الثلاثاء، 4 أكتوبر 2016

الدين بين مطرقة الخطباء الخرافيين وسندان العلماء الساكتين

مقالات منقولة من موقع شيعي


سليم الحسني
من الحيل الشيطانية التي يعمد لها الخطباء الخرافيون هي حيلة الخلط بين الغيب والخرافة.
ولأن المؤمنين يؤمنون بالغيب، فان الخرافيين يسوّقون خرافاتهم على انها من الغيب الذي امرنا القرآن بالايمان به.
هدف الحيلة هو إيهام اتباعهم الغافلين بأن ما يروونه لهم من الخرافات هي حقائق دينية من انكرها فقد انكر الدين، ومن آمن بها فقد كمل ايمانه.
بعد أن تستقر هذه اللعبة في أذهان البسطاء يشعر الخطيب انه حقق هدفه في بناء سياج منيع يحقق له الاهداف التالية:
1ـ ان الخطباء الخرافيين قد اصبحوا بديلاً للعلماء العاملين، وأن المنبر الخرافي قد اصبح بديلاً للكتاب الديني، وأن الاحلام والقصص الكاذبة قد اصبحت بديلا عن الايات القرانية والاحاديث التي ثبت صدورها من النبي واهل بيته.
2 ـ ان كل من يشكك في ترّهات الخطيب الخرافي هو منحرف ضال، ويتراوح ضلاله بين معاداة اهل البيت (اذا كان يشكك بحلم بهم او كذبة عليهم عليهم السلام)، وبين الخروج من الدين (اذا كان التشكيك بقصة غيببة يرفضها العقل).
3 ـ يصنع للخطيب موقعاً قدسياً يرفع عنه السؤال ويُبعد عنه الشبهات. فبدل من ان يساله الناس عن مصادر ما يقوله، وبدل ان يسالوا عن حظه من العلم، ومستوى تحصيله الدراسي، يصبح كائنا مقدّساً يتبركون بلعابه او عرقه اوبـ" جكليته" لانه خادم الحسين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
4 ـ كما تصبح امبراطوريته المالية (المعفاة من الضرائب) مستثناةً شرعاً من مواساة الفقراء واعانة الضعفاء، فالذين يتبركون بلعابه لا تخطر ببالهم الاية الشريفة: والذين في اموالهم حق معلوم للسائل والمحروم، وآية والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذابٍ اليم، ولا يطالبونه بالاقتداء باهل البيت الذين يحرمون انفسيهم واهليهم من الفطور والسحور ثلاثة ايام ويطعمون الطعام عل حبه مسكينا ويتيما واسيرا.
إن حيلة الخلط بين الغيب والخرافة لعبة ناجحة يستطيع اي متابع ان يتلمس اثارها عندما يطرح ببساطة الاسئلة التالية (حسب رقم المكاسب أعلاه، سؤال عن كل مكسب):
1 ـ هل يستمد جماهير الخطيب الخرافي معلوماتهم عن القرآن والنبي واهل البيت وسائر المعلومات الدينية من الخطيب الخرافي؟ أم من العالم؟.
2 ـ ما هي التهم التي يوجهها جمهور الخطيب الخرافي لمن ينتقد خرافاته؟ اليست هي: من لا يؤمن بخرافات الخطيب لا يؤمن بالغيب؟ وأنه من يكذّب هذه الخرافات يكذّب القرآن؟ أو أنّ من لا يصدق هذه الخرافات هو منحرف عن أهل البيت؟.
3 ـ هل سمعتم يوماً أحداً من الجمهور سأل خطيبا خرافياً: ما هو مصدر الرواية التي ذكرتها؟ أو من هم الأشخاص الذين نقلت هذه المعجزة عنهم؟ وكيف يمكن الوصول اليهم للتحقق من صدق القصة العجيبة؟ او هل حقّقتَ الرواية العجيبة الغريبة التي نقلتها لنا طبقاً للمقاييس الشرعية في علم الرجال؟.
4 ـ هل لهؤلاء الخطباء المقدسين الزاهدين في الدنيا مشاريع خيرية؟ هل يدفعون حقوق الفقراء من اموالهم الطائلة التي يجمعونها من اثرياء الشيعة او من جمهور المغفلين؟ هل يعرف أحد مساعدتهم لفقير، او عائلة شهيد، او علاج مريض مملق، او اطعامهم مسكينا، او كفالتهم يتيما او..او...؟ بل هل يجرؤ أحد ان يجرب مواساتهم للفقراء اليوم وهذا محرم قادم وهذا العراق مملوء بالفقراء والمعدمين والأرامل والتيامى؟
...
من حق عوام الشيعة على العلماء أن يشرحوا لهم الفرق بين الغيب والخرافة، ودور العقل في الدين، ومن واجب العلماء أن يثقفوا الناس على الحقائق التالية:
1 ـ ان الايمان بالغيب – الذي هو الاساس في الدين- يعني تسليم العقل بما أخبر به الله تعالى في القران الكريم، او اخبر به النبي (ص) او اهل بيته (ع) في حديث صحيح وفق الموازين العلمية التي تقوم على دراسة المتن والسند.
2 ـ وان كل قضية غيبية لا تنتهي الى القرآن والسنة القطعية لا قيمة لها في الدين ولا في العقل.
3 ـ وان الفرق بين الايمان الديني بالغيب والايمان الخرافي بالغيب يكمن في مصدر الغيبيات، فإن كان مصدرها القرآن والسنة القطعية فهي داخلة في دائرة الإيمان، وإن كان مصدرها الخطيب (أو غير الخطيب) فهي داخلة في دائرة الخرافة.
4 ـ وأن المعجزات لا تقع إلّا على يد المعصوم لاثبات مقامه الديني في التبليغ عن الله سبحانه، ولا يمكن ان تحصل معجزة على يد غير المعصوم كائناً من كان، سواء كان مرجعاً أو عارفاً أوخطيباً او رادودا، أو صاحب موكب، او سيدا مظلوماً، أوعلوية فوّادة (يراجَع بحث الإعجاز في بيان السيد الخوئي للتحقق من دقة وصحة هذا الكلام، وأرجو ان لا يفضح جاهل نفسه إن لم يفهم مبحث السيد الخوئي هذا).
5 ـ وان الله تعالى أقام أمر الدين والدنيا على السنن الطبيعة واحتفظ بخرق السنن لحالات خاصة ورد النص عليها في القرآن الكريم أوالسنة القطعية.
6 ـ وانه ما عدا الموارد التي صرح القران اوالسنة القطعية بها فإن السنن الطبيعية تعمل دائماً وبدون استثناء، وان فتح الباب لادعاءات خرق السنن الطبيعية خارج اطارها المحدد، وادّعاء المعاجز والخوارق يخرب الدنيا قبل الدين، لأننا مثلاً سنجد السياسي الذي يُسأل عن مصدر أمواله الضخمة يجيب بقصة اعجازية حول بركة اهل البيت وقدسية جدته الزهراء ليمنع القضاء او النزاهة من التحقيق، وسوف نجد اللص الذي يُعثر في بيته على المال المسروق يفسّر نقل المال الى بيته بعمل الملائكة، ونجد الخطيب الذي يبعث مجرماً ليقتل من انتقده يروّج الأمر على انه انتقام من الزهراء، واذا القي القبض على المجرم واعترف فسوف يبرر الامر بانه رأى الزهراء في المنام فأمرته بقتل من استخف بها.....الخ. وهكذا فلا يمكن ان تستقيم حياة البشر اذا استخدمت الغيبيات غير المأخوذة من القرآن والسنة القطعية.
7 ـ ان العقل هو اساس الدين، وبالعقل نعرف الله ونعرف نبيه ووصيه ونعرف كتابه، وبالعقل نعرف أن المعجزة هي فعلاً معجزة، وبالعقل نعرف ان كل ما اخبره الله ورسوله هو حق وصدق، وان الله تعالى احتج على البشر بالعقل قبل ان يحتج عليهم بالنبي والامام، ومن يؤمن بالله بدون عقل لا يقبل ايمانه، ومن لا عقل له لا قيمة له ولا تكليف عليه.
8 ـ وان هناك فرقاً بين ما يرفضه العقل وبين ما لا يحيط به العقل، فما يرفضه العقل مرفوض دينياً، فمن المستحيل على الله ان يأمر بشيء خلاف العقل، اما ما لا يحيط به العقل فهو مقبول دينيا اذا ثبت وروده في القرآن والسنة القطعية كما هو الحال في علل الاحكام التي امر الله بها فنطيع وان بدت لنا خلاف المألوف. وكما في صفات الله تعالى وحقيقة ذاته سبحانه وما ورد في القرآن من عالم الغيب والمعجزات والخوارق. كل هذه الامور ليست مرفوضة عقلاً، لكنها غير مألوفة، والتصديق بها يتوقف على ورودها من المصدر الغيبي أي عن طريق القران والسنة القطعية، لا عن طريق الخطباء ومصادرهم المجهوله أو المعلومة.
9 ـ وان المقياس الديني في التفريق بين المعجزة والخرافة هو أن الغيب مصدره الله سبحان وتعالى، أما الخرافات فمصدرها الخرافيون والدجالون المتاجرون بالدين.
10 ـ وان معجزة الاسلام الخالدة هي القرآن، وهي معجزة صالحة للتحدي والاثبات في كل زمان ومكان، ولو أراد الله ان تكون معجزة الدين الخالدة غير القرآن لفعل. وبالعقل عرفنا اعجاز القران وبه ثبت لدينا نبوة محمد (ص) وبه وبالاخبار القطعية عن النبي (ص) عرفنا أهل البيت كونهم خلفاء رسول الله وحملة الامانة من بعده الامتداد الشرعي لرسالته وأنهم سفينة النجاة التي يهلك من تركها وركب سفن الخطباء الخرافيين.
...
ان مسؤولية العلماء (وفي مقدمتهم المراجع) ومسؤولية المثقفين الرساليين كبيرة في انقاذ الدين والمتدينين من خطر الخرافة والخرافيين، وان سكوتهم يؤدي بالضرورة الى محق الدين بعد ان ارتفعت نسبة الخرافات فيه الى مستوى جعل العالم خائفاً من مصارحة العوام بكفر بعض المقولات التي تروج تحت شعار حب الحسين ، فتُفتي بأن زيارة الحسين أوجب من الصلاة، او تسمح للانسان ان يحب علياً ويكره الرسول، او ترفع أهل البيت فوق منزلة رسول الله (ص)، أو تورّط ذرية فاطمة في الهلاك في بطون السباع، او تترجم عواء الذئب على انه دعاء بتعجيل فرج صاحب الزمان، أو تخوض في العصر الحاضر معركة صفين، او تشرب من دلو من السماء وتستغني به عن الماء سبع سنين، أو ما شابه مما يروج اليوم من تخريف أوتحريف يخشى العالمُ الاعتراضَ عليه بحجة الخوف من شق الوحدة الشيعية، ويمتنع المثقف الرسالي من قول الحق خشية أن يتهم بانه من أتباع سيد قطب، ويخرس لسان السياسي المعمم عن توعية العوام خشية ان يفقد أصواتهم الانتخابية.
...
لابد أن يضع العلماء والمراجع خصوصاً (وفي مقدمتهم مرجعية السيد السيستاني حفظه الله) برنامجاً لمكافحة الخرافات قبل ان يستكمل الخرافيون اختطافهم الاسلامَ والتشيع.
ولابد ان يكون هذا البرنامج مخطَّطا بشكل جيد، واسعاً وشاملاً، قادراً على الوصول الى أوساط العوام، ولابد من مساهمة كل الطاقات الشيعية التي سوف تهب استجابة لنداء المرجعية بالمساهمة فيه، ولابد ان تقيم المرجعية الحجة وهي تبلغ رسالات الله وتخشى الله و لا تخشى الناس.
...
سيهبّ بعض الجاهلين بالاعتراض على هذا المقترح بحجة ان المرجعية تعرف تكليفها!! هذا النوع من المتملقين يجهل او يتجاهل ان الدين النصيحة...لله ورسوله وأئمة المسلمين وعامتهم، وانه كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، وانكم اذا تركتم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر يولّى عليكم شراركم فتدعون فلا يستاجب لكم.
سيقف امام الله كل من يسكت على هذه الانحرافات عن الاسلام يوم ينادي المنادي:
وقفوهم انهم مسؤولون.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق