الثلاثاء، 2 فبراير 2016

التاريخ غير المروي لأميركا / أمريكا / اميركا

أوليفر ستون يفتح النار على سياسات أمريكا الخارجية
آخر تحديث : الجمعة 25 أبريل 2014   13:15 مكة المكرمة

الجزيرة الوثائقية
يواصل المخرج الأمريكي المعروف أوليفر ستون فتح صفحات التاريخ الأمريكي المُعاصر عبر برنامجه التسجيلي الجدليّ " أوليفر ستون، التاريخ غير المروي للولايات المتحدة "، والذي يعرض حالياً على شاشة قناة الجزيرة الوثائقية، لتكون أول قناة عربية تعرض هذا البرنامج التلفزيوني الذي يثير ردود أفعال واسعة أينما عُرِّض. فبعد أن تناولت الحلقات الخمس الاولى من البرنامج فترة العشر سنوات التي سبقت الحرب العالمية الثانية، وصولاً إلى بداية عقد الستينيات من القرن الماضي، تُركز الحلقات الخمس الأخيرة من البرنامج المُتألف من عشر حلقات، على الحقبات التاريخية المُضطربة منذ بداية عقد الستينيات وحتى سنوات الربيع العربي والأزمة الاقتصادية الأمريكية الحاليّة.
اوليفر ستون

وكانت قد سبق عرض الحلقات الخمس الختامية من البرنامج التسجيلي ترقب كبير من قبل الإعلام الأمريكي عند عرضه في الولايات المتحدة الأمريكية وقتها، خاصة أنها تتعرض لفترات ركز عليها المخرج الأمريكي في أفلام روائية من العقدين الأخيرين، حازت بدورها على اهتمام وجدل لم يتوقفا لليوم. لكن المخرج تجنب في الحلقة السادسة من البرنامج، والتي ركزت على سنوات حكم الرئيس الأمريكي الراحل جي أف كينيدي، التعرض لاغتيال كينيدي، وكأنه  فضل ألا يخوض في هذه الموضوع مجدداً، خاصة أنه ركز عليها بشكل كبير في فيلمه "جي.أف.كي" (عرض في عام 1991). في المقابل استعادت الحلقة الأجواء المتوترة التي سادت في بداية عقد الستينيات، وبعد أزمة الصواريخ الكوبية، والتي كادت أن تقود العالم إلى حرب نووية.  فالبرنامج يجمع مجموعة من الشهادات التي تقول إن الصدفة وحدها منعت قائدا عسكريا أمريكيا من توجيه ضربة نووية للإتحاد السوفيتي السابق، بعد أن كان على وشك تنفيذ ذلك.
لا يسلم الرئيس جي أف كينيدي من نقد البرنامج التسجيلي، ففي زمنه سيبدأ التدخل الأمريكي في فيتنام، والذي سيستمر لعدة سنوات ويؤدي الى مقتل بضعة آلاف من الجنود الأمريكيين، ومئات الآلاف من الفيتناميين. يربط المخرج في الحلقة السابعة بين الحجج التي قدمتها السلطات الأمريكية وقتها للدخول في الحرب، وبين مثيلاتها بعد عدة عقود لتشريع حرب على العراق في عام 2003. كما يقدم المخرج مشاهد أرشيفية مُروعة للآثار التي تركتها حرب فيتنام على مدنيين هناك، وبعضها لايزال مستمراً لليوم، حيث يستعين البرنامج التسجيلي الأمريكي بمشاهد تسجيلية لقنوات الجزيرة الإخبارية، تظهر التشوهات التي يحملها أطفال يولدون اليوم في البلد الآسيوي، ونتيجة لتأثيرات الأسلحة التي استخدمت آنذاك.
يرثي أوليفر ستون ما يطلق عليها الروح الأمريكية الليبرالية، فمع بداية عقد السبيعينات بدا أن سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تتجه إلى مزيد من الانعزال والاحتفاء بالمال، كما بدأ تدخل أمريكيا العسكري المباشر أو عن طريق أنظمة حليفة، في سياسات عديد من الدول في الشرق والغرب. فتولي الحلقة السابعة اهتماماً كبيراً بتدخل الولايات المتحدة الأمريكية بالإطاحة بحكومات ديمقراطية في تشيلي والأرجنتين وعدد آخر من دول أمريكيا الجنوبية في عقد السبعينيات، كما أنها ستوسع حروبها في جنوب قارة آسيا، فبعد فيتنام، تدخلت أمريكا عسكريا في كمبوديا، ودعمت عدة أنظمة عسكرية ذات سجل سيء لحقوق الانسان.

ولا يسلم رأس المال الأمريكي من هجوم البرنامج التسجيلي التاريخي، فيلفت هذا الأخير الانتباه لبضع حقائق تاريخية في هذا المجال، منها علاقة شركة "هنري فورد"، والتي تعد واحدة من كبرى الشركات الأمريكية، بالنازية في ألمانيا في الفترة التي سبقت الحرب العالمية الثانية، وكيف أن زعيم النازية أدلوف هتلر كان يحتفظ بصورة لهنري فورد نفسه معلقة في أحد قصوره. سطوة هذه الشركات منعت وعلى نطاق واسع من التعرض لهذا التاريخ إعلاميا في الولايات المتحدة، فبقيت علاقتها مع النازية بعيدة عن الاهتمام الإعلامي الأمريكي. واصل رأس المال الأمريكي هيمنته على الحياة السياسية في العقود الأخيرة، وهو الذي قاد إلى الأزمة الاقتصادية التي تشهدها أمريكا منذ حوالي ست سنوات.
تدريجياً يبدأ العرب والمسلمون في الاستحواذ على وقت البرنامج التسجيلي، وخاصة في الحلقتين الأخيرتين. فالثورة الإسلامية الإيرانية ستكشف عن المعايير المزدوجة للإدارة السياسية الأمريكية وقتها، فرغم العداء العلني بين الدولتين إلا أن الأيام ستكشف عن بيع الولايات المتحدة الأمريكية أسلحة لإيران. تدخل أمريكا العسكري في المنطقة سيبدأ رسمياً مع الغزو العراقي للكويت في الثاني من شهر أغسطس من عام 1990، والذي قاد إلى حرب تحرير الكويت في العام اللاحق. يسلط البرنامج الانتباه على خطاب السلطة الأمريكية لتبرير دخولها الحرب، وكيف أنها خدعت الأمريكيين، فالشهادة الشهيرة للفتاة الكويتية في مجلس النواب الأمريكي، لم تكن نزيهة، فهي ادعت أنها كانت في أحد المستشفيات الكويتية في وقت الغزو العراقي، وأنها شاهدت بعينها كيف أن الجيش العراقي كان يفرغ المستشفى من معداته، لتكشف بعدها صحيفة أمريكية إن الفتاة تلك هي ابنة السفير الكويتي في واشنطن، وأنها لم تكن في الكويت وقت الغزو العراقي.

لا يكاد رئيس أمريكي يسلم من انتقادات البرنامج. فبيل كلينتون كان من الرافضين للاعتراف بالأخطاء الأمريكية في فيتنام، ولم يعتذر عما فعلت بلاده هناك، عندما قامت حكومته بمراجعة تلك الحرب. وباراك أوباما استعان بخبراء، من ذوي السمعة اليمينية والعلاقات المشبوهه مع شركات أمريكية. لكن هجوم البرنامج الأكثر حدة سيكون من نصيب الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش، الذي، وحسب البرنامج، قاد أمريكا إلى مجموعة من الحروب الكارثية في العراق وأفغانستان. يستعيد البرنامج خطاب جورج بوش الشهير في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، وفيه يقسم العالم إلى معسكرين: إما مع أمريكا أو مع "الإرهاب"، ويتساءل المخرج كيف يمكن أن يتعاطف العالم مع رئيس كهذا؟
وبعد أن ظهر بشكل سريع في بداية الحلقة الاولى، يعود أوليفر ستون ويطل في نهاية الحلقة العاشرة، ليودع مشاهديه بمجموعة من العبارات التي تقترب من النصائح. فيقول" هناك طريق للأمام عن طريق تذكر الماضي، لكن علينا أن نسأل أنفسنا إذا كنا نملك الحق بفرض القانون على العالم، أو إذا كنا نُمَثِّل قوة للتفهم والقوة والسلام؟". كما يستعيد البرنامج في نهايته صور لمجموعة من الشخصيات التي كان يمكن أن تغير ماضي أمريكا ومستقبلها لو أتيح لها الإمساك بزمام الحكم.
ويقوم المُخرج أوليفر ستون بالتعليق بنفسه على أحداث التاريخ الأمريكي في البرنامج، الذي يستعيد عبر الآلاف من الأفلام والصور الأرشيفية ومشاهد من الأفلام السينمائية، فترة تقارب المائة عام من التاريخ الأمريكي. دون أن يقوم البرنامج بعرض أي لقاءات مباشرة مع خبراء أو تاريخيين، مكتفياً أحياناً بشهادات قدمتها شخصيات معروفة  عن أحداث التاريخ الأمريكي الكبيرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق