الهوية
السنية
أسباب
الفقدان
فقدان
الهوية السنية
بالرغم
من تعرض أهل السنة إلى الظلم والإقصاء الطائفي المعلن على يد الشيعة في البلدان
التي يكثرون فيها كالعراق ولبنان، أو يسيطرون فيها على مقاليد الحكم كسوريا، لكن
السنة إلى اليوم يعانون من فقدان (الهوية السنية) وتناسيها إلى حد الخجل من ذكرها،
والتنصل من الانتماء إليها، ولم يدركوا سر قوتها وارتباط وجودهم بالإعلان عنها. السنة
فقط هم الساكتون دون سواهم؛ فلا حرج اجتماعياً في أن يقول الشيعي: أنا شيعي، ويعتز
بشيعيته، والكردي: أنا كردي، ويعتز بكرديته، والمسيحي والفيلي، وحتى اليزيدي. كما
أن الانتماء إلى الهوية العشائرية أو العائلية لا يجد صاحبه تناشزاً فيه مع الهوية
القطرية، ولا غضاضة لو جمع بين الهويتين السابقتين مع الهوية القومية، وفي الوقت
نفسه ينتمي إلى الهوية الإسلامية، ولا يرى تناقضاً بين هذه الهويات مجتمعة، حتى
إذا وصل الأمر إلى (السنة) بدأ مؤشر الخطر بالظهور!
العلة
ثقافية لا موضوعية
في
مئة السنة الماضية شاعت (الثقافة الوطنية) في أوساطنا، بحيث صارت نداً للهوية
المذهبية التي صارت توصم بالطائفية. ومن أسباب ذلكأن حكام العراق، ومعظمهم سنة،
وجدوا أنفسهم متورطين في معادلة اجتماعية صعبة الحل، وحكم دولة منقسمة على نفسها
بين مكونات رئيسة ثلاثة (السنة والشيعة والكرد) انقساماً مزمناً لم يجدوا إزاءه
علاجاً ناجعاً، وإذ عجزوا عن وضع حل سياسي متطور، لجأوا إلى حيلة ساذَجة هي الدعوى
بأن العراق شعب واحد، وأن هذا (الشعب) أعظم من أن يفرقه دين أو مذهب أو عرق وأكبر
من أن يفكر في مثل هذه الأمور (الصغيرة). فلجأوا إلى المسكنات الظاهرية، ورفعوا
شعار الوطن والمواطنة والوطنية، ولعلهم توهموا أن في تلك الشعارات يكمن الحل!
لقد
عالجوا الموقف بعبور اللغم لا بتفكيكه وإزالته، فانفجر علينا سنة 2003! ولم يكن
ذلك عن جهل منهم بطبيعة تكوين البلد فالملك فيصل الأول - مثلاً - يقول في مذكراته:
(أقولها و قلبي ملآن أسى، إنه في اعتقادي لا يوجد شعب في العراق، إنما هناك تكتلات
بشرية خالية من أي فكرة وطنية، مشبعة بتقاليد وأباطيل دينية، لا تجمعهم جامعة،
ميالون للفوضى، سماعون للسوء).
النتيجة
أن العرب السنة هم الوحيدون الذين بلعوا الطعم، وتبنوا (الوطنية) بصدق: حكومة
وشعباً؛ بسبب من شخصيتهم (الأبوية) التي يتمتعون بها من الأصل، والتي تميل إلى
الجمع وتنفر من التفرق؛ فهم ورثة حضارة وسليلو ملك ولديهم إرث تراكمي في القيادة
والحكم يقدر بآلاف السنين. وقد حكوا دولاً وإمبراطوريات يشيع فيها التعدد العرقي
والديني، تعاملوا معه بروح حضارية جاء الإسلام فرسخها وعززها بمثل قوله تعالى: (لَا
يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ
يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْوَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ
اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة:8).
كيف
حافظ الشيعة والكرد على هوياتهم الخاصة دون السنة
أما
الشيعة والكرد فلم يتأثروا بها بتلك الشعارات؛ والسبب قوة الانتماء الطائفي لدى
الشيعة بحيث أن البراء من السنة يشكل عندهم عقيدة لا يمكن التخلي عنها إلا في حالة
واحدة هي الكفر. يسند هذا العامل العقائدي عامل نفسي متجذر لا يمكن قلعه بحال؛
فالشيعي يعاني من (المظلومية) تجاه السنة إلى حد (العقدة). هذا سوى عقد أخرى
متعددة وخطيرة كالثأر والانتقام والحقد والعدوانية. فإذا أضفت إليها الولاء
لإيران، ثم تقديس الشيعي للمرجع الذي يشحنهم بالمعاني السابقة وتبعيته له، اكتملت
سواتر الدفاع ضد الثقافة الوطنية، وتحولت إلى مجرد ادعاء يستعمله عند الحاجة ثم
ينزعه، تساعده على هذه الازدواجية عقيدة (التقية).
وأما
الكرد فقد كان التطلع إلى كيان قومي وتأسيس دولة كردية هي الهوية الطاغية على
شعورهم، وهي الهوية الجامعة لهم المانعة من الانسياق وراء الدعوات الوطنية؛ لأنهم
يجدون تناقضاً بين الهويتين.
وهكذا
عمل الشيعة والكرد كل لخدمة كيانه في ظل هويته الخاصة. وحتى يتجنب الحكام
والسياسيون إثارة الطائفتين فقد حصلت مداراة نسبية، وغض طرف عن التكلم بالخصوصيات
الذاتية لكل منهما. وهكذا صارت (الهوية الوطنية) تقبل كل هوية إلا (الهوية السنية)،
فقد صارت هذه الهوية مثار تشنج عند الحكومة وعند المكونات الأخرى؛ لأنها تشعر
بخطورتها عليها. وتحول ذلك بمرور الزمن إلى ثقافة اجتماعية. فلا أحد يعجب أو يشير
إلى تناقض الثقافة (الوطنية) وضعف منطقها في تعاملها مع التشكيلة التالية من
الهويات: (زيباري، سني، عراقي، كردي، مسلم)، أو (دليمي، سني، عراقي، عربي، مسلم).
انتبه!
ثمت هوية ناشزة بين هذه الهويات!
إنها
تقبل هذه الهويات جميعاً إلا واحدة هي (السني)! هذه من العيب أن تذكرها.
عليك
أن تخجل عندما تقول: (أنا سني) في مجتمع عام كدائرة رسمية، أو اجتماع حزبي، أو
إذاعة، أو تلفزيون، أو صحيفة، أو حتى على منبر مسجد في خطبة جمعة! بل ربما لا تسلم
من تهمة (الطائفية) صعوداً إلى (الوهابية). قل: (أنا دليمي، عراقي، عربي، مسلم) لا
شيء في ذلك. أما (سني) فلا!
لا أحد
يجرؤ على أن يقول: ما المشكلة في أن يجمع المرء بين هذه الهويات؛ بشرط تلاؤمها في
منظومة تأخذ فيها كل قيمة من هذه القيم استحقاقها بحيث لا يطغى بعضها على بعض في
سلم الاستحقاق التراتبي الذي يرعى التوازن نظرياً وعملياً؟!
العلة
إذن في الثقافة، وليست في الهوية.
سيرورة
الأمور بين الدعوى الوطنية والانتماءات الطائفية
حقيقة
العراق أنه بلد يتألف من عدة مكونات عرقية ودينية (لا تجمعهم جامعة)، يأتي على
رأسها المكونات الثلاثة الرئيسة: السنة والشيعة والكرد.
طيلة
العقود الثمانية (1921-2003) التي استغرقها عمر (الدولة الحديثة) كان الشيعة
والكرد - دون السنة - كل منهما يعلن بهويته، ويسوق لمظلوميته، ويطالب بحقوقه،
فكانت له (قضية) وصلت حد (التدويل) الذي تمكن به من لفت أنظار العالم الخارجي،
وجلب معونته بشتى صورها، وآخرها الاحتلال. وبما أن المكون الثالث (السنة) ساكت
يأنف من تسمية نفسه بالاسم المُناظر، ورأس الحكم (الملك أو رئيس الجمهورية) من هذا
المكون دون المكونين الآخرين، فقد تشكل انطباع بأن السنة هم الجانب الظالم في
المعادلة الثلاثية. هذا لا يعني أنني أنفي حصول ظلم من الحكومات المتعاقبة. لكن
هناك فرق بين أن يكون الظلم (طائفياً) يسلطه (السنة) كسنة على الشيعة كشيعة،
والكرد ككرد، وبين أن يكون الظلم (سياسياً) تمارسه الدولة لأسباب سياسية (الشيعة
يريدون إزاحة الحاكم والاستيلاء على الحكم لأسباب طائفية دينية، والكرد يريدون الانفصال
وتكوين دولة قومية تجمع الأكراد في المنطقة لأسباب قومية عرقية). وهذا الظلم لم
تكن الحكومة تمتنع من توجيهه إلى السنة متى ما اقتربوا من كرسي الحكم. هذا من جهة،
ومن جهة ثانية فإن الدولة لم تكن دينية سنية، وإنما كانت علمانية وطنية حقاً. وكان
الحزب الأكبر للسنة وهو (الإخوان المسلمون) ممنوعاً قانوناً في دولة (البعث)،
مضيقاً على أتباعه، لا يجرؤ أحدهم أن يفصح عن انتمائه؛ فتلك جريمة قد تصل بصاحبها
إلى الإعدام!
مجمل
القول أن (السنة) نظر إليهم المكونان الآخران نظرة طائفية كل من زاويته الخاصة: فبدل
أن ينظر الشيعة إلى السنة كعرب، وينظر الكرد إليهم كسنة، كان الأمر معكوساً
تماماً؛ فهم في نظر الشيعة (سنة)، وفي نظر الكرد (عرب). وظهروا في نظر العالم
بمظهر الظالم المتسلط. وهكذا وعلى أساس هويتهم (السنية) جرى تهميشهم وإقصاؤهم بعد
الاحتلال، وصار الشيعة والكرد حلفاً واحداً في مقابل السنة، الذين ظلوا يصرخون: نحن
عراقيون: لا فرق بين شيعي وسني، وكردي وعربي. ويتقربون للكردي أكثر فيقولون له: نحن
جميعاً سنة. لكن دون أن يصغي إليهم أحد، سوى تعاطف طبيعي مبهم من عوام الشعب
الكردي وعمومه، لم يتجاوز العاطفة إلى الفعل المؤثر. ولا ألقي باللوم على غيرنا،
فحتى تريد لا بد أن تكون، وحتى تكون لا بد أن تتكون. ولا كيان بلا هوية. والهوية
ضائعة!
وهكذا
لم يلتزم بالهوية الوطنية أو العقد الوطني ويبتعد عن المسميات الخاصة سوى السنة،
الذين ابتعدوا عن هويتهم فخسروا في النهاية ذاتهم ووطنهم، وكما قال ناعق الشيعة
يوماً: "لكم الوطنية ولنا الوطن"! وهي مقولة تلخص حقيقة المأساة، وتضع
الأصبع على موضع الداء.
الهوية
السنية بين عرب المشرق وعرب المغرب
للجغرافيا
والموقع الجغرافي أثر كبير في تكوين سياسة المجتمع وفكره وثقافته وتشكيل هويته
والتعبير عن دينه.
يعاني
المشرق العربي (الأحواز ودول الخليج العربي واليمن والعراق والشام، باستثناء
فلسطين) من تحدٍّ خطير يميزه عن المغرب العربي بحكم موقعه الجغرافي، هو التحدي
الإيراني الشيعي (التحدي الشرقي).
ينظر
المغرب العربي إلى التحدي الشرقي بتثاؤب؛ عاداً إياه أخاً مسلماً وصديقاً ودوداً. وفي
أشد الحالات خطراً مبالغاً فيه. وما يثيره بعض المشرقيين من شكوى تجاهه فسببه (التطرف
المذهبي)، وهو وراء التصرف (الطائفي) ضد (إخوانهم) الشيعة. أو بسبب العنصرية (القومية)
عند القوميين العرب ضد (إخوانهم الفرس المسلمين). وهكذا اختل الميزان بحيث تجاوز
الأمر المساواة بين الجلاد والضحية إلى انقلاب الضحية جلاداً والجلاد ضحية!
ضعف
الشعور بـ( الهوية السنية ) عند عرب المشرق
المفارقة
الكبرى في هذا التمايز هي ضعف الإحساس بالخطر الشرقي لدى عرب المشرق ضعفاً يصل
بالأغلبية منهم إلى درجة الانعدام التام. ولولا العقيدة السلفية، عند طائفة من
المتدينين التي هي بالضد من العقيدة الشيعية، ولولا (القومية) العربية عند طائفة
من السياسيين، التي هي بالضد من (الشعوبية) الفارسية لما بقي أحد يشعر بالخطر
الشرقي! لكن فريق المتدينين ينظر إلى الخطر من زاويته العقائدية أكثر من جوانبه
الاجتماعية والسياسية. وفريق القوميين ينظر إليه من زاويته السياسية أكثر من
جوانبه العقائدية والدينية والاجتماعية. متخلين عن الموقف الصحيح.. المزج بين
الأمرين. وهو ما صارت السلفية تحث الخطى نحوه، والقومية تتجه إليه ولكن ببطء.
إن
المغرب العربي كان تحديه على مر التاريخ غربياً خارجياً، فضمر لديه الشعور بالخطر
الإيراني الشرقي ورديفه الشيعي، وتبعاً لذلك ضعفت الحاجة عنده إلى (الهوية السنية)
الداخلية. وجاء الاحتلال اليهودي فزاد الضعف ضعفاً إلى درجة تقرب من العدم. فهو
يرفع الهوية الإسلامية دون شعور بالحاجة إلى ما هو دونها من الهوية السنية. وهذا
انعكس بدوره سلباً على المشرق العربي ففقد - أو كاد - (هويته العربية السنية) أمام
التحديات الفارسية الشيعية.
أسباب
ساعدت على تغييب ( الهوية السنية )
مما
ساعد على تغييب حاجة عرب المشرق لهذه الهوية أمور منها:
سعة
انتشار الثقافة العربية المغربية بسبب قوة إعلامها، وكثرة دعاتها.
الاستعمار
الغربي الذي اجتاح المنطقة العربية بمشرقها ومغربها، فأزاح الأنظار عن دائرة
التركيز على الخطر الشرقي.
3.احتلال
اليهود لفلسطين، وتدنيسهم لبيت المقدس، وما لهذا البيت من قدسية في نفوس العرب
والمسلمين. فكان ذلك سبباً لطغيان القضية الفلسطينية على القضية السنية. وتمت
المصيبة بتظاهر إيران بالدفاع عن فلسطين، ولاقى ذلك هوى عند كثير من الفلسطينيين،
فصاروا يلمعون صورة إيران وشيعتها في أنظار الآخرين.
4.الحكم
العلماني الذي يتطير من ذكر دين الإسلام والمذاهب والطوائف. وتنفث أبواقه فكرة
اللافرق بين الشيعة والسنة، جاعلة من الفكرة و(الهوية الوطنية) البديل لذلك. وحتى
القوميون الذين يعادون إيران إنما ينظرون إليها من زاوية (القومية) لا من زاوية
الدين و(السنية). فأقروا التشيع ودافعوا عن الشيعة.
5.شيوع
فكرة (المذهبية) تعبيراً عن الفرق بين السنة والشيعة إن احتاجوا إليه، معتبرين
التتشيع مذهباً إسلامياً معتبراً كباقي المذاهب الإسلامية، وليس ديناً آخر.
إن
هذا جعل المجتمع يتقبل الشيعة كجزء من النسيج الاجتماعي، ويبتعد عن تبني الهوية
السنية كأداة تعبير أمام الهوية الشيعية، عاداً ذلك نوعاً من الفتنة والفرقة
والطائفية المرفوضة بحكم الشرع أولاً وقبل أي اعتبار آخر، وعلى لسان (رجال الدين).
حتى قال لي أحد العلماء المقدمين في (هيئة علماء المسلمين): ليس من الإسلام القول
بالفرق بين السنة والشيعة!
لكن
ما حصل بعد احتلال العراق وتداعياته من تغول الشيعة وتمددهم في دول المشرق
وتجاوزهم في حماقاتهم إلى بعض دول المغرب لفت الأنظار إلى خطر الشيعة وإيران. وهذا
يوفر لنا مُناخاً مناسباً للتبشير بـ(الهوية السنية)، وإبرازها وترسيخها في أوساط
عرب المشرق وتذكير عرب المغرب بها. وأنها هي (الهوية) المعبرة عنا في مواجهة أخطر
التحديات؛ فالخطر الذي يجتاحنا اليوم خطر داخلي متمثلاً بـ(الخطر الشرقي): الشيعة
وإيران، أكثر مما هو خطر خارجي غربي متمثلاً بالغرب واليهود. وليس بالإمكان تحرير
فلسطين من الاحتلال الإسرائلي قبل تحرير العراق والمشرق العربي من الاحتلال الشيعي
والإيراني.
=================
================
حــواراتد.الدليمي:
الهوية السنية هي مفتاح الحل بالعراق.. التشييع جارٍ بالتعليم.. بإمكاننا بناء
مشروعنا
موقع
المسلم
الحديث
مع د.طه الدليمي، بوابة لفضاء معرفي واسع، يشرق بك ما بين الاستراتيجيات، وطرح
الرؤى، واستخراج فوائد شرعية غائبة عن أذهان كثيرين ممن يتعاطون السياسة.
يملك
الدكتور الدليمي خبرة عالية بشأن بلاده/العراق، التقيناه للوقوف على آخر
المستجدات، ما بين نظر للماضي وتوصيف للحاضر واستشراف للمستقبل فكان هذا اللقاء..
نبدأ
حوارنا بسؤال مفتوح عن آخر المستجدات في العراق؟
بسم
الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله
وأصحابه أجمعين..
العراق
مستجداته كثيرة الحقيقة نحتار من أين تبدأ وأين تنتهي لذلك أنا كثيراً ما أحاول
أتكلم بالكليات لأن العراق ليس كما يشاع ويُعرف أنه بلد بشعب واحد هو بلد بشعوب
متعددة ومتناحرة في الوقت نفسه.
المسألة
الأخرى أن العراق الآن أصبح هو محل أفئدة المشاريع العالمية والإقليمية وكلٌّ يفعل
ما يريده أو يحاول أن يفعل ما يريد؛ فهناك مشاريع متعددة في العراق قد تجعل الصورة
مرتبكة ومشوشة وتحتاج إلى نظر من عدة زوايا.. فما وصل إليه العراق الآن هو أن
المشروع الشيعي سيطر على هذا البلد ما عدا المنطقة الكردية، فالأكراد كوّنوا لهم
إقليماً وفيدرالية استطاعوا بها أن يحموا أنفسهم وأن يطوروا منطقتهم وأن يحققوا نسبة
كبيرة من الاستقلالية ورغم أن نسبتهم إلى العرب السنة تبلغ نحو الرُبع تقريباً أو
أقل من الرُبع لكنهم الآن أقوى من العرب؛ فبموازين القوى يمكن تقدير قوتهم بنحو
عشر مرات قوة السنة العرب، بسبب أن السنة العرب أضاعوا هويتهم، وهذه زاوية أخرى من
زوايا النظر إلى الصورة، وهي أن السنة العرب هم الجانب الأضعف، فمناطقهم لا يملكون
السيطرة عليها؛ لذا فإن من المفارقات في العراق أن نوري المالكي رئيس الوزراء قد
انتخبه الشيعة لكنه لا يحكم الشيعة ولا يحكم الأكراد وإنما يحكم المنطقة السنية
العربية، لأن الأكراد يحكمهم الأكراد، والمنطقة الشيعية تحكمها أحزابها ولا يملك
المالكي السيطرة عليها؛ فالسنة ينتخبون لكن لا يحكمهم من ينتخبونه، والشيعة تحكمهم
أحزابهم ومن يريدونه؛ فالمنطقة السنية هي الآن متأخرة جداً من الناحية الخدمية،
كالتعليم، والصحة وغيرها، وأخطر ذلك هو الناحية الأمنية؛ فرئيس الوزراء الشيعي نور
المالكي قد وضع في كل محافظة سنية فرقة عسكرية هي التي تتحكم في هذه المناطق، ويتم
استقطاب الناس في هذه المناطق تبعاً لحاجتهم المادية؛ فيسلطون بعضنا على بعض،
فيعتقلون من يشاؤون ويذهبون بالمعتقلين عادة إلى بغداد أو غيرها من المناطق وكثيراً
ما يختفي أثرهم، ودعك من وسائل التعذيب والإذلال التي يتعرضون إليها..
الناحية
الأخرى التي هي أخطر على المدى البعيد ناحية الفتنة في الدين وتغيير المناهج
الدراسية خصوصاً مادة التربية الإسلامية والتاريخ، والتي قد حصل فيها تغييرات
جذرية بحيث يدرس الآن أبناؤنا العقيدة والفقه الشيعيين في المدارس.. وهذا إن استمر
على هذه الحال إلى فترة ليست بعيدة فالمتوقع في نظري أن يحصل قدر كبير من التشييع
في مناطقنا وهذه أخطر، الله تعالى يقول: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة:
من الآية191]، الفتنة في الدين.
وبرغم
ما نراه من هذه الصورة ومن سيطرة الشيعة على مجريات الأمور في البلاد إلا أننا في
المقابل نجد أنه ثمة خلاف شديد بينهم، فالخلاف الشيعي الشيعي هو أشد من الخلاف
السني السني، ولكن الذي يجمعهم أمران: إيران، والعدو المشترك الذي هم أهل السنة
يجمع الشيعة كذلك. فإيران باعتراف كبار السياسيين الشيعة العراقيين هي من تحكم
العراق اليوم؛ فالحاكم الفعلي في العراق هو قاسم سليمان مسؤول فيلق الحرس الثوري
الإيراني باعترافهم شيعة العراق كما قلت.
وبالطبع
فإن للأمريكان حضورهم في المشهد السياسي خصوصاً في العراق، ولكن الحضور الإيراني
أقوى منه؛ فأمريكا لا تستطيع أن تفعل شيئاً دون التنسيق مع إيران والشاهد على ذلك
تنصيب نوري المالكي رئيساً للوزراء مرة ثانية؛ حيث كان اختيار أمريكا هو إياد
علاوي وهيّأت لذلك ودعمته وهو حصل على أغلب الأصوات نسبياً لكن إيران ضغطت في
اتجاه نور المالكي وفرضته.
المشهد
العسكري أمريكا الآن ضعفت وقد خرجت معظم قواتها من العراق واستبقت بعض الأفراد
بحجة التدريب العسكري والأمني، ولديها سفارة كبيرة، ولكن أعتقد أن هذا بمرور الزمن
سيؤول إلى الاضمحلال والزوال لن يستمر هذه طبيعة الأمور، إذ يستبعد أن تحتل دولة
عظمى بلداً ثم تتركه بسهولة تتخلى عنه دون أن تستبقي نفوذاً لها، أو على الأقل لا
بد أن تحفظ شيئاً من ماء وجهها ولكن هي في طريقها للزوال.
لكن
أكثر التقديرات بعد الانسحاب الأمريكي قالت إن الباقي في العراق وما تسمى بقوات
التدريب وتعدادها 16 ألف تقريباً؟
هم
يقولون ما بين 15 ـ16 ألفاً، لكن على أية حال هذا لا تمثل ضغطاً عسكرياً فعلياً في
الميدان، والأكيد هو أن أمريكا قد ضعف وجودها العسكري في العراق.. بقيت لها فلول
بحجة المتدربين سيأتي عليها وقت تنتهي وتضمحل.
ألا
تحقق المقاومة شيئاً من التوازن بعد الانسحاب؟
المقاومة
العسكرية انتهى زمانها، وبقيت كهياكل وكأفراد لهم انتساب لها وكسلاح مدخر، غير أن
الوضع في العراق لا يسمح حالياً بتنفيذ عمليات عسكرية وأسبابها عديدة، وأهمها
فقدان الحاضن الاجتماعي؛ فالناس أرهقت وحالهم مذرٍ من شدة التعب؛ فالمقاومة لها
مخلفات من رعاية أسر شهداء وأسرى وأرامل وأيتام وهدم بيوت فكيف للناس أن تصمد وليس
من تعويض لكل هذا؟!، كما أنها لم تجد حاضنة إقليمية تديم تواصلها وتعتني بالناس،
كذلك، تمكّن القوى الأمنية من الإمساك بزمام الأمور، والحواجز الإسمنتية التي قطعت
أوصال أحياء بغداد، وصارت لها مداخل ومخارج محكمة، بحيث يمكن للسلطات إغلاق أي
منطقة تحدث فيها أعمال مقاومة ثم يجري تفتيشها بيتاً بيتاً.
وماذا
عما يدور في أذهان المخططين السياسيين للإستراتيجية القادمة؟
هو
حقيقة في هذا الوضع المختل بالنسبة للسنة والمسيطَر عليهم من قِبل الشيعة نسبياً،
وكذلك الأمر بالنسبة للأكراد، وفي وجود قوى إقليمية وخارجية تتحكم في الوضع وضعف
أهل السنة فمن الصعب أن تتحدث عما يسمى إستراتيجية، لا سيما أن قيادات الأزمة التي
يفترض أن تكون مؤقتة لا تملك استراتيجية واضحة، وهم مستمرون رغم ذلك، وتبقى
الأحداث الآن تسوق هؤلاء السياسيين مضطرين أحياناً إلى أمور ربما تأتي بنتائج ممكن
احتسابها على أنها نتائج إستراتيجية، فمثلاً ترى أن التهميش والظلم والاضطهاد
الواقع على أهل السنة ساق بعض السياسيين ممن لا تتوقع منهم أن يساقوا إلى ما وصلوا
إليه إلى التهديد بالفيدرالية، مع أن الفيدرالية هم مشرعة وفقاً للدستور، لكن
الشيعة لما هيمنوا على العراق لا يحبذونها بل يريدون العراق كله، ويرغبون في تشييع
العراق. وكذلك فإن الفيدرالية ليست من مصلحة إيران التي ترفض هذه القضية، فالحكومة
الشيعية شأنها شأن الأحزاب الشيعية الأخرى ضد الفيدرالية رغم أنهم هم من شرعوها في
الدستور.
لكن
هل الصوت السني مرحب بالفيدرالية الآن؟
الصوت
السني ينقسم إلى قسمين: جمهور يعاني، فأنا بحسب استطلاعاتي ومن خلال استطلاع
أجريناه على موقعنا وحسب لقاءاتي بإخواننا وأحبابنا وأهلنا العراقيين الذين يأتون
إلينا، واتصالاتنا تدل على أن غالبية الجمهور السني لا سيما في مناطق الاحتكاك مع
الشيعة هو مع الفيدرالية بل قسم منهم يقول نريد التقسيم، وأريحونا من هذا العذاب،
لأنه الإذلال والاضطهاد وانعدام فرص العمل والجوع والفقر، كل هذا يورث حتى مشاكل
عائلية ومشاكل بينية.
خذ
مثالاً: عند انقطاع الكهرباء بالصيف حيث تجد درجة الحرارة فوق الخمسين درجة، وعدم
توفر الماء، وغيرها من الخدمات، لا تجد الإنسان يفكر في الكماليات ولا حتى الحاجات
إذا ما فقد الضروريات ؟؛ فمن يفكر بالسياسة ومستقبل البلد إذا هو بطنه جائعة وليست
متوفرة له الأشياء الأساسية في حياته، فهؤلاء يريدون أي موقف، ولذلك هذا الظرف
المؤلم يسوق هؤلاء الناس
القسم
الثاني: السياسيين وكثير منهم لا يقبلون بالفيدرالية لسببين، السبب الأول الثقافة
القديمة عند أهل السنة ثقافة لم تواكب التغيير، لم يطرأ على المفاهيم والأفكار
والثقافات أي تطور مع الزمن مثلما هو مفروض حتى تستطيع أن تستمر، فأنت إن لم تتغير
ستنتهي، فالثقافة القديمة الأبوية عند السياسيين السنة تجعلهم يعتبرون أنفسهم لحد
اللحظة بالشعور الجمعي أنهم كأنهم هم قادة العراق، بينما هم لا يملكون من العراق
شيئاً، وأذكر لك حادثة جرت لي مع أحد هؤلاء حدثني حينها عن كركوك، وكما تعلم فإن
كركوك عليها نزاع؛ فقال: يا أخي كركوك كيف نعطيها للأكراد وكلها نفط، طبعاً هو
يحدثني بهذه الكلمات وهو مطارد ويقيم في بلد خارج العراق، ولا يستطيع أن يعود
للعراق؛ فقلت له: يا أخي أي نفط تتحدث عنه، وأنت لا تملك منه شيئاً! ، أنتم
تتكلمون عن أشياء هي خيالات؛ فأي نفط تتحدث عنه، نحن حُرقنا بالنفط وانتهينا؛
فلماذا نفجر مشاكل مع الأكراد الآن؟ أتراها كركوك لنا؟ إن نفط العراق بجيوب الشيعة
وإيران والأمريكان، فوافقني قائلاً: هذا صحيح، وتغيرت نظرته تماماً منذ هذه
اللحظة، قلت له: يا أخي أنتم تعيشون في أوهام وخيالات، دعهم هم والشيعة يتعاركون
على كركوك ونحن ليس لنا علاقة.. "عرس ما أشهده بالمصيبة أجي ألطم على شنو أنا
بعرسك ما عزمتني بمصيبتك ليش ألطم"، هذا يا أخي مفارقة كبيرة تحتاج إلى تغيير
ثقافة..
السبب
الثاني: عدم الرغبة في مصادمة المواقف المبدئية السابقة؛ فأنا أعرف أن غالبية
أعضاء الحزب الإسلامي يريدون الفيدرالية، وأنا معهم في هذا، لكنهم يصدرون بياناً
ضد الفيدرالية، وأنا ألتقيهم في عمان، وحتى الآن لم أجد إلا واحداً فقط يعارض
الفيدرالية؛ فالنسبة الساحقة مع الفيدرالية لكن..
والسبب؟
يجاملون
الناس ويخشون التهمة.
خاصة
بعد وجود مؤشرات على حقول جديدة للغاز في الأنبار، هل هذا صحيح؟
هي
ليست مؤشرات؛ فحقل عكاز الذي في الأنبار معروف، وهو يعتبر أكبر حقل في العالم
يحتوي على أكثر من 6 تريليون قدم مكعب الغاز، وحتى النفط موجود لكنه لم يُعلن عنه
لأسباب سياسية وغيرها، لكن موضوع الغاز والنفط هما قضية ليست لها علاقة
بالفيدرالية لسبب بسيط.
لن
تؤثر إيرانياً على أقل تقدير؟
أقصد
أن هذا العامل لا دخل له بموضوع الفيدرالية رفضاً أو قبولاً لأن النفط والغاز
وارداتهما تورد إلى الخزينة المركزية وتوزع مركزياً؛ فالنفط ليس ملكاً لمنطقة أو
أهل المنطقة، فهذه يسمونها الثروات القومية، وتكون بيد الحكومة المركزية؛ فسواء
كان النفط في كركوك أو كان في العمارة أو في الأنبار هو بالنتيجة وارداته تكون بيد
الحكومة المركزية والحكومة المركزية توزعه حسب نسبة السكان على البلد؛ فهذا لا
يؤثر في موضوع الفيدرالية.
البعض
يرى أن الفيدرالية ينظر لها على أنها توطئة للكونفيدرالية ثم الانفصال التام
وبالتالي ربما إيران تقف حائلاً دون تحقيق الفيدرالية في الأنبار؟
أخي
الفاضل نحن عندنا ثقافة عربية بالعموم ليست مع الفيدرالية، وفي تقديري أنها في
حاجة ماسة جداً إلى إعادة النظر؛ لأن الفيدرالية بالقانون أو الدستور العراقي ليس
لها أي علاقة بالانقسام ولا بالكونفيدرالية، لأن الدستور العراقي احتاط لهذا
الأمر، بحيث إن أي فيدرالية أو أي إقليم لا يملك مقومات الانفصال، ولذلك فهذا
الموضوع هو مجرد هاجس ثقافي نحن نعيش فيه وليس مبنياً على دراسة علمية. أقول لك
شيئاً أكثر من ذلك: إن دول العالم المتطورة تلجأ للفيدرالية منعاً للتقسيم وليس
العكس، فكل الدول تلجأ للفيدرالية منعاً للتقسيم لأن البلدان في عمومها فيها
تنوعات ثقافية ولغوية ودينية وغيرها من التنوعات أو الاختلافات فكيف تستطيع أن
تقود شعوباً بهذه المكونات المختلفة ما لم يكن هناك نوع من التوافق السياسي الذي
هو الفيدرالية، بل إن الإسلام لو دققت في نظامه ستكتشف فيه أنه حكم العالم بنظام
يشبه الفيدرالية؛ فالفيدرالية حل وليست مشكلة؛ فهذه بلجيكا مثلاً دولة صغيرة لكن
فيها ثلاث قوميات، وإحدى تلك القوميات ظهر في إقليمها ثروات وأرادت تنفصل؛ فاتفقوا
على نظام الفيدرالية وحلوا المشكلة.
لكن
الفيدرالية التي يدعم بعضَها قوى خارجية كالدول العربية التي كانت مستعمرة يعني
كثيراً ما تكون الفيدرالية ....
أنا
أرى أن هذا الأمر يُنظر له من زوايا متعددة، أولاً هاجس المؤامرة بلغ منا مبلغاً
كبيراً فليس كل شيء يريده العدو هو قادر على تنفيذه. ثانياً ليس كل شيء يريده
العدو هو يريد أن ينفذه في اللحظة المعينة هذه؛ فمثلاً أمريكا لو كانت تريد تقسيم
العراق في هذه المرحلة لقسمته، وهي تحتله بعشرات الآلاف من الجنود، فكيف تخرج منه وتريد
أن تقسمه؛ فهذه معادلة غير مقبولة. نعم هي تريد تقسيم العراق لكن ليس الآن؛ فأنت
تريد مشروعاً معيناً لكن ظروفه غير مهيأة الآن، فهذه مسألة لا بد أن نضعها في
الحساب.
ننتقل
من هذا الموضوع إلى موضوع التعاون الأمريكي الإيراني في العراق، هل تلمسون تغيراً
طرأ على هذه العلاقات؟
أنا
أنظر إلى السياسة الأمريكية على أنها سياسة مصالح، فلا أظن أن السياسة الأمريكية
تقوم على ثوابت بصورة جامدة؛ فثمة ثوابت لكن هناك متغيرات..
تحديداً،
هل هناك متغيرات في موضوع العراق بين أمريكا وإيران؟
لا
أرى شيئاً كثيراً، لكن إيران تريد لأمريكا أن تخرج من العراق حتى تنفرد به، لكن
أمريكا تفكر بالمصالح، وهذا ممكن حتى الآن بنسبة كبيرة لقوتها وتواجدها في المنطقة.
ثانياً
الإستراتيجية ليست فقط مقصورة على الأمريكيين؛ فهناك إستراتيجية غربية تحاول أن
تجيب على تساؤلات حول: كيف يمكن أن يسيطروا على النهضة الإسلامية العربية؟ الطريقة
القديمة هي تقوية الأقليات وتفجر الوضع من الداخل؛ فمثلا مصر، ساوموا النظام
المصري أو الحكومة المصرية بالأقباط، ودائماً الأقليات هي عامل خلخلة وعامل قلق
للحكومات؛ فالغرب يريد أن يسرب طاقة الصحوة الإسلامية ونهضتها ووصولها إلى مشروع
إسلامي في المستقبل، وتكوين دولة أو دول إسلامية على الأقل تسربها بوجود الشيعة
وبتشجيع الشيعة، وعلى رأس الشيعة إيران هذه إستراتيجية لكن هذه الإستراتيجية لو
تصاحبت بفعل عربي يثبت لأمريكا أن مصلحتها معنا أعتقد أن أمريكا ستغير سياستها لأن
المشكلة أننا نحن لا نثبت لأمريكا أن مصلحتها ليست مع إيران وأن مصلحتها معنا نحن
راضين بما تفعله أمريكا ومسلّمين الأمر.
تقصد
القوى الإقليمية؟
الدول
العربية في العموم ليس لديها حركة أو مبادرة تثبت لأمريكا حينما يكون لها عمل مع
إيران أن هذا العمل تتضرر به مصالح أمريكا، فلا توجد مبادرة حقيقية، ليس هذا فقط،
بل إن هناك دولاً عربية تتعامل مع إيران، ليس هذا فحسب أقول هناك أحزاب وهناك
فصائل محسوبة على الجهاد تتعامل مع إيران نحن نحتضنها، فالمفترض أن نثبت لها أن
علاقتها مع إيران تعني التضرر، وعندنا مثل بالعراقي يقول "يلوك على الفكين"،
ليس منطقياً أن تلوك على الفكين، الفك الإيراني والفك العربي؛ فإيران عدوتنا إذن
لا بد أن أثبت لك أنك تتضرر بعلاقتك بإيران ، فلا تتعامل مع الطرفين معاً، تأخذ من
إيران وتأخذ مني، فنحن ليس عندنا هذه المبادرة.
أيضاً
لدينا ثقافات قديمة نتمسك بها بشكل غير متزن، فمثلا الثقافة التي تقول إن فلسطين
قضية مركزية، نعم فلسطين قضية مركزية لأمة موحدة، وهي ليست موجودة الآن، الأمة
ليست موجدة ، حتى أبني مشروعاً على أمة هي غير موجودة؛ فأنا في العراق أو الشيشان
أو أفغانستان ما الذي يجعلني أفكر أن فلسطين أولاً، فقضيتي المركزية أن بلدي محتل
ومشكلتي غير مشكلتهم، نعم فلسطين قضيتي لكن ليست القضية الأولى، ولحد اللحظة هذه
القضية غير مدركة وعندي من الشواهد تثير العجب، نحن نغفل عن أمور خطيرة، ولا ندرك
المؤجل من المعجل من القضايا، فلو أخذنا مثلاً قضيتي فلسطين والعراق؛ فإذا ما
اخترق العراق يمكن أن يسيطر عليه الشيعة وإيران ويصبح قاعدة انطلاق لتدمير بقية
الدول؛ فالمشروع الإيراني خطير جداً، لكن فلسطين قضية مؤجلة بمعنى أن قضية فلسطين
لو تأخر علاجها خمس أو عشر سنين ما الذي يحدث؟ لا يحدث شيء خطير ربما، لكن العراق
لو تأخر علاجها خمس أو عشر سنين يحصل شيء كبير؛ فكيف نغفل هذه القضية، الآن القضية
السورية قضية معجلة إذا ما نقف معها تفوتنا.
ننتقل
إلى موضوع آخر، كيف يقرأ العراقيون الثورة؟
نحن
مستبشرون جداً بمشروع الثورة السورية ونعتبره كسراً لظهر إيران ومحقاً للهلال
الشيعي، ولا أقول إن الثورة السورية بداية؛ لأنني حسب نظرتي للخريطة السياسية
للمنطقة أرى أن المشروع الإيراني بدأ منذ سنتين أو أكثر يتدهور، لكن هذه ضربة
كبيرة جداً في طريق تدهوره ودحره، أيضاً درع الجزيرة ودخول البحرين هذه ضربة كبيرة
للمشروع الإيراني؛ فالمشروع أصبح أو بدأ يترنح.
والضربة
التي يتلقاها الآن المشروع الإيراني والمشروع الشيعي في سوريا هي ضربة كبيرة جداً
ستدفع بإيران لاحقاً إلى حماقات، هذه الحماقات ستسرع من زوال السلطة، والحكومة
الآن التي تحكم إيران أيضاً ستؤدي بها إلى الانكفاء على الداخل؛ فإيران وجودها
واستمرارها في مشاكلها الخارجية لأنها دولة مصطنعة من شعوب مختلفة متصارعة، وأفضل
شيء لهذه الدولة والأقلية الفارسية التي تحكم أن تشغل هذه المكونات في مشاكل خارجية،
وإذا انكفأت إيران على داخلها انتهت إيران وتمزقت لذلك لو كان هناك مشروع
إستراتيجي يرسم لتفكيك إيران لأمكنه ذلك، وأنا لو كنت جزءاً من مركز قرار لصنع
مشروع إستراتيجي لتدمير إيران لوضعت تصوراً لذلك لا يتجاوز سقف خمس سنين تتدمر
إيران فيها، وتنتهي إلى شراذم، أقلها خمس دول إيران، لكن المشكلة ما عندنا مشروع
المشكلة أننا نخاف من وهم إيران، إيران قوة وهمية حقيقتها إذا لها حقيقة هي في
ضعفنا نحن، هكذا ننظر إلى الثورة السورية وأنها مقدمة إن شاء الله في زوال المشروع
الإيراني والمشروع الشيعي في العراق.
ما
مدى التعاطف من القبائل العربية على طرفي الحدود السورية العراقية؟
تعاطف
كبير، تعرف أن المنطقة العربية متواصلة فيما بينها، خصوصاً مناطق الحدود؛ فمثلاً
البحرين أمراؤها هم أولاد عم عنزة الموجودين عندنا في العراق، أبناء عمهم، وهكذا
تجد التواصل بين السعودية والعراق والقبائل الموجودة على طرفي الحدود، وكذلك مثلاً
منطقة حطيبة على الحدود السورية، تجد هذا ابن عمه هنا، وهذا ابن عمه هناك، فقط
السلك الشائك يفصل بينهم، ونحن كسنة متعاطفين جداً مع الثورة السورية.
لماذا
إذن لم يتأثر العراق بفكرة الثورات؟
هناك
أسباب جوهرية نحن نعمل قدر ما نستطيع على علاجها، أهم هذه الأسباب هو فقدان الهوية
السنية، وهذا أيضاً يتعلق بالثقافة لكن الأحداث تدفعنا دفعاً إلى أن نصحو والوقت
مبكر وتنضج الفكرة، فعندنا الهوية السنية مفقودة فكيف تبني مشروعاً سنياً بدون
هوية؟! هذا لا يمكن؛ فلا بد من استرجاع الهوية السنية، وجعل السنة يشعرون بكيانهم
كسنة عرب، لا كعراقيين، أنا سني عربي أولاً بعد ذلك أفكر في العراق، وبعد ذلك أفكر
في العرب المسلمين، بعد ذلك أفكر في المسلمين عموماً، بهذا أنا أفكر في بيتي قبل
جيراني وجيراني قبل المنطقة التي أنا فيها وهكذا {وَأُولُوا الْأَرْحَامِ
بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: من الآية75]، هذا أحد
الأسباب الآن نحن مستبشرون أن السنة العرب بدؤوا يحسون بأنفسهم كسنة عرب، وعندنا
مشروع بنيناه على الهوية السنة وأيضاً على علة أخرى؛ ففقدان الهوية السنية معناه
أني أريد هوية سنية، علته في القيادات، بمعنى أنه لا بد من تأهيل القيادات الجديدة
التي تتبنى الهوية السنية وترفع قضية سنية عربية.
نحن
الآن في أمس الحاجة إلى تدويل القضية السنية العربية، ونبدأ بها من العراق أولاً
حيث لا نقدر الآن أن ندولها؛ فالجرائم التي ارتكبت بحقنا عليها من الأدلة الكثير
لكن لماذا هذه الجرائم مستمرة والحكومة التي ترتكب في حقنا الجرائم مستمرة وقوية
لأنه ليس عندنا من قضية سنية أساساً لأننا أصلاً نحن فاقدون الهوية. إذن هكذا يبدأ
المشروع: هوية سنية ـ إعداد قيادات جديدة على أساس هذه الهوية مع برامج عملية واقعية
حقيقية من هنا يبدأ ونحن بادئون.
بالوصول
لخلق تيار سياسي جديد؟
الوصول
إلى تيار سياسي سني لابد أن يبدأ بفكرة، ليس نحن فقط كمسلمين بل كل الأحزاب
السياسية لابد أن تبدأ بفكرة أولاً ثم بعد التدقيق على الفكرة يكون التجمع السياسي
وليس العكس.
لكن
ما هو موجود الآن لا يصلح أي منها أن يكون نواة لهذا التيار؟
الذي
يصلح أخي كنواة للتيار هم الشريحة المتدينة الواعية، لا سيما الشريحة التي تنهج
المنهج السلفي وطبعاً له أسبابه فالإخوان المسلمون في العراق أرى أن مشروعهم لا
يؤدي إلى نتيجة في هذا السياق، والتيار السلفي الموجود في العراق تيار غير متكون،
بمعنى أنه متجمع ووارد أن يتجمع على قضية سنية لأن العدو الشيعي حاضر أمامه الآن،
وقد بدأ الأمر على هذا الأساس؛ فالمقاومة في جانب كبير هي مقاومة من المساجد،
انطلقت مقاومة دينية، وكثير من المقاومة ـ برغم أنه لا يتوفر لدي إحصائية ـ هي
مقاومة سلفية أعني الغالب عليها.
لكن
المقاومة خفت كثيراً، فإلى أي حد ترون ذلك؟
إذا
كانت في عنفوانها بنسبة 100% فالآن وصلت إلى 2% - 3% انحسرت تماماً انحساراً حاداً
مقارنةً بما كان قبل أربع سنين.
وهذا
كان لظروف خارجة عن الإرادة أو قرار إستراتيجي؟
هي
جملة ظروف، أعطيك مثالاً بسيطاً: الأمريكان الآن اختفوا من الشارع ولا تجد
أمريكياً تضربه إن أردت، وإذا وجدته فالرصد لا بد أن يكون متحركاً ليس فقط ثابتاً
بمعنى أنا أعرف أن أمريكياً يمر من هنا، لكن متى؟ هذا يحتاج رصداً، وهل هذا الوقت
والمكان صالح لي؟! إذن العملية صعبة؛ فهي أسباب موضوعية، وأسباب ذاتية، وليس هناك
الحاضن الإقليمي، وإذن فالأفراد الموجودة في هذه الهياكل من السهولة أن ينخرطوا في
عمل دعوي يتبنى الهوية السنية ويُدخَل في برامج عملية طبقاً لعلم الإدارة وعلم
الاجتماع.
بمناسبة
الحديث عن المقاومة، الآن الحركات المسلحة غير المنضبطة هل لا زالت تؤثر سلباً على
الفعل السني السياسي أو الدعوي في موقفها من الأحداث وتحدث قلقاً لها؟
نعم،
هذا العامل له أثره ولو بنسبة معينة، ولهذا أنا أؤكد على موضوع التخلف الثقافي
وتخلف المفاهيم؛ فمثلاً إحدى الفصائل نشرت بياناً منذ مدة تهدد من يقول
بالفيدرالية، وأن الفيدرالية معناها تقسيم العراق، وأن ثروات العراق تذهب، ما هو
العراق راح وثرواته راحت، هذا تخلف ثقافة.
هل
تعبر عن موقف إيران؟
هو
يلتقي معه بداية أو انتهاء، أنا لا أتهم أن هذا موقفاً إيرانياً، أقصد منطلقه
إيراني لكن في النهاية يلتقي مع مصالح إيران، وانظر التخلف الثقافي أو الفكري الذي
هم عليه!
لكن
غير أثرهم الفكري، هل أثرهم الميداني مقلق؟
طبعاً
ممكن أن يؤذيك، ممكن أن يفتي بك فتوى قتل، لكن هذا الفصيل ليس من تنظيم القاعدة،
أما القاعدة فالقاعدة لها شأن آخر في تعاملها مع السياسة وتعاملها مع الفصائل
الأخرى وما زالت لها وجود لكنه وجود ضعيف، غير أنه مؤثر؛ فمثلاً إذا صار هناك
تفجير يقتل به عشرين أو ثلاثين فإن وجوده قطعاً مؤثر.
لكن
هل لا زالت تستهدف الجميع بدون تمييز؟
هي
الآن تستهدف السنة، فليس لها وجود في المناطق الشيعية.
نعود
للثورات مرة أخرى؛ فالثورات لم تقم من الأحزاب والقوى التقليدية وإنما قامت من
الشباب أو هكذا يقال، ويقال إنها التقت مع الأمريكان أو لم تلتق معهم على أحد من
التفاسير لكن في العراق لم يحدث شيء من نشاط الفيس بوك مثل الذي حدث في مصر وتونس
وغيرها، فضيلتك تحدثت عن مسألة أن المشروع السني والهوية السنية وربما الثورات قامت
كلها في محاولة تذويبية لأخذ الجماهير جميعها بكافة الأطياف والأشكال لتجميعها
بذرائع مختلفة قد يكون الفقر قد يكون التهميش قد يكون... في سوريا الجميع يعرف
أنها ضد حكم علوي لكنها لا تقول إنها ضد حكم علوي ترفع شعارات محلية شعبية لماذا
في العراق لم يحدث شيء من ذلك حتى يستوعب المهمشين من الشيعة؟
لا
يمكن قيادة عربة بعدة أحصنة غير مسيطر عليها بزمام واحد؛ فنحن عدة أحصنة موجودة في
العراق، فدفع الجماهير إلى التظاهر هو بالضبط كأنك تدفع عربة موجود بها عدة أفراس
تقودها وغير مسيطر عليها، فرس يقود لليمين، فرس يقود للشمال، فرس يتراجع، وفرس
يتقدم، النتيجة هذه العربة لن تتحرك كثيراً إن لم تتحطم بعد ذلك؛ فالمظاهرات التي
خرجت في البداية أولاً جوبهت بالقمع الشديد من الحكومة، ثانياً هذه المظاهرات
تعاني من تناشز الشيعي إرادته غير إرادة السني.
لكن
الجميع يشعر بالفقر والحاجة إلى التغيير، ففي اليمن مثلاً كانت هناك أحصنة كثيرة،
وفي مصر...
لا
النسبة تختلف عفواً، فسوريا مثلاً فيها علويون أو فيها شيعة، ولكن أصلاً الثورة
هذه لا تحتاج أن تعطيها هوية سنية لأن السنة في سوريا هي غالبية أكثر من 94% فأنت
لا تحتاج أن ترفع هوية لأن هويتك حاضرة. أنت متى تحتاج إلى هوية؟ حاجتك للشيء عند
فقدانه، فإذا كانت موجودة فأنت لا تحتاجها؛ فالحاجة تعبر عن الفقدان، فالسوريون
مثلاً كمثال ما يحتاجون للهوية السنية، فسوريا سنيتها حاضرة وهويتها حاضرة والعدو
حاضر كذلك أخي في مصر الخلاف بين الأطياف الموجودة ليس هو خلاف عقائدي بشكل كامل،
والخلاف في غالبه إما فروعي وإما سياسي؛ فتجمعهم مسألة الفقر ويجمعهم الاضطهاد
ويجمعهم أن هذا الحاكم لو زال فزواله سيعود على الجميع بالفائدة، لكن نحن لو زال
نور المالكي من يأتي؟ يأتي آخر مثله أو أشد منه. وفي العراق لا يمكن أن تؤدي
المظاهرات فيه إلى نتائج في صالحنا، المظاهرات هذه تؤدي إلى نتائج ـ إن أدت ـ
لمصلحة الشيعة، فبالنسبة للشيعي ليس الخلاف مع نوري المالكي كتوجه، فهو يريد
الإبقاء على نوري المالكي؛ فمثلاً الخلاف بين التيار الصدري وبين حزب الدعوة خلاف شديد
وصل إلى التقاتل والذبح والتطاحن لكن وقفوا في النهاية مع نوري المالكي. يقول لك
هذا: يجمعنا المذهب. ومقتدى الصدر نفسه قال: يجمعنا المذهب لكن هو خلافه مع نوري
المالكي فيما هو دون المذهب، أما أنا فإذا وفر له نوري المالكي هذه الحاجة التي
أحتاجها فرضاً، تبقى مشكلتي معه قائمة لأن نوري المالكي يريد ذبحي، ويهمشني.. إذا
لم يذبحني جسدياً سيذبحني دينياً فإن تغير نور المالكي فمن يأتي؟ يأتي شخص شيعي
آخر فالمظاهرات لا تحقق لي مكسباً كبيراً.
مسألة
الحريات نفسها كحريات، ففضيلتك تحدثت عن التعليم؛ فإذا نال المطالبون حرية إنشاء
مدارس سنية، الحرية عموماً ما يجعل مسائل التعذيب والقهر والإرهاب الصفوي غير
موجودة أو يقلل من لأوائها؟
هذا
لا يتغير أخي بتغير الشخص الآن نأخذ السنة في بغداد.. تفضل.
أقصد
تغيير النظام كنظام استبدادي وقهري؟
لا
يوجد نظام شيعي ليس استبدادياً. أعطني نظاماً شيعياً في العالم ليس استبدادياً! يا
أخي النظام الإيراني نظام متخلف يعيش في القرون الوسطى، لأن عقيدته متخلفة تقوم
على تقديس الفقيه، ويعد الخروج على الفقيه كالخروج على رب العالمين! وهو على حد
الشرك!
هذا
بداية عقيدتهم نظام متخلف، نظام كهنوتي، نظام الكنيسة الذي كان يسود بالقرون
القديمة والقرون الوسطى فلا يوجد شيعي ليس متخلفاً سياسياً؛ فالتغيير داخل الصف
الشيعي لا يحل المشكلة، لكن الذي يحل المشكلة هو الهوية السنية؛ فإذا عملنا عملاً
بناء على الهوية السنية في منطقنا السنية هذا هو الذي يحل المشكلة وهذا الذي يقويني
ويوجد لي كيانا سياسيا واقتصاديا.. بالجملة يوجد لي كيانا تتفرع منه هذه الكيانات
الجزئية أو المطالب الجزئية، هذا هو الحل.
لكن
المظاهرات من جهة أخرى أفادتنا فائدة كبيرة، كسرت حاجز الخوف من الحكومة وفرقها
العسكرية المنتشرة في المناطق السنية حيث لم يكن السنة يجرؤون على الخروج لمظاهرة،
كان مصيرهم حينئذ القتل والاعتقال، ويذهبون إلى نهايات مجهولة، لكن لما خرجت
المظاهرات وجربوا أنهم يستطيعون أن يخرجوا في مظاهرات، ثم ذاقوا حلاوة الاستجابة،
وإن كانت بالوعود الكاذبة، فالمظاهرات ما أدت بهم إلى قتل وتشريد هذه نوع من
النشوية هو أن أستطيع أن أخرج وأرجع آمن إلى بيتي هذه تحدث نشوة وتحدث نشاطاً
وينكسر حاجز الخوف.
لو
عدنا إلى الوراء للتقييم لا للندم حين اختلف أهل السنة أو قواهم السياسية بين
الدخول وعدم الدخول الانتخابات؛ فالآن كيف لو عادت عقارب الساعة هل كان من الأفضل المشاركة
التامة من كل السنة أو المقاطعة التامة، هذا ليس للندم، ولكن لما يترتب عليه في
الانتخابات القادمة؟
أنا
شخصياً يا أخي من البداية أستقر على أنه علينا أن نعمل بكل الاتجاهات؛ فليس من
الحكمة ولا الصواب أنه نقاطع الانتخابات أو نقاطع أي نشاط مدني آخر أو اجتماعي
بحجة كما يقال الطريق الوحيد. ثقافة الطريق الوحيد المتجذرة، مثلاً يقولون لك: الطريق
الوحيد هو العمل السياسي، والآخر يقول: العمل الدعوي، وثالث يقول: لا الطريق
الوحيد هو المقاومة. يا أخي ما هذا التضييق وقد وسّع الله علينا الطرق؟ لماذا
الطريق الوحيد؟
حتى
الخصم يتعامل بعدة طرق فالإيرانيون يتعاملون بأكثر من طريق في العراق وأكثر من حزب
وقوة؟
ما
ضيق الله علينا. فأنا لا أقول تعود العقارب للوراء. أنا شخصياً منذ البداية كنت
أدعو إلى العمل بكل الاتجاهات، ثم لا يوجد اتجاه مضمون، لا سياسة مضمونة، ولا
المقاومة مضمونة.
الآن،
الذي يقول الطريق الوحيد: المقاومة، ويتهكمون على أهل السياسة، ويقولون: أهل
السياسة ماذا جنوا؟ بالمقابل يقول لك خصمك: والمقاومة، ماذا جنت؟ هل أخرجت
الأمريكان وجلبت الشيعة وإيران مثلاً؟!
سيرد
هذا وذاك، وسنمضي في جدل لا ينتهي. أخي لأن هذا ربما حقق مكتسبات من السياسة أفضل
مما كوننا لا ندخل فيها. أنت من الممكن أن تقول ماذا حققت السياسة؟ وماذا حققت
الدعوة؟ ولكن هذا ظلم {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ
وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ} [البقرة: من الآية113] هذا
منطق باطل. الله تعالى أخبر عنه في القرآن أنه منطق غير سليم فالمفروض أخي أن ندخل
في كل المجالات وتكون عندنا الخيارات مفتوحة أمس واليوم وغداً.
جزاك
الله خيراً
الله
يحفظك. أنا دعوت بقوة في الانتخابات الماضية على قناة صفا وكتبت وذهبت للانتخاب
وقلت لهم إن وجودنا في العملية السياسية لن يجلب لنا خيراً كما نريد، ولكن سيدفع
عنا شراً بنسبة ما، لكن دفع الشر غير منظور؛ فهو ليس مثل جلب الخير. فنحن ندخل في
العملية السياسية لندفع عن أهلنا شراً، وأهلنا لا يرون هذا الشر المدفوع لذلك
يلومون على السياسيين ما فعلوا.
يرون
بقية الشر؟
نعم
والمفترض أن النخبة والقادة يتوفر لديهم نظرة شاملة، ولا يتنابزون بالألقاب.. فالذي
يشتغل أفضل من الذي لا يعمل، وأنا أشكر الذين شاركوا بأي جهد حتى لو كان قاصراً
حتى لو كان فيه خطأ كثير، وأنا مع كل الخيارات.
جزاك
الله خيراً
أشكركم
على إتاحة هذه الفرصة لعل الله سبحانه وتعالى ينفعنا وينفعكم بكلمة تصل الآفاق.
موقع
المسلم 5 جمادى الأولى 1433هـ
===========
============
أحمد
خيري العمري
الهوية
السُـنَّية ...صراع من اجل البقاء
لم
يكن سهلا قط ، بالنسبة للسُـنَّة العرب في العراق ، الحديث عن "هوية سُـنَّية"
خاصة بهم ، تميزهم عن سواهم من المكونات الأخرى للشعب العراقي..فقد كان هذا الحديث
بمثابة إقرار ضمني بما أصر السُـنَّة العرب (ولا يزال بعضهم) على رفضه وتجاهله..
لكن
السُـنَّة العراقيين الآن ، ونخص بالذكر الآن العرب منهم ، أمام مرحلة لم يعد
مجديا الرفض فيها ، لأن هويتهم ووجودهم صارا مهددين أكثر من اي وقت مضى ، لم يعد
أمام السُـنَّة العرب خيار ، إما ان يكون لديهم هوية سُـنَّية ، واضحة ، معلنة ،
أو أن يرضخوا لمشروع يستهدف تشييعهم او على الأقل تذويبهم في المشروع الإيراني
الجاثم على العراق وهو المشروع الذي لا مفر من الإقرار بتخندقه خلف نسبة لا بأس
بها من الشعب العراقي..(حتى الآن..).
السُـنَّة
العرب هم أول من رفض هذا الحديث عن الهوية السُـنَّية ، منذ أن بدأ الحديث الطائفي
والمحاصصة صراحة بعد الاحتلال ، والسُـنَّة العرب يحاولون عبثا النأي بأنفسهم عن
التصريح بهوية طائفية ، وبينما سارع الآخرون لإعلان "البيت الشيعي" ،
كان هؤلاء يحاولون الحديث عن عراق موحد يضم الجميع..
جزء
من هذا الرفض كان يعود لرواسب الفكر البعثي القومي الوطني الذي لم يكن من الممكن
الحديث معه عن طائفة ، ناهيك عن الحديث عن هوية طائفية ، الأجيال التي نشأت على
حكم البعث ، منذ أواخر الستينات من القرن الماضي ، تعلمت إن ذكر أنك سني أو شيعي "عيب"
باعتبار أنه "ماكو فرق"..
كان
ذلك عهدا انقضى..ونعرف كيف انقضى..تلك الأحلام الجميلة والمفعمة بالأناشيد الوطنية
لا يمكن لها أن تغير واقعا كابوسيا جاثما على صدور العراقيين الآن...
إن
كنت لا تريد الحديث عن هويتك (كي لا تفرّق ولكي تحافظ على هوية وطنية موحدة) فهذا
شأنك وخيارك..لا تتوقع أن يتخذ الآخرون نفس الموقف مجاملة لك.
وهذا
ما حدث..نأى السُـنَّة العرب عن الحديث عن هوية طائفية صريحة مراعاة للوحدة
الوطنية التي اتضح أنها مثل الغول والعنقاء والخل الوفي (على الأقل فيما يتعلق
بشكلها في الدول العربية القديمة)..بينما أنهمك "المكّون العراقي الآخر"
في تثبيت هويته والإعلان هنها والتشبث بها ، وهو ما كان له أثر كبير لاحقا على
معطيات الأمور ، فمن لا يبرز هويته يبدو كمن لا وجود له ، على العكس من المبرزين
لها الذين ظهروا أضعاف حجمهم ونسبتهم الحقيقية بسبب الفراغ الذي أحدثه إحجام
الآخرين عن إبراز هويتهم..
مشكلة
هوية الآخر ليس فقط في كونها تبرز حجمه وقوته أكثر ، بل مشكلته أن هويته لا معنى
لها ، بل لا وجود ، دون أن يكون مهاجما للسُـنَّة..
جوهر
الهوية الشيعية يرتكز على أمرين لا يمكن التخلي عنها : أولا المطالبة بالحق
المغتصب (الخلافة بزعمهم) وثانيا المطالبة بثارات الحسين..لا حديث عن هوية شيعية
دون هذين الأمرين.
لن
يبقى شيء من التاريخ الشيعي إن تم السكوت عن هذين المعتقدين القائمين على الصدام
مع السُـنَّة (باعتبارهم اغتصبوا الخلافة بزعم الشيعة، وباعتبارهم قتلوا الحسين –كذبا
وافتراءً)... وفي الحالتين ، فأن السُـنَّة ، بكل أطيافهم سيجدون أنفسهم في مواجهة
هذه الهوية الشيعية...
ماذا
يعني إظهار الهوية الشيعية؟
يعني
أن تجد نفسك محاصرا طيلة الوقت باللطم على الحسين وفق أنغام تتهمك بين لحن وآخر
بقتله..
يعني
أن تجد المطالبة بالثأر للحسين على الجدران في المؤسسات الحكومية وعلى البيوت وعلى
السيارات وفي الشوارع..
أن
تجد ابنتك تكتب على رأس ورقة الإملاء "يا لثارات الحسين" لأن كل
زميلاتها يفعلن ذلك... في كل خطوة ستجد الهوية الشيعية تستهدفك.
أن
تجد نفسك متهما في جريمة تؤمن أنها لم تحدث أصلا ، ويؤمن هؤلاء أنها السبب في
وجودهم على هذه الكرة الأرضية..
لا
جدوى من الإنكار.لا جدوى من الحديث عن هوية وطنية واحدة في هذا السيل الجارف من
الهوية التي لا تراك إلا عدوا لها.. بل ترى في الانتقام منك السبب الذي خلق الله
البشرية من اجله...
بالضد
تتميز الأشياء. وبالتمايز يكون التعريف.وهذه الهوية الشيعية (المدعومة بلا شك من
الحكومة الإيرانية وأجنحتها ولكن أيضا التي تجد هوى من الشيعة العاديين غير
المسيسيين) هذه الهوية لا تنفك تضع السُـنَّة العرب في العراق في موضع لم يكونوا
يريدونه اصلا. لكنه حدث.
لم
يعد الحديث عن الهوية السُـنَّية خيارا.صار معركة صراع من أجل البقاء.إما أن تتمسك
بسنيتك وتظهرها ـ أو تذوب في ذلك التيار الجارف ، رغم مفارقته لكل ما هو عقلاني
وحضاري وأخلاقي...
هذه
الهوية الشيعية لا تقتصر على من هو سني متدين. بل هي تشمل كل سني ولو كان علمانيا
أو ملحدا.
كل
من ينتمي لأسرة او عشيرة سُـنَّية الأصل سيجد نفسه معرضا للإقصاء والتهميش (وفي
مراحل أخرى للقتل أو الاعتقال).
وهكذا
فقد اعتبر الملحد سنيا وأعتبر العلماني سنيا واعتبر الليبرالي سنيا فقط لأنهم
ينتمون للقب سني حتى لو لم يشكل شيئا في أولوياتهم وعقيدتهم.
لقد
عوقبوا (جماعيا) على اغتصاب الخلافة وقتل الحسين..لا يمكن لك أن تحيد نفسك بترك
التسنن ومظاهره ، لكن سينفعك حتما أن تتشيع وتظهر التشيع.
هذا
هو طريق النجاة الوحيد من تهمة قتل الحسين واغتصاب الخلافة...
==============
==============
موضوع
ذو صلة
فقد
الهوية السنية سبب الاضطهاد و القتل الذي يتعرض له السنة في العراق و سوريا و
لبنان
نشر
التشيع أداة ايران لمد نفوذها في الخارج
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق