هل كان علي (رض) معصوماً ؟ يقول الإثناعشرية إن الإمام معصوم من الذنوب والخطأ والنسيان والسهو (عقائد الإمامية للمظفر ص 67 ) . لكننا لم نسمع هذا الكلام من فم الإمام علي! بل قال العكس. فقد روي عنه أنه قال : إني لستُ بفوقِ أن أُخطئ (نهج البلاغة 2/ 201 ) .
وكان (ع) خائفاً من تولّي الحكم خشية ألا يعدل بين الناس!
فقد قال يوماً:- إني كنتُ كارهاً للولاية على أمة محمد () ،، لأني سمعتُ رسولَ الله () يقول:- أيّما والٍ وليَ الأمرَ من بعدي، أُقِيمَ على حد الصراط، ونشرت الملائكةُ صحيفته، فإن كان عادلاً أنجاه اللهُ بعدله، وإن كان جائراً إنتقض (هوى) به الصراط حتى تتزايل مفاصله، ثم يهوي إلى النار ( البحار للمجلسي 32/ 17 ، 32/ 26 ).
ومن كتابٍ له (ع) إلى أهل الكوفة عند مسيره من المدينة إلى البصرة:-
أما بعد، فإني خرجتُ من حيي هذا إمّا ظالماً أو مظلوماً، وإمّا باغياً أو مبغياً عليه، وأنا أذكّر اللهَ مَنْ بَلَغَهُ كتابي هذا لَما نَفَرَ إليّ (يقصد أن يأتيني) ، فإن كنتُ مُحسناً أعانني، وإن كنتُ مسيئاً إستعتبني ( البحار 32/ 68 ، 32/ 877 ). هذا الكلام رائع، لكن لا أظن أنه يصدر من معصوم.
وهناك أفعال قام بها علي، هي ليست بذنوب ولا أخطاء في نظر الكثيرين، لكن يبدو أنها لا تصدر من معصوم من الخطأ، لأنها أدت إلى نتائج عكسية ضد علي وضد الرعية في دولته! فمثلاً: قام العديد من رجاله الذين إختارهم كولاة للأمصار بأخطاء وتجاوزات أضرّت بالناس، وإستاء منها علي، وسبّبت خيبة أمل له، ولم يكن إختياره لهم صائباً! ولا أدري إن كان هذا جائزاً لرجل معصوم من الخطأ !!
وإليكم الأمثلة :-
الأشعث بن قيس، واليه على أذربيجان (نهج البلاغة 3/ 6). قال له (ع): أنت منافق بن كافر (نهج البلاغة 1/ 56 ، مصباح البلاغة 4/ 151 ) . والغريب أنه (ع) زوّج إبنه الحسن من إبنته (جعدة) التي إتُّهمت فيما بعد بدسّ السم للحسن !
لا أظن أن الأشعث بن قيس بهذا السوء ، ولكن الإثناعشرية يصرّون على تشويه سمعته ، فيقعون في ورطة : كيف يعيّن (المعصوم!) والياً مثله ؟!
زياد بن أبيه، واليه على (فارس أو البصرة) . وبّخه الإمام أكثر من مرة ، وإتهمه بالكذب (نهج البلاغة 3/ 19 - 3/ 20 – 3/ 69 ، مصباح البلاغة للميرجهاني 4/ 111 – 4/ 157 ). وكما تعلمون، أصبح زياد هذا فيما بعد من أشد أعوان معاوية وأقسى ولاته!
البعض يعتبر قساوة زياد مطلوبة أحياناً ، لتأديب المتمردين ، والذين تعوّدوا على الشغب ! ولكن في كل الأحوال ، هو مرفوض تماماً عند الإثناعشرية ، فكيف يعيّنه الإمام (المعصوم!) والياً على المسلمين ؟!
المنذر بن الجارود، واليه على فارس. سرق من مال الخراج ، فوبّخه الإمام قائلاً: إنّ صلاحَ أبيك غَرّني منك ،،، تُعمّرُ دنياكَ بخرابِ آخرتك (نهج البلاغة 3/ 132 ، دراسات في ولاية الفقيه للمنتظري 2/ 486 ، قاموس الرجال للتستري 10/ 242 ).
مصقلة بن هبيرة، واليه على أردشير. أكلَ أموال الناس، وهرب إلى الشام (نهج البلاغة 3/68 - 1/ 94 ، مصباح البلاغة للميرجهاني 4/ 126 – 4/ 153 ) .
النعمان بن العجلان، أرسله الإمام إلى البحرين ، فقيل أنه سرق مالها ، فوبّخه الإمام
(مصباح البلاغة للميرجهاني 4/ 153 ).
يزيد بن قيس الأرحبي ، وبّخه الإمام لأنه تأخّر في جلب الخراج ( مصباح البلاغة للميرجهاني (إثناعشري) 4/ 125 ) .
المسيب بن نجبة الفزاري، أرسله الإمام للقتال، وقال له : إنك ممن أثقُ بصلاحه . ولكن المسيب غشّ إمامه وخانه ، وترك الأعداء ينسحبون بسلام ! (تاريخ اليعقوبي (شيعي) 2/ 196 ) .
شريح بن الحارث، قاضي الكوفة (العاصمة) . غضب منه الإمام، ولم يستطع عزله (نهج البلاغة 3/ 4) .
أبو موسى الأشعري، واليه على الكوفة . رفض الخروج لقتال أهل الجمل ، فعزله (ع) ( البحار 32/ 65، مصباح البلاغة للميرجهاني 4/ 164 ) . أنا شخصياً لا أعتبره فاسداً .. بل أميل إلى رأيه في إعتزال الطرفين .. ولكنه .. في نظر الإثناعشرية .. من أسوأ الناس ! .. فكيف ولّاه (المعصوم!) على رقاب الرعية ؟!
قثم بن العباس، إبن عم الإمام، وواليه على مكة. يقولون أنه كان جباناً! ما أنْ رأى كتيبة معاوية تقترب حتى هرب من مكة! ( شرح نهج البلاغة 2/ 11) .
عبيد الله بن العباس، إبن عم الإمام، وواليه على اليمن. هرب هو الآخر عندما رأى جيش معاوية! وقد عاتبه الإمام على ذلك (شرح نهج البلاغة 2/ 15 ، مصباح البلاغة للميرجهاني 4/ 127 ) .
عبد الله بن عباس، إبن عم الإمام، وواليه على البصرة. كان من أشد الشيعة إنحيازاً لعلي (ع) منذ وفاة النبي (). لكنه ترك الإمام في النهاية وأخذ من بيت مال البصرة، وسكن مكة! وقد عاتبه الإمام قائلاً:- أما بعد،فإني كنتُ أشركتُك في أمانتي، وجعلتُك شعاري وبطانتي، ولم يكن في أهلي رجلٌ أوثق منك في نفسي ،، فلما رأيتَ الزمانَ على إبن عمك قد كَلَبَ (إشتد) ،، قلبتَ لإبن عمك ظهر المجن (صِرتَ ضده) ، ففارقتَه مع المفارقين، وخذلتَه مع الخاذلين، وخنتَه مع الخائنين . فردّ عليه إبن عباس:- إن حقي في بيت المال أكثرُ مما أخذتُ . فكتب إليه علي :- فارجع هداك الله إلى رشدك، وتب إلى الله . فكتب إليه إبن عباس:- والله، إنْ ألقى اللهَ قد إحتويتُ على كنوز الأرض أحبُّ إليّ من أن ألقاهُ بدم إمرئ مسلم (شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد 16/ 167 وما بعدها، مصباح البلاغة للميرجهاني 4/ 159) .
وقد إحتار إبن أبي الحديد في تفسير تصرفات إبن عباس هذه. ولكنني أراها واضحة المعنى! فيُحتمل أن عبد الله بن عباس كان من أوائل شيعة علي، وكان يراه الأجدر بالخلافة ، ليس لوجود وصية ، ولكن بسبب سابقته في الإسلام وعلمه وقرابته وصهره (البحار 31/ 363 ) .
ولكن لم يكن إبن عباس يرى علياً معصوماً!
فلما رأى إبن عباس في النهاية ولاية علي وهي تسير إلى الهاوية، وبدأ جيشه يتفكك، وأنصاره ينقصون، أظنه أحسّ بأن سياسة علي لا تُجدي، فآثر الإعتزال. أما بخصوص الأموال التي أخذها إبن عباس من بيت مال البصرة، فأظن، والله أعلم، أن السيناريو كان كالآتي :- كان عمر بن الخطاب (رض) قد فرض لآل محمد (عليه الصلاة والسلام) وأقاربه (من ضمنهم أولاد العباس) رواتب عالية تُغنيهم عن الناس. فلما جاء علي ساوى بين رواتب كل المسلمين، فإنخفضت الرواتب العالية! ويبدو أن إبن عباس سكت عن ذلك على مضض. فلما تدهورت الأمور، فتح إبن عباس بيت مال البصرة، وأخذ ما رآه حقاً له. وأخبر علياً بأن هذا أقل من راتبه القديم ، وأخبره أن الإجتهاد في أخذ الأموال أهون بكثير من الإجتهاد في سفك دماء المسلمين !! والله أعلم .
خلاصة الكلام: قد يكون إبن عباس شيعياً ، ولكنه لم يكن إمامياً إثناعشرياً .
فقيه أم سياسي ؟ يقول التستري (إثناعشري) :- هو (ع) لا يريد منهم ، بل ولا يقبل منهم أن يعاملوه بغير الصدق والتقوى . من أجل هذا سنراه حين يقع الصدام بينه وبين معاوية يؤثر الهزيمة مع الإخلاص والتقوى على إنتصار يتحقق بالمكر والمراوغة . ويقول له ابن عمه عبد الله بن عباس وهو الصالح الورع : خادعهم ، فإن الحرب خدعة ، فيجيبه الإمام الطاهر : لا والله لا أبيع ديني بدنياهم أبدا . مسلم عظيم يفجر الدنيا من حواليه ذمة وإستقامة وطهراً . وكذلك نراه وهو يخطب أصحابه في أول جمعة ، بالكوفة ، وهو أمير المؤمنين ، لا يخطب خطبة خليفة ولا أمير ولا حاكم . لا يصدر قرارات ، ولا يرسم سياسة على كثرة ما كانت الظروف تتطلب من قرارات وسياسة ن بل لا يجعل خطابه الأول هذا استجابة لحماس أصحابه وشد زناد الحمية في أنفسهم استعدادا للمعركة التي سيخوضونها مع جيش الشام المقاتل ، المدرب ، الصعب المراس ، لا شئ من ذلك كله يضمنّه الخليفة والإمام خطابه . إنما هي الدعوة الخالصة لتقوى الله وحسن عبادته وطاعته، اسمعوا : أوصيكم عباد الله بتقوى الله فإن تقوى الله خير تواصى به عباده ، وأقرب الأعمال لرضوانه ، وأفضلها في عواقب الأمور عنده . وبتقوى الله أمرتم ، وللإحسان خلقتم . ( حديث : أنت مني بمنزلة هارون/ مركز المصطفى ، نقلاً عن: إحقاق الحق للتستري 32/ 400 ) .
وبعد أن أثبتنا أنه (ع) لم يكن معصوماً من الخطأ ، وجدنا في كتب الإثناعشرية روايات عديدة فيها قرارات وتصرفات له (ع) ، لو درسناها بكل حيادية لوجدناها تُثير التساؤل والإستغراب . وإليكم بعض الأمثلة :-
أولاً:- تعامله مع مراكز القوة:- يروى أن طلحة والزبير قالا له :- أعطيناك بيعتنا على أن لا تقضي في الأمور ولا تقطعها دوننا، وأن تستشيرنا في كل أمر ولا تستبد بذلك علينا، ولنا من الفضل على غيرنا ما قد علمتَ. (ولكنك) أنت تقسم القسم (الأموال)، وتقطع الأمر وتُمضي الحكم بغير مشاورتنا ولا علمنا (البحار 32/ 21). فكان جوابه أنه قال(ع) لهما :- فوالله، ما كانت لي في الولاية رغبة، ولكنكم دعوتموني إليها، وجعلتموني عليها، فخفتُ أن أردّكم فتختلف الأمة(البحار 32/ 21)، ويُروى أنهما طلبا منه أنيوليهما بعض البلاد، فرفض وقال:- إرضيا بقسم الله لكما حتى أرى رأيي، وإعلما أني لا أشرك في أمانتي إلا من أرضى بدينه وأمانته من أصحابي، ومن قد عرفتُ دخيله ( ما في قلبه !! ). فإنصرفا عنه وقد دخلهما اليأس (البحار 32/ 6 ) .
ثانياً:- إعتداده برأيه .
قال (ع) لهما :- نظرتُ في كتاب الله وسنة رسوله، فأمضيتُ ما دلاني عليه واتبعته، ولم أحتج إلى رأيكما فيه ولا رأي غيركما(!!)( البحار 32/ 22 ) .على فرض صحة الرواية وما قبلها، لاحظ تلميحه (ع) لهما وإتهامه إياهما بقلة الدين والأمانة. وهو يعلم أن طلحة والزبير من كبار الصحابة، ومن أهل بدر، ومن كبار المستشارين في الدولة، ومنافسان كبيران له، ولهما أتباع وأنصار، حتى من بعض الذين ثاروا ضد عثمان. كأنه (ع) يريد من البداية تأليب الناس ضده ! فهل هذا تصرف دبلوماسي صائب ؟ الله أعلم . وأظنه (ع) كان يشعر بهذه الخصلة ( وهي أن الفقيه لا يصلح بالضرورة للسياسة ). لهذا رفض الخلافة بعد مقتل عثمان، قائلاً :- أتركوني، فأنا كأحدكم، بل أنا أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم ،، واعلموا إني إن أجبتكم (قبلتُ بالخلافة) ركبتُ بكم ما أعلم (آخذ برأيي) ولم أصغِ إلى قول القائل وعتب العاتب (أرفض أي إعتراض) وأنا لكم وزيراً (مستشاراً)خير لكم مني أميراً( شرح النهج لإبن أبي الحديد 1/169 – 7/33 ، البحار 32/ 24 ). وفي رواية أخرى:- دعوني وإلتمسوا غيري، فإنا مستقبلون أمراً له وجوه وله ألوان، لا تقومُ له القلوب، ولا تثبتُ عليه العقول( البحار 32/ 8 ، 32/ 23 )!!كأنه (ع) يشير إلى أن الظروف الصعبة حينها ذات وجوه مختلفةغير واضحة، وعقله الفقهي (الذي لا يعرف سوى هذا حلال وهذا حرام) قد يفهمها بطريقة تختلف عن فهم الآخرين، فتحصل المشاكل. وقد حصلت !!
وكم مرة نصحه شيعته أن يبذل المال لإستمالة الناس ، بدلاً من ذهابهم إلى معاوية ، فرفض (ع) رفضاً شديداً ( البحار 34/ 164 ، الكافي للكليني 4/ 31 ) . بصراحة ، لا أعلم كيف غابت عنه (ع) حكمة الله تعالى عندما جعل للمؤلفة قلوبهم نصيباً مفروضاً من زكاة المسلمين ! أليس في ذلك إباحة لإستخدام المال لتأليف الناس وإستمالتهم ؟!
ثالثاً:- إستعجاله في تغيير نظام توزيع الأموال. كان عمر بن الخطاب قد قسّم الرواتب بين الناس حسب سابقتهم في الإسلام وقرابتهم من النبي () ، ولم يعترض علي (ع) على ذلك وقتها . وإستمر الأمر في زمن عثمان. فلما تولى علي (ع) الخلافة تصوّر أن توزيع الأموال بالتساوي قد يهدئ الفتنة، فأعطى للكافر الذي أسلم قبل يوم كما يعطي للسابقين الأولين الذين جاهدوا مع النبي () . وقد حذر بعض الشيعة الإمام (ع) من مغبة هذا التصرف ، فرفض ( الكافي للكليني 4/ 31 ) . كما أضر هذا القرار بأخوته وأقاربه ، حتى تركه بعضهم وذهب إلى معاوية ( البحار 29/ 495 ، 42/ 114 ) .
كذلك يروون أنه (ع) قال في أول خطبة له :- ألا وإن كل قطيعة (قطعة أرض) أقطعها عثمان، أو مال أخذه من بيت مال المسلمين فهو مردود عليهم في بيت مالهم ، ولو وجدتُه قد تزوج به النساء وفُرّق في البلدان !! ( البحار 32/ 16 ). لاحظ قدرته (ع) العجيبة على تهييج الناس ضده، وخلق أعداء له! علماً أن هذه الأموال تم توزيعها على مدى إثناعشر سنة (فترة خلافة عثمان) وأمام عينه (ع) فلم نسمع منه (ع) حينذاك أي إعتراض ، وقد كان (ع) يعترض على أبسط من ذلك !!
رابعاً:- إستعجاله في عزل معاوية. قيل له (ع):- إن معاوية مَنْ قد علمتَ، قد ولاه الشام مَنْ كان قبلك، فولّه أنت، كيما تتسق عُرى الاسلام، ثم إعزله إن بدا لك..قال (ع) : لا يسألني اللهُ عن توليته على رجلين من المسلمين ليلة سوداء أبداً (البحار 32/ 34 ) .
خامساً:- عدم فتح ملف مقتل عثمان (رض) . قسّم علي (ع) الناس حسب موقفهم من عثمان إلى ثلاثة أقسام :- من يعتبر ابن عفان ظالماً كان ينبغي له أن ينضم إلى قاتليه أو ينابذ (يحارب) ناصريه . ومن كان يعتبره مظلوماً لقد كان ينبغي له أن يكون من المنهنهين (المدافعين) عنه والمعذرين فيه (يلتمسون له العذر) . ومن كان في شك من الخصلتين لقد كان ينبغي له أن يعتزله ويركن جانباً (البحار 32/ 95 ) .
فلو إعتقد علي أن عثمان قُتِلَ مظلوماً فالمفروض أن يقوم علي بمحاسبة قتلته، أو على الأقل تقديمهم للمحاكمة، وبذلك يتخلص من المسؤولية الجنائية ويُسكِت المعترضين. أما لو كان عثمان في نظر علي ظالماً يستحق القتل فالمفروض أن ينضمّ علي إلى الثوار من البداية، لا أن ينتظر ويتربص حتى يُقتل عثمان، ثم يركب الموجة ويؤيد الثوار بالعفو عنهم ويتركهم يسيطرون على الجيش! هذا تصرف إنتهازي لا يليق برجل عظيم مثل علي. وإذا قلنا أنه (ع) لم ينضم إلى الثوار بسبب التقية، فعثمان قد أصبح في الأيام الأخيرة ضعيفاً جداً لا يستطيع الخروج من بيته ليشرب الماء العذب! وقد أرسل (ع) ولديه الحسن والحسين ليحرسا عثمان وقتها! (مروج الذهب للمسعودي (شيعي زيدي لا إثناعشري) / من الإنترنيت 1/ 484 ). يقول البعض أنه (ع) لم يستطع محاكمة قتلة عثمان لأنهم كانوا أقوياء ومسيطرين على جيشه، وكان ينتظر تهدئة الأمور. بصراحة لم أقتنع بهذا التبرير! لأن القائد الحقيقي إما أن يطبّق القانون في دولته أو يحترم نفسه ويتنازل عن السلطة! رأيي المتواضع:- أظن ان علياً لم يكن متأكداً من صحة إعتراضات الثوار ضد عثمان، ولهذا لم ينضم إليهم. لكنه رأى أن عثماناً رفض أن يدافع عنه أحد حتى قُتِل، أي أن عثماناً قد تبرّع بدمه حقناً للدماء. فلماذا يفتح الملف بعد ذلك ويقتص من القتلة بينما صاحب الشأن (عثمان) لم يُرِد ذلك ؟! لكن بعض الصحابة أصرّوا على تطبيق القانون ومحاسبة القتلة. فإعتبر (ع) قرارهم هذا خروجاً على السلطة الشرعية. عندها بدأت المشاكل! ولصعوبة الموقف آنذاك والتحرّج من مقاتلة المسلمين آثر فريق من الصحابة الوقوف على الحياد وإعتزال القتال بين الطرفين (البحار 32/ 124 ) . وبعض الباحثين يؤيد رأي هذا الفريق، خصوصاً وأن علياً لم يُجبرهم على الخروج معه، فيبدو أنه (ع) رأى أن (المحايدين) أخطأوا لكن بتأويل جدير بالإعتبار! فكما تأوّل الثوار وقتلوا عثماناً، كذلك تأوّل (المحايدون) ورفضوا القتال. وأظن أن الإجتهاد بحقن دماء المسلمين أفضل من الإجتهاد بإراقتها! والله أعلم.
بقيت مسألة أخيرة في الموضوع، وهي أن الإثناعشرية يقولون إن طلحة والزبير وعائشة كانوا ضد عثمان، وساهموا في تأليب الناس ضده! ( البحار 32/ 58 ، 32/ 69 ، 32/ 78 ، 32/ 84 ، 32/ 126 ، 32/ 136 ) . إن كان هذا صحيحاً، فلماذا لم يتخلص الإمام منهم بمناورة سياسية بارعة، وهي إعطاء القضية إلى القضاء! عندها سيُحرج الثلاثة ويضعهم في قفص الإتهام، ويُسكت معاوية، وإذا عاتبه أحد فيقول له : إن الأمر بيد القضاء، ولا دخل لي فيه! أكان هذا خطأً سياسياً ؟! الله أعلم .
سادساً :- تغييره لقراراته تحت الضغط . يقال أنه (ع) لم يقبل بالتحكيم في صفين لأنه على وشك الإنتصار، ثم وافق بسبب ضغط جيشه عليه (شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد 2/ 219 ) .وكان علي يريد عزل أبي موسى الأشعري ، ولكن شيعته أجبروه على إبقائه ، فقال علي : والله ما كان عندي بمؤتمن ولا ناصح ولقد أردتُ عزله ، فأتاني الأشتر ، فسألني أن أقرّه (أبقيه) وذكر أن أهل الكوفة به راضون ، فأقررته . وعندما رفض أبو موسى الأشعري الإشتراك في القتال ، قال له أمير المؤمنين في رسالة :- أما بعد ، يا ابن الحائك ، يا عاض أير أبيه ! (البحار 32/ 86 – 87 ) . تخيّل ، إمام معصوم يتلفظ بهذه الألفاظ المخجلة !! وكذلك عندما أراد أن يُرسل إبن عباس ممثلاً عنه في التحكيم، فأجبروه على إختيار أبي موسى الأشعري . لا أدري إن كان من خصال القائد الناجح أن يرضخ لضغوط جيشه حتى لو أدت إلى الخسارة !! وأظنه (ع) أحسّ بهذا، فقال في النهاية : كنتُ أمس أميراً فأصبحتُ اليوم مأموراً (نهج البلاغة 2/ 186) . فهل هذا إعلان رسمي منه (ع) بإنتهاء ولايته السياسية ؟! هذا يشير إلى أن شيعته لم يؤمنوا بعصمته، وإلا كيف يُعارضوا ويناقشوا رجلا معصوماً ؟ وحتى مالك الأشتر – أشهر قادة جيش علي – ذات مرة إعترض على إمامه (ع) وغضب منه ! (راجع البحار 32/ 71 – 32/ 381 – 32/ 452 ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق