الامام أحمد : حدثنا محمد بن عبيد، ثنا شرحبيل بن مدرك، ثنا عبدالله بن نجي، عن ابيه أنه سار مع علي رضي الله عنه وكان صاحب مطرته ، فلما حاذى نينوى وهو منطلق الى صفين، فنادى علي رضي الله عنه : اصبر أبا عبدالله، اصبر أبا عبدالله بشط الفرات، قلت : وماذا ؟ قال : دخلت على النبي صلى الله عليه واله وسلم ذات يوم وعيناه تفيضان، قلت : يانبي الله أغضبك أحد ما شأن عينيك تفيضان ؟ قال : بلى قام من عندي جبرئيل قبل فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات، قال : فقال : هل لك إلى أن أشمك من تربته، قال : قلت : نعم، فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها فلم أملك عيني أن فاضتا .
الأحاديث التي وردت ببكاء النبي صلى الله عليه وسلم على الحسين رضي الله عنه لنفترض صحة أسندتها لكن لنا أن نناقش في فهمها من وجوه:
ـ الأول: أن هذه الأحاديث تحمل أمرا طريفا والدواعي متوفرة على نقل هذا الأمر لاسيما وأن في بعضها أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على كثير من الصحابة وهو يبكي ( بكاء شديدا ) والصحابة رضوان الله تعالى عليهم ما رأوا النبي صلى الله عليه وسلم يبكي بمثل هذا البكاء الشديد، فهذا أمر جديد عليهم يستدعي توافر النقل، مع أن الخبر لم ينقل إلا عن طريق الآحاد، وقد سبق لنا أن ابن السبكي رحمه الله تعالى قال" والمنقول آحادا فيما تتوفر الدواعي على نقله..." أي أنه من المقطوع بكذبه.
ــ الثاني: لا بد لنا من الترجيح؛ إذ لم يثبت والله أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم بكى بكاء شديدا لنازلة من النوازل، بل إن هذا لا يليق بمقام النبي صلى الله عليه وسلم وهذا سيرته أكبر شاهد على ما نقول فقد ماتت من أحب الناس إليه خديجة رضي الله تعالى عنها في فترة عصيبة عليه، وما نقل أنه بكى بكاء شديدا يصل إلى حد النشيج، واسشهد حمزة رضي الله عنه ومثل به وبقر بطنه في معرض مروع محزن جدا وما نقل عنه أنه أنه بكى هذا البكاء الشديد، بل إنه عفى عن صاحبة الفعل لما ظفر بها، بل مات نحو سبعين من القراء من أصحابه بطريقة مؤلمة جدا وبخيانة مروعة ومع ذلك كان صلى الله عليه وسلم رابط الجأش لم ينشج، بل مات في موقعة مؤته من كان بمنزلة ابنه زيد بن حارثة رضي الله عنه وما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم نحب هذا النحيب المبرح.
وهذه غزواته من أحد إلى الخندق إلى غيرها تحكي لنا رباطة جأش رسول الله صلى الله عليه وسلم.
بل وهذا ابنه أبراهيم رضي اله عنه وأرضاه يموت ولم يزد صلى الله عليه وسلم على القول" العين تدمع والقلب يخشع ولا نقول إلا ما يرضي الله "
فإذن الإقرار بأنه صلى الله عليه وسلم بكى كما يبكي النساء، فيه توقف ونظر، لا بل النساء اللواتي روين الحديث لم تبك مثل بكائه صلى الله عليه وسلم، فإذن هذه الأحاديث في منحاها العام لا تتلاءم البتة مع الأحوال التي عهدت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ــ الثالث: هب أن هذا صحيحا لكن بكاء النبي صلى الله عليه وسلم مرة أو مرات متعددة كما يروج له الروافض لا يجعل ذلك سنة تتبع، وإلا كيف فرط فيها أصحاب رسول الله صلى عليه وسلم، بل وكيف فرط فيها أبوه علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وهو كان يوما ما أميرا للمؤمنين ( حتى لا نسقط في فخ التقية الشيعية ) بل كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم بكى وهو يرى أن الصحابة إذ رأوه يبكي ولم يفعلوا مثله ومنهم علي رضي الله عنه فكيف لم يأمرهم بذلك، والقاعدة تقول" إنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.
ــ الر ابع: إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم بكى على الحسين رضي الله عنه فعلا فإنما ذلك حين وصله الخبر أن أمته تقتله من بعده، وهذا الحكم مرهون بوقته وزمانه، وقد مضى إبانه، فاستمرار البكاء بعد ذلك عبث واستهتار، وتبذير للمشاعر فيما لا يجدي نفعا، وإلا فالأولى بالبكاء عليه الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى " ومن المعلوم أنه قتل من الأنبياء ومن غير الأنبياء ظلما وعدوانا من هو أفضل من الحسين رضي الله تعالى عنه، قتل أبوه ظلما وهو أفضل منه، وقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه، وكان قتله أول الفتن العظيمة التي وقعت بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، وترتب عليه من الشر والفساد أضعاف ما ترتب على قتل الحسين رضي الله عنه..." ( منهاج السنة النبوية/ ج: 1 / ص: 18 / دار: الكتب العلمية )
ــ الخامس: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى " ومن حماقاتهم إقامة المأتم والنياحة من سنين عديدة، ومن المعلوم أن المقتول وغيره من الموتى إذا فعل مثل ذلك بهم عقب موتهم كان ذلك مما حرمه الله ورسوله، فقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم (( ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية ))... ( المصدر السابق نفسه)
قلت: فكيف يقول صلى الله عليه وسلم ليس منا ويفعله؛ لأن الروافض تستدل بمثل هذه الأحاديث لتجويز حماقاتهم بعاشوراء ونحوها.
فقد استمعت مساء الخميس الماضي على قناة أهل البيت الشيعية من أحدهم وهو ينعي على علماء الأزهر كيف لم يجلسوا جلسة بكاء على الحسين رضي الله عنه، وأنا أقول له وكيف أن أباه رضي الله عنه لم يجلس هذه الجلسات ولم يأمر بها المسلمين لما كان أميرا للمؤمنين. وعلماء الأزهر وغيرهم من أهل ملة الإسلام ليسوا حمقى مثلكم، حتى يبنون دينهم على البكاء والنحيب على من توفاه الله منذ مئات السنين.
ولكن والحق يقال: هم قوم عذبهم الله عز وجل بأيديهم بما كسبوا لأن جرائمهم في النيل من أصحاب رسول الله عليه وسلم ومن أمهات المؤمنين رضوان الله تعالى على الجميع ـ عظيمة جليلة فهم يؤدون جزاءها ذبح أنفسهم بأيديهم وبطيب خواطرهم، بهذه الوقائع التي تتناقلها عنهم وسائل الإعلام والتي لا تصلح لأهل القلوب الضعيفة، وسبحان الله هل تظنون أن أعراض أصحاب رسول الله عليه وسلم وأمهات المؤمنين هينة عند الله للحد الذي ينال منها هؤلاء الأقزام، ألم يقل الله عز وجل في معرض الآيات التي تجرم حادثة الإفك " وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم " فسبحان الله أعراض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمهات المؤمنين مسمومة، من أقترب منها فلا تسلم له عاجلة ولا أجلة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق