الاثنين، 1 فبراير 2016

الدور العقدي في السياسة الايرانية

المبحث الخامس
آليات إيران لتحقيق مصالحها وأهدافها القومية بالمنطقة العربية
تستغل إيران المزج والتنوع في استخدام العديد من الآليات السياسية، والاقتصادية، والإستخبارية، والعسكرية، والعقدية، لتحقيق مصالح وأهداف أمنها القومي، مع ارتباط ذلك بأسبقيات وأهمية هذه المصالح والأهداف وطبيعة البيئة الدولية والإقليمية المحيطة، وتتعامل إيران مع دول منطقة الخليج بالمزج بين السياسيتين العسكرية والنفطية والدور العقدي، بينما تمزج بين السياستين الخارجية والعسكرية عند تعاملها مع دول منطقة بحر قزوين وآسيا الوسطى، في حين أنها تعتمد السياسة الإعلامية وأجهزة الإستخبارات لمواجهة تهديدات الأمن الداخلي، مع عدم إغفالها لباقي الآليات والوسائل الأخرى.
أولاً: السياسة الخارجية الإيرانية
1. لا تختلف الجمهورية الإسلامية الإيرانية كثيراً عن الدول الأخرى بشأن اتباعها لسياسة خارجية تضمن لها تحقيق مصالح أمنها القومي، إلا أنها تنفرد في تعاملها الخارجي عن أي دولة أخرى بوجود تناقضات عدة، من أهمها سعيها إلى حماية استقلالها الذي يتسم في إيران بحساسية خاصة، مع المطالبة بالتعامل بالمثل وتقدير تاريخها الحضاري واحترام شؤونها الداخلية، في حين أن سلوكها الخارجي لتحقيق هذه المصالح، يعبر عن استعلائها وتمسكها بأيديولوجية دينية مذهبية، وإصرارها على التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى من خلال دعمها للأقليات الشيعية في هذه الدول وللحركات والتنظيمات الإسلامية المعارضة، وفي الوقت نفسه تحمل سياسة عداء ضد بعض القوى الإقليمية والدولية التي كان لها علاقات وثيقة بشاه إيران، وتمارس سياسة الهيمنة وفرض الأمر الواقع عندما تحين الفرصة.
2. جعلت السياسة الإيرانية مبدأ تصدير الثورة هدفاً حيوياً ومصيرياً، سواء على البعد العقدي أو البعد المتعلق بمصلحة النظام, ووضعت له إستراتيجية خاصة لها وسياسات تستند إلى مصادر وإمكانات وطاقات لتنفيذها.
3. ولعل هذا الامر هو الذي يفسر علاقة إيران الاستراتيجية مع حركة المقاومة الاسلامية حماس في فلسطين التي تختلف مذهبياً مع إيران، حيث إن هذه العلاقة تكتسب طابعاً تسويقياً عند الجانب الإيراني الذي يحاول من خلالها النفاذ إلى مشاعر ووجدان الشعوب العربية والاسلامية، وذلك بما تمثله القضية الفلسطينية من معنى عند هذه الشعوب.
4. السياسة الخارجية الإيرانية قد تتقاطع في أكثر من مكان، مما يؤكد ذلك دعوة الرئيس الإيراني السابق "محمد خاتمي" إلى إقامة مشروع "الشرق الأوسط الإسلامي الكبير" القائم على الديمقراطية والتطور والتنمية واحترام كرامة شعوب المنطقة التي تريد أن تكون بلدانها مستقلة وديمقراطية وتسودها قيم المعنويات الدينية التي تناسب العصر, مشيراً إلى أن شعوب الشرق الأوسط "عانت من حكومات مستبدة تابعة للغرب، ومن حركات متطرفة تريد باسم الإسلام أن تفرض التخلف والفتن".
5. السياسة الخارجية الإيرانية الإسلامية تقوم على أساس رفض أي نوع من أنواع التسلط والخضوع، والحفاظ على الاستقلال التام لوحدة أراضي البلاد، والدفاع عن حقوق المسلمين كافة، وعدم الانحياز للقوى المتسلطة، وتؤكد على منع إبرام أية معاهدة تفضي إلى السيطرة الأجنبية على الثروات الاقتصادية، وتشديدها على التحرر الاقتصادي من خلال منع الأجانب من تأسيس شركات أو مؤسسات في قطاع التجارة والصناعة، وهناك بعض المواد في الدستور تمنع إقامة قواعد عسكرية أجنبية، ولو كان هدفها للأغراض السلمية.
6. إن الفلسفة العامة التي تقوم عليها السياسة الخارجية، التي وضع إطارها الإمام الخمينى هي تقسيم العالم إلى قسمين (المستكبرين والمستضعفين)، ومن ثم لا يتوقف دور الدولة الإسلامية عند حماية دار الإسلام أو الأقليم الإسلامي فحسب، وإنما يشمل الإسهام في توحيد صفوف كل المناوئين للظلم والهيمنة العالمية في الدول الإسلامية أو غيرها أيضاً، مع إعطاء أولوية خاصة للمحيط الإسلامي للوقوف ضد المستبكرين بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، وتتمسك إيران بمبدأ هو "في الدبلوماسية يجب أن تتحدث بنعومة دائماً، بينما تحمل عصا كبيرة".
وفقاً لما تقدم فإن إيران تتجه إلى:
أ. بناء تحالفات مع القوى المناوئه لقوى الإستكبار والمناصرة للمستضعفين على غرار بناء تحالف المقاومة والممانعة في منطقة الشرق الأوسط، والتعاون مع القوى المناهضة للولايات المتحدة الأمريكية في أمريكا اللاتينية خاصة فنزويلا.
ب. بناء مصالح مع القوى الدولية والأطراف الإقليمية، سواء لحشد التأييد لمصالحها وأهدافها، أو لتشكيل مراكز ارتكاز لتهديد المشروعات التي تستهدف أمنها وإحباطها، وذلك على غرار تحالفها مع روسيا والصين للحد من المواقف الدولية التي تستهدفها، والتقارب مع الدول الأفريقية في المناطق الحيوية وذات الأهمية الإستراتيجية، مثل دول شرق أفريقيا وخاصة إريتريا.
ج. تشكيل مراكز ارتكاز تحيط بالمنطقة لاستخدامها في إضعاف الأطراف العربية الفاعلة، مثال حزب الله في المشرق، وحماس في الحدود مع مصر، والحوثيين في اليمن، وزيادة الوجود في أفغانستان، والحزام الإسلامي الأفريقي (مبدأ الإختراق من الأبواب الخلفية).
د. تأسيس تنظيمات تحت شعار التعاون مع المستضعفين والتبشير لدعم الأنشطة الإيرانية (صندوق الشهيد).
هـ. محاولة بناء منظمة شمال غرب آسيا لتكون تركيا وإيران النواه الأساسية لها، تصريحات الرئيس "أحمدى نجاد" خلال زيارة رئيس الوزراء التركي لطهران عام 2009. ويمكن توسيعها لتشمل سورية والعراق.
و. استخدام المنظمات الإقليمية، منظمة المؤتمر الإسلامي، ومجموعة شنغهاى، ومجموعة التعاون الاقتصادى أيكو،  أدواتٍ لتحقيق مصالحها وأهدافها.
ثانياً: السياسة النفطية الإيرانية
تتيح الإمكانات النفطية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، الفرصة في استخدام ثروتها من الطاقة في تحقيق أمنها القومي ومصالحها وأهدافها، من خلال سياسة نفطية ثلاثية الأبعاد، فهي إما أنها تعتمد على ثروتها من النفط والغاز في التقارب مع الدول وإقامة علاقات إستراتيجية معها، وإما من خلال إغراء الدول واستمالتهما بتوفير احتياجاتهما من النفط أو الغاز، شرط مساعدتها في تحقيق مصالحها الحيوية الأمنية، وإما بالتهديد بقطع الإمدادات النفطية أو الغاز الطبيعى عن بعض الدول أو خفض الإنتاج، وهو أمر يُطلق عليه أحياناً "دبلوماسية النفط".
تستند إيران في إستراتيجيتها على استخدام إمكاناتها الاقتصادية في تمويل القوى المرتبطة بها سياسياً وأيديولوجياً، أو حتى عملائها في المنطقة العربية‏,‏ لتحقيق مطامحها وإعادة ترتيب النظم السياسية، وبنظرة سريعة على الوضع الراهن للإمكانات الاقتصادية الإيرانية في ظل الارتفاع السريع لأسعار النفط وزيادة عوائدها من صادراتها منه‏,‏ نجد أن ناتجها المحلي الإجمالي قد ارتفع من ‏196.3‏ مليار دولار عام ‏2006,‏ إلى ‏272.5‏ مليار دولار عام ‏2010.‏
استخدمت إيران النفط في الحوار السياسي والإعلامي الدائر حول قضية فلسطين؛ تدعيماً لوجودها الفعَّال في المنطقة، ولكسب التأييد السياسي من الشعوب العربية، على الرغم مما في ذلك من إحراج للدول العربية النفطية، فقد قال: "آية الله خامنئي": "إنني أدعو الدول العربية والإسلامية بقطع النفط عن إسرائيل والدول التي لها علاقات مع النظام الصهيوني، ولو لمدة شهر واحد كدعم للشعب الفلسطيني". وداخلياً استفادت من دخل النفط قوة محركة لكثير من الوحدات الإنتاجية، والبنية التحتية، والتوسع في الصناعة، وأنشأت معملين جديدين للتكرير في "بندر عباس" بطاقة 240 ألف برميل/ يوم، وفي "أراك" بطاقة 170 ألف برميل/ يوم، فضلاً عن زيادة إنتاج الغاز واستهلاكه في المشروعات والخدمة العامة. وقد أسهم ارتفاع أسعار النفط، التي قفزت إلى ما يقرب من 100 دولار للبرميل، في دعم السياسة الإيرانية.
وخطت إيران خطوة أوسع في مجال استخدام النفط لإصلاح سياستها الخارجية ودعم هذه السياسة، حيث كانت تحرص دائماً على الضغط سلبًا وإيجابًا بسلاح النفط للخروج من عزلتها السياسية، مع كسر الحصار الاقتصادي الأمريكي عليها من خلال دفع الشركات العالمية، ومن بينها الشركات الأمريكية إلى الإستثمار في قطاع الطاقة الإيرانية، إضافة إلى التلويح بسلاح النفط في وجه من يقفون ضد مساعيها النووية. ومن جانب غير مباشر نجد أن مبيعات النفط، توفر لإيران عملة صعبة تستطيع من خلالها شراء التقنيات العسكرية وأنظمة التسليح المتطورة، ولتحقيق مكاسب سياسية مثل اتفاقها النفطي مع روسيا الاتحادية الذي جعل لها حليفًا سياسيًا قويًا يصمد أمام الضغوط الأمريكية لصالح إيران.
استخدمت إيران النفط لتنفيذ إستراتيجية سياسية خاصة بها في المنطقة العربية مثل اتفاقاتها النفطية مع كل من سورية ولبنان، وفضلاً عن ذلك استخدمت النفط لتوثيق سياستها الخارجية تجاه الدول المختلفة، مثل اتفاقها النفطي مع تركيا ومع الهند أيضًا، بل عملت على تحقيق المصالحة مع بعض الدول التي توترت علاقاتها معها من خلال النفط، مثل اتفاقها النفطي مع باكستان ومع أرمينيا، وما يعكسه ذلك من مصالح الأمن القومى الإيرانى.
ثالثاً: العقيدة الدينية (الدور العقدي)
لا شك أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي نجحت ثورتها باسم الدين، تزرع لها جذوراً في كل أرض تنبت فيها بذور التشيع، والتى أكدتها تصريحات "هاشمي رافسنجاني" الرئيس الإيراني الأسبق، "إننا بصفتنا دولة شيعية، نساعد الشيعة في كل مكان حتى لو كانوا حزباً أو أقلية برلمانية، لقد أصبح للشيعة مركز الآن في إيران بعد قيام الثورة الإسلامية وإقرار نظام ولاية الفقيه في الحكم، وأن الشيعة قوة إسلامية كبيرة، وهم أكثر الفرق الإسلامية اعتدالاً، لذلك فسوف تجد لها مكاناً بين المناضلين في المستقبل".
أكد الرئيس الإيراني السابق "محمد خاتمى" في زياراته ومباحثاته الخارجية ذلك البعد العقدي، في حين تعامل الرئيس "أحمدي نجاد" مع الموضوع بطريقة مباشرة، عندما التقى بزعماء حزب الله اللبناني وحركة أمل اللبنانية وحركتي حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينية أثناء زيارته الرسمية إلى سورية، عام 2006، وأكد مساندة إيران غير المشروطة للدور الوطنى الذي تقوم به هذه الحركات والمنظمات الإسلامية، وبصفة خاصة الشيعية في مواجهة الضغوط الأجنبية ومواصلة المقاومة والكفاح ضد الكيان الصهيوني.
تقوم محركات السياسة الفارسية في الخليج العربي على عدة أبعاد في السياسة الإيرانية، وهي البعد الإستراتيجي العقدي والتاريخي والبعد المصلحي، ويؤكد ذلك أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية اليوم دولة ذات مشروع عالمي تبشيري، يمتد من أمريكا اللاتينية إلى الشرق الأقصى، لكن عينها الدائبة مصوبة إلى قلب الجغرافية الإسلامية (شبه الجزيرة العربية)، ويمكن فهم الخط العام للسياسة الإيرانية الماضية واللاحقة لهذه المنطقة الحيوية من العالم من خطاب رئيس الوزراء الفارسي "حلنجي ميرزا" لوزير الخارجية البريطاني آنذاك "جورج هاملتون"، عندما اعترضت فارس رسمياً، عام 1822، على عقد بريطانيا سلسلة اتفاقيات مع شيوخ البحرين آنذاك، ومثلهم الشيخ "خليفة بن سلمان آل خليفة"، على أن البحرين تابعة لفارس، وعليه طالبت الحكومة البريطانية بنفوذها السياسي على البحرين، فرد وزير الخارجية البريطاني بنفي أي أحقية لإيران على الأرخبيل، بل على الخليج كله، فأجابه حلنجي بمذكرة تُعد مفتاح فهم السياسة الإيرانية في المنطقة، قائلاً: "إن الشعور السائد لدى جميع الحكومات الفارسية المتعاقبة أن الخليج الفارسي من بداية شط العرب إلى مسقط، بجميع جزره وموانئه بدون استثناء، ينتهي إلى فارس، بدليل أنه خليج فارسي وليس عربياً".
ترى إيران أن لها دوراً محورياً اليوم في "ملء فراغ" ساحة الخليج العربي سياسياً وعسكرياً، لكنها تختلف عن غيرها بامتلاكها مشروعاً عقدياً عالمياً، يحمل تفويضاً أخلاقياً يسمح لها بالتمدد الجغرافي أكثر من أي وقت مضى، خاصة بعد سقوط حاجز صد "صدام حسين" العروبي البعثي.
منذ 1979، وإعلان إيران نفسها دولة شيعية وفق المذهب الجعفري، ومنذ ذلك الحين، وهي تعمل بلا كلل ولا ملل على نشر التشيع في العالم، ولا سيما الأقطار العربية. وقد نجحت في ذلك، واستطاعت التمدد حتى في الفضاء الأكاديمي سواء في البلاد الاسلامية العربية وغير العربية، أو بين الأقليات المسلمة في العالم بما في ذلك القوقاز والبلقان، بما يزيد عن كونه ظاهرة إلى ما يشبه الحالة.
التوجه الفارسي المنظم الذي تسلكه الأنظمة الإيرانية ليس وليد اللحظة، بل يمتد بجذوره إلى العمق التاريخي نتيجة جوار الفرس للعرب جغرافياً، لهذا نجد حكام الفرس منذ زمن بعيد في صراع دائم معهم بهدف السيطرة عليهم وعلى شعوبهم ومقدراتهم، ويذهب حكام فارس في اتجاههم العدائي إلى ابعد الحدود في استغلال الإسلام وتوظيفه لمصالحهم ونواياهم العنصرية التوسعية.
كما يسعى حكام الفرس إلى ضرب أي وحدة وطنية في أي قطر عربي او وحدة قومية في الوطن العربي، وهم في سعيهم لفك عُرى تلك الوحدة المصيرية، وقد شاهد الجميع اثناء الحرب العراقية ـ الإيرانية في الثمانينيات كيف أن النظام الإيراني أخذ يتلاعب بعواطف ومشاعر الشيعة في الكويت ودول الخليج العربي والعراق، ودفعهم إلى الدفاع عن إيران ومواقفها السياسية، وضرب المصالح الاقتصادية الكويتية والخليجية والعراقية. فإيران دفعت المواطن العربي الشيعي أن يقدم الولاء لدولة أجنبية ويقف ضد وطنه وأبناء بلده عبر شحن النفوس بالمذهبية الضيقة والطائفية، وهذه الأساليب ينتهجها حكام الفرس بهدف إثارة المتاعب والقلاقل والاضطرابات في الدول العربية خاصة المجاورة لها.
يمكن تفصيل استثمار إيران البعد العقدي والمذهب الشيعي لتحقيق مصالحها وأهدافها بالمنطقة، من خلال دعمها للشيعة في دول المنطقة كالآتي:
1. البحرين
مزاعم كثير من السياسيين والإعلاميين الإيرانيين بأن البحرين هي إحدى المحافظات الإيرانية، وينبغى ضمها بالقوة إلى إيران، وهو ما عكسته المظاهرات التي قامت بها جماهير الشيعة في البحرين بتحريض من إيران، واكتشاف أكثر من مؤامرة تخريبية استهدفت قلب نظام الحكم، كان آخرها الخلية المسلحة التي كشف عنها وزير الداخلية البحرينى، في بداية عام 2009، والإشارة إلى تدريب أعضائها في سورية. والجدير بالذكر ان النصيب الأكبر من الاعتقالات كان من نصيب الشيعة العرب البحرانيين المغرر بهم، بعد هروب قياداتهم، وبمرور الوقت أخذ الشيعة العجم أهم الأدوار في المناصب المنتخبة، والمجالس البلدية خير شاهد على ذلك. فعندما طرح التصويت في البرلمان البحرينى، في نوفمبر 2008، لإصدار بيان يؤيد الموقف السعودي في القضاء على الحوثيين الذين تسللوا إلى أراضيها من اليمن، عارض 17 نائباً من جبهة الوفاق الشيعية إصدار هذا البيان لأنه سيغضب إيران. وتتهم البحرين إيران بأنها وراء القلاقل والمعارضة ضد النظام في عامي 2011 و2012.
2. الكويت
برزت منذ ثمانينيات القرن الماضى عدة تنظيمات شيعية تابعة لإيران في الكويت، منها طلائع تغيير نظام الجمهورية الكويتية، وتنظيم الجهاد الإسلامى، وصوت الشعب الكويتى الحر، تضم عناصر شيعية كويتية جندوا  خلال دراستهم في الحوزة العلمية في قم بإيران. وفى عام 1983، قام حزب الله الكويتى باختطاف طائرة على متنها 500 راكب، وتوجه بها الخاطفون إلى مطار مشهد في إيران، وقُتل بعض ركابها، مع مشاركة الحزب في محاولة اغتيال أمير الكويت والتفجيرات التي وقعت في المناطق السكنية بالكويت عام 1986، رداً على مساندة الكويت للعراق في حربها ضد إيران. وفى عام 2008، وعقب اغتيال مسؤول الاستخبارات والعمليات في حزب الله اللبنانى "عماد مغنية"، أقام حزب الله الكويتى مراسم عزاء ضخمة هاجم خلالها النواب الشيعة في البرلمان وزير الداخلية وهددوا بإستجوابه، لأنه وصف "عماد مغنية" بالإرهابى، نظراً لمسؤوليته عن قتل عدد من الكويتيين في حادث اختطاف الطائرة ومحاولة إغتيال أمير الدولة.
3. المملكة العربية السعودية
قدمت إيران دعماً ومساندة مالية وتسليحية إلى جماعة الحوثي الإنفصالية في اليمن عام 2010، ودفعتهم إلى التسلل إلى جنوب السعودية في محافظة جيزان للقيام بأعمال تخريبية ضد قوات حرس الحدود هناك، ما أدى إلى مقتل وإصابة عشرات من الجنود والسكان السعوديين، وإضطرت على أثره السعودية إلى استخدام قواتها الجوية والبرية الخاصة لمطاردة وقتل المتسللين الحوثيين، ودفعهم إلى الإنسحاب إلى داخل الأراضي اليمنية، وهو ما أدانته إيران ورفضت تدخل القوات السعودية لتطهير أراضيها من المتسللين، بل وحذرت من تدخلها بين الإنفصاليين الحوثيين والحكومة اليمنية.
وفي 25 مارس 2011، شهدت محافظة الأحساء، شرق المملكة العربية السعودية، مظاهرة شارك فيها المئات بعد ظهر الجمعة، ضمن ما عُرف بيوم الغضب للمطالبة بإطلاق سراح عدد من السجناء الشيعة وسحب القوات السعودية من البحرين، حيث إن الشيعة في المملكة العربية السعودية لا يمثلون أكثر من 5% من مجموع السكان ولديهم منطقتهم المعزولة اجتماعياً شرق السعودية (القطيف)، وهم مع ذلك ليسوا كتلةً واحدة فهم منقسمون مذهبياً، فشيعة الأحساء غير شيعة القطيف، كما أن هناك اختلاف بينهم في المراجع التي يقلدونها وتنوع في الإنتماء الحزبي.
وعلى الرغم من ذلك تصر إيران على إرسال رسالة مفادها أنها موجودة على الحدود الجنوبية السعودية بالإضافة إلى استعراض جماهيريتها الشيعية في الشرق الأوسط فضلاً عن جذب المملكة العربية السعودية إلى الصراع اليمنى.
4. اليمن
الحوثيون هم النسخة المتطرفة لطائفة الزيدية اليمنية، وأقرب من الناحية العقدية للمذهب الشيعي، وبذلك اقتربوا أكثر من الأمامية الجعفرية الإثني عشرية، وهو على نفس منهج الخوميني في إقامة ولاية الفقيه، ويرفضون الإرتباط بأهل السنة، وقد وجدت إيران في هذه الفئة الانفصالية، والأقرب إلى عقيدتها الشيعية فرصة لتدعيمها من أجل إثارة القلاقل في اليمن والتي تعانى من مشكلات سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية، لتتمكن من فرض نفوذها على اليمن، ومن خلال النفوذ والوجود الإيرانى في اليمن ـ خاصة في شماله ـ يمكن تطويق السعودية وتهديدها في منطقتها الجنوبية بمحافظات جيزان ونجران.
في الأول من أغسطس 2012، أعلن ضبط خلية تجسس إيرانية بدأت نشاطها، منذ عام 2005، بالتنسيق مع الزعيم الجنوبي السابق "علي سالم البيض"، وكانت تخطط لتجنيد ثلاثين ألف شخص لأحداث فوضي وتفتيت في اليمن لضرب المصالح اليمنية والخليجية، والسيطرة على مضيق باب المندب، وتعريض الملاحة الدولية للخطر عند الحاجة إلى ذلك، وأفادت المعلومات أن عناصر الخلية تلقت تدريبات مكثفة في لبنان، على يد مدربين من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله.
5. سلطنة عمان
يوجد كثير من الشيعة بين سكان المدن العمانية، وينقسم الشيعة في عمان إلى ثلاث جماعات كبيرة، يمكن تناولها كالاتي:
أ. الشيعة اللواتية: تتسم هذه الجماعة بتعدادها الكبير، وهم من أثرى طبقات المجتمع العماني، ويتولون كثيراً من المناصب الحكومية، كما أن كبار التجار من اللواتية أيضاً.
ب. الشيعة البحرينيون: يمثلون أقل الجماعات الشيعية في عمان، ولكنهم نظرًا لشهرة تجارتهم فإنهم يتمتعون بمكانة طيبة مثل الشيعة اللواتية، وكان أول سفير لعمان في الولايات المتحدة الأمريكية من الشيعة البحرينيين.
ج. الشيعة العجم: وهم مجموعة من الشيعة وفدوا من إيران إلى هذه البلاد، ويُطلق على هؤلاء الأفراد العجم، حيث ترجع جذورهم إلى أصول إيرانية، ومن المؤكد أن قرب السواحل الإيرانية والعمانية قد سهل الهجرة المتبادلة إلى كلا البلدين، والعجم الذين يعيشون في منطقة عمان وسواحل الخليج الفارسي الجنوبية هم أهل حضارة وثقافات عدة، والشيعة العجم لهم الآن مساجدهم الخاصة بهم والمؤسسات الخيرية مثل صناديق القرض الحسن ومساعدة الآيتام وأبناء السبيل وإدارة الأوقاف الجعفرية، وقد أصبحوا الآن إحدى أهم قبائل الشيعة في عمان ومنهم مسؤولون يتولون المناصب الحكومية.
ولما كان المسلمون الشيعة قلوبهم عامرة بالإيمان والولاء والحب الطهور لآل البيت النبوي الشريف، أخدت الحكومات الإيرانية المتعاقبة، ومن ضمنها حكومة رجال الدين الحالية تستغل هذه المشاعر الإيمانية الطيبة وتوظفها لأغراضها وأهدافها الفارسية الشعوبية العنصرية، وسياساتها ذات المردود العنصري من حيث لا يدري الشيعة العاديون، ويحاول حُكام الفرس أن يدفعوا شيعة العرب إلى الثورة على حكوماتهم الوطنية بهدف إيقاع الضرر والأذى في بلدانهم، ولزرع الفتن والتناحر وإشعال الأحقاد والحروب الأهلية في المجتمعات العربية في هذا البلد أو تلك الدولة ليكون لإيران موطئ قدم في تلك الأوطان.
رابعاً: السياسة الإعلامية الإيرانية
بعد قيام الثورة الإسلامية بثلاثة شهور غُير اسم وزارة "الإعلام والسياحة" إلى وزارة "الإرشاد القومى"، ثم فيما بعد إلى "وزارة الإرشاد والثقافة الإسلامية"، وهو ما يشير إلى تركيزها على الثقافة الإسلامية وتوجيه الرأى العام وفق قيم هذه الثقافة من وجهة نظر القائمين عليها. وينص الدستور الإيرانى على تأمين حرية النشر والإعلام وفقاً للمعايير الإسلامية ومصالح الدولة الحيوية، ويقوم المرشد الأعلى بتعيين رئيس مؤسسة الإذاعة والتليفزيون وإقالته، ويشرف على عمل هذه المؤسسة مجلس مُؤلف من ممثلي رئيس الجمهورية ورئيس السلطة القضائية ومجلس الشورى الإسلامي، وتعمل السياسة الإعلامية الإيرانية على مناهضة التيارات المضادة للمبادئ الإسلامية الشيعية والفلسفات المعادية لولاية الفقية.
تتغير الخريطة الصحفية لإيران تغيراً مستمراً، حيث أغلقت صحف وسحبت تراخيصها، وظهرت صحف جديدة بدلاً منها، مثلما حدث في عامى 1998 – 1999، من خلال إغلاق حوالى 38 صحيفة ودورية، بهدف الحفاظ على الخطاب الإعلامي الذى تريده النخبة الدينية الحاكمة، وتجنب كل ما يمس الأمن القومى والقوات المسلحة وحرس الثورة الإسلامية والفقية ورجال الدين، والتمسك بثوابت عدة هي "زعامة إيران للإسلام"، وفارسية الخليج، والولايات المتحدة الأمريكية الشيطان الأعظم.
استخدام الوسائل الإعلامية (القوى الناعمة)، على غرار الحملات الدعائية التي استهدفت مصر في حرب إسرائيل على قطاع غزة، واتجاه المملكة العربية السعودية خلال التصدى للحوثيين، وبرز ذلك من خلال تخصيص البرلمان الإيرانى مبلغ عشرين مليون دولار لدعم التنظيمات المناوئة للوجود الأمريكي في المنطقة.
أحاديث الرئيس "محمود أحمدي" نجاد التصعيدية توحي بالمزيد من الدهشة، بسبب إصراره على المواجهة العسكرية، يرافقه في ذلك وزير الدفاع. وحتى اليوم فإن ما يُحصد من الجانب الإيراني يدور في هذه الحلقة المفرغة، تصريحات إعلامية واستعراضات عسكرية، مقابل وعود مترددة وطمأنة خجولة، وإيحاءات قد لا يُقصد منها إلا تعبئة الرأي العام العالمي ضد سياسات التصعيد وخيارات الضربة العسكرية، وصولاً إلى بناء الحد الأدنى من إمكانات التفاهم قبل الإقدام على العمل العسكري الحاسم، حيث إنها حرب باردة جديدة من نمط آخر، إذ إن الأطراف المتصارعة حول سجادة "البرنامج النووي" تستخدم كل أسلحتها الإعلامية حتى الآن.
يبرز هنا أن وسائل الإعلام الإيرانية أمام صعوبة تقسيم رسائلها إلى مستويين، الأول نحو الشعب الإيراني لإفهامه ضرورة السير في طريق مواجهة "الشيطان الأكبر" وطرده من الخليج، وربما حتى من العراق. ورسائل أخرى لطمأنة دول الجوار التي لا تخفي هلعها وخوفها من وجود ذلك السلاح بين ثناياها، واحتمالات استخدامه في أي مواجهة أو حدوث التسرب النووي جراء أي ضربة مباشرة لمواقع المفاعلات القريبة جداً من مياه الخليج، حيث استند الخطاب التصعيدي العراقي لتفعيل حشد داخلي وعربي من أجل تحويل المواجهة إلى معركة قومية شاملة، وكانت المراهنة تقف على منصة امتلاك الحق التاريخي والقومي في مواجهة الإمبريالية الأمريكية.
خامساً: منظومة الإستخبارات والأجهزة الأمنية
يُخَّول لأجهزة الأمن والإستخبارات في أى دولة دور مهم في صيانة الأمن القومى، من الناحيتين الإيجابية والسلبية، فهى من جانب تدعم متطلبات الأمن بتوفير الحماية له بالكشف المبكر عن مصادر التهديد وتقييمها، وكذلك بمكافحة التجسس وعمليات الإستخبارات المعادية.
ولأجهزة الإستخبارات والأمن دوران لتحقيق الأمن القومى الإيرانى، أحدهما إيجابى والآخر سلبى، فمن ناحية الدور الإيجابى نجدها تقوم بتنفيذ عمليات اغتيال ضد الشخصيات المعارضة في الداخل والخارج، أما الدور السلبى فهو أداء المهام التقليدية لمثل هذه الأجهزة في الدول الأخرى، مثل جمع المعلومات عن مصادر التهديد وتقييمها وإصدار تقارير بشأنها، ومكافحة التجسس، والقيام بعمليات تجسس.
أكثر الجاليات التي تتحرك بينهم المخابرات الإيرانية في تجنيد العملاء داخل الولايات المتحدة الأمريكية، هي الجاليات اللبنانية والعراقية والهندية والباكستانية وغيرهامن أبناء الخليج العربي الشيعة، من طلاب البعثات الدراسية والسياح، وغيرهم قبل أحداث 11 سبتمبر 2001، عندما كانوا يتحركون بعيداً عن الأنظار والشكوك، والمهاجرون من الدول العربية والإسلامية الذين تحولوا من المذهب السني الى الشيعي تحت تأثير غسيل المخ أو اغراءات المال، إضافة الى بقية أبناء الجاليات المسلمة بنسب متفاوتة.
بالنسبة للرعايا الإيرانيين، فالمخابرات الإيرانية من الطبيعي ألا تعتمد عليهم كثيراً، لأنها تعتقد أنهم يخضعون لمراقبة الأجهزة الامنية في الولايات المتحدة الأمريكية، ولهذا فهي تفضل الاستعانة بالعملاء الذين لاتتوجه اليهم الأنظار، ومن السهل جداً أن تحصل المخابرات الإيرانية على العملاء من الشيعة في كل مكان من العالم، بسبب الولاء الطائفي لها، فالعميل الشيعي عندما ينخرط في العمل لصالح إيران يعتقد أنه يقوم بالجهاد في سبيل الله والدفاع عن الإسلام والتشيع، ولهذا تجد الكثير من عملاء إيران يعملون لديها مجاناً طلباً للأجر والثواب من الله ودخول الجنة حسب اعتقادهم، وهؤلاء العملاء في منتهى الخطورة، لأنهم مندفعون بصورة تلقائية دينية تقوم على التعصب الطائفي الأعمى والحقد الديني على الآخر المغاير لهم في العقيدة.
سادساً: السياسة العسكرية الإيرانية
تعتبر السياسة العسكرية الإيرانية من أهم أدوات تحقيق الأمن القومى، وفى الوقت نفسه تمثل مرتكزاً أصيلاً له، حيث لا يلزم أن يجرى استخدام القوة العسكرية لمواجهة أى تهديد للمصالح الحيوية للدولة، بل يكفى أن تمتلك قوة عسكرية متفوقة تقنياً وكمياً، مع مصداقية وإرادة في استخدامها، لردع تهديدات الأمن القومى.
لذا فقد شهدت السياسة العسكرية خلال الفترة الأخيرة جهوداً مكثفة تجاه بناء القوات المسلحة وتطويرها، إلا أن هذه الجهود شهدت مزيداً من اهتمام القيادة الإيرانية على ضوء المتغيرات الإقليمية والدولية، ما أدى إلى تجاوز خطط التسليح الإيرانية وإحتياجات الدفاع الذاتى.
تعزيز مفاهيم إستراتيجية توازن الرعب، من خلال امتلاك قدرات عسكرية متفوقة، مع تنفيذ العديد من المناورات العسكرية (حماة سماء الولاية ـ الرسول الأعظم)، لتأكيد امتلاكها قدرات متعاظمة من الدفاع الجوى، وتعزيز القدرات البحرية الإيرانية في منطقة الخليج.
سابعاً: البرنامج النووى الإيرانى
اتجاه إيران لاعتماد مواقف أكثر تشدداً تجاه جهود تسوية ملفها النووى، بعد تولى "نجاد" للحكم، مثل: إستئناف بعض الأنشطة المتعلقة بتخصيب اليورانيوم بمجمع "أصفهان"، في أغسطس 2005، والاستمرار في مواصلة تطوير برنامجها النووي بالتوصل لدورة الوقود النووي، والإعلان عن نجاحها في تخصيب اليورانيوم بمعدلات من 3 - 5 % بمنشأة ناتانز، في أبريل 2006، لتأكيد حقها في امتلاك التكنولوجيا النووية رغم التحذيرات الأوروبية والأمريكية بإمكان تصعيد ملفها النووي داخل مجلس الأمن، إصدار قرارى مجلس الأمن الرقم 1696 و1737، بإدانة إيران وفرض عقوبات محددة تجاه برنامجيها النووى والصاروخى، وتجاهل إيران لتلك التهديدات والعقوبات المفروضة عليها واستمرار العقوبات الدولية بالقرارات الأرقام 1747 و1803 و1929، علاوة على العقوبات الأحادية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي (اُنظر جدول العقوبات الدولية المفروضة على إيران).
تؤكد إيران باستمرار أن سعيها لتطوير قدراتها النووية، على الرغم من العقوبات الدولية التي وقعت عليها والمصاعب التي تعترضها لتنفيذها أحد الآليات التي تستخدمها إيران من أجل تحقيق أهدافها بالمنطقة، هو لشعورها الدائم بتهديد خارجي، لم يتوقف منذ انتصار ثورتها عام 1979. وكان لحرب الخليج الأولى، التي ذاقت مرارتها، أكبر أثر في ترسيخ هذا الشعور، وتدفع التهديدات الإسرائيلية المستمرة بضرب البرنامج النووي الإيراني، والتلويح الأمريكي بذلك، إلى ترسيخ قناعة لدى القيادة الإيرانية، مفادها أن امتلاكها قوة رادعة، وفعَّالة في الرد على مصادر التهديد، هو ما يؤخر اندلاع الحرب، فهي ترى أن رفع جاهزيتها القتالية وامتلاكها وسائل الرد، هو الذي عطَّل الاندفاع الإسرائيلي والأمريكي لضرب منشآتها النووية، وبناها التحتية، وليس شيئا آخر، ومن ثم إشعار الغرب بأن لدى إيران أوراقاً مختلفة تلعب بها، ومن ثمَّ تفاوض عليها من أجل تحقيق مصالحها في المنطقة وأحلامها القومية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق