السنة يخوضون معركة غير معركتهم
أخر تحديث : الأربعاء 7 يناير 2015
. طه الدليمي
عمل بلا رسالة جسد بلا روح، ورسالة بلا قضية روح بلا جسد، وقضية بلا مشروع كائن ضائع وضحية مشتركة تتقاسم أشلاءها مشاريع الآخرين. لا بد من رسالة تتجسد في قضية تتكون في مشروع واضح محدد؛ وإلا كان مصيرنا الزوال.
انظر إلى الإعلام (السني) – مثلاً – إن وجدت الرسالة افتقدت القضية، وإن وجدت القضية افتقدت المشروع. لهذ هو للجميع إلا السنة. يستعمله الآخرون وقوداً يغذون به قضاياهم ولا يزيد السنة إلا وهناً.
وهكذا كانت المقاومة التي خضناها ثماني سنين وثمانية أشهر وثمانية أيام حسوماً.. للجميع إلا السنة! لقد أرادوا – بنكران ذات يضحك منه الغباء – تحرير العراق.. العراق كله، وسط أعداء وخصوم داخليين يرون الاحتلال تحريراً. ويقفون في وجههم يقاتلونهم مع المحتل كي يسلبوهم ثمار عملهم ويقصونهم كخطوة أولى في طريق إزاحتهم من الوجود. وليس لدى السنة العرب من قوة لمجابهة جميع القوى: الخارجية والداخلية كي يحرروا العراق.. العراق كله.
والسبب أن معركة السنة فاقدة للبنية التحتية الفكرية، التي لا غنى عنها لتكوين البناء المدني، الذي يشكل حقيقة الوجود والكيان لأي دولة أو شعب أو طائفة. فهم يواجهون واقعاً جديداً بفكر قديم لم يتم تحويره وتطويره بما يتناسب والجديد. الهدف غير سديد، والمكنة لا تتناسب والهدف، ولا الآليات ولا الخطة.. ثم إنهم يديرون معركة ويبذلون جهداً مضاعفاً بلا هوية. وحيث لا فكر سديداً فلا كيان موجوداً.
وإذا كان الخطأ قد بدأ من لحظة الانطلاق. وإذا كان العمل بحجم وضخامة مقاومة نصبت نفسها في مواجهة أكبر وأخطر أربعة أعداء في الأرض: الشيعة وإيران وأمريكا وبريطانيا، أضف إلى ذلك أكثر من عشرين دولة متحالفة معهم – دعك عن الخونة والعملاء – تكون الخسارة مضاعفة. وهكذا كان ولله الأمر من قبل ومن بعد؛ فسنن الله غلابة لا تجامل مسلماً ولا كافراً؛ إنها كالشمس التي تطلع على الجميع، وكالريح التي تهب على البشر مثلما تهب على الشجر والحجر.
المعركة في الأساس مدنية فكرية
ثلاثاً وثمانين سنة والفكر الوطني بأجنحته الكسيرة الثلاثة: القومي والإسلامي والليبرالي يمارس أكبر عملية تنويم في التاريخ – بعد أهل الكهف – للسنة العرب، تاركاً الميدان لأعدائهم وخصومهم الداخليين يعملون فيه لقضيتهم الخاصة. السنة العرب وحدهم يعملون للعراق كل العراق، والبقية كل يعمل لقضيته طبقاً لمشروعه. فكانت النتيجة أن صار العراق لأصحاب القضية والمشروع الخاص، وحرم السنة العرب من العراق. وبالعقلية المتخلفة نفسها خاض السنة العرب المعركة فكانت النتيجة أن صار ثمار المعركة لأصحاب القضية والمشروع الخاص، وخرج المحتل فسلمهم البلد، وحرم السنة العرب من البلد وثماره!
وجاء الحَراك ليتخذ المسار نفسه، بسبب وجود الجيل القديم ذي الفكر القديم، لولا ثلة من الشباب – وفي طليعتهم شباب سامراء – نادوا بـ(السنية) فهجمت عليهم دبابير الفكر الوطني العجوز من كل اتجاه ليخنقوا ذلك الصوت الذي كنا ننتظره منذ تسعين عاماً. لكن سياط القدر كانت لتلك الدبابير الهرمة بالمرصاد فخف هجومها ولم ينته وجودها.
وبعد أن انتهت كل الجهود الوطنية نهايتها المأساوية الحتمية، بدأ الدم السني السني ينبض في شرايينها على استحياء. وصار الوطنيون ينطقون كلمة (السنة) ويخلطونها بلوثتهم الوطنية وإن بتلعثم، كما ينطق السكران الذي يريد أن يصحو ما يود من كلام. وهذا يعني أن الوطنيين أنفسهم باتوا يفقدون الثقة بأدوات الفكر الوطني، ويقرون – بصورة غير مباشرة – بفشل فكرهم عن متابعة الحياة وملاحقة الأحداث ومواجهة المعركة. وحين تجد شخصاً قومياً وطنياً مثل الرجل المحترم د. نزار السامرائي بدأ ينطق بكلمات كانت محرمة في قاموس القوميين مثل (المكون السني، والسنة، والمكون الشعي، والشيعة) مرات عديدة في لقاء قصير قبل أيام على قناة (وصال)، ويصرح بأن (المكون السني) هو الذي طرد الاحتلال، وليس (الشعب العراقي) كما يسوق لذلك القوميون. ويقول: “علينا أن نعترف بحقيقة يعيشها الشارع العراقي وهي أن (الشيعي) العراقي تم غسل دماغه بشكل غير متوقع على الإطلاق”. وكلاماً كثيراً مثل هذا.. تدرك ما عنيته بفشل الفكر الوطني. وتدرك بأن المعركة في أساسها معركة مدنية فكرية قبل أن تكون سياسية أو عسكرية. على أننا نقول: لا يا د. نزار؛ لقد عرفنا – نحن أصحاب الفكر السني – ذلك الدماغ المغسول منذ أن كنا شباباً لم نبلغ – بعدُ – العشرين.
إن البعد الأول للمعركة الذي يشكل أساسها وبناءها يقطع داخل النفس، ثم يأتي البعد الذي يتجلى في الأفق من بعد ذلك.
نحن سنة عرب قبل أن نكون عراقيين
نحن سنة قبل أن نكون عراقيين.. حقيقة غائبة عن النفس. وإن العدو الأكبر للسنة هو الشيعة، ولكن هذا التشخيص غير متبلور. فلو خاض العرب السنة معركتهم باسم (السنة) وتحرير مناطقهم من إيران والشيعة وكفى، وقالوا للأمريكان: اخرجوا من مناطقنا ولا شأن لنا بكم بعدها، وقاتلوهم على هذا الأساس، لكسبوا مكاسب جمة:
قللوا من حجم الجهد إلى المستوى الذي تقوى عليه مكنتهم، ويناسب قوتهم، بدل خوض حرب واسعة هي أكبر من تلك المكنة والقوة بكثير.
إمكانية كسب الحاضنة المجاورة: تركيا والدول العربية، بدل العنتريات الوطنية الفارغة وإبعاد تركيا وتهديدها من قبل الفصائل المقاومة إن هي تدخلت بشؤون العراق، والتحدث (باسم العراق العظيم)، ولن نسمح بتدخل الدول الأخرى بشؤونه الداخلية وكأننا حكام البلد والمسؤولون عنه. ولنظرت هذه الدول إلى المقاومة السنية بإكبار واحترام ووجدت مصلحتها فيها. ولربما أعطيت الفرصة لتبحث عن حجة في احتضانها. ولو كانت المقاومة العراقية – وهي سنية عربية بحتة – واعية بهذا العمق لمنحت – ربما – الحجة وطوق النجاة إلى الدول المجاورة كي تتحاور مع أمريكا بما هو أقرب لمصلحة السنة العرب.
صنع هوية سنية، وهذا ما نحن في حاجة ضرورية إليه، ضرورة الماء والهواء، لتكوين قضية حقيقية هي القضية السنية. ولقام الخلاص على ساقيه الاثنتين: الهوية والقضية؛ فلا خلاص ولا تحرير ولا تمكين بلا قضية، ولا قضية بلا هوية. وهذا يمهد للمكسب التالي:
جني ثمار المقاومة ووقوعها حتماً في السلة السنية العربية؛ فالقتال باسم (السنة) وتحرير الأرض السنية، يبعد الشيعة وحكومتهم عن أرضنا، ويمنعهم من حق التفاوض مع المحتل لخروجه باسمنا، ولكان المفاوض الوحيد لهذا الخروج هو نحن السنة، فيكون النصر وثمرته لنا. ولما تمكن الشيعة من حكم مناطقنا.
لكن هذا لم يكن، ولم يحصل: لا على مستوى الفكر ولا مجال الفعل. فكان الحصاد مراً.. مراً شديد المرارة!
إن القتال باسم العراق، الذي هو في حقيقته الواقعة مفهوم تاريخي لا جغرافي، ترك السنة مخدرين بلا هوية ولا قضية. وأعطى في المقابل المشروعية للحكومة الشيعية للتفاوض مع المحتل وعقد الاتفاقيات معه باسم العراق كل العراق؛ لأنها الجهة الوحيدة المعترف بها رسمياً وقانونياً في الداخل والخارج للتحدث باسم العراق. أما المقاومة فهي وإن كانت الأحق والأولى بذلك، لكنها تفتقر إلى ذَينِك الساقين الضروريين للتحرك: الهوية والقضية لفرض شروطها واحترامها على عدوها. لأنها بهذا وحده تكون قد نجحت في تكوين الجمهور والجسم المدني الذي لا غنى عنه للعمل السياسي بعد العسكري.
نقلا عن موقع القادسية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق