الأحد، 30 أغسطس 2015

ذيل تذكرة الذهبي ملفقة كذبة مختلقة عن الذهبي في ابن تيمية



===========
محمد برى الصومالي

الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل، بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضالٍ تائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وأقبح أثر الناس عليهم .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ... وبعد :

فقد شاع بين الناس منذ زمان رسالة منحولة على الإمام الذهبي رحمه الله تعالى زعم كاتبها أنها نصيحة للشيخ ابن تيمية !!! .. وبعد قراءة الرسالة بما فيها من فحش القول والازدراء على الإمام والاطلاع على كلام الإمام الذهبي في كتبه ومنهجه في النقد على الرجال تبين لي بوضوح أنها بمعزل عنه ..
وحتى لا أطيل على القارئ فإني أذكر في هذه الملزمة المختصرة بعض الحجج العلمية على تبرئة الإمام من هذه الرسالة ... مع أن الموضوع تطرق إليه قبلي علماء وباحثون وكل أدلى دلوه ولهم الفضل في ذلك ..
فممن رأيته كتب عن الموضوع :
1- الشيخ محمد بن إبراهيم الشيباني في " التوضيح الجلي في الرد على النصيحة الذهبية "
2- محمد عبد الله القونوي في :" أضواء على الرسالة المنسوبة إلى الحافظ الذهبي "
وتكلم عنها الشيخ زهير الشاويش في تعليقاته على الرد الوافر للإمام ابن ناصر الدين الدمشقي
وسعيد الزهراني في رسالته عن الإمام الذهبي ..
وقد استفدت منهم بعض المسائل وإن كانت قليلة .... وهذا أوان الشروع في الموضوع ....
هذه الرسالة نشرها محمد بن زاهد الكوثري 1347هـ وذكر أنها بخط الشيخ ابن قاضي شهبة عن خط البرهان ابن جماعة عن خط العلائي عن خط مرسلها.. ووسم الرسالة بأنها نصيحة !! الإمام الذهبي للشيخ ابن تيمية ... وذكر أن السخاوي ذكرها في " الاعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ " ..
وسأقف معا وقفات سريعة ...

1-هذه الرسالة لا يوجد فيها اسم الذهبي ولا ابن تيمية .. مع أن هذا ليس من شأن الرسائل التي ترسل إلى الأشخاص بل هي بعكس ذلك غير مصدرة باسم المراسل ولا باسم المرسل إليه .. وهذا أول ما يبعث الشك حول هذه الرسالة ..
فقد بدأت بعد الحمدلة بقوله " طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس .." واختتمت بالحمدلة بدون ذكر أي اسم !! .
2-هذه الرسالة مخالفة لمنهج الإمام الذهبي في النقد على الرجال بل إن ألفاظها سوقية فضلا عن أن يتكلم بها عالم مثل الذهبي رحمه الله ..
فمما جاء فيها :" فهل معظم أتباعك إلا قعيد مربوط خفيف العقل أو عامي كذاب بليد الذهن أو غريب واجم قوي المكر أو ناشف صالح عديم الفهم .."
وفيها :" يا مسلم أقدم حمار شهوتك لمدح نفسك .."
وفيها:" كما أن أوليائك فيهم فجرة وكذبة وجهلة وبطلة وعور وبقر "
ومرة يصف الشيخ بأنه " محجاج عليم اللسان لا تقر ولا تنام " وعليم اللسان يطلق على المنافقين ..
والإمام الذهبي لا يستعمل مثل هذا حتى مع أشداء المبتدعة والخرافيين .. فكيف يصف الذهبي شيخه وأتباع شيخه بمثل هذه الكلمات والألفاظ ؟
كيف وهو القائل في ترجمة الفضيل بن عياض :" وإنما الكلام في العلماء مفتقر إلى وزن بالعدل والورع " السير 8/448 ... أي عدل وورع في هذه الرسالة التي لم تذكر لشيخ الإسلام منقبة واحدة ولو يسيرة من مناقبه التي عرفها القاصي والداني المحب والمناوئ ..!!!
ويقول في ترجمة حافظ المغرب ابن عبد البر :" ولكن إذا أخطأ إمام في اجتهاده لا ينبغي لنا أن ننسى محاسنه ونغطي معارفه بل نستغفر له , ونعتذر عنه " السير 18/157
فلنطبق هذا الكلام بما ورد في الرسالة المنحولة ... هل ذكر له منقبة واحدة أم غطى معارفه .. ؟
هذا يؤكد أن الذهبي لم يمس له بنان لهذه الرسالة ...
3- هذه الرسالة لم يذكرها الذهبي في مصنفاته التي تأخرت عن وقت كتابة الرسالة كالسير وغيره ولم يذكرها أحد من أهل عصره من العلماء والمؤرخين على كثرتهم .. بل ولا ذكرها المناوئون لدعوة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .. مع شدة حاجتهم إليها .. مما يدل على أنها مفتراة على الشيخ ..
وإذا كان الذهبي رحمه الله يخاطب شيخ الإسلام بمثل هذا الكلام فالأولى من ذلك أن يُظهر من حاله ومواقفه ويعرفها الناس عنه .. ولكان تلاميذه مثل السبكي وغيره تناقلوها وسطروها في مؤلفاتهم وتراجمهم وكانوا أفرح الناس بذلك وكان الحصول على هذه الرسالة كالحصول على كنز عظيم لديهم .. ولكنا لا نرى لذلك أثرا ... بل إن السبكي الذي قضى أكثر عمره مع شيخه الذهبي وكان من الخاصة لديه نراه يقذع الشيخ ويتحمل عليه لأجل إمالته إلى آراء الحنابلة واعتقاداتهم التي كان شيخ الإسلام رأسها إذ ذاك ..
فيقول في ترجمته في الطبقات :" وكان شيخنا والحق أحق ما قيل والصدق أولى ما آثره ذو السبيل شديد الميل إلى آراء الحنابلة كثير الإزراء بأهل السنة " طبقات الشافعية 9/104 تـ الطناحي والحلو .
ولم يذكر بعد ذلك أنه رجع عن هذا ولا أنه كرّ على الشيخ ابن تيمية ولو قليلا ..
4- كما يبدوا من الرسالة ... فإن كاتبها زعم أن الذهبي أرسلها إلى شيخه في حياته وفعلا هذا ما يظهر من خطاب الرسالة .. كالاستعمال بكاف الخطاب وكقوله :" أما أنت في عشر السبعين وقد قرب الرحيل " .. ومن المعلوم أن الذهبي ألف بعد وفاة الشيخ كتب تراجم عديدة كذيل العبر وتذكرة الحفاظ وذيل التاريخ .. وقد ترجم لشيخ الإسلام في مصنفاته هذه . فما ننتظر منه إذا في ترجمته له بعد هذه الرسالة ؟ لا بد أن يذكر مثل ما حوت عليه الرسالة من تقذيع وازدراء وتحمل على الشيخ أو قريبا من ذلك أو حتى على بعض ذلك ... !! فلننظر ما سطر في ترجمته له في كل هذه الكتب ..
قال في تذكرة الحفاظ 4/192 دار الكتب العلمية :" ابن تيمية الشيخ الإمام العلامة الحافظ الناقد الفقيه المجتهد المفسر البارع شيخ الإسلام علم الزهاد نادرة العصر, تقي الدين أبو العباس أحمد ابن المفتي شهاب الدين عبد الحليم ابن الإمام المجتهد شيخ الإسلام مجد الدين عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم الحراني أحد الأعلام: ولد في ربيع الأول سنة إحدى وستين وستمائة وقدم مع أهله سنة سبع فسمع من ابن عبد الدائم وابن أبي اليسر والكمال بن عبد وابن الصيرفي وابن أبي الخير وخلق كثير، وعني بالحديث ونسخ الأجزاء ودار على الشيوخ وخرج وانتقى وبرع في الرجال وعلل الحديث وفقهه وفي علوم الإسلام وعلم الكلام وغير ذلك.
وكان من بحور العلم ومن الأذكياء المعدودين والزهاد الأفراد والشجعان الكبار والكرماء الأجواد, أثنى عليه الموافق والمخالف وسارت بتصانيفه الركبان لعلها ثلاثمائة مجلد.
حدث بدمشق ومصر والثغر، وقد امتحن وأوذي مرات وحبس بقلعة مصر والقاهرة والإسكندرية وبقلعة دمشق مرتين، وبها توفي في العشرين من ذي القعدة سنة ثمان وعشرين وسبعمائة في قاعة معتقلًا ثم جهز وأخرج إلى جامع البلد فشهده أمم لا يحصون فحزروا بستين ألفًا ودفن إلى جنب أخيه الإمام شرف الدين عبد الله بمقابر الصوفية, رحمهما الله تعالى ورئيت له منامات حسنة ورثي بعدة قصائد؛ وقد انفرد بفتاوى نيل من عرضه لأجلها وهي مغمورة في بحر علمه, فالله تعالى يسامحه ويرضى عنه فما رأيت مثله، وكل أحد من الأمة فيؤخذ من قوله ويترك فكان ماذا؟ "
قوله :" وبها توفي في العشرين من ذي القعدة سنة ثمان وعشرين وسبعمائة " دليل واضح أنه ألف الكتاب بعد وفاته رحمه الله ..
وقال في ذيل العبر :" ومات بقلعة دمشق ليلة الاثنين العشرين من ذي القعدة شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن تيمية الحراني معتقلا ومنع قبل وفاته بخمسة أشهر من الدواة والورق ومولده فى عاشر ربيع الأول يوم الاثنين سنة إحدى وستين وستمائة بحران سمع من ابن عبد الدائم وابن أبي اليسر وعدة وبرع في التفسير والحديث والاختلاف والأصلين وكان يتوقد ذكاء ومصنفاته أكثر من مائتي مجلد وله مسائل غريبة نيل من عرضه لأجلها وكان رأسا في الكرم والشجاعة قانعا باليسير شيعه نحو من خمسين ألفا وحمل على الرءوس رحمه الله " ذيل العبر / حوادث سنة 728
وقال في ذيل تاريخ الإسلام:" ابن تيمية، الشَّيخ، الإمام العالم، المُفسّر، الفقيه، المجتهد، الحافظ، المحدِّث، شيخ الإسلام، نادرة العصر، ذو التَّصانيف الباهرة والذكاء المفرط، تقي الدين، أبو العبَّاس، أحمد، ابن العالم المفتي شهاب الدين عبد الحليم(1) ابن الإمام شيخ الإسلام مجد الدين أبي البركات .... وصار من أئمة النقد، ومن علماء الأثر، مع التدين والنبالة، والذكر، والصيانة.
ثمَّ أقبل على الفقه ودقائقه وقواعده وحججه، والإجماع والاختلاف؛ حتَّى كان يقضى منه العجب إذا ذكر مسألة من مسائل الخلاف، ثمَّ يَستدل ويُرجّح ويجتهد، وحُقَّ له ذلك، فإنَّ شروط الاجتهاد كانت قد اجتمعت فيه؛ فإنني ما رأيت أحداً أسرع انتزاعاً للآيات الدالة على المسألة التي يوردها منه، ولا أشد استحضاراً لمتون الأحاديث، وعزوها إلى الصحيح، أو إلى المسند، أو إلى السنن منه؛ كأن الكتاب والسنن نصب عينيه، وعلى طرف لسانه، بعبارة رشيقة، وعين مفتوحة، وإفحام للمخالف. وكان آية من آيات الله تعالى في التفسير، والتوسع فيه، لعله يبقى في تفسير الآية المجلس والمجلسين.
وأما أصول الديانة، ومعرفتها، ومعرفة أحوال الخوارج والروافض والمعتزلة وأنواع المبتدعة؛ فكان لا يُشق فيه غباره، ولا يلحق شأوه.
هذا مع ما كَانَ عليه من الكرم الَّذي لم أشاهد مثله قط، والشجاعة المفرطة الَّتي يضرب بها المثل، والفراغ عن ملاذّ النفس، من اللباس الجميل، والمأكل الطيب، والراحة الدنيوية. ولقد سارت بتصانيفه الركبان، في فنونٍ من العلم وألوان، لعلَّ تواليفه وفتاويه في الأصول، والفروع، والزهد، والتفسير، والتوكل، والإخلاص، وغير ذلك، تبلغ ثلاث مائة مجلد، لا بل أكثر.
وكان قوَّالاً بالحق، نهّاءً عن المنكر، لا تأخذه في الله لومة لائم، ذا سطوة وإقدام، وعدم مداراة الأغيار. ومن خالطه وعرفه؛ قد ينسبني إلى التقصير في وصفه، ومن نابذه وخالفه؛ ينسبني إلى التغالي فيه، وليس الأمر كذلك. مع أنني لا أعتقد فيه العصمة، كلا! فإنه مع سعة علمه، وفرط شجاعته، وسيلان ذهنه، وتعظيمه لحرمات الدين، بشرٌ من البشر تعتريه حدّة في البحث، وغضب وشظف للخصم؛ تزرع له عداوة في النفوس، ونفوراً عنه.
وإلا والله فلو لاطف الخصوم، ورفق بهم، ولزم المجاملة وحسن المكالمة؛ لكان كلمة إجماع؛ فإنَّ كبارهم وأئمتهم خاضعون لعلومه وفقهه، معترفون بشفوفه وذكائه، مقرّون بندور خطئه.
لست أعني بعض العلماء الَّذين شعارهم وهجِّيراهم الاستخفاف به، والازدراء بفضله، والمقت له، حتَّى استجهلوه وكفَّروه ونالوا منه، من غير أن ينظروا في تصانيفه، ولا فهموا كلامه، ولا لهم حظ تام من التوسع في المعارف، والعالم منهم قد ينصفه، ويرد عليه بعلم.
وطريق العقل السكوت عما شجر بين الأقران ـ رحم الله الجميع
وأنا أقلّ من أن ينبّه على قدره كلمي، أو أن يوضّح نبأه قلمي؛ فأصحابه وأعداؤه خاضعون لعلمه، مقرُّون بسرعة فهمه، وأنَّه بحر لا ساحل له، وكنز لا نظير له، وأن جُوده حاتمي، وشجاعته خالدية. ولكن قد يَنْقِمون عليه أخلاقاً وأفعالاً؛ منصفُهم فيها مأجور، ومقتصدهم فيها معذور، وظالمهم فيها مأزور، وغاليهم مغرور، وإلى الله ترجع الأمور، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك، والكمال للرسل، والحجة في الإجماع. فرحم الله امرأً تكلم في العلماء بعلم، أو صمت بحلم، وأمعن في مضايق أقاويلهم بتؤدة وفهم، ثمَّ استغفر لهم، ووسَّع نطاق المعذرة، وإلاَّ؛ فهو لا يدري ولا يدري أنَّه لا يدري.
وإن أنت عذرت كبار الأئمة في معضلاتهم، ولا تعذر ابن تَيْميَّة في مفرداته؛ فقد أقررت على نفسك بالهوى، وعدم الإنصاف !
وإن قلت: لا أعذره، لأنَّه كافر، عدوّ لله تعالى ورسوله! قال لك خلقٌ من أهل العلم والدين: ما علمناه والله إلاَّ مؤمناً محافظاً على الصلاة، والوضوء، وصوم رمضان، معظِّماً للشريعة ظاهراً وباطناً. لا يؤتى من سوء فهم، بل له الذكاء المفرط، ولا من قلة علم، فإنه بحر زخَّار، بصير بالكتاب والسنة، عديم النظير في ذلك، ولا هو بمتلاعب بالدين؛ فلو كان كذلك؛ لكان أسرع شيء إلى مداهنة خصومه، وموافقتهم، ومنافقتهم.
ولا هو يتفرد بمسائل بالتشهّي، ولا يفتي بما اتفق، بل مسائله المفردة يحتج لها بالقرآن، أو بالحديث، أو بالقياس، ويبرهنها ويناظر عليها، وينقل فيها الخلاف، ويطيل البحث؛ أُسوةَ مَنْ تقدمه من الأئمة، فإن كانَ قد أخطأ فيها؛ فله أجر المجتهد من العلماء، وإن كانَ قد أصاب؛ فله أجران.
وإنَّما الذم والمقت لأحد رجلين: رجل أفتى في مسألة بالهوى، ولم يُبْدِ حجة، ورجل تكلَّم في مسألة بلا خميرةٍ من علم، ولا توسُّعٍ في نقل؛ فنعوذ بالله من الهوى والجهل. ولا ريب أنه لا اعتبار بذم أعداء العالم؛ فإن الهوى والغضب يحملهم على عدم الإنصاف والقيام عليه. ولا اعتبار بمدح خواصه والغلاة فيه؛ فإن الحب يحملهم على تغطية هناته، بل قد يعدوها محاسن. وإنما العبرة بأهل الورع والتقوى من الطرفين، الذين يتكلمون بالقسط، ويقومون لله، ولو على أنفسهم وآبائهم.
فهذا الرجل لا أرجو على ما قلته فيه دنيا ولا مالاً ولا جاهاً بوجه أصلاً، مع خبرتي التامة به، ولكن لا يسعني في ديني، ولا عقلي أن أكتم محاسنه، وأدفن فضائله، وأبرز ذنوباً له مغفورة في سعة كرم الله تعالى وصفحه، مغمورة في بحر علمه وجوده، فالله يغفر له، ويرضى عنه، ويرحمنا إذا صرنا إلى ما صار إليه.
مع أني مخالفٌ له في مسائل أصلية وفرعية، قد أبديت آنفاً أن خطأه فيها مغفور، بل قد يثيبه الله تعالى فيها على حسن قصده، وبذل وسعه، والله الموعد. مع أني قد أوذيت لكلامي فيه من أصحابه وأضداده؛ فحسبي الله!. ....."
إلى أن قال :" توفي ابن تيمية إلى رحمة الله تعالى معتقلاً بقلعة دمشق، بقاعة بها، بعد مرض جَدَّ أياماً، في ليلة الاثنين، العشرين من ذي القعدة، سنة ثمان وعشرين وسبع مئة. " ذيل تارسخ الإسلام المطبوع مع تاريخ الإسلام 53/525 ...
فانظر النص بطوله أيها المنصف .. هل ترى فيه شيئا مما في هذه الرسالة الموضوعة على الإمام ..؟
وقال في معجم الشيوخ :" شيخنا الإمام تقي الدين أبو العباس الحرّاني. فريد العصر علما ومعرفة وذكاء وحفظا وكرما وزهدا، وفرط شجاعة وكثرة تآليف والله يصلحه ويسدِّده، فلسنا بحمد الله ممن نَغْلُو فيه، ولا نجفو عنه، ما رئي كاملا أئمةُ التَّابعين وتابعيهم، فما رأيته إلاّ ببطن كتاب ..... قال : وكانت وفاته في العشرين من شهر ذي القعدة سنة ثمان وعشرين وسبعمائة مسجونا بقاعة من قلعة دمشق وشيعه أمم لا يحصون إلى مقبرة الصوفية ولم يخلُف بعده مثلُه في العلم ولا من يقاربه " معجم الشيوخ 56-57 مكتبة الصديق
وله غير ذلك من الأقوال فيه تركتها اختصارا ...
فهل للذهبي رحمه الله أن يصف بـ" شيخ الإسلام ، الشّيخ، الإمام العالم، المُفسّر، الفقيه، المجتهد، الحافظ، المحدِّث، نادرة العصر، لم يخلُف بعده مثلُه في العلم ولا من يقاربه " وغيرها من الأوصاف على رجل "عليم اللسان ,يمدح نفسه , يسب العلماء , ينبش سموم دقائق الكفريات , بلع سموم الفلاسفة وأدمن عليها جسمه , يلعن ويزدري الصالحين , يعد النصارى مثله ,من تبعه معرض للزندقة والانحلال , يصغر العباد ويزدري بالأبرار , كلامه عنده أعظم من أحاديث الصحيحين , لا يذكر الموت ويزدري بمن يذكره ," وغير ذلك من الأوصاف التي وردت في الرسالة ..
وكيف للذهبي أن يمدحه بكل هذه المدائح بعد أن أقذعه بالقول وعده في عداد الضالين وشكك فس سلامة إيمانه بالشهادتين ؟ هل يجوز أن يفعل مثل ذلك هذا الإمام المبجل ؟
ولقائل أحمق أن يقول إن الذهبي رجع عن مدحه لشيخ الإسلام ابن تيمية بعدما رأى من أفعاله وأخطائه !!!. فأقول له : هل رجع عن ذلك في حياته أم بعد موته ؟ فإن قال الأول وأن الذهبي غير مواقفه في حياة الإمام ابن تيمية فلم كال له كل هذه المدائح بعد وفاته في كتبه ؟ أم أنه غير موقفه ثانية وأيد الشيخ تقي الدين ؟ فإن قلت : لا لم يغير موقفه ؟ فلم يلبس على الناس ولا يحذر من هذا الرجل العديم النفع عنده ؟ أم أن هذه تقية ؟
وإن قال بأنه غيّر موقفه من الشيخ بعد وفاته وبعد تصنيفه لهذه الكتب .. فأين ذلك ؟ برهن وبين لنا ؟
ولا أظنك تجد ... بل إن الذهبي ألف كتابه "ذيل تاريخ الإسلام " بعد سنة 741 أي قبل سبع سنوات من وفاته كما في مقدمته ص:13 وقد عرفت ترجمته الطويلة الماتعة لشيخ الإسلام فيه ...
هذه من أقوى الحجج على أن هذه الرسالة منحولة على الإمام الذهبي - رحمه الله - .
وقد رثى الإمام الذهبي رحمه الله شيخ الإسلام بعد وفاته بهذه الأبيات :
يا موت خذ من أردت أو فدع ... محوت رسم العلوم والورع
أخذت شيخ الإسلام وانفصمت عرى... التقى واشتفى منه أولو البدع
غيبت بحرا مفسرا جبلا ... حبرا تقيا مجانب الشيع
فإن يحدث فمسلم ثقة ... وإن يناظر فصاحب اللمع
وإن يخض نحو سيبويه يفه ... بكل معنى من الفن مخترع
وصار عالي الإسناد حافظه ... كشعبة أو سعيد الضبعي
والفقه فيه فكان مجتهدا ... وذا جهاد عار من الجزع
وجوده الحاتمي مشتهر ... وزهده القادري في الطمع
أسكنه الله في الجنان ولا ... زال عليا في أجمل الخلع
مع مالك الإمام وأحمد ... والنعمان والشافعي والخلعي
مضى ابن تيمية وموعده ... مع خصمه يوم نفخة الفزع
أوردها الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي في " الرد الوافر " بسنده إلى الإمام...
انظر وصفه إياه بشيخ الإسلام والبحر والجبل والتقي والحبر ومجانب الشيع .. وانظر مقارنته بينه وبين أولئك الأئمة العظماء كمسلم وغيره ... أيستحق كل هذه الأوصاف من وسمه من قبل بقوله " لو سلم لك إيمانك بالشهادتين فأنت سعيد يا خيبة من اتبعك فإنه معرض للزندقة والانحلال .." ؟
لماذا يحذر الناس من اتباعه ثم يحثهم على ذلك ؟ ... هذه تساؤلات تحتاج إلى إجابة ..
5- ما وصفه كاتب الرسالة بشيخ الإسلام هي محض افتراء وتقليب الحقائق .. بل إن شيخ الإسلام كان على العكس من ذلك بشهادة كل العلماء من الطرفين وما كان الذهبي الذي كان رفيق الشيخ ومحبه وتلميذه يجهل ذلك .. فمما جاء في الرسالة :
أ- قال كاتبها فيها :" إلى كم ترى القذاة في عينك ولا ترى الجذع في عينيك إلى كم تمدح نفسك وشقاشقك وعباراتك وتذم العلماء وتتبع عورات الناس "
ب- قال :" يا رجل بالله عليك كف عنا فإنك محجاج عليم اللسان لا تقر ولا تنام "
ج- وقال " وكثرة الكلام بغير دليل تقسي القلب فكيف إذا كان في عبارات اليونسية والفلاسفة وتلك الكفريات التي تعمي القلوب .."
وقال :" يا رجل قد بلعت سموم الفلاسفة ومصنفاته مرات وبكثرة استعمال السموم يدمن عليها الجسم وتكمن والله في البدن "
د- قال " كان سيف الحجاج ولسان ابن حزم شقيقين فواخيتهما "
وقال :" يا مسلم أقدم حمار شهوتك لمدح نفسك إلى كم تصادقها وتعادي الأخيار ؟ إلى كم تصدقها وتعادي الأخيار إلى كم تصدقها وتزدري بالأبرار إلى كم تعظمها وتصغر العباد إلى متى تخاللها وتمقت الزهاد إلى متى تمدح كلامك بكيفية لا تمدح بها والله أحاديث الصحيحين , يا ليت أحاديث الصحيحين تسلم منك بل في كل وقت تغير عليها بالتضعيف والإهدار أو بالتأويل والإنكار "
هـ-قال :" ما أذكر أنك تذكر الموت بل تزدري بمن يذكر الموت "
و-قال :" فما أظنك تقبل على قولي ولا تصغي إلى وعظي ... وأنا الشفوق المحب الواد فكيف حالك عند أعدائك , وأعداؤك فيهم والله صلحاء وعقلاء وفضلاء ..."
وكل هذا تخالف ما فيكتب الشيخ ورسائله وخطاباته وإلا فأتوا لي شيئا طائلا من هذا النوع ؟
نحن لا نقول أن الشيخ معصوم وأنه لا يخطئ لا , ولكن ما في هذه الرسالة لا يجترئ عليها إلا عالم فاسق أو جاهل عنيد , وشيخ الإسلام رحمه الله كما هو معروف عن سيرته ومعروف من شهادة محبيه ومناوئيه له كان من أعلم علماء زمانه ... بل قال الذهبي رحمه الله :" ولم يخلُف بعده مثلُه في العلم ولا من يقاربه " , ومع ذلك فهو بشر يخطئ ويصيب وقد أخطأ في بعض المسائل التي نخالفه فيها , ولكن هذا لا يؤدي أن ننسى محاسنه وفضائله نفعه للمسلمين ...
وهذا بعض ما قال عنه مناوئوه والفضل ما شهدوا به ..:
قال القاضي ابن مخلوف :" ما رأينا مثل ابن تيمية حرضنا عليه فلم نقدر عليه وقدر علينا فصفح عنا وحاجج عنا " البداية والنهاية 14/61 دار إحياء التراث ... وهذا نقض لما ورد في الرسالة :" فما أظنك تقبل على قولي ولا تصغي إلى وعظي ... وأنا الشفوق المحب الواد فكيف حالك عند أعدائك , وأعداؤك فيهم والله صلحاء وعقلاء وفضلاء "
وقال التقي السبكي :" أما قول سيدي في الشيخ فالمملوك يتحقق كبر قدره. وزخارة بحره. وتوسعه في العلوم الشرعية والعقلية. وفرط ذكائه واجتهاده. وبلوغه في كل من ذلك المبلغ الذي يتجاوز الوصف. والمملوك يقول دائما. وقدره في نفسي أكبر من ذلك وأجل. مع ما جمعه الله له من الزهادة والورع والديانة. ونصرة الحق. والقيام فيه لا لغرض سواه. وجريه على سنن السلف. وأخذه من ذلك بالمأخذ الأوفى. وغرابة مثله في هذا الزمان. بل من أزمان. "ذيل طبقات الحنابلة 4/505 مكتبة العبيكان
انظر قوله :" مع ما جمعه الله له من الزهادة والورع والديانة. ونصرة الحق. والقيام فيه لا لغرض سواه " وقارنه بما في الرسالة :" :" ما أذكر أنك تذكر الموت بل تزدري بمن يذكر الموت " .. كيف يجهل هذا تلميذه ومحبه ويعرفه عنه مناوئه .
إن هذه الرسالة ليست نصيحة كما قيل ولكنها ازدراء وتقريع ...
إنني أتسائل لماذا لم يوجد مثل ما ورد في هذه الرسالة في كتب الإمام الأخرى وتراجمه الطويلة للشيخ في حياته وبعد موته ؟ لماذا يعتمد عليها بعض الناس ويتعامون عما في كتبه الأخرى من الثناء والمدح للشيخ ؟ أليس هذا فرط تعصب ضد الشيخ ؟
وإلى هنا أقف ... وما كان من صواب فمن الله وما كان من خطأ فمني ومن الشيطان ...

أخوكم طويلب العلم : أبو عبد الرحمن الصومالي محمد برى علي
30/11/2013



البحث بصيغة pdf عبر هذا الرابط :::

http://alwacaysi.3abber.com/file/45771
http://alwacaysi.3abber.com/file/45771
http://alwacaysi.3abber.com/file/45771

============
 ذيل تكرة الحفاظ لاتصح
كذبة مختلقة عن الذهبي في ابن تيمية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق