سئل في الندوة : ولماذا التأكيد على الصلاة الوسطى في قوله تعالى " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى " ؟
فأجاب : ربما كانت الصلاة الوسطى كما في بعض التفاسير هي صلاة الجمعة ، وهناك تفسير أنها صلاة الصبح ، وبذلك يكون معناها معنى الصبح لأنها تتوسط بين الليل والنهار ، وهناك مَنْ يقول إنها صلاة العصر لأنها تتوسط بين صلاتين هنا وصلاتين هناك ، وقال بعضهم إنَّ الله أخفاها حتى نعتني بكل الصلوات لندرك الصلاة الوسطى في معناها .[245]
أقول : ليتني أهتدي سبيلاً لوجهٍ معقول لأُرجِعَ إهمالَ السيِّد فضل الله التعرُّضَ لمذهب أهل البيت في المقام إليه ، فإنَّ مذهب أهل البيت أمرٌ معروف لا يكاد يخفى على مَنْ له أدنى تتبُّعٍ وتصفُّحٍ .
قال السيِّد الخوئي : والمعروف بين أصحابنا ( قده ) بل المتسالَم عليه بينهم أنَّ المراد بها صلاة الظهر في غير يوم الجمعة ، وأما يوم الجمعة فالبطبع تنطبق على صلاة الجمعة .[246]
وقال سيِّد المستمسك : كما هو المشهور بل عن الخلاف : إجماع الطائفة عليه .[247]
ويستفاد من كلام هذين العَلَمَيْن وغيرهما من أعلام الطائفة ( راجع المطولات ) أنَّ الصلاة الوسطى هي صلاة الظهر عند الشيعة بإستثناء السيِّد المرتضى ، وإنْ كنا بدورنا نشكُّ في صحة ما نُسِبَ إليه ، إلا أنْ يُحمَل قوله على التقية ، إذ لا يُحتمَل في أحد من علمائنا أنْ يُخالف ما جاءت به الآثار والأخبار0
وقد روى الكليني في الكافي والصدوق في الفقيه والعلل بسند صحيح – بلا خلاف – عن الباقر عليه السلام في حديث : وقال تعالى : " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى" وهي صلاة الظهر وهي أول صلاة صلاها رسول الله صلَّى الله عليه وآله .[248]
وفي الوسائل عن معاني الأخبار بسند صحيح – بلا خلاف – عن الصادق عليه السلام : صلاة الوسطى صلاة الظهر ، وهي أول صلاة أنزلها الله على نبيه صلَّى الله عليه وآله .[249]
وعن السيِّد إبن طاووس في فلاح السائل : من كتاب عمر بن أذينة فيما رواه عن زرارة ومحمد بن مسلم قالا سمعنا أبا جعفر عليه السلام وسألناه عن قول الله "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى" فقال : هي صلاة الظهر.
ورويتُ عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال : حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين .
ورويتُ من كتاب إبراهيم الخزاز عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال : حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين .
ورواه أيضاً الحاكم النيشابوري في الجزء الثاني من تاريخ نيشابور من طريقهم في ترجمة أحمد بن يوسف السلمي بإسناده إلى ابن عمر قال : أمرت حفصة إبنة عمر أنْ يُكتَب لها مصحف ، فقالت للكاتب : إذا أتيتَ على آية الصلاة فأرني حتى آمرك أنْ تكتبها كما سمعتُها من رسول الله صلَّى الله عليه وآله ، فلما أراها أمرته أنْ يكتب حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر .
وروى أبو جعفر بن بابويه في كتاب معاني الأخبار في باب معنى الصلاة الوسطى مثل هذا الحديث عن عائشة 0 وذكر عبدُ الله بن سليمان بن الأشعث السجستاني في الجزء الأول من كتاب جمع المصاحف ستةَ أحاديث أنَّ ذلك كان في مصحفها ، وثماني أحاديث أنه كذلك في مصحف حفصة ، وروى حديثين أنَّ ذلك كان كذلك في مصحف أم سلمة . أقول : فقد صار تعيين أنَّ الصلاة الوسطى صلاةُ الظهر مروياً من الطريقين 0 انتهى كلام السيِّد ابن طاووس .[250]
ووجه قوله : (فقد صار تعيين…) إلى آخره : هو اقتضاء العطف للمغايرة ، فإنه لا يصح عطفُ الشيء على نفسه ، وفيما نقله من أخبار " حافظوا على الصلاة والصلاة الوسطى وصلاة العصر " فلو أنَّ الصلاة الوسطى هي صلاة العصر لما صح العطف ، بل كان المتعين أنْ يُقال " والصلاة الوسطى صلاة العصر" من دون أداة عطف .
وما في صحيح زرارة وهي الرواية الأولى المتقدمة "وفي بعض القراءة حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر وقوموا لله قانتين " من دون أداة العطف لا يُعارِض ما نقله ابن طاووس ولا يضر.
أما أنه لا يعارِض : فلأنه رواه في العلل مع أداة العطف ، وهذا مُؤيَّد بما نقله إبن طاووس ، فيكون ما في الكافي والفقيه والتهذيب قد حُذفت فيه أداة العطف أعني حرف الواو .
وأما أنه لا يضر - أي لو صح أنه من دون أداة العطف - : فلأنَّ هذا ليس إلا نقلاً من المعصوم عليه السلام عما في بعض القراءة ، من دون أنْ يكون هو عليه السلام مرتضِياً له ، إذ لا معنى لأنْ يقول الإمام عليه السلام بأنَّ الصلاة الوسطى هي صلاة الظهر ، ثم يقول وفي بعض القراءة كذا مع كونه خلاف ما ذكره أولاً .
ويدل على صحة ما في كتاب العلل - وأنَّ ما في الكتب الثلاثة الأخرى قد سقطت منها أداة العطف - أنَّ في الحدائق : وروى الثقة الجليل علي بن إبراهيم في تفسيره في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قرأ حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين .[251]
وفي مستدرك الوسائل عن العياشي في تفسيره عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت له : الصلاة الوسطى فقال : حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين ، والوسطى هي الظهر ، وكذلك كان يقرؤها رسول الله صلَّى الله عليه وآله .[252]
أقول : وهل أنَّ السيِّد فضل الله أيضاً على الرغم من دعواه أنه ممن يتحقَّق ويدقِّق ويراجع لم يكن مطَّلِعاً على هذه الأخبار ؟!
أو أنَّ هذه الأخبار كان قد رآها ولكنه لم يكن في نُسخة كتبه كلمة الظهر ؟!
ولماذا لم يتعرَّض لذكر مذهب أهل البيت ، إذ كان عليه أولاً أنْ يقول بأنَّ الصلاة الوسطى عند الأمامية هي الظهر ثم يذكر ما ذكره .
نعم لعلَّه هنا نسي ، وفي بعض الموارد الأخرى غفل ، وفي مورد ثالث كان شاكَّاً ، وفي مورد رابع لم يكن مطَّلِعاً ، وفي خامس لم يهتدِ إلى صحة الأحاديث وهكذا من محامل ووجوه .
ولكن مع ذلك يبقى في النفس شيء فأقول : لماذا يحصل معه هذا الأمر كثيراً جداً فيما له مساس بالعقيدة ؟!!!..
ثم ليس لك أنْ تقول بأنَّ السيِّد فضل الله قد ذكر في مجلد آخر من الندوة صلاة الظهر حيث سئل هناك عن مثل ما سئل عنه هنا0
لأننا نقول : ليس لزاماً على كل مراجِعٍ لكلماته أنْ يبحث عما يرتبط بما يذكره في جميع كتبه ، مع أنه لم يشر على أحد بذلك فضلاً عن أنَّ ليس كل قارئ يتفطن لهذا المعنى ، على أنَّ هذا العذر أقبح من الذنب0
---------------
[245] الندوة 4 ص 406 ط الثالثة 1419 - 1998
[246] التنقيح في شرح العروة الوثقى 1 كتاب الصلاة ص 110 ط دار الهادي قم المقدسة
[247] مستمسك العروة الوثقى للسيد محسن الحكيم 5 ص 22 ط دار احياء التراث العربي
[248] الكافي 3 كتاب الصلاة باب 3 ح1 ص 271 ، مَنْ لا يحضره الفقيه 1 ح 600ص 124
[249] الوسائل 4 باب 5 من ابواب اعداد الفرائض ح2 ص 22
[250] فلاح السائل ص 94-93 ط جامعة المدرسين قم المقدسة
[251] الحدائق الناضرة 6 ص 22 ط دار الاضواء
[252] مستدرك الوسائل 3 باب 5 من ابواب اعداد الفرائض ونوافلها ح5 ص21
| 
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق