د.أحمد المفتي (عضومستقيل من اللجنة الدولية للسد): توقيع السيسي حول سد النهضة الغيرمشروع إلى قانوني
عضو اللجنة الدولية لسد النهضة الإثيوبى، الدكتور أحمدالمفتى : «اتفاق المبادئ» لا
يمنح مصر «نقطة مياه واحدة ........
=======================
أحمد المفتى يتحدث للمصري اليوم
تصوير : المصري اليوم
قال الدكتور أحمد المفتى ، العضو المستقيل من اللجنة الدولية لسد النهضة الإثيوبى، خبير القانون الدولى، إن اتفاق المبادئ الذى وقعه قادة مصر والسودان وإثيوبيا، أدى لتقنين أوضاع سد النهضة، وحوله من سد غير مشروع دولياً إلى مشروع قانونياً. وأضاف المفتى، المستشار القانونى السابق لوزير الرى، فى حوار لـ«المصرى اليوم»، أن الاتفاق ساهم فى تقوية الموقف الإثيوبى فى المفاوضات الثلاثية، ولا يعطى مصر والسودان نقطة مياه واحدة، وأضعف الاتفاقيات التاريخية، موضحا أنه تمت إعادة صياغة اتفاق المبادئ بما يحقق المصالح الإثيوبية فقط، وحذف الأمن المائى، ما يعنى ضعفا قانونيا للمفاوض المصرى والسودانى.
وزير الري: عقد الاجتماع السداسي بشأن سد النهضة الأحد والإثنين المقبلين بالخرطوم
وتابع المفتى: «المشروع الإثيوبى كشف عن تقصير مصرى سودانى 100%، لأن البلدين تجاهلا أن أساس أى مشروع مائى على الأنهار الدولية المشتركة، يعتمد على المدخل القانونى، وتقدير الوزن القانونى قبل الشروع فى تنفيذ المشروع»،.. وإلى نص الحوار:
■ فى البداية.. كيف ترى مشروع سد النهضة؟
ـ الأزمة أن أى منشأ تتم إقامته حتى لو عمارة، يحتاج إلى مدخل قانونى قبل الشروع فى تنفيذه، ثم يأتى البحث عن الجانب الفنى، وهو ما لم يحدث فى حالة سد النهضة، الذى يقع على نهر دولى، يضم 3 دول، تتشارك فى مياهه، ما يعنى وجود خلل فى الإطار الحالى للتفاوض، لأنه لم يسبق إنشاء السد، وتمت مناقشة الجانب الفنى مباشرة دون الجانب القانونى، لأن المدخل الفنى الحالى لن يؤدى إلى نتيجة إيجابية، لأن الموضوع برمته لا تمتلكه وزارة الرى فى مصر والسودان لكنه يتعلق بـ3 حكومات فلا يمكن وضعه من جانب المهندسين، وكان يجب أن يتم من خلال قانونيين، وألا يبدأ الجانب الإثيوبى التنفيذ قبل استيفاء الجوانب القانونية.
■ ما إشكالية الخلاف بين الفنيين والقانونيين؟
ـ الإشكالية تتمثل فى أن المهندسين يضعون المسائل الهندسية كأولوية أولى ونحن كقانونيين نرى أن السد فيه قانون وهندسة واقتصاد وبيئة وهم يختزلون المسألة فى هل السد متين أم غير متين، فليس من المنطق أن يتم بناء السد وأنت لم تعرف حقوقك المائية وأمنك المائى، لأن مستقبل أى دولة يعتمد على المياه، لذلك أرى أن السد خالف المصالح المصرية والسودانية، ولم يضعها فى الاعتبار، فكيف يعقل أن يكون لإثيوبيا إدارة السد والسيطرة على السد والكهرباء والمياه والسودان ومصر ليس لديهما أى شىء ولم يحصلا على أى شىء من سد النهضة، وما أثير عن عرض إثيوبى لمصر والسودان بالمشاركة فى التمويل والإدارة المشتركة للمشروع هو مجرد كلام إثيوبى حتى يبرروا موقفهم ببناء السد.
■ وما الحل؟
ـ يجب الوقف الفورى أمام إنشاء السد، لأن إثيوبيا أجرت عملا نادر الحدوث فى العالم، هو أنها أخلت بمبدأ الإخطار المسبق طبقا للاتفاقيات الدولية المعنية بتنظيم عمل السدود على الأنهار المشتركة بين الدول قبل الشروع فى إقامة السد، لوضع الإطار القانونى، وهو ما حدث عند إنشاء السد العالى وسد مروى فى السودان اعتمادا على اتفاقية مياه النيل لعام 1959، وهو ما لم يحدث مع حالة سد النهضة، حيث تم التعاقد بالأمر المباشر، والبدء فى الإنشاءات فى مايو 2011، ثم تم إخطار مصر بصورة غير قانونية التى تستوجب عدم البدء فى التنفيذ حتى يتم استصدار الموافقة القانونية طبقا لما يسمى الإخطار المسبق، والتى أخطرت بدورها السودان بالمشروع بعد البدء فى إجراءات تنفيذ المشروع على النيل الأزرق الذى يمد مصر والسودان بـ65% من حصتهما المائية.
■ لكن هل كان من حق السودان إيقاف تنفيذ السد قانونياً؟
ـ بالتأكيد، وذلك طبقا لجميع اتفاقيات الأمم المتحدة المنظمة لإنشاء السدود على الأنهار المشتركة، وأيضا طبقا لاتفاقية 1902 التى تعطى السودان حق الاعتراض، لأنه بموجب هذه الاتفاقية يحق للسودان استخدام حق الفيتو أو الاعتراض على أى منشأة مائية تقيمها إثيوبيا، ودعاوى أن الاتفاقيات تمت فى عهد الاستعمار لتحقيق مصالحه غير صحيحة، لأن التكييف القانونى أنها وضعت لتحقيق مصالح دول حوض النيل بتنظيم تدفق مياه النهر، ولا يحقق أى ضرر بأى دولة.
■ كيف ترى الموقف المصرى السودانى من مفاوضات سد النهضة؟
ـ كان من المفروض أن يكون هناك تنسيق شديد بين السودان ومصر، لأن من مصلحة مصر والسودان عدم إلغاء اتفاقية 1902، كما أنه بموجب اتفاقية مياه النيل لعام 1959 تلزم الدولتان مصر والسودان بتبنى موقف مشترك وموحد فى التعالم مع أى منشآت يتم عملها على طول مجرى نهر النيل، وتهدد سريان تدفق المياه إلى دولتى المصب مصر والسودان، وأعتبر ما يحدث حاليا هو نتيجة تقصير مصرى سودانى 100%، خاصة بالنسبة للسودان حيث إن هيمنة المهندسين على اتخاذ القرار وتجاهلهم المدخل القانون تسبب فى عدم تقدير الوزن القانونى للمشروع الإثيوبى، لأن السد ليس فقط مياه وخرسانة لكنه حقوق مياه.
■ والنتيجة؟
ـ نجحت إثيوبيا فى تطبيق استراتيجية مدروسة بدفع مصر والسودان إلى المدخل الفنى، ما تسبب فى تحقيق 50% من الأهداف، مقابل بداية خاطئة 100% ودون مبرر بموافقة الدولتين على الدخول فى المفاوضات الفنية، بدلا من الإطار القانونى، رغم أن كل دول حوض النيل قالت إن مصر لديها خبرات قانونية، وهو ما تسبب فى تحويل سد النهضة من سد غير مشروع إلى سد مشروع بموافقة مصرية سودانية على الدخول إلى المفاوضات الفنية بدلا من اللجوء للإطار القانونى قبل إنشاء السد، مما أدى إلى قوة المفاوض الإثيوبى، مقابل ضعف المفاوض المصرى والسودانى.
■ هل أبلغت هذا الموقف إلى الجانب السودانى؟
ـ بالتأكيد عبرت عن ذلك، وهو ما دفعنى للاستقالة من عملى كمستشار فى اللجنة الثلاثية لسد النهضة قبل 4 أعوام، لأننى اعتمدت على خبرات قانونية استمرت على مدار 18 عاما لدراسة الملف المائى، بدءا من 1994 حتى عام 2011، ولم يقبلوا الكلام واتجهوا إلى المدخل الفنى، كما أن التراخى وعدم المطالبة بالحقوق يؤدى إلى ضياعها وهو ما تم لمدة 4 سنوات مضت.
■ ماذا عن اتفاق المبادئ الذى وقعه رؤساء الدول الثلاث؟
ـ اتفاق المبادئ الموقع فى 23 مارس شارك فيه 7 مستشارين قانونيين من إثيوبيا وغياب الخبراء القانونيين لمصر والسودان، وهو جاء لإسكات الأصوات التى تثيرها المعارضة فى السودان ضد المشروع الإثيوبى، وللأسف كانت نتيجة الاتفاق الثلاثى لقادة الدول هو أنه جعل الوضع أسوأ، بـ«نباهة الإثيوبيين»، لأنه تسبب فى تقوية الموقف الإثيوبى وقنن سد النهضة، وحوله من سد غير مشروع إلى مشروع قانونيا، لأن به إطار مبادئ ولم يكن هناك داع لهذا الاتفاق الذى كان يتضمن 10 مبادئ فى حين اتفاقية عنتيبى كان بها 15 مبدأ تم الاتفاق عليها بالإجماع، وكانت أفضل من اتفاق المبادئ، كما أن إثيوبيا تدخلت لإعادة صياغتها بما يحقق المصالح الإثيوبية فقط، وحذفت بند الأمن المائى، وهو ما يعنى ضعفا قانونيا لاتفاق المبادئ، خاصة أنه لا يعطى مصر والسودان ولا نقطة مياه وأضعف الاتفاقيات التاريخية.
■ ما الحل لإشكالية اتفاق المبادئ؟
ـ إعلان المبادئ يتطلب موافقة البرلمان، حتى يتم التصديق عليه، وهو ما يتطلب تدخل البرلمان لتدارك التحفظات، لأنه إذا تحفظت على إعلان المبادئ يتحول إلى سد غير مشروع وعنده يتم تثبيت موقف قانونى يحوله إلى عمل غير مشروع، ومن حق الدولة المتضررة فى حالة تحوله إلى نزاع أن يقوم مجلس الأمن الدولى بمبادرة للحفاظ على الأمن والسلم الدولى للجوء إلى الحلول الودية من خلال طاولة المفاوضات فى إطار دولى من خلال مبادرة دولية طبقا للمعايير المتعارف عليها، بينما أرى عدم اللجوء للتحكيم الدولى، لأنه سلاح ذو حدين خاصة فيما يتعلق بمصر والسودان.
وفى هذه الحالة تكون الحلول الثنائية، وعندها تكون المواقف الموحدة لمصر والسودان هى الأكثر أهمية فى الاعتبارات الإثيوبية، لأن العلاقات بين الدول الثلاث أكبر من المياه، وعندما تتباعد المواقف يكون ذلك لمصلحة إثيوبيا ويضعف موقف الدولتين.
■ ماذا عن الاجتماعات الحالية بالخرطوم ضمن الجولة العاشرة من المفاوضات؟
كنت أتمنى ألا تنعقد لأنها «قمة الكارثة»، لأن الجانب الفنى معيب حيث سبق أن تم تقديم تقرير فى مايو 2013 أكد أن السد يحتاج إلى دراسات فنية وهذه الدراسات لم تشرع فيها إثيوبيا حتى اجتماع رؤساء الدول مارس 2015 للتوقيع على اتفاق المبادئ بالخرطوم أيضا، حتى يضغطوا على إثيوبيا لإجراء الدراسات، واتفقوا على ضرورة وضع قواعد الملء الأول وقواعد التشغيل، والمشكلة أن دراسات السد «معيبة»، لأن نتائج الدراسات غير ملزمة وتستهدى بها إثيوبيا فقط فى عمل قواعد الملء الأول، ويمكن لإثيوبيا فى أى وقت تعديلها، وبعدها لا يمكن لمصر والسودان أن تتكلم ويصبح السد تمت إقامته بموافقة مصرية بدون أن يكون لديهم سيطرة على الملء والتشغيل.
■ لماذا لم ترفض السودان إنشاء السد؟
ـ السودان يأخذ بالتطمينات الإثيوبية بشفافية ويعول عليها تماما، لكن القانون الدولى للأسف لا يعترف إلا بالاتفاقيات المكتوبة، بينما من المتعارف عليه أن إثيوبيا تدون حقوقها، وتلجأ فقط إلى التطمينات الشفاهية فقط والكلام الشفهى لا يحفظ الحقوق المائية للدول، لأنه يرتبط بعلاقات الأنظمة الحاكمة، بدلا من الاحتكام إلى اتفاقيات دولية مكتوبة.
■ كيف ترى الخلافات حول المكتبين الاستشاريين؟
ـ الخلافات بين الشركتين الفرنسية والهولندية هو نفس الخلاف بين الدول الثلاث، خاصة أن المكتب الفرنسى يتبنى وجهة النظر الإثيوبية بسبب المصالح التى تربط فرنسا وإثيوبيا فى مجالات الكهرباء بينما يعتمد المكتب الهولندى على مبرر علمى فى رفضه لطبيعة الدراسات النى تفتقد الموضوعية والمدة الزمنية قصيرة تهدد دقة الدراسات بينما تسعى إثيوبيا لاستمرار الخلافات حول المكاتب الاستشارية حتى تنتهى من المشروع تماما.
■ وما الحل لأزمة سد النهضة؟
ـ فى تقديرى، يجب أن يكون هناك موقف واضح لمصر والسودان بأن يكون لهما السيطرة على إدارة السد بنظام مشترك والحل العملى هو الملكية المشتركة بموجب اتفاقية دولية تتضمن الاعتراف بالأمن المائى للدول الثلاث حتى لا نضعف الإدارة، رغم اننى متأكد أن إثيوبيا لن توافق على ذلك.
■ ما تحليلك لأهداف إثيوبيا من المشروعات المائية على منابع الأنهار بها؟
ـ إثيوبيا ترى أن سيادتها المطلقة على مواردها المائية مثل البترول والغاز، ومبرراتها بأن خطتها لإنشاء السدود بهدف توليد الكهرباء غير صحيح، حيث قامت إثيوبيا بالاستيلاء على أراضى السودانية بمساحة 3 آلاف فدان، وصلت الآن إلى مليون فدان فى المنطقة الحدودية، لأنه لا توجد لها أراض باتجاه النيل الأزرق ليتم ريها من النيل.
وعندما تحلل أهدافها من إنشاء سد النهضة هو إقامة بنك المياه الإثيوبى كأول بنك للمياه فى العالم تحقق من وراءه الاستفادة الشخصية فى إطار ما تطلق عليه تقاسم المياه، وتحول المياه إلى سلعة تباع وتشترى، ولكى نحافظ على حقوقنا المائية، يجب التعاون المشترك بين مصر والسودان، ولن يأتى ذلك باللجنة الفنية، لأنها تستهدف فى النهاية أن تتحمل مصر والسودان ثمن المياه التى تصل إلى أراضيها، استغلالا لحالة «التراخى» فى مطالب الحقوق المائية، وهو ما يؤدى إلى ضياعها.
======================
سد النهضة الأثيوبى: ينبغى إنشاؤه وفقا للقانون الدولى .. بقلم: د. أحمد المفتى المحامى
اولاً: طرح قانونى دون إحالات مرجعية: نشير ابتداءاً الى اننا قد حرصنا على حذف كافة الاحالات المرجعية من هذا المقال حتى يصلح للعرض على نقاش عام يشترك فيه غير القانونيين ، ولكن وفى ذات الوقت فإننا نؤكد على سلامة ودقة الطرح القانونى الوارد فيه . ثانيا: أهمية القانون الدولى فى التعامل مع الدول: مع علمنا التام بان الساحة الدولية هى ساحة سياسية تختلف عن ساحات المحاكم والتحكيم ، وان الدول الكبرى على وجه التحديد تتحرك فى الساحة الدولية وفق مصالحها وليس وفق القانون الدولى ، إلا ان "منظور القانون الدولى" لا يغيب ابداً عن بال تلك الدول . والسبب فى ذلك هو أنه عندما انشئت تلك الدول النظام الدولى الجديد بموجب ميثاق الأمم المتحدة عام 1945 ، وهو النظام الذى ينظم علاقات الدول مع بعضها البعض ، فإنها قد انشأته بموجب ميثاق الأمم المتحدة والذى هو وثيقة قانونية . وبالاضافة الى ذلك فإن القانون الدولى هو توافقات الدول وممارساتها المتواترة ، ولذلك فإن الاعتبارات السياسية والأمنية والمصالح هى جزء لا يتجزأ من الاعتبارات التى تأسس عليها ذلك القانون . ولذلك فانه على الرغم من أن الكثير من الدول تعمل فى احيان كثيرة بالمخالفة للقانون الدولى ، إلا أنها تحرص حرصاً شديداً على ايجاد مبرر قانونى لتصرفاتها تلك ، ولا تتجرأ على جحود القانون الدولى صراحة . والشواهد على ذلك كثيرة ، ومن ذلك ان الولايات المتحدة الامريكية قد لجأت الى مجلس الامن لتقنين دخولها للعراق والذى بدأ استقلالاً غير مشروع للقوة . وإستناداً الى ذلك فإننا نرى أن الذين يحللون الشؤون الدولية من منظور سياسى أو أمنى أو من منظور المصالح ، عليهم ان يتذكروا دائما أهمية تأسيس ذلك التحليل على القانون الدولى حتى لا يكون حظه من القبول ضعيفاً ، إلا إذا كان ذلك التحليل يعتمد على مواقف مدعومة بنفوذ سياسى أو اقتصادى أو عسكرى كبير . وبما أنه من المعلوم ان نفوذ السودان السياسى أو الاقتصادى أو العسكرى على الصعيد الدولى ضعيف فى الوقت الراهن ، فانه لابد ان يكون السودان من اكثر الدول حرصاً على مراعاة القانون الدولى فى تصرفاته ، وفى مطالباته تجاه الدول الأخرى أو المجتمع الدولى ، سواء كان ذلك فى مجال الموارد المائية المشتركة أو خلافها . ثالثاً: مصادر القانون الدولى غير مختلف حولها ولكن اثيوبيا لا تعترف بها فى مجال الموارد المائية المشتركة: لا شك أن أهم مصدرين من مصارد القانون الدولى نص عليهما ميثاق الأمم المتحدة ، والذى هو أقوى التزام دولى ، هما الاتفاقيات الدولية ، والعرف الدولى ، والذى هو عبارة عن العادات الدولية المرعية المعتبرة بمثابة قانون دل عليه تواتر الاستعمال . وفيما يتعلق بالقانون الدولى فى مجال الموارد المائية الدولية المشتركة على وجه التحديد ، فإن المجتمع الدولى والدول المشاطئة قد بذلوا جهوداً كبيرة جداً لتقنين ذلك بصورة واضحة . ولقد تمثلت تلك الجهود والتى لا تعترف بها اثيوبيا فى الآتى: (1) الاتفاقيات التى أبرمت فى حوض النيل ، خاصة اتفاقية 1902 التى ابرمها منليك ملك اثيوبيا مع المستعمر البريطانى للسودان ، والتى ضمن بموجبها عدم اعتراض النيل الأزرق والسوباط وبحيرة تانا دون موافقة حكومة السودان ، فى مقابل اعتراف بريطانيا بخريطة الحدود الدولية التى ارفقها مع تلك الاتفاقية . وكذلك اتفاقية 1959 بين السودان ومصر التى لا تلزم دول حوض النيل الأخرى ، ولكنها تتوافق مع القانون الدولى لأنها اعترفت بحقوق دول حوض النيل الأخرى ونصت على توفيرها مناصفة من حصة كل من السودان ومصر ، على الرغم مما فى ذلك من إجحاف على السودان . (2) على المستوى الدولى الرسمى وجهت الجمعية العامة للأمم المتحدة لجنة القانون الدولى (ILC) منذ خمسينات القرن الماضى بتقنين القانون الدولى للموارد المائية المشتركة . وفى العام 1994 فرغت اللجنة من اعمالها وقدمتها للجمعية العامة للأمم المتحدة التى احالتها للدول للتعليق عليها ومن ثم اعتمدتها باسم اتفاقية قانون استخدام المجارى المائية الدولية فى الأغراض غير الملاحية عام 1997 . وعلى الرغم من انها لم تدخل حيز النفاذ حتى تاريخه ، إلا انها قد أصبحت قانوناً دولياً عرفياً ، حسبما ورد فى حكم محكمة العدل الدولية عام 1997 . ولقد أبدت اثيوبيا 4 تحفظات على تلك الاتفاقية وهى: (أ) عدم الاعتراف بالاتفاقيات السابقة التى اعترفت بها المادة الثالثة من تلك الاتفاقية مثل اتفاقية 1902 المشار اليها أعلاه . ويترتب على ذلك كذلك عدم استقرار الحدود الدولية بين السودان واثيوبيا ، لأنه عندما اعدت اثيوبيا اتفاقية 1902 فإنها قد ارفقت معها خريطة بالحدود الدولية بين السودان واثيوبيا حسبما ترى اثيوبيا ، وفى مقابل موافقة السودان على تلك الخريطة التزمت اثيوبيا فى تلك الاتفاقية بالأمن المائى للسودان ، كما سبق أن أوضحنا . ولذلك فإن إنشاء سد النهضة من دون ضمان الأمن المائى للسودان يعتبر الغاءاً لذلك الجزء من الاتفاقية ، وفى ذات الوقت الابقاء على الحدود الدولية جسب الرؤية الآثيوبية . (ب) عدم الاعتراف بمبدأ عدم تسبيب الضرر . (ج) عدم الاعتراف بنتائج تحقيق اى لجنه فنية . (د) عدم الاعتراف بالاخطار المسبق للمنشآت المائية مثل سد النهضة .
(3) على المستوى الدولى غير الرسمى اقرت جمعية القانون الدولى (ILA) فى العام 1966 قواعد هلسنكى المعروفة والتى تعدلت بقواعد برلين للعام 2004 وهى تنص على الآتى: "يجب أن لا يسبب الاستخدام من قبل اى دولة مشاطئة تأثيراً سلبياً جوهرياً على الحقوق والاستخدامات فى الدول المشاطئة الاخرى إلا بموافقة تلك الدول صراحة" . وكما ذكرنا فإن اثيوبيا لا تعترف بذلك المبدأ الذى ورد كذلك فى اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1997 ، المشار اليها اعلاه . (4) فى العام 2010 اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية 122 صوتاً قراراً يعترف بحق الانسان فى الماء لاغراض معينة ، ولكن اثيوبيا تحفظت على ذلك الحق كذلك . (5) لقد كان تنفيذ استراتيجية السودان فى مجال الموارد المائية ، وهى توفير اكبر قدر من الموارد المائية عن طريق اطار تعاون قانونى ومؤسسى شامل بين كافة دول حوض النيل ، يسير فى الاتجاه الصحيح حتى 26 مايو 2011 عندما قبل السودان ومصر الاشتراك فى اللجنة الدولية الثلاثية التى اقترحتها اثيوبيا من دون اى تحفظات ، على الرغم من ان اثيوبيا كانت قد اعلنت خلال مارس/ ابريل 2011 عن إنشاء سد النهضة ووقعت على العقود ووضعت حجر الاساس . ولقد اعترضت على ذلك الأمر فى حينه بخطاب مؤرخ 26 مايو 2011 للأسباب الآتية: (أ) أن اعلان انشاء السد والتوقيع على عقود الانشاء ووضع حجر الاساس قبل إنشاء اطار قانونى ومؤسسى موسع يتضمن تكوين لجنة تعنى بالجوانب الفنية ، يعنى من الناحية القانونية ان اثيوبيا تؤكد موقفها القانونى المشار اليه اعلاه والذى يتعارض مع القانون الدولى ، وهو التصرف بإرادة منفردة فى مياه النيل . ولا شك أن التراخى فى الاعتراض الرسمى على ذلك التصرف يكسب التصرفات الاثيوبية المنفردة الشرعية ، ويؤدى الى ضياع الحقوق . ومن المعلوم ان مسعى السودان الاستراتيجى لأن يصبح سلة غذاء دول حوض النيل وافريقيا والعالم العربى والعالم بأكمله لن يتحقق بحصة السودان الحالية من مياه النيل ، كما أنه لن يتحقق باسترداد السلفية المائية من مصر التى نصح بها د. سلمان ، ,انما يتحقق فقط بـ"الأمن المائى" الذى التزمت به اثيوبيا بموجب الاتفاقية المبرمة بين البلدين سنة 1902 . ونوضح أن المياه خلف السد العالى والمخزنة داخل الأراضى السودانية هى تحت تصرف السودان ومصر بموجب اتفاقية 1959 ، وذلك ترتيب يحقق الأمن المائى للدولتين ، أما المياه التى سوف تخزن خلف سد النهضة والتى سوف تشمل وفورات مائية كثيرة بسبب قلة التبخر ، بخلاف التبخر الكبير خلف السد العالى والمقدر بعشرة مليار متر مكعب من الماء ، فانها سوف تكون تحت تصرف اثيوبيا بالكامل . ونوضح بأن اثيوبيا لا تعترف حتى بحصتى السودان ومصر فى اتفاقية 1959 ، وبما أنه ليس فى ترتيبات سد النهضة ما يضمن للسودان ومصر احتياجاتهما المستقبلية سوى حسن نية اثيوبيا ، ولا اعتقد ان المصالح الاستراتيجية تتحقق بالاعتماد على حسن النوايا والحديث الدبلوماسى المنمق . والمخاوف التى يمكن ان تساور مصر والسودان فى ذلك الصدد هى ان تحول اثيوبيا تلك المياه الكثيرة خلف سد النهضة الى المناطق الزراعية الشاسعة باثيوبيا خارج الحوض ، أو بيعها للسودان ومصر أو لجهات أخرى عبر النيل . وانه فى حالة رفض السودان للتعاون ، فانها سوف تعمل على تصريف تلك المياه فى اوقات لا يمكن للسودان الاستفادة منها ، وحينذاك سوف يجد السودان نفسه مضطراً لقبول الإملاءات الاثيوبية . ولان السودان كان يعى تلك الحقيقة جيداً ، فإن المفاوض السودانى قد ربط موافقته على اتفاقية عنتبى بتضمينها نص لتحقيق "الأمن المائى والمحافظة على حقوق واستخدامات كل دول حوض النيل" ، لأن ذلك هو السبيل الوحيد الذى سوف يؤمن "الأمن المائى" للسودان . ومن البدهى أن "الأمن المائى" للسودان هو الذى سوف يحقق "الأمن الغذائى" لدول حوض النيل من خلال مبادئ وحدة المصالح بين دول حوض النيل Community of interests واقتسام المنافع Sharing of Benefits التى حرص السودان على تضمينها فى صلب اتفاقية عنتبى . ولكن بالمخالفة لكل ذلك صرح وزير المياه والبيئة اليوغندى مؤخراً عند تصديق البرلمان اليوغندى على اتفاقية عنتبى انها اتفاقية لإعادة تقسيم المياه ، وليس لإستخدام المياه ، كما تنص الاتفاقية صراحة . (ب) انه قد فات على السودان ومصر الاستفادة من الأجزاء الأخرى فى محضر اجتماع رئيس الوزراء الاثيوبى مع رئيس الوزراء المصرى فى اجتماعتهما بتاريخ 12 – 13 مايو 2011 الذى تكونت بموجبه اللجنة الثلاثية الدولية ، والتى تشير الى “WIN-WIN” و “framework” ، والاحترام والمنافع المتبادلة ، حيث انه كان يمكن لتلك الاجزاء فى حالة فهمها على الوجه الصحيح وبلورتها ان تعالج الموقف . ولقد كان نص المحضر كالآتى: 2. The Nile issue should be treated on a win-win basis and agreed on the need to package a framework based on mutual respect and benefit”. 3. Ethiopia will delay ratification of the CFA until there is permanent government in Egypt. 4. “Both sides agreed that an Independent Technical Committee of Experts from Ethiopia, Egypt and the Sudan together with International experts should look at the technicalities and impact of the new Ethiopian Renaissance Dam. The Terms of reference should be agreed in due course”.
(ج) وضع الشروط المرجعية لتلك اللجنة لاحقاً باتفاق الثلاث دول ، وليس وفقاً للقانون الدولى الذى يحدد الشروط المرجعية للاخطار المسبق . وتأكيداً لمخاوفنا اعلنت اثيوبيا قرب فراغ اللجنة من اعمالها انها غير ملزمة بمخرجاتها . ولتأكيد ذلك الموقف الاثيوبى نشير الى انه وفى ندوة مفتوحة قبل شهر اقامها الاتحاد العام للطلاب السودانيين تحدثت فيها عن التعاون بين دول حوض النيل وعن سد النهضة ، وتحدث فيها كذلك السفير الاثيوبى بالخرطوم ، فإنه قد اعترف امام الجميع بان اثيوبيا قد فرغت من دراسات سد الألفية فى العام 2008/ 2009 ، إلا انها لن تعطى تلك الدراسات للسودان أو مصر لأنهما لم يطلعاها على دراسات السد العالى وخزان سنار وخزان الروصيرص . (6) لقد حقق السودان نجاحات باهرة فى اجتماع وزراء المياه بدول حوض النيل الذى عقد برواندا فى يوليو 2012 ، ونتيجة لذلك طالب رئيس المجلس الوزارى منذ أغسطس 2012 السودان ومصر بتقديم رؤيتهما التوافقية حول اتفاقية عنتبى والتى وعدا بتقديمها فى اجتماع وزارى طارئ يعقد فى سبتمبر 2012 ، ولكن حتى تاريخه لم يستجيب السودان لتلك المطالبة التى كان قد سعى لها ، معولاً على تعاون وثيق مع اثيوبيا . إلا ان اثيوبيا بعد ان ضمنت موافقة السودان على سد النهضة سارع برلمانها بالتصديق على اتفاقية عنتبى ضارباً بالتعاون مع السودان عرض الحائط . وكما هو معلوم فإن الخلاف حول اتفاقية عنتبى هو ذات الخلاف الدائر حالياً حول سد النهضة الاثيوبى ، وهو عدم اعتراف اثيوبيا بالأمن المائى . وسوف يطل ذلك الخلاف برأسه كلما سعت اى دولة من دول حوض النيل الى انشاء اى مشروعات مائية . ولذلك ما كان ينبغى للسودان ومصر ان يتركا أمر اتفاقية عنتبى معلقاً ، لأن ذلك هو الذى جعل اثيوبيا تسارع بالتصديق عليها قبل ان يتمكن السودان من ادخال تعديلاته عليها . (7) هناك مساع مصرية سودانية لعقد اجتماع ثلاثى لمناقشة الموضوع ، ولقد تولى اجراءات عقد ذلك الاجتماع وزير الخارجية المصرى الذى زار مؤخراً اثيوبيا ثم السودان وعاد الى بلاده ليعلن ان الاجتماعات المتوقعة بين الدول الثلاث سوف تنهى ازمة سد النهضة . وفى تقديرى ان الوعد الاثيوبى بالمشاركة فى تلك الاجتماعات هو الخداع الاستراتيجي الجديد الذى سوف تمارسه اثيوبيا دون تغيير موقفها القانونى ، ولذلك فإننى أوصى بعدم التعويل على تلك الاجتماعات إلا اذا وافقت اثيوبيا على الآتى: (1) مناقشة ايقاف العمل فى السد الى حين انتهاء المشاورات . (2) الموافقة الصريحة على عدم التأثير السلبى على الأمن المائى وحقوق واستخدامات دول الحوض الاخرى . (3) تحديد اطار زمنى لتنفيذ توصيات اللجنة الثلاثية ، خاصة سلامة السد قبل الاستمرار مرة اخرى فى العمل فى السد . (4) تحديد ميعاد عاجل لعقد اجتماع الوزراء الثلاثة . (5) ان تكون مخرجات الاجتماع الثلاثى اتفاقية دولية تكون إطاراً قانونياً ومؤسسياً بين الدول الثلاث يتضمن الموضوعات المشار اليها اعلاه قبل مواصلة العمل فى السد .
(8) بروتوكول دول الجنوب الافريقى المعدل (SADC) لسنة 2000 والذى صادقت عليه تنزانيا وهى أحدى دول اتفاقية عنتبى ، يتضمن الاعتراف بالاتفاقيات السابقة والاخطار المسبق على النحو الذى نصت عليه اتفاقية الامم المتحدة لسنة 1997 ، والذى لا تعترف به اثيوبيا . (9) المسودة التى تقدمت بها حكومة جنوب السودان لاتفاقية حول المياه فى مايو 2011 ، اعتمدت على القانون الدولى المشار اليه اعلاه فى كثير من اجزائه ، وحذفت الاجزاء التى لا تروقهم ، ويمكن ادخالها عن طريق التفاوض . (10) فك السودان لتجميد نشاطه فى مبادرة دول حوض النيل دون تقديم رؤية حول كيفية الفصل بين اتفاقية عنتبى بصورتها الحالية والمبادرة ، سوف يؤدى الى سيادة اتفاقية عنتبى تدريجياً على المبادرة وتذويبها فى المفوضية التى تنص عليها اتفاقية عنتبى ، وهكذا يضيع الأمن المائى الذى يحرص عليه السودان .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق