رف الأخير
نشر في : الثلاثاء 02 فبراير 2016 -
اطلق العالم الزيدي محمد المطاع مؤخراً فتوى تكفيرية مدوية في اليمن، تفاجأ على ضوئها البعض ممن لا يدركون حقائق الزيدية و مشروعها التكفيري الذي تأسست عليه منذ نشأتها بنسختها “الهادوية” كمذهب تكفيري عنصري لا مكان في قاموسه للمخالف له و لو كان مسلماً، هذا الحقيقة التي غيبت عن الكثيرين ممن سايروا أكذوبة اعتزالية الزيدية وعدم تكفيرها للمخالف.
كارثية الزيدية كمذهب نابعة من كونه أقرب إلى النظرية السياسية منه إلى مذهب فقهي في كل تفاصيله التي أولها الإمامة وأخرها تكفير المخالف، واستحلال دمه وعرضه وماله كما يتجلى ذلك اليوم في جماعة الحوثي كامتداد مذهبي وفقهي وسياسي للزيدية بشقيها الإمامي والمذهبي.
مليء تاريخ الزيدية كحركة سياسية بفتاوى التفكير أكثر من أي جماعة أخرى، وهو ما يعكسها حقيقة التقوقع وعدم انتشار هذا المذهب خارج إطار ليس شمال اليمن فحسب بل العالم العربي كله، وظلت محصورة هناك في قمم الجبال معزولة عن العالم لفكرها العنصري الضيق، وهو الذي تجلي بفتاوى كفار التأويل للمؤسس الهادي التي اطلقها على أهل اليمن مستحلاً بذلك دامائهم و أموالهم.
وبعدها فتوى الإمام إسماعيل القاسم الشهيرة و التي بموجبها تمدد نفوذها خارج إطار الجغرافية الزيدية بعد تلك الفتوى التي سماها بـ”إرشاد السامع إلى جواز أخذ أموال الشوافع ” وهي فتوى انطوت على كثير من التكفير للمخالف واستحلال دمه وماله وعرضه وهو ما عاشته اليمن طويلاً.
محاولة البعض الحديث عن تسامح الزيدية ليست سوى كذبة كبرى لا تنسجم مع ما تمارسه الحوثية اليوم كأخر صورة للزيدية رغم محاولة البعض قول غير ذلك، وما مارسته الزيدية قديماً مع كل من خالفها حتى في إطار الزيدية نفسها، كما حدث لجماعة المطرفية الزيدية التي كفرت و قتل أصحابها و دمرت بيوتهم وسبيت نسائهم وأطفالهم من قبل الإمام عبد الله بن حمزة في القرن السادس الهجري.
هذا ليس من قبيل الوصف التاريخي للأحداث، ومحاولة تضخيم ما تم، بالعكس ممكن الرجوع إلى مراجع الزيدية الكثيرة واستخراج تلك الفتاوى التي كانت بمثابة منهج حياة للأئمتها الذين أذاقوا اليمنيين الويلات في سلسلة حروب لم تنته بعد منذ قدوم مؤسس مذهبهم الهادي بين الحسين إلى اليمن في عام 284م هجرية وحتى هذه اللحظة.
تكفير المخالف في السياسة وليست المذهب فحسب ، هو الأهم بالنسبة للزيدية، بالنظر إلى كونها حركة سياسية وليس مذهب فقهي، ولهذا حدث صراع مرير بين الزيدية وكل من خالفها في مسألة القول بإمامة الآل وهي ما تقصد به الزيدية آل بيت النبي محمد من ذريته من أبنته فاطمة، وهي الجزئية التي كفرت بموجبها الزيدية كل من الإثنى عشرية والإسماعلية كمذاهب شيعية و المطرفية جماعة زيدية، هذا عدا عن المخالف التام لها في هذه الفكرة وهم السنة، عموم السنة كالشوافع و الأحناف والمالكية والحنابلة وغيرهم .
مسألة التكفير هي ارتباط ايدلوجي بموقف سياسي واضح، يتقمص النص الديني فقط ويوظفه لأهداف سياسية واضحة و مجردة من أي مرامي أخرى، فالمذهبية الزيدية ككل حركات التشيع تستند في بعدها العقائدي على مرتكز سياسي واضح وصريح في أحقيتها الإلهية في السلطان والملك والثروة دون الناس، وهو المنطلق المحدد الواضح والصريح لكل تصرفاتها وسلوكياتها على امتداد التاريخ القديم والحديث والمعاصر، وهي الفكرة التي ظلت تعتمل فيها بصيرورة تاريخية عجيبة حتى اللحظة بعيداً عن أي تطورات بشرية هائلة فيما يتعلق بالاجتماع البشري والسياسي خصوصاً فيما يتعلق بإدارة السلطة ووسائل هذه الإدارة وألياتها وأهدافها.
كارثية ظاهرة التفكير التي يسعى البعض على حصرها في النسق السني السلفي الوهابي تحديداً، ليست صحيحة على الإطلاق فالظاهرة الشيعية بكل تفرعاتها غارقة بالتكفير والتخوين والشيطنة للمخالف، واستحلال دمه وعرضه وماله كيفما اتفق، وما يجري حالياً في العراق تحديدا وبعده سوريا فاليمن، كل هذا نتاج للتكفير في مدرسته الشيعية، وهي التي لم يسلط عليها الضوء إطلاقاً كما هو حال الضجة التي يتم فيها التعاطي مثلاً مع شذوذ داعش وأخواتها في الجانب السني.
نحن هنا لسنا بصدد المقارنة بقدر ما نتحدث عن خطورة هذا الفكرة من أساسها ووجودها في كل الطوائف والمذاهب ولكن الإشكالية تكمن في التعامي والتعاطي المنتقص من هذه الظاهرة في الحالة الشيعية كما هو في الحالة السنية، بل الأخطر هو أن ظاهرة التكفير في الحالة الشيعية ترتكز على أسس سياسية واضحة، تتمثل في حصر الحكم والمال و السلطة في طرف بعينه، وفي دائرة ضيقة فيما في الحالة السنية ترتكز ظاهرة التكفير على ما يشبه الدالة العقائدية التي لا تقترب من السياسة إلا بقدر ما يريد من يوظفها في هذا السياق، وتظل في دائرة الشعائر التعبدية المجردة.
تكفير الزيدية هو أشد خطورة من تكفير مثيلاتها في الحالة السنية من داعش وغيرها، بالنظر إلى أن تكفير الزيدية كما قلنا ينطلق من منطلق سياسي بحت ، و هو الذي ينعكس في عدم إيمان هذه الجماعة المطلق بأي من قيم الحادثة السياسية من التعدد السياسي والثقافي و ومن ثم كفرها و تكفيرها للديمقراطية جملة وتفصلاً وهو ما عبر عنه مرجع الزيدية الحوثي بد الدين الحوثي في إحدى حواراته مع صحيفة الوسط اليمنية ذات مرة وتحدث عنه حسين الحوثي في جل ملازمه.
تكفيرية الزيدية هذه ، تنبع أيضاً من تصور واضح لما يريدون وهو ما عبرت عنه ما سميت حينها بالوثيقة الثقافية للحوثيين، التي أطلقوها في عام 2012م والتي بموجبها تحدثوا عن حقهم الإلهي في الحكم وفي تفسير النص الديني دون غيرهم، وهو شيء خطير هنا، بالنظر إلى المألات التي أوصلت هذه الحركة إلى هذا الوضع المخيف من الانتحار السياسي المتلبس بالفتوى والنص الديني والعمامة الدينية والجهاد المقدس.
إننا أمام ظاهرة دينية أكثر قتامة من داعش وأخواتها، ولكنها ظاهرة تحضى بكثير من الرعاية من قبل المجتمع الدولي والمنظمات الدولية التي تتغاضي كثيراً عن جماعة الحوثي وكل الجماعات الشيعية التي تقتل على الهوية في العراق وسوريا وغيرها، هذا الجماعات التي تدخل في خانة مسمى تمكين الأقليات في الاستراتيجية الغربية للسيطرة على المنطقة واستدامتها، وهي التي تلبست القومية في الحالة السورية سابقاً وظهرت حالياً بحقيقتها المذهبية الطائفية الصارخة في العراق و اليمن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق