غير مطبوع حتى الان
أبو أويس علي الخطيب
وفقه الله
رد: حول عدد الاحاديث الصحيحة التي صححها البخاري ومسلم خارج الصحيحين
أبو أويس الخطيب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأحبة في ملتقى أهل الحديث
أحببت أن أبدأ مشاركتي في هذا المنتدى المبارك بالرد على هذا الموضوع الذي كان يشغلني في مرحلة الماجستير، وكانت ثمرة هذا الاهتمام رسالة الماجستير بعنوان " الأحاديث التي صرّح الإمام البخاري بتصحيحها ولم يودعها الجامع الصحيح: جمعاً وتخريجاً ودراسة".
وأذكر أن الأخ عبد الرحمن جلال - وفقه الله تعالى- قد ذكر لي أن بعض الإخوة في هذا الملتقى المبارك قد سأل عن هذا الموضوع؛ فطلب مني مقدمة الرسالة وخاتمتها وفهرسها ليطلع الإخوة في الملتقى عليها؛ فزودته بها منذ مترة طويلة، ولكني ما رأيتها عندما طالعت الموضوع في الملتقى، ولعل له العذر .
وأتمنى أن يعذرني هو أيضاً إذا سبقته بتنفيذ ما وعد، ويبقى له فضل السبق، وجزاه الله خيراً.
وبين أيديكم نبذة عن الرسالة:
الأحاديث التي صرّح الإمام البخاري بتصحيحها
ولم يودعها الجامع الصحيح
جمعاً، وتخريجاً، ودراسة
إعداد
علي صالح علي مصطفى
المشرف
الدكتور ياسر الشمالي
قدمت هذه الرسالة استكمالاً لمتطلبات درجة الماجستير في
الحديث النبوي الشريف
كلية الدراسات العليا
الجامعة الأردنية
آب 2003
ملخّـص
تناولت هذه الدراسة الأحاديث التي صرّح البخاري بتصحيحها، لكنه لم يخرّجها في الجامع الصحيح، وقد هدفت هذه الدراسة إلى استنباط منهج البخاري في تصحيح هذه الأحاديث، ومقارنته بمنهجه الذي درج عليه في أحاديث الجامع الصحيح.
وقامت هذه الدراسة على جمع هذه الأحاديث من مظنّاتها، ثم تخريجها من كتب السّنة الأصلية، وذكر شواهدها من الأحاديث الأخرى، ثم تمت دراسة أسانيد تلك الأحاديث من حيث الرواة ودرجاتهم، وشرط الاتصال، وعلل الحديث –إن وجدت- ثم محاولة استنتاج الأسباب التي لم يخرّج البخاري هذه الأحاديث لأجلها.
وبعد دراسة هذه الأحاديث تبيّن أنها تنقسم إلى ثلاث مجموعات رئيسة، هي: (1) مجموعة تضم الأحاديث التي صححها البخاري، ولم يخرّج ما يغني عنها في الجامع الصحيح، (2) مجموعة تضم الأحاديث التي صححها، لكنه خرّج ما يغني عنها في الصحيح؛ فلم يعد بحاجة لها بناءً على منهج الاختصار، (3) مجموعة تضم أحاديث ساقها للاستدلال بزيادة رفع اليدين في الدعاء، وقد زادها بعض الرواة دون بعض، فساق الإسناد الذي فيه الزيادة وصححه، رغم أن الإسناد الخالي من الزيادة قد يكون أقوى، إلا أن كلاً منهما يشمله لفظ الصحيح عند البخاري.
وقد خلصت الدراسة بعدة استنتاجات، منها:
(1) إن ما أخرجه البخاري في الجامع الصحيح أقوى مما لم يخرّجه فيه، وإن كان قد صححه.
(2) لفظ الصحيح عند البخاري يشمل أنواع الحديث المقبول الأربعة: الصحيح بنوعيه، والحسن بنوعيه.
(3) التزم البخاري اشتراط ثبوت اللقاء بين الراويين؛ لإثبات الاتصال في الأحاديث التي صححها خارج الجامع الصحيح، كما هو الحال في أحاديث الجامع الصحيح.
(4) دقة منهج الاختصار في الجامع الصحيح؛ إذ لم تسلم الأحاديث التي صححها ولم يخرّج ما يغني عنها في الصحيح –من العلة- إلا حديثان، وقد يكون للبخاري فيهما رأياً.
(5) يختار البخاري الرواة المشهورين بالضبط لأحاديث الجامع، ويكتفي بثقة الراوي وإن كان قليل الحديث في الأحاديث التي صححها خارج الجامع الصحيح.
مقدمــة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كلام الله، وأحسن الهدي هدي محمد –صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وبعد:
فمنذ أن أخرج الإمام البخاري الجامع الصحيح، عكف أهل العلم على دراسته والاستفادة منه، وتنقل الروايات المبثوثة في بطون الكتب آراء شيوخ البخاري وأقرانه وتلاميذه في كتابه وموقفهم من منهجه فيه، وقد استمر هذا الاهتمام به على مر العصور؛ فأصدر أهل العلم دراسات كثيرة تتعلّق بالإمام البخاري ومنهجه في الجامع الصحيح، فأثروا المكتبة الحديثية، ويسّروا سبل الاستفادة من هذا السفر العظيم؛ فجزاهم الله خير الجزاء، وجعل ذلك في ميزان حسناتهم يوم القيامة.
وتأتي هذه الدراسة الجديدة، مستفيدة من هذا التراث العظيم، فتُلقي ضوءاً على جانب آخر من جوانب المنهجية الحديثية عند الإمام البخاري، وهو جانب يتعلّق بالأحاديث التي صححها البخاري، لكنه لم يودعها جامعه الصحيح.
أهداف الدراسة:
وتتلخص أهداف الدراسة فيما يلي:
(1) خدمة هذه الأحاديث بجمعها وتخريجها ودراستها.
(2) محاولة استنباط منهج للبخاري في تصحيح هذه الأحاديث.
(3) مقارنة منهجه هذا بمنهجه في أحاديث الجامع الصحيح.
(4) بيان مدى دقة البخاري في جعل كتابه مختصراً وجامعاً لأبواب الدين معاً، وهل يمكن الاستدراك عليه.
(5) محاولة استنباط أسباب عدم تخريج البخاري هذه الأحاديث في الجامع الصحيح رغم صحتها عنده.
منهجية الدراسة:
ومن أجل تحقيق ذلك؛ قمت بما يلي:
أولاً: جمع الأحاديث التي نص البخاري على صحتها من مظنّاتها، وترتيبها ترتيباً مناسباً.
ومن أجل الأهداف المذكورة قمت بقراءة كل ما بلغني أنه مطبوع من كتب البخاري ما عدا الجامع الصحيح، وهي: التاريخ الكبير، ومعه كتاب الكنى، والتاريخ الأوسط، والضعفاء الصغير، وخلق أفعال العباد والرد على الجهمية، والقراءة خلف الإمام، ورفع اليدين في الصلاة، والأدب المفرد، إضافة إلى كتاب الجامع للترمذي، والعلل الكبير له؛ لأن الترمذي هو تلميذ البخاري الذي أكثر من الإفادة منه وسجل هذه الفوائد في مؤلفاته.
ونتيجة لذلك تجمعت عندي عشرات الأحاديث التي صححها البخاري، لكن بالتتبع والاستقراء تبيّن لي أن أكثر تلك التصحيحات هي ترجيح إسناد على آخر، ونفي الوَهَم عن راويه؛ فاكتفيت بدراسة ما نص البخاري على صحته صراحة، وقصد بذلك أنه حديث ثابت قد اجتمعت فيه شروط الصحة، وقد بلغت خمسة وعشرين حديثاً.
ثانياً: بعد جمع تلك الأحاديث عملت على تخريجها، واتبعت في ذلك أسلوب التخريج على الطرق بعد أن حددت مدار الإسناد لكل حديث، ثم ذكرت شواهده إن وُجدت، فإن كان الشاهد في الصحيحين أو أحدهما اختصرت في التخريج، وإلا خرّجته من الكتب الستة ثم من الكتب التي اشترطت الصحة، وغالباً أنقل كلام النقاد في حكمهم على هذه الشواهد.
وقد رتبت المصادر الحديثية في التخريج كما يلي: الكتب الستة، ثم مسند أحمد، ثم الكتب التي اشترطت الصحة، وهي: صحيح ابن خزيمة، صحيح ابن حبان، مستدرك الحاكم، وغيرها، ثم ذكرت المصادر حسب تقدم وفاة المؤلف.
ثالثاً: بعد ذلك قمت بدراسة هذه الأحاديث، واشتملت الدراسة على المسائل التالية:
1- دراسة رواة الإسناد الذي صححه البخاري، فإن كانوا من رجال البخاري اكتفيت بالإشارة إلى ذلك إلا إذا كان من المتكلم فيهم بجرح فأوضحه، وإن كانوا من غير رجال البخاري ذكرت كلام أئمة النقد فيه، وحاولت أن أبرز سبب جرحه إذا كان قد جُرّح، ثم أبيّن سبب تصحيح البخاري لحديثه، وعدم احتجاجه به في الصحيح.
2- دراسة علل الحديث –إن وجدت- وأقارن بين كلام النقّاد في ذلك، وأهتم ببيان وجهة نظر البخاري في تلك العلّة، وأذكر غالباً من وافقه من النقّاد ومن خالفه.
3- مراعاة شرط الاتصال على مذهب البخاري بين كل راويين، والتأكد من ثبوت اللقاء بينهما، ولا أذكر هذه المسألة في هذا البحث إلا إذا كان في توافر هذا الشرط نزاع أو شك؛ فإني أفرد له مطلباً، وكذلك فعلت في المسألة الرابعة وهي مراعاة كيفية الرواية.
4- إذا كان في السند راويان روى أحدهما عن الآخر، وكان البخاري قد خرّج لهما في الصحيح، فلا بد من معرفة ما إذا كان البخاري قد خرّج لهما على صورة الاجتماع على هذا النّسق أم لا، فقد يكون الرجلان على شرط البخاري، لكنه لم يخرّج لهذا ما رواه عن شيخه خاصة؛ بسبب علّة وقعت في حديثه عن هذا الشيخ خاصة؛ فتصير روايته عن شيخه ليست على شرط البخاري، حتى وإن كان قد خرّج لكليهما لكن ليس على صورة الاجتماع هذه.
وها هو الحافظ ابن حجر يوضّح هذه المسألة عندما تكلّم عن أقسام الأحاديث المستدركة على الصحيحين، فقال: "الأول: أن يكون إسناد الحديث الذي يخرّجه محتجاً برواته في الصحيحن أو أحدهما على صورة الاجتماع سالماً من العلل، واحترزنا بقولنا على صورة الاجتماع عمّا احتجا برواته على صورة الانفراد، كسفيان بن حسين عن الزهري، فإنهما احتجا بكل منهما على الانفراد، ولم يحتجا برواية سفيان بن حسين عن الزهري؛ لأن سماعه من الزُّهري ضعيف دون بقية مشايخه، فإذا وجد حديث من روايته عن الزُّهْري لا يقال إنه على شرط الشيخين؛ لأنهما احتجا بكل منهما، بل لا يكون على شرطهما إلا إذا احتجا بكل منهما على صورة الاجتماع" (1)
ومعرفة هذه المسألة تعين على الإجابة عن السؤال الذي ختمت به دراسة الحديث، وهو في الفقرة التي عنوانها:
5- لماذا لم يخرّج البخاري هذا الحديث في الجامع الصحيح؟
بعد دراسة الإسناد يتبيّن جواب هذا السؤال، وقد تنوعت أسباب ذلك كما سيرد في الصفحات القادمة.
ومن الجدير بالذكر أن هذه المسائل الأربعة وما تحتوي عليه من مسائل فرعية ليست عناوين ثابتة في دراسة كل حديث وإنما توجد كلها أو بعضها حسب طبيعة الإسناد الخاضع للدراسة.
مناهج البحث في هذه الدراسة:
ومن أجل تحقيق هذه الأعمال سلكت المناهج البحثية التالية:
(1) منهج الاستقراء والتتبع لأحكام البخاري النقدية، والأحاديث موضوع الدراسة من مظناتها.
(2) منهج التحليل لعبارات البخاري وعبارات النقاد الآخرين؛ لمعرفة مدلولاتها، وتحليل الأسانيد التي صححها البخاري؛ لاستخراج مكنوناتها.
(3) منهج المقارنة والاستنباط؛ لاستخراج النتائج المتوخاة.
وقد اخترت عنواناً يعبّر عن حقيقة هذا البحث، ويناسبه، وهو "الأحاديث التي صرّح الإمام البخاري بتصحيحها ولم يودعها الجامع الصحيح: جمعاً وتخريجاً ودراسة".
أسباب اختيار الموضوع:
حفزني لاختيار هذا الموضوع جملة أسباب، أهمها:
1- الوقوف على الأحاديث التي صححها البخاري خارج الجامع الصحيح، وجمعها في مصنّف واحد.
2- معرفة مدى دقة منهج الاختصار الذي سلكه البخاري في تصنيف الجامع الصحيح، وهل يمكن الاستدراك عليه؟
3- معرفة هل سلك البخاري في تصحيح هذه الأحاديث منهجه المعروف في الجامع الصحيح؟ أم أن له منهجاً آخر فيها لابد من الوقوف عليه؟
4- معرفة حقيقة شروط البخاري في الصحيح: هل هي شروط كتاب أم شروط صحة من حيث الاتصال والرجال والعلل؟
صعوبات البحث:
اعترضتني صعوبات أثناء إعداد هذا البحث، منها عوائق توجد في أي بحث علمي مهما كان ميدانه، ومنها صعوبات خاصة بموضوع البحث، وأهمها:
1- دقّة عبارات البخاري في الحكم على الأحاديث، وصعوبة فهمها، وتعارض الاحتمالات التي تعيّن قصده منها فهل هي تصحيح أم نفي وَهَم فقط؟ ولا عجب؛ لأن ميدان علل الحديث أدق ميدان وأعظمه خطراً.
2- تشابك الأسانيد، وتفرّعها، وتوزعها بين عدد كبير من المصادر.
3- اختلاف النقّاد في الحكم على الرواة، وفي تعليل الأحاديث.
4- صعوبة البحث عما يدعم رأي البخاري في تصحيح بعض الأحاديث رغم وجود العلل فيها.
5- سعة ميدان الدراسة الذي يشمل كتب البخاري، وجامع الترمذي، وعلله المفرد.
الدراسات السابقة:
وقد كنت أظن أنه لم يُصنَّف في هذا الموضوع من قبل، ولكني قبل الانتهاء من هذا البحث أطلعني أحد طلبة العلم –جزاه الله خيراً- على كتاب بعنوان "التصريح بما صحح البخاري في غير الصحيح" جمع وإعداد عثمان فاضل، فقلت في نفسي: إن فاتني السبق بالتصنيف، فلن تفوتني الإفادة مما كتب هذا الباحث، وبعد مطالعة الكتاب خرجت بعدد من الملاحظات، هذه أبرزها:
(1) اقتصر الباحث على جمع الأحاديث، ونقل كلام البخاري عليها، ولم يقم بدراسة هذه الأحاديث، أو تخريجها تخريجاً علمياً، إلا أنه نقل أقوال النقّاد في علل حديث "هو الطهور مـاؤه" فقط (1)، أما تخريجه لباقي الأحاديث فكان إشارات سريعة لبعض المصادر فقط.
(2) لم يفرّق الباحث بين الألفاظ التي تدل على الحكم بصحة الحديث، والألفاظ التي تدل على ترجيح رواية على أخرى، أو تدل على نفي الوَهَم عن الراوي، كقوله: "الصحيح عن فلان" عند المقارنة بين إسنادين، أو قوله: "المحفوظ كذا"، وأمثلة هذا النوع كثيرة جداً في كتابه.
(3) رغم أنه ذكر أن قول البخاري "أصح شيء في الباب" لا يعني الحكم بصحة الحديث بالضرورة، "فقد تكون أحاديث الباب ضعيفة، وهذا الحديث أقلها ضعفاً" (2)، إلا أنه خصص باباً لها في كتابه، وأضاف إلى الكتاب باباً فيه مجموعة ألفاظ ذكر أنها لا تدل على التصحيح فليست هي على شرط كتابه (3).
وكان اللائق بهذين البابين أن يضعهما في الكتاب الذي أفرده في العلل، وإلا فماذا سوف يذكر في كتابه الذي خصصه لكلام البخاري في العلل؟! (4).
(4) أدخل في ألفاظ التصحيح قوله: حديث حسن، استحسنه، الخ … وهذا فيه نظر؛ لأنه حَمَل مصطلح البخاري على المعنى المعروف الذي استقر بعده، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأما قسمة الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف ، فهذا أول من عُرف أنه قسّمه هذه القسِمة أبو عيسى الترمذي، ولم تُعرف هذه القِسمة عن أحد قبله … وأما من قبل الترمذي من العلماء فما عُرف عنهم هذا التقسيم الثلاثي، لكن كانوا يقسّمونه إلى صحيح وضعيف …" (1).
وبناءً عليه فإن معرفة المقصود من قول البخاري: حديث حسن يحتاج إلى بحث مستقل يقوم على الاستقراء التام للأحاديث التي حكم عليها البخاري بلفظ الحسن، وقد بحث بعض أهل العلم طائفة من هذه الأحاديث، وخرج بنتيجة مفادها: أنه يطلقه على الصحيح، والضعيف، وفي كثير من الأحيان يطلقه على الفرد الغريب سواء تفرد به ثقة أم ضعيف (2)، والخلاصة: أن الجزم بشيء يحتاج إلى استقراء تام، وتجرّد للحقيقة دون تعصب لقول إمام.
(5) عدّ الباحث قول البخاري: جوّد فلان هذا الحديث تصحيحاً للحديث وجعله في الباب الأول من كتابه، وقد فسّر هذا الحكم بقوله: "وهو بمعنى أن الحديث جاء جيداً من طريق هذا الراوي" (3).
لكن المعروف عن النقّاد أنهم يطلقون التجويد مقابل التقصير، فيقولون: جوّده فلان، وقصّر به فلان، إذا تعارض الوصل والإرسال أو الانقطاع في حديث، فالواصل جوّده، والمرسِل قصّر به، إذا كان الوصل صواباً، أو أن يكون كلاهما محفوظ، وهذا ما يدل عليه عمل النقّاد(4)، كأبي حاتم (5)، والدارقطني (6)، وغيرهم، ومن تأمل الحديثين اللذين قال فيهما البخاري ذلك، تبيّن له انطباق هذا المعنى عليهما (7).
أما السيوطي فله فهم آخر لمصطلح التجويد عند النقّاد، فيقول بعد أن تكلم عن تدليس التسوية: "والقدماء يسمّونه تجويداً، فيقولون: جوّده فلان، أي ذكر من فيه من الأجواد، وحذف غيرهم" (8)، لكن الأحاديث التي قال فيها النقّاد ذلك لا تساعد على هذا الفهم، والله أعلم.
خطة البحث:
أما عن خطة البحث فقد جعلتها في مقدمة، وتمهيد، وثلاثة فصول، وخاتمة، ثم أتبعتها بفهرس الرواة المترجمين، والمصادر والمراجع.
المقدمة، وتشمل: التعريف بالدراسة وأهدافها، ومنهج البحث فيها، وأسباب اختيار الموضوع، والصعوبات التي واجهتني في البحث، ثم الدراسات السابقة، ثم خطة البحث.
التمهيد، وجعلته في ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: الإمام البخاري، واهتمامه بالحديث الصحيح.
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: ترجمة الإمام البخاري بإيجاز.
المطلب الثاني: اهتمام الإمام البخاري بالحديث الصحيح.
المطلب الثالث: شروط الحديث الصحيح عند الإمام البخاري في الجامع الصحيح
المطلب الرابع: منهج الاختصار في الجامع الصحيح.
المبحث الثاني: بين تصحيح الأحاديث، والترجيح بين رواياتها.
وفيه مطلبان، هما:
المطلب الأول: مفهوم تصحيح الحديث، واللفظ الدال على ذلك.
المطلب الثاني: مفهوم الترجيح بين الروايات، والألفاظ الدالة على ذلك.
المبحث الثالث: ما صححه البخاري، وتجاذبت تصحيحه احتمالات الترجيح والتصحيح.
وفيه مطلبان، هما:
المطلب الأول: حديث حمل بن مالك في المرأتين اللتين قتلت إحداهما الأخرى.
المطلب الثاني: حديث ابن عباس في تنفّل النبي –صلى الله عليه وسلم- سيفه ذا الفقار يوم بدر.
الفصل الأول
الأحاديث التي صرّح الإمام البخاري بتصحيحها
ولم يخرّج ما يغني عنها في الجامع الصحيح.
وفيه أحد عشر مبحثاً، تم ترتيبها حسب موضوعاتها، بداية بما يخص العبادات، ثم الأطعمة، ثم الفضائل، ثم الفتن.
المبحث الأول: حديث أبي هريرة "هو الطَّهور ماؤه".
المبحث الثاني: حديث عائشة: "كان –صلى الله عليه وسلم- يذكر الله على كل أحايينه".
المبحث الثالث: حديث عبد الله بن عمرو في مسّ الذكر.
المبحث الرابع: حديث بُسْرة بنت صفوان في مسّ الذكر.
المبحث الخامس: حديث عمار في إقصار الخطب.
المبحث السادس: حديث النعمان في القراءة في الجمعة والعيدين.
المبحث السابع: حديث عبد الله بن عمرو في التكبير في العيدين.
المبحث الثامن: حديث عمرو بن عوف في التكبير في العيدين.
المبحث التاسع: حديث جابر بن عبد الله في أكل الضَّبُع.
المبحث العاشر: حديث ابن عمر في فضل الصبر على شدة المدينة.
المبحث الحادي عشر: حديث فاطمة بنت قيس في الجسّاسة.
الفصل الثاني
الأحاديث التي صرّح الإمام البخاري بتصحيحها،
وقد خرّج ما يغني عنها في الجامع الصحيح.
وفيه عشرة مباحث، قدّمت المباحث الستة الأولى متتابعة؛ لأن البخاري ساقها للاستدلال بها على مشروعية رفع اليدين في الدعاء، ثم أتبعتها بالمباحث الأخرى.
المبحث الأول: حديث أنس في استسقاء النبي –صلى الله عليه وسلم- في خطبة الجمعة.
المبحث الثاني: حديث أنس في رفع اليدين في الاستسقاء.
المبحث الثالث: حديث أبي هريرة في الرجل يطيل السفر، يمد يديه إلى السماء.
المبحث الرابع: حديث دعاء النبي –صلى الله عليه وسلم- عند أحجار الزيت باسطاً كفيه.
المبحث الخامس: حديث عائشة في دعاء النبي –صلى الله عليه وسلم- لعثمان.
المبحث السادس: حديث علي "اللهم عليك بالوليد".
المبحث السابع: حديث أبي هريرة "أكثر عذاب القبر من البول".
المبحث الثامن: حديث عوف بن مالك وخالد بن الوليد في عدم تخميس السَّلَب.
المبحث التاسع: حديث أبي هريرة "إن المرأة لتأخذ للقوم".
المبحث العاشر: حديث الصُّنابح "أنا فرطكم على الحوض".
الفصل الثالث
الأحاديث التي صرّح الإمام البخاري بتصحيحها؛
كي يستدل بزيادة زادها بعض الرواة.
وفيه أربعة مباحث، وهي:
المبحث الأول: حديث أبي هريرة "اللهم اهد دوساً".
المبحث الثاني: حديث عائشة "إنما أنا بشر".
المبحث الثالث: حديث جابر بن عبد الله "وليديه فاغفر".
المبحث الرابع: حديث عائشة "بُعثت لأهل البقيع؛ لأصلي عليهم".
الخاتمة: وفيها أهم النتائج والتوصيات.
ثم ذيّلت البحث بعدد من الفهارس، هي:
1- فهرس الرواة المترجمين.
2- فهرس المصادر.
3- فهرس المراجع.
4- فهرس الرسائل الجامعية.
وبعد، فإن النقص من سمات البشر، فما أصبت فيه فهو توفيق من الله –عز وجل- وما أخطأت فيه؛ فبسبب قصوري في العلم، وقلّة خبرتي بخباياه وأسراره، وخصوصية الإمام البخاري ومنهجه.
لذلك أطلب ممن يطّلع على هذا البحث أن يستغفر لكاتبه، ويصلح خطأه، والله من وراء القصد، والحمد لله رب العالمين.
الباحث
علي صالح علي مصطفى
جمادى الأولى 1423 هـ
تموز 2003 م
خــاتـمــــــــة
أ- أهم النتائج:
يمكن في نهاية هذا البحث تسجيل أهم النتائج التي تبيّنت، وهي:
(1) برع الإمام البخاري في جعل كتابه جامعاً لأبواب الدين ومختصراً لا يخرّج جميع ما صح عنده في الباب الواحد؛ إذ أن جميع الأحاديث التي صححها ولم يخرّج ما يغني عنها في الجامع الصحيح لا ترتقي إلى شرطه الذي عُرف به في جمع أحاديث كتابه الجامع إلا أن هناك حديثين يمكن أن يستدركا عليه لكونهما على شرطه، وهما حديث فاطمة بنت قيس في الجسّاسة، وحديث بُسْرة بنت صفوان في مسّ الذكر، وقد يكون له رأياً في عدم تخريجهما في الصحيح كما سبق بيانه.
(2) حافظ الإمام البخاري على اشتراط ثبوت اللقاء للحكم باتصال الرواية في الأحاديث التي صححها خارج الصحيح كما هو الحال في أحاديث الجامع الصحيح.
(3) قد يعرض الإمام البخاري عن الاحتجاج براوٍ لكونه قليل الحديث وإن كان ثقة، فلا يخرّج له في أصول الجامع الصحيح، ولكنه يصحح حديثه خارج الجامع؛ مما يدل على أن درجة رجال الجامع الصحيح أعلى من درجة من صحح لهم البخاري ولم يحتج بهم في الجامع الصحيح، وإن اشتركا في الثقة، وبناءً عليه فالأحاديث التي خرجها البخاري في الجامع الصحيح أقوى مما صححه خارجه.
(4) الحديث الصحيح عند البخاري هو الحديث المقبول الصالح للاحتجاج به سواء كان في أعلى درجات الصحة أم في أدناها، فهو يشمل (الصحيح لذاته، والصحيح لغيره، والحسن لذاته، والحسن لغيره)، وبذلك يتبيّن الفرق بين هذا الاصطلاح وبين ما استقر عليه الاصطلاح بعد عصر الرواية.
(5) أسلوب تصحيح الحديث بشواهده ظاهر بشدة في كثير من الأحاديث التي صححها البخاري خارج الصحيح.
(6) صحح البخاري أحاديث فيها رواة قد احتج بهم في الجامع الصحيح، ولكن ليس بهذه الكيفية ولا على هذا النسق من صورة الاجتماع، ولم أجد من طعن في هذه الصورة من الرواية بحق هؤلاء الرواة؛ مما يدل على أن الاهتمام بمراعاة صورة الاجتماع في رواة البخاري خاص فيما إذا تُكُلّم في الراوي إذا حدّث عن غير ذلك الشيخ.
(7) يعتني الإمام البخاري عند الاستدلال بحديث ما في كتبه الأخرى بأسانيد ومتون جديدة ليست مخرّجة عنده في الجامع، وإن كانت أقل قوة، مثل حديث أنس في الاستسقاء، وغيره.
(8) تبيّن أن البخاري له منهجان في تصحيح الأحاديث:
المنهج الأول: قائم على شدة التحرّي في انتقاء الرجال، واختيار الأحاديث الخالية من العلل، وقد سلكه في أحاديث الجامع الصحيح.
المنهج الثاني: سلكه في التصحيح خارج الجامع الصحيح، وهو أقل تحرّياً في انتقاء الرجال، وهو يقوم على التصحيح بالشواهد، ويتسم بتوثيق رجال ضعّفهم عدد من النقّاد، ويتجلى هذا في كثير من الأحاديث، وخاصة حديث التكبير في العيدين من رواية كثير والطائفي.
وهذا المنهج الذي سلكه البخاري خارج الجامع الصحيح يشبه إلى حد بعيد منهج الترمذي في السنن، فلا يبعد أن يكون الترمذي قد أخذه عن شيخه البخاري.
(9) إذا لم يخرّج البخاري حديثاً في باب معين، فلا يعني ذلك أن جميع الأحاديث الواردة في هذا الباب ضعيفة عنده، وإنما أقصى ما يمكن أن يقال إنه لم يصح منها حديث على شرط كتاب الجامع الصحيح، وقد يكون بعضها صحيحاً في نقد البخاري كما هو الحال في مجموعة كبيرة من أحاديث هذه الدراسة.
ب- التوصيات:
1. كنت قد جمعت الأحاديث التي حسّنها البخاري، لدراستها، والخروج بمفهوم الحديث الحسن عنده ، لكن سعة المادة العلمية وضيق الوقت حالا دون ذلك؛ فحبذا لو تصدّى بعض أهل العلم لذلك؛ كي يتبيّن مدى الاتفاق والاختلاف بين مصطلحات عصر الرواية، وما استقر عليه المصطلح بعد ذلك.
2. حبذا لو جمعت الأحاديث التي صححها أئمة النقد في عصر الرواية كأبي حاتم وأبي زُرعة، وغيرهما؛ للوقوف على مناهجهم في تصحيح الأحاديث، ومقارنة ذلك بما استقر بعد عصرهم.
أبو أويس علي الخطيب
وفقه الله
رد: حول عدد الاحاديث الصحيحة التي صححها البخاري ومسلم خارج الصحيحين
أبو أويس الخطيب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأحبة في ملتقى أهل الحديث
أحببت أن أبدأ مشاركتي في هذا المنتدى المبارك بالرد على هذا الموضوع الذي كان يشغلني في مرحلة الماجستير، وكانت ثمرة هذا الاهتمام رسالة الماجستير بعنوان " الأحاديث التي صرّح الإمام البخاري بتصحيحها ولم يودعها الجامع الصحيح: جمعاً وتخريجاً ودراسة".
وأذكر أن الأخ عبد الرحمن جلال - وفقه الله تعالى- قد ذكر لي أن بعض الإخوة في هذا الملتقى المبارك قد سأل عن هذا الموضوع؛ فطلب مني مقدمة الرسالة وخاتمتها وفهرسها ليطلع الإخوة في الملتقى عليها؛ فزودته بها منذ مترة طويلة، ولكني ما رأيتها عندما طالعت الموضوع في الملتقى، ولعل له العذر .
وأتمنى أن يعذرني هو أيضاً إذا سبقته بتنفيذ ما وعد، ويبقى له فضل السبق، وجزاه الله خيراً.
وبين أيديكم نبذة عن الرسالة:
الأحاديث التي صرّح الإمام البخاري بتصحيحها
ولم يودعها الجامع الصحيح
جمعاً، وتخريجاً، ودراسة
إعداد
علي صالح علي مصطفى
المشرف
الدكتور ياسر الشمالي
قدمت هذه الرسالة استكمالاً لمتطلبات درجة الماجستير في
الحديث النبوي الشريف
كلية الدراسات العليا
الجامعة الأردنية
آب 2003
ملخّـص
تناولت هذه الدراسة الأحاديث التي صرّح البخاري بتصحيحها، لكنه لم يخرّجها في الجامع الصحيح، وقد هدفت هذه الدراسة إلى استنباط منهج البخاري في تصحيح هذه الأحاديث، ومقارنته بمنهجه الذي درج عليه في أحاديث الجامع الصحيح.
وقامت هذه الدراسة على جمع هذه الأحاديث من مظنّاتها، ثم تخريجها من كتب السّنة الأصلية، وذكر شواهدها من الأحاديث الأخرى، ثم تمت دراسة أسانيد تلك الأحاديث من حيث الرواة ودرجاتهم، وشرط الاتصال، وعلل الحديث –إن وجدت- ثم محاولة استنتاج الأسباب التي لم يخرّج البخاري هذه الأحاديث لأجلها.
وبعد دراسة هذه الأحاديث تبيّن أنها تنقسم إلى ثلاث مجموعات رئيسة، هي: (1) مجموعة تضم الأحاديث التي صححها البخاري، ولم يخرّج ما يغني عنها في الجامع الصحيح، (2) مجموعة تضم الأحاديث التي صححها، لكنه خرّج ما يغني عنها في الصحيح؛ فلم يعد بحاجة لها بناءً على منهج الاختصار، (3) مجموعة تضم أحاديث ساقها للاستدلال بزيادة رفع اليدين في الدعاء، وقد زادها بعض الرواة دون بعض، فساق الإسناد الذي فيه الزيادة وصححه، رغم أن الإسناد الخالي من الزيادة قد يكون أقوى، إلا أن كلاً منهما يشمله لفظ الصحيح عند البخاري.
وقد خلصت الدراسة بعدة استنتاجات، منها:
(1) إن ما أخرجه البخاري في الجامع الصحيح أقوى مما لم يخرّجه فيه، وإن كان قد صححه.
(2) لفظ الصحيح عند البخاري يشمل أنواع الحديث المقبول الأربعة: الصحيح بنوعيه، والحسن بنوعيه.
(3) التزم البخاري اشتراط ثبوت اللقاء بين الراويين؛ لإثبات الاتصال في الأحاديث التي صححها خارج الجامع الصحيح، كما هو الحال في أحاديث الجامع الصحيح.
(4) دقة منهج الاختصار في الجامع الصحيح؛ إذ لم تسلم الأحاديث التي صححها ولم يخرّج ما يغني عنها في الصحيح –من العلة- إلا حديثان، وقد يكون للبخاري فيهما رأياً.
(5) يختار البخاري الرواة المشهورين بالضبط لأحاديث الجامع، ويكتفي بثقة الراوي وإن كان قليل الحديث في الأحاديث التي صححها خارج الجامع الصحيح.
مقدمــة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كلام الله، وأحسن الهدي هدي محمد –صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وبعد:
فمنذ أن أخرج الإمام البخاري الجامع الصحيح، عكف أهل العلم على دراسته والاستفادة منه، وتنقل الروايات المبثوثة في بطون الكتب آراء شيوخ البخاري وأقرانه وتلاميذه في كتابه وموقفهم من منهجه فيه، وقد استمر هذا الاهتمام به على مر العصور؛ فأصدر أهل العلم دراسات كثيرة تتعلّق بالإمام البخاري ومنهجه في الجامع الصحيح، فأثروا المكتبة الحديثية، ويسّروا سبل الاستفادة من هذا السفر العظيم؛ فجزاهم الله خير الجزاء، وجعل ذلك في ميزان حسناتهم يوم القيامة.
وتأتي هذه الدراسة الجديدة، مستفيدة من هذا التراث العظيم، فتُلقي ضوءاً على جانب آخر من جوانب المنهجية الحديثية عند الإمام البخاري، وهو جانب يتعلّق بالأحاديث التي صححها البخاري، لكنه لم يودعها جامعه الصحيح.
أهداف الدراسة:
وتتلخص أهداف الدراسة فيما يلي:
(1) خدمة هذه الأحاديث بجمعها وتخريجها ودراستها.
(2) محاولة استنباط منهج للبخاري في تصحيح هذه الأحاديث.
(3) مقارنة منهجه هذا بمنهجه في أحاديث الجامع الصحيح.
(4) بيان مدى دقة البخاري في جعل كتابه مختصراً وجامعاً لأبواب الدين معاً، وهل يمكن الاستدراك عليه.
(5) محاولة استنباط أسباب عدم تخريج البخاري هذه الأحاديث في الجامع الصحيح رغم صحتها عنده.
منهجية الدراسة:
ومن أجل تحقيق ذلك؛ قمت بما يلي:
أولاً: جمع الأحاديث التي نص البخاري على صحتها من مظنّاتها، وترتيبها ترتيباً مناسباً.
ومن أجل الأهداف المذكورة قمت بقراءة كل ما بلغني أنه مطبوع من كتب البخاري ما عدا الجامع الصحيح، وهي: التاريخ الكبير، ومعه كتاب الكنى، والتاريخ الأوسط، والضعفاء الصغير، وخلق أفعال العباد والرد على الجهمية، والقراءة خلف الإمام، ورفع اليدين في الصلاة، والأدب المفرد، إضافة إلى كتاب الجامع للترمذي، والعلل الكبير له؛ لأن الترمذي هو تلميذ البخاري الذي أكثر من الإفادة منه وسجل هذه الفوائد في مؤلفاته.
ونتيجة لذلك تجمعت عندي عشرات الأحاديث التي صححها البخاري، لكن بالتتبع والاستقراء تبيّن لي أن أكثر تلك التصحيحات هي ترجيح إسناد على آخر، ونفي الوَهَم عن راويه؛ فاكتفيت بدراسة ما نص البخاري على صحته صراحة، وقصد بذلك أنه حديث ثابت قد اجتمعت فيه شروط الصحة، وقد بلغت خمسة وعشرين حديثاً.
ثانياً: بعد جمع تلك الأحاديث عملت على تخريجها، واتبعت في ذلك أسلوب التخريج على الطرق بعد أن حددت مدار الإسناد لكل حديث، ثم ذكرت شواهده إن وُجدت، فإن كان الشاهد في الصحيحين أو أحدهما اختصرت في التخريج، وإلا خرّجته من الكتب الستة ثم من الكتب التي اشترطت الصحة، وغالباً أنقل كلام النقاد في حكمهم على هذه الشواهد.
وقد رتبت المصادر الحديثية في التخريج كما يلي: الكتب الستة، ثم مسند أحمد، ثم الكتب التي اشترطت الصحة، وهي: صحيح ابن خزيمة، صحيح ابن حبان، مستدرك الحاكم، وغيرها، ثم ذكرت المصادر حسب تقدم وفاة المؤلف.
ثالثاً: بعد ذلك قمت بدراسة هذه الأحاديث، واشتملت الدراسة على المسائل التالية:
1- دراسة رواة الإسناد الذي صححه البخاري، فإن كانوا من رجال البخاري اكتفيت بالإشارة إلى ذلك إلا إذا كان من المتكلم فيهم بجرح فأوضحه، وإن كانوا من غير رجال البخاري ذكرت كلام أئمة النقد فيه، وحاولت أن أبرز سبب جرحه إذا كان قد جُرّح، ثم أبيّن سبب تصحيح البخاري لحديثه، وعدم احتجاجه به في الصحيح.
2- دراسة علل الحديث –إن وجدت- وأقارن بين كلام النقّاد في ذلك، وأهتم ببيان وجهة نظر البخاري في تلك العلّة، وأذكر غالباً من وافقه من النقّاد ومن خالفه.
3- مراعاة شرط الاتصال على مذهب البخاري بين كل راويين، والتأكد من ثبوت اللقاء بينهما، ولا أذكر هذه المسألة في هذا البحث إلا إذا كان في توافر هذا الشرط نزاع أو شك؛ فإني أفرد له مطلباً، وكذلك فعلت في المسألة الرابعة وهي مراعاة كيفية الرواية.
4- إذا كان في السند راويان روى أحدهما عن الآخر، وكان البخاري قد خرّج لهما في الصحيح، فلا بد من معرفة ما إذا كان البخاري قد خرّج لهما على صورة الاجتماع على هذا النّسق أم لا، فقد يكون الرجلان على شرط البخاري، لكنه لم يخرّج لهذا ما رواه عن شيخه خاصة؛ بسبب علّة وقعت في حديثه عن هذا الشيخ خاصة؛ فتصير روايته عن شيخه ليست على شرط البخاري، حتى وإن كان قد خرّج لكليهما لكن ليس على صورة الاجتماع هذه.
وها هو الحافظ ابن حجر يوضّح هذه المسألة عندما تكلّم عن أقسام الأحاديث المستدركة على الصحيحين، فقال: "الأول: أن يكون إسناد الحديث الذي يخرّجه محتجاً برواته في الصحيحن أو أحدهما على صورة الاجتماع سالماً من العلل، واحترزنا بقولنا على صورة الاجتماع عمّا احتجا برواته على صورة الانفراد، كسفيان بن حسين عن الزهري، فإنهما احتجا بكل منهما على الانفراد، ولم يحتجا برواية سفيان بن حسين عن الزهري؛ لأن سماعه من الزُّهري ضعيف دون بقية مشايخه، فإذا وجد حديث من روايته عن الزُّهْري لا يقال إنه على شرط الشيخين؛ لأنهما احتجا بكل منهما، بل لا يكون على شرطهما إلا إذا احتجا بكل منهما على صورة الاجتماع" (1)
ومعرفة هذه المسألة تعين على الإجابة عن السؤال الذي ختمت به دراسة الحديث، وهو في الفقرة التي عنوانها:
5- لماذا لم يخرّج البخاري هذا الحديث في الجامع الصحيح؟
بعد دراسة الإسناد يتبيّن جواب هذا السؤال، وقد تنوعت أسباب ذلك كما سيرد في الصفحات القادمة.
ومن الجدير بالذكر أن هذه المسائل الأربعة وما تحتوي عليه من مسائل فرعية ليست عناوين ثابتة في دراسة كل حديث وإنما توجد كلها أو بعضها حسب طبيعة الإسناد الخاضع للدراسة.
مناهج البحث في هذه الدراسة:
ومن أجل تحقيق هذه الأعمال سلكت المناهج البحثية التالية:
(1) منهج الاستقراء والتتبع لأحكام البخاري النقدية، والأحاديث موضوع الدراسة من مظناتها.
(2) منهج التحليل لعبارات البخاري وعبارات النقاد الآخرين؛ لمعرفة مدلولاتها، وتحليل الأسانيد التي صححها البخاري؛ لاستخراج مكنوناتها.
(3) منهج المقارنة والاستنباط؛ لاستخراج النتائج المتوخاة.
وقد اخترت عنواناً يعبّر عن حقيقة هذا البحث، ويناسبه، وهو "الأحاديث التي صرّح الإمام البخاري بتصحيحها ولم يودعها الجامع الصحيح: جمعاً وتخريجاً ودراسة".
أسباب اختيار الموضوع:
حفزني لاختيار هذا الموضوع جملة أسباب، أهمها:
1- الوقوف على الأحاديث التي صححها البخاري خارج الجامع الصحيح، وجمعها في مصنّف واحد.
2- معرفة مدى دقة منهج الاختصار الذي سلكه البخاري في تصنيف الجامع الصحيح، وهل يمكن الاستدراك عليه؟
3- معرفة هل سلك البخاري في تصحيح هذه الأحاديث منهجه المعروف في الجامع الصحيح؟ أم أن له منهجاً آخر فيها لابد من الوقوف عليه؟
4- معرفة حقيقة شروط البخاري في الصحيح: هل هي شروط كتاب أم شروط صحة من حيث الاتصال والرجال والعلل؟
صعوبات البحث:
اعترضتني صعوبات أثناء إعداد هذا البحث، منها عوائق توجد في أي بحث علمي مهما كان ميدانه، ومنها صعوبات خاصة بموضوع البحث، وأهمها:
1- دقّة عبارات البخاري في الحكم على الأحاديث، وصعوبة فهمها، وتعارض الاحتمالات التي تعيّن قصده منها فهل هي تصحيح أم نفي وَهَم فقط؟ ولا عجب؛ لأن ميدان علل الحديث أدق ميدان وأعظمه خطراً.
2- تشابك الأسانيد، وتفرّعها، وتوزعها بين عدد كبير من المصادر.
3- اختلاف النقّاد في الحكم على الرواة، وفي تعليل الأحاديث.
4- صعوبة البحث عما يدعم رأي البخاري في تصحيح بعض الأحاديث رغم وجود العلل فيها.
5- سعة ميدان الدراسة الذي يشمل كتب البخاري، وجامع الترمذي، وعلله المفرد.
الدراسات السابقة:
وقد كنت أظن أنه لم يُصنَّف في هذا الموضوع من قبل، ولكني قبل الانتهاء من هذا البحث أطلعني أحد طلبة العلم –جزاه الله خيراً- على كتاب بعنوان "التصريح بما صحح البخاري في غير الصحيح" جمع وإعداد عثمان فاضل، فقلت في نفسي: إن فاتني السبق بالتصنيف، فلن تفوتني الإفادة مما كتب هذا الباحث، وبعد مطالعة الكتاب خرجت بعدد من الملاحظات، هذه أبرزها:
(1) اقتصر الباحث على جمع الأحاديث، ونقل كلام البخاري عليها، ولم يقم بدراسة هذه الأحاديث، أو تخريجها تخريجاً علمياً، إلا أنه نقل أقوال النقّاد في علل حديث "هو الطهور مـاؤه" فقط (1)، أما تخريجه لباقي الأحاديث فكان إشارات سريعة لبعض المصادر فقط.
(2) لم يفرّق الباحث بين الألفاظ التي تدل على الحكم بصحة الحديث، والألفاظ التي تدل على ترجيح رواية على أخرى، أو تدل على نفي الوَهَم عن الراوي، كقوله: "الصحيح عن فلان" عند المقارنة بين إسنادين، أو قوله: "المحفوظ كذا"، وأمثلة هذا النوع كثيرة جداً في كتابه.
(3) رغم أنه ذكر أن قول البخاري "أصح شيء في الباب" لا يعني الحكم بصحة الحديث بالضرورة، "فقد تكون أحاديث الباب ضعيفة، وهذا الحديث أقلها ضعفاً" (2)، إلا أنه خصص باباً لها في كتابه، وأضاف إلى الكتاب باباً فيه مجموعة ألفاظ ذكر أنها لا تدل على التصحيح فليست هي على شرط كتابه (3).
وكان اللائق بهذين البابين أن يضعهما في الكتاب الذي أفرده في العلل، وإلا فماذا سوف يذكر في كتابه الذي خصصه لكلام البخاري في العلل؟! (4).
(4) أدخل في ألفاظ التصحيح قوله: حديث حسن، استحسنه، الخ … وهذا فيه نظر؛ لأنه حَمَل مصطلح البخاري على المعنى المعروف الذي استقر بعده، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأما قسمة الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف ، فهذا أول من عُرف أنه قسّمه هذه القسِمة أبو عيسى الترمذي، ولم تُعرف هذه القِسمة عن أحد قبله … وأما من قبل الترمذي من العلماء فما عُرف عنهم هذا التقسيم الثلاثي، لكن كانوا يقسّمونه إلى صحيح وضعيف …" (1).
وبناءً عليه فإن معرفة المقصود من قول البخاري: حديث حسن يحتاج إلى بحث مستقل يقوم على الاستقراء التام للأحاديث التي حكم عليها البخاري بلفظ الحسن، وقد بحث بعض أهل العلم طائفة من هذه الأحاديث، وخرج بنتيجة مفادها: أنه يطلقه على الصحيح، والضعيف، وفي كثير من الأحيان يطلقه على الفرد الغريب سواء تفرد به ثقة أم ضعيف (2)، والخلاصة: أن الجزم بشيء يحتاج إلى استقراء تام، وتجرّد للحقيقة دون تعصب لقول إمام.
(5) عدّ الباحث قول البخاري: جوّد فلان هذا الحديث تصحيحاً للحديث وجعله في الباب الأول من كتابه، وقد فسّر هذا الحكم بقوله: "وهو بمعنى أن الحديث جاء جيداً من طريق هذا الراوي" (3).
لكن المعروف عن النقّاد أنهم يطلقون التجويد مقابل التقصير، فيقولون: جوّده فلان، وقصّر به فلان، إذا تعارض الوصل والإرسال أو الانقطاع في حديث، فالواصل جوّده، والمرسِل قصّر به، إذا كان الوصل صواباً، أو أن يكون كلاهما محفوظ، وهذا ما يدل عليه عمل النقّاد(4)، كأبي حاتم (5)، والدارقطني (6)، وغيرهم، ومن تأمل الحديثين اللذين قال فيهما البخاري ذلك، تبيّن له انطباق هذا المعنى عليهما (7).
أما السيوطي فله فهم آخر لمصطلح التجويد عند النقّاد، فيقول بعد أن تكلم عن تدليس التسوية: "والقدماء يسمّونه تجويداً، فيقولون: جوّده فلان، أي ذكر من فيه من الأجواد، وحذف غيرهم" (8)، لكن الأحاديث التي قال فيها النقّاد ذلك لا تساعد على هذا الفهم، والله أعلم.
خطة البحث:
أما عن خطة البحث فقد جعلتها في مقدمة، وتمهيد، وثلاثة فصول، وخاتمة، ثم أتبعتها بفهرس الرواة المترجمين، والمصادر والمراجع.
المقدمة، وتشمل: التعريف بالدراسة وأهدافها، ومنهج البحث فيها، وأسباب اختيار الموضوع، والصعوبات التي واجهتني في البحث، ثم الدراسات السابقة، ثم خطة البحث.
التمهيد، وجعلته في ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: الإمام البخاري، واهتمامه بالحديث الصحيح.
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: ترجمة الإمام البخاري بإيجاز.
المطلب الثاني: اهتمام الإمام البخاري بالحديث الصحيح.
المطلب الثالث: شروط الحديث الصحيح عند الإمام البخاري في الجامع الصحيح
المطلب الرابع: منهج الاختصار في الجامع الصحيح.
المبحث الثاني: بين تصحيح الأحاديث، والترجيح بين رواياتها.
وفيه مطلبان، هما:
المطلب الأول: مفهوم تصحيح الحديث، واللفظ الدال على ذلك.
المطلب الثاني: مفهوم الترجيح بين الروايات، والألفاظ الدالة على ذلك.
المبحث الثالث: ما صححه البخاري، وتجاذبت تصحيحه احتمالات الترجيح والتصحيح.
وفيه مطلبان، هما:
المطلب الأول: حديث حمل بن مالك في المرأتين اللتين قتلت إحداهما الأخرى.
المطلب الثاني: حديث ابن عباس في تنفّل النبي –صلى الله عليه وسلم- سيفه ذا الفقار يوم بدر.
الفصل الأول
الأحاديث التي صرّح الإمام البخاري بتصحيحها
ولم يخرّج ما يغني عنها في الجامع الصحيح.
وفيه أحد عشر مبحثاً، تم ترتيبها حسب موضوعاتها، بداية بما يخص العبادات، ثم الأطعمة، ثم الفضائل، ثم الفتن.
المبحث الأول: حديث أبي هريرة "هو الطَّهور ماؤه".
المبحث الثاني: حديث عائشة: "كان –صلى الله عليه وسلم- يذكر الله على كل أحايينه".
المبحث الثالث: حديث عبد الله بن عمرو في مسّ الذكر.
المبحث الرابع: حديث بُسْرة بنت صفوان في مسّ الذكر.
المبحث الخامس: حديث عمار في إقصار الخطب.
المبحث السادس: حديث النعمان في القراءة في الجمعة والعيدين.
المبحث السابع: حديث عبد الله بن عمرو في التكبير في العيدين.
المبحث الثامن: حديث عمرو بن عوف في التكبير في العيدين.
المبحث التاسع: حديث جابر بن عبد الله في أكل الضَّبُع.
المبحث العاشر: حديث ابن عمر في فضل الصبر على شدة المدينة.
المبحث الحادي عشر: حديث فاطمة بنت قيس في الجسّاسة.
الفصل الثاني
الأحاديث التي صرّح الإمام البخاري بتصحيحها،
وقد خرّج ما يغني عنها في الجامع الصحيح.
وفيه عشرة مباحث، قدّمت المباحث الستة الأولى متتابعة؛ لأن البخاري ساقها للاستدلال بها على مشروعية رفع اليدين في الدعاء، ثم أتبعتها بالمباحث الأخرى.
المبحث الأول: حديث أنس في استسقاء النبي –صلى الله عليه وسلم- في خطبة الجمعة.
المبحث الثاني: حديث أنس في رفع اليدين في الاستسقاء.
المبحث الثالث: حديث أبي هريرة في الرجل يطيل السفر، يمد يديه إلى السماء.
المبحث الرابع: حديث دعاء النبي –صلى الله عليه وسلم- عند أحجار الزيت باسطاً كفيه.
المبحث الخامس: حديث عائشة في دعاء النبي –صلى الله عليه وسلم- لعثمان.
المبحث السادس: حديث علي "اللهم عليك بالوليد".
المبحث السابع: حديث أبي هريرة "أكثر عذاب القبر من البول".
المبحث الثامن: حديث عوف بن مالك وخالد بن الوليد في عدم تخميس السَّلَب.
المبحث التاسع: حديث أبي هريرة "إن المرأة لتأخذ للقوم".
المبحث العاشر: حديث الصُّنابح "أنا فرطكم على الحوض".
الفصل الثالث
الأحاديث التي صرّح الإمام البخاري بتصحيحها؛
كي يستدل بزيادة زادها بعض الرواة.
وفيه أربعة مباحث، وهي:
المبحث الأول: حديث أبي هريرة "اللهم اهد دوساً".
المبحث الثاني: حديث عائشة "إنما أنا بشر".
المبحث الثالث: حديث جابر بن عبد الله "وليديه فاغفر".
المبحث الرابع: حديث عائشة "بُعثت لأهل البقيع؛ لأصلي عليهم".
الخاتمة: وفيها أهم النتائج والتوصيات.
ثم ذيّلت البحث بعدد من الفهارس، هي:
1- فهرس الرواة المترجمين.
2- فهرس المصادر.
3- فهرس المراجع.
4- فهرس الرسائل الجامعية.
وبعد، فإن النقص من سمات البشر، فما أصبت فيه فهو توفيق من الله –عز وجل- وما أخطأت فيه؛ فبسبب قصوري في العلم، وقلّة خبرتي بخباياه وأسراره، وخصوصية الإمام البخاري ومنهجه.
لذلك أطلب ممن يطّلع على هذا البحث أن يستغفر لكاتبه، ويصلح خطأه، والله من وراء القصد، والحمد لله رب العالمين.
الباحث
علي صالح علي مصطفى
جمادى الأولى 1423 هـ
تموز 2003 م
خــاتـمــــــــة
أ- أهم النتائج:
يمكن في نهاية هذا البحث تسجيل أهم النتائج التي تبيّنت، وهي:
(1) برع الإمام البخاري في جعل كتابه جامعاً لأبواب الدين ومختصراً لا يخرّج جميع ما صح عنده في الباب الواحد؛ إذ أن جميع الأحاديث التي صححها ولم يخرّج ما يغني عنها في الجامع الصحيح لا ترتقي إلى شرطه الذي عُرف به في جمع أحاديث كتابه الجامع إلا أن هناك حديثين يمكن أن يستدركا عليه لكونهما على شرطه، وهما حديث فاطمة بنت قيس في الجسّاسة، وحديث بُسْرة بنت صفوان في مسّ الذكر، وقد يكون له رأياً في عدم تخريجهما في الصحيح كما سبق بيانه.
(2) حافظ الإمام البخاري على اشتراط ثبوت اللقاء للحكم باتصال الرواية في الأحاديث التي صححها خارج الصحيح كما هو الحال في أحاديث الجامع الصحيح.
(3) قد يعرض الإمام البخاري عن الاحتجاج براوٍ لكونه قليل الحديث وإن كان ثقة، فلا يخرّج له في أصول الجامع الصحيح، ولكنه يصحح حديثه خارج الجامع؛ مما يدل على أن درجة رجال الجامع الصحيح أعلى من درجة من صحح لهم البخاري ولم يحتج بهم في الجامع الصحيح، وإن اشتركا في الثقة، وبناءً عليه فالأحاديث التي خرجها البخاري في الجامع الصحيح أقوى مما صححه خارجه.
(4) الحديث الصحيح عند البخاري هو الحديث المقبول الصالح للاحتجاج به سواء كان في أعلى درجات الصحة أم في أدناها، فهو يشمل (الصحيح لذاته، والصحيح لغيره، والحسن لذاته، والحسن لغيره)، وبذلك يتبيّن الفرق بين هذا الاصطلاح وبين ما استقر عليه الاصطلاح بعد عصر الرواية.
(5) أسلوب تصحيح الحديث بشواهده ظاهر بشدة في كثير من الأحاديث التي صححها البخاري خارج الصحيح.
(6) صحح البخاري أحاديث فيها رواة قد احتج بهم في الجامع الصحيح، ولكن ليس بهذه الكيفية ولا على هذا النسق من صورة الاجتماع، ولم أجد من طعن في هذه الصورة من الرواية بحق هؤلاء الرواة؛ مما يدل على أن الاهتمام بمراعاة صورة الاجتماع في رواة البخاري خاص فيما إذا تُكُلّم في الراوي إذا حدّث عن غير ذلك الشيخ.
(7) يعتني الإمام البخاري عند الاستدلال بحديث ما في كتبه الأخرى بأسانيد ومتون جديدة ليست مخرّجة عنده في الجامع، وإن كانت أقل قوة، مثل حديث أنس في الاستسقاء، وغيره.
(8) تبيّن أن البخاري له منهجان في تصحيح الأحاديث:
المنهج الأول: قائم على شدة التحرّي في انتقاء الرجال، واختيار الأحاديث الخالية من العلل، وقد سلكه في أحاديث الجامع الصحيح.
المنهج الثاني: سلكه في التصحيح خارج الجامع الصحيح، وهو أقل تحرّياً في انتقاء الرجال، وهو يقوم على التصحيح بالشواهد، ويتسم بتوثيق رجال ضعّفهم عدد من النقّاد، ويتجلى هذا في كثير من الأحاديث، وخاصة حديث التكبير في العيدين من رواية كثير والطائفي.
وهذا المنهج الذي سلكه البخاري خارج الجامع الصحيح يشبه إلى حد بعيد منهج الترمذي في السنن، فلا يبعد أن يكون الترمذي قد أخذه عن شيخه البخاري.
(9) إذا لم يخرّج البخاري حديثاً في باب معين، فلا يعني ذلك أن جميع الأحاديث الواردة في هذا الباب ضعيفة عنده، وإنما أقصى ما يمكن أن يقال إنه لم يصح منها حديث على شرط كتاب الجامع الصحيح، وقد يكون بعضها صحيحاً في نقد البخاري كما هو الحال في مجموعة كبيرة من أحاديث هذه الدراسة.
ب- التوصيات:
1. كنت قد جمعت الأحاديث التي حسّنها البخاري، لدراستها، والخروج بمفهوم الحديث الحسن عنده ، لكن سعة المادة العلمية وضيق الوقت حالا دون ذلك؛ فحبذا لو تصدّى بعض أهل العلم لذلك؛ كي يتبيّن مدى الاتفاق والاختلاف بين مصطلحات عصر الرواية، وما استقر عليه المصطلح بعد ذلك.
2. حبذا لو جمعت الأحاديث التي صححها أئمة النقد في عصر الرواية كأبي حاتم وأبي زُرعة، وغيرهما؛ للوقوف على مناهجهم في تصحيح الأحاديث، ومقارنة ذلك بما استقر بعد عصرهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق