الخميس، 5 مايو 2016

شعائر ما أنزل الله بها من سلطان بقلم:على الكاش



تاريخ النشر : 2012-11-07
شعائر ما أنزل الله بها من سلطان!

على الكاش

من البديهي أن العقيدة التي تشكك بالذات المقدسة والرسالة النبوية وتفرغ الفرائض الإسلامية من جوهرها، وتأخذ قشور وتترك اللب. وتشيع الخمول والكسل والتقاعس عن أداء فريضة الجهاد، وتبتدع شعائر ما أنزل الله بها من سلطان، وتجعل من الأوراد بديلاً عن القرآن، ومن كلام الشيوخ بديلاً عن الأحاديث النبوية، هكذا عقيدة لا يمكن أن تَمت للإسلام بصلة، بل إنها تناصبه العداء، حتى لو لم تسفر عن وجهها البشع، وهي تتشكل عن سابق قصد وإصرار أحد أذرع الأخطبوط المعادي للعرب والإسلام، نستمر في مناقشة بعض الصفات المشتركة بين العقيدتين الصفوية والصوفية.

معرفتهم اسم الله الأعظم:

يدعي الصفويون أن الإمام علي رضي الله عنه والأئمة يعرفون اسم الله الأعظم! ونسبوا حديثاً كاذباً للرسول يقول فيه: "سألت جبرائيل عن الاسم الأعظم؟ فأجابني: عليك بآخر سورة الحشر فأكثر قراءتها". [كتاب ألف حرز وحرز لمحمد إبراهيم البرجوردي1/45].

ونسبوا لابن عباس رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم: "الاسم الأعظم في آخر آيات سورة الحشر". [المصدر السابق]. أي: أنهم ينفون عن النبي صلى الله عليه وسلم معرفة الاسم بصورة دقيقة في حين يدعون معرفته من قبل الأئمة! ونسبوا للإمام الباقر القول: "اسم الله الأعظم اثنان وسبعون حرفاً، وبحرف واحد استطاع صاحب سليمان أن يجلب بلقيس وليس معه غير هذا الحرف، أما الأئمة فعندهم كل الاثنين والسبعين حرفاً ولم يبق عند الله إلا حرف واحد فقط". [بحار الأنوار27/37].

في حين نفى الكليني حتى وجود هذا الحرف عند الله! فقد ذكر بأن الأئمة "أوتوا اسم الله الأعظم". ونسبوا للإمام الصادق القول: "إن عيسى ابن مريم أعطي حرفين، وأعطي موسى أربعة حروف، وأعطي إبراهيم ثمانية حروف، وأعطي نوح خمسة عشر حرفاً، وأعطي آدم خمسة وعشرين حرفاً، وأعطي محمد اثنان وسبعون حرفاً". ولم نعرف في لغات العالم كلها وليس العربية فحسب اسماً يتألف من اثنين وسبعين حرفاً! كما ذكر محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي حديثاً للباقر "عند أمير المؤمنين اسم الله الأعظم، لو تكلم به لأخذتهم الأرض". ولا نفهم لماذا تأخذهم الأرض وإلى أين تأخذهم وكيف؟

ويذكر الخميني "أن الإنسان مظهر اسم الله الأعظم الجامع لجميع مراتب الأسماء والصفات على نحو أحدية الجمع والعقل". [كتاب مصباح الهداية/121]. ويضيف السيد علي خان الشيرازي في كتابه (الكلمة الطيبة) بأن "اسم الله الأعظم يبدأ بكلمة (الله) وينتهي بكلمة (هو)".

تذكر المستشرقة الالمانية آنا ماري شيمل: "لقد أصبح الأمل في اكتشاف اسم الله الأعظم مطمع المتصوفة لنيل أعلى درجات السعادة في الدنيا والآخرة". [الأبعاد الصوفية في الإسلام 33]. وهذا صحيح كما سيتبين من النصوص التالية:

فقد أورد أبو نعيم بأن كبير شيوخهم ويدعى إبراهيم بن أدهم يعرف اسم الله الأعظم، وقد كشفه له شيخه داود البلخي. وقد سأله أحد الشيوخ عنه فأجابه "إنه لكبير على قلبي أن أنطق به". [حلية الأولياء لأبي نعيم 10/44]. لكن في رواية أخرى يذكرها الهجويري عن إبراهيم بن أدهم نفسه يقول: "اتفق لي صحبة الخضر عليه السلام وعلمني اسم الله الأعظم". [كشف المحجوب 316] فحرنا في أيهما من علمه اسم الله الأعظم؟

وذكر أبو نعيم كذلك عن الشيخ يوسف بن الحسين قوله: "بلغني أن ذا النون يعلم اسم الله الأعظم، فخرجت قاصداً له". [حلية الأولياء 9/386]. وأضاف أبو نعيم بأن أبو يزيد البسطامي يعرف أيضاً اسم الله الأعظم [10/39].

كما أن القطب الأعظم ابن عربي يحدثنا عن المفعول السحري لهذا الاسم بقوله: "بالاسم الأعظم أحيا أبو يزيد البسطامي نملة. وأحيا ذو النون ابن المرأة الذي ابتلعه التمساح". [الفتوحات المكية 3/329]. إحياء نملة! أهذا ما سعى إليه البسطامي؟ ولماذا أحياها؟ هل النملة متصوفة أيضاً؟

ويذكر لنا الشعراني طريقة الحصول على هذا الاسم: "منّ الله تعالي علي معرفتي باسم الله الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب. ولا يطلع أحد عليه إلا عن طريق الكشف". [لطائف المنن والأخلاق في بيان وجوب التحدث بنعمة الله على الإطلاق 2/166]. إذن عن طريق الكشف فقط. أما الشيخ أحمد البوني فقد أدخلنا في متاهات غريبة منها أن تتلو الحروف (ب، أ، ج، و) في الثلث الأخير من الليل (6666) مرة بعدها تصلي ركعتين. ومن ثم تقرأ الآية الكريمة (70) مرة وهي: ?اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ? [النور:35] ثم تستغفر الله (70)مرة، وتقرأ البسملة (786) مرة، ثم تصلي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم (132) مرة. ثم تقول: الله الجليل القديم الأول (488) مرة. وبعد صلاة الصبح تستغفر الله (70) مرة، وتذكر البسملة (70) مرة، وتصلي على النبي (70) مرة. وأخيراً تذكر هذه الطلاسم التالية (70) مرة وهي: "اللهم أهلل بكمد جينج وكيل الله يامور شطيئا يا طهوج يا مبططروش أجب يا زهزيائيل وأنت يا أهدكيل بحق الهاء الدائرة اللهم يا من هو أحون قاف آدم حم هاء آمين". كلام سخيف غير مفهوم، صادر عن مجذوب وليس عن شيخ يعرف الله حقاً.

وذكر عن ثوبن بن إبراهيم الملقب (ذون النون) بأنه كان يعرف اسم الله الأعظم. وقد سأله أحد مريديه أن يعلمه إياه. فقال له: أرني أولاً اسمه الأصغر؟ [لواقح الأنوار للشعراني 144]. هل هي حزورة أم ماذا؟ ويذكر أبو الحسن الشاذلي بأنه كان يوماً جالساً عند شيخه (أبو مشيش) وفكر أن يسأله عن اسم الله الأعظم. وكان في حجر الشيخ طفله. فقام الطفل فجأة وطوق بيديه رقبة الشاذلي وقال له: يا أبا الحسن! لقد أردت أن تسأل الشيخ عن اسم الله الأعظم! ليس الشأن أن تسأل عن اسم الله الأعظم، إنما الشأن أن تكون أنت اسم الله الأعظم. [أبو الحسن الشاذلي لعبد الحليم محمود/25].

ومن الطرائف أن الشيخ محمد بهاء الدين العطار سأل شيخه عن اسم الله الأعظم فجاوبه الشيخ بضربه حصاة! وهو يعني: إنك أنت اسم الله الأعظم. [النفحات الأقدسية 6].

يتلاعب السفهاء باسم الله كيفما شاءوا، دون أن نفهم هل الإنسان بحاجة الى معرفة (اسم الله الأعظم)؟ الا يكفينا اسم الله فقط؟ ألا تكيفنا الأسماء الحسنى؟ فعلام هذا اللغو الفارغ؟

زيارة الاضرحة والمراقد والمبالغة في تعظيمها:

تعظيم الأضرحة ظاهرة بعيدة عن الإسلام، استعارها الصفويين والمتصوفة من اليهود، ويذكر المستشرق لين: "فعل المسلمون فعل اليهود بتعمير وتجديد بناء قبور الأولياء وزخرفتها وعمل أغطية خاصة بالقبور، يفعلونها رياءاً تشبهاً باليهود". [راجع المصريون المحدثون]. ويذكر رونلدسن: "بالرغم من عقيدة التوحيد المنصوص عليها بالقرآن، ما تزال الأمم الإسلامية تحتفظ بعدد كبير من العادات والتقاليد الوثنية، ومنها تقديس القبور والأضرحة". [عقيدة الشيعة].

في العقيدتين الصفوية والصوفية تعتبر زيارة أضرحة الأئمة والشيوخ مُستحبة بل واجبة؛ لغرض التبرك بها. وأنصارهما يتمسحون بالأضرحة وشد الخرق وإيقاد الشموع والبخور ويتوسلون بالأموات ممن لا يرجى منهم خيراً وحلاً لقضاء حوائجهم، كالزواج، وتوسيع الرزاق، والحصول على الأولاد، والشفاء من الأمراض، والشفاعة والبركة. وأتباع العقيدتين يبالغون في بناء وتعظيم المراقد والعتبات والتكايا والأضرحة والخانقاوات (مفردها خانقاه - صومعات للمتصوفين يتعبدوا بها).

وموقف الإسلام من تعظيم القبور واضح في الحديث النبوي الشريف: «لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد". [أخرجه مسلم (1/375) والبخاري (1/532)]. ودعاء الرسول ربه: «اللهم لا تجعل قبري وثناً يُعبد.. اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد». [موطأ الإمام مالك 1/172]. وحديث نبوي آخر عن عبد الله بن مسعود: «إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، ومن يتخذوا القبور مساجد». [مسند أحمد 3548]. وذكر ابن عباس: «لعن الرسول صلى الله عليه وسلم زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج». [أخرجه النسائي 2016]. على اعتبار أن السرج (أي: الشموع) من عادات اليهود والنصارى والمجوس.

وحديث نبوي عن جندب بن عبد الله: «لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها شبراً بشبر وذراعاً بذراع. فقيل: يا رسول الله! كفارس والروم؟ فقال: ومن الناس إلا أولئك». [صحيح البخاري 6774 وابن ماجة والترمذي]. وحديث نبوي عن أبي سعيد الخدري: «لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول والمسجد الأقصى» [صحيح مسلم 1368 والبخاري 1115]. وعندما زكت امرأة عثمان بن مضعون (فارس النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه بعد وفاته) بوجود الرسول صلى الله عليه وسلم بقولها: رحمة الله عليك أبا السائب، فشهادتي عليك لقد أكرمك الله. قال لها الرسول صلى الله عليه وسلم وما يدريك ان الله أكرمه؟ ثم أردف: «والله ما أدري وأنا رسول الله ما يُفعل بي. فقالت: فوالله لا أزكي أحداً بعده». [صحيح البخاري 1166].

ومن خلال النصوص القادمة نجد أن الأئمة يستخفون بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ولا يبالون بتوجيهاته! بل هم يخالفون أيضاً أحاديث جدهم الإمام علي رضي الله عنه نفسه. الذي أوصى عامله (أبو الهياج الأسدي) على اليمن: "أبعثك على ما بعثني به النبي صلى الله عليه وسلم: أن لا تدع قبراً مشرفاً إلا سويته، ولا تمثالاً إلا طمسته". [صحيح مسلم 1609 وكذلك النسائي 2004 وأبو داود 2801 والترمذي 970].

ومن يحاجج في وجود قبر النبي داخل المسجد النبوي نعلمه بأن الأمر لم يكن كذلك حتى عام 88هـ حيث كان القبر في بيت السيدة عائشة رضي الله عنها، وبسبب توسع الحرم المكي أصبح القبر داخل المسجد [للمزيد راجع موسوعة المدينة المنورة للدكتور محمد الوكيل].

كما نجد في أحاديث الأئمة ما يحيرنا بهذا الصدد، مثلاً قول الإمام الصادق: "نِعم المسجد مسجد الكوفة، صلى فيه ألف نبي وألف وصي، الصلاة فيه تعدل بألف صلاة". [شجرة طوبى 13]. ومن "زار قبر الحسين كتب له ألف حجة وألف عمرة وألف أجر شهيد وثواب ألف نسمة وأجر ألف صائم وثواب ألف صدقه، ووكل به ملك كريم، وإن مات سنته حضرته الملائكة ويحضرون معهم أكفانه ويشيعونه إلى قبره، ويفسح له في قبره مد بصره ويؤمن من ضغطة القبر ومن منكر ونكير، ويعطى كتابه بيمينه ويعطى يوم القيامة نور يضيء ما بين المشرق والمغرب وينادى هذا من زار الحسين شوقاً إليه فلا يبقى أحد يوم القيامة إلا تمنى يومئذٍ أنه كان من زوار الحسين". [كامل الزيارات ص:143]. ومن زار: "قبر الرضا غفر الله ما تقدم من ذنبه وتأخر". [الكافي 4/585]. ونسبوا لموسى الكاظم: "من زار ولدي الرضا وبات عنده ليلة، كان كمن زار الله في عرشه"! ولم يوضح لنا كيف تتم زيارة الله في عرشه؟ وما هي مراسيم الزيارة؟ كما إن زيارة قبور أربعة أئمة من شأنه أن يدخل عشيرتك كلها في الجنة بلا حساب.

كذلك القول: "ومن زار الحسين يوم عاشوراء حتى يظل عنده باكياً لقي الله يوم القيامة بثواب ألفي ألف حجة وألفي ألف عمرة وألفي ألف غزوة". [بحار الأنوار]. وأن الحج إلى قبور الأئمة أفضل من الحج إلى بيت الله الحرام. واختلفت رواياتهم في تفضيل زيارة قبر الحسين على الحج، فمنهم من يقول: زيارة القبر أفضل من (عشرين حجة - ثلاثين حجة مع النبي - سبعين حجة مع النبي - ثمانين حجة - مائة حجة - ألف حجة مع ألف عمرة - ألف الف حجة مع ألف ألف عمرة ألف ألف غزوة)! كأنك تشهد مزايدة على سلعة في مزاد علني. ونُسب للإمام الرضا القول: "من زار قبور الأئمة رغبة وتصديقاً، كانوا شفعاء له يوم القيامة". [وسائل الشيعة 5/253]. والصادق يريدنا أن نزور قبر الحسين بوجه منافق بقوله: "زره وأنت حزين، مكروب، أشعث، مغبر، جائع، عطشان. سله الحوائج وإنصرف". [الكافي 4/585]. عجباً أليس من الأفضل أن تزوره وأنت نظيف وطاهر معطر وتقرأ على روحه سورة الفاتحة ثم تدعو له بالمغفرة والرحمة عند الله وتنصرف؟ ومن أقوال المحدثين جاء في كتاب (منهاج الصالحين للخوئي 1/147) بأن: "الصلاة عند ضريح الإمام علي كرم الله وجهه أفضل بمائتي ألف صلاة". ويذكر الخميني: "إن البناء على القبور من تعظيم شعائر الله لأنها أماكن عبادة، وهي من البيوت التي أذن الله أن ترفع فيها اسمه". [كشف الأسرار 79].

كذلك شأن المتصوفة. يقول البرعي في (رياض الجنة/127) بأن: "من قال عند قبره: هذا قبر الشيخ أحمد الطيب فلن يُعذب". ويتحدث محمد عثمان البرهاني من مناقب السيد البدوي في كتابه (تبرئة الذمة في نصح الأمة) بأن القطب دعا الله ثلاثة دعوات فاستجاب لاثنين فقط! أولهما: الشفاعة لكل من زاره. ثانياً: الحجة والعمرة لمن زار ضريحه. أما الثالثة التي رفضت فإنه سأل الله أن يدخله جهنم! ويعلل لنا أسباب رفض الله لدعوته: لأن بدخوله النار ستتحول الى مروج خضراء فينتفي العذاب فيها! ويذكر الشعراني عن ابن الفارض: "زرت مرة سيدي عمر بن الفارض (رض) فلم أجده في قبره، ثم جاء بعد ذلك وقال لي: أعذرني فإني كنت في حاجة". [لطائف المنن والأخلاق 1/149]. وفي ترجمته سيرة أحمد البدوي ذكر بأن شيخه محمد الشناوي صحبه إلى ضريح البدوي وسلمه إليه قائلاً: يكون خاطرك عليه واجعله تحت نظرك. وزعم الشعراني أن يد البدوي خرجت من الضريح وقبضت على يده، وسمع صوته من القبر يقول: نعم! [لطائف المنن والأخلاق 1/149]. ويزعم أيضاً بأن العبد إذا زار ولياً وذكر الله عند قبره "فلا بد أن ذلك الولي أن يجلس في قبره، ويذكر الله معه. كما شهدنا ذلك مرارا". [الأنوار القدسية 1/161] ولا نعرف كيف شهد الشيخ جلوس الولي في قبره مراراً إذا تسامحنا معه على سماع صوته! والرد على هذا الإفك يتمثل بإحدى الفتاوى البزازية القائلة: من قال إن أرواح المشايخ حاضرة، تعلم أن يكفر.

يذكر الرواسي الرفاعي عن سلفه من مشايخ الطريقة بأنهم "نوهوا بذكر بقعة أم عبيدة (قرية في جنوب العراق فيها قبر أحمد الرفاعي) وأعظموا شأنها، وذكروا فضل زيارتها، وما يحصل من البركة والخير لزائرها". [بوارق الحقائق 224]. حتى إن تاج العارفين أبو الوفا مر بها قبل ولادة الرفاعي وقال عنها: بقعة مباركة، سيقتل عليها العارفون بالسلاح. وقال عنها شيخ السهروردي (محمد بن عبد البصري) "الزائر لأم عبيدة يمشي على أجنحة الملائكة، وله بكل نفس ألف ألف حسنة". [بوارق الحقائق 224].

وقال عنها الشيخ أحمد الرفاعي: "وعدني العزيز سبحانه أن النار لا تحرق من دخل هذه البقعة، أو من لمسته يده". فهي كما ذكر: "مقصد الأحباب، ومحل الأبدال وأقطاب، وكل خطوة لها يمن ودرجة الى العزيز سبحانه". [بوارق الحقائق 226]. فهنيئاً لأم عبيدة على منافستها كربلاء. وزعم محمد التيجاني نقلاً عن أبي عبد الله بن النعمان القول: "إن زيارة قبور الصالحين والتشفع بهم معمول به عند العلماء المحققين من أئمة الدين، فهم الواسطة بين الله وخلقه". [الفوز والنجاة في الهجرة إلى الله 199]. لكن هل يحتاج المؤمن إلى واسطة مع الله وهو أقرب إليه من حبل الوريد؟ من جهة ثانية، ألم يدعِ عبدة الأصنام أنها أيضاً واسطة بينهم وبين والله! إذن ما الفرق؟

إقامة الشعائر والمراسم:

وهذه المراسيم بدع دخيلة على الإسلام أخذت من اليهودية والنصرانية والبوذية وأديان الهند، ويذكر ماسينيون: "دخول حلقات الذكر في طرق الصوفية تؤكد تسرب بعض طرائق الهنود إلى التصوف الإسلامي". [التصوف 49]. فقد عظم المتصوفة الذكر حيث شبهه القشيري في رسالته بـ"سيف المريدين يقاتلون به أعدائهم". وقد خصص الشاه ولي الله بابا طويلاً عنه في كتابه (سطعات).

كما أن استخدام الأناشيد والترانيم مع إيقاع الدفوف والطبول وهي مستمدة من اليهودية "ليبتهج بنو صهيون بملكهم. ليسبحوا باسمه برقص، بدف وعود ليرنموا". [المزمور 149]. وكذلك "سبحوه بدف ورقص، سبحوه بأوتار وزمار، سبحوه بصنوج التصويت". [المزمور 150]. وكذلك أخذت من الإغريقية حيث كانت حركات الدوران والالتفاف مقدسة، وتعني حركة الآلهة وقباب السماء، وكان أبولو وديونيسوس يؤديانها ببراعة. ومن اللطيف ادعاء المتصوفة بأن بعضهم عند السماع اختفى في السماء لأن حركاته الدائرية تحولت إلى طيران. [نفحات الأنس 146] بمعنى أصبح كالإعصار! وسنتحدث عن السماع فيما بعد بالتفصيل.

كما أن تعذيب الجسد بالسلاسل مأخوذ من النصرانية للتشبه بعذاب السيد المسيح. ذكر التنيسي بأنه كان مع جماعة عند مالك بن أنس، فذكر أحدهم بأنه يوجد في دياره قوم يسمون الصوفية، يأكلون كثيراً، ثم يأخذون في القصائد ويرقصون، فسأله مالك: أصبيان هم؟ قال الرجل: لا! فسأل مالك: أمجانين هم؟ قال: بل مشايخ وعقلاء! فقال مالك: ما سمعت أن أحداً من المسلمين يفعل ذلك. [ترتيب المدارك للقاضي عياض 4/54].

في العقيدتين تقام شعائر ومراسم خاصة (حلقات الذكر) و(مراسيم عاشوراء) ويستخدمون الأسلحة السيوف والدرباشات والنبابيت والقامات والزناجيل. وهي تشبه ما كان يستخدمه الكهان والسحرة في تعويذاتهم المصحوبة بأصوات الطبول والزمامير والدفوف. وكذلك الألبسة الملونة المطرزة، واستخدام البخور والشموع. ويلاحظ أن بعض علماء الرافضة يشجعون على إحياء مراسيم النحيب واللطم والتطبير وهي كما هو معروف صنيعة الشاه الصفوي التي استمدها من النصارى. يذكر الخوانساري (روضات الجنات 1/70) هذا الشعر:

ألا نوحــــوا ضـــجوا بالبكاء *** على السبط الشهيد بكربلاء

ألا نوحوا بسكب الدمع حزنا *** عليه وامزجــوه بالدمـــــاء

والمصيبة أن الخميني يعتبر "البكاء على الحسين وإقامة المجالس الحسينية هي التي حفظت الإسلام من (14) قرنا". [صحيفة اطلاعات العدد 10901]. إذا ماذا كان يفعل الصحابة والخلفاء؟ وعندما تسأل علمائهم هل كانت تلك الشعائر تمارس في حياة الأئمة أو بعد موتهم؟ سيجيبون: كلا! وعندما تسألهم متى استخدمت؟ ومن اخترعها؟ وممن أخذت أفكارها؟ وهل هي من الدين وتنسجم مع القرآن والسنة النبوية؟ سيراوغون في أجوبتهم، بعضهم يستحسنها والبعض الآخر يرفضها بصمت مدعين بأنه لا قوى لهم على العوام من الجهلة والحمقى!

أما المتصوفة فإنهم يستخدمون السيوف والنبابيل وغرزها في أجسادهم ويَعدونها مرحلة عالية يصلها الواجد، حيث يصفها السهروردي بقوله: يبلغ العبد حداً لو ضرب وجهه بالسيف ولا يشعر. ونسأل لماذا يضرب نفسه؟ وما الفائدة من إيذاء جسده؟ وهل إيذاء النفس أم اللطف بها قد أوصى الرب عباده؟

كذلك يحصر المتصوفة اهتمامهم بالاعتكاف وتلاوة الأذكار والأوراد والرقص في حلقات الذكر والموالد مصحوباً بأصوات الدفوف وزعيق الرجال، ويطلقون على فنونهم مصطلح (السماع) الذي اعتبروه (معراج الأولياء). وقد تأسست خانات السماع في منتصف القرن التاسع. وكانت مقتصرة على الرجال لكن بعد ذلك انضم إليها النساء والغلمان. وكان أول نشيد للرقص ألفه المتصوف الفارسي (يحي بن معاذ) يقول فيه: "دققنا الأرض بالرقص على غيب معانيك. لا عيب على الرقص لعبد هاشم فيك. وهذا دقنا الأرض إذ طفنا بواديك". [حلية الأولياء 10/61]. وكان لمواطنه الفارسي جلال الدين دورا في تنظيم أناشيد الرقص "يعزف على العود لحناً. أغنية عذبة بدقات طبل كالشرر ويغني سكران من خمر الليل". [الديوان الكبير 2395]. ويلاحظ أن أصحاب الطريقة الرفاعية يستخدمون الطبول والدفوف عند السماع، في حين يستخدم أصحاب الطريقة المولوية الصنوج والدفوف والنايات والمزاهر. ويعتبرنا الشيخ الغزالي ناقصين بنظره إذا لم نحب السماع! حيث يذكر "من لم يحركه السماع فهو ناقص مائل عن الاعتدال، بعيد عن الروحانية، زائد في غلظه الطبع" ونحمد الله أن الشيخ لم يجعلنا مشركين.

ويعرف الكلاباذي السماع بأنه "استجمام من تعب الوقت، وتنفس لأرباب الأحوال، واستحضار الأسرار لذوي الأشغال" وهو تعريف يخدم المطربين والراقصات وليس رجال الدين! نعم قد يكون تنفيس واستجمام للمتصوفة لكنه ليس استحضاراً لأسرار! الأطرف منه هو استخدامهم الخضر عليه السلام وهو شهيد تخريفاتهم بأن نسبوا إليه القول في السماع "هو الصفو الزلال الذي لا يثبت عليه إلا أقدام الفقهاء". [التعرف لأهل التصوف للكلاباذي 190]. مستحدثين بذلك فقها جديداً (فقه السماع). في حين يرى القشيري الذي أفرد للسماع رسالة خاصة نشرت من قبل (المعهد المركزي للأبحاث الإسلامية في إسلام آباد) يعتبره "مكاشفة الأسرار إلى مشاهدة المحبوب (الله)". تعالى الرحمن عن سخافاتهم. أما الشعراني فقد استصغر هذه التعريف المتواضع للسماع فأنجبت قريحته تعريفاً آخر "هو علم استأثر الله تعالى به، لا يعلمه إلا هو". [الأنوار القدسية 2/182]. قد قبلنا تعريفه يا شيخ! فلا نقول أكثر من: كان الله في عون العلماء.

وأورد المتصوفة حكايات عن السماع مستمدة من قصص ألف ليلة وليلة. منها: مر الفوطي والدراجي بقصر كانت فيه جارية تغني لمولاها شعراً:

كل يوم تتلون غير هذا بك أجــمل *** في سبيل الله ود كان مني لك يبذل

فسمع شاب تحت سياج القصر غناها فاستأذنها بأن تعيد على مسمعه ما غنته فأجابت رغبته. فشهق شهقة ومات. وستجد العشرات ممن شهق ومات بنفس الطريقة في ألف ليلة وليلة. ومن المليح أن الرواية نفسها كررها أبو علي الرودباري عندما مر بقصر فرأى جماعة من الناس متجمهرة أمام شاب مليح حسن الوجه مسجى على الأرض (ميتاً). فسأل عنه؟ أجابوه: أنه سمع جارية في القصر تغني:

كبرت همـة عبد طمعت في أن تراكا *** أوما حسب لعين أن ترى من قد رآك

فشهق شهقة ومات. ويبدو أن الموت عند السماع حالة مألوفة عند المتصوفة كما يذكر اليافعي. بل يستشهد ببيت شعر مات عند سماعه الكثير من الفقراء وهو:

تقول نساء الحي تطمع أن ترى *** محاسن ليلى مت بداء المطامع

أسأل الله عز وجل أن يحمي قراء هذه المقالة من هذا البيت القاتل وأن يجتازوه بأمان وسلام.

ربما يحاجج البعض بأننا تحدثنا عن السماع ولم نأتِ شيئاً عن الرقص! وهذا حق. لذا سنستشهد بقول الشيخ عماد الدين الأموي في كتابه (حياة القلوب) "لا بأس بالرقص في السماع".

وكذلك الشيخ عبد السلام الفيتوري في كتابه (الوصية الكبرى) فقد ذكر "يجوز الرقص في السماع". أما السهروردي فيقول: "ربما صار الرقص عبادة بحسن النية".

ومن الطريف ما يحكى عن أحد شيوخهم (أوحد الدين كرماني) بأنه "كان يشق قمصان الغلمان، ويرقص معهم بملامسة الصدر بالصدر". [نفحات الأنس 590]. ويذكر ابن الخفيف طرفة خفيفة "تتم المتعة الروحية بالطيب ومشاهدة الوجه الحسن والصوت العذب" [سيرة ابن الخفيف 214] وهو يذكرنا بالقول الشائع حول المستحبات الثلاث (الماء والخضراء والوجه الحسن).

ونختتم كلامنا بهذا الكفر الصريح الذي جاء على لسان الشيخ النفزي الرندي عندما شاهد في طريقه إلى مكة المكرمة شيخاً بيده مصحف يتلو منه ويرقص مع التلاوة! فسأله الرندي متعجباً من فعله ما هذا الرقص؟ فأجابه الشيخ الراقص: دعني عنك! ويبدو أن الرندي أصابته عدوى الشيخ الفنية حيث يقول: "فاستفزني الوجد فرقصت".

ويذكر الشعراني في ترجمة السيد البدوي بأن أحد الناس أنكر الموالد التي تقام لذكره، وما فيها من الفواحش والمحرمات، فإذا به يغص بشوكة سمكة بقيت في رقبته تسعة أشهر. [الطبقات الكبرى للشعراني 1/188]. وجاء عن ابن الفارض بأنه كان "له مغنيات بالقرب من (البهنسا) يذهب إليهن فيغنين له بالدف والشبابة وهو يرقص ويتواجد" [جلاء العينين للآلوسي 79]. أحلوا علم السماع بديلاً من تلاوة القرآن الكريم، وأحلوا الرقص بديلاً عن الخشوع. أية مفسدة أكثر من هذه؟ وهذا قطبهم الجنيد ينصح أحد مريديه بقوله: إذا أردت سلامة الدين ورعاية التوبة، لا تنكر السماع الذي يقيمه الصوفية. [كشف المحجوب للهجويري 2/660]. ويصف حالة السكرة عند الميريدين بقوله: "صفة الواجد إما حركة غليان الشوق في حال الحجاب، وإما سكون في حالة المشاهدة في حال الكشف. إما زفير أو نفير. وإما أنين أو حنين. إما عيش أو طيش، وإما كرب أو طرب". [كشف المحجوب للهجويري 2/661].

واعتبر الشيخ الغزالي حالة الوجد التي تلي السماع وهي إما تقرن بالغم والحزن أو بتحقيق المراد بأنه "جزء واحد من (46) جزء من النبوة". [إحياء علوم الدين 2/268].

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق