الأحد، 30 أبريل 2017

السنة النبوية ونكاح المتعة إلياس الهاني / ادلة تحريم المتعة

استدلَّ فقهاء الشيعة على صحة مذهبهم في المتعة بمجموعة من الأحاديث والمرويات التي وردَت في كتبِهم، وفي السنَّة النبوية الشريفة، التي نقل فيها الصحابة رضوان الله تعالى عليهم حكم الإباحة عن النبي صلى الله عليه وسلم. 
الأحاديث التي استدلَّ الشيعة بها على إباحة نكاح المُتعة: 
هذه أحاديث وروايات الشيعة مِن مصادرهم، التي تؤكد جواز هذا النوع من النكاح؛ لنرى مدى صحَّتها[1]: 
1- جاء في الكافي[2] عن أبي بصير، سألتُ أبا جعفر عن المُتعة، فقال: نزلتْ في القرآن: ﴿ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ ﴾ [النساء: 244]. 
نقول: فيه سهل بن زياد، وهو من المشهورين بالكذب ووضْع الأحاديث، والمعروفين بالغلوِّ، وجاء عنه أنه كان فاسد الرِّواية والمذهَب. 
2- وجاء في الكافي[3]، عن زُرارة قال: جاء عبدالله بن عمير الليثي إلى أبي جعفر فقال له: ما تقول في مُتعة النِّساء؟ فقال: أحلَّها الله في كتابه، وعلى لسان نبيِّه صلى الله عليه وسلم، فهي حلال إلى يوم القيامة، فقال: يا أبا جعفر، مثلك يقول هذا، وقد حرَّمها عُمر ويَنهى عنها؟! فقال: وإن كان فعل، قال: إني أعيذك بالله من ذلك أن تُحلَّ شيئًا حرَّمه عُمر، قال: فقال له: فأنت على قول صاحبك، وأنا على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهلمَّ ألاعنك أنَّ القولَ ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنَّ الباطل ما قال صاحبك، قال: فأقبل عبدالله ابن عمير فقال: يسرُّك أن نساءَك وبناتك وأخواتك وبنات عمك يفعلْنَ، قال: فأعرض عنه أبو جعفر حين ذكر نساءَه وبناتِ عمِّه. 
لا نشكُّ أن هذه الرواية من وضع زرارة، وهو ملعونٌ على لسان الأئمَّة، ثمَّ نتساءل إذا كان هذا النِّكاح مباحًا عند الأئمة عندهم، فلماذا أعرض أبو جعفر عمن سأله حين ذكر نساءه وبنات عمه؟! فلو كان حلالاً ومستحبًّا ومِن ضروريات مذهبِهم، لما كان من وسعه إلا أن يرضى ويقبَل هذا النوع من المُتعة لنسائه وبناتِ عمِّ! 
3- جاء في الكافي[4] عن عبدالرحمن بن أبي عبدالله قال: سمعت أبا حنيفة يَسأل أبا عبدالله عن المتعة، فقال: أي اُلمتمتِّعين تسأل؟ قال: سألتُك عن مُتعة الحجِّ، فأنبئني عن مُتعة النِّساء؛ أحقٌّ هي؟ فقال: سبحان الله! أما قرأتَ كتاب الله - عز وجل -: ﴿ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ﴾، فقال أبو حنيفة: والله فكأنها آية لم أقرأها قطُّ! 
في سنده حَرِيز؛ وهو: حَرِيز بن عبدالله السجستاني، فقد صدر عن الأئمَّة بالذمِّ عليه، إلا أن الإمامية حمَلوه على التَّقِيَّة، ثم إنَّ مجرد النظر في المتن نستطيع أن نقول: إن هذا كذبٌ على أبي حنيفة؛ لأنَّ أبا حنيفة ممن يقول بتحريم نكاح المتعة. 
4- استدلَّ الطوسيُّ في "الاستِبصار وتهذيب الأحكام" على تحليل المُتعة برواية عن محمد بن يعقوب الكُلِيني عن محمَّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن ابن مسكان قال: سمعتُ أبا جعفرٍ يقولُ: كان عليٌّ يقول: لولا ما سبَقَني إليه ابن الخَطاب ما زنى إلا شقي. 
وهذه الرواية موجودة في الكافي، إلا أن الطوسي قد حذف اسم الراوي الحقيقي عن أبي جعفر، وسند هذه الرواية - كما في الكافي - : محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى، عن ابن مسكان، عن عبدالله بن سليمان قال: سمعت أبا جعفر يقول...إلخ، وقد حكم المجلسي على هذه الرواية بالمَجهولة؛ بسبب عبدالله بن سليمان هذا. 
5- واستدلَّ الطوسي أيضًا على تحليل المُتعة برواية عن أبي مريم عن أبي عبدالله قال: المُتعة نزل بها القرآن، وجرَتْ بها السنَّة مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم. 
وهذه الرواية موجودة في الكافي بنفس السند والنص، إلا أنَّ المجلسيَّ قد حكَم عليها بأنها مجهولة، ولعلَّ ذلك بسبب الراوي أبي عبدالله؛ وهو: أبو مريم، وقد يكون هذا الرجل اسمًا لا مُسمَّى له. 
هذه أهم الأحاديث التي استدل بها الشيعة على مشروعية المتعة، وقد أعرضنا عن روايات أخرى، وكلُّها لم تسلم من مطعن فيها؛ من حيث رجالُ سندها، إضافة إلى كون متونها فيها من المُنكَرات ما يستحيل - بحكم العقل السليم - صدورها عن أئمة أهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم"[5]. 
"ومما يدلُّ دلالة قطعية على كذب الروايات التي يَرويها الإماميَّة في تحليل المُتعة عدم وجود ولد لأحدٍ مِن أئمَّة أهل البَيت أو عامَّتهم مولود عن طريق نِكاح المُتعة أبدًا، فلو كانوا يُبيحونه لكانوا قد مارَسوه، وأنجَبوا منه مئات الأولاد حتمًا، وجاء ذِكرُه في كتُب الأنساب الخاصة بهم، فإن هذه الكتب لا تذكر إلا أن فلانًا أمُّه فلانة بنت فلان، فإذا كانت أمَةً مملوكة ذكَروا ذلك ونبَّهوا عليه بقولهم: أمُّه جارية أو أم ولد، ولم يَذكروا عن واحدة منهن أنها امرأة متعة. 
وتذكر هذه الكتب مثلاً أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم تزوَّج كذا من النساء، وتسرَّى بكذا من الجواري، وأن عليًّا رضي الله عنه تزوَّج كذا من النساء وتسرَّى بكذا مِن الجَواري، ويذكرون أسماءهنَّ وأنسابَهنَّ، ولكن لم يُذكر بتاتًا أن واحدة منهنَّ كانت امرأة مُتعة قطُّ. 
وكذلك جعفر الصادق، وغيره من الأئمة، فلماذا تسكت هذه الكتب عن ذكر ذلك لو كان موجودًا؟!"[6]. 

أدلَّة الشِّيعة مِن السنَّة على إباحة المُتعة: 

أولاً - الأحاديث التي استدلَّ بها الشيعة على إباحة المُتعَة: 

استدلَّ الشِّيعة بأحاديث وردت في السنة النبوية، والتي نقل فيها الصَّحابة حكم الإباحة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهي كما يلي: 
1- عن عبدالله بن مسعود قال: "كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم فرخَّص لنا أن نَنكح المرأة بالثوب إلى أجل"[7]. 
2- عن جابر بن عبدالله وسلَمة بن الأكوع قالا: "خرَج علينا مُنادي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أذن لكم أن تستمتعوا"[8]، وزاد مسلم: "يعني مُتعة النِّساء"[9]. 
3- وفي روايةٍ عن عَطاء قال: قدم جابر بن عبدالله معتًمرا، فجئناه في منزله فسأله القوم عن أشياء، ثم ذكروا المتعة فقال: نعم؛ استمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر"[10]. 
4- وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: "كنا نَستمتِع بالقبضَة مِن التَّمر والدقيق الأيامَ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نهى عنه عمر[11]. 

ثانيًا - مناقشة الأدلة: 
"أجمع علماء أهل السنة على ثبوت مَشروعية المتعة، وإباحتها - أولَ الأَمرِ - أيامًا مِن الدهر، قبل أن يقضي فيها النبي صلى الله عليه وسلم قضاءً مُبرَمًا فيُحرِّمها على التأبيد. 
وهذه الأحاديث منسوخة - بلا شك - بما ورَد من أحاديث لاحقة نصَّت على التحريم، والتي سنأتي على ذكرها عند الحديث عن أدلة أهل السنة والجماعة على تحريم مُتعة النِّساء، وكان يجدر بفقهاء الشِّيعة وهم يستدلُّون على إباحة المتعة من صِحاح أهل السنة ألا يُغمضوا عيونهم عن الأحاديث التي أثبتَت النَّسخ والتحريم؛ كونها تُزيل كلَّ الإشكاليات التي اعترت هذه المسألة. 
ومما لا ريبَ فيه أنَّ تَجاهُل غُلاة الشيعة لهذه النصوص يتنافى مع الأمانة العلمية"[12]. 
"أما قول بعض الصحابة أنهم استمتَعوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكْر وعمر رضي الله عنهما، إلى أن نَهى عنه عمر، فلا يَصلح دليلاً على صحَّة مذهب الشيعة في إباحة المُتعة، فالظاهر أن الذين استمتعوا زمن أبي بكر وعمر - وهم قلَّة - لم يكن خبر التحريم قد بلغهم، فلما نهاهم عمر عن المتعة استنادًا إلى تحريم النبي صلى الله عليه وسلم لها، أقلَعُوا عنها"[13]. 
يقول الإمام الصنعاني:" إنما المُبيحون إنَّما بنوا على الأصْل لما لم يَبلغْهم الدليل الناسخ، وليس مثل هذا من باب الاجتهاد، وإنما هم مَعذورون بجهل الناسخ، فالمسألة لا اجتِهاد فيها بعد ظهور النص على أنَّ الذي أوجب هذا الخفاء على بعض الصحابة ولم يعلم بالنسخ أمور؛ أهمها: 
أ- أن هذا النكاح "نكاح سرٍّ"؛ حيث لم يُشتَرط فيها الإشهاد، ولما كانت خالية عن الإعلان حقَّ لها أن تَخفى حتى على القريب. 
ب- أن هذا النكاح وقع فيه الترخيص مرتين، وقد يحضر الصحابي موطن الرخصة فيَسمعه ويفوته سماع النهي؛ مما أدى إلى تمسُّك بعضهم بالرُّخصة فيه. 
والذي يعتقده أهل السنَّة في صَحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم - بصورة عامة - أنهم أحرص الناس على امتِثال أوامر الله تعالى والابتعاد عن نواهيه، فكل مَن بلغه نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المُتعة فذلك موقفه منها، وكل مَن لم يبلغْه النهيُ في عصر النبوة ثم بلغه بعد ذلك فإنه التزَمَه وقال به. 
ومع هذا فلا يُنكَر أنَّ بعض الصحابة لم يبلغه النهي إطلاقًا إلا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا ليس بغريب؛ فقد حدث مثلُ هذا كثيرًا، وقد خفي على عدد من كبار الصَّحابة أحاديث كثيرة مع قربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقدُّمِهم في السن وطول صحبتهم؛ فقد خفي عن عمر حديث الجزية حتى أخبَرَه عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه، كما خفيَ عليه حديث الاستئذان حتى أخبَرَه أبو موسى الأشعريُّ رضي الله عنه. 
روى مسلم في صحيحه عن أبي نضرة قال: "كنتُ عند جابر بن عبدالله، فأتاه آتٍ فقال: ابن عباس وابن الزبير اختلَفا في المُتعتين، فقال جابر: فعلناهما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نهانا عنهما فلم نعد لهما". 
فهذا الحديث يدلُّ على امتِناع جابر عنها لما اطَّلع على نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن طريق عمر، وتصريحه بعدم العودة إليها دليل على رجوعه عن القول بحلِّها، فأين إنكار جابر يا تُرى على عمر؟!"[14]. 
"لا تكادُ تقف على كتاب من كتُبِ الشِّيعة أدلى بدلائله في مَعين هذه القضية إلا وتجد فيه اتهامًا صريحًا وواضحًا لعمر رضي الله عنه بتحريمه لنِكاح المُتعة، وما أروع ما ذكَرَه الفخر الرازي في ردِّ هذه الشبهة، فقال ما نصه: "ذكر - أي: عمر رضي الله عنه - هذا الكلام في مجمع الصحابة، وما أنكر عليه أحد، فالحال ههنا لا يخلو إما أن يُقال: إنهم كانوا عالِمين بحرمة المُتعة فسكَتوا، أو كانوا عالمين بأنها مُباحة، ولكنهم سكَتوا على سبيل المُداهَنة، أو ما عرفوا إباحتها ولا حرمتها فسكَتوا، لكنَّهم متوقفون في ذلك، والأول هو المطلوب، والثاني يوجب تكفير عمر وتكفير الصَّحابة؛ لأن مَن علم أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم حكَمَ بإباحة المتعة ثم قال: إنها محرَّمة محظورة من غير نسخ لها فهو كافر بالله، ومَن صدَّقه عليه مع علمه بكونه مخطئًا كافرًا كان كافرًا أيضًا، وهذا يقتضي تكفير الأمة، وهو على ضد قوله: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ [آل عمران: 1100]. 
والقسم الثالث، وهو أنهم ما كانوا عالمين بكون المتعة مُباحة أو محظورة، فلهذا سكتوا، فهذا باطل أيضًا؛ لأن المتعة بتقدير كونها مباحة تكون كالنِّكاح، واحتياج الناس إلى معرفة الحال في كل واحد منهما عامٌّ في حق الكلِّ، ومثل هذا يمنع أن يبقى مخفيًّا، بل يجب أن يشتهر العلم به، فكما أن الكل كانوا عارفين بأن النكاح مُباح، وأن إباحته غير مَنسوخة، وجب أن يكون الحال في المُتعة كذلك، ولما بطل هذان القسمان ثبَت أنَّ الصحابة إنما سكَتوا على الإنكار على عمر رضي الله عنه؛ لأنهم كانوا عالِمين بأن المتعة صارت مَنسوخة في الإسلام"[15]. 
إذًا؛ مِن الواضح أن تحريم نكاح المُتعة كان معلومًا مِن الدِّين بالضرورة عند الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، فأقرُّوه ولم يَعترِضوا عليه. 
أما المتعة الثانية التي نهى عنها أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه فهي مُتعة الحاج؛ أي: أن يجمع الحاج العمرة والحج في أشهر الحج، وكان مِن رأيه رضي الله عنه، ألا يَكون التمتُّع في أشهُر الحج، بل في غيرها ليكثر القصد إلى بيت الله تعالى، فيعمر البلد الحرام بكثرة الوافِدين إليه، علمًا بأن نهيَه للمُسلمين عن متعة الحج لم يكن من قبيل التحريم لها، وإنما كان هذا رأيًا رآه أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه"[16]. 
"هذا ما قاله الفاروق عمر، شأنه في ذلك شأن أي حاكم يسنُّ تشريعًا طبقًا للدستور، أو يعلن عن عقوبة طبقًا لفقرة من القانون قد خفيَت على البعض. 
ولم يأتِه أربعة يشهدون بغير ما قال، أو يَعترضون عليه ويقولون: كيف تحرِّم أمرًا أحلَّه الله ورسوله؟ كما فعلوا معه في "مُتعة الحج" حينما اجتهد من أجل ألا يَخلو بيتُ الله مِن الطائفين على مدار العام، فنَهى عنها نهْيَ خيار لا نهي إجبار؛ فإن كثيرًا منهم خالفوه فيها، واعتَبَروا ما قاله فتوى غير مُلزِمة، وما زال المسلمون إلى اليوم يتمتَّعون في حجِّهم طبقًا لما جاء مِن مشروعيته في كتاب الله"[17]. 

أدلة تحريم المتعة من السنة النبوية: 

"استدلَّ فقهاء أهل السنَّة على تحريم المُتعة بمجموعة كبيرة من الأحاديث النبوية الشريفة، نسخَت تلك الأحاديث التي وردَت في إباحتها، وهذه الأحاديث المتأخِّرة التي نسختْ ما قبلَها هي التي يُعوَّل عليها، وفيها من الوضوح ما يَكفي لرد كل الذرائع التي يتذرع بها الشيعة الاثنا عشرية، وهذه طائفة منها"[18]: 
1- عن عليٍّ رضي الله عنه قال لابن عباس: "إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المُتعة وعن لحوم الحمُر الأهليَّة زمن خيبر"[19]. 
2- عن علي بن أبي طالب: "إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن مُتعة النِّساء يوم خيبر، وعن أكْل لحوم الحمُر الإنسية"[20]. 
3- وعن سبْرة أنه قال: "أَذِنَ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمُتعة، فانطلقتُ أنا ورجل إلى امرأة مِن بني عامر كأنها بَكرة عَيطاء، فعرضْنا عليها أنفسَنا، فقالت: ما تُعطي؟ فقلتُ: ردائي، وقال صاحبي: ردائي، وكان رداء صاحبي أجود مِن ردائي، وكنتُ أشبَّ منه، فإذا نظرت إلى رداء صاحبي أعجَبَها، وإذا نظرت إليَّ أعجبتُها ثم قالت: أنتَ ورداؤك يكفيني، فمكثتُ معها ثلاثًا، ثم إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَن كان عنده شيءٌ مِن هذه النساء التي يتمتَّعُ، فليخلِّ سبيلها"[21]. 
4- وعن سبرة أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((يا أيها الناس، إني قد كنتُ أذنتُ لكم في الاستمتاع مِن النساء، وإنَّ الله قد حرَّم ذلك إلى يوم القيامة، فمَن كان عنده منهنَّ شيء فليُخل سبيله، ولا تأخذوا مما أتيتموهنَّ شيئًا"[22]. 
5- عن إياس بن سلمة عن أبيه قال: "رخَّص رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثًا ثُمَّ نَهى عنها"[23]. 
"مِن هذه النصوص التي أوردناها يتَّضح لنا بجلاء، أنَّ الرسول عليه الصلاة والسلام هو الذي حرم نكاح المتعة وليس هو عمر بن الخطاب"[24]. 
فالأحاديث صحيحة وصريحة، قاطعة بتحريم نكاح المُتعة، وصرَّح صلى الله عليه وسلم بأنَّ ذلك دائم إلى يوم القيامة، والعجيبُ أنَّ في مصادر الشِّيعة نصوصًا في إثبات تَحريم المُتعة لا يَذكرونها ولا يُشيرون إليها. 

تحريم أهل البيت لنكاح المتعة: 
مِن خلال الاطِّلاع على مصادرهم نجد بصراحة أن نكاح المتعة حرام، ويُجمِعون على ذلك، وهذا الذي يتوافق تمامًا مع الموقف الشرعي الذي عليه جمهور الأمة الإسلامية؛ فمِن ذلك: 
1- ذكر الطوسي والحر العاملي عن علي قال: "حرَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر لحوم الحمر الأهلية ونِكاح المُتعة"[25]. 
2- وعن علي بن يقطين قال: سألتُ أبا الحسن - الإمام الكاظم - عن المُتعة؟ فقال: "وما أنت وذاك؟! فقد أغناك الله عنها"[26]. 
3- وعن عبدالله بن سنان قال: سألتُ أبا عبدالله - الإمام الصادق - عن المُتعة؟ فقال: "لا تدنِّس نفسَكَ بها"[27]. 
4- وعن عمار قال: قال: أبو عبدالله - الصادق - لي ولسليمان بن خالد: "قد حرمتُ عليكما المُتعة"[28]. 
5- وعن أبي عبدالله - الصادق - قال عن المُتعة: "دعوها، أما يستحيي أحدكم أن يرى في موضع العورة فيحمل ذلك على صالحي إخوانه وأصحابه"[29]. 
6- وسُئل جعفر الصادق عن المُتعة، فقال: "ما تَفعله عندنا إلا الفواجِر"[30]. 
"فالروايات السابقة - وهي مِن روايات الشِّيعة - تبيِّن لنا بوضوح أنَّ أهل البيت رضوان الله تعالى عليهم لا يَرتضون هذا النكاح الفاسد، وأنهم يَنهون عنه، ولا يُجوِّزونه، وأما مُخالَفة الشيعة لأهل البيت في هذه المسألة فلا قيمةَ لها؛ لأنهم يَعشقون هذه المخالفة"[31]. 
"وقد يقولُ قائلهم - كعادتهم للإفلات مِن هذا المأزق: إن هذه الأحاديث إنما قالها الأئمَّة تقيَّة أيضًا، فنقول لهم: إنَّ هذا الزعم مردود عليكم، ومِن كُتبِكم أيضًا، وكما قيل: "مِن فمك نُدينك"، فإنه لا تقيَّة عندكم في متعة النساء، وهذا قول عالِمِكم الملقَّب بـ"كاشف الغطاء" يَكشف به غطاء هذه المسألة ويقرِّرها في كتابه: "أصل الشِّيعة" فيقول ما نصه: ومِن طرُقِنا الوثيقة، عن جعفر الصادق (ع) أنه كان يقول: "ثلاث لا أتّقي فيهنَّ أحدًا: متعة الحج، ومتعة النساء، والمسح على الخفَّين"[32]. 
فهذه حقيقة استنادهم للسنَّة في إباحة المتعة، وقد تبيَّن بجلاء تهافُت بنيان الاستدلال، والناظر للآيات القرآنية الكريمة والنصوص المتقدمة في تحريم المتعة - إن كان طالبًا للحق محبًّا له - لا يملك إلا أن يحكم ببطلان تلك الروايات التي تحثُّ على المتعة؛ لمعارضتها صريح القرآن وصريح السنَّة المنقولة عن أهل البيت، مع ما يترتَّب عليها من مفاسد لا حصر لها. 
[1] سأعتمد في ذلك على كتاب: "توثيق السنة"؛ لما حواه من استقصاء لجميع الروايات الواردة في المتعة مع دراسة أسانيدها على طريقة الشيعة في فنِّ الاصطلاح والرجال، معتمدًا على كتبهم المُعتبَرة في الحديث والرجال، وفي هذا إلزام قوي لمن أراد التجرد للحق.
[2] "مرآة العقول" (20 / 225) باب المُتعة [توثيق السنَّة].
[3] "مرآة العقول" (20 / 228)، ونقل هذا النص وبنفس السند الطوسي في تهذيب الأحكام (7 / 225) رقم 1081 [توثيق السنَّة].
[4] مع "مرآة العقول" (20 / 229) [توثيق السنَّة].
[5] "توثيق السنَّة بين الشيعة الإمامية وأهل السنة في أحكام الإمامة ونكاح المتعة"؛ أحمد سحيمي (ص: 456 - 459)، [مع الاختصار الشديد].
[6] "المنهج القرآني الفاصل بين أصول الحق وأصول الباطل" (ص: 681).
[7] "صحيح البخاري"؛ للإمام محمد بن إسماعيل البخاري، اعتناء الدكتور محمد تامر - كتاب التفسير - دار التقوى - مصر، وصحيح مسلم؛ للإمام مسلم بن الحجاج القشيري، اعتناء محمد عبدالحليم - كتاب النكاح - مكتبة الصفا ط1، 14244 هـ / 2004م مصر.
[8] أخرجاه الشيخان في كتاب النكاح.
[9] "صحيح مسلم" (2494).
[10] أخرَجه مسلم في كتاب النكاح.
[11] أخرجه مسلم.
[12] "نِكاح المتعة بين الإباحة والتحريم" أحمد أبو الشباب (ص: 61).
[13] "نفس المصدر" (ص: 65).
[14] "سبل السلام شرح بلوغ المرام مِن أدلة الأحكام"؛ لمُحمد بن إسماعيل الصنعاني (3 / 126)، المكتبة التجارية الكبرى - بمصر.
[15] "التفسير الكبير"؛ للرازي (3 / 195، 196) نقلاً عن: [كتاب نكاح المُتعة بين الإباحة والتحريم].
[16] "نكاح المُتعة بين الإباحة والتحريم" (ص: 74 ، 75).
[17] "المنهج القرآني الفاصل بين أصول الحق وأصول الباطل" (ص: 682، 683).
[18] "نكاح المتعة بين الإباحة والتحريم" (ص: 189).
[19] "صحيح البخاري" (5116).
[20] "صحيح مسلم" (1407).
[21] "صحيح مسلم" (1406).
[22] "صحيح مسلم" (5 / 26).
[23] "صحيح مسلم" (18 / 1405).
[24] "موقف الشريعة الغراء من نكاح المتعة" (ص: 41).
[25] "تهذيب الأحكام"؛ للطوسي (7 / 226).
[26] "الكافي"؛ للكليني (5 / 452)، و"وسائل الشيعة"؛ للعاملي (14 / 449).
[27] "وسائل الشيعة"؛ للعاملي (14 / 450).
[28] "الكافي"؛ للكليني (2 / 48)، و"وسائل الشيعة"؛ للعاملي (14 / 450).
[29] "الكافي"؛ للكليني (5 / 453)، و"بحار الأنوار"؛ للمجلسي (100 / 311).
[30] "وسائل الشيعة"؛ للعاملي (14 / 456)، و"بحار الأنوار"؛ للمجلسي (100 / 318).
[31] "الشيعة والمتعة"؛ لمحمد مال الله (ص: 41).
[32] "الكافي الممتع المفيد والرد المفحم الملجم السديد" (ص: 42). 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق