هافينغتون بوست عربي | ترجمة
تم النشر: 08/04/2017
مدسوسة خلف صفوفٍ من أكواخ الصفيح وأشجار الصمغ العربي غير المُهذَّبة، تستحضر مجموعةٌ من الفيلّات المُهدَّمة، والمساجد، وكنيسٌ يهودي عظمةَ ميناءٍ كان في وقتٍ من الأوقات معلماً يُعرَف به الحد الجنوبي من الإمبراطورية العثمانية. كتب ريتشارد بيرتون، الرحَّالة البريطاني، عام 1855: "إنَّ بربرة هو المفتاح الحقيقي للبحر الأحمر، ومركز حركة المرور في شرق أفريقيا، والمكان الآمن الوحيد للشحن في الساحل الإريتري الغربي. ونُصِح البريطانيون باحتلاله.. لأسبابٍ عدّة".
وبعد البريطانيين جاء الروس، وفي الثمانينيات جاءت وكالة الفضاء الأميركية، ناسا، التي أرادت أن يكون مدرج بربرة، الذي يُعَد أحد أطول المدارج في أفريقيا، بمثابة محطة طوارئ لمكوكها الفضائي، وفق صحيفة economist.
والآن، تُعَد الإمارات العربية المتحدة هي آخر الواصلين إلى بربرة. ففي الأول من مارس/آذار، بدأت موانئ دبي العالمية، وهي شركة مُشغِّلة للموانئ مقرَّها دبي، العمل من فندقٍ واقع على شاطئ بربرة. ويضع المسؤولون القليل من الأعلام الإماراتية على مكاتبهم، ونقَّحوا خططاً من أجل تحويل ميناءٍ يخدم جمهورية أرض الصومال التي أعلنت انفصالها عن الصومال إلى بوابةٍ للـ100 مليون شخص من سُكَّان أسرع اقتصادات أفريقيا نمواً، إثيوبيا.
وبعد ثلاثة أسابيع، كشفت الإمارات وفقا للصحيفة عن اتفاقٍ آخر لاستئجار قواعد بحرية وجوية بجوارها لمدة 25 عاماً. ويُعَد الاتفاق، الذي أبهج وزيراً من أرض الصومال وهو في مقهى الفندق، هو أول اعترافٍ اقتصادي بجمهوريته الصغيرة.
ومن شأنه أن يملأ خزائن الحكومة، ويدعم جيشها الوليد. وجلس رجال أعمالٍ إلى طاولته يتباحثون حول محطات الطاقة الشمسية، وأسعار الأراضي المرتفعة بسرعةٍ شديدة، وخططٍ لتأسيس فندقٍ تابع لسلسلة فنادق كمبنسكي.
خشية المنافسين
ويُعَد ميناء بربرة هو الأحدث ضمن سلسلةٍ من الموانئ التي تستحوذ عليها الإمارات على طول بعض أكثر طرق الشحن ازدحاماً في العالم. فمن ميناء جبل علي الموجود في دبي، وهو أكبر موانئ الشرق الأوسط، تُوسِّع الإمارات امتدادها على طول الحافة الجنوبية لشبه الجزيرة العربية، مروراً بالقرن الأفريقي إلى إريتريا (حيث تشن السفن وسرب قاذفات الميراج الحرب في اليمن من هناك)، وصولاً إلى ليماسول (مدينة في قبرص) وبنغازي في البحر المتوسط. وتدفع المخاوف من إمكانية وصول إيران أو الإرهابيين إلى هناك أولاً.
وأوضحت ابتسام الكتبي التي ترأس أحد مراكز الأبحاث في أبوظبي وفقا للصحيفة أنَّه "إذا انتظرنا منع هذه التهديدات عند حدودنا، فربما قد تتجاوزنا". وتخشى الإمارات كذلك من أنَّ المنافسين قد يحاولون تحويل التجارة بعيداً عن ميناء جبل علي، الذي يقع على نحوٍ غريب في عمق منطقة الخليج. ويُشكِّل التوسُّع الكبير في ميناءي تشابهار في إيران، والدُقم في عُمان، ومدينة الملك عبدالله الاقتصادية في المملكة العربية السعودية جميعاً تحدّياً بالنسبه لها.
لكن مع تسارع التوسُّع، يتساءل المُراقبون عمَّا إذا كانت الإمارات عازِمة على "السعي وراء نفوذٍ إقليمي"، على حد تعبير ابتسام الكتبي، لنفسها. ويعزو معظم المحلِّلين هذا الاندفاع إلى ولي عهد أبوظبي البالغ 56 عاماً، محمد بن زايد. وهو نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، والشقيق الأصغر لأمير أبوظبي، الذي يشغل أيضاً منصب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة.
وتحت أنظار الأمير، تحوَّلت الإمارات من كونها ملاذاً حريصاً على أعماله إلى أكثر النظم نزوعاً للتدخُّل في العالم العربي. ففي ظل تدفُّق أموال النفط، حوَّل الدولة الصغيرة، التي يبلغ عدد سكان إماراتها السبع المكونة لها معاً نحو 10 ملايين شخص (نحو مليون شخص منهم فقط هم من المواطنين الإماراتيين) إلى الدولة الأكبر استيراداً للأسلحة من بين بلدان العالم الثالث. وجنَّد مئات المرتزقة، بل وتحدَّث عن استعمار المريخ.
إعصار محمد
في عام 2014، فرض التجنيد الإجباري على مواطنيه المرفهين وأرسل العشرات في الحملة التي تقودها السعودية ضد الحوثيين في اليمن. وقبل أن يصبح الجنرال جيمس ماتيس وزيراً للدفاع في الولايات المتحدة، أطلق على الإمارات اسم "إسبرطة الصغيرة".
وفازت الإمارات ببربرة وقاعدة عصب الإريترية عبر الاتفاق، لكنَّها في أماكن أخرى تلجأ إلى القوة. ففي يوليو/تموز 2015، تحدَّت المُشكِّكين بسيطرتها على عدن، التي كانت تُمثِّل يوماً أكثر موانئ الإمبراطورية البريطانية ازدحاماً. وقال دبلوماسي غربي، مُغدِقاً في الثناء على القوات الإماراتية الخاصة، التي قامت بعمليةٍ برمائية للسيطرة على عدن من قبضة الحوثيين: "إنَّهم يمتلكون القوة الاستطلاعية الوحيدة في المنطقة".
موانئ اليمن
وبمساعدة القوات الخاصة التابعة للبحرية الأميركية، سيطر الجنود الإماراتيون منذ ذلك الحين على ميناءي المُكلا والشحر، 500 كم شرقاً، وجزيرتين يمنيتين في مضيق باب المندب، الذي يعبره 4 ملايين برميل نفط يومياً.
وتقدَّمت القوات التي تقودها الإمارات في وقتٍ سابق هذا العام، 2017، إلى ميناء المخا، وتُوجِّه أنظارها صوب ميناء الحُديدة، أكبر موانئ اليمن، وآخر الموانئ الباقية خارج السيطرة الإماراتية.
ودعم الأمير أيضاً الانفصاليين في الصومال، وساعد على نهوض كلٍ من إقليم بونتلاند، وذلك عبر تمويل قوات الشرطة البحرية التابعة له، وجمهورية أرض الصومال. وفي ليبيا، أرسل دعماً عسكرياً للمشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي، وهو قوة مستقلة في شرق البلاد. ونكايةً في تركيا، افتتحت الإمارات سفارةً لها في قبرص العام الماضي، كما تشارك في مناوراتٍ عسكرية مع اليونان وإسرائيل.
لكنَّ المُشكِّكين قلقون بشأن مخاطر هذا التمدُّد وإمكانية التصادم مع قوى أكبر محتشدة في البحر الأحمر. فعلى ساحله الغربي تمتلك إسرائيل، وفرنسا، والولايات المتحدة بالفعل قواعد كبيرة. وتبني الصين ميناءً في جيبوتي. ويبحث الجنرالات الإيرانيون إقامة قاعدتهم البحرية الخاصة في الساحل اليمني الذي يسيطر عليه المتمرِّدون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق