الاثنين، 9 نوفمبر 2015

دبلوماسية الابتزاز".. شروخ في جدران السياسة الخارجية لدولة الإمارات


جاء إعلان الأكاديمية الدبلوماسية الإماراتية، التي يتولى منصب رئيس مجلس أمنائها، الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية الإماراتي، بأن برناردينو ليون، المبعوث الأممي المستقيل لليبيا، سيتولى منصب مديرها العام بدءًا من ديسمبر المقبل، ليضع النقاط فوق الحروف بشأـن انحياز المبعوث الأممي الرفيع، لأحد طرفي الصراع في ليبيا، وفقًا لتوجهات الإمارات بشأن الأزمة.

فبعد كثير من الشكوك وحالة الغموض والتكهنات حول مواقف "ليون" المريبة في الأزمة الليبية، وانحيازه اللافت لجماعة "حفتر" المدعومة من قبل الإمارات، ثمة تسريبات بأن مفاوضات كان يجريها "ليون"، منذ عدة أشهر، وخلال فترة عمله الرسمي مبعوثًا للأمم المتحدة في ليبيا، على قبول وظيفة براتب 35 ألف جنيه استرليني شهريًا، في دولة الإمارات التي تناصر طرفًا في النزاع الليبي، الذي من المفترض أن يعمل هو على وضع حد له لإقرار السلام في هذا البلد.

على الصعيد الليبي، فإن استقالة "ليون" من منصبه الأممي نهاية أكتوبر الماضي، قد تؤدي ميدانيًا إلى تفاقم الأوضاع على الأرض، وإجهاض مساعي التسوية المأمولة بين أطراف النزاع الليبي، كما أنها ستجعل من أي محاولة مستقبلية بهذا الشأن أمرًا محفوفًا بالمخاطر، من أي وسيط دولي، كائنًا من كان، بعد أن تورطت الأمم المتحدة، ممثلة في مبعوثها الرفيع، فضيحة مال سياسي خارجي قد يمس بالأوضاع الليبية ويدفع أطرافها المختلفة إلى مزيد من التناحر والاقتتال الأهلي.

إماراتيًا، فإن القضية تعكس معضلة أساسية تتعلق بتحول النهج الدبلوماسي الإماراتي عن جادة القيم والمبادئ التي طالما تغنت بها الدولة الخليجية الثرية، إلى ما يمكن نعته بـ"دبلوماسية الابتزاز"، وهو الأمر الذي ألقت واقعة "ليون" الأخيرة، حجرًا في مياهه الآسنة، بعد شواهد أخرى سابقة كانت تطفو على السطح بين الحين والآخر تؤكد انحراف النهج الدبلوماسي الإماراتي عن ثوابته الخليجية والعروبية، قبل أن تنجح آلة العلاقات العامة الإماراتية الجبارة في إخفاءها وإزاحتها عن تصدر المشهد الإعلامي الدولي.

مؤخرًا، كشف تقرير للجارديان البريطانية، نشر مؤخرًا، عن أن دولة الإمارات هددت في وقت سابق بوقف صفقات بمليارات الجنيهات الإسترلينية ووقف الاستثمارات داخل بريطانيا وقطع التعاون العسكري والأمني مع لندن، ما لم تضطلع الأخيرة ممثلة في رئيس وزرائها ديفيد كاميرون بالتحرك ضد الإخوان المسلمين، واتخاذ إجراءات قانونية صارمة بشأنها، ووصمها بالإرهاب، لدعم عبد الفتاح السيسي، حليف الإمارات الأثير في المنطقة العربية.

لم تعد المسألة، إذن، مجرد سوء تقدير لحكام الإمارات، في إدارة ملفات استراتيجية حساسة بالمنطقة، لكن الأمر يبدو كأنه نهج جديد، لاستراتيجية إماراتية مضادة لكل ما هو عروبي وإسلامي، بل ووطني، في الشرق الأوسط، بدءًا من تمويل ودعم الانقلاب العسكري في مصر، وصولاً إلى تأييد نظام بشار الأسد في سوريا، مرورًا بتقويض التحالف العسكري الخليجي في اليمن، والتماهي مع الاستراتيجية الروسية والمشروع الإيراني في المنطقة، وأخيرًا، محاصرة الاستراتيجية السعودية في الخليج، والعمل على حلحة تحالفاتها التقليدية، إقليميًا، حتى داخل البيت الخليجي.

إن اصطفاف السياسة الإماراتية مع مشاريع مضادة لمصالح الدول العربية والإسلامية، مستخدمة في ذلك ملاءتها المالية والاقتصادية وشبكة علاقاتها العامة المتشعبة دوليًا وإقليميًا، إنما يعكس قصر نظر لافت لصانع القرار السياسي في تلك الدولة العربية المسلمة، لأن الإضرار بمصالح الأشقاء والجيران، من الدول والشعوب العربية والتدخل في شؤونها الداخلية، من شأنه، استراتيجيًا، أن يلقي بظلاله السلبية على دولة الإمارات وشعبها، على المستوى المتوسط والبعيد، وقد علمنا التاريخ أن التماهي مع أعداء الأمة للظفر بمغانم متوهمة دائمًا ما ينقلب إلى سراب، قد يحسبه الطامع الظمآن إلى المكانة الإقليمية، ماءًا، لكنه حتمًا حينما يبلغه لن يجده شيئًا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق