الاثنين، 29 فبراير 2016

لا قضية بلا هوية





في الباحة الخلفية للمسجد النبوي الشريف، كنت أتمشى جيئة وذهاباً مع أحد الإخوة الفلسطينيين الذين هجرتهم المليشيات الشيعية من العراق، ونتحدث عن همومنا المشتركة وكيفية مواجهتها. وجرنا الحديث عن (الهوية السنية) والحاجة إلى الانضواء تحت رايتها، والتكلم باسمها كضرورة من ضرورات هذه المرحلة. قلت له:
- في عام 1948، العام الذي قسمت فيه فلسطين وتأسست (دولة إسرائيل)، كانت بلدان العرب ترزح تحت نير الاستعمار. فلو افترضنا أن الفسطينيين لم يتكلموا بشيء اسمه (القضية الفلسطينية)؛ متوهمين أن ذلك يتعارض مع قضية الأمة العربية، فكانت مطالبهم كلها باسم العرب دون ذكر ما يتعرض له الفلسطينيون من ظلم، والمطالبة بما لهم من حق: هل يمكن أن تكون لهم قضية يستحصلون بها ما يمكن أن يستحصل من حقوق، ويتلقون من دعم عربي وعالمي، وتقف معهم دول ومنظمات عالمية؟ (قال):
- أبداً؛ فإن الحقوق الخاصة تحتاج لأخذها إلى اسم وهوية خاصة. (قلت):
- هذا هو السر في أن (السنة العرب) في العراق بذلوا أعظم الجهود والتضحيات، وتحملوا وحدهم ضريبة الغزو: احتلالاً وإجلاءً، لكنهم في النهاية لم يحصلوا على شيء! والسبب أن (السنة العرب) تكلموا وعملوا ودافعوا باسم (العراق) وليس باسمهم الخاص. لم نجد أي مؤسسة أو حزب أو هيئة أو فصيل رفع راية (السنة العرب) وتكلم باسمها وتصرف على أساسها. بينما الشيعة تكلموا باسم الشيعة ورفعوا شعار المظلومية الشيعية، والكرد – كذلك - تكلموا باسم الكرد ورفعوا شعار المظلومية الكردية. فحصل الطرفان على ما يريدان. أما نحن فبترت أطرافنا العليا والسفلى، ولم نحصل على ما نريد؛ لأنه لم يشاهد أحد لنا من راية ولم يسمع بهوية، سوى هوية العراق الذي سيطر عليه الشيعة اليوم، وصاروا يتكلمون باسمه فأصبحت الثمار السنية والشيعية كلها تسقط في سلة العراق.. أي في سلة الشيعة.
هل تعلم....... أن العراق بلعَنا نحن السنة العرب، وإذ بلع الشيعةُ العراقَ فقد صرنا نحن في بطن الشيعة كتحصيل حاصل. أما الكرد فبسبب من تمسكهم بهويتهم الخاصة لم يستطع الشيعة ابتلاعهم باسم العراق.
وهل تعلم...... عندما رفع السنة العرب هوية العراق العامة متناسين هويتهم الخاصة، ورفعوا صوتهم عالياً في المحافل الدولية عن (العراق المحتل)، وقاوموا الغزاة دفاعاً عن (العراق) وباسم (العراق)، تكون لدى العالم أجمع قريبه وبعيده انطباع مؤداه أن أزمة العراق تكمن في الاحتلال فإذا جلا عنهم عولجت الأزمة وانتهت المشكلة، بل هذا ما صرح به سنة العراق أنفسهم! فماذا ترتب على هذا الانطباع؟
لقد قرر المحتل الأمريكي الانسحاب من العراق، وأعلن عن اكتمال جلاء قواته بنهاية سنة 2011، وها هو يتهيأ لسحب آخر جنوده. إذن وصلت محنة العراق في تصور العالم إلى شوطها الأخير وقد قاربت نهايتها، وعندها سيغلق ملف مأساة العراق بعناوينه الرئيسة. حتى إن بعض الدول بدأت تأمر اللاجئين العراقيين فيها بالعودة إلى بلدهم. وهذا شاهد على صحة أن العالم يتصور أن محنة العراق تنتهي بانتهاء الاحتلال.
فهل هذه هي الحقيقة؟ هل انتهت محنة (السنة العرب) بانتهاء محنة (العراق) كما هو مفترض كنتيجة طبيعية لذلك؟ أم إن محنة (السنة العرب) الآن بدأت؟

ما عاد ( العراق ) يعبر عن ( السنة العرب ) ..!
والسؤال الجوهري: إذا كانت محنة العراق تزول بجلاء المحتل، فلماذا لا تزول محنة السنة بهذا الجلاء، أي بانتهاء محنة (العراق)؟
أليس معنى هذا أن (العراق) بمفهومه الحالي ما عاد في الواقع يمثل السنة أو يعبر عنهم؟ فعن أي عراق دافع السنة وقاموا المحتل وضحوا بخيرة شبابهم إذن؟
هناك افتراق قد حصل دون أن نشعر بين مفهوم (العراق) ومفهوم (السنة) بحيث أصبح العراق شيئاً آخر ليس (السنة العرب) من مكوناته، ولو كانوا كذلك لشملهم غُنمه كما عمَّهم غُرمه!
أما الغُرم فقد جلبناه على أنفسنا لتخلف ثقافتنا وتخلخل فكرنا. والغُنم فقد حرمنا منه؛ لأن الحقيقة تفرض نفسها، حقيقة أن (العراق) ما عاد يمثلنا.
فهل فطن السنة لهذه المفارقة الكارثية؟
وهل عندهم من فكر جديد يرسم معادلة جديدة لحل هذه المفارقة العجيبة؟! أم سيظلون غائبين في سمادير الكهوف الخربة لذلك الموروث الثقافي القديم والثقافة (الوطنية) البالية الخائبة؟
آن الأوان ليتحدث السنة العرب ويعملوا تحت عنوان (الهوية السنية) تخصيصاً، ولا يكتفوا بـ(الهوية العراقية) تعميماً.
إن جهود وتضحيات السنة لأكثر من ثماني سنين أريقت هدراً بسبب فقدان هذه الهوية التي من دونها لا يمكن جني ثمرة أي جهد لصالحهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق