بيان من الجمعية العلمية السعودية لعلوم العقيدة والأديان والفرق والمذاهب (عقيدة) عن مؤتمر "من هم أهل السنة والجماعة" « من الذي اختطف لقب أهل السنة والجماعة؟! »
تاريخ الموضوع : 3/9/2016 الموافق السبت 31 ذو القعدة 1437 هـ |
الحمد لله القائل: {يأيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}
والصلاة والسلام على سيد ولد آدم محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد شاعت في وسائل الإعلام أخبار مؤتمر "من هم أهل السنة والجماعة" المنعقد في جروزني بالشيشان، والذي حمل بيانه الختامي -المؤرخ في 24 من ذي القعدة 1437هـ- التنصيص على أن (أهل السنَّة والجماعة هم الأشاعرةُ والماتريديَّةُ في الاعتقاد، وأهل المذاهب الأربعة في الفقه، وأهل التصوف الصافي علمًا وأخلاقًا وتزكيةً)، ثم ألحقوا به مؤخرا بعد كلمة: (الاعتقاد) جملةَ: (ومنهم أهل الحديث المفوِّضة)! -وهو خطأ جديد؛ فحاشا أهل الحديث من مذهب التفويض-.
كما حمل المؤتمر في طيات جلساته ما حمل من غمز ولمز في المنهج السلفي، وكيل التُهم لحمَلته، وإيهام ربط المناهج الغالية بهم.
وليست هذه الحلقة الأولى من التحريف والتلبيس، وقد لا تكون الأخيرة.
وإن الجمعية وهي تستغرب توقيت المؤتمر ومكانه؛ لتستنكر النتيجة الخاطئة التي خلص إليها، وترى أن من الواجب عليها بيان الحق وإزالة اللبس فيما قرَّر بيانه الختامي، من خلال ما يأتي:
أولا: إن المراد بمصطلح "أهل السنة والجماعة" واضحٌ بحمد الله، توارد على بيانه كثيرٌ من علماء الإسلام في القديم والحديث؛ فأهل السنة والجماعة هم: سلف الأمة -أهل القرون الثلاثة المفضلة-، ومن تبعهم بإحسان -الذين ينتسبون إلى مذهب السلف وينتحلونه-.
ومنهجهم: هو الإسلام المحض الخالص عن الشوب، وهو الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من الصديقين والشهداء والصالحين.
وضرورةُ التفريق بين من محّضوا الإسلام ولم يشوبوه بغيره ومن فرّقوا دينهم وكانوا شِيعا هي التي دعت إلى استعمال هذا اللقب.
وقد سُمّوا أهل السنة والجماعة: لاتباعهم السنة واجتماعهم عليها؛ فإمامهم المطلق الذي لا يغضبون إلا لقوله، ولا ينتصرون لسواه، ولا يعتقدون العصمة في غيره - هو رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لذا فهم أعلم الناس بسنته وأتبعهم لها؛ فهي عندهم النور والشفاء والنجاة.
وسماتهم: أنهم يؤمنون بأن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يتجاوزون القرآن والحديث؛ عملا بقوله تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ}.
ولما كان معتمدهم في مسائل العلم: الكتاب والسنة والإجماع: كان قولهم هو المطابق لصحيح المنقول وصريح المعقول.
ويدينون بأن كل خير في اتباع من سلف، وأن السلامة في اتّباع العتيق من الدين؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم في وصف الفرقة الناجية: (ما أنا عليه وأصحابي) أخرجه الترمذي.
قال الإمام مالك رحمه الله: (لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها). الشفا 2/88
ويرون أن شر الأمور محدثاتها، وأن البدع لا تزيد أصحابها من الله إلا بعدا، ولا تزيد الأمة إلا تمزقا واختلافا؛ لذا فهم جادّون في الحذر والتحذير منها ومن أربابها؛ قال صلى الله عليه وسلم: (فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا؛ فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين؛ فتمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي.
قال التابعي الجليل أبو العالية رحمه الله: (عليكم بسنة نبيكم والذي كان عليه أصحابه، وإياكم وهذه الأهواء التي تلقي بين الناس العداوة والبغضاء) السنة للالكائي 1/56
وهم بفضل الله أعظم الناس علما وبصيرة، وطمأنينة وسكينة، يرحمون الخلق، ويقولون فيمن خالفهم بالحق، ويحكمون فيهم بالعدل.
أما معتقدهم: فإنهم يوحدون الله بالعبادة، ويوحدون رسوله صلى الله عليه وسلم بالاتباع، ويبرأون من الشرك وأهله، ويؤمنون بالغيب واليوم الآخر، ويُثبتون لله ما أثبت لنفسه وما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات -صفات الذات والأفعال-؛ بلا تعطيل ولا تأويل، ولا تفويض لمعناها، ولا تكييف ولا تمثيل.
ويقولون إن الإيمان قول وعمل، وهم في هذا الباب وسط بين المرجئة والوعيدية، كما أنهم في باب القدر وسط بين الجبرية والقدرية.
إلى آخر ما يقررون من جمل الاعتقاد المدونة في مصنفاتهم المشهورة.
وهم مع هذا دعاةٌ إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، وسلوك مسلك الوسطية المجانب لحال أهل الإفراط والتفريط.
كما أنهم أبعد الناس عن الغلو، حائزون قصب السبق في ردع الغلاة والخوارج -ردًا ومناصحةً-؛ فليس ثمة جهدٌ يضارع -في هذا المقام- جهدهم، لا في القديم ولا في الحديث.
ثانيا: إن لقب "أهل السنة والجماعة" لقبٌ قديم، وأصحابه نقاوةُ المسلمين.
وهم صفوة أولياء الله الذين لهم في الأمة لسان صدق؛ من السلف الصالح -الصحابة والتابعين وأتباعهم- ومن سلك نهجهم ممن بعدهم، ومنهم الأئمة المتبوعون أهل المذاهب المشهورة، ومن تلاهم من أهل الاعتقاد الصحيح؛ ممن انتسب إلى هذه المذاهب -الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة- أو لم ينتسب.
وإن من المؤسف إسقاط "المؤتمرين" الإشارة إلى السلف الصالح وأئمة المسلمين حين حددوا المراد بأهل السنة، مع أنه معروفٌ قبل نشوء الأشعرية أو الماتريدية أو الصوفية؛ فهذا التابعي الجليل محمد بن سيرين رحمه الله يقول -كما في مقدمة صحيح مسلم 1/12-: (لم يكونوا يسألون عن الإسناد؛ فلما وقعت الفتنة قالوا: سمّوا لنا رجالكم؛ فيُنظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، ويُنظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم).
وقال أيوب السختياني رحمه الله -كما في السنة للالكائي 1/30-: (إن من سعادة الحَدَث والأعجمي أن يوفقهما الله لعالِم من أهل السنة).
وقال الإمام الشافعي رحمه الله -في الأم 4/121-: (وأحق الناس بالصبر للحق: أهل السنة من أهل دين الله تعالى)، وكلام الأئمة في استعمال هذا اللقب كثير.
فإذا كان هذا الاسم قديم الوجود؛ تجلّى الخطأ الكبير الذي وقع فيه أولئك حين قصروا وصف أهل السنة على من ذكروا ممن تأخر عن الصدر الأول.
أو فليقولوا إن كلام السلف والأئمة لا معنى له؛ لأن أهل السنة لقبٌ لأرباب مذاهب نشأت بعدهم!
ثالثا: إن الدعاوى المجردة عن الدليل يمكن لكل أحد أن يدعيها، وما قرره "المؤتمرون" في تحديد ماهية أهل السنة هو من هذا القبيل؛ ليس إلا دعوى مجردة عن الدليل.
والذي لا يمتري فيه مسلمٌ أن الأسعد بالحق والأجدر بوصف "أهل السنة والجماعة": من كان الكتاب والسنة مورده ومصدره؛ فإنهما الحق الذي لا ريب فيها، والمعتصمون بهما هم أهل الحق: {وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ}.
والمقارنة المنصِفة بين منهجي أتباع المذاهب الكلامية -كالتي ألصقوا لقب أهل السنة بها- وأتباع السلف الصالح ستبين بوضوح من الأحق بوصف "أهل السنة والجماعة"، ومن الذي اختطف هذا اللقب!
والحق أبلج لا يخفى على فطنِ.
فهل أتباع السلف الصالح أحق بهذا الوصف الشريف -وقد مضى ذكر طرف من نهجهم السديد ومعتقدهم الصافي- أم من عنده تعطيلٌ في صفات رب العالمين -تحت غطاء التأويل أو التفويض-؟
ومن يقول بإرجاءٍ مُحدَث في الإيمان، وجبرٍ مبتدعٌ في القدر؟
أفأتباع السلف الصالح أحق بهذا اللقب الكريم أم من يقدم العقل البشري على النقل عند دعوى التعارض؟
ومن يدفع في صدور أدلة الوحي بزعم أن دلالتها غير مفيدة لليقين، ولا خروج لها عن الظن والتخمين! ويقرر أن ما تمليه عليهم عقولهم هو القطعي؟ فيكون قد عزل وحي رب العالمين عن أن يفيد الهداية واليقين في أهم مطالب الدين!
أو يقول إن أحاديث الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- الصحيحة مردودةٌ في باب الاعتقاد إذا كانت آحادا -وهي عامة السنة-؟
وأن ظواهر الكتاب والسنة فيها ما يفيد الضلال والتشبيه؟!
أفأتباع السلف الصالح أحق بهذا الوصف أم من اختط له منهجا ما عرفه الرسل ولا أتباعهم في معرفة الله والاستدلال عليها؟
ومن لم يرفع رأسا بفهم السلف للنصوص ولا طريقتهم في التلقي والاستدلال؟
إلى سلسلة أخرى من المخالفات التي لا تخفى على من عنده علم بالمقالات.
إن الجواب واضح لا يستريب فيه ذو إنصاف.
رابعا: إن الجمعية توصي جميع المسلمين بتقوى الله، وتُحذر حملة العلم الشرعي من العبث بالمصطلحات العلمية؛ لما يترتب عليه من قلب المفاهيم ورد الحق وتصحيح الباطل، وآثار هذا على المسلمين لا تخفى.
وتؤكد أن الهبّة التي أعقبت هذا المؤتمر بالإنكار من العلماء والدعاة في أقطار العالم الإسلامي بشارةُ خير بتوفيق الله، وعلامة خذلان للناكبين عن المنهج الحق.
كما تُذكّر بأن الواجب على أهل السنة أكبر؛ وهو التشمير عن ساعد الجد في نصرة منهج أهل السنة والجماعة والدعوة إليه، ونفي تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين عنه.
والله سبحانه مُعز دينه، ومتم نوره، وناصر أوليائه.
وهو تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
حرر في غرة ذي الحجة، 1437هـ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق