هكذا تاجر حزب الله بالرهائن الأجانب لصالح إيران...1-3
الإثنين 3 كانون الثاني 2011
المصدر: موقع 14 آذار
هكذا تاجر حزب الله بالرهائن الأجانب لصالح إيران- الحلقة الأولى
٢٧ كانون الاول ٢٠١٠
::طارق نجم::
المصدر : خاص موقع 14 آذار
في أحد أكثر الكتب تشويقاً لهذا العام، أصدرت دار فايار Fayard كتاب "في سر الرؤساء" Dans Le Secret Des Présidents باللغة الفرنسية والذي يستعرض فترة حكم الرؤساء الفرنسيين: فرانسوا ميتران، جاك شيراك ونيكولا ساركوزي. وهنا تجرد الإشارة إلى أنّ المؤلف حصل على إذن خاص للدخول الى أرشيف الرئاسة الفرنسية، ومقابلة العديد من أصحاب القرار الفرنسيين والأمريكيين الذين أشرفوا على تلك السنوات العصيبة التي عرفتها لبنان وسوريا منذ الثمانينات وحتى بعد فترة إستشهاد الرئيس رفيق الحريري. في أحد فصول هذا الكتب المثير للإهتمام وتحت عنوان "في فخ الرهائن في لبنان"، يتحدث الكاتب Vincent Nouzille إبتداءً من من صفحة 115 حتى صفحة 147، عن تفاصيل تتعلق بمجريات الأحداث في منتصف الثمانينات في لبنان خلال الفترة التي شهدت خطف للرهائن الغربيين.
في هذا الفصل خاض الكاتب في متاهة ودهاليز سياسة المليشيات المحلية ذات الإنتماءات الأقليمية، حيث إستعرض الكاتب ابرز الأسماء والشخصيات التي ترافقت مع احتجاز الرهائن الأجانب (خصوصاً الفرنسيين والأمريكيين) بين العام 1985 والعام 1988. كما ركز الكاتب على القنوات السرية التي فتحها الغربيون مع كل من طهران ودمشق للتفاوض مع الخاطفين في لبنان. وبحسب الكاتب الفرنسي، فإنّ عددا كبيرا من اللاعبين المحليين في لبنان كانت تشدهم الخيوط التي يمسكها الإيرانيون، وقد تطلب بعد الوقت من الفرنسيين كي يدركوا العلاقة بين خاطفي الرهائن في بيروت وآيات الله في طهران. كما ظهّر الكاتب أسلوب التعاطي الذي أعتمده الإيرانيون حيث إستعملوا حزب الله في عمليات خطف الرهائن مقابل مبادلتهم بالأسلحة والأموال التي كانت تحتاجها إيران. موقع 14 آذار الألكتروني ينشر مقاطع من هذا الفصل الوارد في كتاب Vincent Nouzille على ثلاث حلقات منذ بداية أزمة الرهائن عام 1985 وحتى نهاية هذه المأساة في العام 1991. وفي الحلقة الأولى، نبيّن كيف شكل حجة إطلاق سراح أنيس النقاش الذريعة الأولى للشروع بعمليات الخطف أعقبها تصاعد بحجم المطالبات الإيرانية لتغيير سياسة الولايات المتحدة وفرنسا.
البداية مع أنيس النقاش والدوافع قد تكون سورية ومن المؤكد أنها إيرانية: هكذا بدأت حملة خطف الرهائن في لبنان
يذكر الكاتب في الصفحة 120، أن العالم فوجىء في نهاية شهر تموز 1984، بفرقة من الحرس الثوري الإيراني (الباسدران) تقتحم طائرة تابعة للـAir France في طهران، وتهدد بقتل مسافر كل ساعة في حال لم يتم الإفراج عن انيس النقاش وأربعة آخرين مسجونين في فرنسا. وتساءل الجميع من هو النقاش ومن هي المجموعة التي سجنت معه؟
أنيس النقاش هو لبناني من أنصار الخميني، قام في تموز من العام 1980 بالتعاون مع اربعة آخرين بمحاولة إغتيال رئيس الوزراء الإيراني الأسبق في عهد الشاه شهبور بختيار في منفاه الفرنسي، وقد قبض عليهم في العام 1982 وحكموا بأحكام طويلة.
أطلق رهائن الطائرة على أمل ان تدرس فرنسا وضع مجموعة النقاش في ضوء القوانين الفرنسية ولكن ظلت المجموعة تنفذ محكوميتها في السجون الفرنسية. وبحسب الكاتب الفرنسي، فإن حملة خطف الرهائن أطلقت على أثر إستهداف الأمريكيين لمراكز سورية في لبنان. فتمّ خطف رئيس مكتب وكالة الإستخبارات المركزية المركزية CIA في لبنان ويليم باكلي وقتله. كما خطفت المليشيات المرتبطة بحزب الله في 8 كانون الثاني 1985 الكاهن الأمريكي لورنس جينكو ومن ثم في 14 آذار 1985 جرى أختطاف البريطاني جيفري ناش وكذلك الكاهن الإيرلندي نيكولاس كلويتزر. ليلحق بهم رجل الأعمال البريطاني أليك كولت.
كل ذلك لم يكن سوى التمهيد الذي شكلت بدايته الكبرى بإختطاف من سيصبح أشهر رهينة أجنبي في لبنان هو الأمريكي تيري اندرسن (مراسل وكالة الأسوشيتدت برس) التي خطفه ثلاث رجال في مرسيدس خضراء بعد مقابلة اجراها مع السيد محمد حسين فضل الله. وفي 22 آذار من العام نفسه، أختطفت منظمة "الجهاد الإسلامي" نائب القنصل الفرنسي مارسيل كارتون ومرافقه مارسيل فونتان، وطالبت المنظمة بوقف إرسال الأسلحة الفرنسية إلى العراق، الذي كان يخوض حرباً ضروساً مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ 4 سنوات.
إيران إستعملت حزب الله لخطف الرهائن مقابل: وقف السلاح للعراق وتقييد عمل مجاهدي خلق ودفع مليار دولار!
لم يترك الإيرانيون مجالاً للشك حول نواياهم من وراء الخطف الذي جرى على الأراضي اللبناني وبالتحديدي في بيروت. فيورد الكاتب الفرنسي في الصفحة 123، أنه بعد يومين من خطف كارتون، تلقى القائم بالأعمال الفرنسي في طهران،جان باران، من الوزير المنتدب لشؤون الحرس الثوري، رفيق دوست، عرضاً للتدخل في قضية إطلاق الرهائن المخطوفين في لبنان مقابل تحسين العلاقات الفرنسية الإيرانية. في ذلك الإجتماع وضع رفيق دوست عدة شروط لتحسين العلاقة منها تقييد حركة المعارضين الإيرانيين على الأرض الفرنسية وخصوصاً جماعة مجاهدي خلق ورئيستهم مريم رجوي، إطلاق سراح مجموعة أنيس النقاش، وكذلك وقف شحن الأسلحة إلى العراق. اضاف دوست أن الجمهورية الإسلامية تطالب فرنسا بإعادة مبلغ مليار دولار كان شاه إيران المخلوع محمد رضا بهلوي قد قدمها عام 1975 للمشاركة ببناء مشروع EURODIF لتخصيب اليورانيوم في فرنسا. لم تكن تلك المطالب إلا لتحسم مسألة أن مفاتيح حلّ قضية الرهائن هي في طهران وليست في مكان آخر. لكن الحكومة الفرنسية فضلت التوجه إلى دمشق للبحث في إمكانية التوسط لدى الخاطفين كما سبق لها أن فعلت لإطلاق سراح المخطوفين على متن طائرة TWA واللذين تم أحتجازهم على يدّ عناصر ينتمون لحركة أمل الشيعية.
لكن الأوضاع تعقدت أكثر يوم 22 أيار 1985 عندما إختطف فرنسيين آخرين: الباحث ميشال سورا والمراسل جون بول كوفمان. وقد أعقبهما كذلك عمليتي خطف طالتا مدير مستشفى أميركي هو ديفيد جاكبسون في 28 أيار وتوماس ثاذرلاند في العاشر من حزيران. وقد انتقدت منظمة الجهاد الإسلامي سياسة كل من الولايات المتحدة وفرنسا، وقد أضافت على مطالبها السابقة إطلاق معتقلين شيعة مقربين من حزب الله اللبناني من سجون الكويت (يعتقد أن بينهم كان مصطفى بدرالدين). وهنا بدأت حركة مفاوضات سرية في كل من باريس وواشنطن لمحاولة حل قضية الرهائن في لبنان والتي شكلت عامل إحراج لدى الحكومتين أمام الرأي العام(راجع الصفحة 124).
هكذا تاجر حزب الله بالرهائن الأجانب لصالح إيران - الحلقة الثانية
٢٨ كانون الاول ٢٠١٠
::طارق نجم::
في الحلقة الثانية، نرى كيف تابع الإيرانيون التلاعب بالفرنسيين والأمريكيين للحصول على أكبر قدر من المكاسب مقابل وقف عمليات الخطف، وإطلاق الرهائن، ووقف عمليات التفجيرية في باريس. كما تبرز هنا المسميات المختلفة للنشاطات الإيرانية سواء تحت عنوان حزب الله و منظمة الجهاد الإسلامي أو غيرها من الحركات التي تدور في الفلك الإيراني.
إيران تتلاعب بالفرنسيين: تبادل في دمشق لم يحصل ...ومزيد من الإعتدآت في باريس ....وخطف في بيروت
أصرّ الفرنسييون على الوساطة السورية. وقد أنشأ الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران خلية أزمة للتعامل مع هذه الملف تحت قيادة كريستيان بروتو حيث رصد سراً لهذه الغاية مبلغ وقدره 4.5 مليون فرنك فرنسي بدءاً من حزيران 1985. وقد زار أعضاء من الخلية مرات عدة لبنان واصطحبوا معهم حقائب المال ولم يحصلوا سوى على وعود بالتدخل سواء من جانب حركة أمل أو من جانب وزير الدفاع السوري آنذاك مصطفى طلاس. إستعان الفرنسيون بعدها برئيس بلدية فرنسي من أصل لبناني هو الطبيب رضا رعد، الذي لجأ إلى اقربائه في بعلبك للتواصل مع الخاطفين. وأولى ثمار هذه الوساطة جاءت رسالتين مكتوبتين من كارتون وفونتان. وهنا دخل على الخطّ، الدبلوماسي الفرنسي المعروف أريك رولو لفتح قنوات تفاوضية مع طهران، حيث عاد الإيرانيون وأصروا على مطالبهم السابقة. (ص 125).
وفي صيف العام 1985، قدم "رجلي أعمال" إيرانيين مطالب أخرى للجانب الفرنسي تمثلت مطالب حصول الجمهورية الإسلامية على صواريخ أكزوسيت Exocet، صواريخ مضادة للدبابات من طراز رولان Roland، قذائف مدفعية من طراز 155 ملم، بالإضافة إلى آليات عسكرية تنتجها فرنسا تملك إيران منها العشرات وهي بحاجة لقطع غيار كما جاء في الصفحة 126. وقد لعب رجل الأعمال اللبناني اسكندر صفا وشقيقه دوراً كبيراًُ في تسهيل الحصول على هذه الأسلحة خصوصاً وأنه كان الرجل الذي أمّن للإيرانيين الكثير من الأسلحة سابقاً. ولم يوافق قصر الإيليزيه على تبادل الرهائن مقابل الأسلحة للإيرانيين.
هذه الجهود كادت أن تؤتي ثمارها. ففي كانون الأول 1986، بدا أن هناك إتفاقاً على وشك أن ينفذ لإطلاق سراح أنيس النقاش وحده مقابل الرهائن الفرنسيين الأربعة وقد ضمن الرئيس السوري حافظ الأسد تنفيذ هذا الاتفاق على ان يتم تسليم الرهائن في دمشق. لكن الإتفاق الذي سافر من أجله وزير الخارجية الفرنسية رولان دوما إلى العاصمة السورية، قد عرقل تنفيذه في اللحظة الأخيرة عندما أصرّ الخاطفون على انهم يستطيعون الحصول على المزيد من المكاسب من الفرنسيين في حال تابعوا الضغط وأستطاعت الحكومة الفرنسية الجديدة أن تصل إلى السلطة، وفق ما ذكره الكاتب في الصفحة 129 من كتابه. وهنا تبيّن كيف كانت إيران تتلاعب بالجميع وتناور يميناً ويساراً، للحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب.
الضغط على الفرنسيين تتابع مع سلسلة إنفجارات استهدفت باريس وقد حملت توقيع الـCSPPA Comite de avec les Prisonniers Politiques Arabes et du Proche Orient ، وهي المنظمة التي أجمع الجميع أنها تلقى الدعم المباشر من حزب الله وتتألف بغالبيتها من شيعة يعملون في فرنسا. وقد طالبت بإطلاق سراح النقاش ومجموعته وعدد من المعتقلين الآخرين في السجون الفرنسية. وكانت النتيجة حملة إعتقالات واسعة في صفوف الأوساط الإسلامية المقربة من إيران وطرد عراقيين معارضين إلى بغداد. وجاء الرد قاسياً كالعادة في بيروت؛ فإنضم فرنسي آخر للائحة الرهائن هو مارسيل كوداري في 25 شباط 1986، وأعلنت منظمة الجهاد الإسلامي في 5 آذار وفاة الرهينة الفرنسي ميشال سورا. كما جرى بتاريخ 8 آذار 1986 في بيروت، وكذلك خطف فريق عمل شبكة Antenne 2 الفرنسية المؤلف من فيليب روشو، جورج هانسن، أوريل كورنيا وجان لويس نورماندين. ,أصبح هناك بالتالي 8 رهائن فرنسيين في لبنان.(ص 130).
سارع الوسطاء مجدداً إلى الإيرانيين؛ فسافر الدكتور رضا رعد إلى بيروت فيما توجه الديلوماسي اريك رولو إلى طهران لمقابلة رفيق دوست الذي ابلغه في أول يوم الإصرار على أطلاق مجموعة النقاش مقابل الرهائن، ليعود في اليوم التالي 13 آذار أن يخبره أن جميع المفاوضات توقفت حالياًُ. كان الإيرانيون بإنتظار نتائج الإنتخابات الفرنسية التي حملت جاك شيراك إلى رئاسة الحكومة في 16 آذار. ولكنهم لم يمهلوا شيراك الكثير من الوقت. فقد انفجرت قنبلة يوم 17 آذار في القطار السريع على خط باريس-ليون، وحصل انفجار آخر يوم 20 آذار في الشانزيلزيه والحصيلة قتيلين وعشرات الجرحى. أما في بيروت، فقد أضيف إلى القائمة الفرنسية رهينة أخرى هي كميل سوتاج، وذلك بتاريخ 7 ايار.
كان رأي جاك شيراك أنه لن يفاوض سوى الحكومات وليس الخاطفين وهذا ما حصل. فقد بدأت المفاوضات أولاً حول التحويلات المالية لغيران الخاصة بمشروع EURODIF. كما تمّ ترحيل كوادر مجاهدي خلق ورزعيمتهم مريم رجوي. ونتيجة لذلك أظهرت طهران رضاها عن الخطوات الفرنسية فأطلق الصحافي فيليب روشو وكذلك المصوّر هانسن، وأقتيدوا إلى دمشق حيث توجهوا من هناك إلى باريس.
الرهائن ينقلون من البسطة إلى بريتال: سوريا لا تستجيب لمطالب الإعتراض والإنفجارات تهزّ العاصمة الفرنسية
ويذكر الكتاب في الصفحة 133 أنه مع بداية العام 1986، عادت الأجواء للتلبد بين الخاطفين (المحسوبين على حزب الله و إيران) من جهة وبين الدول الغربية (فرنسا والولايات المتحدة من جهة أخرى) بعد وفاة ميشال سورا وخطف فريق Antenne2 مما خلق نوعا من الهلع لدى الحكومة الفرنسية. إزاء ذلك جرت الإستعانة بفرق عمل تابع لوكالة الإستخابرات المركزية CIA لمساندة الفرنسيين في هذه الأزمة بعد الإهتمام الأمريكي المتزايد وخطف مواطني الولايات المتحدة في شوارع بيروت. وقد تم تناقل المعلومات بين الفريقين عن وجود عدد من الرهائن الأجانب في سجن في منطقة البسطة في بيروت الغربية أو في مبنى أو كاراج تحت الأرض قرب مطار بيروت الدولي.
وبتاريخ 12 آذار، نقل السفير الفرنسي في دمشق لزميله الأميركي خبر يفيد أن حزب الله قرر نقل الرهائن إلى سهل البقاع إضافة إلى أنّ الرهينتين الأمريكتين أصبحا أصلاً في بلدة بريتال البقاعية، ولكن جميع المحاولات التي طالبت دمشق إعتراض نقل الرهائن قد باءت بالفشل.
وبعد إطلاق سراح الرهينتين الفرنسيتين فيليب روشو وجورج هانسن في 20 حزيران، عاد الحوار السري بين مستشار رئيس الوزراء الفرنسي جاك شيراك وبين مقربين من رئيس حكومة إيران حسين موسوي، في جنيف السويسرية، حيث بقيت المطالب الإيرانية على حالها وهي: وقف شحنات الأسلحة الفرنسية للعراق، وإلا فلن يكون هناك تحوّل في عملية إطلاق الرهائن في لبنان. وقد ظهرت مواقف فرنسية متصلبة من التفاوض مع الإيرانيين حيث رفض لقاء وزير الخارجية، جان بارتراند ريمون، بنظيره الإيراني، علي أكبر ولايتي مما اوقف المفاوضات.
وكان الإجابة الإيرانية صاعقة على هذا الموقف؛ فقد هزت 6 عبوات ناسفة في أيلول من العام 1986 قلب العاصمة الفرنسية باريس، في أماكن حساسة للغاية قرب قصر البلدية، وقرب قصر الأليزيه، وغيرها، وأدت إلى مقتل 6 وجرح ما يزيد عن 50 شخصاً. وقد تحملت مسؤولية ذلك منظمة CSPPA. وقد تبين بعد ذلك، أن الضالع في هذه العملية هو التونسي فؤاد علي صالح، المقرّب من حزب الله، والذي يعمل بوحي من إيران. لم يتوقف الأمر عند هذا الحدّ. فقد أردي الملحق العسكري الفرنسي في بيروت الكولونيل كريستيان غوتييه، باربعة رصاصات أمام السفارة في 18أيلول من ذلك العام المشؤوم.
عماد مغنية يمارس حرباً نفسية ويدير حملة إعلامية وسيلتها شرائط فيديو الرهائن وإيران تتلقى 220 مليون فرنك
في 6 تشرين الأول، تمّ عرض شريط فيديو مصوّر للرهائن الفرنسيين الثلاثة, فرانسوا كارتون، مارسيل فونتين و جون بول كوفمان كعامل ضغط على الحكومة الفرنسية لمطالبتها بتغيير سياستها، كرمى لعيون إيران وحربها على العراق. وجاء في الصفحة 136، أنه بعد شهر من ذلك، وبالتحديد بتاريخ 19 تشرين الثاني، حوّلت فرنسا الدفعة الأولى لإيران من حصتها في مشروع EURODIF والتي بلغت 330 مليون فرنك فرنسي. وجاءت النتيجة مع عيد الميلاد حيث تم إطلاق سراح 3 رهائن فرنسيين هم: أوريل كورنيا، مرسيل كوندريه و كميل سونتاغ، ولكن مازال هناك أربعة في يد حزب الله.
السيناريو نفسه أتبع مع الأمريكيين؛ فقد عرض شريط فيديو مماثل في 3 تشرين الأول للرهينتين جاكوبسون وأندرسون، كجزء من الحملة الإعلامية التي صنفتها الـCIA أنها جزء من حملة ضغط يقودها عماد مغنية، وهي الفرقة التي تزعمها والتي تعتقل الرهائن بغية إكراه باريس وواشنطن على الخضوع.
في الوقت عينه، أضيف ثلاث رهائن جدد على لائحة المخطوفين في شوارع بيروت. وفي محاولة لتخليصهم، قام مبعوث الكنيسة الأنغليكانية والرهينة البريطاني السابق تيري وايت، بحملة مساع حميدة في العاصمة اللبنانية متسلحاً بعلاقته الوثيقة بأوليفر نورث. وقد أثمرت تلك المساعي التي قام بها تيري وايت، إلى إطلاق سراح الرهينة الأميركي دايفيد جاكبسون، الذي خطف قبل 20 شهراً.
هكذا تاجر حزب الله بالرهائن الأجانب لصالح إيران - الحلقة الثالثة
٢٩ كانون الاول ٢٠١٠
::طارق نجم::
في الحلقة الثالثة والأخيرة، يتواصل مسلسل الخطف الذي تواكبه عمليات التفاوض وتبادل الاسلحة وغيرها مقابل إطلاق الرهائن المحتجزين في لبنان. وهنا نشهد فصلاً جديداً وختامياً لهذه المأساة كان ثمنها إستلام إيران للصواريخ الأمريكية من خلال إسرائيل، بالإضافة إلى أسلحة فرنسية ودفعات مالية. كما نشهد هنا كيف أطاحت فضيحة IranGate بمسؤولين بارزين أمريكيين وشكلت حافزاً للإيرانيين لمتابعة عمليات الخطف لأنها تعود بالنفع الجمّ على الجمهورية الإسلامية.
الكاوبوي الأمريكي يحاول انقاذ رهائنه: أسلحة أمريكية لإيران من خلال الإسرائيلي كمحي والإيراني غوربنيفار
خلال ذلك الوقت، فوّض البيت الأبيض لمستشار الأمن القومي روبرت مكفارلين، ولمساعده جون بوينتدكستر ولأحد الضباط الكولونيل أوليفر نورث، مهمة التعاطي مع ملف الرهائن. بعد أن حظي مكفارلن بالضوء الأخضر من ريغان للتقارب مع الإيرانيين، فتقرر تسليم أسلحة أمريكية سراً إلى طهران على أن يلعب دور الوسيط كل من الدبلوماسي الإسرائيلي والعضو السابق في الموساد، ديفيد كمحي، وكذلك رجل الأعمال الإيراني منوشهر غوربنيفار (وهو الملقب بـ "غوربا" الذي شارك من قبل في حل ازمة الرهائن في السفارة الأمريكية في طهران بين عامي 1980 و1981). من المهم أن نشير هنا إلى حاجة الأمريكيين إلى وسيط لأن الكونغرس الأمريكي كان أصدر قراراً يمنع تجارة الأسلحة مع ايران، وبالتالي فإنّ الرئيس الأمريكي ريغان لم يكن بمقدوره تسليم الأسلحة مباشرة للجمهورية الإسلامية. وبالنتيجة قدمت تل أبيب لطهران صواريخ مضادة للدبابات من طراز TAW مقابل تعهد إيراني بإطلاق الرهائن الأمريكيين في لبنان. وقد أشترت الجمهورية الإسلامية من إسرائيل مايقارب 508 من صواريخ TAW فأطلق يوم 17 أيلول 1985 أحد الرهائن الأمريكيين، الأب بنجامين واير الذي كان أختطف قبل عام. وقد أشرف اوليفر نورث على تسليم كمية إضافية من الصواريخ أوصلها الإسرائيليون في تشرين الثاني وكمية ثالثة في 17 كانون الثاني من العام 1986، كما ورد في الصفحة 127.
لم يتوقف الأمريكيون (وبالتحديد رئيس مجلس الأمن القومي بوينت ديكستر، ومعاونه أوليفر نورث)عند هذا الحدّ، فقد عادوا في الخريف من ذلك العام لفتح قنواتهم التفاوضية السرية مع إيران من خلال رجلي الأعمال محسن كرغلو ومنوشهر غوربنيفار، المقربين من رئيس حكومة إيران حسن موسوي. وكانت نجحت هذه القنوات في إطلاق سراح الكاهن لورنس جينكو بتاريخ 26 تموز 1986، بعد إرسال مئات الصواريخ إلى إيران عبر إسرائيل. وكذلك تم تحويل ملايين الدولارات إلى حسابات مفتوحة تابعة للـCIA سويسرا لتسهيل هذه المهمات.
فضيحة IranGate: تطيح بمجلس الأمن القومي الأميركي ويعتبرها الإيرانيون نصراً وحافزاً للإستمرار بالخطف
في خلال هذه الفترة، كان أوليفر نورث يزور بيروت محاطاً بوسطائه الإيرانيين وبالمبعوث تيري وايت، وهو يدير مسألة الرهائن بإعتبارها لعبة بسيطة هو اللاعب الأساسي فيها، كما أفاد القائم بالأعمال الأميركي في لبنان في ذلك الحين فرنسيس مكنامارا، خصوصاً أن اوليفر نورث كان يقدم نفسه بإعتباره الممثل الشخصي للرئيس ريغان. وقد وصل الأمر بأوليفر نورث أن قابل سراً رئيس وزراء دولة الكويت لإقناعه باطلاق سراح معتقلين لديه من حزب الله من بينهم مصطفى بدرالدين. وكانت المفاوضات تجري أحياناً في مدينة فرانكفورت الألمانية حيث طالب الإيرانييون هذه المرة مقابل إطلاق رهينة أو إثنين من لبنان أن يحصلوا على صواريخ هوك الأمريكية، رادارات، وقطع غيار إضافية، وابدوا إستعدادهم لشرائها بسعر يفوق سعرها العادي، كما ذكر الكاتب الفرنسي في الصفحة 138.
لكن فيلم "الكاوبوي" الذي كان يمثله اوليفر نورث كان على وشك ان يصل إلى نهايته. ففي تشرين الثاني من العام 1986 وعقب اطلاق سراح الرهينة جاكوبسون، نشرت الصحف تفاصيل الفضيحة التي أصبحت تعرف بعد ذلك بـIranGate؛ فتسليم الأسلحة الأمريكية لإيران تمّ من خلال الوسيط الإسرائيلي، والرئيس ريغان قد أخفى عن قصد أي معلومات تتعلق بالموضوع عن الكونغرس، في حين ان مستشار الرئيس روبرت مكفارلين واوليفر نورث قد زارا سراً العاصمة الإيرانية طهران في أيار 1986 (راجع الصفحة 139). وقد هزت هذه الفضيحة أركان البيت الأبيض، وأطاحت بأوليفر نورث ورئيسه حيث أعفيا من مهامهما في مجلس الأمن القومي وحل في رئاسة مجلس الأمن القومي فرانك كارولتشي. كما تعيّن على أعلى مسؤولي الإدارة الأمريكية المثول اما لجان التحقيق في الكونغرس.
في الواقع، كان الإيرانيون يشعرون بالنشوة بعد فضيحة IranGate التي مثّلت "نصراً عظيماً بالنسبة لهم" بعد أن إستطاعوا إخضاع الأمريكيين، ومن هنا أصبح هناك تأييد متزايد لسياسة خطف الرهائن في طهران، بعد أن أثبتت نجاعتها وأنها شكلت أداة ضغط على كل من فرنسا والولايات المتحدة، وبالتالي فليس هناك من ضرورة لوقفها. وكانت النتيجة تترجم كما هي العادة في شوارع بيروت؛ ففي شهر كانون الثاني من العام 1987، تمّ إختطاف 4 رهائن أمريكيين جدد على أيدي حزب الله ، وهم ممن يعملون كأستاذة جامعيين في العاصمة اللبنانية. كما اختطف المبعوث البريطاني تيري وايت في 20 من الشهر نفسه وهو المعروف عنه علاقته الوثيقة بالأمريكيين.
وإزاء إقفال كل الخطوط السرية مع الإيرانيين، كان يتعين على الرهائن الإنتظار في الأسر أكثر من 3 سنوات وبالتحديد حتى خريف عام 1991. في ذلك اليوم أفرج عن توماس ثاذرلاند، ألآن ستين، جيسي تيرنر، جوزف سيسيبيو (امريكيين) بالإضافة إلى البريطاني تيري وايت بعد أن أنتهت الحرب العراقية الإيرانية وكذلك حرب الخليج الأولى. ولم يكن المسعى لينجح لولا وصول علي أكبر رفسنجاني إلى الحكم في ايران والذي مارس الضغوط على الجناح المتشدد في حزب الله للإفراج عن المعتقلين لديه. أما أقدم رهينة في لبنان،فهو مراسل وكالة الأسوشيتدت برس، تيري أندرسن، الذي كان آخر من أفرج عنهم في 4 كانون الأول 1991 بعد 6 سنوات قضاها في الإعتقال (راجع الصفحة 142).
حرب السفارات بين طهران وباريس... قطع العلاقات الدبلوماسية وتبادل الإنذارات والوصول الى حدود إعلان الحرب
من جهة الفرنسيين، إزدادت الأمور صعوبة. فيذكر الكاتب الفرنسي في الصفحة 141، أنّ الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران علق على الفضيحة الأمريكية قائلاً لقد طلبوا مني (أي الإيرانيين) التوسط لدى الكويت من اجل اطلاق ارهابيين، وكذلك من أجل حلّ المسائل العالقة مع إيران، وأخيراً إطلاق 5 قتلة مسجونين في فرنسا. كان الإيرانيون يضعون شروط أقسى من الأولى، وغير قابلة للتحقيق كلما تتطور الحوار. ويوم 13 كانون الثاني، تمّ الإبلاغ عن إختفاء الصحافي الفرنسي روجيه أويك مما رفع عدد الرهائن الفرنسيين إلى خمسة.
وقد زاد من التوتر بين الفرنسيين والإيرانيين المعلومات التي قالت أن التونسي فؤاد علي صالح المؤيد للخميني هو متهم بتدبير الإعتدآءات في باريس، وأنه يعمل بوحي من إيران وبالتحديد من الإيراني وحيد خوردجي، الناطق بإسم السفارة الإيرانية في باريس، والذي يعتقد أنه يدير الإستخبارات السرية الإيرانية في باريس. هنا قرر وزير الداخلية الفرنسي شارل باسكوا وضع حصار حول السفار الإيرانية التي ألتجأ إليها وحيد خوردجي، بعد أن أرادت السلطات الفرنسية إستجوابه بحسب ما ذكره الكاتب الفرنسي في الصفحة 144. فردّ الإيرانيون بحصار سفارة فرنسا في طهران ووجهت إتهامات للسكرتير الأول الفرنسي بالجاسوسية. ثم ما لبث أن تصاعد الوضع بجنون حين هاجمت البحرية الإيرانية السفينة الفرنسيةVilles D'Anvers في مياه الخليج العربي. فأستنفر الجانبان الإيراني والفرنسي قوتهما العسكرية وتبادلا الإنذارات لرفع الحصار كل عن سفارة بلاده. وفي 17 تموز 1987، أعلنت فرنسا قطع علاقتها مع إيران ليبدأ بذلك ما بات يعرف بـ"حرب السفارات". وكاد الأمر أن يصل إلى حدود إعلان الحرب.
...وأخيراً تمّ الإفراج عن رهائن فرنسا مقابل المال والسلاح وإطلاق النقاش وبواسطة رجل دين لبناني من السنغال
لكن وزير الداخلية شارل باسكوا يملك قناة خلفية للتفاوض منذ العام 1986. فقد أستعان بصديقه جان شارل مارشياني، الذي إستعان بدوره برجل الأعمال اللبناني إسكندر صفا الذي عرفه على لبنان وسوريا و إيران. وعلى متن طائرة خاصة، كان الموفد الفرنسي ينتقل مع صديقه اللبناني بين جنيف وبيروت ودمشق وطهران، بمعية الوسيط الإيراني القديم الثنائي منوشهر غوربنيفار ومحسن كرغلو، وهما اللذين عاونا اوليفر نورث من قبل على فتح ابواب طهران امام السلاح الأميركي القادم من إسرائيل! وقد أجدت هذه الوساطة وتم إطلاق سراح كل من الفرنسيين روجيه أويك وجان لويس نورمندين بتاريخ 26 تشرين الثاني 1987، في أوتيل السمرلاند في بيروت حيث استقبلهما شارل مارشياني وإسكندر صفا. في اليوم التالي، خرج وحيد خوردجي من باريس متوجهاً إلى مطار كاراتشي مقابل اطلاق سراح الدبلوماسي الفرنسي بول توري. بعد ذلك أفادت تقارير صحافية أن راداراً واحداً على الأقل وبعض منصات الصواريخ قد سلمها الفرنسيون إلى إيران، وهو الأمر الذي نفته فرنسا رسمياً (راجع الصفحة 145).
مأساة الرهائن الفرنسيين لم تنته بعد فما زال هناك ثلاث مختطفين ينتظرون الحرية. هذه المرة لجأ جاك شيراك إلى التواصل مع رجل الدين اللبناني الأصل الشيخ زين والذي ينشط في دولة السنغال، ويعرف عنه صلاته المتينة بلبنان وايران. هذه القناة التي تمرّ عبر الشيخ زين قد أثمرت في 4 ايار 1988 عن حرية مارسيل كارتون، مارسيل فونتان، وجون بول كوفمان. حيث أفادت مصادر الإستخبارات الداخلية الفرنسية DST، أنّه تم التعهد للإيرانيين بتسليم الأسلحة ودفع الفدية جاءت على شكل دفعة من EURODIF بعد ان تم توقيع اتفاقية لإعادة العلاقات الدبلوماسية إلى طبيعتها بين البلدين في يوم 5 ايار، أي بعد 24 ساعة على اطلاق الرهائن. ختام مأساة الرهائن جاء في يوم 27 تموز 1991، حين وقّع الرئيس ميتران، وبعد عامين من التردد، عفواً عن انيس النقاش وأربعة من المسجنونين معه، وهو الأمر الذي طالبت به طهران من سنين.
المصدر : خاص موقع 14 آذار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق