الاثنين، 8 فبراير 2016

المجازر الهندية ضد المسلمين كشفت زيف الديمقراطية الهندية


رئيس مركز كشمير الإعلامي أليف الدين ترابي لـ «الوسط»:
اسلام اباد - صادق بلال 
يعتبر أليف الدين ترابي من ابرز الشخصيات الفكرية المهتمة بالشئون الهندية، وهو كاتب وباحث ويرأس مركز كشمير الإعلامي، والحوار معه ينير جانباً من الصراع الهندي الباكستاني على إقليم كشمير من وجهة نظره. «الوسط» التقت معه وحاورته عن وضع المسلمين في الهند.
* ما رأيكم في الديمقراطية الهندية وما وقْع هذه الديمقراطية على المسلمين؟
- تدعى الهند بأنها دولة علمانية ديمقراطية وفيها حرية كاملة للأديان كافة، بما فيها الإسلام، وأن بها من المسلمين ما يفوق 150 مليوناً يتمتعون بالحرية التامة ولا يعانون من أي نوع من الاضطهاد من قبل الغالبية الهندوسية، ولا يتعرضون لأي نوع من الخطر أو التحدي لوجودهم ودينهم وحضارتهم، كما أن الحكومة الهندية تضمن لهم الحقوق الأساسية كافة وتحمي حرياتهم وفقاً للدستور الهندي الذي يكفلها لجميع المواطنين.
وهكذا تستغل الحكومة الهندية هذا الادعاء وتجعل منه مبرراً لمواصلة احتلالها لولاية جامو وكشمير المسلمة. كما وتدعي بأن تحرير الولاية من الاحتلال الهندي سيؤدي إلى إيجاد المشاكل للمسلمين الهنود الذين يتمتعون اليوم من «النِعم والبركات» الواسعة للعلمانية الهندية، وينالون نصيبهم من ارتقاء وازدهار البلاد في المجالات المختلفة.
ومن الباعث للأسف والأسى، أن نجد الحكومة الهندية قد تمكنت من توظيف بعض من المسلمين الهنود أيضاً واستخدامهم لنشر هذه الدعاية الكاذبة في البلاد الإسلامية المختلفة.
والحقيقة، أن ادعاء الهند العلمانية هو ادعاء كاذب لا يقوم على أي أساس من الصحة، ونفس الأمر بالنسبة لادعائها بتمتع المسلمين بحقوقهم وحرياتهم وعدم تعرضهم في وجودهم ومعتقداتهم وحضارتهم لأي نوع من التحدي والخطر، هو ادعاء كاذب.
فتاريخ الهند ـ من أول يوم لإنشائها في العام 1947 وحتى يومنا هذا هو ـ خير شاهد على ما نقول، فما مر يوم من الأيام طوال هذه الفترة إلا وأقيمت فيه المجازر الدامية للمسلمين، فطبقاً لبعض التقارير والمصادر المحايدة، فإن عدد تلك المجازر قد وصل إلى أكثر من 40 ألف مجزرة، سفكت فيها دماء المسلمين المدنيين الأبرياء، وهتكت فيها أعراضهم، وأحرقت منازلهم ومتاجرهم، كما هدمت فيها الكثير من المساجد وتحولت إلى معابد هندوسية.
وهكذا نجد شخصية المسلمين الهنود وحضارتهم أيضاً تتعرض للتحدي الشديد نتيجة للتغيير المتواصل في قانون الأحوال الشخصية للمسلمين، وتنفيذ مناهج التعليم الهندوسية.
وهناك الكثير من الشهادات الهندية والدولية التي تثبت ذلك، وها نحن نذكر بعضاً منها للمثال لا للحصر:
يقول المفتش العام للشرطة الهندية سابقا بي. آر. راجكوبال، في كتابه تحت عنوان «العنف الطائفي في الهند» إن عدد مجازر المسلمين الهنود خلال الفترة ما بين العام 1954 والعام 1985 يبلغ أكثر من 9000 مجزرة.
وتقول المجلة الهندية «داليت وايس» الصادرة في مدينة بنغلور الهندية في عددها المؤرخ في 1/8/2000: «منذ أكثر من نصف قرن والهندوس المتطرفون يواصلون الحملات الإجرامية لإبادة المسلمين تحت رعاية الحكومة الهندية وذلك بالأسلوب نفسه الذي اتبعه الإسبان لإبادة المسلمين في الأندلس، إلا أن سياسة الهند في ذلك الصدد مختفية ومعقدة، وذلك خوفاً من الضغوط الدولية من ناحية، وللحفاظ على المصالح الهندية في العالم الإسلامي من ناحية ثانية».
وتقول صحيفة «عرب نيوز» في عددها المؤرخ في 13 أبريل 2002: «إن الهند لا تستحي أن تفتخر بالادعاء بأنها دولة علمانية بينما هي لا تزال تقوم بالإجراءات القمعية ضد الأقليات المختلفة في البلاد».
لا شك في أن الأقليات كافة في الهند تتعرض لعمليات الاضطهاد والعدوان من قبل الغالبية الهندوسية ولكن المسلمين الهنود هم يتعرضون لحرب لإبادة الشاملة من قبل الهندوس حكومة وشعباً، وذلك بالأسلوب نفسه الذي اختارته اسبانيا لإبادة المسلمين في الأندلس، يقول الصحافي الهندي الشهير راج شيكار في مقال له نشر في مجلة «داليت وايس» المشار إليه آنفاً: «إن دراسة لمعالم سياسة الحكومة الهندية تؤكد مماثلتها بالسياسة التي اختارها ملك إسبانيا «فرديناند» للقضاء على الإسلام والحضارة الإسلامية في الأندلس».
* لماذا يتعرض المسلمون للمجازر وما الهدف من المجازر وهل هناك توثيق لهذه المجازر؟
- لعل المجازر الأخيرة للمسلمين الهنود في إقليم غوجرات الهندي هو النموذج الحي الجديد للتجربة الإسبانية لإبادة المسلمين في الهند وللقضاء التام على دينهم وحضارتهم وشخصيتهم الإسلامية، وخلال هذه المجازر الدامية التي أقيمت تحت رعاية الحكومة المحلية المباشرة لإقليم غوجرات وبمباركة الحكومة المركزية في نيودلهي والتي لا تزال تستمر حتى اليوم فإن عدد الضحايا من المسلمين رجالاً ونساءً وأطفالاً يبلغ أكثر من 11 ألفاً وفقاً لصحيفة «ملي غزت» الصادرة في نيودلهي 25/4/2002، وأن عدد المنازل والمتاجر التي أحرقت ودمرت يبلغ أكثر من مئة ألف، وعدد المساجد التي قد أحرقت ودمرت كذلك أو تحولت إلى معابد هندوسية بلغ 500 مسجد، كما تقول المجلة ان هناك أكثر من 11 ألف امرأة مسلمة حامل في مخيمات المنكوبين والمصابين في إقليم غوجرات وأنهم في أمس الحاجة إلى العناية والرعاية ومساعدة الجمعيات الخيرية، ويقول تقرير الوفد النسائي الهندي ـ الذي يتكون من خمس منظمات نسائية هندية والذي قام بزيارة للإقليم في الأيام الأخيرة ـ إن الأسلوب الوحشي الذي اختاره الهندوس الوحوش للاغتصاب الجماعي للنساء المسلمات في إقليم غوجرات هو الأسلوب نفسه الذي اختارته قوات الصرب للاغتصاب الجماعي للنساء المسلمات في البوسنة، وقد تبين من النماذج التي ذكرها الوفد في تقريره بهذا الخصوص أن النساء اللاتي قد تعرضن للاغتصاب الجماعي على أيدي هؤلاء الوحوش كان من بينهن بنات لا تتجاوز أعمارهن العشر سنوات، وكذا كان منهن العجائز اللاتي كان عمرهن أكثر من 80 سنة... وبعد الاغتصاب الجماعي لهؤلاء النسوة المسلمات قام هؤلاء الوحوش بقتل بعضهن وإحراق بعضهن أحياءً، وكما قال التقرير فإن عدداً كبيراً من النساء المسلمات في إقليم غوجرات قد اضطررن إلى إلقاء أنفسهن في الآبار أو الأنهار خوفاً من انتهاك أعراضهن.
وفيما يأتي نذكر نماذج من حرب الإبادة التي يتعرض لها مسلمو الهند على سبيل المثال لا للحصر:
الشهادات الهندية
إن هناك الكثير من الشهادات الهندية الداخلية التي تدل على مدى الظلم والعدوان الذي قام الهندوس بممارسته في مجازرهم الأخيرة ضد المسلمين في إقليم غوجرات، منها شهادة «هارش ماندير» وهو موظف هندوسي كبير في الحكومة الهندية في نيودلهي، والذي قام بزيارة الإقليم بعد حدوث تلك المجازر، وسجل مشاهداته وانطباعاته في مقال له نشر في صحيفة «هندز» الصادرة في نيودلهي:
«عدت أخيراً من غوجرات بعد مضي عشرة أيام على المجازر الرهيبة التي حصلت في تلك الولاية، وقد شعرت بالألم والحزن للمشاهدات المرعبة التي جالت في ذهني خلال تجوالي في خيمات اللاجئين الذين نجوا من المجازر، وانتابتني مشاعر من الخجل والشعور بالذنب تجاه هؤلاء المشردين من الرجال والنساء والأطفال والعجائز البالغ تعدادهم 35 ألفاً، وقد وزعوا على نحو 92 من المخيمات المؤقتة التي أنشئت لإيوائهم في مدينة «أحمد آباد» (مركز الولاية)، تجدهم يحملون بعض المتاع في أيديهم وهو كل ما تبقى لهم في هذه الدنيا، عيونهم شاحبة وأبصارهم تائهة من هول ما رأوا، منشغلين في البحث عن الطعام والحليب لأطفالهم ومداواة الجرحى.
المآسي التي لاقوها على أيدي العصابات المنظمة من الشباب المدربين والمسلحين يعجز القلم عن وصفها، ولكن أجبرت نفسي على كتابة بعض ما رأيته وسمعته من روايات حصلت مع أولئك المساكين ـ والتي جلبت وصمة العار للدولة التي تدعي أنها أكبر ديمقراطية في العالم بقيادة حزب بهاراتيا جاناتا ـ ليطلع عليه الشعب ويعرف الحقيقة المرة، ولكي يشارك غيري في تحمل المسئولية أيضاً.
ماذا أقول عن تلك المرأة الحامل في الشهر الثامن والتي بقروا بطنها وذبحوا جنينها أمام عينيها، أو عن تلك الأسرة المكونة من 19 فرداً بعد أن اغرقوا بيتها بالماء واجروا فيه التيار الكهربائي ذي القوة العالية للتأكد من قتل وحرق كل من في البيت... إنها الجريمة المنظمة.
إنها المآسي المروعة كما يحكيها طفل صغير آخر عمره ستة أعوام في مخيم «جهابارا» إذ شهد مقتل أمه وستة من إخوته أمام ناظريه ولم ينجه من القتل سوى وقوعه مغشياً عليه إذ اعتبر في عداد الموتى.
امرأة أخرى من منطقة نارودا ـ باتيا في مدينة أحمد آباد إذ شهدت هذه المنطقة أبشع الاعتداءات تروي قصة مقتل ابنتها الشابة وطفلتها الرضيعة التي ارشدها البوليس لعبور إحدى الطرق على اعتبار أنها آمنة ولكنها وجدت نفسها أمام عصابة همجية قامت بصب الكاز عليها وحرقها مع طفلتها بعد أن حاصرتها من جميع الجهات.
لم أشهد في تاريخ حوادث العنف التي جرت في البلاد اللجوء إلى الاعتداء على أعراض الفتيات والنساء بشكل جماعي كما حصل أخيراً في غوجرات، هناك الكثير من الروايات التي تؤكد وقوع هذه الاعتداءات ـ بشهود أقرباء الضحايا ـ وبعد ذلك يجري قتلهن بواسطة المطارق أو الآلات الحادة وحرقهن، حتى أن بعض النساء في مخيم «أمان تشوك» يروين قصصاً مفزعة عن العصابات المسلحة التي قامت بتعريتهن والاعتداء عليهن.
في مدينة أحمد آباد مركز تجاري ولاية غوجرات، كثير من عمال الإغاثة والصحافيين والناجين من المجازر يجمعون على أن ما شهدته تلك المناطق كان عبارة عن هجمات إرهابية منظمة قامت بشنها عصابات مسلحة تبعتها حملات تطهير عرقية خطط لها مسبقاً ومجازر جماعية نفذت بدقة وليست أعمال عنف وشغب طائفي، الكل يجمع على أن هذه الأعمال نظمت على غرار الحملات العسكرية التي تشن ضد عدو خارجي مسلح.
طريقة تنفيذ المجازر
فقد كانت المجازر عادة ما تبدأ بظهور شاحنة على مسرح الأحداث تحمل مكبرات الصوت تقوم بإلهاب المشاعر والتحريض يتبعها حضور شاحنات أخرى محملة بالعصابات المسلحة التي ترتدي السراويل القصيرة ذات الألوان الكاكية والأحزمة والربطات ذات اللون الأصفر البرتقالي، يتسلحون بالمواد الناسفة والسيوف والسكاكين والرماح ذات الرؤوس الثلاثة ويحملون معهم مؤونتهم من ماء الشرب في الزجاجات لإرواء عطشهم، ويقوم القادة الميدانيون الذين يصاحبون هذه الحملات بالاتصال مع بعضهم بعضاً بواسطة الهواتف الجوالة ويعطون التقارير لمركز القيادة عن النتائج ومجريات الأحداث ويأخذون التعليمات منها.
وقد شوهد بعضهم يحمل في يديه وثائق مطبوعة على الكمبيوتر تحوي لائحة بأسماء الأسر المسلمة التي تقطن المنطقة وممتلكاتها وتشمل التفاصيل الدقيقة عن الممتلكات والمنشآت التجارية التي يشترك فيها المسلمون مع الهنود في المطاعم وغيرها وحتى عن العلائلات التي توجد فيها أسر مختلطة من المسلمين والهنود ليقوموا بعزل الزوجات الهندوس مع أولادهن ويرتكبوا المجازر بحق بقية الأسرة... كل هذه الأدلة والشواهد تدل على أن ما جرى لم يكن رد فعل عشوائي، بل كانت حملة خطط لها بعناية فائقة.
الشاحنات كانت تحمل في داخلها أسطوانات مليئة بالغاز الذي كان يستعمل لإحراق بيوت المسلمين بعد نهبها وسرقة محتوياتها الثمينة لاستخدامه، إذ يقوم أحد الأفراد المدربين بتفريغ الغاز في المنزل أو المبنى لعدة دقائق ثم يوقد فيه النار وذلك يكون كفيلاً لانهيار المبنى كاملاً بعد احتراقه، أما المساجد والمباني الإسمنتية الكبيرة فقد كان يستخدم في عمليات إحراقها وهدمها غاز «الاستلين» الذي عادة ما يستخدم في لحام الفولاذ.
المقدسات الإسلامية معابد هندوسية
أما الأماكن الدينية والمساجد فيبنى في مواقعها مباشرة تماثيل للآلهة «هانيمان» وترفع عليها الرايات ذات اللونين الأصفر والبرتقالي.
كما أن بعض الأماكن الدينية المقدسة للمسلمين والتي هدمت في وسط مدينة أحمد آباد مركز الولاية تمت تسويتها بالأرض بواسطة الجرافات وفرشت بمواد رصف الشوارع حتى لم يعد هنالك أي إمكان لإعادة بنائها بعد أن أصبحت جزءاً من الطريق العام الذي تسير عليه السيارات والحافلات في وسط المدينة وكأنها لم تكن في الأصل.
حتى أن اشتراك الإدارة المدنية المحلية في الولاية بالإضافة إلى قوات الشرطة وتواطؤها وتسترها وتقديمها الحماية للعصابات الإرهابية الضالعة في الاعتداء على المدنيين المسلمين أصبح مفضوحاً، ففي كثير من الأحيان لم تكن تقوم قوات الشرطة بتوجيه المدنيين المسلمين إلى الأماكن التي تعتبر أكثر أمناً إذ يفاجأ المسلمون بهجوم العصابات المسلحة عليهم، وتعمد بعد ذلك إلى تجاهل استغاثاتهم حين تتعرض بيوتهم وممتلكاتهم لأعمال السلب والنهب، والاعتداء على النساء بالاغتصاب وقتل الأطفال وكبار السن.
بل في أحيان كثيرة كانت تطلق النار مباشرة على تجمعات المسلمين وتجري في صفوفهم حملات اعتقالات واسعة على رغم أنهم أكثر من تضرر من جراء أعمال العنف. وخلال عقدين من الخدمة في الإدارة الحكومية فإنني أشعر بمزيد من الخجل والأسف لما تقوم به الإدارة المدنية في الحكومة من سوء العمل والتعامل في تطبيق القانون في البلاد وحفظ الأمن فليس هنالك ضرورة لأخذ الإذن من الأحزاب السياسية للعمل على سريان تطبيق قانون الأمن والنظام وللقيام بواجبهم في حماية المدنيين الأبرياء العزل الذين تعرضوا لهجمات العصابات المسلحة.
بل على العكس من ذلك فإن القانون يتطلب منهم العمل بكل استقلالية وموضوعية ومن دون تحيز، ولن يستدعي الأمر سوى ساعات قليلة لتطويقه وطلب التدخل من قوات الجيش، لكن اللوم يقع على عاتق الإدارة المدنية وقوات الشرطة في ولاية غوجرات وعلى أولئك البيروقراطيين الذين لاذوا بالصمت المطبق في الدوائر الحكومية العليا في البلاد حتى أن الشكاوى قد طالت التركيبة الطائفية التي تعاني منها قوات الشرطة والذي انعكس في تعاملها مع الأحداث.
ومن جانبها، لم تقدم الحكومة إلى الآن أية مساعدات للمنكوبين والمتضررين من جراء الاعتداءات الطائفية، فقط المنظمات الإغاثية الخاصة بالمسلمين هي وحدها التي تساعد أولئك اللاجئين في مخيماتهم حول أحمد آباد، وعلى اعتبار أن هؤلاء المدنيين هم مواطنون فمن حقهم المطالبة بالحماية والإغاثة من الحكومة المركزية.
والمنظمات الإغاثية غير الحكومية تجد مشقة عظيمة في توفير الغذاء والدواء للمتضررين في مخيم «أمان شوك» الذي يأوي 5 آلاف مشرد ولوحده يحتاج يومياً 1600 كيلوغراماً من المواد الغذائية لإطعام الجائعين من النساء والأطفال والجرحى.
وفي مخيم «جهابارا» - الذي أقيم في بناء مدرسة ابتدائية لإيواء 60 عائلة - فإن المهمة الملقاة على عاتق المنظمات الإغاثية أكبر من حجمها في إغاثة هذه الأسر. وماذا عسى غاندي أن يفعل إذا قُدِّر له أن يعيش في عصرنا هذا؟ أذكر أنه في حوادث العنف الطائفي الذي شهدته «كلكتا» سابقاً، اعتصم وأعلن إضرابه عن الطعام احتجاجاً على أعمال العنف والقتل، أما اليوم فلا نسمع إلا الأصوات التي تبرر سياسة العنف والاضطهاد والطائفية العمياء لإذكاء روح الفتنة داخل المجتمع».
هذا ما قاله الصحافي الهندوسي الشاهد على ما حدث حتى لا يقال ان المسلمين يبالغون في رواية مآسيهم.
* هل هناك شهادات اخرى خاصة من قبل وسائل الاعلام؟
- الشهادة الثانية هي للصحافية الهندوسية «سرميلا بوس» التي كتبت مقالاً خاصاً حول الموضوع نُشر في صحيفة «تلغراف» اليومية الصادرة في مدينة «كلكتا» الهندية تقول:
«لقد أصبحت مقابر «شارتودا» في مدينة أحمد آباد مسكناً ليس للموتى فقط، بل مسكناً لأكثر من 6000 رجل وامرأة وطفل شردوا وطردوا من ديارهم جراء حوادث العنف الأخيرة التي شهدتها غوجرات الهندية، لتصبح المقابر مخيمات لهؤلاء الذين هجروا أرضهم.
هذه المنطقة تمتاز باكتظاظ سكانها إذ يقطنها أكثر من 1500 شخص في أحياء وأزقة ضيقة ملتصقة بهذه المقبرة، تجمع السكان هناك كل منهم يحكي مأساته في هذه الحوادث وما تعرض له المسلمون من ويلات.
فالشبان المسلمون وصفوا اعتداء العصابات الهندوسية المتطرفة بأنها كانت مدعومة من قوات الشرطة والجيش، الأمر الذي جعل التصدي لها أكثر صعوبة، فلو اقتصر الأمر على أفراد هذه الجماعات لاستطاع المسلمون السيطرة نوعاً ما على ما كان يجري. أما النساء اللواتي تجمعن ليشهدن على ما تم من مجازر تكلمن عما جرى لهن ولغيرهن من النساء اللاتي لم يستطعن الإفلات من براثن العصابات الوحشية، والذين استطاعوا النجاة من الحوادث الأخيرة تجمعوا في مكان واحد لا يملكون الذهاب إلى غيره ولا يملكون ما يمكنهم من بدء حياة جديدة.
وطبقاً لإحصاءات منظمات الإغاثة غير الحكومية فإن 60 ألفا من سكان أحمد آباد أصبحوا مهجرين في أرضهم، بمعنى أنهم فقدوا مساكنهم وشردوا ليعيشوا في مخيمات مكتظة. فقد هيأت اللجان الإغاثية في محافظة «أناند» وحدها حوالي 23 مخيماً يستوعب أكثر من 81 ألف شخص من هؤلاء المشردين، وقد ذكر محمد إلياس، أحد منسقي لجان الإغاثة أنه على رغم من وجود رجال الشرطة فإن لجان الإغاثة مُنعوا من دخول القرى والمناطق المنكوبة، ولو للوقوف على الخسائر والأضرار ومعرفة عدد الضحايا وتقدير ما يمكن فعله.
إن ما قامت به هذه العصابات المتطرفة لم يكن يعني سوى استهداف الإسلام والمسلمين، ولو أنه يخدم المصالح الهندية. فعلى سبيل المثال إحراق فندق يحمل اسم شيكاغو في أحمد آباد ويطلق على صاحبه اسم غاندي لا يحمل أي معلم للإسلام أو رمز له، ومع ذلك لم يخف على هذه العصابات ديانة صاحبه فقاموا بإحراقه دون أي مبرر آخر.
يكفي أنك مسلم لتموت
كان يكفي أن يظهر اسم صاحب الفندق أو المطعم على لوحة الإعلانات بأنه مسلم حتى يحرق ويتحول إلى ركام ورماد، حتى وسائط النقل والحافلات التي يمتلكها المسلمون أحرقت، وعلى رغم أن إحدى شركات المقاولات الضخمة والتي يمتلكها مسلم ومعظم موظفيه من الهندوس ويوجد لدى صاحبها اتصالات وعلاقات متشعبة في الجهات العليا، فإن ذلك لم يشفع له ولم يسعفه، فقد اعتذر له المسئول عن قوات الشرطة عن عدم استطاعته المساعدة لأن الأمر جاء من الجهات العليا... ولم يحرك ساكناً.
رجل آخر يمتلك مصنعاً يوفر الملايين من الدولارات للدخل القومي ويوظف العشرات من الإداريين والعمال والمستخدمين الهندوس ويعمل في مجال التصدير لم يفكر المتعصبون فيه ولم يتورعوا في إحراق مصنعه بسبب أنه ينتمي إلى الديانة الإسلامية. ومن جهتها كذلك فإن قوات البوليس في إطلاقها النار لم تفرق بين العصابات الهندوسية والضحايا الذين تم الاعتداء عليهم، بل إن كثيراً من المسلمين يتهمون قوات الشرطة بإطلاق النار عليهم عمداً وعن قصد، خصوصاً في محطة القطارات التابعة لأحمد آباد إذ تجمع المسلمون هناك طلباً للنجاة ومغادرة المنطقة بواسطة السفر بالقطار، إلا أن قوات الشرطة فتحت النار عليهم ما أدى إلى مقتل وإصابة الكثير من المدنيين، معظم الناجين منهم من المناطق التي تعرضت للاعتداءات ويقيمون حالياً في مخيمات مؤقتة لإيوائهم في «بالدي»، و«شارتودا» و«أناند» و«كهيدا» والكل يجمع على أن الاعتداءات أخذت شكلاً منظماً واشتركت فيها قوات الشرطة والسلطات المحلية بالتواطؤ والتستر، وعدم تحريك ساكنها.
حتى ان الهجمات كانت تأخذ شكل مراحل، فالذي لم يتحقق في المرحلة الأولى يتم تحقيقه في مراحل لاحقة، فقد أثبتت الوقائع أن ما جرى تم التخطيط له مسبقاً بعد تجميع المعلومات عنه بشكل دقيق ومفصل للاستفادة منه فيما بعد حين تكون الفرصة مواتية، وأن ذلك إنما استغرق وقتاً ليس بقليل ولم تكن عبارة عن ردات فعل عفوية صادرة من شباب متهور.
إن الادعاءات والتصريحات التي يطلقها الزعماء الهندوس بأن كل شيء عاد إلى طبيعته وأن الأمور تجري على ما يرام، ما هي إلا افتراءات ودعايات كاذبة. فالمسلمون لا يزالون يشعرون بالرعب والخوف، والعصابات الهندوسية المتطرفة تبدي تفاخرها بفعلها وتظهر بمظهر المنتصر، وهي الآن تتحفز للانقضاض مرة أخرى حين تكون الفرصة مناسبة. وبغض النظر عما جرى في محطة القطارات في «جودهرا»، فإن ذلك لا يبرر التعرض للمدنيين الأبرياء العزل الذين ليس لهم صلة بالحادثة في المناطق الأخرى، والشعارات التي يطلقها المتطرفون من الهندوس مثل «الحرب مستمرة ضد المسلمين» وغير ذلك من شعارات لن تزيد الوضع إلا تأزماً.
ويبدي المسلمون انزعاجهم وتخوفهم من أن المتعصبين سوف يكسبون الجولة، ولكن بعد خنق المسلمين اقتصادياً وإقامة المزيد من المجازر والمذابح للمدنيين الأبرياء.
لعل ما حدث من مثل هذه الوقائع يكون قد استوعب من قبل المسئولين في الحكومة، وباقي الأحزاب السياسية في البلاد، وعلى الشعب الهندي أن يستيقظ ويوقف هؤلاء المتطرفين والمتعصبين من اللعب بالمشاعر الدينية وإطلاق الشعارات المتطرفة، قبل فوات الأوان».
* هل هناك شهادات دولية؟
- كذلك هناك العديد من الشهادات الدولية التي تشهد على بشاعة الأسلوب الذي اختاره الهندوس في ارتكاب مجازر بحق المسلمين الهنود في إقليم غوجرات وأنه يعتبر تحدياً كبيراً لوجود المسلمين الهنود وحضارتهم وشخصيتهم ومنها ما كتبه «برون تدمر» مراسل مجلة نيوزويك الأميركية تحت عنوان: «العنف الطائفي في الهند يهدد ثاني أكبر تجمع سكاني للمسلمين في العالم ويعرض أكبر ديمقراطية في العالم للخطر» والذي نشره في المجلة في عددها المؤرخ في 22/4/2002.
فمنطقة «ناروديا - باتيا» في ولاية غوجرات ـ التي تقع غرب الهند وتشمل تجمعاً كبيراً للمسلمين ـ أحرقت عن بكرة أبيها، بما فيها من مساجد وأحياء سكنية، وفي تصريح لأحد السكان من المسلمين يعمل سائق عربة «ركشا» ويبلغ من العمر 32 عاماً، يصرح قال إنه لم يتجرأ على العودة إلى منزله بعد أن دمر على أيدي عصابات الهندوس إلا بعد مضي سبعة أسابيع إذ بدأت أعمال العنف في نهاية شهر فبراير/شباط الماضي إثر حادث القطار المؤسف في محطة قطارات «جودهرا» والذي راح ضحيته 59 شخصاً كانوا عائدين من احتفالات دينية في أيوديا لوضع حجر الأساس للمعبد المزمع إقامته على أنقاض المسجد البابري.
وقد بدأت أعمال العنف بصمت مؤيد من قوات الشرطة وتواطؤ مشارك من الحكومة المحلية ضد المسلمين في غوجرات، وذلك بتدمير وحرق بيوت المسلمين وممتلكاتهم ومساجدهم، عن طريق صب النفط عليها وإحراقها بمن فيها وهم أحياء. وقد عبر بعض السكان عن شعورهم بالأسف والأسى وحزنهم الشديد على ما تهدم من بيوتهم ومساجدهم وعن تخوفهم من استحالة إمكان العيش بسلام مع الهندوس المتعصبين في مجتمع واحد يسوده الأمن والسلام، وهو تناقض واضح فيما تدعيه وتستند إليه الحكومة الهندية في زعمها من إقامة مجتمع علماني ديمقراطي يضم جميع الفئات والطوائف.
ولا أدل على ذلك من الشعارات الكثيرة التي بدأت تغطي الجدران وتدعو إلى طرد المسلمين من البلاد وأن الهند للهندوس فقط، وهنا تظهر قوات الشرطة الهندية مرة أخرى في المنطقة وتطالب جميع الأهالي الموجودين فيها بمغادرتها على أساس أنها منطقة غير آمنة وأن حياتهم مهددة بالخطر إذا بقوا فيها.
إن العالم بأسره لا يستطيع أن يتجاهل هذه المآسي التي تعرض لها المسلمون في إقليم غوجرات والتي راح ضحيتها قرابة الألف من السكان المدنيين المسلمين على أيدي العصابات الهندوسية التي من خلال تشهد الهند حالياً ازدياداً في موجة التعصب الهندوسي ومعاداة لكل ما هو غير هندوسي داخل المجتمع.
إن حوادث العنف الأخيرة التي تعرض لها إقليم غوجرات خلفت وراءها أكثر من 100 ألف مشرد من اللاجئين المسلمين الذين يخشون حتى العودة لتفقد بيوتهم التي هدمت، وهناك يصف أحد الناجين من قرية «جوان نغار» الوضع بقوله: «كيف يمكن لي العودة إلى قريتي وقد رأيت بأم عيني الطلاب الهندوس الذين كنت أدرسهم في المدرسة التي عملت فيها مدرساً وهم يعتدون على زوجتي وبناتي بالاغتصاب والقتل ولم ينجني منهم إلا اختفائي فوق سطح المنزل».
إن هذا الوضع المأسوي وعدم تقديم الدعم الرسمي من الحكومة أو أية مساعدات لهؤلاء المشردين ومحدودية الجهود الإغاثية سوف يجبر في النهاية هؤلاء على النزوح إلى التجمعات الكبيرة للمسلمين الأمر الذي سيقسم البلاد على نحو طائفي عرقي وهذا بحد ذاته أمر خطير للغاية ويهدد أمن البلاد».
فتح التحقيق الدولي
* ما المطلوب من المجتمع الدولي وخصوصاً المسلمين لمساعدة المنكوبين؟
- ان على المجتمع الدولي فتح تحقيق بالمجازر التي تمت ضد المسلمين في «غوجرات» وعليه ان لا يضع رأسه في التراب ويحاسب من قام على هذه المذابح.
وعلى البلاد الاسلامية تبني قضية مسلمي غوجرات وخصوصاً منظمة المؤتمر الاسلامي، وتقديم المساعدات لهم.
وهنا من باب الامانة احب أن أنقل رسالة للقارئ وللمسلمين عموماً من مسلمي غوجرات أرسلت لي لنشرها:
رسالة المسلمين الهنود إلى إخوانهم في العالم الإسلامي
«إن أوضاعنا هنا أسوأ مما يشاهد ويسمع عن طريق المذياع والتلفاز، فالوضع ليس مهيناً فحسب، بل هو جدير بالأسى والحزن أيضاً، فقبل يومين قمنا ومجموعة من الشباب المسلم من منظمات إسلامية مختلفة بزيارة المناطق التي تمت فيها المجازر الوحشية للمسلمين ودهشنا من روع المناظر التي رأيناها والتي لا يستطيع العقل أن يتخيل مدى قسوتها، ولا أن يتصور مدى ما وصلت إليه المعاملة الوحشية الهندية التي يتعرض لها المسلمون الأبرياء في إقليم غوجرات الهندية. فقد أحرق الرجال والنساء والأطفال الصغار في منازلهم أحياء، واغتصبت الأمهات والأخوات المسلمات العفيفات قبل أن تضرم بهن النيران وهن أحياء، كما منعنا من نقل الجرحى للمستشفيات، وأصيب الناس بالذعر إذ لا يستطيعون الخروج من بيوتهم خوفاً على حياتهم، ويعاني كثير منهم من الجوع ونقص المواد الغذائية منذ أيام طويلة.
كذلك فإن الشرطة الهندية تعين المفسدين القاتلين وتحميهم بل إن أفراد الشرطة أنفسهم يقومون بقتل الأبرياء. وفي بعض المناطق تم هدم كثير من المساكن وعدد كبير من المساجد وما بقي منها تم تحويله إلى معابد هندوسية.
حتى أنهم وضعوا الحواجز على الطرق والشوارع لمنع المسلمين من الفرار من المنطقة خوفاً على حياتهم. بل ويقاطع المسلمون في هذه المنطقة ويفصلون عن باقي أفراد المجتمع ويعتبرون كالأجانب ولا يسمح لهم بالقيام بأي نشاط اقتصادي أو تجاري، كما دمرت المراكز التجارية التابعة للمسلمين. وما يزال عدد كبير من المسلمين لاجئين داخل المساجد والمدارس الدينية، فهم يشعرون هناك بالقهر والذل وهم لا يستطيعون فعل شيء ضد أعدائهم فهم مجبرون مقهورون مضطهدون لا ناصر لهم في المنطقة ولا مساعد لا من الإدارة المحلية والشرطة الهندية ولا من السياسيين المحليين. لقد وصل حد الذعر والخوف عند المسلمين إلى حد رؤيتهم القتلى المسلمين في الطريق فلا يستطيعون إظهار الصلة بهم والمساعدة لهم مخافة أن يقتلوا باعتبارهم مسلمين.
كذلك فإن الهندوس يوزعون النشرات الداعية إلى المقاطعة التامة للمسلمين في التجارة والاقتصاد في الأشغال والوظائف، وأخيراً... نسأل الله سبحانه وتعالى الرحمة لهؤلاء المسلمين الأبرياء.
إخوانكم
مسلمو غوجرات الأبرياء
العدد 4166 - الأحد 02 فبراير 2014م الموافق 02 ربيع الثاني 1435هـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق