -30
.37
28
فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل" ، قال أبي إنما هو ليث عن كعب عن أبي هريـرة
عن النبي - صلى االله عليه وسلم - . قلت : فلم يعله بالإدراج .
ثم إن الدارقطني ذكره في (علله) : فسئِل عن "حديث أبي صالح عن أبي هريرة وعـن أبـي
التياح عن أبي زرعة عن أبي هريرة جميعا أن النبي صلى االله عليه وسـلم قـال : " إنكـم
محشورون يوم القيامة محجلين من آثار الوضوء ، فأعرفكم بذلك ، فمن اسـتطاع مـنكم أن
يطيل غرته فليفعل " ، فقال : يرويه شعبة واختلف عنه .."
قلت : فذكر الاختلاف على شعبة ، ولم يشر إلى الزيادة ولم يعله بالإدراج .وقد أعلّ أحاديث
) . وأما كلام الحافظ ابن حجر : " ...ولم أر هذه الجملة في رواية أحد ممن 1 كثيرة بالإدراج(
روى هذا الحديث من الصحابة وهم عشرة ولا ممن رواه عن أبي هريرة غير روايـة نعـيم
) .فكلامه غير دقيق ! 2 هذه.."(
فقد ذكر أبو نعيم في (الحلية ) متابعة ذكوان (أبي صالح) و أبي زرعة لنعيم المجمـر ،
فقال : حدثنا علي بن أحمد بن علي المصيصي ، ثنا أيوب بن سليمان القطان ، بالمصيـصة
ثنا علي بن زياد المتوني ، ثنا يحيى بن أبي بكير، ثنا شعبة ، عن الأعمش ، عن ذكوان أبـي
صالح عن أبي هريرة . وعن أبي التياح ، عن أبي زرعة عن أبي هريرة جميعا أن النبي -
صلى االله عليه وسلم - قال : " إنكم محشورون يوم القيامة محجلين مـن آثـار الوضـوء ،
فأعرفكم بذلك " ، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل ، فكان أبو هريرة يتوضـأ فيبلـغ
بالماء خلف المرفقين وخلف الكعبين ، ويقول : إني أحب أن تطول غرتي بالحليـة يريـد أن
الغرة تبلغ حيث يبلغ الوضوء ".قال أبو نعيم :غريب من حديث شعبة لم نكتبه إلا من حديث
يحيى بن أبي بكير "(
3 . (
) ، ذكره ولم يعله بالإدراج أيضاً . 4 قلت : والعراقي في تخريجه ( للإحياء )(
انظر : الدارقطني ، أبو الحسن علي بن عمر (ت385هـ) ، علل الدارقطني ، دار طيبة الرياض ، 1
شارع عسير ، ط 1405 ، 1 هـ - 1985 م ، تحقيق وتخريج : د. محفوظ الرحمن زين االله ، ج 2 ص 95
، ج 3 ص 57 ، ج 5 ص 128 ، ج10 ص 317
انظر : ابن حجر ، فتح الباري ، ج 1 ص 2 . 236
الأصبهاني ، أبو نعيم أحمد بن عبد االله (ت 218هـ) ، حلية الأولياء وطبقات الأصفياء ، دار الكتاب 3
العربي ،بيروت ، ط 1405 ، 4هـ .ج 7 ص 206 . قلت : ويحيى بن أبي بكير ثقة . انظر : ابن حجر ،
التقريب ، ج 2 ص 58 .
العراقي ، زين الدين عبد الرحيم بن الحسين ،( ت 806هـ) ، المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في 4
تخريج ما في الإحياء من الأخبار ، مكتبة دار طبرية ، ط 1415 ، 1هـ - 1995م ، ج 1 ص 82 .29
وأما قول الشيخ الألباني : " و فليح بن سليمان وإن احتج به الشيخان ففيه ضعف مـن قبـل
حفظه ، فإن كان قد حفظه ، فقد دلنا على أن هذه الجملة في آخر الحديث : " من استطاع... "
قد شك نعيم في كونها من قوله صلى االله عليه وسلم " . فقد أعلّ الشيخ أحاديث بقولـه : "
وإذا ورد الاحتمال بطل الاستدلال " فكيف وقد ورد الاحتمال من طريق من مِثلُه مِثل فليح بن
سليمان الضعيف في حفظه !!والذي ضعف به الشيخ أحاديثه كما بينت!
فأدلة الشيخ التي استدل بها مرجوحة بما بينت ، وعليه فالزيادة ليست مدرجة بل هي صحيحة
من حديث رسول االله صلى االله عليه وسلم . ودعوى الإدراج بحاجة إلى دليل . ولا دليـل
في هذا الحديث على الإدراج سوى ما نقله الشيخ الألباني من نقول عن ( المنذري و ابن تيمية
و ابن القيم و العسقلاني ) . واالله تعالى أعلم بالصواب .
القسم الرابع : اضطراب السند والمتن .
حديث : "قال االله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ، [ ومن كنت خـصمه، خـصمته ]:
رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه ، ورجل استأجر أجيراً ، فاستوفى منه ،
ولم يعطه ( وفي رواية: ولم يوفه ) أجره".
) ، ومن طريقه البغوي في " شرح السنة " 1 قال الشيخ الألباني : " ضعيف . أخرجه البخاري(
و ابن ماجه وابن حبان وابن الجارود و الطحاوي و البيهقي و أحمد و أبو يعلى و الطبرانـي
من طرق عن يحيى بن سليم عن إسماعيل بن أمية عن سعيد بن أبي سعيد [ عن أبيه ] عـن
أبي هريرة مرفوعاً . وقال الطبراني: " لم يروه عن المقبري إلا إسماعيل ابن أمية ، تفرد به
يحيى بن سليم (
2 ." (
1
انظر : البخاري ، الصحيح ،باب إثم من باع حراً ، ج 2 ص 775 ، و باب إثم من منع أجر الأجير ، ج
2 ص 792 .قال ابن حجر : وليس له في البخاري موصولاً سوى هذا الحديث ،وذكره في الإجارة من وجه
آخر عنه " . انظر : الفتح، ج 4 ص 418 .
قلت : ويحيى بن سليم الطائفي (ت195 ) متكلم فيه ، قال أحمد:" واالله إن حديثه فيه شئ "،كأنه لم يحمده . 2
وقال ابن معين :" ثقة" . وقال أبو حاتم : " شيخ محله الصدق و لم يكن بالحافظ، يكتب حديثه ، ولا يحـتج
به" ، وذكره ابن حبان في الثقات ،وقال النسائي : " ليس بالقوي" ، وقال ابن عدي : " وليحيى بن سليم عـن
إسماعيل بن أمية وعبيد االله بن عمرو بن خثيم وسائر مشايخه ، أحاديث صالحة ،و إفرادات ،وغرائب يتفرد
بها عنهم ، وأحاديثه متقاربة ، وهو صدوق لا بأس به ،وقال ابن حجر : " قال الساجي:" صدوق يهـم فـي
الحديث ،واخطأ في أحاديث رواها عبيد االله بن عمر " ، وقال أبو أحمد الحاكم:" ليس بالحافظ عندهم "،وقـال
الدارقطني :"سئ الحفظ"، وقال البخاري في تاريخه في ترجمة عبدالرحمن بن ناقع :"ما حدث الحميدي عـن
يحيى بن سليم فهو صحيح" .انظر ترجمته : ابن أبي حاتم ، الجرح والتعديل ، ج 9 ص 156 ، ابن حبـان ،30
قلت( الألباني): وهو مختلف فيه، وقد كنت ذكرت شيئاً من أقوالهم فيه تحت هذا الحديث حين
كنت خرجته قديماً في " إرواء الغليل " ، وملت هناك إلى تضعيفه، ..وإن مما حملنـي علـى
ذلك ؛ أني رأيتهم قد نقلوا عن البخاري نفسه أنه قال في يحيى بن سليم - وهو: الطـائفي -:"
ما حدث الحميدي عن يحيى بن سليم فهو صحيح ". وليس هذا من رواية الحميدي عنـه ، لا
عند البخاري ، ولا في شيء من المصادر المتقدمة . ثم إنني ازددت ثقة بضعفه حين انتبهت
لاضطراب يحيى في روايته إسناداً ومتناً :
أ - أما الإسناد ؛ فرواه الجماعة - كما تقدم -... عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبـي
هريرة .
وقال أبو جعفر النفيلي:... عن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة .أخرجه ابن الجارود، و البيهقي
في رواية. ونقل عنه الحافظ في " الفتح " أنه قال: " والمحفوظ قول الجماعة ".
قلت(الألباني) : لم أطمئن لهذا الحكم لضعف الطائفي ، وثقة النفيلي - وهو: ( عبـد االله بـن
محمد ) -، بل هو فوق الثقة ، فقد بالغوا في الثناء عليه وعلى حفظه، فقـال الـذهبي فـي "
الكاشف ":" قال أبو داود: ما رأيت أحفظ منه، وكان أحمد يعظمه . وقال ابن وارة: هو مـن
أركان الدين ". وقال الحافظ في " التقريب ": " ثقة حافظ ".
فأقول (الألباني): فمن الواضح جداً أنه إذا دار الأمر بين توهيم الثقة المختلف فيه ، وتـوهيم
الثقة الحافظ المتفق على توثيقه ؛ فإن مما لا مرية فيه أن توهيم الأول منهما هو الـصواب ،
ولا سيما إذا كان الراجح أنه ضعيف من قبل حفظه ؛ ولذلك قال الحـافظ فـي " تقريبـه ":"
صدوق سيئ الحفظ ". فكيف يصح توهيم جبل الحفظ، وشيخه سيئ الحفظ ؟! هـذا لا يـستقيم
أبداً . بل الصواب أن يقال: إن الشيخ كان تارة يذكر في الإسناد: " عن أبيه " فحفظه عنه أبو
جعفر النفيلي ، وتارة لا يذكره فحفظه الجماعة، وكل حدث بما سمع . ويؤيد هذا ما يأتي:
ب - أما المتن ، فقد اضطرب في حرفين منه :
الأول: فقال مرة: " لم يعطه "، وهو رواية البخاري في الموضعين عن شيخين له عنه . وقال
الآخرون: " ولم يوفه ".
فهل يقال: هذا هو المحفوظ ؛ لأنه رواية الجماعة ، ويوهم شيخا البخاري ، أم يقال: كل حفظ
ما سمع من الطائفي، وإنما هذا هو الذي كان يضطرب في لفطه ، فيقول هذا مرة ، وهذا مرة
. نعم . فهذا هو الحق ما به خفاء ... فدعني عن بنيات الطريق . ويؤيده الأمر الآتي، وهو:
الثقات ، ج 7 ص 615 ، النسائي ، الضعفاء ، ص 249 ، ابن عدي ، الكامل ، ج 7 ص 220 ، ابن حجـر
، التهذيب ، ج 11 ص 198 .وقال في (التقريب) : " صدوق سيء الحفظ" . انظر : ج 2 ص 591 .
31
الآخر: لم يذكر البخاري وأحمد زيادة: " ومن كنت خصمه ؛ خصمته "، وهي في رواية ابـن
حبان، وابن الجارود، وابن ماجه، و البيهقي، وأبي يعلى، والطبراني، والبغوي في رواية له .
وهي عند ابن خزيمة أيضاً ، كما ذكر الحافظ في " الفتح "، أخرجوها من طرق عن الطائفي .
ثم استدركت فقلت: هناك اضطراب في جملة أخرى، وهي أن الحديث عند الجماعـة حـديث
قدسي: " قال االله ". لكن هذا القول لم يثبت عند ابن حبان ، و ابن ماجـه ، وأبـي يعلـى ،
والطبراني ، فقالوا:" قال رسول االله صلى االله عليه وسلم: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، ومن
كنت... " الحديث. فجعلوه حديثاً نبوياً، وهذا أقرب عندي من حيث التعبير، وأسلوب الكلام. و
). 1 االله أعلم .. (
قلت : أما بالنسبة للإسناد : فقد رواه الجماعة (يوسف بن محمد بن سابق وهشام بن عمار
والهيثم بن جناد ومحمد بن حاتم وبشر بن مرحوم وإسحق ونعيم بن حماد ) كلهم عن يحيى
بن سليم دون زيادة (أبيه) .
وعليه فإن موضوع العلل هو أحاديث الثقات ، وأبو جعفر النفيلي منهم ، فلماذا لا نقول أنه
وهم في ذكر هذه الزيادة ، لأن من أدلة الترجيح عند النقاد تقديم رواية ( الأكثريـة) علـى
المنفرد ، فإجماعهم على هذه الرواية تدل على وهمه ، ويدل على أنه هو المحفوظ كما ذكر
) .وأما قول الشيخ الألباني : " بل الصواب أن يقال: إن الشيخ كان تـارة 2 الحافظ ابن حجر(
يذكر في الإسناد: " عن أبيه " فحفظه عنه أبو جعفر النفيلي ، وتارة لا يذكره فحفظه الجماعة،
وكل حدث بما سمع " .
قلت : كيف يصح هذا القول من الشيخ وقد انفرد(الثقة – النفيلي) بهذه الزيادة ولا متابع له
عليها !
ثم إن الشيخ الألباني في مثل هذه الحالة كان يعِلّ الإسناد بأنه زيادة ثقة عارية من القرائن ،
فكون النفيلي ثقة حافظ لا يعفيه من الوقوع في الوهم ، فالأحرى أن نقول أنـه سـلك فيـه
) فزاد (أبيه) وذلك لأن سعيد المقبري مشهور بالرواية عن أبيه .فلا تقوى زيادتـه 3 الجادة(
على رد زيادة الجماعة !! وبذلك يظهر لنا صحة إخراج البخاري لهذا الحديث دون إخـراج
الإسناد الذي فيه زيادة لفظ (أبيه).
انظر : السلسلة الضعيفة ، ج 14 ص 589 ، حديث رقم (1 . (6763
انظر : ابن حجر ، فتح الباري ، ج 4 ص 2 . 418
قلت : وقد ذكر الدكتور ياسر الشمالي في بحثه (سلوك الجادة وأثره في علل الحديث) أنه العـدول عـن 3
السياق المحفوظ إلى سياق آخر مشهور سهل الحفظ يسبق اللسان إليه ، ويشترك السندان في راو أو أكثـر ،
والعدول عن السياق يعني :"خطأ الراوي في ذكر السند حيث يستبدل السياق المحفوظ الذي دلت القرائن على
صحته بسياق أخر يكثر استعماله والرواية به ، وهو يدل على وهم الثقة أو سوء حفظ الراوي .32
وأما بالنسبة للاضطراب في المتن :
فقد ذكر الشيخ الألباني أن الدليل على تضعيف رواية الطائفي أنه اضطرب في متن الحديث :
الأول: قال مرة: " لم يعطه "، وهو رواية البخاري في الموضعين عن شيخين له عنه . وقال
الآخرون: " ولم يوفه ".
الثاني : لم يذكر البخاري وأحمد زيادة: " ومن كنت خصمه ؛ خصمته "
الثالث : وهو أن الحديث عند الجماعة حديث قدسي: " قال االله ". لكن هذا القول لم يثبت عند
ابن حبان ، و ابن ماجه ، وأبي يعلى ، والطبراني ، فقالوا:" قال رسول االله صـلى االله عليـه
وسلم: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، ومن كنت... " الحديث. فجعلوه حـديثاً نبويـاً ، فقـال
الألباني :"وهذا أقرب عندي من حيث التعبير، وأسلوب الكلام" .
قلت :الظاهر من رواية البخاري والجماعة أن هناك اختلافاً واضحاً في بعض ألفاظ المتن كما
ذكر الشيخ الألباني
ولكن هذا الاختلاف لا يضر ولا يقدح في الحديث وذلك لأن المعنى متفـق ولـيس هنـاك
) ، يقول ابن رجب : " اختلاف ألفاظ الرواية يدل 1 اختلاف قادح ، ثم إن مخرج الحديث واحد(
على أنهم كانوا يروون الحديث بالمعنى ، ولا يراعون اللفظ ، إذ المعنى واحـد ، وإلا لكـان
الرواة قد رووا الحديث الواحد بألفاظ مختلفة متناقضة ، ولا يظن ذلك بهم مع علمهم وفقههـم
) . 2 وعدالتهم وورعهم "(
قلت : ذكر الشيخ الألباني ، أن هذا الحديث ليس قدسياً ، وأنه أقرب عنده من حيث التعبيـر،
وأسلوب الكلام حديثاً نبوياً .
قلت : رواه بلفظ ( قال االله تعالى ) البخاري وأحمد وابن الجارود وأبو يعلى وابـن حبـان و
الطحاوي ، حتى أن البيهقي لما ساقه من طريق النفيلي ( التي قدمها الشيخ الألبـاني ) ذكـر
) بألفاظه ولكـن 3 بعده أن النفيلي روى الحديث كما رواه هشام ابن عمار عن يحيى بن سليم(
دون الزيادة التي في الإسناد(أبيه) !فتأمل .
يقول العلائي : " إذا اتحد مخرج الحديث وتقاربت ألفاظه ،فالغالب حينئذ على الظن أنه حديث واحـد وقـع 1
الاختلاف على بعض الرواة ،لا سيما إذا كان في سياقه واقعة تبعد أن يتعدد مثلها فـي الوقـوع" . انظـر :
العلائي ، (ت763هـ) ، نظم الفرائد لما تضمنه حديث ذي اليدين من الفوائد ، دار ابن الجوزي ، السعودية
، ط 1 ، تحقيق:بدر البدر ، 1416هـ ، ص 112 .
انظر : ابن رجب الحنبلي (ت795هـ) ، فتح الباري شرح صحيح البخاري ، ج 5 ص 188 .بتصرف 2
يسير .
انظر : البيهقي ، السنن الكبرى ، ج 6 ص 3 . 1433
وأخيراً ؛ فإن الشيخ الألباني- غفر االله تعالى له - لم يصب فـي تـضعيف هـذا الحـديث
باضطراب سنده ومتنه . ولا غرو أنه كان يقول دائماً : " فإن تخطئة الإمام البخاري أو أحد
). 1 رواتــه الثقات ليس بالأمر الهين "(
انظر : السلسلة الصحيحة ، ج 5 ص 1 . 326 34
الخاتمة
وفي نهاية هذا البحث توصلت إلى نتائج مهمة ينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار :
1- أن كتاب البخاري قد تلقته الأمة بالقبول .
2- أن الأحاديث المتكلم عليها قد أحسن في وصفها الحافظ ابن حجر فـي قولـه : "
ليست كلها قادحة، بل أكثرها الجواب عنه ظاهر والقدح فيه منـدفع ، وبعـضها
الجواب عنه محتمل، واليسير منه في الجواب عنه تعسف .
3- الأحاديث التي انتقضها الشيخ الألباني في صحيح البخاري لم يكن الصواب معـه
فيها ، كما ظهر من مناقشة أدلة الشيخ وحججه .فالجواب عنهـا كـان ظـاهراً
.وحجة الإمام البخاري دامغة .
4- لم أجد حديثاً واحداً مما انتقضه الشيخ الألباني ، كان الجواب عنه تعسفاً . بل كان
الجواب واضحاً أحياناً ، وأحياناً أخرى يفهم من خلال معرفة أغراض البخـاري
في وضع أحاديث كتابه .
5- أن الشيخ الألباني لا يصنف في جهة أصحاب الشبهات والأباطيل والمرجفين، بل
هو عالم جليل حاول الدفاع عن الستة النبوية وتنقيتها مما لـيس منهـا ،محـاولاً
استخدام قرائن الترجيح مستأنساً بأقوال من سبقه من أئمة النقد والتعليـل ، فـإن
أخطأ فله الأجر إن شاء االله تعالى ؛ وإن أصاب فله أجران .
6- كان للبخاري منهجاً واضحاً في الرواية عن الضعفاء :
- فإما أن ينتقي من حديثهم .فليس كل حديث الضعيف ضعيفٌ .
- وإما أن يذكره لعدم وجود غيره في الباب .ولا يكون في الأحكام والعقائـد ؛
بل في الرقاق والفضائل .
- وإما أن يخرج له في المتابعات ؛ لإثبات سماع أو بيان زيادة أو نقص فـي (
الإسناد أو في المتن).
واالله تعالى أسأل ، أن يجعلنا ممن يذبون عن سنة نبيهم ما أُلصِق بها وليس منها أو نُقِّص منها
وهو فيها.
وأسأله سبحانه أن يغفر لعلمائنا الأجلاء ( الأحياء منهم والأموات) الذين حاولوا الـدفاع عـن
السنة من الشبهات والأباطيل التي ألصقت بها من خلال أقلام الحاقدين والمارقين والرافضة .
وكتب : د.محمد حمدي أبو عبدة
وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين .
35
ملحق
هذا ملحق يظهر فيه الأحاديث التي ذكرها الشيخ الألباني في كتابه ( السلسلة الضعيفة )
وغمز فيها ببعض الرواة أو بعض المتون .
1. الضعيفة حديث رقم ( 1030) ....من استطاع منكم أن يطيل غرته ج3ص104
2. الضعيفة حديث رقم (1052)...لما نـزل عليـه الـوحي يريـد أن يلقـي بنفـسه
ج3ص162
3. الضعيفة حديث رقم(1299)..إن العبد ليتكلم بالكلمة ج3ص463
4. الضعيفة حديث رقم(3364)...إذا أعتق الرجل أمته ج7 ص 376
5. الضعيفة حديث رقم(4226)..كان له فرس الظرب ج9ص236
6. الضعيفة حديث رقم(4835) إن هاتين الصلاتين ج10ص385
7. الضعيفة حديث رقم(4839) قضى في ابن الملاعنة ج10ص396
8. الضعيفة حديث رقم(4992)نعم وأبيك لتنبأن ج10ص756
9. الضعيفة حديث رقم(5036) لا يسبغ عبد الوضوء ج11ص63
10-الضعيفة حديث رقم(6763)ثلاثة أنا خصمهم ج14ص589
11-الضعيفة حديث رقم(6945)بينما أنا قائم خرج رجل همل النعم ج14ص1031
12- الضعيفة حديث رقم(6947)إذا وسد الأمر فانتظر الساعة ج14ص1037
13- الضعيفة حديث رقم(6949)إن كان عندك ماء بات في شنة ج14ص1041
14- الضعيفة حديث رقم(6950)أن رجلا من أهل الجنة استأذن ربه ج14ص1042
15- الضعيفة حديث رقم(6959) لا عقوبة فـوق عـشر ضـربات ج14ص1055-
. 1056
http://www.riyadhalelm.com/researches/3/69_albani_bokhari.pdf
بسم االله الرحمن الرحيم
الأحاديث التي ضعّفها الشيخ الألباني في
صحيح البخاري
بحث مقدم لمؤتمر الانتصار للصحيحين المنعقد في الفترة من 2010/7/15 –14
بكلية الشريعة بالجامعة الأردنية
إعداد :
. محمد حمدي محمد أبو عبده
2
تمهيد
إن الإمام البخاري بشر ، لا يدعي لنفسه العصمة ولم ينقلها عنه أحد. وقد تلقت الأمة أحاديث
صحيح البخاري بالقبول حيث بلغ البخاري في علوم الحديث منزلة فاقت كل منزلة ، شـهد
بذلك أهل العلم قاطبة . وباستعراض مشيخة البخاري ورحلاته في الطلب تتبين منزلته، فمـا
ترك مِصراً فيه علَم أو عِلِم إلا ورحل إليه ، وقد أُحصيت مشيخته خارج بلـده فبلغـت ألفـاً
وثمانين نفساً ، كلهم صاحب حديث .
وإن ما يذكر أو يتداول من ضعفِ بعض الأحاديث في صحيح الإمام البخاري ينبغي أن ينظر
فيه من عدة أوجه:
أما الوجه الأول: فهو لماذا يثار هذا الأمر، وما الغرض الدافع إليه؟ هل هو محبة االله تعـالى
وسنة رسوله (صلى االله عليه وسلم) والدفاع عنها ؟ أم الانتقاص والتشكيك في أصح الكتـب
بعد كتاب االله ؟ !! كما قال ابن الصلاح رحمه االله : "وكتاباهما أصح الكتب بعـد كتـاب االله
العزيز".
أم هو محبة المراء والجدال التي استشرت هذه الأيام بين المسلمين. وكان في ذلـك مـدخلاً
عظيماً من مداخل الشيطان
والوجه الثاني: إطلاق القول بضعف أحاديث في صحيح البخاري إلى ماذا يؤدي ؟
على فرض ثبوت ذلك ؛ فإن ذلك يؤدي إلى زعزعة الثقة بهذا الكتاب العظيم الجليل، والـذي
هو عمدة المسلمين في الرجوع إلى سنة رسول االله (صلى االله عليه وسلم)، والمفسرة لـشرع
االله تعالى ، فكأن المنتقِص المطلِق لكلامه، المعمم له يريد الانتقاص من هذا الشرع الحنيف .
ولكن إن أراد منتقِد أن ينتقد ، فليقل : ضعف بعض العلماء الحديث الفلاني والفلاني .. مـن
صحيح البخاري . وذلك ليكون كلامه أدق ، وتضعيفه منصب على أحاديث معينة مـذكورة،
أذكر هذا ليس من باب التسليم بوجود أحاديث ضعيفة في صحيح البخاري بل من باب ذكـر
كيف ينتقد الناقد ، وكيف يكون كلامه دقيقاً حتى لا يكون فيه تجنِّي.
أما الوجه الثالث: فإنه صحيح قد قام البعض في هذا العصر بتضعيف بعض الأحاديـث فـي
صحيح البخاري ، وتناقل ذلك بعض طلبة العلم، ولكن كل بني آدم خطّاء، وكل الناس يؤخـذ
منه ويرد عليه .
والوجه الأخير: هو حقيقةُ صحيح البخاري وما ذكر فيه من الأحاديث.
وفي هذا الوجه سأذكر بعض الأقوال التي تُبين وتُوضح حال الصحيح وما ذُكـر فيـه مـن
أحاديث، وأنه صحيح أنه قد انتُقِد عليه بعض الأحاديث إلا أن أغلب ذلك مردود والقادح فيهـا
ضعيف . 3
قال ابن حجر في (هدي الساري) - بعدما ذكر عدد الأحاديث المنتقدة علـى الـصحيح - : "
ليست كلها قادحة، بل أكثرها الجواب عنه ظاهر والقدح فيه مندفع ، وبعضها الجـواب عنـه
) . 1 محتمل، واليسير منه في الجواب عنه تعسف"(
وقوله "تعسف" : أي أن الأظهر أنها ضعيفة لعدم إمكانية رد سبب الـضعف الموجـه لهـذا
الحديث بوجه قوي .
وقال عن الأحاديث المنتَقَدة : " وقد حررتها وحقَّقتها وقسمتها وفصلتها، لا يظهر منها ما يؤثِّر
). 2 في أصل موضوع الكتاب بحمد االله إلا النادر"(
وهذا يعني أنها قليلة ، وقليلة جداً ، لذا عبر عنها بالنادر، وإذا كان الحال هكـذا فـلا يطلَـق
"تضعيف الأحاديث" لصحيح البخاري ؛ لاسيما أن أكثر الطاعنين الآن إنما هم من أصـحاب
الأهواء وأهل البدع، فمن يريد أن ينكر بعض الأحاديث التي تخالف مـذهبهم ، سـواء كـان
المذهب العقلي ؛ الذي يريد أن يحكم على الأحاديث صحةً وضعفاً ، وِفقاً لما وافـق عقـولهم
المريضة، وِوفقاً لما فهموه، فإن وافق عقولهم صححوه ؛ وإلا ضعفوه ! بل تجرأ بعضهم على
القرآن الكريم.
ولا يفهم من هذا الكلام أنه طَعن أو انتقاص في كل من ضعف حديثاً في الصحيح ، فـالبعض
يقصد رضوان االله تعالى بذلك ، وإن كنت أرى أنه جانب الصواب في ذلك.
ولذا قال الحافظ - قبل سرد الأحاديث المنتقدة على البخاري -: " وقبل الخوض فيـه ينبغـي
لكل منصفٍ أن يعلم أن هذه الأحاديث وإن كان أكثرها لا يقدح في أصل موضوع الكتاب فإن
). 3 جميعها وارد من جهة أخرى"(
ولذا قال الإمام العقَيلي :" لما ألف البخاري كتاب الصحيح، عرضه على أحمـد بـن حنبـل
ويحيى بن معين وعلي بن المديني وغيرهم، فاستحسنوه وشهدوا له بالصحة إلا فـي أربعـة
). 4 أحاديث ". قال العقيلي : " والقول فيها قول البخاري وهي صحيحة "(
وروى الفربري عن البخاري قال :" ما أدخلتُ في الصحيح حديثاً إلا بعـد أن اسـتخرتُ االله
). 5 وتيقنت صحته "(
انظر : ابن حجر العسقلاني ، أحمد بن علي ،(ت 852هـ) ، هدي الساري مقدمة فتح الباري ،دار الكتب 1
العلمية ، بيروت ، ط 1989 ، 1م ، الفصل الثامن ، في سياق الأحاديث التي انتقدها عليه الدارقطني ، ص
. 542
ص
المرجع السابق ، 2 . 503
ص
المرجع نفسه ، 3 . 501
ص
المرجع نفسه ، 4 . 7
انظر : مقدمة الفتح ، المرجع السابق ،ص 5 . 5024
فإذا عرِف وتقرر أنه لا يخَرج من الحديث إلا ما لا علة له ، أو له علة إلا أنها غير مـؤثرة
عنده . فإنه ينبغي التريث حين النظر في أحاديث البخاري وعدم التسرع في إصـدار حكـم
عليها .
وأخيراً أقول ما قاله الحافظ : " فإذا تأمل المنصف ما حررته من ذلـك عظُـم مقـدار هـذا
المصنِّف – الإمام البخاري– في نفسه، وجلَّ تصنيفه في عينه، وعذَر الأئمة من أهل العلم في
). 1 تلقّيه بالقبول والتسليم ، وتقديمهم له على كل مصنّف في الحديث والقديم"(
وأما بالنسبة للشيخ الألباني فقد ضعف أحاديث قليلة جداً في صحيح البخاري، ولكن لا يلـزم
من تضعيف الشيخ لها أن تكون ضعيفة بالفعل، بل قد تكون صحيحة كما ذهـب إلـى ذلـك
البخاري من قبل، وقد تكون ضعيفة فعلاً. فتضعيف الشيخ الألباني – عليه رحمة االله- اجتهاد
منه، قابل للقبول والرد.
لكن العلماء - كما أشرت سابقاً - قد نصوا على أن أحاديث صحيح البخاري كلها مقبولة، إلا
أحاديث يسيرة انتقدها بعض النقاد الكبار.
وأن ما سوى تلك الأحاديـث اليـسيرة، فهـي متلقـاة بـالقبول عنـد الأمـة جميعهـاً.
وبناء على ذلك: فإنه وبعد البحث وجدت أن الحديث الذي يضعفه الشيخ الألباني في صـحيح
البخاري له حالتان:
الأولى: أن يكون ذلك الحديث الذي ضعفه الألباني قد سبقه إلى تضعيفه إمام مجتهـد متقـدم،
فهذا قد يكون حكْم الشيخ الألباني فيه صواباً ، وقد يكون خطأً ، وأن الصواب مع البخاري .
) ، فهذا ما لا يقبل من 2 الثانيـة : أن يكون الحديث الذي ضعفه الألباني لم يسبق إلى تضعيفه(
الشيخ -رحمه االله- ؛ لأنه عارض اتفاق الأمة على قبول ذلك الحديث (كما سبق ) .
ثم إن المتتبع لانتقادات الشيخ الألباني على تلك الأحاديث القليلة يجد أن مدارها هو الإسـناد
من حيث التكلم في أحد رجاله أو الاضطراب فيه . وبعض ألفاظ المتون من حيث غرابتها أو
شذوذها أو نكارتها ...؛ فقد قام الشيخ بالحكم على هذه الأحاديث من خلال جرح رواة بعض
الأسانيد كـ( فليح بن سليمان و عبد الرحمن ابن عبد االله بن دينار) وغيرهمـا ؛ وبالتـالي
حكم على حديثهم بالضعف ! مع العلم بأن الرواة الذين تُكُلِّم فيهم ممن أخرج لهم البخاري لم
يكثِر البخاري عنهم بل روى عن الواحد منهم الحديث والحديثين ، وما أخرجه عـنهم قـد
المرجع السابق ، ص 1 .542
قلت : وهذا ليس على إطلاقه ، فقد يكون حكم الشيخ صحيحاً في تضعيفه ، ولولا هيبة الصحيح لقلنا أنه 2
ضعيف !!5
توبعوا عليه ، أو يخرج لهم مقروناً بغيرهم،أو لأغراض أخرى -سأبينها في موضعها-، فقد
كان البخاري يفحص الأحاديث وينتقي من أحاديث رواته .
وبالجملة ؛ يحسن بيان موقف الشيخ الألباني من أحاديث البخاري ، فيقول : " وبعد ، فقـد
أطلت الكلام على هذا الحديث و راويه دفاعاً عن السنة و لكي لا يتقول متقـول ، أو يقـول
قائلٌ من جاهلٍ أو حاسدٍ أو مغرضٍ :إن الألباني قد طعن في " صحيح البخـاري " و ضـعف
حديثه ، فقد تبين لكل ذي بصيرة أنني لم أُحكِّم عقلي أو رأيي كما يفعل أهل الأهواء قديماً و
حديثاً ، و إنما تمسكت بما قاله العلماء في هذا الراوي و ما تقتضيه قواعدهم في هذا العلم
) . 1 الشريف و مصطلحه من رد حديث الضعيف ، و بخاصة إذا خالف الثقة"(
وقال الشيخ الألباني: " كيف والصحيحان هما أصح الكتب بعد كتاب االله تعالى باتفاق علمـاء
المسلمين من المحدثين وغيرهم فقد امتازا على غيرهما من كتب السنة بتفردهمـا بجمـع
أصح الأحاديث الصحيحة وطرح الأحاديث الضعيفة والمتون المنكرة علـى قواعـد متينـة
وشروط دقيقة وقد وفِّقوا في ذلك توفيقاً بالغاً لم يوفق إليه من بعدهم ممن نحا نحوهم فـي
جمع الصحيح كابن خزيمة وابن حبان والحاكم وغيرهم حتى صار عرفاً عاماً أن الحديث إذا
أخرجه الشيخان أو أحدهما فقد جاوز القنطرة ودخل في طريق الصحة والسلامة . ولا ريب
) . 2 في ذلك وأنه هو الأصل عندنا "(
ثم قال مبيناً رأيه صراحة في البخاري وغيره مقارنة بشخص رسول االله تعالى : " ولو جاز
لنا أن نحابي الإمام البخاري ؛ لقلنا: إنه قد توبع الفضيل على لفظه، ولكـن معـاذ االله! أن
) . 3 نحابي في حديث رسول االله صلى االله عليه وسلم أحداً..."(
1
انظر قوله : السلسلة الضعيفة ، دار المعارف ، الريـاض ، ط 1412 ، 1 هــ - 1992 م ، ج 3 ص
. 465
انظر : شرح العقيدة الطحاوية – المقدمة ، المكتب الإسلامي ، بيروت ، ط 1399 ،5هـ، ص 2 15 -14
انظر قوله : السلسلة الضعيفة ، حديث رقم ( 6959) ، ج 14 ص 1055. وهو حديث :" لا عقوبة فـوق 3
عشر ضربات إلا في حد من حدود االله " .وسيأتي بيانه .6
المبحث الأول : رجال البخاري المتَكَلَّم فيهم .
المطلب الأول : متى (نَرد أو نَقْبل) رواية أحد رواة البخاري المتكلم فيهم :
قلت : قام الحافظ ابن حجر بإفراد فصل خاص (بأسماء هؤلاء الرجال المـتكلم فـيهم) فـي
مقدمة الفتح فقال - منافحاً عن رجال البخاري- : " وقبل الخوض فيه ؛ ينبغـي لكـل
منصف أن يعلم أن تخريج صاحب الصحيح لأي راوٍ كان ؛ مقتضٍ لعدالته عنـده ؛ وصـحة
ضبطه، وعدم غفلته ، ولا سيما ما انضاف إلى ذلك من إطباق جمهور الأئمة علـى تـسمية
الكتابين بالصحيحين ، وهذا معنى لم يحصل لغير من خرج عنه في الصحيح ، فهـو بمثابـة
إطباق الجمهور على تعديل من ذُكر فيهما ؛ هذا إذا خرج له في الأصول ؛ فأما إن خرج لـه
في المتابعات والشواهد والتعاليق ؛ فهذا يتفاوت درجات .. وحينئذ إذا وجدنا لغيره في أحـد
منهم طعناً ؛ فذلك الطعن مقابِلٌ لتعديل هذا الإمام ، فلا يقبل إلا مبين السبب ؛ مفَسراً بقـادحٍ
يقدح في عدالة هذا الراوي ؛ وفي ضبطه مطلقاً ، أو في ضبطه لخبر بعينه ، لأن الأسـباب
الحاملة للأئمة على الجرح متفاوتة ؛ منها ما يقدح ؛ ومنها ما لا يقدح .
وقد كان الشيخ أبو الحسن المقدسي يقول في الرجل الذي يخَرج عنه في الصحيح:"هذا جـاز
القنطرة " ، يعني بذلك : أنه لا يلتَفت إلى ما قيل فيه . وقال الشيخ أبو الفتح القـشيري فـي
مختصره :" وهكذا نعتقد ، و به نقول ، ولا نخرج عنه إلا بحجة ظاهرة ، وبيانٍ شافٍ يزيـد
في غلبة الظن على المعنى الذي قدمناه من اتفاق الناس بعد الشيخين علـى تـسمية كتابيهمـا
بالصحيحين ؛ ومن لوازم ذلك تعديل رواتهما" . قلت (ابن حجر) : " فلا يقبل الطعن في أحد
). 1 منهم إلا بقادح واضح لأن أسباب الجرح مختلفة..."(
وقد يكون من المفيد أن أُورد هنا ما قاله الحافظ الذهبي في (الموقظة) مبينـاً أحـوال رجـال
الشيخين من حيث الاحتجاج ، فقال : " من أخرج له الشيخان على قسمين :
أحدهما: ما احتجا به في الأصول.
والثاني: من خرجا له متابعة وشهادة واعتباراً.
فمن احتجا به أو أحدهما، ولو لم يوثَّق ، ولا غُمِز، فهو ثقة ، وحديثُه قويٌّ.
ومن احتجا به ، أو أحدهما ، وتُكلِّم فيه :
فتارة يكون الكلام فيه تعنُّتاً، والجمهور على توثيقه، فهذا حديثه قوي أيضاً.
وتارة يكون الكلام في تليينه وحفظه له اعتبار، فهذا حديثُه لا ينحط عن مرتبة الحسن، التي
نسميها من أدنى درجات الصحيح . فما في كتاب البخاري - بحمد االله - رجلٌ احتج به فـي
انظر : مقدمة الفتح ، ص 1 . 543 7
الأصول، وروايته ضعيفة، بل حسنة أو صحيحة ، ومن خَرج لـه البخـاري أو مـسلم فـي
الشواهد والمتابعات ، ففيهم من في حِفظِه شيء ، وفي توثيِقه تردد . فكلُّ من خُرج لـه فـي
) . 1 (الصحيحين) ، فقد قَفَز القَنْطَرة ، فلا معدِلَ عنه إلا ببرهانٍ بين "(
قلت : فالظاهر من كلام العلماء أن بعض رجال البخاري قد يكون مجروحاً ، ولكن لا بد من
بيان سبب الجرح وتفسيره ، لأن أسباب الجرح كثيرة ولا بد من وجود قادح يقدح في عدالـة
هذا الراوي ؛ أو في ضبطه مطلقاً ، أو في ضبطه لخبر بعينه لرد روايته ، هذا من جهـة ،
) ! فكما أن الثقة 2 ومن جهة أخرى ؛ لا بد من العلم بأنه ليس كلُ حديثِ الضعيفِ ؛ ضعيفٌ(
قد يخطئ ، فكذلك الضعيف فإنه قد يصيب . فتصنيف الصحيح مبني على طريقة الانتقـاء لا
. فكان المتقدمون يصححون من حديث الضعيف ما يرونه قد ضبطه . 3 على ظاهر الأسانيد( )
ويبقى سائر حديثه خاضعاً للنظر والتدقيق . وهذا ليس بالأمر اليسير ، إنما يطلع علـى ذلـك
الأئمة النقاد الغواصون في أعماق ما يكمن في الروايات من صحة أو خطأ ، لذا فتّش العلماء
في حدِيث الضعفاء ، وانتقوا ما صح من حديثهم كما صنع الإمام البخاري – فلله دره - .
فمن قال أن الراوي الضعيف أخطأ في هذا الحديث كان قوله معارضاً بقول الشيخ البخـاري
أنه أصاب في هذا الحديث ،ولا يقال أن الأصل في حديث الضعيف ؛ الخطأ – هكذا مطلقاً -.
قلت : وهذا المنهج يعرف بمنهج الانتقاء من أحاديث الضعفاء ، أي أن حديث الضعيف لا يرد
جملة ولا يقْبل جملة. وإنما يقبل ما صح من حديثه فقط. كما أن الثقة لا تقبل أحاديثه مطلقـاً
فيقبل ما أصاب فيه ويرد ما أخطأ فيه.
قال الإمام ابن القيم - وهو يرد على من عاب على مسلم إخراج أحاديث الضعفاء سيئي الحفظ
كمطر الوراق وغيره- : " ولا عيب على مسلم في إخراج حديثه لأنه ينتقي من أحاديث هـذا
الضرب ما يعلم أنه حفظه ، كما يطرح من أحاديث الثقة ما يعلم أنه غلط فيه، فغلط في هـذا
انظر : الذهبي ، شمس الدين أبوعبداالله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايماز ، (ت748هـ) ، الموقظة فـي 1
علم مصطلح الحديث ، دار البشائر ، بيروت ، ط 1420 ، 4هـ ، ص 80 – 79 .
انظر : كافي ، أبو بكر، منهج الإمام البخاري في تصحيح الأحاديث وتعليلها( من خلال الجامع الصحيح ) 2
، دار ابن حزم ، ص : 121 . قلت : وأصل هذا الكتاب رسالة علمية، نال بها صاحبها شهادة الماجستير في
الحديث وعلومه، من جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة الجزائر، وذلك في 19 شـوال
1418هـ، الموافق لـ 1998 /2 /16م .
قلت : وقد أشار إلى مثل هذا الحافظ ابن حجر في (المقدمة) فقال في معـرض التعليـق علـى روايـة 3
البخاري عن أكبر مشايخه ( محمد بن يوسف الفريابي) المتكلم فيه : " وقال العجلي ثقة، وقد أخطـأ
في مائة وخمسين حديثاً، وذكر له ابن معين حديثاً أخطأ فيه؛ فقال : " هذا باطل" . قلت(ابن حجر) : اعتمـده
البخاري لأنه انتقى أحاديثه وميزها" . انظر ص : 617.8
المقام من استدرك عليه إخراج جميع أحاديث الثقة ، ومن ضعف جميع أحاديث سيئي الحفظ.
فالأولى : طريقة الحاكم وأمثاله، والثانية : طريقة أبي محمد بن حزم وأشكاله. وطريقة مسلم.
) . 1 هي طريقة أئمة هذا الشأن "(
المطلب الثاني : نماذج من أحاديث (الرواة المتكلم فيهم) في صحيح البخاري .
1- إبراهيم بن المنذر الحزامي :
قال الحافظ ابن حجر :" أحد الأئمة ،وثقه ابن معين ،وابن وضاح ،والنـسائي ،وأبـو حـاتم
،والدارقطني ،وتكلم فيه أحمد من أجل كونه قد دخل إلى ابن أبي دواد ، وقال الساجي:" عنده
مناكير"، وتعقب ذلك الخطيب . قلت:" اعتمده البخاري وانتقى من حديثه". وروى له الترمذي
) . 2 والنسائي"(
وقد أخرج له البخاري أحاديث كثيرة ؛ منها: في كتاب الاستئذان ، باب الاحتبـاء ؛ وقـال :
حدثني محمد بن أبي غالب أخبرنا إبراهيم بن المنذر الحزامي حدثنا محمد بن فليح عن أبيـه
عن نافع عن ابن عمر رضي االله عنهما قال : رأيت رسول االله صلى االله عليه و سلم بفنـاء
). 3 الكعبة محتبياً بيده هكذا"(
ومنها في كتاب الرقاق ، باب في الحوض ، قال البخاري حدثني إبراهيم بن المنـذر حـدثنا
أنس بن عياض عن عبيد االله عن خبيب عن حفص بن عاصم عن أبي هريـرة رضـي االله
عنه: أن رسول االله صلى االله عليه و سلم قال:" ما بين بيتي ومنبري روضة مـن ريـاض
). 4 الجنة ومنبري على حوضي"(
2- أبي بن عباس بن سهل الساعدي :
قال الحافظ ابن حجر :" ضعفه أحمد ،وابن معين ،وقال النسائي:" ليس بـالقوي". ولـه عنـد
البخاري حديث واحد في ذكر خيل النبي صلى االله عليه وسلم،كما في الفصل الذي قبلـه فـي
انظر : ابن القيم الجوزية ،(ت795هـ) ، زاد المعاد في هدي خير العبـاد ، مؤسـسة الرسـالة ، ط 1 ،8
1405هـ - 1985م ، تحقيق : شعيب الأرناؤوط وعبد القادر الأرناؤوط ، ج 1 ص 364 . قلت : وهـذه
هي طريقة الإمام البخاري – أيضاً - .
انظر : ابن حجر : مقدمة الفتح ، ص 548 . وانظر ترجمته :ابن أبي حاتم ، الجـرح والتعـديل ، ج 2 2
ص 139 ، المزي ، تهذيب الكمال ، ج 2 ص 211 .
انظر : البخاري ، محمد بن إسماعيل أبو عبداالله ،(ت256هـ)، الجامع الصحيح المختصر ، دار ابن كثير 3
، بيروت ،ط 1407 ،3 هـ – 1987 م ، تحقيق : د. مصطفى ديب ، ج 5 ص 2314.
المرجع السابق نفسه . 49
الحديث السابع والثلاثين ، وقد تابعه عليه أخوه عبد المهيمن بن العباس وروى لـه الترمـذي
) . 1 وابن ماجة"(
وحديثه في كتاب الجهاد والسير ، باب اسم الفرس والحمار ،قال البخاري حـدثنا علـي بـن
عبد االله بن جعفر حدثنا معن بن عيسى حدثنا أبي بن عباس بن سهل عن أبيه عن جده قال :"
كان للنبي صلى االله عليه و سلم في حائطنا فرس يقال له اللحيف ". قال أبو عبد االله :"وقـال
) . 2 بعضهم اللخيف"(
3- خلاس بن عمرو الهجري :
قال الحافظ ابن حجر: " وثقه ابن معين وأبو داود والعجلي ،وقال أبو حاتم :"يقـال وقعـت
عنده صحف عن علي وليس بقوي" ، وقال أحمد بن حنبل:" كان القطان يتوقى حديثه عن علي
خاصة واتفقوا على أن روايته عن علي ابن أبي طالب وذويه مرسلة"، وقال أبـو داود عـن
أحمد:" لم يسمع من أبي هريرة" ، قلت(ابن حجر): "روايته عنه عند البخاري" . أخـرج لـه
) . 3 حديثين ؛ قرنه فيهما معاً بمحمد بن سيرين وليس له عنده غيرهما"(
فأما الأول ففي كتاب الأيمان والنذور ، باب إذا حنث ناسياً في الأيمان ،فقال: " حدثني يوسف
بن موسى حدثنا أبو أسامة قال حدثني عوف عن خلاس ومحمد عن أبي هريـرة رضـي االله
عنه قال : قال النبي صلى االله عليه و سلم:" من أكل ناسياً وهو صائم فليـتم صـومه فإنمـا
) . 4 أطعمه االله وسقاه "(
والثاني في كتاب التفسير ، باب حديث الخضر مع موسى عليهما السلام ، فقال حدثني إسحاق
بن إبراهيم حدثنا روح بن عبادة حدثنا عوف عن الحسن ومحمد وخلاس عـن أبـي هريـرة
رضي االله عنه قال : قال رسول االله صلى االله عليه و سلم:" إن موسى كان رجلاً حييـاً
) . 5 سِتّيراً، لا يرى من جلده شيء استحياء منه فآذاه من آذاه من بني إسرائيل..."(
قلت : ذكرت هذه النماذج ليس على سبيل الحصر ؛ وإنما من باب التمثيل حتـى لا يطـول
البحث .
المبحث الثاني : الأحاديث التي ضعفها الشيخ الألباني في صحيح البخاري .
المطلب الأول : العلل التي دعت الشيخ الألباني إلى تضعيف هذه الأحاديث .
انظر : ابن حجر ، مقدمة الفتح ، ص 1 . 549
انظر : البخاري ، الصحيح ، ج 3 ص 2 . 1023
انظر : ابن حجر ، مقدمة الفتح ، ص 3 . 564
انظر : البخاري ، الصحيح ، ج 6 ص 4 . 2454
المرجع السابق ، ج 3 ص 5 . 123710
فبعد أن استقريت الأحاديث التي ضعفها الشيخ الألباني في الصحيح ، فـإنني وجـدت أنـه
ضعفها لأسباب منها:
1- التكلم في بعض الرواة .
2- شذوذ أو غرابة أو نكارة أحد ألفاظ المتن .
3- إدراج لفظ زائد في الحديث وهو ليس منه .
4- اضطراب السند والمتن .
وسأقوم بتقسيم هذا المطلب حسب تسلسل الأسباب السابقة :
القسم الأول : الأحاديث التي ضعفها الشيخ بسبب التكلم في أحد الرواة :
الحديث الأول : " إن العبد ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالا يرفعه االله بها درجات.. ".
) من طريـق عبـد 1 قال الشيخ الألباني : " ضعيف ، أخرجه (البخاري ، و أحمد و البيهقي )(
الرحمن بن عبد االله بن دينار، عن أبيه عن أبي صالح، عـن أبـي هريـرة مرفوعـاً بـه .
قلت(الألباني) : وهذا إسناد ضعيف، وله علتان :
الأولى : سوء حفظ عبد الرحمن هذا مع كونه قد احتج به البخاري، فقد خالفوه وتكلموا فيـه
من قبل حفظه، وليس في صدقه.
أقوال أهل الجرح والتعديل في عبد الرحمن بن عبداالله بن دينار :
). 1 2 - قال يحيى بن معين : " حدث يحيى القطان عنه، وفي حديثه عندي ضعف "(
2 - قال عمرو بن علي :" لم أسمع عبد الرحمن ( يعني ابن مهدي ) يحـدث عنـه بـشيء
) . 3 قط"(
). 3 4 - وقال أبو حاتم : " فيه لين، يكتب حديثه ولا يحتج به "(
انظر : أحمد بن حنبل ، (ت241هـ) ، المسند ، مؤسسة قرطبة ، القاهرة ، ج 2 ص 334 . البخـاري ، 1
الصحيح ، دار ابن كثير ، اليمامة ، بيروت ، تحقيق : د. مصطفى ديب البغا ، ط 1407 ، 3هـ - 1987م
، ج 5 ص 2377 ، حديث رقم (6113). البيهقي ، أحمد بن الحسين بن علـي أبـو بكـر البيهقـي ،(ت
458هـ) ، شعب الإيمان ، مكتبة الرشد، تحقيق وتخريج : د. عبد العلي عبـد الحميـد ، الريـاض ، ط 1،
1423 هـ - 2003 م ، ج 7 ص 30
انظر : عبد الرحمن بن أبي حاتم ،(ت327هـ) ، الجرح والتعديل ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، 2
ط 1271 ، 1هـ - 1952م ، ج 5 ص 254 .
انظر : أبو أحمد عبد االله بن عدي الجرجاني،(ت227هـ) ، الكامل في الضعفاء ، دار الفكر، ط 3 ، تحقيق 3
: د.سهيل زكار ، ج 4 ص 294 .
انظر : الجرح والتعديل ، ج 5 ص 4 .25411
4 - وقال ابن حبان : " كان ممن ينفرد عن أبيه بما لا يتابع عليه مع فحش الخطأ في روايته،
لا يجوز الاحتجاج بخبره إذا انفرد، كان يحيى القطان يحدث عنه، وكان محمد بن إسـماعيل
). 1 البخاري ممن يحتج به في كتابه ؛ ويترك حماد ابن سلمة "(
5 - وقال ابن عدي في آخر ترجمته بعد أن ساق له عدة أحاديث : " بعض ما يرويه منكر لا
). 2 يتابع عليه، وهو في جملة من يكتب حديثه من الضعفاء "(
). 6 3- وقال الدارقطني : " خالف فيه البخاري الناس، وليس بمتروك "(
) فقال : " صدوق يخطىء ". 7 4 - ولخص هذه الأقوال ابن حجر في " التقريب "(
). وقول البغوي : " صالح 5 قلت:(الألباني) :" ولا يخالف هؤلاء قول ابن المديني : " صدوق "(
) ، لأن الصدق لا ينافي سوء الحفظ . وأما قول البغوي ؛فشاذّ مخالف لمـن تقـدم 6 الحديث "(
ذكرهم فهم أكثر وأعلم ، وكأنه لذلك لم يورده الحافظ في ترجمة عبد الرحمن هذا من "مقدمة
الفتح " ، بل ذكر قول الدارقطني وغيره من الجارحين، ولم يستطع أن يرفع من شأنه إلا بقوله
:" ويكفيه رواية يحيى القطان عنه ". وقد ساق له حديثاً مما انتقده الدارقطني على البخـاري
لزيادة تفرد بها ، فقال الدارقطني :" لم يقل هذا غير عبد الرحمن، وغيره أثبت منـه وبـاقي
الحديث صحيح ". ولم يتعقبه الحافظ بشيء بل أقره .
وبالجملة فضعف هذا الراوي بعد اتفاق أولئك الأئمة عليه أمر لا ينبغـي أن يتوقـف فيـه
باحث، أو يرتاب فيه منصف . وإن مما يؤكد ذلك ما يلي :
العلة الثانية : وهي مخالفة الإمام مالك إياه في رفعه ، فقال في " الموطأ " : عن عبد االله بن
دينار عن أبي صالح السمان أنه أخبره أن أبا هريرة قال : فذكره موقوفاً عليه وزاد : " فـي
الجنة ". فرواية مالك هذه موقوفاً مع هذه الزيادة يؤكد أن عبد الرحمن لم يحفظ الحديث فـزاد
في إسناده فجعله مرفوعاً إلى النبي صلى االله عليه وسلم، ونقّص من متنه ما زاده فيـه جبـل
الحفظ الإمام مالك رحمه االله تعالى .
انظر : ابن حبان ، محمد بن حبان بن أحمد التميمي، أبو حاتم البستي ،(ت 354هــ) ، المجـروحين ، 1
تحقيق محمود إبراهيم زايد ،ج 2 ص 52 .
انظر : الكامل في الضعفاء ، ج 4 ص 2 . 299
انظر : ابن حجر ، تهذيب التهذيب ، دار الفكر ، ط 1404 ، 1 هـ - 1984 م ، ج 6 ص 3 . 187
انظر : ابن حجر ، تقريب التهذيب ، دار الرشيد، حلب ، تحقيق: محمد عوامة ، ط 1406 ، 1هــ، ج 4 2
ص 344 .
انظر : تهذيب التهذيب ، المرجع السابق نفسه . 5
المرجع السابق نفسه . 612
وثمة دليل آخر على قلة ضبطه أن في الحديث زيادة شطر آخر بلفظ : " وإن العبـد ليـتكلم
بالكلمة من سخط االله لا يلقي لها بالاً يهو ي بها في جهنم " . فقد أخرجه الشيخان من طريـق
أخرى عن أبي هريرة مرفوعاً به إلا أنه قال :"ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد مما بـين
المشرق والمغرب ". وعند الترمذي وحسنه بلفظ :".. لا يرى بها بأساً يهوي بها سبعين خريفاً
في النار ".
وبعد فقط أطلت الكلام على هذا الحديث وراويه دفاعاً عن السنة ولكي لا يتقول متقـول، أو
يقول قائل من جاهل أو حاسد أو مغرض : إن الألباني قد طعن فـي " صـحيح البخـاري "
وضعف حديثه، فقد تبين لكل ذي بصيرة أنني لم أحكم عقلي أو رأيي كما يفعل أهل الأهواء
قديماً وحديثاً ، وإنما تمسكت بما قاله العلماء في هذا الراوي وما تقتضيه قواعدهم في هـذا
) . 1 العلم الشريف ومصطلحه من رد حديث الضعيف، وبخاصة إذا خالف الثقة"(
قلت : والقول ما قاله الشيخ الألباني من تقديم الجرح المفسر على التعـديل فـي تـضعيف
رواية عبد الرحمن بن عبد االله بن دينار في هذا الحديث وعدم ضبطه لها متنـاً وسـنداً .
وذلك لقوة الأدلة التي ساقها الشيخ من أقوال أئمة الجرح والتعديل فيه . واالله تعالى أعلـم
بالصواب .
الحديث الثاني :" كان له فرس يقال لها : الظَّرِب ، وآخر يقال له : الِّلزاز " . ولفظ البخاري
) . 2 : "كان للنبي صلى االله عليه و سلم في حائطنا فرس يقال له الَّلحيف "(
قال الشيخ الألباني :" ضعيف ، أخرجه البيهقي عن أبي بن عباس ، عن أخيـه مـصدق بـن
عباس ، عن أبيه ، قال : فذكره مرفوعاً . قلت : وهذا إسناد مرسل ضعيف ؛ مـصدق بـن
عباس ؛ لم أعرفه . وأخوه أبي بن عباس ؛ ضعيف كما في "التقريب" ، مع أنه مـن رجـال
البخاري كما يأتي ، وقد اتفقوا على تضعيفه ، منهم البخاري نفسه ؛ فقد قال :"ليس بالقوي" !
فالعجب منه كيف أخرج له هذا الحديث ؟! وقد خالفه عبد المهيمن بن عباس بن سهل ، عـن
أبيه ، عن سهل بن سعد : "أنه كان عند سعد أبي سهل ثلاثة أفراس للنبي - صلى االله عليـه
وسلم - ... (فذكرهما) والثالث : اللحيف" .وعبد المهيمن بن عباس ؛ ضعيف أيـضاً . ورواه
ابن عدي عن أبي بن عباس بن سهل ، عن أبيه ، عن جده سهل مختـصراً ؛ لـم يـذكر إلا
انظر : الألباني ، محمد ناصر الدين ، (ت 1999م) ، السلسلة الضعيفة ، دار المعارف ، الرياض ، ط 1 1
، 1412 هـ - 1992 م ، ج 3 ص 463 ، حديث رقم ( 1299) .
انظر : البخاري ، الصحيح ، كتاب الجهاد ، باب اسم الفرس و الحمار ، حـديث رقـم ، (2700) ، ج 2 3
ص 1049 . 13
"اللحيف" . وهكذا مختصراً أخرجه البخاري في "الجهاد" من "صحيحه" وهو الحديث الوحيـد
) . 1 الذي أخرجه لأبي هذا .."(
قلت :وهذا الحديث كان مثار جدل بين العلماء بسبب راويه ( أبي بن العباس) المـتكلم فيـه
من قبل أئمة الجرح ،
)،وابن عدي وقال :" يكتب حديثه وهو فرد المتون 2 فقد تكلم فيه:النسائي وقال:"ليس بالقوي"(
والأسانيد "(
3 .(
ونقل الحافظ ابن حجر قول الدولابي فقال : " قال البخاري ليس بالقوي ، وكان المزي غفـل
) . ثم أضاف 4 عن ذلك حالة النقل ، وإنما روى له البخاري في موضع واحد في ذكر خيل "(
ابن حجر : " قال ابن معين:" ضعيف"، وقال أحمد:" منكر الحديث"، وقال العقيلي:" له أحاديث
) . قلت : 5 لا يتابع على شئ منها" ، وقال الذهبي : " وإن لم يكن بالثبت فهو حسن الحديث "(
) ، ثم لخص الحافظ ابن حجر الحكم عليه قائلاً : " فيه ضعف ، 6 وذكره ابن حبان في الثقات(
وما له في البخاري غير حديث واحد "(
7 . (
قلت : ومع التسليم للشيخ الألباني بأن (أبي بن عباس) ضعيف ومتكلم فيه ، إلا أننا قد نجد
عذراً للبخاري في إخراج حديثه ؛ وذلك :
- بأن حديثه لم يكن في الأحكام ولا في العقائد .
- أن (أبي بن عباس) رواه عن أبيه(عباس) عن جده(سهل بن سعد) الـساعدي ، وهـذا
يعني أنهم من عائلة واحدة نقلت خبراً وضبطته ، ويستحيل طـروء الـوهم والخطـأ فـي
انظر : السلسلة الضعيفة ، ج 9 ص 236 ، حديث رقم ( 1 . (4226
انظر : النسائي ، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب ، (ت303هـ) ، الضعفاء والمتروكين ، دار المعرفة ، 2
بيروت ، تحقيق محمود ابراهيم زايد ، ط 1406 ، 1 هـ - 1986 م ، ص 149 .
انظر : ابن عدي ، الكامل في الضعفاء ، ج 1 ص 3 . 421
انظر : تهذيب التهذيب ، ج 1 ص 163 . قلت : مقصد كلام ابن حجر السابق أن الحافظ المـزي – فـي 4
تهذيب الكمال - نسب قول ( ليس بالقوي ) للدولابي ، والصحيح أنه قول البخاري ، فلذلك نبه عليه .انظر :
المزي جمال الدين أبي الحجاج يوسف بن عبد الرحمن ،(ت7542هـ) ، تهذيب الكمال ، مؤسسة الرسالة
، تحقيق : د.بشار عواد معروف ، ط 1985 - 1406 ، 4 م.
5
انظر : الذهبي ، ميزان الاعتدال في نقد الرجال ، دار المعرفة ، بيروت ، تحقيق: علي محمد البجاوي ، ج
.78 ص 1
انظر : ابن حبان ، محمد بن حبان بن أحمد التميمي، أبو حاتم البستي ، (ت354هـ) ، الثقات ، دار الفكر 6
، ط 1395 ، 1هـ - 1975م ، تحقيق : السيد شرف الدين أحمد ، ج 4 ص 54 .
انظر : تقريب التهذيب ، ج 1 ص 7 . 9614
روايتهم ، فيقول في الرواية : " كان للنبي صلى االله عليه و سلم في حائطنا فرس يقال له
اللحيف " .فأفراد العائلة كلهم متأكدون من الخبر ؛ لا بل عاينوه وعايشوه .
- والظاهر من صنيع البخاري أنه انتقى من حديث ( أبي بن عباس ) هذا الحديث ؛ علـى
اعتبار أنه من حديثه الصحيح ، فقد قلت بأنه ليس كل حديث الضعيف ؛ ضعيفٌ .
- ثم إن البخاري لما أخرجه لم يجد غيره في الباب ؛ فوضعه . مستأنساً بالقرائن السابقة .
الحديث الثالث :" بينا أنا قائم ، فإذا زمرة ، حتى إذا عرفتهم ؛ خرج رجل من بيني وبيـنهم
فقال : هلم . فقلت : إلى أين ؟ قال : إلى النار واالله ! قلت : وما شأنهم ؟ قال : إنهم ارتدوا
بعدك على أدبارهم القهقرى . ثم إذا زمرة ، حتى إذا عرفتهم ؛ خرج رجل من بيني وبيـنهم
فقال : هلم . قلت : أين ؟ قال : إلى النار واالله ! قلت : ما شأنهم ؟ قال: إنهم ارتدوا بعـدك
على أدبارهم القهقرى ؛ فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم ".
قال الشيخ الألباني : " شاذ ؛ بل منكر . أخرجه البخاري من طريق محمد بن فليح: حدثنا أبي
قال : حدثني هلال عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة مرفوعاً .
قلت(الألباني) : وهذا إسناد غريب، تفرد به البخاري دون مسلم وسائر أصـحاب الـصحيح،
وعلته عندي في إسناده ومتنه . أما الإسناد ؛ ففيه فليح بن سليمان ؛ وهو كما قال الحـافظ
). وقريب منه ابنه محمد بن فليح: قال الحافظ 1 نفسه في " التقريب ": "صدوق كثير الخطأ "(
2 أيضاً :" صدوق يهم "(
). وقال في ترجمته في مقدمة " الفتح " - بعد أن ذكر الخلاف فيه -:
" أخرج له البخاري نسخة من روايته عن أبيه عن هلال بن علي عن عطاء ابن يسار عن أبي
). 3 هريرة، وبعضها عن هلال عن أنس بن مالك، توبع على أكثرها عنده "(
وقال في ترجمة ( فليح ) - بعد أن حكى الخلاف فيه أيضاً -: " لم يعتمـد عليـه البخـاري
اعتماده على مالك وابن عيينة وأضرابهما، وإنما أخرج له أحاديث أكثرهـا فـي المناقـب،
). وقال الذهبي فـي " 4 وبعضها في الرقاق. وروى له مسلم حديثاً واحداً وهو حديث الإفك "(
). ومما تقدم تعلـم تـساهل 5 الكاشف "، : " قال ابن معين وأبو حاتم والنسائي: ليس بالقوي"(
الحافظ في " الفتح " بعد الحديث: " ورجال سنده كلهم مدنيون، وقـد ضـاق مخرجـه علـى
انظر : ابن حجر ، التقريب ، ج 2 ص 1 .448
المرجع السابق ، ج 2 ص 2 . 502
انظر : ابن حجر ، مقدمة الفتح ، ص 3 .442
المرجع السابق ، ص 4 .435
انظر : الذهبي ، الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة ، دار القبلة ، جدة ، ط 1413 ، 1هـ 5
- 1992م ، ج 2 ص 125 . 15
الإسماعيلي، وأبي نعيم وسائر من استخرج على " الصحيح " ؛ فأخرجوه من عدة طرق عـن
). 1 البخاري عن إبراهيم ابن المنذر عن محمد بن فليح عن أبيه "(
قلت( الألباني): ووجه التساهل واضح - بعد أن عرفت تضعيفه للوالد والولـد، وخـصوصاً
الأول منهما - ؛ فلا جرم أن أعرض عن تخريجه أصحاب الصحاح الآخرون ؛ كمسلم وأبي
). 2 عوانة، وابن حبان وغيرهم . هذا ما يتعلق بالإسناد، وهو كما ترى ضعفاً ووهناً "(
قلت : وفي هذا الحديث وجدت أن الألباني ،ضعف حديث البخاري بسبب ضـعف الـراوي (
فليح بن سليمان ، (ت 168هـ) ) وكذلك ابنه ( محمد بن فليح ،(ت197هـ) ) .والنـاظر
في ترجمة (فليح بن سليمان) يجد أن: " يحيى بن معين قال:" فليح بن سليمان ليس بقـوى
ولا يحتج بحديثه" ،وقال أبو حاتم : " ليس بالقوى " ، وقال ابن عـدي : " ولفلـيح أحاديـث
صالحة يرويها ؛ يروي عن نافع عن ابن عمر نسخة ، ويروي عن هلال بن علي عن عبـد
الرحمن بن أبي عمرة عن أبي هريرة أحاديث ، ويروي عن سائر الشيوخ من أهل المدينـة ،
مثل أبي النضر وغيره أحاديث مستقيمة وغرائب ؛ وقد اعتمده البخاري في صـحيحه وروى
عن الكثير وهو عندي لا بأس به. " ، وقال الذهبي : " كان صادقاً عالماً صاحب حديث، وما
هو بالمتين ، وقد قال الدارقطني لا بأس به، واحتج به الشيخان، وأما يحيى بن معين فقـال:
ليس بقوي، وقال مرة: ضعيف، وقال مرة: ليس حديثه بذاك الجائز.وقال أبو داود: لا يحـتج
به.وقال النسائي: ليس بالقوي " ، ..وحديثه في رتبة الحسن ".وقال ابن حجر : " قال الحـاكم
أبو أحمد :"ليس بالمتين عندهم" وقال الدار قطني:" يختلفون فيه ،وليس به بأس"، وقال ابن أبي
شيبة:" قال علي بن المديني:" كان فليح وأخوه عبدالحميد ؛ضعيفين" . وقال البرقي عـن ابـن
معين: ضعيف ، وهم يكتبون حديثه ويشتهونه. وقال الساجي:" هو من أهل الصدق؛ ويهـم" .
). 3 وذكره ابن حبان في الثقات"(
قلت : وأزيد بياناً على حسن حديثه ، وأن البخاري إنما انتقى من صحيح حديثه ، بما قالـه
ابن عدي من أن له أحاديث صالحة ، وأخرى مستقيمة ، وبما قاله الحافظ ابن حجر : " لـم
يعتمد عليه البخاري اعتماده على مالك وابن عيينة وأضرابهما وإنما أخـرج لـه أحاديـث
) . وبذلك تنزاح شبهة إخراج البخـاري لحديثـه 4 أكثرها في المناقب وبعضها في الرقاق "(
انظر : ابن حجر ، فتح الباري ، ج 11 ص 1 . 474
انظر : السلسلة الضعيفة ، ج 14 ص 1033 ، حديث رقم (2 . (6945
انظر ترجمته : ابن أبي حاتم ، الجرح والتعديل ، ج 7 ص 84 ، ابن عدي ، الكامل في الـضعفاء ، ج 3 6
ص 30 ، الذهبي ، تذكرة الحفاظ ، ج 1 ص 223 ، ابن حجر ، التهذيب ، ج 8 ص 272 .
انظر : ابن حجر ، مقدمة الفتح ، ص 435 . قلت : ويقصد ابن حجر أن البخاري تـساهل فـي إخـراج 4
حديث (فليح) فقط في الفضائل والمناقب والرقاق ، التي لا تدخل في الأحكام ولا في العقائد . 16
)!! ولا غـرو أن 1 واحتجاجه به . وعليه فالقول قول الإمام البخاري لا قول الشيخ الألبـاني(
الشيخ الألباني يقول عن حديث فليح : " فلا ضير على أصل حديثه ما دام أنه لم يتفـرد بـه
).وهذا يعني أن لفليح أحاديث صالحة . فالذي ظهر لي من صنيع الألباني مع أحاديث فليح 2 "(
:
) ، 3 * أنه يقبلها ما لم يتفرد أو يخالف .وفي هذا الحديث تفرد البخاري بإخراج حديث فلـيح(
فلم يرضه الألباني .
) . 4 * ثم إن الألباني قد اعتمد على ما لم يتفرد به (فليح) في تقوية أحاديث أخرى لتقويتها(
* ويقول عن إسناد فيه (فليح ):" ولكن لا يلزم من ذلك أن يكون سند الحديث بالذات صحيحاً
لجواز أن يكون فيه من تُكلم فيه ، وإن كان صاحب الصحيح احتج به ، فإنه يجـوز أن ذلـك
لأنه لم يثبت جرحه عنده ، أو أنه كان ينتقي من حديثه ، مع اعتقاده أن فيه ضعفاً يـسيراً لا
). 5 يسقط به حديثه جملة عنده ، خلافاً لغيره "(
قلت : وهذا ما فعله البخاري بالضبط .
قلت : وفي نهاية هذا القسم ، لا بد من الإشارة إلى أن الشيخ الألباني قد غمز بعض أسـانيد
) ، أبو بكر 6 البخاري لوجود رواة متكلم فيهم ( من رجال الصحيح ) ؛ مثل : ( خالد بن مخلد(
) ) 2 ) ، والفضيل بن سليمان( 1 بن عياش(
قلت : وقد اعترض الشيخ الألباني على البخاري إخراج حديث ( فليح بن سليمان) بشكل عام ، في عـدة 1
مواضع من ( السلسلة الضعيفة) ، وهي : حديث رقم (4839) ، ج 10 ص 396 ، حـديث رقـم
(6947) ، ج 14 ص 1037 ، حديث رقم (6950) ، ج 14 ص 142 .
انظر : الألباني ، السلسلة الصحيحة ، ج 1 ص 477 . إرواء الغليل ، المكتب الإسلامي ، بيروت ، ط 2 2
، 1405هـ - 1985م ، ج 2 ص 16 .
3
قلت : ضعف الشيخ حديثاً آخر تفرد بإخراجه البخاري من طريق فليح . انظر : السلسلة الضعيفة ، ج
14 ص 1037 ، حديث رقم (6947).
انظر : المرجع السابق ، ج 6 ص 485 ، ج 7 ص 37 ، وصحيح أبي داود ، مؤسـسة غـراس ،ط 4 ، 1
1423 هـ - 2002 م
ج 4 ص 90 .
انظر : السلسلة الضعيفة ، ج 2 ص 5 . 177
خالد بن مخلد : قال أبو حاتم :" يكتب حديثه" ، وقال أحمد بن حنبل : " له أحاديث مناكير " ، وقال ابـن 6
معين : " ما به بأس" ، وقال ابن عدي : " ولم أجد في كتبه أنكر مما ذكرته فلعله توهما منه أو حمـلا علـى
الحفظ وهو عندي إن شاء االله لا بأس به " ،وقال أبو داود : صدوق يتشيع " ، وقال ابن سعد: منكر الحـديث،
مفرط في التشيع" ،وساق له الذهبي حديثا وقال عنه : " هذا حديث غريب جدا، لولا هيبة الجامع الـصحيح
لعدوه (4) في منكرات خالد بن مخلد، وذلك لغرابة لفظه " وقال الحافظ ابن حجر :"وذكره الساجى والعقيلـي17
القسم الثاني : الأحاديث التي ضعفها الشيخ بسبب شذوذ أو غرابة أو نكارة أحد ألفاظ المتن
.
الحديث الأول :" لا عقوبة فوق عشر ضربات إلا في حد من حدود االله " .
قال الشيخ الألباني : " منكر بلفظ: "العقوبة ".أخرجه البخاري قال حدثنا عمرو بـن علـي:
حدثنا فضيل بن سليمان حدثنا مسلم بن أبي مريم حدثني عبد الرحمن بن جابر عمـن سـمع
النبي صلى االله عليه وسلم قال:... فذكره.
في الضعفاء". وقال أيضاً -راداً على بعض ما جرح به- : " أما التشيع ؛فإنه إذا كان ثبت الأخذ والأداء ؛ لا
يضره ، لا سيما ولم يكن داعية إلى رأيه ؛ وأما المناكير؛ فقد تتبعها أبو أحمد ابن عدي من حديثه ؛وأوردهـا
في كامله ،وليس فيها شيء مما أخرجه له البخاري ،بل لم أر له عنده من أفراده سوى حديث واحـد ؛وهـو
حديث أبي هريرة "من عادى لي ولياً.. الحديث"، وروى له الباقون سوى أبي داود. انظر ترجمته : ابن أبي
حاتم ، الجرح والتعديل ، ج 3 ص 354 ، ابن عدي ، الكامل ، ج 3 ص 34، الذهبي ، ميزان الاعتدال ، ج
1 ص 640 . ابن حجر ، التهذيب ، ج 3 ص 102 ، ابن حجر ، مقدمة الفتح ، ص 400 .
أبو بكر بن عياش : قال الحافظ ابن حجر : " قال أحمد ثقة وربما غلط ،وقال أبو نعيم:" لـم يكـن فـي 1
شيوخنا أكثر غلطاً منه، وسئل أبو حاتم عنه وعن شريك فقال:" هما في الحفظ سواء ؛غير أن أبا بكر أصـح
كتاباً "، وذكره ابن عدي وقال:" لم أجد له حديثاً منكراً من رواية الثقات عنه "،وقال ابن حبان:" كـان يحيـى
القطان وعلي بن المديني يسيئان الرأي فيه ؛وذلك أنه لما كبر ساء حفظه فكان يهم " ،وقال ابن سعد:" كان ثقة
صدوقاً عالماً بالحديث إلا أنه كثير الغلط " ،وقال العجلي :"كان ثقة صاحب سنة وكان يخطئ بعض الخطأ "،
وقال يعقوب بن شيبة:" كان له فقه وعلم ورواية وفي حديثه اضطراب" ، قلت (ابن حجر):"لم يرو له مـسلم
إلا شيئاً في مقدمة صحيحه، وروى له البخاري أحاديث منها في الحج بمتابعة الثوري عن عبد العزيز عـن
أنس في صلاة الظهر والعصر بمنى يوم التروية ومنها في الصوم بمتابعة ابن عيينة وآخرين عن أبي إسحاق
الشيباني عن ابن أبي أوفى في الفطر عند غروب الشمس ومنها في الفتن حديثه عن أبي حصين عـن أبـي
مريم الأسدي عن عمار أنه قال في عائشة هي زوجة نبيكم في الدنيا والآخرة وفي الحديث قصة ومنها فـي
التفسير بمتابعة جرير وغيره عن حصين عن عمرو بن ميمون عن عمر في قصة قتله وقصة الشورى" .انظر
: مقدمة الفتح ، ص 455 . وقال في "التقريب" : " ثقة عابد ، إلا أنه لما كبر ، سـاء حفظـه ، وكتابـه
صحيح " . انظر : ج 2 ص 624 .
فضيل بن سليمان النميري أبو سليمان البصري . قال الحافظ ابن حجر :" قال الساجي:" كـان صـدوقاً 2
وعنده مناكير"، وقال ابن معين :"ليس بثقة "،وقال أبو زرعة :"لين الحديث ؛روى عنه علي بن المديني ،وكان
من المتشددين"، وقال أبو حاتم :"يكتب حديثه وليس بالقوي "،وقال النسائي:" ليس بالقوي" . قلت(ابن حجـر)
:"روى له الجماعة ، وليس له في البخاري سوى أحاديث توبع عليها" وقال ابن حجر في" التقريب :" صدوق
له خطأ كثير" . انظر : ج 2 ص 447 ، وانظر له : مقدمة الفتح ، ص 435. 18
قلت( الألباني) : هذا اللفظ بهذا الإسناد من أفراد البخاري، وعلته: الفضيل هذا ؛ فإنه - كما
قال الحافظ -:
"صدوق له خطأ كثير، وإنما روى له البخاري متابعة" - كما حققه الحافظ في " مقدمة الفتح "
-، وهذا الحديث من هذا القبيل، فإنه إنما ساقه عقب روايته بإسناده عن سليمان بن يسار عن
عبد الرحمن بن جابر بن عبد االله عن أبي بردة رضي االله عنه قال: كان النبي صلى االله عليه
وسلم يقول: فذكره بلفظ:" لا يجلد فوق عشر جلدات... " الحديث.وبهذا اللفظ رواه بقية الـستة
وغيرهم ..وإن من تساهل الحافظ تجاه " صحيح البخاري " أنه بدل أن يحقق في هذا الحـديث
ما استفدناه منه - من تضعيفه لراويه (فضيل )- أغفل الكلام عنه ؛ بل وذكر متابعاً للبخاري
في روايته إياه عن عمرو بن علي، ألا وهو ( علي بن إسماعيل بن حماد )، والبخاري لـيس
بحاجة لمتابع - كما لا يخفى -، هذا لو كان ( علي ) هذا ثقة ؛ فكيف وهو - كما في "اللسان
" - كان اختلط في آخر عمره ؟! ولو جاز لنا أن نحابي الإمام البخاري ؛ لقلنا: إنه قد توبـع
الفضيل على لفظه، ولكن معاذ االله! أن نحابي في حديث رسول االله صلى االله عليه وسلم أحداً
؛ ذلك لأن المتابع مثل المتابع أو أسوأ منه - كما يأتي - ؛ فقد قال ابن أبي حاتم في " العلل "
:" سألت أبي عن حديث رواه المسيب بن واضح عن حفص بن ميسرة عن مسلم بن أبي مريم
عن ابن جابر عن جابر قال: قال رسول االله صلى االله عليه وسلم:... ( فذكر الحديث ) ؟ قال
أبي:هذا خطأ ؛ والصحيح ما رواه ابن وهب عن عمرو بن الحارث ".
قلت(الألباني): يشير إلى حديث سليمان بن يسار - المتقدم آنفاً -... عن أبي بردة، وكان قـد
ذكره من طريق عمرو -المذكور- والليث عن بكير بن الأشج عن سليمان به، وقـال: إنـه
أصح .
والمسيب بن واضح : من شيوخ أبي حاتم، وقد ذكر ابنه عنه في " الجرح " أنه سئل عنـه ؟
). 1 فقال:"صدوق، كان يخطئ كثيراً ، فإذا قيل له ؛ لم يقبل ". وضعفه الدارقطني"(
قلت : إن غمز الشيخ الألباني لإسناد البخاري الذي فيه ( فضيل بن سليمان ) لـه وجـه ،
وذلك لأن (فضيل ) متكلم فيه بالفعل من حيث أنه له مناكير ، وأنه كثير الخطأ – كمـا مـر
معنا – ولكن لا بد من النظر في كيفية إخراج البخاري لحديثه !
في بداية الباب أخرج البخاري حديث سليمان بن يسار عن عبد الرحمن بن جابر بن عبـد االله
عن أبي بردة ؛ بلفظ ( لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود االله) .
ثم قام بذكر حديث (فضيل بن سليمان) عن مسلم بن أبي مريم حدثني عبد الرحمن بن جـابر
عمن سمع النبي ...بلفظ ( لا عقوبة فوق عشر ضربات إلا في حد من حدود االله) .
انظر : السلسلة الضعيفة ، ج 14 ص 1056 ، حديث رقم ( 1 . (6959 19
ثم وفي نهاية الباب ذكر حديث يحيى بن سليمان حدثني ابن وهب أخبرني عمرو أن بكيـراً
حدثه قال بينما أنا جالس عند سليمان بن يسار إذ جاء عبد الرحمن بن جابر فحدث سليمان بن
يسار ثم أقبل علينا سليمان بن يسار فقال حدثني عبد الرحمن بن جابر أن أباه حدثه أنه سـمع
) . 1 أبا بردة الأنصاري قال...بلفظ (لا تجلدوا فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود االله)(
قلت : فالظاهر من صنيع البخاري أنه أخرج حديث ( فضيل ) بين الحديثين السابقين لبيان :
أولاً : أن فضيل لم يضبط لفظ الحديث ، ولم يقِم إسناده .
ثانياً : لبيان الراوي المجهول في رواية (فضيل) وهو في قوله ( عمن سـمع النبـي ) ففـي
الحديث الأول يظهر أن عبد الرحمن بن جابر رواه عن أبي بردة ، ثـم فـي الحـديث
) . 2 الثالث رواه عبد الرحمن بن جابر عن أبيه(جابر) عن أبي بردة!(
ثالثاً : ذَكَر حديث (فضيل ) حتى لا يستدرك (على البخاري) بأن هناك لفظ آخر لمتن الحديث
رواه (فضيل) .
رابعاً :قلت : وأخرج عبد الرزاق هذا الحديث بمثل لفظ (فضيل ) ؛ فقال أخبرنا ابن جـريج
قال وأخبرني مسلم بن أبي مريم أن عبد الرحمن بن جابر بن عبد االله أخبره عن رجـل مـن
الأنصار أن النبي صلى االله عليه و سلم قال:" لا عقوبة فوق عشرة أسواط إلا أن يكون في حد
) . 3 من حدود االله "(
قلت : وفي هذا الحديث يقول ابن جريج ( أخبرني ) .وهي متابعة صحيحة منه لفضيل ؛ مما
يعني أن فضيل وابن جريج روياه (بلفظ واحد وهو "لا عقوبة" ) ، وهذا يعني أن فضيل حفظ
متن الحديث . وأيضاً فيه إبهام الصحابي ( والجهالة بالصحابي لا تضر ) قال الحـافظ ابـن
حجر : " ولم يقدح هذا الاختلاف عن الشيخين في صحة الحديث فإنه كيفما دار يدور على ثقة
)" 4 .(
انظر : البخاري ، الـصحيح ، بـاب كـم التعزيـر والأدب ، ج 6 ص 2512-2511 .حـديث رقـم ( 1
.(6458 ،6456،6457
قلت : وقد بين الترمذي أن قوله عن أبيه ، خطأ ، والصواب عن أبي بردة . انظر : الترمذي ، محمد بن 2
عيسى،(ت279هـ) ، السنن ، دار إحياء التراث العربي، بيروت ، تحقيق : أحمد محمد شـاكر ، ج 4 ص
. 63
انظر : عبد الرزاق الصنعاني ، المصنف ، المكتب الإسلامي ، بيروت ، ط 1403 ، 2هـ ، تحقيق : 3
حبيب الرحمن الأعظمي
ج 7 ص 413 .
انظر : فتح الباري ، ج 12 ص 4 . 17720
وبناء على القرائن السابقة فإن استنكار الشيخ الألباني على الإمام البخاري لا وجه له مـع
وجود المتابع لـ(فضيل) .
ثم إن الشيخ الألباني قد ذكر أن (أبا حاتم) صحح رواية ابن وهب عن عمرو بـن الحـارث
وقدمها ؟!
قلت : إن أبا حاتم إنما كان تعليقه على الزيادة في الإسناد ، فصحح الإسناد الذي فيه الزيـادة
وهي( عن أبيه ) فقال ابن أبي حاتم : " سألت أبي عن حديث ؛ رواه الليث ، عن بكيـر بـن
الأشج ، عن سليمان بن يسار ، عن عبد الرحمن بن جابر ، عن أبي بردة بن نيـار ،
عن النبي صلى االله عليه وسلم ، قال : لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود االله.
قال أبي : رواه ابن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، عن بكير بن الأشج ، عن سـليمان بـن
يسار ، عن عبد الرحمن ابن جابر ، عن أبيه ، عن أبي بردة بن نيار ، عن النبي صلى االله
عليه وسلم ، قال : لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد.
قال أبي : رواه حفص بن ميسرة ، عن مسلم بن أبي مريم ، عن ابن جابر ، عن جابر ، عن
النبي صلى االله عليه وسلم.
). 1 قلت لأبي : أيهما أصح ؟ قال : حديث عمرو بن الحارث"(
قلت : ولم أقف على تعليق من أبي حاتم على لفظ( لا عقوبة) ، ولفظ( لا يجلد) .
ثم إن البخاري – الله دره – اعتمد أولاً على حديث سليمان بن يسار عن عبد الـرحمن بـن
جابر بن عبد االله عن أبي بردة ؛ بلفظ ( لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود االله)
.وهذا الذي ارتضاه فوضعه أول حديث في الباب ، ثم ذكر بعده الحديثين اللذين يوجد فيهما
المشاكل في الإسناد وفي اللفظ .
لذلك فلا يعاب عليه إخراج مثل هذا الحديث ، فالبخاري له جملة من الأغراض فـي كيفيـة
) . 2 وضع أحاديث الباب من حيث بيان ( السماعات أو بيان الوصل والإرسال أو غيرها )(
الحديث الثاني : " بينا أنا قائم ، فإذا زمرة ، حتى إذا عرفتهم ؛ خرج رجل من بيني وبينهم
فقال : هلم . فقلت : إلى أين ؟ قال : إلى النار واالله ! قلت : وما شأنهم ؟ قال : إنهم ارتدوا
بعدك على أدبارهم القهقرى . ثم إذا زمرة ، حتى إذا عرفتهم ؛ خرج رجل من بيني وبيـنهم
انظر : ابن أبي حاتم ، (327هـ)، علل الحديث ، مكتبة الرشد ، ط 1424 ، 1هــ- 2003م ، تحقيـق: 1
د.إبراهيم اللاحم ، ج 2 ص 155 .
قلت : وهذه الأغراض ظهرت جلية لي في أثناء مرحلة دراسة الدكتوراة ، حيث أشار إلى هذه الأغراض 2
فضيلة الأستاذ الدكتور عبد الكريم الوريكات حفظه االله تعالى وتتبعناها . 21
فقال : هلم . قلت : أين ؟ قال : إلى النار واالله ! قلت : ما شأنهم ؟ قال: إنهم ارتدوا بعـدك
على أدبارهم القهقرى ؛ فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم "
قلت :قد ذكرت أن الشيخ الألباني ضعف هذا الحديث لعلتين :
الأولى : أسناده وفيه فليح بن سليمان وابنه . وتكلمت عليه .
الثانية : متنه . وهي مدار بحثي في هذا القسم .
قال الشيخ الألباني : " وهذا إسناد غريب، تفرد به البخاري دون مـسلم وسـائر أصـحاب
الصحيح، وعلته عندي في إسناده ومتنه ... وأما ما يتعلق بالمتن: ففيه مخالفـة لأحاديـث
الحوض الكثيرة جداً ، وهي قد جاوزت الثلاثين حديثاً أو قريباً من ذلك عند البخاري وغيـره
،...
ويمكن حصر المخالفة فيما يأتي:
أولا: قوله: " بينا أنا نائم ". فجعل القصة رؤيا منامية، والأحاديث كلها خالية عن هذه الزيادة
المنكرة، ومن غرائب الحافظ ابن حجر أنه تأولها ؛ فقال :"( بينا أنا نـائم ) ؛ كـذا بـالنون
للأكثر، وللكشميهيني! "قائم ".. بالقاف، وهو أوجه، والمراد به: قيامه علـى الحـوض يـوم
القيامة، ووجه الأول بأنه رأى في المنام في الدنيا ما سيقع له في الآخرة ".
قلت: هذا تأويل، والتأويل فرع التصحيح - كما يقول العلماء -، ولا بأس بمثلـه لـو كـان
الراوي له ثقة جبلاً في الحفظ، وهيهات هيهات . ولو أننا سلمنا جدلاً بصحة هـذا التأويـل ؛
فيرد عليه الوجوه التالية:
ثانيا: قوله: "خرج رجل من بيني وبينهم - مرتين -، منكر أشد الإنكار رواية ومعنى ؛ أمـا
الرواية: فلأنه مخالف لكل أحاديث الحوض عن أبي هريرة وغيره، وهي على ثلاث روايات
بعد قوله عليه السلام: " فأقول: يارب!
أصحابي. قال: فيقول... "، وفي رواية ثانية: " فيقال "، زاد مسلم في رواية عن أبي هريرة: "
فيجيبني ملك، فيقول:... ".
وأما من حيث المعنى فواضح ؛ لأن القائل هو: االله، والمبلغ هو: الملك، وكأن الحـافظ ابـن
حجر رحمه االله غفل عن هذه الحقائق فقال :"المراد بالرجل: الملك الموكل بذلك، ولـم أقـف
على اسمه، وهذا من الغرابة بمكان ؛ فإن الرجل لغة هو: الذكر البالغ من بني آدم، والملائكة
لا توصف برجولة ولا أنوثة". 22
ثالثا: أنه جعل الذين ارتدوا القهقرى زمرتين، وهذا ما تفرد به هـذا الحـديث المنكـر. واالله
). 1 سبحانه وتعالى أعلم"(
قلت " العجب كل العجب من انتقاد الشيخ الألباني للحافظ ، وذلك :
أولاً : قول الألباني : "فجعل القصة رؤيا منامية ، والأحاديث كلها خالية عن هـذه الزيـادة
المنكرة " !
قلت :إن قوله هذا مردود برواية الأكثر لهذا اللفظ ( بينما أنا نائم) .ثم لا يوجد مانع مـن أن
يكون في المنام ! لأن رؤيا النبي صلى االله عليه وسلم حق . وهناك أحاديـث كثيـرة فـي
صحيح البخاري وغيره ، عن النبي صلى االله عليه وسلم يقول فيها :"بينما أنا نـائم " ؛
أي أنه رأى في المنام في الدنيا ما سيقع له في الآخرة وهـذا لـيس بمـستبعد لموافقتـه
للأحاديث الصحيحة التي رواها البخاري وغيره ، يحدث فيها عن أحداث الآخرة وما يحصل
) .ولا أدري ما وجه النكارة فيها ؟! 2 فيها(
ثانياً : قول الألباني :" قوله: "خرج رجل من بيني وبينهم - مرتين -، منكـر أشـد الإنكـار
رواية ومعنى" .
قلت : وهذا الإنكار مستنكر منه رواية ومعنىً ، فأما روايةً ؛ فإن الشيخ الألباني استدل على
استنكاره برواية أبي هريرة قوله :" فأقول: يارب!أصحابي. قال: فيقول... "، وفـي روايـة
ثانية: " فيقال "، زاد مسلم في رواية عن أبي هريرة: " فيجيبني ملك، فيقول:... ".
فرواية الإمام مسلم ترد عليه وهي قوله : " فيجيبني ملك، فيقول.." ، وفيه دلالة على وجـود
حوار للنبي صلى االله عليه وسلم مع أحد الملائكة .
وأما من ناحية المعنى ؛ فاستنكر الشيخ الألباني أن يكون الملك رجلاً !!فقال : " فإن الرجـل
لغة هو: الذكر البالغ من بني آدم، والملائكة لا توصف برجولة ولا أنوثة" ؟!
قلت : إن الأحاديث الصحيحة الكثيرة تخبر بأن االله تعالى كان يرسل الملك على هيئة رجل ،
فليس المراد ذكر أو أنثى،ويدل على هذا حديث:"بينا نحن عند رسول االله -صـلى االله عليـه
انظر : السلسلة الضعيفة ، ج 14 ص 1034 ، حديث رقم ( 1 . (6945
انظر : البخاري ، الصحيح ، ج 3 ص 1270 ، وفيه : " بينما أنا نائم أطوف بالكعبة فإذا رجل آدم سـبط 2
الشعر..." ، وقول النبي : " بينما أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب..." ، الصحيح، ج 3 ص 1325 ،
وقوله:" بينما أنا نائم رأيتني في الجنة فإذا امرأة تتوضأ.."، الصحيح ، ج5 ص 2004 ، وقوله : " بينما أنـا
نائم رأيت الناس يعرضون علي وعليهم قمص .." ،الصحيح ، ج 6 ص 2571 .وقوله:" بينا أنا نائم رأيت
أنى أنزع على حوضى أسقى الناس"، الصحيح ، ج 6 ص 2576.23
) ، وحديث : ما كنت بأعلم به من رجل منكم وأنـه 1 وسلم- إذ طلع علينا رجل شديد بياض."(
) . 2 لجبريل عليه السلام نزل في صورة دحية الكلبي.."(
ثالثاً : قول الشيخ الألباني : " أنه جعل الذين ارتدوا القهقرى زمرتين" ، فاعتبر قوله زمرتين
؛" مما تفرد به هذا الحديث المنكر" .
قلت : وما المانع من كونهما زمرتين ، زمرة من الكفار وزمرة من العصاة ! أو زمرة مـن
المرتدين وزمرة من المنافقين ، أو زمرة من أصحاب الكبائر وزمرة من الظلمة المترفـون
في الجور .أو زمرة تشمل كل مبتدع في الدين وزمرة رأت النبي وغيرت وهم الـذين قـال
) . واالله تعالى أعلم بالصواب . 3 عنهم في الحديث ( أصحابي)(
الحديث الثالث : " إذا وسد الأمر إلى غير أهله ؛ فانتظر الساعة " .
) من طريق فليح بن سليمان ، 4 قال الشيخ الألباني : " ضعيف . أخرجه (البخاري ، وأحمد)(
فأما البخاري فقال :حدثنا محمد بن سنان قال حدثنا فليح ( ح ) . وحدثني إبراهيم بن المنذر
قال حدثنا محمد بن فليح قال حدثني أبي قال حدثني هلال بن علي عن عطاء بن يـسار عـن
أبي هريرة قال :" بينما النبي صلى االله عليه وسلم في مجلس يحدث القوم، جاءه أعرابي فقال:
متى الساعة ؟ فمضى رسول االله صلى االله عليه وسلم يحدث . فقال بعض القوم : سمع ما قال
، فكره ما قال ؛ وقال بعضهم: بل لم يسمع .حتى قضى حديثه قال :" أيـن - أراه - الـسائل
عن الساعة " ؟ قال: ها أنا يا رسول االله! قال :" فإذا ضيعت الأمانة ؛ فانتظر الساعة ". قـال:
كيف إضاعتها ؛ قال:... فذكره .
انظر : مسلم ، الصحيح ، باب معرفة الإيمان والإسلام والقدر وعلامة الساعة ، ج 1 ص 1 . 28
انظر ، النسائي ، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب ، (ت303هـ) ، السنن الكبرى ، دار الكتـب العلميـة 2
،بيروت ،ط 1411 ، 1هـ - 1991م ، تحقيق : د.عبد الغفار سليمان البنداري ، ج 6 ص 528 .
انظر : المباركفوري، محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم أبو العلا ،(ت 1353هـ) ، تحفة الأحوذي بشرح 3
جامع الترمذي ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ج 7 ص 93 .قلت : وقال البدر العيني : " وهذا يشعر بأنهم
صنفان كفار وعصاة " . انظر : البدر العيني ، عمدة القاري شرح صحيح البخاري ، ج 33 ص 409 .
انظر : البخاري ، الصحيح ، ج 1 ص 33 ، باب من سئل علما وهو مشتغل في حديثه فأتم الحـديث ثـم 4
أجاب السائل ، و ج 5 ص 2382 ، باب رفع الأمانة . أحمد ، المسند ، ج 2 ص 361 . 24
قلت(الألباني): وهذا إسناد ضعيف، تفرد به البخاري دون بقية الـستة وسـائر المـشاهير،
وعلته : فليح بن سليمان ؛ فإنه - وإن كان صدوقاً ؛ فهو - كثير الخطأ ؛ كما صـرح بـه
) . 1 أعرف الناس برجال البخاري ؛ ألا وهو الحافظ ابن حجر العسقلاني "(
قلت : نسب الشيخ الألباني إلى الإمام البخاري تفرده برواية إسناد هذا الحديث .
وهذا الحديث رواه الإمام البخاري في موضع آخر من صحيحه في كتاب الرقـاق(
)، لكنـه 2
أورده مختصراً، وأورده من طريق محمد بن سنان -بهذا الإسـناد الـذي ذكـره فـي هـذا
الموضع- أن النبي صلى االله عليه وسلم قال: " إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة ؛قال: وكيف
إضاعتها يا رسول االله؟! قال: إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة" .
وكذلك روى هذا الحديث من أئمة الحديث :
) ؛ بهذا الإسناد الـذي أورده 1 3- الإمام أحمد قال: حدثنا يونس و سريج ، قالا : حدثنا فليح(
البخاري في صحيحه
و يونس هو ابن محمد المؤدب ، و سريج هو ابن النعمان .
2- الإمام البيهقي من طريق أحمد بن علي الخزاز قال: حدثنا سريج بن النعمان ، قال: حدثنا
). 4 فليح .وساق هذا الإسناد(
3-الإمام ابن حبان من طريق محمد بن المثنى قال: حدثنا عثمان بن عمر ، قال: حدثنا فليح
بن سليمان .
). 5 بهذا الإسناد(
6 إذاً: الرواة عن فليح بن سليمان : ابنه محمد بن فليح ، و محمد بن سنان عند البخاري(
) ، و
يونس بن محمد و سريج بن النعمان عند أحمد ، و عثمان بن عمر عند ابن حبـان ، هـؤلاء
خمسة يروون هذا الحديث عن فليح بن سليمان ، عن هلال بن علي ، عن عطاء بن يـسار ،
عن أبي هريرة رضي االله عنه.
انظر : السلسلة الضعيفة ، ج 14 ص 1037 ، حديث رقم ( 1 . (6947
انظر : البخاري ، الصحيح ، ج 5 ص 2 . 2382
انظر : أحمد ، المسند ، ج 2 ص 3 . 361
4
انظر : البيهقي ، السنن الكبرى ، باب لا يولى الوالي امرأة ولا فاسقاً ولا جاهلاً أمر القضاء ، ج 10 ص
. 118
انظر : ابن حبان ، الصحيح ، ذكر الخبر الدال على إباحة إعفاء المسؤول عن العلم عن إجابة السائل على 5
الفور ، ج 1 ص 307 .
قلت : الإمام البخاري روى هذا الحديث من طريقين له عن فليح بن سليمان ؛ بإسناد عال وإسناد نـازل، 6
والراوي المشترك بين الإسنادين محمد بن فليح . 25
قلت : وبذلك لم ينفرد البخاري بإخراج حديث فليح هذا ، بل كلهم ذكره على سبيل الاحتجاج
، فالبخاري رواه عن ( محمد بن فليح و محمد بن سنان) واشترك معهما (يونس بن محمـد
وسريج بن النعمان وعثمان بن عمر ) فخمسة من الرواة رواه عن فليح مما يعني :
1- صحة ضبط فليح للحديث ، يعني أنه حفظه .
2- صحة إخراج البخاري لحديث فليح هذا مما يعني أنه كان ينتقي من حديثه – كما مر
. -
3- وبذلك فلا وجه لإعلال الشيخ الألباني لهذا الحديث بتفرد البخاري به من طريق فليح
.
واالله تعالى أعلم بالصواب .
القسم الثالث : إدراج لفظ زائد في الحديث وهو ليس منه .
حديث : إن أمتي يأتون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن
يطيل غرته فليفعل ".
قال الشيخ الألباني :" مدرج الشطر الآخر .وإنما يصح مرفوعا شطره الأول، وأما الشطر
الآخر : " فمن استطاع.. " فهو من قول أبي هريرة أدرجه بعض الرواة في المرفوع، وإليك
البيان :
) والبيهقي وأحمد عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن نعيم 1 أخرجه البخاري(
المجمر أنه قال : رقيت مع أبي هريرة على ظهر المسجد، وعليه سراويل من تحت قميصه،
فنزع سراويله، ثم توضأ، وغسل وجهه ويديه، ورفع في عضديه الوضوء، ورجليه، فرفع
في ساقيه، ثم قال : إني سمعت رسول االله صلى االله عليه وسلم يقول : فذكره . والسياق
لأحمد ، وليس عند البخاري ذكر السراويل والقميص ولا غسل الوجه والرجلين .
ثم أخرجه مسلم والبيهقي أيضاً من طريق عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال به . أنه
رأى أبا هريرة يتوضأ فغسل وجهه ويديه حتى كاد يبلغ المنكبين، ثم غسل رجليه حتى رفـع
إلى الساقين، الحديث مثله، وابن أبي هلال مختلط عند الإمام أحمد، لكنه توبع ، ...ثم أخرجه
أحمد من طريق فليح بن سليمان عن نعيم بن عبد االله به بلفظ : أنه رقى إلى أبي هريرة على
ظهر المسجد، فوجده يتوضأ، فرفع في عضديه، ثم أقبل علي فقال : إني سمعت رسول االله
انظر : البخاري ، الصحيح ، باب فضل الوضوء والغر المحجلون من آثار الوضوء ، ج 1 ص 1 . 63 26
صلى االله عليه وسلم يقول : فذكره بلفظ :" إن أمتي يوم القيامة هم الغر المحجلون... " إلا أنه
زاد : فقال نعيم : لا أدري قوله : " من استطاع أن يطيل غرته فليفعل " من قول رسـول االله
صلى االله عليه وسلم أو من قول أبي هريرة !
قلت(الألباني) : و فليح بن سليمان وإن احتج به الشيخان ففيه ضعف من قبل حفظه، فـإن
كان قد حفظه، فقد دلنا على أن هذه الجملة في آخر الحديث : " من استطاع... " قـد شـك
نعيم في كونها من قوله صلى االله عليه وسلم، وقد قال الحافظ في " الفـتح " :ولـم أر هـذه
الجملة في رواية أحد ممن روى هذا الحديث من الصحابة وهم عشرة، ولا ممن رواه عن أبي
هريرة غير رواية نعيم هذه، واالله أعلم.
قلت(الألباني) : ... وقد حكم غير واحد من الحفاظ على هذه الجملة أنها مدرجة في الحديث
). 1 من كلام أبي هريرة ،كالمنذري وابن تيمية وابن القيم ... "(
قلت : في هذا الحديث أشار الشيخ إلى ضعف الزيادة الموجودة في الشطر الأخير من الحديث
: " فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل" .وأما باقي الحديث من شطره الأول فهو صحيح
) 2 ومخرج في ( السلسلة الصحيحة )(
ولا بد من الاطلاع على أقوال أئمة النقد في هذه المسألة ، ومقارنتها بـأقوال الـشيخ ففيهـا
وقفات طويلة ؟!
قلت : هذا الحديث أخرجه البخاري قال : حدثنا يحيى بن بكير قال حدثنا الليث عن خالد عـن
سعيد بن أبى هلال عن نعيم المجمر قال رقيت مع أبى هريرة على ظهر المـسجد ، فتوضـأ
فقال إني سمعت النبي - صلى االله عليه وسلم - يقول : "إن أمتي يدعون يوم القيامـة غـراً
) . 3 محجلين من آثار الوضوء ، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل"(
وعلق الشيخ الألباني قائلا : "وليس عند البخاري ذكر السراويل والقميص ولا غـسل الوجـه
والرجلين " .
انظر : السلسلة الضعيفة ، ج 3 ص 109 -104 . ، حديث رقم( 1 . (1030
انظر : ج 1 ص 251 . ج 6 ص 335 . وقال الشيخ : متفق عليه دون الزيادة . 2
انظر : البخاري، أبو عبداالله محمد بن إسماعيل الجعفي ، الجامع الصحيح المختصر ، دار ابـن كثيـر ، 3
بيروت ، تحقيق : د. مصطفى ديب البغا ، ط 1407 ، 3هـ - 1987م ، كتاب الوضـوء ، بـاب فـضل
الوضوء والغر المحجلون من آثار الوضوء ، ج 1 ص 63 .27
قلت : لو كانت الطريق التي فيها ذكر السراويل والقميص وغسل الوجـه والـرجلين علـى
شرطه لذكرها ، ولكنها ليست كذلك ، وفي المقابل لو كان لفظ ( فمن استطاع منكم ..) لـيس
على شرطه - أي معلولاً - لما أخرجه أيضا . فتأمل !!! . ولا غرو أنه اتفق مع مسلم على
إخراج لفظ : " إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين ، ...، فمن استطاع منكم ..".
وأخرجه مسلم ، قال : وحدثني هارون بن سعيد الأيلى حدثني ابن وهب أخبرني عمرو بـن
الحارث عن سعيد بن أبى هلال عن نعيم بن عبد االله أنه رأى أبا هريرة يتوضأ فغسل وجهـه
ويديه حتى كاد يبلغ المنكبين ، ثم غسل رجليه حتى رفع إلى الساقين ، ثـم قـال: سمــعت
رسول االله - صلى االله عليه وسلم - يقول : " إن أمتي يأتون يوم القيامة غراً محجلين من أثر
) . 1 الوضوء ، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل "(
ثم إن الناظر في أحاديث الشيخين ( البخاري ومسلم ) يلحظ أنهما أخرجا لفظ أبي هريـرة : "
) . 2 سمعت رسول االله صلى االله عليه وسلم .." وفيه الزيادة(
ثم إن الدكتور حمزة المليباري قد ذكر أن من منهجية الإمام مسلم في ترتيب أحاديث البـاب
الواحد، أنه يرتبها من الأصح ثم الصحيح ثم يختم الباب بما كان يوجد فيه علة – إن وجدت –
)
3 . (
وهذا الحديث لم يشر الإمام مسلم إلى شيء معلول فيه ، بل أخرج الحديث من طريقين شارك
البخاري في إحداها.
وقد سأل ابن أبي حاتم أباه عن حديث رواه مطلب بن زياد عن ليث عن طـاوس عـن أبـي
هريرة عن النبي - صلى االله عليه وسلم - أنه قال:" أنتم الغر المحجلون من آثار الطهـور،
انظر : شرح صحيح مسلم ، النووي ، كتاب الطهارة ، باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء ، 1
ج 3 ص 483-482. قلت : وأخرجه من طريق سليمان بن بلال حدثني عمارة بن غزية عن نعيم به . نحوه
.وفيه الزيادة ( فمن استطاع ..) .
قلت : ومما استفده من فضيلة الدكتور عبد الكريم الوريكات في مادة (مناهج المحدثين ) المقـررة علـى 2
طلاب ( دكتوراه حديث ) ، أنه كان للإمام البخاري جملة أغراض من إيراد التعاليق والمتابعات في صحيحه
، وكان منها أنه يشير إلى بعض الطرق المعلولة فيوردها في المتابعات أو يعلقها ، وذلك حتـى لا يـستدرك
عليه مثل هذه الطريق . وفي هذا الحديث (فمن استطاع ...) الذي أعله الشيخ الألباني بالإدراج لم نجـد لـه
متابعات عند الإمام البخاري ، وقد يفْهم من هذا أنه يشير إلى صحة الحديث بأكمله مع الزيادة ، وأنها ليـست
مدرجة !!
انظر ، المليباري ، عبقرية الإمام مسلم ، دار ابن حزم ،بيروت ، ط 1418، 1هـ - 2003م ، ص 3 -30
.37
28
فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل" ، قال أبي إنما هو ليث عن كعب عن أبي هريـرة
عن النبي - صلى االله عليه وسلم - . قلت : فلم يعله بالإدراج .
ثم إن الدارقطني ذكره في (علله) : فسئِل عن "حديث أبي صالح عن أبي هريرة وعـن أبـي
التياح عن أبي زرعة عن أبي هريرة جميعا أن النبي صلى االله عليه وسـلم قـال : " إنكـم
محشورون يوم القيامة محجلين من آثار الوضوء ، فأعرفكم بذلك ، فمن اسـتطاع مـنكم أن
يطيل غرته فليفعل " ، فقال : يرويه شعبة واختلف عنه .."
قلت : فذكر الاختلاف على شعبة ، ولم يشر إلى الزيادة ولم يعله بالإدراج .وقد أعلّ أحاديث
) . وأما كلام الحافظ ابن حجر : " ...ولم أر هذه الجملة في رواية أحد ممن 1 كثيرة بالإدراج(
روى هذا الحديث من الصحابة وهم عشرة ولا ممن رواه عن أبي هريرة غير روايـة نعـيم
) .فكلامه غير دقيق ! 2 هذه.."(
فقد ذكر أبو نعيم في (الحلية ) متابعة ذكوان (أبي صالح) و أبي زرعة لنعيم المجمـر ،
فقال : حدثنا علي بن أحمد بن علي المصيصي ، ثنا أيوب بن سليمان القطان ، بالمصيـصة
ثنا علي بن زياد المتوني ، ثنا يحيى بن أبي بكير، ثنا شعبة ، عن الأعمش ، عن ذكوان أبـي
صالح عن أبي هريرة . وعن أبي التياح ، عن أبي زرعة عن أبي هريرة جميعا أن النبي -
صلى االله عليه وسلم - قال : " إنكم محشورون يوم القيامة محجلين مـن آثـار الوضـوء ،
فأعرفكم بذلك " ، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل ، فكان أبو هريرة يتوضـأ فيبلـغ
بالماء خلف المرفقين وخلف الكعبين ، ويقول : إني أحب أن تطول غرتي بالحليـة يريـد أن
الغرة تبلغ حيث يبلغ الوضوء ".قال أبو نعيم :غريب من حديث شعبة لم نكتبه إلا من حديث
يحيى بن أبي بكير "(
3 . (
) ، ذكره ولم يعله بالإدراج أيضاً . 4 قلت : والعراقي في تخريجه ( للإحياء )(
انظر : الدارقطني ، أبو الحسن علي بن عمر (ت385هـ) ، علل الدارقطني ، دار طيبة الرياض ، 1
شارع عسير ، ط 1405 ، 1 هـ - 1985 م ، تحقيق وتخريج : د. محفوظ الرحمن زين االله ، ج 2 ص 95
، ج 3 ص 57 ، ج 5 ص 128 ، ج10 ص 317
انظر : ابن حجر ، فتح الباري ، ج 1 ص 2 . 236
الأصبهاني ، أبو نعيم أحمد بن عبد االله (ت 218هـ) ، حلية الأولياء وطبقات الأصفياء ، دار الكتاب 3
العربي ،بيروت ، ط 1405 ، 4هـ .ج 7 ص 206 . قلت : ويحيى بن أبي بكير ثقة . انظر : ابن حجر ،
التقريب ، ج 2 ص 58 .
العراقي ، زين الدين عبد الرحيم بن الحسين ،( ت 806هـ) ، المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في 4
تخريج ما في الإحياء من الأخبار ، مكتبة دار طبرية ، ط 1415 ، 1هـ - 1995م ، ج 1 ص 82 .29
وأما قول الشيخ الألباني : " و فليح بن سليمان وإن احتج به الشيخان ففيه ضعف مـن قبـل
حفظه ، فإن كان قد حفظه ، فقد دلنا على أن هذه الجملة في آخر الحديث : " من استطاع... "
قد شك نعيم في كونها من قوله صلى االله عليه وسلم " . فقد أعلّ الشيخ أحاديث بقولـه : "
وإذا ورد الاحتمال بطل الاستدلال " فكيف وقد ورد الاحتمال من طريق من مِثلُه مِثل فليح بن
سليمان الضعيف في حفظه !!والذي ضعف به الشيخ أحاديثه كما بينت!
فأدلة الشيخ التي استدل بها مرجوحة بما بينت ، وعليه فالزيادة ليست مدرجة بل هي صحيحة
من حديث رسول االله صلى االله عليه وسلم . ودعوى الإدراج بحاجة إلى دليل . ولا دليـل
في هذا الحديث على الإدراج سوى ما نقله الشيخ الألباني من نقول عن ( المنذري و ابن تيمية
و ابن القيم و العسقلاني ) . واالله تعالى أعلم بالصواب .
القسم الرابع : اضطراب السند والمتن .
حديث : "قال االله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ، [ ومن كنت خـصمه، خـصمته ]:
رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه ، ورجل استأجر أجيراً ، فاستوفى منه ،
ولم يعطه ( وفي رواية: ولم يوفه ) أجره".
) ، ومن طريقه البغوي في " شرح السنة " 1 قال الشيخ الألباني : " ضعيف . أخرجه البخاري(
و ابن ماجه وابن حبان وابن الجارود و الطحاوي و البيهقي و أحمد و أبو يعلى و الطبرانـي
من طرق عن يحيى بن سليم عن إسماعيل بن أمية عن سعيد بن أبي سعيد [ عن أبيه ] عـن
أبي هريرة مرفوعاً . وقال الطبراني: " لم يروه عن المقبري إلا إسماعيل ابن أمية ، تفرد به
يحيى بن سليم (
2 ." (
1
انظر : البخاري ، الصحيح ،باب إثم من باع حراً ، ج 2 ص 775 ، و باب إثم من منع أجر الأجير ، ج
2 ص 792 .قال ابن حجر : وليس له في البخاري موصولاً سوى هذا الحديث ،وذكره في الإجارة من وجه
آخر عنه " . انظر : الفتح، ج 4 ص 418 .
قلت : ويحيى بن سليم الطائفي (ت195 ) متكلم فيه ، قال أحمد:" واالله إن حديثه فيه شئ "،كأنه لم يحمده . 2
وقال ابن معين :" ثقة" . وقال أبو حاتم : " شيخ محله الصدق و لم يكن بالحافظ، يكتب حديثه ، ولا يحـتج
به" ، وذكره ابن حبان في الثقات ،وقال النسائي : " ليس بالقوي" ، وقال ابن عدي : " وليحيى بن سليم عـن
إسماعيل بن أمية وعبيد االله بن عمرو بن خثيم وسائر مشايخه ، أحاديث صالحة ،و إفرادات ،وغرائب يتفرد
بها عنهم ، وأحاديثه متقاربة ، وهو صدوق لا بأس به ،وقال ابن حجر : " قال الساجي:" صدوق يهـم فـي
الحديث ،واخطأ في أحاديث رواها عبيد االله بن عمر " ، وقال أبو أحمد الحاكم:" ليس بالحافظ عندهم "،وقـال
الدارقطني :"سئ الحفظ"، وقال البخاري في تاريخه في ترجمة عبدالرحمن بن ناقع :"ما حدث الحميدي عـن
يحيى بن سليم فهو صحيح" .انظر ترجمته : ابن أبي حاتم ، الجرح والتعديل ، ج 9 ص 156 ، ابن حبـان ،30
قلت( الألباني): وهو مختلف فيه، وقد كنت ذكرت شيئاً من أقوالهم فيه تحت هذا الحديث حين
كنت خرجته قديماً في " إرواء الغليل " ، وملت هناك إلى تضعيفه، ..وإن مما حملنـي علـى
ذلك ؛ أني رأيتهم قد نقلوا عن البخاري نفسه أنه قال في يحيى بن سليم - وهو: الطـائفي -:"
ما حدث الحميدي عن يحيى بن سليم فهو صحيح ". وليس هذا من رواية الحميدي عنـه ، لا
عند البخاري ، ولا في شيء من المصادر المتقدمة . ثم إنني ازددت ثقة بضعفه حين انتبهت
لاضطراب يحيى في روايته إسناداً ومتناً :
أ - أما الإسناد ؛ فرواه الجماعة - كما تقدم -... عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبـي
هريرة .
وقال أبو جعفر النفيلي:... عن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة .أخرجه ابن الجارود، و البيهقي
في رواية. ونقل عنه الحافظ في " الفتح " أنه قال: " والمحفوظ قول الجماعة ".
قلت(الألباني) : لم أطمئن لهذا الحكم لضعف الطائفي ، وثقة النفيلي - وهو: ( عبـد االله بـن
محمد ) -، بل هو فوق الثقة ، فقد بالغوا في الثناء عليه وعلى حفظه، فقـال الـذهبي فـي "
الكاشف ":" قال أبو داود: ما رأيت أحفظ منه، وكان أحمد يعظمه . وقال ابن وارة: هو مـن
أركان الدين ". وقال الحافظ في " التقريب ": " ثقة حافظ ".
فأقول (الألباني): فمن الواضح جداً أنه إذا دار الأمر بين توهيم الثقة المختلف فيه ، وتـوهيم
الثقة الحافظ المتفق على توثيقه ؛ فإن مما لا مرية فيه أن توهيم الأول منهما هو الـصواب ،
ولا سيما إذا كان الراجح أنه ضعيف من قبل حفظه ؛ ولذلك قال الحـافظ فـي " تقريبـه ":"
صدوق سيئ الحفظ ". فكيف يصح توهيم جبل الحفظ، وشيخه سيئ الحفظ ؟! هـذا لا يـستقيم
أبداً . بل الصواب أن يقال: إن الشيخ كان تارة يذكر في الإسناد: " عن أبيه " فحفظه عنه أبو
جعفر النفيلي ، وتارة لا يذكره فحفظه الجماعة، وكل حدث بما سمع . ويؤيد هذا ما يأتي:
ب - أما المتن ، فقد اضطرب في حرفين منه :
الأول: فقال مرة: " لم يعطه "، وهو رواية البخاري في الموضعين عن شيخين له عنه . وقال
الآخرون: " ولم يوفه ".
فهل يقال: هذا هو المحفوظ ؛ لأنه رواية الجماعة ، ويوهم شيخا البخاري ، أم يقال: كل حفظ
ما سمع من الطائفي، وإنما هذا هو الذي كان يضطرب في لفطه ، فيقول هذا مرة ، وهذا مرة
. نعم . فهذا هو الحق ما به خفاء ... فدعني عن بنيات الطريق . ويؤيده الأمر الآتي، وهو:
الثقات ، ج 7 ص 615 ، النسائي ، الضعفاء ، ص 249 ، ابن عدي ، الكامل ، ج 7 ص 220 ، ابن حجـر
، التهذيب ، ج 11 ص 198 .وقال في (التقريب) : " صدوق سيء الحفظ" . انظر : ج 2 ص 591 .
31
الآخر: لم يذكر البخاري وأحمد زيادة: " ومن كنت خصمه ؛ خصمته "، وهي في رواية ابـن
حبان، وابن الجارود، وابن ماجه، و البيهقي، وأبي يعلى، والطبراني، والبغوي في رواية له .
وهي عند ابن خزيمة أيضاً ، كما ذكر الحافظ في " الفتح "، أخرجوها من طرق عن الطائفي .
ثم استدركت فقلت: هناك اضطراب في جملة أخرى، وهي أن الحديث عند الجماعـة حـديث
قدسي: " قال االله ". لكن هذا القول لم يثبت عند ابن حبان ، و ابن ماجـه ، وأبـي يعلـى ،
والطبراني ، فقالوا:" قال رسول االله صلى االله عليه وسلم: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، ومن
كنت... " الحديث. فجعلوه حديثاً نبوياً، وهذا أقرب عندي من حيث التعبير، وأسلوب الكلام. و
). 1 االله أعلم .. (
قلت : أما بالنسبة للإسناد : فقد رواه الجماعة (يوسف بن محمد بن سابق وهشام بن عمار
والهيثم بن جناد ومحمد بن حاتم وبشر بن مرحوم وإسحق ونعيم بن حماد ) كلهم عن يحيى
بن سليم دون زيادة (أبيه) .
وعليه فإن موضوع العلل هو أحاديث الثقات ، وأبو جعفر النفيلي منهم ، فلماذا لا نقول أنه
وهم في ذكر هذه الزيادة ، لأن من أدلة الترجيح عند النقاد تقديم رواية ( الأكثريـة) علـى
المنفرد ، فإجماعهم على هذه الرواية تدل على وهمه ، ويدل على أنه هو المحفوظ كما ذكر
) .وأما قول الشيخ الألباني : " بل الصواب أن يقال: إن الشيخ كان تـارة 2 الحافظ ابن حجر(
يذكر في الإسناد: " عن أبيه " فحفظه عنه أبو جعفر النفيلي ، وتارة لا يذكره فحفظه الجماعة،
وكل حدث بما سمع " .
قلت : كيف يصح هذا القول من الشيخ وقد انفرد(الثقة – النفيلي) بهذه الزيادة ولا متابع له
عليها !
ثم إن الشيخ الألباني في مثل هذه الحالة كان يعِلّ الإسناد بأنه زيادة ثقة عارية من القرائن ،
فكون النفيلي ثقة حافظ لا يعفيه من الوقوع في الوهم ، فالأحرى أن نقول أنـه سـلك فيـه
) فزاد (أبيه) وذلك لأن سعيد المقبري مشهور بالرواية عن أبيه .فلا تقوى زيادتـه 3 الجادة(
على رد زيادة الجماعة !! وبذلك يظهر لنا صحة إخراج البخاري لهذا الحديث دون إخـراج
الإسناد الذي فيه زيادة لفظ (أبيه).
انظر : السلسلة الضعيفة ، ج 14 ص 589 ، حديث رقم (1 . (6763
انظر : ابن حجر ، فتح الباري ، ج 4 ص 2 . 418
قلت : وقد ذكر الدكتور ياسر الشمالي في بحثه (سلوك الجادة وأثره في علل الحديث) أنه العـدول عـن 3
السياق المحفوظ إلى سياق آخر مشهور سهل الحفظ يسبق اللسان إليه ، ويشترك السندان في راو أو أكثـر ،
والعدول عن السياق يعني :"خطأ الراوي في ذكر السند حيث يستبدل السياق المحفوظ الذي دلت القرائن على
صحته بسياق أخر يكثر استعماله والرواية به ، وهو يدل على وهم الثقة أو سوء حفظ الراوي .32
وأما بالنسبة للاضطراب في المتن :
فقد ذكر الشيخ الألباني أن الدليل على تضعيف رواية الطائفي أنه اضطرب في متن الحديث :
الأول: قال مرة: " لم يعطه "، وهو رواية البخاري في الموضعين عن شيخين له عنه . وقال
الآخرون: " ولم يوفه ".
الثاني : لم يذكر البخاري وأحمد زيادة: " ومن كنت خصمه ؛ خصمته "
الثالث : وهو أن الحديث عند الجماعة حديث قدسي: " قال االله ". لكن هذا القول لم يثبت عند
ابن حبان ، و ابن ماجه ، وأبي يعلى ، والطبراني ، فقالوا:" قال رسول االله صـلى االله عليـه
وسلم: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، ومن كنت... " الحديث. فجعلوه حـديثاً نبويـاً ، فقـال
الألباني :"وهذا أقرب عندي من حيث التعبير، وأسلوب الكلام" .
قلت :الظاهر من رواية البخاري والجماعة أن هناك اختلافاً واضحاً في بعض ألفاظ المتن كما
ذكر الشيخ الألباني
ولكن هذا الاختلاف لا يضر ولا يقدح في الحديث وذلك لأن المعنى متفـق ولـيس هنـاك
) ، يقول ابن رجب : " اختلاف ألفاظ الرواية يدل 1 اختلاف قادح ، ثم إن مخرج الحديث واحد(
على أنهم كانوا يروون الحديث بالمعنى ، ولا يراعون اللفظ ، إذ المعنى واحـد ، وإلا لكـان
الرواة قد رووا الحديث الواحد بألفاظ مختلفة متناقضة ، ولا يظن ذلك بهم مع علمهم وفقههـم
) . 2 وعدالتهم وورعهم "(
قلت : ذكر الشيخ الألباني ، أن هذا الحديث ليس قدسياً ، وأنه أقرب عنده من حيث التعبيـر،
وأسلوب الكلام حديثاً نبوياً .
قلت : رواه بلفظ ( قال االله تعالى ) البخاري وأحمد وابن الجارود وأبو يعلى وابـن حبـان و
الطحاوي ، حتى أن البيهقي لما ساقه من طريق النفيلي ( التي قدمها الشيخ الألبـاني ) ذكـر
) بألفاظه ولكـن 3 بعده أن النفيلي روى الحديث كما رواه هشام ابن عمار عن يحيى بن سليم(
دون الزيادة التي في الإسناد(أبيه) !فتأمل .
يقول العلائي : " إذا اتحد مخرج الحديث وتقاربت ألفاظه ،فالغالب حينئذ على الظن أنه حديث واحـد وقـع 1
الاختلاف على بعض الرواة ،لا سيما إذا كان في سياقه واقعة تبعد أن يتعدد مثلها فـي الوقـوع" . انظـر :
العلائي ، (ت763هـ) ، نظم الفرائد لما تضمنه حديث ذي اليدين من الفوائد ، دار ابن الجوزي ، السعودية
، ط 1 ، تحقيق:بدر البدر ، 1416هـ ، ص 112 .
انظر : ابن رجب الحنبلي (ت795هـ) ، فتح الباري شرح صحيح البخاري ، ج 5 ص 188 .بتصرف 2
يسير .
انظر : البيهقي ، السنن الكبرى ، ج 6 ص 3 . 1433
وأخيراً ؛ فإن الشيخ الألباني- غفر االله تعالى له - لم يصب فـي تـضعيف هـذا الحـديث
باضطراب سنده ومتنه . ولا غرو أنه كان يقول دائماً : " فإن تخطئة الإمام البخاري أو أحد
). 1 رواتــه الثقات ليس بالأمر الهين "(
انظر : السلسلة الصحيحة ، ج 5 ص 1 . 326 34
الخاتمة
وفي نهاية هذا البحث توصلت إلى نتائج مهمة ينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار :
1- أن كتاب البخاري قد تلقته الأمة بالقبول .
2- أن الأحاديث المتكلم عليها قد أحسن في وصفها الحافظ ابن حجر فـي قولـه : "
ليست كلها قادحة، بل أكثرها الجواب عنه ظاهر والقدح فيه منـدفع ، وبعـضها
الجواب عنه محتمل، واليسير منه في الجواب عنه تعسف .
3- الأحاديث التي انتقضها الشيخ الألباني في صحيح البخاري لم يكن الصواب معـه
فيها ، كما ظهر من مناقشة أدلة الشيخ وحججه .فالجواب عنهـا كـان ظـاهراً
.وحجة الإمام البخاري دامغة .
4- لم أجد حديثاً واحداً مما انتقضه الشيخ الألباني ، كان الجواب عنه تعسفاً . بل كان
الجواب واضحاً أحياناً ، وأحياناً أخرى يفهم من خلال معرفة أغراض البخـاري
في وضع أحاديث كتابه .
5- أن الشيخ الألباني لا يصنف في جهة أصحاب الشبهات والأباطيل والمرجفين، بل
هو عالم جليل حاول الدفاع عن الستة النبوية وتنقيتها مما لـيس منهـا ،محـاولاً
استخدام قرائن الترجيح مستأنساً بأقوال من سبقه من أئمة النقد والتعليـل ، فـإن
أخطأ فله الأجر إن شاء االله تعالى ؛ وإن أصاب فله أجران .
6- كان للبخاري منهجاً واضحاً في الرواية عن الضعفاء :
- فإما أن ينتقي من حديثهم .فليس كل حديث الضعيف ضعيفٌ .
- وإما أن يذكره لعدم وجود غيره في الباب .ولا يكون في الأحكام والعقائـد ؛
بل في الرقاق والفضائل .
- وإما أن يخرج له في المتابعات ؛ لإثبات سماع أو بيان زيادة أو نقص فـي (
الإسناد أو في المتن).
واالله تعالى أسأل ، أن يجعلنا ممن يذبون عن سنة نبيهم ما أُلصِق بها وليس منها أو نُقِّص منها
وهو فيها.
وأسأله سبحانه أن يغفر لعلمائنا الأجلاء ( الأحياء منهم والأموات) الذين حاولوا الـدفاع عـن
السنة من الشبهات والأباطيل التي ألصقت بها من خلال أقلام الحاقدين والمارقين والرافضة .
وكتب : د.محمد حمدي أبو عبدة
وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين .
35
ملحق
هذا ملحق يظهر فيه الأحاديث التي ذكرها الشيخ الألباني في كتابه ( السلسلة الضعيفة )
وغمز فيها ببعض الرواة أو بعض المتون .
1. الضعيفة حديث رقم ( 1030) ....من استطاع منكم أن يطيل غرته ج3ص104
2. الضعيفة حديث رقم (1052)...لما نـزل عليـه الـوحي يريـد أن يلقـي بنفـسه
ج3ص162
3. الضعيفة حديث رقم(1299)..إن العبد ليتكلم بالكلمة ج3ص463
4. الضعيفة حديث رقم(3364)...إذا أعتق الرجل أمته ج7 ص 376
5. الضعيفة حديث رقم(4226)..كان له فرس الظرب ج9ص236
6. الضعيفة حديث رقم(4835) إن هاتين الصلاتين ج10ص385
7. الضعيفة حديث رقم(4839) قضى في ابن الملاعنة ج10ص396
8. الضعيفة حديث رقم(4992)نعم وأبيك لتنبأن ج10ص756
9. الضعيفة حديث رقم(5036) لا يسبغ عبد الوضوء ج11ص63
10-الضعيفة حديث رقم(6763)ثلاثة أنا خصمهم ج14ص589
11-الضعيفة حديث رقم(6945)بينما أنا قائم خرج رجل همل النعم ج14ص1031
12- الضعيفة حديث رقم(6947)إذا وسد الأمر فانتظر الساعة ج14ص1037
13- الضعيفة حديث رقم(6949)إن كان عندك ماء بات في شنة ج14ص1041
14- الضعيفة حديث رقم(6950)أن رجلا من أهل الجنة استأذن ربه ج14ص1042
15- الضعيفة حديث رقم(6959) لا عقوبة فـوق عـشر ضـربات ج14ص1055-
. 1056
http://www.riyadhalelm.com/researches/3/69_albani_bokhari.pdf
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق