الخميس، 18 فبراير 2016

المقالات دراسات وبحوث الموقع البحث... البحث... دور الفرس في صناعة اليهودية ثانياً : تأليف التلمود البابلي



: د. طه الدليمي






دور الفرس في صناعة اليهودية

ثانياً : تأليف التلمود البابلي


في المقال السابق(*) تطرقنا إلى تحريف الفرس للتوراة بأمر وإشراف الملك الفارسي قمبيز/ أرتحشستا، نكمل الموضوع ببيان دور الفرس في صناعة التلمود، الذي به تم تحريف التوراة وتعطيلها كلية.

يقول الباحث السعودي الأستاذ عبد الله الضحيك: كلمة تلمود مشتقة من الجذر العبري (لامد)، ويعني الدراسة والتعلم. ويعود كل من كلمة (تلمود) العبرية وكلمة تلميذ العربية إلى أصل سامي واحد.

ويمكن تعريفه بأنه "الكتاب الذي يحتوي على التعاليم اليهودية الشفوية، أو بعبارة أكثر تحديداً هو الكتاب العقائدي الذي يفسر ويبسط كل معارف الشعب الإسرائيلي وتعاليمه وآدابه وقوانينه الإخلاقية". (الشرقاوي الكنز المرصود ص11). وهو مصدر أساسي للتشريع والأعراف .

فالتلمود عبارة عن تفسير الحاخامات للشريعة المكتوبة (التوراة). ويخلع التلمود القداسة على نفسه باعتبار أن كلمات علماء التلمود كانت بوحي من الروح القدس. ومن منطلق أن الشريعة الشفوية لا تقل في منزلتها عن الشريعة المكتوبة.

وهو - بتعريف آخر مكمل للأول - منشور عسكري سياسي، نفث فيه كل ما في الشخصية الفارسية من حقد وعُقَد، ليستكمل الطرفان: الفارسي واليهودي مشروعهم الذي بدأ بالتوراة المحرفة، وهدفه السيطرة على المنطقة العربية ونهب ثرواتها وقتل شعوبها.





نشأة التلمود بإشراف الفرس الإخمينيين

ما هي قصة هذا التلمود؟ وما علاقة الفرس به؟

بعد عزرا الكاتب قامت طائفة من اليهود تدعى بالفريزيين (الأرثوذكس حالياً) نسبة إلى منطقة (فرز) في إيران (لاحظ التقارب الصرفي بين فرز وفرس). أسس الفرس الأخمينيون هذه الطائفة ونصبوها عنوة على اليهود. عرف هؤلاء بأنهم أتباع عزرا المسؤول عن شؤون اليهود في البلاط الفارسي. وقاموا بتدوين تعاليم موسى الشفوية المزعومه كذباً وزوراً. أفرزت هذه التعاليم فيما بعد ما عرف بالتلمود، وذلك عام 210 ق م.

لم يكن التلمود – كما يقول الضحيك - سوى منشور عسكري سياسي، نفثوا فيه كل ما في الشخصية الفارسية من حقد وعُقَد، ليستكملوا المشروع الفارسي اليهودي الذي تم تدشينه بالتوراة المحرفة، والذي يهدف إلى السيطرة على المنطقة العربية ونهب ثرواتها وقتل شعوبها. ففي التلمود يمكن تنظيم الشعب اليهودي وتجهيزه كتنظيم عسكري وسياسي وظيفي من خلال وضع اليهود تحت سلطة الحاخامات الفريزيين دون غيرهم من طوائف اليهود الأخرى. أما الذي يعارض سلطة الحاخام الفريزي من اليهود فهو مستحق للقتل والتعذيب والتشريد. (سفر عزرا الإصحاح 6-7). وقد جاء في التلمود (من احتقر أقوال الحاخامات استحق الموت أكثر ممن احتقر أقوال التوراة. ولا خلاص لمن ترك تعاليم التلمود واشتغل بالتوراة فقط لأن علماء التلمود أفضل كما جاء في شريعة موسى).

اتخذ كتبة يهود بابل إجراءات استثنائية لعزل اليهود عن باقي العالم، ونظموا حياتهم الخاصة تنظيماً دقيقاً قاسياً. وفرضوا عليهم شروطاً حياتية تجعلهم تحت رحمة رؤسائهم ما داموا أحياء، بل وجعلوا منهم فئة محقوداً عليها بل محاربة من باقي العالم، عن سابق قصد وتخطيط، ما لا يحسدون عليه إطلاقاً. (د. روبن، التوراة تاريخها وغاياتها ص52).

ويضيف د. روبن (ص40): "فالدين اليهودي ليس ديناً صحيحاً، بل منظمة قتالية تلبس لبوس الدين غايتها الاحتفاظ بنقاوة الشعب اليهودي". وكان على الكتبة اليهود البابليين تهيئة اليهود المنفيين من بابل وتنظيمهم تنظيماً قتالياً يجعلهم أهلاً للسيطرة على العالم كما وعدهم (يهوه)، وغير قابلين للامتزاج مع الغير ولا يقبلون بالمصالحة ولا يعرفون الرحمة. وجاء في (الموسوعة اليهودية): "وأصبحت الحياة اليهودية منذ ذلك الحين منظمة حسب الفريزيين. كما أعيد وضع كل تاريخ اليهود من وجهة نظر فريزية، وأعطي وجه جديد للتشريعات السابقة (السنهدرين). كما حلت سلسلة جديدة من التقاليد محل التقاليد القديمة، وقد كيفت الفريزية طبيعة اليهود وكذلك حياة وتفكير اليهودي للمستقبل كله".



انعكاس الشخصية الفارسية بعقدها الجمعية في التلمود

لم يرث اليهود كتاب (العهد القديم) فقط، بل ورثوا معه تاريخاً طويلاً من اللاشعور الجمعي بكل عقده ومكنوناته، ومنها الشعور بالدونية، والشعور بالعظمة والتعالي، وكل عقد الشخصية الفارسية التى اتخذت طابعاً دينياً. فالتلمود لم يكن إلا إنعكاساً للنفسية الفارسية التي أعطت نوعاً من الشرعية والقداسة لجميع الرذائل اليهودية من الحقد والظلم والكذب. وكتابات العهد القديم زاخرة بالأقوال التي تدل على تلك الحالات. وقد وظف الفريزيون كل تلك النقائص في استعباد واستغلال اليهود ونقل جلهم من اليهودية إلى (الفارسية) الفريزية.

وبالرغم من التعديلات التي لحقت بما دوّنه عزرا الكاتب ما تزال ثمت ملامح زرادشتية واضحة نجدها في مخطوطات البحر الميت، وفي أن رجل الدين اليهودي حمل التسمية التي حملها عضو هيئة المجوس أي حكيم (حاخام). ومثلما حمل كبير الكهنة المجوس اسم (موبذ وموبذان) حمل كبير كهنة اليهود اسم (الكاهن الأعظم).

أنشأ الفريزيون جناحاً عسكريًا (الزيلوت)، اشتهر بالعنف والتعصب وسفك الدماء. وقد مارسوا القتل للقتل. كان أحدهم يحمل خنجراً برأسين، ويمر بين الناس فيطعن به على الجانبين. (لاحظ الشبه بخنجر أبي لؤلؤة الفارسي).

هكذا تم إخضاع اليهود لسيطرة زعمائهم الأبدية يقررون لهم مصيرهم وعاداتهم ونمط حياتهم. وهكذا ضمن الزعماء اليهود طاعة أتباعهم العمياء، وأمكنهم استعمالهم وتحقيق غاياتهم دون اعتراض، بعد جهد جهيد بذله ملوك الفرس من أجل ربطها بالدين. ورأوا أن وحدة المجتمع اليهودي لا تتم إلاّ بهذا الرابط والسيطرة على طائفة رجال الدين، بعد أن نجحوا نجاحاً باهراً في تغيير أسس العقيده اليهودية على النحو الذي يخدم مصالحهم. وذلك حين أدركوا بخبثهم إمكانية استخدام العنصر اليهودي عنصراً تابعاً وموالياً لهم. كما كانوا يرون في طبقة رجال الدين قيادة قادرة أن تفرض قدراً من التماسك على المجتمع اليهودي. ومن هنا كان حماس القيادة الفارسية في ترسيخ دعائم الشريعة اليهودية (التوراة والتلمود)، والحرص على تدوين كتبها المقدسة وربطها بالملك. يذكر إسرائيل شاحاك في كتابه (الديانة اليهودية ص97): "يوجد في مصر كتاب يعود تاريخه إلى 415 ق. م يحتوى على نص لأمر صادر عن ملك فارس داريوس الثاني ويتضمن تعليمات ليهود مصر بالنسبة إلى تفاصيل التقيد بفرائض عيد الفصح).

إن حقد اليهود على جميع البشر وحب الثأر والإستعلاء لم يكن سوى نتاج هذا التلمود الذي كانت الثقافة الفارسية الزرادشتية أهم روافده خصوصاً في فكرة الماشيح والمفاهيم الثنوية مثل الحرب بين أبناء النور وأبناء الظلام والفلكيات والأرواح الطيبة والشريرة. وبات لدينا الآن مجموعة تميّزت دينياً باسم (يهود) ولكن دون الخروج عن جوهر الزرادشتية. وفي هذا الشأن يقول إسرائيل شاحاك (الديانة اليهودية ص96): "يتبين لنا إلى أي حد كان دور الإكراه الأجنبي دوراً فعالاً في فرض الديانة اليهودية، وبنتائج دائمة".

هذه هى الديانة اليهودية التي اخترعها الفرس الإخمينيون وحاخامات اليهود في بابل، لم تكن سوى تنفيس لإحساساتهم الغارقة في عقد نفسية نتيجة تبدد الآمال بفرض السيطرة المطلقة على شعوب المنطقة.

إن العنف والشّر سمة واضحة في الشخصية اليهودية ولا يمكن فهم هذا السلوك إلا بالعوده لجذوره العقائدية والثقافة الفارسية التي غذت هذا السلوك؛ فالطائفة الفريزية اليهودية الأكثر تطرفاً والتي تعرف اليوم بالأرثوذكسية هي نتاج هذه الثقافة. والتلمود فارسي أكثر منه يهودياً. ولا أبرئ اليهود من الجناية؛ فهم لم يتشربوا عادات الفرس وعقدهم إلا لإنها تنسجم ونفسيتهم التخريبية. والفرس هم مسؤولون أمام العالم أجمع عن كل التفاسير التي وجهوا بها النصوص المقدسة وجهة الصهيونية السياسية وهم أول من غرس بذورها.



18/2/2016



(*) تحريف التوراة على يد الفرس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق