السبت، 13 فبراير 2016

في معتقلات محمد بن زايد: “اشرب من نعلك يا صاحب المليارات…


تقارير

الكاتب : وطن 13 فبراير، 2016
معتقلات محمد بن زايد








د. سامي الجلّولي – وطن (خاص)

وفق دراسة قامت بها مؤسسة Reprieve البريطانية سنة 2013 استنادا على مقابلات مع مساجين في سجن “دبي المركزي”، ادعى أكثر من ثلاثة أرباع المساجين تعرضهم للتعذيب بعد إلقاء القبض عليهم، بالإضافة إلى أنّ حوالي 85% أجبروا على توقيع وثائق بلغة لا يفهمونها. وأن 70% من السجناء الأجانب تعرضوا للتعذيب قبل أن يقع ترحيلهم من طرف الحكومة الإماراتية حيث تقوم أجهزة الدولة بمضايقة وترحيل المدافعين عن حقوق الإنسان، تحرم المحتجزين السياسيين من المساعدة القانونية وتعمل على ابتزازهم وانتزاع اعترافات تحت التعذيبوتسجلها على أساس أنها اعترافات إرادية.

تعلّق Clare Algar المديرة التنفيذية لمنظمة Reprieve عن الخروقات التي تأتيها شرطة الإمارات: “استخدامالشرطة الإماراتية التعذيب أمر خارج عن السيطرة في الدولة وقد رفضت الإمارات بإصرار إجراء تحقيقات مستقلة في هذه الانتهاكات، لمواصلة الشرطة تهديد المتهمين لإجبارهم على التوقيع”.

كما أظهر تحقيق نشرته صحيفة Observer The البريطانية سنة 2013 أن أغلب المواطنين البريطانيين الذين يقع إيقافهم في الإمارات يتعرضون للركل والضرب والصعق، ووضع مسدس على الرأس، والتجريد من الملابس والتهديد أو المباشرة في الاغتصاب، على أيدي شرطة الإمارات.

لكن ما لم تشر إليه الصحيفة أنّ أغلب الذين يقع إيقافهم ثم تعذيبهم من حاملي الجنسية البريطانية تعود أصولهم إما عربية أو آسيوية وعادة ما يكونوا أبرياء وقع الزج بهم في قضايا تلفيقية أو لمجرّد الشبهة وغالبا ما تكون الحجج التي على أساسها وقع إيقافهم وتعذيبهم إما غير واقعية أو غير كافية وتفتقد للإثبات اللازم.

إلا أنه نادرا ما تطبق نفس وسائل التعذيب على البريطانيين ذووا الأصول الأوروبية وهذا ما حدث أواخر سنة 2013 مع ثلاثة بريطانيين وقع إيقافهم وتعذيبهم في دبي وهم Grant Cameron و Karl Williams و Suneet Jeerh حيث اعتقلوا وضربوا إضافة إلى تعرّضهم في الكثير من المرات للصدمات الكهربائية في الصحراء حتى لا تسمع أصوات صياحهم وتصويب السلاح على رؤوسهم وكسر ذراع Karl وتلقيه صدمات كهربائية في أماكن حسّاسة من جسده كالخصيتين من قبل أجهزة الشرطة الإماراتية لمدة 7 أشهر ووقّعوا على وثائق باللغة العربية التي يجهلون مفرداتها ومعانيها.

في استجابة لضغوط من منظمة Reprieve، التي أثارت قضيتهم للرأي العام البريطاني والدولي، طالب رئيس الحكومة البريطانية David Cameron في أفريل 2013 إجراء تحقيق كامل، حيادي ومستقل. واستغلّ زيارة رئيس الإمارات إلى بريطانيا في نفس الشهر لإثارة القضية معه فتم العفو عنهم شهر جويلية 2013 كجزء من العفو خلال شهر رمضان لعدد من السجناء في دولة الإمارات العربية المتحدة.

يتشدّد النظام الإماراتي في منح التأشيرات لمنظمات حقوق الإنسان الدولية والمراصد الحقوقية، إذ يعتبر أي نشاط لها أو مساندة أو مساعدة تقدم لهذه المنظمات ترتقي إلى جرائم أمن الدولة. كما لا يتوانى هذا النظام في سحق أي حركة تنادي بالديمقراطية وخرق الاتفاقات الدولية لحقوق الإنسان فضلا عن كونها لا تكثرت بالمعايير الدولية لحماية الأفراد والتي تضمن لهم محاكمات عادلة الشيء الذي جعل صحيفة The Guardian البريطانية سنة 2013 تخلص إلى القول بأنّه: ”لا يمكن السماح لكاميرون بالتضحية بحقوق الإنسان من أجل المحافظة على صفقة الأسلحة”.

لاحقا، سيفرش السجّاد الأحمر لرئيس الإمارات خليفة بن زايد، الذي أقيمت على شرفه مأدبة غداء في قصر Windsor وحفل عشاء في Claris House، لتوقيع صفقة أسلحة لشراء 60 طائرة حربية بريطانية الصنع للإمارات.

وإن لم يكن “سجن دبي المركزي” الجنة الموعودة وهو ما يلقبونه بــ”أبو غريب الإمارات” فإن سجن “الرزين” يعتبر الأسوأ على الإطلاق حيث يلقبونه بــ “غوانتانامو الإمارات”. في داخله يقبع المآت من أصحاب الرأي والإصلاح، تمارس فيه آخر أصناف وأنواع التعذيب. في هذا السجن رغم القضايا الملفقة والأحكام الجائرة لا تزال الانتهاكات مستمرة من طرف جهاز أمن الدولة ضد مساجين الرأي كالزج بهم في الزنازين الانفرادية وتجريدهم من ملابسهم تماما وتعذيبهم بأبشع الطرق وإخضاع بعضهم للاغتصاب.

الدكتور “محمد الركن” أحد أهم المطالبين بالإصلاح السياسي بالامارات والحائز على جوائز كثيرة ورئيس جمعية الحقوقيين يقع اختطافه وتعذيبه في سجون سرية ثم يقع نقله إلى سجن “الرزين” ووضعه في زنزانة انفرادية تشبه التابوت في شكلها وحجمها وإغلاق جميع نوافذها بالإسمنت والآجر. بل يقع حرمانه من استعمال دورة المياه في انتهاك لكل القيم والأعراف القانونية والدولية والإنسانية. وقد أشار نصّ الحكم الصادر في قضية أعضاء الإصلاح الـــ 69 إلى أن المحاميين الحقوقيين “محمد المنصوري” و”محمد الركن” قد “تواصلا مع منظمات دولية منها هيومن رايتس ووتش”.

يمثل الإخفاء القسري سلوكا يكاد يكون نسقيا وممنهجا من طرف أجهزة أمن الدولة التي تباشر وظائفها دون قيود، مدعّمة بترسانة من المراسيم والقوانين الزجرية والمخالفة لأبسط قواعد حقوق الإنسان.

يصنّف Joe Stork (نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة هيومن رايتس) أعمال الإخفاء القسري: “من الجرائم الدولية الخطيرة التي تعرّض الضحايا لخطر التعذيب وتسبّب لعائلاتهم القلق. وتبرهن حالات الإخفاء الجديدة على المسلك القمعي المتزايد لدولة الإمارات”.

لا تقف سياسات الإخفاء القسري على الإماراتيين بل تعدّته إلى مواطنين حاملين لجنسيات أخرى من ذلك ما قام به مركز شرطة “البرشاء” والذي يعتبر أحد أبرز المراكز الأمنية بإمارة دبي (يقدّم حزمة من الخدمات الذكية ويغطّي 11 منطقة معظمها سياحية وسكنية) من خطف لليبيين رجال أعمال مقيمين منذ التسعينات من القرن الماضي وتحويلهم إلى وجهة غير معلومة وقد أكّد السفير الليبي بأبو ظبي “عارف النابض” في رسالة وجّهها إلى وزارة الشؤون الخارجية الليبية بتاريخ 7 سبتمبر 2014 احتجاز ثم اختفاء كلّ من “محمد وسليم العرادي” و”كمال ومحمد كمال الضرّاط” و”البشير الشبّاح” الذي وقع اختطافه وتعذيبه في أقبية السجون الاماراتية. من الاشياء التي مورست عليه، ان رجال امن الدولة في الامارات كانوا يسكبون الماء في نعله ثم يأمرونه بشربه ويقولون له: “اشرب من نعلك يا صاحب المليارات…”

لكن من هي الجهة التي ترعب المواطنين والأجانب في الإمارات؟

تشير جل أصابع الاتهام إلى جهاز أمن الدولة الإماراتي وهو أحد الأجهزة القمعيّة التي تتبع “المجلس الأعلى للأمن الإماراتي” الذي وقع تأسيسه سنة 2006. فهذا المجلس لا يقوم على مفهوم أمن الشعب أو “الأمن المحايد” بل على أمن العائلات الحاكمة وحماية مصالح الدول الغربية النافذة وحلفاءها في الإمارات.

يسيطر على تركيبة هذا المجلس آل نهيان حكام أبو ظبي ويرأسه “هزاع بن زايد آل نهيان”. يشتغل في هذا الجهاز خبراء تونسيون، مصريون وأردنيون والحصول على الموافقة الأمنية من هذا الجهاز شرط أساسي للاشتغال في الوظائف الحكومية.

يتمتع جهاز أمن الدولة الإماراتي بصلاحيات مطلقة وينفّذ عملياته دونما الرجوع إلى أي جهة وفي أي مكان من الإمارات.

29 ديسمبر 2012، مطار دبي الدولي، يقع خطف الحقوقي ”سعود كليب الطنيجي“ أحد المطالبين بالإصلاح السلمي قبل أن يستقل رحلته المتوجهة إلى السعودية لأداء مناسك العمرة. يقع الاعتداء عليه بالضرب المبرح وسط المسافرين ثم يقع تسليمه إلى رجال بزي مدني أخذوه إلى وجهة غير معلومة.

اتصلت عائلته بعد 3 أيام بأجهزة أمن الدولة وبجمعية حقوق الإنسان الإماراتية (المغلوب على أمرها والمخترقة من قبل النظام) فنفوا علمهم بذلك.

لقد طالت حالات الاختفاء القسري أو الاختطاف من أماكن عمومية أو من مقرات السكنى التي يقوم بها جهاز أمن الدولة أغلب الذين طالبوا بالإصلاح السلمي وعلى رأسهم ما يعرف بمجموعة 94 الذين تعرضوا إلى الاختفاء القسري وإلى التعذيب الممنهج.

يعد الاختفاء القسري من أخطر الانتهاكات لحقوق الإنسان ويمكن متابعة المسؤولين على ذلك دوليا بمقتضى “الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري” التي تنص في المادة 5: “تشكّل ممارسة الاختفاء القسري العامة أو المنهجية جريمة ضد الإنسانية كما تم تعريفها في القانون الدولي المطبق وتستتبع العواقب المنصوص عليها في ذلك القانون”.

كما تنص الماد 11 على أنه يمكن تتبع الجاني من طرف محكمة جنائية دولية.

رغم توصيات المنظمات الحقوقية وفظاعة ووحشية الانتهاكات المسجلة، يرفض النظام الإماراتي التصديق على “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية” وعلى البروتوكولين الاختياريين الأول والثاني الملحقين به، وكذلك على “الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري”.

أمام دكتاتورية النظام الإماراتي وما يمارسه من إرهاب وترهيب على مواطنيه والأجانب، تحرّك البرلمان الأوروبي. ففي أحد تقاريره الأخيرة بيّن أن الإمارات “زادت القمع بحق المدافعين عن حقوق الإنسان وناشطي المجتمع المدني”، وندّد بـ “التحرّش” و”القيود على حرية التعبير” و”تدابير السجن غير القانونية” التي تطال الناشطين الحقوقيين في الإمارات مطالبا بـ “إطلاق السراح غير المشروط لسجناء الرأي”.

* الدكتور سامي الجلّولي صاحب الكتاب المثير للجدل “الإمارات ما قبل الكارثة أسرار وخفايا” والمختص في النظام السياسي السويسري والأنظمة السياسية العربية، والمحلّل السياسي ورئيس مركز جنيف للسياسة العربية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق