الأربعاء، 21 سبتمبر 2016

براءة العلامة ابن باز من القول في التطبيع بالجواز


د. سعد بن مطر العتيبي

تاريخ الإضافة: 13/7/2010 ميلادي - 1/8/1431 هجري

النص الكامل تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط

هذه هي الردود التي تم نشرها مؤخرا في مجموعة د. عبد العزيز قاسم البريدية على من زعم أن العلامة ابن باز رحمه الله يرى جواز (التطبيع) مع الكيان الصهيوني المحتل، وقد جمعتها من تلك الرسائل، إذ إنني كنت أكتبها مباشرة..

وقد أوردت ردودي كما هي دون تعديل، ومن عادتي تضمن ما أجيب عليه في الجواب..

وما كان هنا مكتوبا باللون الأزرق فهو من كلام أخينا أبي أسامة د. عبد العزيز قاسم سلمه الله!

وهنا أحب أن أضيف أمرا أسجله لله ثم للتاريخ، وهو أن سماحة المفتي العام شيخنا عبد العزيز آل الشيخ حفظه الله! بلغه هذا النقاش، فسألته عن مراد العلامة ابن باز: أهو التطبيع أم الصلح؟ فقال: الشيخ رحمه الله يقصد الصلح المعروف عند الفقهاء..

ولم أذكر هذه الفائدة و هذا التوضيح من سماحة الشيخ ضمن المجموعة البريدية، وإن كنت أشرت إليها.

لا تورطوا مع الشيخ ابن باز.. ترى جمال خاشقجي قبل سنتين ورط..وجاء الشيخ سعد العتيبي وصحح له..أنتم أحرار..عبدالعزيز قاسم

العتيبي: كيف يقول بالتطبيع بمعناه السياسي من يؤمن بعقيدة الولاء والبراء؟؟!! يا بدر العامر.

أبا أسامة..

للأهمية أرجو نشر هذا التعقيب في المجموعة..

ردا على ما جاء من كلام منسوب للأخ استفهام، نسبه للشيخ ابن باز رحمه الله وزعم قائله أن الشيخ ابن باز رحمه الله يجيز التطبيع مع اليهود، حيث قال صاحبه: "وفي نفس الوقت كان إمام الصحوة وراعيها وموجهها سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله يفتي بجواز "التطبيع" مع إسرائيل، لأن الشيخ ابن باز لم يعرف "تسيس" الخطاب في حياته"!!!

أود أن يورد لنا صاحب هذا الزعم الفتوى التي قال فيها الشيخ بجواز التطبيع بمعناه السياسي المعروف؟؟

رحم الله الشيخ ابن باز ففتاواه كانت واضحة ضد التطبيع؛ بل كيف يقول بالتطبيع بمعناه السياسي من يؤمن بعقيدة الولاء والبراء؟؟!!

سبحان الله!

ربما توهم هذا الأخ فظن أن التطبيع = الهدنة مع اليهود!!

وهذا أمر غيب جدا..

الشيخ رحمه الله قال بجواز الصلح بالمعنى الفقهي أي (الهدنة بمصطلح القانون الدولي)، فظن بعض الناس أنه قصد الصلح الدائم الذي هو أقل صور التطبيع! فأجاب الشيخ بجواب آخر وبين أنه إنما أراد الهدنة! وشتان بين الهدنة والتطبيع!!

وقد نبهت إلى هذا من قبل في بعض المقالات؛ فبينت أن "من الفتاوى التي فهمت في غير إطارها فتوى شيخنا العلامة / عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - في الصلح مع اليهود، فقد نال منه بها قومٌ، ظنّاً منهم أنَّ الشيخ قد أخطأ، مع أنَّ فتواه رحمه الله جاءت على الأصول الفقهية المعتبرة في مشروعية الصلح بمعنى (الهدنة)؛ وشغّب بها آخرون بإيعاز صهيوني ليسوِّغوا مالم يقصده الشيخ رحمه الله فأوهموا بعض النّاس أنَّ الشيخ يرى مشروعية وجود الكيان الصهيوني والاستسلام لشروطه، وهو مالم يَدر بخلد الشيخ رحمه الله، بل إنَّ فتاواه الصريحة بعكس ذلك في غاية القوّة والوضوح.

والشيخ رحمه الله قد بيّن حرمة الصلح الدائم مع اليهود، وأكَّده في الفتوى ذاتها، وفي بيانه لمراده - رحمه الله - في فتاوى لاحقة، ولعلّ من أسباب سوء فهم بعض طلبة العلم، عدم إدراكهم للفرق بين مصطلح الصلح في الشريعة الإسلامية، وفي القانون الدولي، وبيانه:

أنَّ المراد بـ (الصلح) بالمعنى القانوني الدولي، هو: عقد اتفاق دائم بين الأطراف المتصالحة. بخلاف معنى الصلح في المصطلح الشرعي الذي يعد رديفا للهدنة في المصطلح الشرعي الفقهي الإسلامي وفي القانون الدولي. وقد بينت ذلك بتفصيل في الجواب على سؤال عن حكم التطبيع مع الكيان الصهيوني نشر في موقع المسلم في العام الماضي.

وهذا الفرق يدركه العلماء ورجال السياسة، ولذلك نجد اللجان الشرعية في حركة حماس الإسلامية، تبني موقفها الحالي من الامتناع عن الصلح على موقف الكيان الصهيوني من عدم الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني الذي هو جزء من الأمة المسلمة، وهو ما يفسِّر عدم جنوح قيادات الكيان الصهيوني للسلم؛ بينما لو فعل ذلك، فلن تجد حركة حماس ما يمنعها شرعا من الصلح (الهدنة) مع هذا الكيان".

(تغيِّر الفتوى) بين سوء الفهم وسوء القصد!

وهذا جواب خاص في الموضوع:

هل يصح الاستدلال بتعامل الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع اليهود على التطبيع؟

صديقنا د.سعد العتيبي يقول اني طربت للسجال الجديد..واقول له: ومن ذا الذي ياعزّ لا يطرب مع اعذاري لجميل بثنية على تحريفي..عبدالعزيز قاسم

العتيبي: أين هي الفتوى التي نصّ فيها الشيخ ابن باز رحمه الله على جواز التطبيع مع اليهود يا بدر العامر؟

أخي أبا أسامة.. كأني بك قد طربت!

لا أخفيك أن الموضوع أعني تصحيح المفاهيم، ودفع الإيهام عن علم الشريعة وعلمائها، أولى بالمناقشة والحوار من موضوعاتك المزعجة عن الجابري، وهو كائن حي، كان بالإمكان أن يحسم الموضوع بأن تستكتبه ليجيب بدل أن يجاب عنه..

إليك جوابا عن مداخلة أخينا بدر العامر، وفقنا الله وإيّاه إلى ما فيه رضاه!

كنت أظن أن ما نسب للأخ بدر العامر، لم تكن نسبته إليه صحيحه.

أما وقد تأكد ذلك، فإني أقول بعد تجاوز ما أورده من عبارات وتساؤولات غريبة خاصة بشخصي؛ لسبب سأذكره بعد الجواب على هذه المداخلة من أخينا بدر العامر، مذكرا أخي بدر بقول الله تعالى: ﴿بَلِ الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ﴾ [القيامة: 14]، فأقول:

أولاً: الحقيقة أن الأخ بدر العامر كتب كلاما كثيرا، خرج فيه عن القضية (محل البيان) التي تم ردّها؛ وطلب أمورا مذكورة في الرابطين اللذين وضعتهما في نهاية بياني لعدم صحة ما نقله عن العلامة ابن باز رحمه الله..

وعلى كثرة ما أورد من كلام، لم يجب على السؤال الذي عليه مدار البيان والرد!! فسؤالي كان صريحا وواضحا، وأنا أعيده الآن مرة أخرى: أين هي الفتوى التي أفتى فيها الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله بجواز (التطبيع) مع الكيان الصهيوني بالمعنى السياسي؟

وليس سؤالي: كيف فهم أخي بدر العامر فتوى الشيخ؛ لأنَّ الفهم الخاطئ لكلام الشيخ هو ما حاولت كشفه في الرد السابق. ولدي في بيانه من كلام الشيخ ما أدعه لوقته.

فغاية ما قاله الأخ بدر العامر في موضوعه إيراد الأجوبة التي تتعلق بحكم الصلح بالمفهوم الشرعي والمصطلح الفقهي. وهذا ليس محل الإشكال؛ لأن الصلح بمعنى (الهدنة) لا يمنعه الشيخ ولا غيره لذاته، بل يجيزه بشروطه الشرعية، التي تتعارض مع مدلول التطبيع بالمفهوم السياسي.

وغاية ما ذكره الأخ بدر وفقنا الله وإيّاه لما يرضيه، لا يخرج عن التأكيد العملي لما ذكرته من سوء فهم بعض طلبة العلم لفتاوى أهل الزمان من العلماء، فكيف بغيرهم من العلماء السابقين!

ففي الفتوى التي استند إليها الأخ بدر العامر لم يتلفظ الشيخ بمصطلح التطبيع أصلا، بل نفى لزوم ما ورد منه في السؤال على (الصلح)؛ فبيّن أنَّ الصلح مشروط بالمصلحة الشرعية، ومقيد بالمعاملات التي يجيزها الشرع. وهذا نص كلامه رحمه الله: "لا يلزم من الصلح بين منظمة التحرير الفلسطينية وبين اليهود ما ذكره السائل بالنسبة إلى بقية الدول، بل كل دولة تنظر في مصلحتها، فإذا رأت أن من المصلحة للمسلمين في بلادها الصلح مع اليهود في تبادل السفراء والبيع والشراء، وغير ذلك من المعاملات التي يجيزها شرع الله المطهر، فلا بأس في ذلك. وإن رأت أن المصلحة لها ولشعبها مقاطعة اليهود فعلت ما تقتضيه المصلحة الشرعية، وهكذا بقية الدول الكافرة حكمها حكم اليهود في ذلك. والواجب على كل من تولى أمر المسلمين، سواء كان ملكاً أو أميراً أو رئيس جمهورية أن ينظر في مصالح شعبه، فيسمح بما ينفعهم ويكون في مصلحتهم من الأمور التي لا يمنع منها شرع الله المطهر".

فهل الشروط والقيود التي ذكرها الشيخ رحمه الله، تنطبق على مصطلح (التطبيع)؟

ثانياً: وهنا أسأل أخانا بدر العامر أسئلة مهمة في تحرير محل النقاش، حتى لا يكون حديثنا في موضوعين مختلفين:




س: هل الشيخ ابن باز رحمه الله يجيز الصلح المؤبّد مع الدول غير المسلمة؟




س- هل (التطبيع) الذي تعنيه، هو التطبيع الذي ينادي به الصهاينة في الكيان الصهيوني وفي الولايات المتحدة، ومن سار على دربهم من الإعلاميين العرب، الذي يعني: الصلح الدائم مع الكيان الصهيوني، والاعتراف بحق الصهاينة اليهود في أرض فلسطين المحتلة، بما فيها القدس وفلسطين ثمانية وأربعين؟




س- يبقى السؤال الأول والأهم معلقا: أين هي الفتوى التي نصّ فيها الشيخ ابن باز رحمه الله على جواز التطبيع مع اليهود بالمصطلح الذي يعنيه السياسيون، ويروج له بعض الإعلاميين؟




أتمنى أن يجيبنا الأخ بدر العامر على هذا السؤال، حتى لا يكون حديثنا عن شيء آخر غير الشيء المعهود في عالم السياسة والقانون الدولي.

فالسؤال لا يزال قائما! وبغير الجواب الصريح، لا يمكن أن ينسب للشيخ رحمه الله ما يتعارض مع أجوبته وتقريراته الموثقة، فضلا عن ما يتعارض معها.

وعودا على بدء؛ فإني تجاوزت تلك الأسئلة والتشكيكات التي أوردها الأخ بدر؛ لأنني هنا - على الأقل - لا أدافع عن شخصي، ولست في شك من أمري، وأحبتي يعرفون الجواب على تلك الأسئلة، ورحم الله الشيخ الذي لم أكن لأطمئن أيام حياته وأنا وهو في مدينة واحدة - في الطائف أو الرياض أو مكة - حتى أراه في الأسبوع مرة على الأقل، وأروعها تلك الدقائق التي يلتفت إليّ فيها في آخر ساعة من يوم الجمعة ليبدأني بالسلام حين يشعر أنني بإزائه، عادته مع كل من يجلس بجانبه.. وإن نسيت شيئا من ذكريات تلك الدقائق المتكررة، فلن أنسى جوابه الشافي لي على عدد من المسائل الفلسفية، بعبارات غاية في الرقة تصحبها الابتسامة الأبوية المشفقة مع توضيح وتمثيل مدهش، و لو كانت أسئلتي تلك معروضة على غيره، فلربما نهرني!.. هذا الشيخ الإمام الذي تحدثت عنه في مقالات وذكريات خاصة، كانت ولا زالت تقطر محبة وألفة، تنساب دموع الصدق فيها قبل أن تخنقني العبرة التي تروادني أحيانا عند ذكراه؛ فقد قلَّ العلماء الربانيون، الذين جمعوا بين العلم والعمل، والعبادة والزهد والتصوف السلفي الصحيح -..

وكم ساءتني تلك الكلمات والتساؤلات المؤلم صدورها من أخ أحسبه - بحسب ما أسمع عنه - من طلبة العلم، الذين لهم جهد في الذب عن الإسلام فنفع الله به وثبته على الحق، وكفاه شرّ كل ذي شرّ، وجعلنا وإياه ممن يجددون النية فيما يعملون من الواجبات، ويُرزقون الإخلاص في القول والعمل.

وهل كتبت ما كتبت إلا حبا للشيخ، وحفظا لعلمه، ورجاء أن يظلني الله وإياه ووالدينا تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله؟

وختاما: لا شك لدي في عدم صحة ما نسبه الأخ بدر العامر للشيخ ابن باز رحمه الله! ولدي من البينات من كلام الشيخ رحمه الله، ما سأورده عند الحاجة إليه، موثقا، مقرّراً بعون الله وتوفيقه.

كما أوضح أنني لن أدخل في أي نقاش جانبي لا علاقة له بالموضوع (مدى صحة نسبة جواز التطبيع للشيخ).. وهذا منهج الجدل الفقهي الذي تعلمناه من مشايخنا الكبار، وأرجو أن أوفق في تطبيقه؛ فلم أبيّن عدم صحة من نسب إلى الشيخ من القول بجواز التطبيع لأثير جدلا، وإنّما لأثبت حقا أعلمه حقا، وأنفي باطلا، أعلمه باطلا؛ وحتى لا ينال من الشيخ من لا يعرف حقيقة أرائه الفقهية وفتاويه الشرعية.

والله المستعان!




هنا الشيخ سعد العتيبي أحد ابرز طلبة العلم الشرعي واستاذ السياسة الشرعية واحد تلامذة سماحة مفتي عام المملكة يرد على أخينا الباحث بدر العامر، وهمسة فقط بشأن أخينا العامر بانه أحد المجاهدين بقلمه في مواقع الانترنت، وعرفته مناضلا ذا نفس فكري اسلامي أصيل وقارع كثيرا من الليبرالين في منتدياتهم..ولا ازكي على الله أحد..وهنا انما يختلفان حضاريا داخل المحضن الواحد.. عبدالعزيز قاسم.

العتيبي: إذا لم يجب أخي بدر على هذه الأسئلة، فلا ينتظر مني جوابا على أيّ سؤال في هذا الموضوع.




أخي أبا أسامة..




بشأن ما يدور بيني وبين الأخ استفهام عبر مجموعتنا البريدية التي تديرونها، أريد أن أوضح هنا أنني لم أطرح الموضوع للحوار أصلا! وغاية ما في الأمر: أنني بينت ما أدين الله به من علمٍ في المسألة، وهو: أن الشيخ ابن باز رحمه الله لم يجوِّز (التطبيع) والتطبيع مصطلح معروف، متناقض مع الشروط الشرعية للهدنة المشروعة التي يجيزها الشيخ - كبقية أهل العلم - بشروطها؛ والشيخ رحمه الله قد صرح بذكر تلك الشروط المعروفة في أحكام الهدنة..

وعليه؛ فإليك أخي أبا أسامة سلمك الله! جوابي على مداخلة الأخ بدر العامر التي قال في مطلعها: "لا أدري هل قرأ الأخ سعد العتيبي ردي عليه أم لا، ولماذا تجاوز جواب الشيخ ابن باز رحمه الله حينما سئل عن "معاهدات التطبيع؟"!!

فأولاً: أقول إنني – كما رأيتم - لم أتجاوز جواب الشيخ الذي استند إليه الأخ بدر العامر؛ بل بيّنه بما يسعه المقام من نقض الفهم الخاطئ الذي نسب بسببه إلى الشيخ القول بجواز التطبيع بالمعنى السياسي. فلعل أخي بدر يعود إلى قراءة الجواب السابق بتأني، ليجد ما قلت واضحا بحمد الله.

ومن العجيب أن الأخ بدر العامر وهو المدعي للإثبات، يطالبني في خاتمة مداخلته هذه -وكأنني أنا المثبت، وهو النافي! - بإيراد نص عن الشيخ ابن باز ينفي فيه الشيخ جواز التطبيع! وكأنّ القول بالتطبيع هو الأصل عند الشيخ؟!

ومن المتقرِّر في قواعد الجدل العلمي في مثل هذه الحال: أن المثبت مطالب بالدليل، والنافي مطالب بنقض الدليل إن وجد، لا بالدليل؛ لأنَّ الأصل في هذه الحال مع النافي لا مع المثبت.

ومع هذا فأنا مستعد للإثبات بما أعرفه عن الشيخ؛ سواء كان ذلك من كتبه وأجوبته المنشورة أوتعليقاته التي كتبناها خلفه، ووثقت بالتسجيل في محال التسجيلات؛ لكن بعد أن يجيب الأخ بدر العامر على الأسئلة المهمة في تحرير المسألة.

ثانياً: كم أسفت لتكرار أخي بدر العامر، ذكرَ أساليب تهويلية من مثل فكرة: تجهيل الشيخ رحمه الله!!

وهنا أجدني مضطراً لتوضيح قضية يعلمها كثير من طلبة العلم الكبار في بلادنا إن لم يكن كلهم، وهي أنَّ من منهج علمائنا الكبار - رحم الله من مات منهم وبارك لنا في من بقي -: أنهم عندما يُسألون عن أمر يحتمل وجوها باطلة وأخرى مقبولة، سواء كان توصيفا لمسألة أو مصطلحا مستحدثا محل إشكالات؛ فإنَّ لهم في الجواب مسلكين رئيسين:

المسلك الأول: الجواب المفصّل، ويظهر هذا المسلك، عندما يُطرح السؤال عليهم على نحو واضح لا يحتمل، كأن يكو السؤال عن موضوع فقهي بمصطلحات معهودة عند الفقهاء؛ أو من جهة معروفة موثوقة في بيانها، بعد التحقق في موضوع التفاصيل.. ومن أمثلته أجوبة الشيخ عن بعض أحكام فقه الأقليات التي تفصّل فيها الأسئلة أو وترد من شخصيات موثوقة لدى الشيخ، وكذلك أجوبة هيئة كبار العلماء على الاستفسارات الواردة من الدولة..

والمسلك الثاني: الجواب التأصيلي العام، الذي يركّز على تأصيل الحكم العام في المسألة بشروطه وقيوده الشرعية. ويظهر هذا المسلك عندما يوجه إليهم سؤال فيه خلط، أو يتضمن مصطلحات مستحدثة قد تتعدد تفسيراتها عند الناس، أو يخشون أن يقصد بالسؤال غير ما يظهر منه.. ومن أمثلته ما نحن بصدده من أجوبة الشيخ التأصيلية لأحكام الهدنة التي يعبر عنها الفقهاء بالصلح؛ لأنها لا تحتمل العبث بمدلولاتها؛ وهو كما أسلفت مصطلح يختلف تماما عن مصطلح الصلح في العرف السياسي في هذا العصر، الذي يتفرع عنه التطبيع..

وحينئذ؛ فلا يجوز أن يُهوِّل أحد بتجهيل الشيخ رحمه الله؛ لأن الشيخ قد أجاب على نحو يراه الأصلح في بيان ما سُئل عنه، وحتى لا يقوّل ما لم يقل في موضوع قد يدرج فيه بعض الناس صوراً لا يصح إدراجها فيه؛ فكانت الفتوى التأصيلية فيه ضابطا يوضح الحد الفاصل بين الحق والباطل..

وهذا أسلوب رأيناه من بعض مشايخنا، وتلقّنّاه من بعضهم تصريحا.

ثالثاً: لماذا لم يجب الأخ بدر العامر على الأسئلة التي طرحتها عليه؛ مع أن جوابه عليها سيكون حاسما في بيان الحقيقة التي نتغياها؟! وهذا سؤال عام لا أريد من الأخ بدر الإجابة عليه بغير الجواب على تلك الأسئلة؛ لأنَّ عدم الجواب عليها يعني النقاش في مسألة لم يحرّر فيها محل النزاع؛ وهو أمر يتنافى مع إرادة الوصول للصواب.

وإنما أريد الجواب على هذه الأسئلة؛ لأنها أسئلة مهمة في تحرير محل النقاش، حتى لا يكون حديثنا في موضوعين مختلفين، وسأضيف إليهما سؤالا توضيحيا آخر، وذلك على النحو التالي:

س: هل الشيخ ابن باز رحمه الله يجيز الصلح المؤبّد مع الدول غير المسلمة؟




س- هل (التطبيع) الذي تعنيه، هو التطبيع الذي ينادي به الصهاينة في الكيان الصهيوني وفي الولايات المتحدة، ومن سار على دربهم من الإعلاميين العرب، الذي يعني: الصلح الدائم مع الكيان الصهيوني، والاعتراف بحق الصهاينة اليهود في أرض فلسطين المحتلة، بما فيها القدس وفلسطين ثمانية وأربعين؟




س- هل الشيخ ابن باز رحمه الله يرى مشروعية اتفاقية (كامب ديفيد) - التي يتحجج بها من يقومون بحصار إخواننا في غزة وقتلهم قتلا بطيئا بمنع الغذاء والدواء - بصفتها مثالا عمليا لـ (التطبيع)؟! علماً أنه مثال منقوص في نظر دعاة التطبيع! لأن القرآن والآيات المتعلقة باليهود ولا سيما سورة البقرة، لا زالت ترتل من إذاعة القرآن الكريم بالقاهرة!! كما يقول القيادي الصهيوني ديفيد ليفي!




س- ويبقى السؤال الأول والأهم معلقا: أين هي الفتوى التي نصّ فيها الشيخ ابن باز رحمه الله على جواز التطبيع مع اليهود بالمصطلح الذي يعنيه السياسيون، ويروج له بعض الإعلاميين؟




أتمنى أن يجيبنا الأخ بدر العامر على هذا السؤال، حتى لا يكون حديثنا عن شيء آخر غير الشيء المعهود في عالم السياسة والقانون الدولي.




وأخيرا:




أقول بكل وضوح ومع تقديري للأخ بدر العامر: إذا لم يجب أخي بدر على هذه الأسئلة، فلا ينتظر مني جوابا على أيّ سؤال في هذا الموضوع. لأنني أريد بيان الحق، لا الدخول في مراء لا خير فيه، ولا فائدة من ورائه، فأوقاتنا جميعا أحق بالعمل الإيجابي، والامتثال لنصيحة الشيخ رحمه الله بأهمية نصرة هذا الدين وأهله، والسعي في نصرة إخواننا في غزة المحاصرة بحجة التقيد بمعاهدة التطبيع (كامب ديفيد) مثلا.




ورحم الله الشيخ ابن باز، فما كان أحكمه من عالم، وهو يؤصّل في أمر خشي أن يوظّف فيما لا يراه ولا يرتضيه، إذْ حمى نفسه وأبرأ ذمته بذكر المسألة الفقهية بالشروط والقيود الشرعية، التي لا تدع مجالا لمن يريد أن يقوِّله ما لم يقل، من جميع الشرائح التي قد تقوِّله في المسألة ما لم يقل، سواء كان ذلك عن سوء فهم، أو عن سوء ظن، أو عن سوء قصد.




والله المستعان!




اشتكى الكثيرون من ان الملف لم يفتح معهم والإشكالية ان المداخلة طويلة...وقد خشيت ان تقطع إذا نشرتها كاملة..يستاهل الشيخ سعد ان نخصص له رسالة كاملة..ولا يهون العامر بدر حبيبنا ويسجلها في الحساب..عبدالعزيز قاسم

العتيبي: ابن باز لم يفت بجواز التطبيع، وإنَّما أفتى بجواز الصلح الشرعي بشروطه الشرعية.

أبا أسامة، حمدا لله على السلامة!

قرأت رد أخي بدر العامر، الذي أجاب فيه جوابا منقوصا على بعض ما ورد في بعض الأسئلة.

وكنت متردد أرد في مثل هذه الحالة! لوجود طرف من جواب على طرف سؤال؟ أم أدع الموضوع؟

ولكني رأيت الجواب لأمرين:




الأول: أن بعض الإخوة قد طلب مني: الإشارة في الجواب إلى عدم موافقتي لبعض ما ورد من تعميمات في بعض مداخلات أخي الشيخ بدر العامر سلمه الله! حتى لا يظنَّ بعض القراء أني أقرّه عليها بسكوتي عنها، وإن لم تكن داخل موضوع الحوار.




والثاني: أن بعض الإخوة ربما ظنّ أني أنكر أن تكون فتوى الشيخ ابن باز رحمه الله قد صدرت جوابا على أسئلة حول عملية السلام آنذاك! مع لأني م أتعرض لهذه الجزئية في نقاشاتنا هذه. وأنا أعرف ظروف الحادثة وأعرف كثيرا من تفاصيل ذلك اللقاء من خلال الرواية والتسجيلات، وما دونته في دروس الشيخ رحمه الله من أجوبة لأسئلة لها صلة بذلك.

وغاية ما قلته ولا زلت أوضحه: إنَّ الشيخ رحمه الله لم يفت بجواز التطبيع، وإنَّما أفتى بجواز الصلح الشرعي بشروطه الشرعية، وأنَّ رأي الشيخ في هذا لم يتغير.. والدليل أن فتواه هي هي في بيان مشروعية الصلح بمعناه الفقهي، وإنَّما زادها الشيخ رحمه الله توضيحا في تعقيبه على من اعترض عليه، لأسباب أخرى منها ما يتعلق بمشروعية الصلح بالمعنى الفقهي - نفسه - مع الكيان الصهيوني..

ولمن لا يرغب قراءة تفاصيل الجواب الرئيس، ألخص ما جاء فيه مما يتعلق بالموضوع الأصلي فأقول: في هذا التعليق جعلت الشيخ ابن باز رحمه الله يدافع عن نفسه - برد واحد فقط! - على ما نسبه إليه الأخ بدر العامر من الزعم بأنَّ الشيخ ابن باز رحمه الله يرى جواز التطبيع بمعناه السياسي، حتى لو تضمن تنازلا مؤبّدا عن بعض الأرض! وكنت أود إضافة ردود أخرى لبعض زوايا التطبيع، لكني رأيت الاكتفاء بما يكفي في رد ما ورد في الجواب المنقوص الذي جاء في مداخلة الشيخ بدر العامر التي زعم فيها أن الشيخ أفتى بجواز التطبيع بالمعنى السياسي المعاصر..

ولعلي أضع هذا الجواب في نقاط لتتضح معالمه أكثر:

أولاً: أقول بعد هذه المقدمة، لننظر مدى صحة الجواب المنقوص الذي جاء في مداخلته الأخيرة على الأسئلة المحددة الواضحة التي وجهتها للأخ بدر العامر، فأقول:

أمَّا قول الشيخ بدر غفر الله لنا وله: إنَّ الشيخ يقصد التطبيع بمعناه السياسي؛ فهذا يعني أمورا عديدة، منها: أن الشيخ يجيز الصلح المؤبَّد! فإنَّ التطبيع بمعناه السياسي المطروح يعني السلام المؤبّد (الصلح المؤبّد)، أو كما يعبر عنه سياسيا (السلام الدائم في الشرق الأوسط)!؛ فهل الشيخ رحمه الله يجيز السلام المؤبَّد (الصلح الدائم)؟

يقول الأخ بدر العامر غفر الله لنا وله، إن الشيخ يجيز التطبيع بمعناه السياسي حتى لو كان في ذلك تنازلا مؤبّدا عن بعض الأرض! وهذا نص كلام الأخ بدر، يقول: "فالشيخ هنا يفتي بجواز التطبيع السياسي، ثم يجعل لولي الأمر أحقية أن يقدر المصلحة الشرعية للمسلمين في قبول ورفض الشروط بناء على "المصلحة الشرعية"، حتى لو كان في هذا تنازلا مؤبدا عن بعض الأرض في مقابل تحقيق مصلحة للفلسطينين.".

وهذا الظنّ بالشيخ ليس جديدا، بل قد أثير في حياة الشيخ رحمه الله بناء على ما سبق ذكره من الخلط بين الصلح بمعناه الفقهي (الهدنة المؤقتة - وهي عهد لازم إذا عقد -، و المطلقة التي يقول بها بعض الفقهاء وتعد عهدا جائزا لا لازما عند من يقول بها) وبين الصلح بمعناه الدولي المعاصر الذي يعني الصلح المؤبّد والسلام الدائم؛ فأكَّد الشيخ نفيه بعبارات واضحة، كان سبب خروجها منه، ما كان من اعتراض عليه في فتواه بجواز الصلح؛ وهذا نص الفتوى كاملة، بعنوانها وسؤالها الذي ذكرت فيه الأمم المتحدة نصّاً، وجوابه الواضح البيّن الذي لم يخرج فيه الشيخ عن أصول العلائق الدولية في الإسلام، كعادته رحمه الله في التزام الأصول الشرعية، مهما كانت الظروف، وتقرير الفروع في ضوئها بما يجعلها مصنفة ضمن الفتاوى السياسية المؤصّلة، ووضعت عنوان الفتوى كما ارتضاها الشيخ رحمه الله، عنوانا فقهيا لم يرد فيه ذكر للتطبيع، مع أنه أصدرها في ذات الظروف التي كانت المطالبات فيها بالتطبيع في أوجها، والسؤال فيها واضح جدا، وأرجو إعادة نص كلام الشيخ بدر العامر قبل قراءة هذه الفتوى ليتضح مدى تناقضه معها:

" الصلح مع اليهود لا يقتضي التمليك أبدياً.




هل تعني الهدنة المطلقة مع العدو إقراره على ما اقتطعه من أرض المسلمين في فلسطين، وأنها قد أصبحت حقاً أبدياً لليهود بموجب معاهدات تصدق عليها الأمم المتحدة التي تمثل جميع أمم الأرض، وتخول الأمم المتحدة عقوبة أي دولة تطالب مرة أخرى باسترداد هذه الأرض أو قتال اليهود فيها؟




الصلح بين ولي أمر المسلمين في فلسطين وبين اليهود لا يقتضي تمليك اليهود لما تحت أيديهم تمليكاً أبدياً، وإنما يقتضي ذلك تمليكهم تمليكاً مؤقتاً حتى تنتهي الهدنة المؤقتة، أو يقوى المسلمون على إبعادهم عن ديار المسلمين بالقوة في الهدنة المطلقة.

وهكذا يجب قتالهم عند القدرة حتى يدخلوا في دين الإسلام أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون.

وهكذا النصارى والمجوس؛ لقول الله سبحانه في سورة التوبة: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾، وقد ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه أخذ الجزية من المجوس، وبذلك صار لهم حكم أهل الكتاب في أخذ الجزية فقط إذا لم يسلموا.

أما حل الطعام والنساء للمسلمين فمختص بأهل الكتاب، كما نص عليه كتاب الله سبحانه في سورة المائدة، وقد صرح الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى في سورة الأنفال: ﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا﴾ الآية، بمعنى ما ذكرنا في شأن الصلح. "المصدر: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، للشيخ نفسه رحمه الله:ج8 ص 222".

فهذه إحدى الفتاوى الواضحة في تحريم التطبيع، والتي يجب أن تكون حاضرة في أي تحقيق علمي يبيّن فيه رأي الشيخ في المسألة؛ وهي تتناقض تماما مع مفهوم التطبيع بالمعنى السياسي، ذلك المفهوم الذي يقتضي سلاما مؤبّدا من جهة، فضلا عن ما تتطلبه من جملة من الاتفاقات والشروط المحرمة من جهة أخرى، بما فيها شروط تغيير المناهج في البلد الذي يقبل التطبيع حتى لا تتعارض مع التطبيع! وهو ما صرّح الشيخ رحمه الله بأن قوله بالصلح مع اليهود لا يقتضيه؛ وما تفيده فتوى الشيخ التي تؤكّد الالتزام بشروط الهدنة الشرعية، التي لا يجوز أن يكون منها: إزالة أسباب العداوة الدينية بين اليهود والمسلمين كما صرّح الشيخ أيضا في ذات المصدر السابق.

وقد ابتدأ الشيخ رحمه الله جملة الأسئلة التي ورد فيها جوابه الذي أوردت نصه هنا، بقوله رحمه الله: "فهذه أجوبة على أسئلة تتعلق بما أفتينا به من جواز الصلح مع اليهود وغيرهم من الكفرة صلحاً مؤقتاً أو مطلقا، على حسب ما يراه ولي الأمر: أعني ولي أمر المسلمين الذي تجري المصالحة على يديه – من المصلحة في ذلك، للأدلة التي أوضحناها في الفتوى المذكورة... "المصدر: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، للشيخ نفسه رحمه الله:ج8 ص 219".

فهذه مقدمة واضحة في أن الفتوى في بيان جواز الصلح بشروطه الشرعية، الصالحة لكل عصر، سواء كان ذلك مع اليهود أو مع غير اليهود، وليس التطبيع بمعناه السياسي المعاصر؛ ولذلك قال: "جواز الصلح مع اليهود وغيرهم "؛ فكلمة "وغيرهم" توضيح للفتوى بأنه يؤصل فيها لحكم الهدنة الشرعية بشروطه وقيوده، وليس خاصا بما يدور حديث الناس حوله من معاهدات السلام مع الصهاينة، وزاد الشيخ ابن باز - رحمه الله - ذلك توضيحا بنفيه لجواز ما أورد عليه من إيرادات تنطلق من معنى التطبيع، كمسألة الصلح المؤبّد الذي يعد محرماً عند جميع الفقهاء رحمهم الله، والذي بيّن الشيخ رحمه الله أنّ فتواه بالصلح لا تعني إجازته للصلح المؤبّد؛ وعليه فهي لا تعني إجازة التطبيع بالمفهوم السياسي، وهو ما يقتضيه المسلك الجوابي الذي بينته في الجواب السابق.

ثانياً: أبيّن بعض الأمور التي قد تكون محل تلبيس؛ وذلك بناء عل طلب بعض الإخوة كما أسلفت، ثم لقناعتي بالطلب – ولا سيما مع قراءة غير المتخصصين في المجموعة البريدية لهذا النقاش – فأقول:

1) إنَّ من مزايا هذه الأمة العظيمة، أمة الإسلام – أنَّه لا زال أهل العلم وطلبته فيها يتناقشون ويتحاورون بدافع الوصول للحق، أو كشف الحقيقة.. ومن ثم فإنَّ النقاش والحوار العلمي بين العلماء أو طلبة العلم إذا ما كان مستندا إلى أصله الشرعي في حسن القصد، والبحث عن الحق – يعدّ صورة من صور الحراك الإيجابي، وامتدادا لمسيرة التعددية الفقهية الإسلامية الرائدة على مرّ التاريخ الإسلامي، بدءا من عصر النبوة - الذي كانت تحسم فيه الخلافات بين الصحابة رضوان الله عليهم بالقرآن الكريم، أو السنة النبوية قولية أو فعلية أو تقريرية - ومروراً بعهد الخلافة الراشدة التي كانت تُستظهر فيها جملة من الأدلة بسبب تلك النقاشات، وامتدادا لما يعرفه كل مطلع على كتب الخلافيات.. ومن خلال تلك النقاشات تحررت كثير من المسائل، وتمايزت كثير من المختلفات، وتحددت فواصل الثوابت والمشتبه من المتغيرات.. وكم سررت بهذا الحوار، ولولا أنني أسترق الوقت استراقا بسبب ازدحام الأعمال، لفصلت فيها تفصيلا يحلّل كثيرا من العقد بين الفتوى التنظيرية العامة والجواب التطبيق الخاص..

2) لمّا كان النقاش قد لا يخلو من حدّة ربما يحمل عليها الطبع والجبلة، أو اعتياد الكتابة في المنتديات التي قد تؤثِّر في الطباع، كأثر من آثار مجادلة ذوي الحدة من خصوم الإسلام وأهله؛ فإنّني أريد أن أوضح أنني لن أتوقف عند ما أراه تجاوزا في الأسلوب مما يتعلق بشخصي، وأعلن أن ذلك لن يؤثر بذاته في مبدأ الأخوة الإسلامية بيني وبين أخي بدر سلمه الله، ولا سيما أنني أكن له تقديرا خاصاً – مع عدم وجود علاقة شخصية بيني وبينه – وذلك لجهاده الفكري لأهل الفكر المنحرف من خصوم الإسلام وأعداء الصحوة الإسلامية المباركة.. فجزاه الله خيرا على ما يقوم به؛ فقد كنت أتابع بعض كتابته منذ بضع سنوات، وأسرّ بكثير منها، ولا زلت أسعد بوجوده ووجود أمثاله ممن لهم نفع ظاهر، وكبح نافع..

3) لن أتوقف كثيرا عند كلمة (تسييس) التي وردت في أصل المقال محل الاعتراض، ولا عند توهم التفريق بين الشريعة والعقيدة، الذي يتعارض مع مبدأ التلازم بين العقيدة والشريعة في الإسلام - وللشيخ الدكتور ناصر العقل حفظه الله رسالة قيمة بهذا العنوان -.. كما لن أتوقف عند ظن الأخ بدر أن السياسة الشرعية لا علاقة لها بالعقيدة! وهو ظن ربما أملاه توهم أن السياسة الشرعية خاصة بالمصالح الاجتهادية فقط.. والأمر ليس كذلك، وقد بينته في "سلسلة أضواء على السياسة الشرعية"، وفي غير ما جواب في الفتاوى السياسية، وهو أمر ينفيه ما سبق من التلازم بين العقيدة والشريعة، كما ينفيه عمل أهل الإسلام في وضعهم لمسألة الإمامة مثلا (وهو موضوع فقهي سياسي) في متون العقيدة.. وهي مسألة لا يكاد يخلو منها كتاب عصري مؤصّل فنّد الفكر العلماني، وما يتفرع عن ذلك الفكر من مبدأ فصل الدين عن الدولة، المناقض للمعلوم من الدين بالضرورة.. ويكفي أن أشير هنا إلى موضوع "تحكيم الشريعة" فمع كونه أحد موضوعات السياسة الشرعية الرئيسة، بل الذي عليه مدارها - نجده مرتبطا بالتوحيد ﴿أَلَا لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ﴾ [الأعراف: 54]، وهو ما يقرره أهل العلم، ومنهم شيخنا ابن باز رحمه الله!

4) كما أنني لم ولن أدخل هنا في نقاش فقهي خاص بي، ولن أناقش رأيا شخصيا فقهيا مما أورده الأخ بدر العامر، مما ليس متصلا بالموضوع ذاته، حتى ولو كان الخلط بين المسائل العلمية والمسائل التطبيقية، والعادية والاستثنائية، وبين أنواع المعاهدات وتوصيفها ظاهرا فيه؛ لأنَّ محل كلامي في هذا النقاش، هو: نفي نسبة القول بتجويز (التطبيع) بمفهومه السياسي المعاصر، إلى شيخنا العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله! وبيان أنَّ غاية ما أفتى به الشيخ رحمه الله جواز الصلح بمعنى الهدنة بشروطها الشرعية سواء كان ذلك مع اليهود أو مع غير اليهود، وإن كان ذلك في ظروف الحديث عن ما يعرف بمعاهدات السلام الدائم.. إذ لم يأت ما يثبت أن الشيخ أفتى بجواز التطبيع ولا السلام الدائم الذي يتفرع عنه.

5) ثم إنَّي أنبّه هنا إلى أهمية التفريق بين الطرح الفكري والطرح العلمي، فالطرح الفكري له مجاله، والطرح العلمي له مجاله؛ ومن ثم فإنّ الخلط بين المنهجين، واستعمال أحدهما في مجال الآخر يُنتج آثارا غير مقبولة عند أهل العلم؛ وكم سمعت شيخنا العلامة الأصولي الكبير الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الغديان، يحذر من الطرح الفكري في مسائل التحقيق العلمي، ويرى أن كثيرا من الخطأ الموجود في الساحة من طلبة العلم في المسائل العلمية يعود إلى هذا الخلط المنهجي.

6) أوضح أنَّ نفيي نسبة القول بتجويز التطبيع للشيخ؛ ليس فيه ادعاء عصمة للشيخ رحمه الله، وإنَّما هو من باب حفظ علم الشيخ، وإبقاء فتاواه على مراده، ومنع توظيفه فيما لا يراه هو رحمه الله! وأنا هنا أنظر إلى الموضوع من زاويتين:

أولاهما: أنَّ الشيخ علم من أعلام المسلمين في هذا العصر، والاحتجاج بفتواه له أثر كبير في الأمة، لما له من مصداقية تتمثل في الثقة بعلمه وديانته رحمة الله عليه. ومن ثم؛ فلا يجوز أن نُحمِّل علمه ما ليس منه، لفهم فهمناه عنه. ولو أن الشيخ بدر العامر سلمه الله، قال: فهمت من فتوى الشيخ جواز التطبيع، لكان الأمر أهون، ولربما لم أجد ضرورة للكتابة في الموضوع؛ لكن الشيخ بدر غفر الله لنا وله، جزم بأنَّ الشيخ يرى تجويز التطبيع، وهو الأمر الذي لم يستطع إثباته بما يفيد صحة جزمه على الأقل.

والثانية: أنني من تلاميذ الشيخ ابن باز رحمه الله، أي أنني أدرك طريقته وأعرف منهجيته في مثل هذه المسائل، ومن حقه عليّ أن أنفي عنه ما لم يقله. ولا سيما أنني كنت أحضر دروسه التي مررنا معه فيها بهذه المسائل في مثل: كتاب السير وكتاب المغازي في البخاري، والجهاد في النسائي، وهديه صلى الله عليه وسلم مع الكفار في زاد المعاد، وغيرها من كتب الحديث والتفسير والفقه التي تعرض فيها هذه المسائل، ولم يكن يزيد في جوابه على الصلح بمعناه الفقهي المعروف، مع أن دروسه لم تكن خالية من نقاش مسائل الواقع، وقد ورد ذكر حماس ومنظمة التحرير في عدد من دروسه، منها زاد المعاد مثلا..

7) وأخيرا أسبِّع بملحوظة حول ورود التجارة، وتبادل السفراء في أحد الأسئلة، التي أجاب عليها الشيخ بجواب تأصيلي عام ذكر فيه الأحكام العامة للهدنة؛ فربما ظنّ بعض الإخوة أنّ ورود ذلك يعني المعهود منه في هذا العصر فقط! والحقيقة أن الأمر في النظر الفقهي التأصيلي أوسع من ذلك؛ لأنَّ التجارة مع الكفار جائزة من حيث الأصل حتى مع المحاربين ولو لم يكن ثمة معاهدة هدنة، ما لم يوجد ما يمنعها في أفراد من صور المسألة؛ وهذا يرد في باب آخر غير باب معاهدة الهدنة، ألا وهو باب عهد الأمان.. وكذلك مدلول السفراء، فالسفارة في الفقه الإسلامي أوسع من مدلول السفارة في القانون المعاصر؛ إذ إن السفارة في الفقه الإسلامي تشمل كل صور التواصل عبر الأشخاص بين القيادة الإسلامية وغيرها، ولو كان الرسول أقل من مرتبة مبعوث أو قنصل، أو وسيط من ديار الحرب له عقد أمان خاص. بينما نجد تبادل السفارات اليوم إنما يكون في حال وجود معاهدات بين متبادليها، بينما نجد الأمر دون ذلك في حال الهدنة في المفهوم الدولي المعاصر. وفي المسألة تفاصيل يذكرها أساتذة القانون الدولي من العرب والعجم، ولا يسع المجال لذكرها هنا.

8) هذه أفكار رأيت الكتابة فيها، من وقت مستقطع وأرجو أن لا تكون سرعتي في كتابتاها قد أثرت في عبارتها، سائلا الله عز وجل أن ينفع بما كتبت، وأن أكون قد أوضحت عددا من النقاط قبل التوقف عن الكتابة في هذا الموضوع في هذه المجموعة، التي أتاح فيها أخونا الكبير أبو أسامة د. عبد العزيز قاسم، فرصة للحوار، مع أخٍ أقدّره، وأحترمه، وإن لم أتشرف بمقابلته بعد..

وأخيرا: أشعر أنني قمت بشيئ مما تستحق المسألة لخطورتها، وما يتطلبه نسبتها إلى الشيخ ابن باز من واجب الرد بالنفي والتوضيح لسبب الخطأ على الشيخ؛ ومع كل ذلك فإني أذكر نفسي وأخي الشيخ بدر العامر، وكل من يقرأ هذا الحوار، بأنَّ المجتهد في القول والعمل، إذا تحدث عن تأصيل، و عالج النية بيما يصلحها، فهو إما مصيب له أجران أو مخطئ له أجر، وتلك رحمة من الرحمن الرحيم، تشبه الدافع والحافز على الحوار والنقاش العلمي الصادق المخلص؛ فليس ثمة خاسر في النقاش العلمي الشرعي لا مصيب عن علم ولا مخطيء عن اجتهاد وحسن قصد، اللهم إلا من عرف الحق وأعرض عنه أو لبّس على النَّاس فيه، وأعيذ نفسي وأخي الشيخ بدر العامر أن نكون الصنف الأخير.




وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك..

محبكم / أبو معاذ سعد بن مطر المرشدي العتيبي غفر الله له..

حبيبنا الشيخ سعد العتيبي يعلق على صديقنا بدر العامر..وقد طمأننا جزاه الله خيرا بعدم وجود مباهلة..

وقد نقل السجال أخي الزقيل إلى الساحات العربية، وارجوا منه التنبيه إلى عدم التشغيب بين الأخوين من قبل المتداخلين..وهنا ميزة المجموعة البردية المغلقة..فالأخوين العتيبي والعامر من خيرة من أعرف، وهما في ذات الدرب والطريق والرسالية.. وعليه أتمنى ألا يوقع أحدا بينها يا أخي عبدالله ولعلك تنبه إلى ذلك في الموقع.. عبدالعزيز قاسم

هنا فرق ظاهر بين التنازل عند القرضاوي ابن باز.




أخي أبا أسامة!




أشكرك على مشاعرك الحجازية الأخوية تجاه أخيك..

وثق ثقة تامة، أنني لا أبتغي سوى ظهور الحق وبيانه، لا إلزام الآخرين به، ومن ثم فلا حاجة للمباهلة أصلا..

ولمّا كنت قد بينت ما أراه كافيا لطلاب العلم في المسألة، وأيدني فيه عدد من المقربين من الشيخ رحمه الله! فإنني لم أجد حاجة إلى مزيد من البيان، ولا سيما بعد أن وصلني رد على المداخلة الأخيرة للشيخ بدر العامر - وفقنا الله وإياه لما فيه رضاه، وجعلنا وإيّاه وإياكم مفاتيح للخير مغاليق للشر، مناصرين للحق وأهله - من أخينا الشيخ بلال بن إبراهيم الفارس سلمه الله؛ وهو رد يكفي في الجواب على ما أثاره الشيخ بدر العامر، وكنت قلت لبعض الإخوة:

أظن أن الشيخ بدر سيظن أن رد الشيخ ابن باز رحمه الله على استدلال الشيخ القرضاوي حفظه! وإن فعل فلن أرد؛ لأن المسألة ستكون واضحة لطلبة العلم، وهذا كافٍ في الردّ.. فإنَّ نفي الشيخ للتأبيد من الناحية العلمية، مردّه وجود الإجماع على حرمته، وهو ما ظن المعترض على الشيخ أنّ الشيخ قد وقع بقوله بجواز الصلح فيه، من ثم في مخالفة الإجماع؛ فأنكر الشيخ ذلك.. وهذلا يظهر إلا لمن بحث المسألة من الناحية العلمية في كتب التراث الشرعي، ولا يمكن أن يظهر لمن اكتفى بقراءة فكرية لظاهر العبارة! ومثل هكذا..

وأنا هنا أكتفي بإيراد جواب الشيخ بلال بن إبراهيم الفارس - وهو من المتخصصين في السياسة الشرعية - على مداخلة الشيخ بدر العامر، ولولا أن الشيخ بدر قد زود المجموعة بمداخلته، لما احتجت إلى جلب جواب الشيخ بلال إليها، وهذا نص جواب الشيخ بلال سلمه الله:

"الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.. أما بعد..

بادئ ذي بدء.. أسأل الله أن يغفر للشيخ الإمام ابن باز رحمه الله وأن يسكنه فسيح جناته.. كما أسأله أن يتولى الشيخَ سعدا برعايته وتوفيقه كما أسأله أن يوفق الشيخ بدرا لخيري الدنيا والآخرة.

تابعت الحوار فألفيته نافعا.. وأجدني أميل بقوة لمكتوب الشيخ سعد لأمور:

1- كونه أظهر دليلا.. وأقرب للطريقة العلمية منه للطريقة الفكرية عند الشيخ بدر وبين هاتين الطريقتين بون شاسع.

2- عندما يختلف تابعي وصحابي في قول النبي صلى الله عليه وسلم فإن الصحابي يقدم لكونه أعلم بالنبي صلى الله عليه وسلم وبسبب ورود النص.. والشيخ سعد من طلاب الشيخ ابن باز رحمه الله فكونه أجمع لفتاواه وأقرب لفهمها على الوجه الذي أراده الشيخ جلي وظاهر.

ولما هممت أن أدخل في جزئيات قضية الحوار وجدت أني سأتشعب وفيما ذكر الشيخ سعد غنية , ولكني سأعلق على آخر رد للشيخ بدر سدده الله ورعاه.. فأقول مستعينا بالله:

إن ثمت فرقا ظاهرا بين التنازل عند الشيخ د. يوسف القرضاوي والعلامة الشيخ ابن باز.. فالتنازل الذي منع منه الشيخ القرضاوي وهو الضليع في علم السياسة الشرعية والعلاقات الدولية هو ما كان من لازمه الاعتراف والرضا والإقرار بحق الخصم في التملك , أما ما دعا إليه العلامة ابن باز رحمه الله من أن التنازل عن بعض الحق مندوح إليه لحفظ بعض الحق فهو ما كان دافعه الضرورة بدلالة مثال التنازل عن الغرفة والغرفتين لأجل حفظ البيت , ولا يعني هذا التنازل الرضا والإقرار بتملك الخصم للأرض.. فالصلح إذا هو صلح على ما في أيدينا.. وليس معنى ذلك الإقرار بما في أيديهم بدلالة فتاوى الشيخ عبد العزيز رحمه الله الكثيرة بوجوب تحرير فلسطين ولو كانت فتواه في جواز التطبيع الذي هو الاعتراف لما أفتى بوجوب التحرير لفلسطين وهذا ظاهر في فتواه المنشورة حيث قال رحمه الله رحمة واسعة: (فالواجب عليهم الدفاع عن دينهم وأنفسهم وأهليهم وأولادهم وإخراج عدوهم من أرضهم بكل ما استطاعوا من قوَّة) وقال: (فالواجب على الدول الإسلاميَّة وعلى بقية المسلمين تأييدهم ودعمهم ليتخلَّصوا من عدوهم، وليرجعوا إلى بلادهم) ومن تأمل التطبيع اليوم وجده قائما على التنازل الأول وهو الاعتراف والرضا والإقرار وليس كونه ضرورة تبذل مقابل مصالح محددة وتقدر بقدرها

وعليه فكلام الشيخ ابن باز رحمه الله محمول على حال الضرورة, والتطبيعُ اليوم هو الرضا والإقرار والاعتراف بحق اليهود في فلسطين

وبين الحالين فرق ظاهر.. وعليه فلا وجه للاستدلال بجواب الشيخ على د. القرضاوي لاختلاف المناط. والله أعلم " انتهى كلام الأخ بلال الفارس سلمه الله، وبه تم ختم الحوار.

كلا..ابن باز لم يصف هؤلاء بالشهداء!

العلامة ابن باز الافتراء عليه ونسبة ما لم يقله إليه!؟

(1)

في ملحق الرسالة القريب 13/5/1427 كتب الأخ المفضال الأستاذ عبد العزيز قاسم في صدر بارقته دفاعاً عن الشيخ العلامة، مفتي المملكة العربية السعودية في حينه سماحة الشيخ/عبد العزيز بن عبد الله باز رحمه الله، وإنه لموقف يستحق الإشادة والثناء والدعاء لكاتبه، في الوقت الذي كادت أن تمرّ هذه المقولة منسوبة للشيخ رحمه الله دون أن يسجل أحد من الإعلاميين الشرفاء تفنيدا لها، وإسقاطا لنسبتها إلى الشيخ رحمه الله.

وختم الأستاذ عبد العزيز قاسم – وهو أحد من كانوا يحضرون مجالس الشيخ رحمه الهإ عندما كان في المدينة النبوية – مقاله بأمرين:

أولهما وأهمهما: مطالبته للإعلامي المعروف داود الشريان بإثبات ما نسبه إلى الشيخ من مقولة غير مقبولة، أو الاعتذار عن سبق قلمه أو وهم ذهنه.

وثانيهما: دعوته تلاميذ الشيخ – رحمه الله- أن يضيئوا للناس جوانب من رؤيته في المسألة التي نسبها إليه الكاتب داود الشريان "حفظا لتاريخه من الافتئات يرحمه الله".

ومع أنَّ المقولة التي نسبها الكاتب داود الشريان إلى الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله ظاهرة البطلان في المضمون، فاقدة المصداقية في نسبتَها إلى الشيخ رحمه الله - إلا أنني رأيت إبطالها من كلام الشيخ رحمه الله، مع التعريج على ردوده على بعض الافتراءات عليه في حياته رحمه الله.

ولعلّ من المفيد تأكيد أهمية تفنيد الأقوال الباطلة، ولاسيما حين تنسب إلى أهل العلم وجليلي القدر في نفوس الناس طمعاً في رواجها، رجاء تقبل النّاس لمضمونها، والوصول من خلالها إلى نشر باطل أو ترويج مبطِل، فقد جاء في اختصار الموصلي للصواعق المرسلة لابن القيم - رحمهما الله – في بيان طرق ترويج أهل الباطل لباطلهم، ما نصّه: "الثالث: أن يعزو المتأوِّل تأويله إلى جليل القدر نبيل الذكر من العقلاء أو من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، أو من حصل له في الأمة ثناء جميل ولسان صدق، ليحليه بذلك في قلوب الجهال، فإنَّه من شأن النَّاس تعظيم كلام من يعظم قدره في نفوسهم... وإذا تأملت هذا السبب رأيته هو الغالب على أكثر النفوس، فليس معهم سوى إحسان الظن بالقائل..." (ص: 90).

قلت: فكيف إذا وجد أهل الباطل من بني أمة الإسلام من ينسب باطلاً إلى عالم من علماء الإسلام، وعظيم من عظمائه، نتيجة وهم أو سوء فهم!

فأمَّا إبطال ما نسبه الكاتب داود الشريان إلى سماحة شيخنا رحمه الله، فأقول: لقد زعم الكاتب داود الشريان ما لا يمكنه إثباته من وجه صحيح، فقال في مقاله (بيانات المناصحة، جريدة الحياة 31/05/2006) ما نصه: "إن مفتي البلاد في تلك الفترة الشيخ عبد العزيز بن باز، رحمه الله، اعتبر الجنود الغربيين الذين يموتون في المعركة بمنزلة الشهداء"! ونسبة هذه المقولة إلى الشيخ غريبة عجيبة! فالنصّ على الغربيين في هذه الجملة يوحي بأنَّ الشيخ رحمه الله يعتبر الجنود الغربيين – مع أن غالبهم وأكثريتهم من غير المسلمين - بمنزلة الشهداء؟

أما أنها غريبة فلأنَّ الكاتب داود الشريان من أقرب الكتاب للعلم الشرعي ومقولات أهله، وأما أنها عجيبة، فلأنَّ هذه المقولة الفاسدة التي نسبها الكاتب إلى الشيخ العلامة / عبد العزيز بن باز - رحمه الله - لا يمكن أن يقبل نسبتها إليه من يفقه أبجديات العقيدة الإسلامية، وكذا من يعرف الشيخ من العامَّة، ويعلم مدى علمه وورعه وصلاحه وتقاه، بلْه أهل العلم الشرعي، وغيرهم من المثقفين الوعاة الذين يعرفون الرجال ويفرقون بين الحق والباطل، وصدق الله العظيم ﴿لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ﴾ [النور: 12].

وأظنّ أن الكاتب قد وقع في وهم أو سوء فهم، فنسب إلى الشيخ رحمه الله، ما لا يمكنه إثبات نسبته إليه من وجه صحيح، وأجزم بذلك! لما تقدَّم من أنَّ هذه المقولة المدعاة مخالفة لأبجديات العقيدة الإسلامية الراسخة برسوخ العلم والثابتة بثبوت النص ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: 85] ومن هذه حاله كيف يكون بمنزلة الشهداء؟

والشيخ رحمه الله أمضى الكثير من وقته وسني عمره في تقرير عقيدة أهل السنة والجماعة، وتوضيحها بالنصوص من القرآن والسنة، وعرضها بصفائها وعرض ما يضادها لتمييزها عن غيره، في مثل رسالته: العقيدة الإسلامية وما يضادها.

وفي امتناع وصف الكافر بالمسلم بلْه وصفه بالشهيد، يقول الشيخ رحمه الله في أحد رسائله: "الطريق إلى الله واحد، وهو دين الإسلام، وهو الذي بعث الله به نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم كما بعث جميع الرسل، وأن جميع ما خالفه من يهودية أو نصرانية أو مجوسية أو وثنية أو غير ذلك من نحل الكفر كله باطل، وليس طريقا إلى الله، ولا يوصل إلى جنته، وإنما يوصل إلى غضبه وعذابه ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ (مجموع فتاوى الشيخ ابن باز:2/282).




ولو تتبعنا كلام الشيخ رحمه الله وتقريراته العلمية في هذه المسألة لاحتجنا إلى مئات الصفحات.

ثم إنَّ الشيخ رحمه الله صرح في فتاواه في تلك الأيام، بأن وصف الشهيد إنما يطلق على المسلم فقط، وهذه إحدى فتاواه في ذلك:




" السؤال:

يسأل بعض الأطباء والعاملين في النفط، هل إذا أخلصوا النية، وأنهم يقومون بعملهم من أجل الله تعالى، وحدث أن قتلوا بالصواريخ التي يطلقها حاكم العراق، هل يعتبرون من الشهداء؟

الجواب:

إذا كانوا مسلمين فهم شهداء إذا ضربوا بالصواريخ أو غيرها مما يقتلهم، حكمهم حكم الشهداء، وهكذا كل مسلم يقتل مظلوما في أي مكان، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم-: ((من قتل دون دينه فهو شهيد ومن قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون دمه فهو شهيد ومن قتل دون أهله فهو شهيد)) ولما ثبت في صحيح مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه أتاه رجل فقال يا رسول الله يأتيني الرجل يريد مالي فقال - صلى الله عليه وسلم – ((لا تعطه مالك)) فقال الرجل يا رسول الله فإن قاتلني؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم- ((قاتله)) فقال الرجل يا رسول الله فإن قتلني؟ قال ((فأنت شهيد)) قال الرجل فإن قتلته؟ قال- صلى الله عليه وسلم – ((هو في النار))، وهذا حديث عظيم يدل على أن من قتل من المسلمين مظلوما فهو شهيد. فلله الحمد والمنة على ذلك. (مجموع فتاوى الشيخ ابن باز:18/253-254).

ولعلّ في هذه الأسطر ما يكفي في ردِّ نسبة تلك المقولة لشيخنا رحمه الله.

وأقول لأخي المفضال/عبد العزيز قاسم، لقد فتحت لنا بطرحك ومقالتك، باب علم ونصرة لأهل العلم، فقد وجدت عددا من الافتراءات - ذوات الأغراض المختلفة - على سماحة شيخي وشيخ والدي رحمهما الله تعالى بواسع رحمته وجمعنا بهم في دار كرامته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وسيكون الحديث عنها في المقال الثاني في هذا الباب إن شاء الله تعالى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق